لما خرج ابراهيم عليه السلام الى الصحراء نزل في مكان يقال له « الابطح » وادي في مكة واسع لا ماء فيه ولا زرع ، فوضع زوجته هاجر مع ابنها اسماعيل عليه السلام في ذلك المكان ، « كما امره الله تعالى بذلك ».
فلما اراد الانصراف عنهم قالت له هاجر : يا ابراهيم لماذا وضعتنا في موضع ليس فيه انيس ولا ماء ولا زرع ؟ ومن يكفينا ؟
فقال ابراهيم عليه السلام : الذي امرني ان اضعكم في هذا المكان هو الذي يكفيكم ، ثم انصرف عنهم ، فلما ابتعد عنهم قليلا التفت اليهم فقال : « ربنا اني اسكنت من ذريتي بواد غير ذي زرع عند بيتك المحرم ربنا ليقيموا الصلاة فاجعل افئدة من الناس تهوي اليهم وارزقهم من الثمرات لعلهم يشكرون » (1). ثم مضى وانصرف وبقيت هاجر وابنها اسماعيل وحدهم في تلك الصحراء القاحلة.
فلما غاب عنهم ابراهيم وارتفع النهار عطش اسماعيل وطلب ماء ، فقامت هاجر في الوادي تبحث عن الماء فنادت باعلى صوتها : هل في الوادي من انيس ؟ فلم يجبها سوى الصدى ، فابتعدت عن اسماعيل وصعدت على جبل الصفا ولمع لها السراب في الوادي وظنت انه ماء ، فنزلت في بطن الوادي وسعت فلما بلغت المسعى غاب عنها.
ثم لمع لها السراب من ناحية المروة ، فهبطت الى الوادي تطلب الماء فلما فلما اقتربت منه غاب عنها ، حتى فعلت ذلك سبع مرات ، فلما كان في الشوط السابع وهي على المروة نظرت الى اسماعيل وقد ظهر الماء من تحت رجليه فجائت اليه وجمعت حوله رملا فزمته ، فلذلك سميت « زمزم » وسقت اسماعيل من ذلك الماء.
فلما ظهر الماء في تلك المنطقة ، وانبت الزرع والشجر وعكف الطير والوحش على الماء ، نظرت قبيلة جرهم الى انعطاف الطير والوحش على ذلك المكان ، اتبعوها حتى وصلوا الى الماء فنظروا الى امرأة وصبي نازلين في ذلك الموضع قد استظلا بشجرة وقد ظهر الماء لهما.
فقالوا لهاجر : من انت ؟ وما شانك وشان هذا الصبي ؟
قالت : انا ام ولد ابراهيم خليل الرحمن ، وهذا ابنه ، امره الله ان ينزلنا ههنا.
فقالوا لها : فتاذنين لنا ان نكون بالقرب منكم ؟
قالت لهم : حتى يأتي ابراهيم.
فلما زارهم ابراهيم في اليوم الثالث اخبرته هاجر بالقوم والنزول بالقرب منهم ، فقال نعم ، واذن لهم فنزلوا بالقرب منهم وضربوا خيامهم فانست هاجر واسماعيل بهم.
فلما كبر اسماعيل وترعرع وكانت جرهم قد وهبوا لاسماعيل كل واحد منهم شاة او شاتين ، وكانت هاجر واسماعيل يعيشان بها.
فلما بلغ اسماعيل مبلغ الرجال امر الله ابراهيم عليه السلام ان يبني البيت ، فقال : يا رب في اية بقعة ابني البيت ، فبعث الله تعالى جبرئيل عليه السلام فخط له موضع البيت فقام ابراهيم بمساعدت ولده اسماعيل عليهما السلام ببناء البيت الحرام.
روي عن الامام الباقر عليه السلام قال : نزلت ثلاثة احجار من الجنة : مقام ابراهيم ، وحجر بني اسرائيل ، والحجر الاسود ، استودعه الله ابراهيم ، وكان الحجر ابيض اشد بياضا من القراطيس فاسود من خطايا بني آدم.
________________________________________
1 ـ ابراهيم : 37.