حدثني العالم الجليل، والمولى النبيل العدل الثقة الرضي المرضي الآميرزا إسماعيل السلماسي وهو من أوثق أهل العلم والفضل وأئمة الجماعة في مشهد الكاظم عليه السلام عن والده العالم العليم المتقدم ذكره المولى زين العابدين السلماسي أو عن أخيه الثقة الصالح الأكبر منه في السن الآميرزا محمّد باقر رحمه الله قال سلمه الله والترديد لتطاول الزمان لأن سماعي لهذه الحكاية يقرب من خمسين سنة قال:
قال والدي: مما ذكر من الكرامات للأئمة الطاهرين عليهم السلام في سر من رأى في المائة الثانية، والظاهر أنه أواخر المائة أو في أوائل المائة الثالثة بعد الألف من الهجرة أنه جاء رجل من الأعاجم إلى زيارة العسكريين عليهما السلام وذلك في زمن الصيف وشدة الحر، وقد قصد الزيارة في وقت كان الكليددار في الرواق ومغلقا أبواب الحرم، ومتهيئا للنوم، عند الشباك الغربي.
فلما أحس بمجيئ الزوار، فتح الباب وأراد أن يزوره فقال له الزائر: خذ هذا الدينار واتركني حتّى أزور بتوجه وحضور فامتنع المزور وقال: لا أخرم القاعدة فدفع إليه الدينار الثاني والثالث فلما رأى المزور كثرة الدنانير ازداد امتناعا ومنع الزائر من الدخول إلى الحرم الشريف ورد إليه الدنانير.
فتوجه الزائر إلى الحرم وقال بانكسار: بأبي أنتما وأمي أردت زيارتكما بخضوع وخشوع، وقد اطلعتما على منعه إياي، فأخرجه المزور، وغلق الأبواب ظنا منه أنه يرجع إليه ويعطيه بكل ما يقدر عليه، وتوجه إلى الطرف الشرقي قاصدا السلوك إلى الشباك الذي في الطرف الغربي.
فلما وصل إلى الركن وأراد الانحراف إلى طرف الشباك، رأى ثلاثة أشخاص مقبلين صافين إلا أن أحدهم متقدم على الذي في جنبه بيسير وكذا الثاني ممن يليه، وكان الثالث هو أصغرهم وفي يده قطعة رمح وفي رأسه سنان فبهت المزور عند رؤيتهم، فتوجه صاحب الرمح إليه وقد امتلأ غيظا واحمرت عيناه من الغضب، وحرك الرمح مريدا طعنه قائلا: يا ملعون بن الملعون كأنه جاء إلى دارك أو إلى زيارتك فمنعته؟
فعند ذلك توجه إليه أكبرهم مشيرا بكفه مانعا له قائلا: جارك ارفق بجارك فأمسك صاحب الرمح، ثمّ هاج غضبه ثانيا محركا للرمح قائلا ما قاله أولا فأشار إليه الأكبر أيضا كما فعل، فأمسك صاحب الرمح.
وفي المرة الثالثة لم يشعر المزور أن سقط مغشيا عليه، ولم يفق إلا في اليوم الثاني أو الثالث وهو في داره أتوا به أقاربه، بعد أن فتحوا الباب عند المساء لما رأوه مغلقا، فوجدوه كذلك وهم حوله باكون فقص عليهم ما جرى بينه وبين الزائر والأشخاص وصاح ادركوني بالماء فقد احترقت وهلكت، فأخذوا يصبون عليه الماء، وهو يستغيث إلى أن كشفوا عن جنبه فرأوا مقدار درهم منه قد اسود وهو يقول قد طعنني صاحب القطعة.
فعند ذلك أشخصوه إلى بغداد، وعرضوه على الأطباء، فعجز الأطباء من علاجه فذهبوا به إلى البصرة وعرضوه على الطبيب الافرنجي فتحير في علاجه لأنه جس يده(1) فما أحس بما يدل على سوء المزاج وما رأى ورما ومادة في الموضع المذكور فقال مبتدئا: إني أظن أن هذا الشخص قد أساء الأدب مع بعض الأولياء فاشتد بهذا البلاء.
فلما يئسوا من العلاج رجعوا به إلى بغداد فمات في الرجوع إما في الطريق أو في بغداد والظاهر أن اسم هذا الخبيث كان حسانا.
(1) يقال: جس الشئ يجس - بالضم - مسه بيده ليتعرفه. والمراد أنه أخذ نبضه فلم يجد اختلالا في الدم يكون سببا لاحتراقه والتهابه.