نتيجة على ما سبق كانت السور المكيّة ستاً وثمانين سورة، أولهنّ سورة العلق وآخرهنّ سورة المطفّفين، والسور المدنيّة ثماني وعشرين سورة، أوّلهنّ سورة البقرة، وآخرهنّ سورة براءة. ولكن هذا التحديد لم يكن متّفقاً عليه عند الجميع، فهناك في أكثر من ثلاثين سورة خالف بعضهم ما أثبتناه في القائمتين. وفيما يلي عرض موجز عن هذا الاختلاف، مع إلمامة قصيرة إلى وجه اختيارنا في الموضوع، ونؤجّل التفصيل إلى تفسيرنا الوسيط: 1- سورة الفاتحة قال مجاهد: إنّها مدنيّة (1). قال الحسين بن الفضل: هذه هفوة من مجاهد، لأنّ العلماء على خلاف قوله (2) ولقول عليّ (عليه السلام): نزلت فاتحة الكتاب بمكة من كنز تحت العرش (3). ولقوله تعالى: ﴿وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعاً مِّنَ الْمَثَانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ﴾ (4)، وسورة الحجر مكيّة باتّفاق، وهذا إخبار عن ماض سبق. ولأنّها أوّل سورة كاملة نزلت على رسول الله (صلى الله عليه وآله) علّمه ايّاها جبرئيل (5) ومن ثم سميّت بفاتحة الكتاب (6) فكان (صلى الله عليه وآله) يصلّي بها في أُولى جماعة انعقدت بهم نطفة الإسلام، ولا صلاة إلاّ بفاتحة الكتاب (7) قال جلال الدين: ولم يحفظ صلاة بغير فاتحة الكتاب (8). 2- سورة النساء زعم النحّاس أنّها مكيّة، نظراً الى قوله تعالى: ﴿إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤدُّواْ الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا﴾ (9) فقد قال ابن جريح: إنّها نزلت بمكة عام الفتح بشأن مفتاح البيت الحرام، أراد النبيّ (صلى الله عليه وآله) أن يدفعه الى العباس بن عبدالمطلب فأمره الله أن يدفعه الى عثمان بن طلحة، حيث كان (صلى الله عليه وآله) قد أخذه منه (10). لكن المفسّرين اتفقوا على أنّها مدنيّة، نظراً لضعف إسناد هذا الحديث. على أنّ نزول آية أو سورة بمكة عام الفتح لا يجعلها مكيّة، على الاصطلاح المشهور: ما نزل بعد الهجرة فهو مدنيّ ولو كان نزوله بمكة. وأخيراً فإنّ السورة بكاملها لا تتّسم بسمة آية واحدة فيها: كان نزولها على غير نزول السورة. 3- سورة يونس في رواية شاذة عن ابن عباس: أنّها مدنية (11). ولم تثبت هذه الرواية، فضلا عن مخالفتها للنصّ المتقدّم عن ابن عباس نفسه في ترتيب نزول السور، وكان متفقاً عليه تقريباً. 4- سورة الرعد قال محمد بن السائب الكلبي ومقاتل وعطاء إنّها مكية (12). وكذا في رواية رواها مجاهد عن ابن عباس (13). ورجّح سيّد قطب هذا القول، قال: ومكيّة هذه السورة شديدة الوضوح، سواء في طبيعة موضوعها أو طريقة أدائها أو في جوّها العام الذي لا يخطئ تنسّمه من يعيش في ظلال هذا القرآن (14). لكن روايات الترتيب اتفقت على أنّها مدنيّة نزلت بعد سورة القتال، كما جاء في رواية عكرمة والحسين بن ابي الحسن. ورواية خصيف عن مجاهد عن ابن عباس نفسه (15). وكذا قال الحسن وقتادة (16). وأمّا سياق السورة فإنّه توجيه عام للبشريّة الى آيات التوحيد، الأمر الذي تشترك فيها السور المكيّة والمدنيّة، ككثير من آيات سورة البقرة وغيرها من سور مدنيّات. والعمدة: اتفاق روايات الترتيب. ويتّضح ذلك أكثر عند الكلام عن سورة الرحمان. 5- سورة الحج قال أبو محمد مكي بن أبي طالب: إنّها مكيذة (17). وروى ذلك عن مجاهد بسند فيه ضعف (18) قال: سألت ابن عباس عن نزول السور، حتى انتهى الى سورة الحج، فقال: أُنزلت بمكة سوى الآيات الثلاث (19و20و21) نزلن بالمدينة (19) ولما رواه الطبري من حديث الغرانيق (20) وأيضاً فإنّ لهجتها الشديدة تناسب نزولها بمكة! قلت: كلّ ذلك لا يقاوم اتفاق كلمة روايات الترتيب ونصوص المؤرّخين. ورواية مجاهد- مع ضعف سندها- معارضة بروايات الترتيب المتفق عليها (21). أمّا حديث الغرانيق فحديث خرافة لا أصل لها (22). وأمّا اللهجة فهي غالبيّة وليست دائميّة، ومن ثم لا تصلح مستنداً للحكم عليها. 6- سورة الفرقان زعم الضحّاك أنّها مدنية، نظراً لآيات في آخرها قيل فيها: انّها مدنية (23). وهذا لوحده لا يصلح دليلاً على مدنيّتها بعد اتفاق روايات الترتيب. 7- سورة يس قيل: إنّها مدنيّة (24). ولم يعرف هذا القائل ولا دليله الذي استند إليه. والإجماع منعقد على أنّها مكيّة. 8- سورة ص أيضاً قيل: مدنيّة (25) وهو شاذّ مخالف للإجماع. 9- سورة محمد (صلى الله عليه وآله) فيها قول ضعيف: أنّها مكيّة (26) وهو غريب بعد انّ كانت سورة القتال! 10- سورة الحجرات قيل: إنّها مكية. وهي مدنيّة بالاجماع قولا واحداً (27). 11- سورة الرحمان جاء في نصّ الفهرست واليعقوبي: أنّها مكيّة. وذهب المشهور أيضاً الى ذلك. قال جلال الدين: وهو الصواب، لما رواه الترمذي والحاكم عن جابر قال: لما قرأ رسول الله (صلى الله عليه وآله) سورة الرحمان على أصحابه حتى فرغ. قال: مالي أراكم سكوتا؟ للجنّ كانوا أحسن منكم ردّاً! ما قرأت من مرّة ﴿فَبِأَيِّ آلَاء رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ﴾ إلاّ قالوا: ولا بشيئ من عمك ربّنا نكذّب، فلك الحمد. قال جلال الدين: وقصة الجنّ كانت بمكة (28). قال: وأصرح من ذلك ما رواه أحمد في مسنده عن أسماء بنت أبي بكر، قالت: سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله) وهو يصلّي نحو الركن قبل أن يصدع بما يؤمر والمشركون يسمعون: ﴿فَبِأَيِّ آلَاء رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ﴾ (29) قال: وهذا دليل على أنّها نزلت قبل سورة الحجر. وقال سيّد قطب: نسق السورة تتضح فيه سمات القرآن المكي (30). أقول لا شكّ أنّ رنّتها الأخّاذة تشبه رنّة غالبيّة السور المكيّة، بل من أوقعها على مسامع النفس. لكن ليس هذا وحده دليلاً على مكيّتها بعد أن لم يكن ميزة اختصاصيّة، وكانت توجد في سور مدنيّة أيضاً، كما في سورة الزلزلة، وسورة البيّنة، وسورة الإنسان، وغيرهنّ. وكثير من سور مكيّة جاءت في لهجة هادئة كسورة يوسف ويونس وهود والأنعام والأعراف وغيرهنّ كثير. وأمّا حديث الجنّ فلا دليل على أنّه كان بمكة، إذ لا ملازمة بين هذا الحديث وحديث نزول سورة الجن بمكة. فلعلّها قصة أُخرى كانت بالمدينة. وأمّا حديث أسماء –إن صحّ- فهو يدلّ على نزولها في باكورة البعثة، ولا قائل بذلك لأنّها قالت: قبل أن يصدع بالأمر. هذا فضلا عن ضعف إسناد هذا الحديث- كما جاء في المسند- بسبب وجود ابن لهيعة قاضي مصر، في طريقه، وهو مطعون فيه، فقد ضعّفه ابن معين وقال: لا يحتجّ بحديثه. وكان يحيى بن سعيد لا يراه شيئاً (31). وأخيرا فإنّ هكذا تعليلات ضعيفة لا تقاوم روايات الترتيب المتفق عليها (32). 12- سورة الحديد قال قوم: إنّها مكيّة (33) استناداً الى حديث إسلام عمر بن الخطاب، دخل على أخته فوجد عندها صحيفة فيه سورة الحديد، فقرأها حتى بلغ: ﴿إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ﴾ (34) فحبّب إليه الإسلام فأتى النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) وأسلم على يديه (35). وهذا الحديث معارض بحديث ابن إسحاق: كانت في صحيفة سورة طه، فقرأها حتى انتهى الى قوله تعالى: ﴿لِتُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا تَسْعَى﴾(36). وقيل إنَّ الصحيفة كان فيها مع سورة طه: ﴿إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ﴾. وإنَّ عمر انتهى في قراءتها الى قوله: ﴿عَلِمَتْ نَفْسٌ مَّا أَحْضَرَتْ﴾. فلان قلبه ورغب في الاسلام (37). ومعارض أيضاً بحديث شريح بن عبيد، قال: قال عمر: خرجت اتعرّض رسول الله (صلى الله عليه وآله) قبل أن أسلم فوجدته سبقني الى المسجد، فقمت خلفه، فاستفتح سورة الحاقّة فجعلت أعجب من تأليف القرآن، فلمّا أتمّها وقع الإسلام في قلبي كلّ موقع (38). هذا وذاك الحديث مرسل، أرسله من لا يوثق به. قال ان حجر: والحديث بسند فيه إسحاق بن عبدالله بن أبي فروة (39). وأشار بذلك الى غمز في السند، لأنّ ابن أبي فروة هذا مطعون فيه متروك الحديث (40). وتمسّك بعضهم بحديث ابن مسعود: قال: ما كان بين إسلامنا وبين أن عوتبنا بقوله تعالى: ﴿أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَن تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ... الى قوله: فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ فَاسِقُونَ﴾(41) إلاّ أربع سنين، فجعل المؤمنون يعاتب بعضهم بعضاً (42). قلت: وهذا الحديث أيضاً معارض بأحاديث تنصّ على أنّها نزلت بعد الهجرة بسنة، بشأن المنافقين (43) او بعد ما أترف المؤمنون فكادت تقسي قلوبهم (44). 13- سورة الصف قال ابن حزم: مكيّة (45) لكن الجمهور وروايات الترتيب على خلاف قوله، فالصحيح أنّها مدنيّة، ونسب ابن الغرس ذلك الى الجمهور (46). 14- سورة الجمعة مدنيّة بالإجماع، والمخالف غير معروف. قال جلال الدين: ثبت في نصوص صحيحة أنّها مدنية كلّها (47). 15- سورة التغابن قيل: مكيّة الى قوله تعالى: ﴿فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ﴾ (48) نسب ذلك الى ابن عباس (49) غير أنّ روايات الترتيب مطبقة على أنّها مدنيذة كلّها. 16- سورة الملك فيها قول غريب: أنّها مدنيّة (50) والصحيح أنّها مكيّة قولا واحداً. 17- سورة الإنسان قال عبدالله بن الزبير:نزلت بمكة (51) وتبعه على ذلك جماعة ممّن يروقهم إنكار أي فضيلة لأهل البيت (عليهم السلام) وهي النقطة المركزيّة التي تدور عليها رحى هذا التبجّج الغريب (52)! وعداء ابن الزبير لأهل البيت مشهور! وهكذا أصرّ سيّد قطب على أنّها مكيّة، مستشهداً بالسياق وقال: واحتمال أنّ هذه السورة مدنيّة – في نظرنا- هو احتمال ضعيف جداً، يمكن عدم اعتباره (53). قال الحافظ الحسكاني: اعترض بعض النواصب بأنّ هذه السورة مكيّة باتفاق المفسّرين، وهذه القصة – إن كانت- فهي مدنيّة، فكيف كانت سبب نزول السورة؟! فقال – ردّاً على هذا القائل-: كيف يسوغ له دعوى الإجماع، مع قول الأكثر: أنّها مدنيّة!... ثم ذكر نصوص الأئمة على ترتيب السور مصرّحة بأنّها نزلت في المدينة بعد سورة الرحمان وقبل سورة الطلاق، وفق ما قدّمنا (54). وهكذا حقّق العلاّمة الطبرسي في تفسيره وغيره من محقّقي المفسّرين. والعمدة: إطباق روايات الترتيب، لا تشذّ منها في ذلك ولا رواية واحدة (55) وعليه فقضيّة السياق واهية، بعد أن لم تكن كليّة دائميّة. قال السيّد شبّر: القول بأنذها مكيّة يكذّبه النقل الصحيح (56). هذا ونؤجّل التفصيل في ذلك الى تفسيرنا الوسيط. 18- سورة المطففين قال اليعقوبي: أوّل سورة نزلت بالمدينة (57) وقيل: نزلت عليه (صلى الله عليه وآله) وهو مهاجر في طريقه الى المدينة (58). قال جلال الدين: اخرج النسائي وغيره بسند صحيح عن ابن عباس، قال: لمّا قدم النبيّ (صلى الله عليه وآله) المدينة كانوا من أخبث الناس كيلا، فأنزل الله هذه السورة، فأحسنوا الكيل (59). قلت: هذا تناقض روايات الترتيب المتّفقة على أنّها آخر السور المكيّة. كما أنّ لهجة السورة العنيفة لا تتناسب وبدء قدوم نبيّ الرحمة الى المدينة في اوّل عهده بأهلها المستسلمين له، ولا سيّما مع هذا التكرار في لفظة (كلا) التي تشى بعناد المخاطب وإنكاره الخبيث ممّا لا يلتئم مع جوّ الإيمان السليم الذي أبداه أهل المدينة آنذاك!! وقد سبق كلام الجعبري: كلّ سورة فيها (كلاّ) فهي مكيّة (60). 19- سورة الأعلى قيل: إنّها مدنيّة، استناداً الى قوله تعالى: ﴿قَدْ أَفْلَحَ مَن تَزَكَّى. وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى﴾ (61) إشارة الى صلاة العيد وزكاة الفطرة (62). قلت: الآية عامّة. والرواية - إن صحت- جاءت لتطبّق هذا العموم على مصداق من مصاديقه، لا أنّه هو المقصود الذاتي لا غير. ثم لو سلّمنا أنّ هاتين الآيتين نزلتا بالمدينة، فلا يدلّ ذلك على أنّ جميع السورة بكاملها مدنيّة. فالصحيح أنّ السورة مكيّة حتى ولو كانت بعض آيها مدنيّة. هذا فضلاً عن شهادة اللهجة بمكيّتها! 20- سورة الفجر مكيّة بالاتفاق. والقائل بالخلاف غير معروف (63). 21- سورة البلد مكيّة بالإجماع، لأنّ البلد هي مكة المكرّمة بالاتفاق، فكيف يقول القائل: إنَّها مدنيّة؟! (64). 22- سورة الليل قيل: انّها مدنيّة، نظراً لما روي في سبب نزولها: كانت نخلة متدلّية في دار رجل فقير، وكان صبيانه يتناولون تمرها، امّا صاحب النخلة- وهو رجل ثريّ- فكان يجفوهم. فساومه النبيّ (صلى الله عليه وآله) على نخلة في الجنة فأبى، حتى ساومه أنصاريّ على أربعين نخلة، فاشتراها منه ووهبها للنبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) فوهبها النبيّ (صلى الله عليه وآله) الى الرجل الفقير. قيل: فنزلت: ﴿وَأَمَّا مَن بَخِلَ وَاسْتَغْنَى. وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى﴾ (65) غير أنّ السند مقطوع غير موصول. على أنّ الآية لا تنطبق تماماً على فحوى القصّة. فالصحيح: أنّ الآية عامّة في كلّ بخيل بحقّ الله سبحانه فلا يخشى عقابه، كما جاء في رواياتنا، وفي كثير من روايات غيرنا (66). 23- سورة القدر قال ابن حزم وأبومحمد: إنّها مدنيّة (67) لما رواه الحاكم عن الحسن بن عليّ (عليهما السلام) قال: رأى النبيّ (صلى الله عليه وآله) بني أُميَّة ينزون على منبره نزو القردة. فساءه ذلك فنزلت تسلية لخاطره الكريم (68). قال جلال الدين: قال المزي: وهو حديث منكر (69)! لكنّه تعصّب مفضوح، لأنّ الحاكم رواها بسند صحيح، قال: هذا إسناد صحيح. وقرّره على ذلك، الحافظ الذهبي في التلخيص. وأضاف إليه طريقاً آخر ووثقه أيضاً، ثم قال: وما أدري آفته من أين؟! (70) قلت: جاءت آفته من قبل نزعة أُمويّة اشربت في قلوب تحكّمت فيها نزعات قوميّة جاهلية، ومن ثم يصعب عليها الرضوخ للحق مهما بلغ حدّ التواتر واليقين! (71) وبعد فإنّ دلالة هذا الحديث على مدنيّة السورة، جاءت من قبل لفظ (المنبر) إذ لم يكن للنبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) وهو بمكة منبر! لكن هذا وحده لا يصلح دليلاً على ذلك، إذ يجوز -قريباً- أنّه (صلى الله عليه وآله) أُري ذلك بمكة قبل هجرته لتكون بشارة له باعتلاء ذكره، وإلمامة الى الاغتصاب الذي يرتكبه شرار أُمَّته. فلا تتنافي هذه الرواية مع روايات الترتيب أصلاً. وتأييداً لذلك نقول: الآية: ﴿وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤيَا الَّتِي أَرَيْنَاكَ إِلاَّ فِتْنَةً لِّلنَّاسِ وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي القُرْآنِ﴾ (72)، تشير الى نفس الرؤيا المذكورة، والآية من سورة الإسراء المكيّة بالاتفاق، ولم يستثن احد هذه الآية، وإن استثنوا غيرها، كما سيأتي. فقد أخرج ابن أبي حاتم عن ابن عمر: أنّ النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) قال: (رأيت ولد الحكم بن أبي العاص على المنابر كأنّهم القردة، وأنزل الله في ذلك: وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤيَا الَّتِي أَرَيْنَاكَ إِلاَّ فِتْنَةً لِّلنَّاسِ. وقال: وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ، يعني الحكم وولده). وأخرج أيضاً عن يعلى بن مرة، قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): (أريت بني أُميّة على منابر الأرض، وسيتملّكونكم فتجدونهم أرباب سوء، واهتمّ رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول لأبيك وجدك: (إنّكم الشجرة الملعونة في القرآن). وأخرج ابن أبي حاتم وابن مردويه والبيهقي وابن عساكر عن سعيد بن المسيّب، قال: رأى رسول الله (صلى الله عليه وآله) بني أُميّة على المنابر فساءه ذلك، فأوحى الله إليه: إنّما هي دنيا أعطوها. فقرّت عينه، وهي قوله تعالى: ﴿وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤيَا الَّتِي أَرَيْنَاكَ إِلاَّ فِتْنَةً لِّلنَّاسِ﴾ يعني: بلاء للناس (73). قال النيسابوري: واعترض بعضهم بأنّ ايّام بني أُميَّة كانت مذمومة فكيف تذكر في مقام تفخيم أمر ليلة القدر؟ فأجاب: إنذه تفضيل لسعادة معنويّة، وجلال حقيقيّ دائم، على سعادة ظاهريّة، وجلال صوريّ زائل (74). وفي حديث ابن المسيّب الآنف إشارة الى هذا الجواب. 24- سورة البيّنة قال مكيّ بن أبي طالب: مكيّة (75). لكن اتفاق روايات الترتيب ونصوصه على أنّها مدنيّة، ويؤيّدها ما ورد: أنّها لمّا نزلت على النبيّ (صلى الله عليه وآله) دعا أُبي بن كعب فقرأها عليه (76) وأُبي، أنصاريّ، أسلم على يدي رسول الله (صلى الله عليه وآله) بالمدينة. 25- سورة الزلزلة قال ضحّاك وعطاء: مكيّة. وهكذا قال مكيّ بن أبي طالب، ووافقهم سيّد قطب، نظراً للهجتها المثيرة (77). لكن اتفقت كلمة الروايات على أنّها مدنيذة (78) وأيضاً فقد أخرج ابن أبي حاتم عن أبي سعيد الخدري، قال لمّا نزلت ﴿فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ﴾ قلت: يا رسول الله (صلى الله عليه وآله) إنّي لراءٍ عملي؟ قال: نعم. قلت: تلك الكبار الكبار؟ قال: نعم، قلت: الصغار الصغار؟ قال: نعم، قلت: واثكل أُمي!... (79) وأبوسعيد انصاريّ، لم يبلغ إلاّ بعد وقعة أُحد (80). 26- سورة العاديات عن قتادة: أنّها مدنيّة (81)، لرواية منسوبة الى ابن عباس، قال: نزلت في خيل بعثها رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في سريّة فأبطأت، فشقّ ذلك عليه، فأخبره الله بما كان من أمرهم (82). لكن الرواية فيها تمحّل وتهافت ظاهر، وفي نفس الوقت معارضه بما رواه ابن جرير وابن أبي حاتم وابن الأنباري والحاكم- وصحّحه- وابن مردويه، عن ابن عباس أيضاً: أن علياً (عليه السلام) نهره عن تفسير العاديات بالخيل تغير في سبيل الله، وأوضح له: أنّها الإفاضة من عرفات الى المزدلفة... قال ابن عباس: فنزعت عن قولي ورجعت الى قول عليّ (عليه السلام) (83). 27- سورة التكاثر اختار جلال الدين أنّها مدنيّة، وتمسّك لاختياره بالأُمور التالية: 1- حديث ابن بريدة: أنّها نزلت في قبيلتين من الأنصار تفاخروا. 2- وقال قتادة: إنّها نزلت في اليهود. 3- وعن أُبي بن كعب- وهو أنصاريّ-: كنّا نزعم أنّ (لو كان لابن آدم واديان من ذهب لتمنّى ثالثاً...) آية قرآنيّة، حتى نزلت ﴿أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ...﴾. 4- وعن عليّ (عليه السلام): كنّا نشك في عذاب القبر، حتى نزلت. قال جلال الدين: وعذاب القبر لم يذكر إلاّ بالمدينة، كما في الصحيح في قصة اليهوديّة (84). قلت جميع ما تمسك به باطل: أوّلا: هذه السورة لا تمسّ مسألة التفاخر، وإنّما تعرّضت لناحية التكاثر! وثانياً: كيف يبقى أُبي بن كعب في شكّ من آية قرآنية، ولا يسأل رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وهو كاتبه الأوّل، الى أن يذهب شكّه بنزول سورة لا شأن لها ونفي قرآنيّة غيرها! وثالثاً: كيف نجيز لأنفسنا تصديق رواية تنسب الشّك الى مثل أمير المؤمنين عليّ (عليه السلام) في مسألة من مسائل الآخرة، وهو (عليه السلام) باب علم النبيّ (صلى الله عليه وآله)! وأمّا اختصاص نزولها باليهود، فتضايق في فحوى السورة العام، إذ هي تعالج مسألة عامّة تمسّ حياة البشريةّ الظاعنة في مطاليب سافلة! والصحيح- كما جاء في روايات الترتيب المتّفقة-: أنّها من أوّليات السور المكيذة، وقد نصّ على ذلك جلال الدين نفسه في الدر المنثور، ورواه عن ابن عباس (85). هذا مضافاً الى ما نلمسه من لهجة السورة العنيفة، التي تناسب أجواء مكة المسيطر عليها النزعة الماديّة بشدّة، ويزيد العنف استعمال لفظة (كلا) الخاصة بأهل مكة كما مرّ. 28- سورة الماعون قال الضحاك: إنّها مدنيّة (86). لكن روايات الترتيب ونصوصه المتّفق عليه ترفض هذا القول، مضافاً الى أنّ لهجة السورة تقريع عنيف بأُلئك المكذّبين بالدين، فهي بأوّليّات السور المكيّة أشبه، فقد كانت السابعة عشرة في الترتيب، نزلت بعد سورة التكاثر (87). 29- سورة الكوثر عن عكرمة والضحّاك: أنّها مدنيّة ( 233). ورجّحه جلال الدين، وكذا النووي في شرح مسلم، لما رواه مسلم عن أنس، قال: بينا رسول الله (صلى الله عليه وآله) بين أظهرنا، إذ أغفى إغفاءة، فرفع رأسه وقال: أُنزلت عليّ آنفاً سورة، فقرأها. لكنّا تكلّمنا عن هذا الحديث (88) وزيّفنا دلالته على نزول قرآن عليه (صلى الله عليه وآله) تلك الحالة، وذكرنا تأويل الرافعي للحديث الى أنّها قد خطرت له تلك الحالة فقرأها عليهم، لا أنّها نزلت عليه حينذاك. كما ويؤيّد ذلك: أنّ مسلم نفسه روى هذا الحديث بسند آخر ليس فيه (أُنزلت عليّ). قال: أغفى النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) إغفاءة، ثم رفع رأسه فقرأها (89). وأخيراً فقد أطبق المفسّرون على أنّها مكيّة، نزلت تسلية لخاطر رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) عندما شنأه ذلك الأبتر اللعين (90). هذا مضافاً اتفاق روايات الترتيب: أنّها نزلت بمكة إذن لا يصلح حديث مضطرب أن يقاوم ذلك الإجماع وهذا الاتفاق! 30- سورة التوحيد رجّح جلال الدين كونها مدنيّة، لأحاديث رواها بشان نزولها. قال: نزلت في طائفة من يهود المدينة سألوا رسول الله (صلى الله عليه وآله) أن يصف لهم ربّه، فنزل جبرئيل بسورة التوحيد (91). لكن تجاه هذه الروايات روايات أُخرى تذكر هذا السؤال للمشركين، قالوا: انسب لنا ربّك يا محمّد (صلى الله عليه وآله) فنزلت (92) مضافاً الى اتفاق روايات الترتيب. ومن ثم قال بعض الباحثين: إنّها نزلت مرّتين! قلت: لا يبعد ذلك، ولكن معنى نزول السورة مرّتين: أنّ الثانية كانت تذكيراً للنبيّ (صلى الله عليه وآله) بمناسبتها الحاضرة، فمن المحتمل - على هذا الفرض-: أنّ اليهود سألوا النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) سؤالا، كان المشركون قد سبقوهم الى مثله، فتردّد النبيّ (صلى الله عليه وآله) في أن يقرأ عليهم السورة التي كانت إجابة على سؤال المشركين من ذي قبل، وذلك نظراً للفرق بين مستوى اليهود ومستوى المشركين، فعند ذلك نزل جبرئيل بكفاية نفس الإجابة الأُولى، بعد أن لم تكن السور القرآنية خاصّة بقوم دون قوم، وبمستوى دون مستوى إذ الناس على مختلف مستوياتهم يستفيدون من جميع آي القرآن، وإن كانت نوعيّة الاستفادة تختلف حسب مراتب الثقافات. وعلى ذلك فالسورة مكيّة وإن تكرّر نزولها بالمدينة أيضاً. 31-32- المعوذتان عدّهما اليعقوبي من أواخر المدنيّات (93). وقال جلال الدين: المختار أنّهما مدنيّتان، لأنّهما نزلتا في قصة سحر لبيد بن الأعصم (94). والقصّة - كما جاءت في الصحيحين (95)- حدّثت بها عائشة، قالت: ( سحر رسول الله (صلى الله عليه وآله) رجل من يهود بني زريق، يقال له: لبيد بن الأعصم. قالت: حتى كان رسول الله (صلى الله عليه وآله) يخيّل إليه إنّه يفعل الشيئ وما يفعله - وفي لفظ آخر: سحر حتى كان يرى أنّه يأتي النساء ولا يأتيهنّ. قال سفيان وهذا أشدّ ما يكون من السحر- (96) قالت: حتى إذا كان ذات يوم أو ذات ليلة، دعا رسول الله (صلى الله عليه وآله) ثم دعا ثم دعا. ثم قال: يا عائشة، أشعرت (97) أنّ الله أفتاني فيما استفتيته فيه؟ جاءني رجلان (98) فقعد أحدهما عند رأسي والآخر عند رجلي، فقال الذي عند رأسي للذي عند رجلي: ما وجع الرجل؟ قال: مطبوب (99). قال: من طبّه؟ قال: لبيد بن الأعصم. قال: في أي شيئ؟ قال: في مشط ومُشاطة، وجُفّ طلعة نخل ذكر (100). قال: فاين هو؟ قال: في بئر ذي اروان. قالت: فأتاها رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في اناس من أصحابه، ثم رجع وقال: يا عائشة، والله لكأن ماءها نقاعة الحنّاء (101) ولكأن نخلهاه رؤوس الشياطين. قالت: فقلت: هلا استخرجته؟ فقال (صلى الله عليه وآله وسلم): لا، أمّا أنا فقد شفاني الله، وخشيت أن يثير ذلك على الناس شرّراً. ثم أمر بالبئر فدفنت). وفي لفظ: (قال: وأين؟ قال: في جفّ طلعة ذكر تحت راعوفة (102) في بئر ذروان. قالت: فأتى النبيّ (صلى الله عليه وآله) البئر حتى استخرجه. فقال: هذه البئر التي أريتها، وكأن ماءها نقاعة الحنّاء. وكأن نخلها رؤوس الشياطين. قالت: فقلت: أفلا، أي تنشرت؟ فقال: أمّا الله فقد شفاني، وأكره أن اثير على أحد من الناس شرّاً) (103). هذه القصّة كما هي مذكورة في الصحيحين ليس فيها شاهد بنزول السورتين. وقد تنبّه السيوطي لذلك، ومن ثم استدرك الأمر بما ورد من طرق أُخر لم تصحّ إسنادها. فقد أخرج البيهقي في الدلائل عن عائشة، قال: (كان لرسول الله (صلى الله عليه وآله) غلام يهوديّ يخدمه، يقال له: لبيد بن أعصم. فلم تزل به اليهود حتى سحر النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) فكان يذوب ولا يدري ما وجعه- وفي لفظ: فكان يدور ولا يدري ما وجعه (104)- فبينا رسول الله (صلى الله عليه وآله) ذات ليلة نائم إذ أتاه ملكان، فجلس أحدهما عند رأسه والآخر عند رجليه، فقال الأوّل للثاني: ما وجعه؟ قال: مطبوب. قال: من طبّه؟ قال: لبيد بن أعصم. قال: بم طبّه؟ قال: بُمشط ومُشاطة وجُفّ طلعة ذكر بذي أروان، وهي تحت راعوفة البئر. فلمّا أصبح رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) غدا ومعه أصحابه الى البئر فنزل رجل فاستخرج الجفّ، فإذا فيها: مُشط رسول الله (صلى الله عليه وآله) ومن مُشاطة رأسه، وإذا تمثال من شمع، تمثال رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وإذا فيها إبر مغروزة، وإذا وترفيه احدى عشرة عقدة. فأتاه جبرئيل بالمعّوذتين، فقال: يا محمد، قل: أعوذ برب الفلق، وحلّ العقد كلّها، وجعل لا ينزع إبرة إلاّ يجد لها ألماً، ثم يجد بعد ذلك راحة، فقيل: يا رسول الله (صلى الله عليه وآله) لو قتلت اليهودي! فقال: قد عافاني الله، وما وراءه من عذاب الله أشدّ). وفي رواية: (سحر النبيّ (صلى الله عليه وآله) يهوديّ، فاشتكى فأتاه جبرئيل بالمعوّذتين، وقالك إنّ رجلاً من اليهود سحرك، والسحر في بئر فلان. فأرسل علياً (عليه السلام) فجاء به، فأمره أن يحل العقد ويقرأ آية، فجعل يقرأ ويحلّ حتى قام النبيّ (صلى الله عليه وآله) كأنّما نشط من عقال) (105). وقيل: إنّ بنات لبيد كنّ ساحرات فهنّ سحرن وأبوهنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله) وعقدن له إحدى عشرة عقدة. فأنزل الله المعّوذتين، إحدى عشرة آية بعدد العقد وشفى الله رسوله (صلى الله عليه وآله) (106). وبعد... فهده القصة - لو تسلمناها - فلا شاهد في رواية الصحيحين على أنّ المعّوذتين نزلتا بشأنها. أمّا سائر الطرق فلا تصح ّ مستنداً للثقة بها، فضلا عن أخذها مستمسكاً للحكم في شأن من شؤون القرآن، الذي لا ينبغي لمسلم أن يتكلّم فيه بغير علم ولا عن مستند وثيق. قال جلال الدين: أمّا أصل القصة فله شاهد في الصحيحين، دون نزول السورتين. ثم قال: ولكن له شاهد من غيرهما.. وأراد بذلك ما أخرجه البيهقي عن طريق الكلبي عن أبي صالح عن أبن عباس، وفيه ذكر القصة ونزول السورتين (107). لكن ذكر جدلال الدين نفسه - في الإتقان - أنّ أوهى الطرق إلى ابن عباس، هو طريق الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس (108). ثم ذكر شاهداً آخر فيما أخرجه أبونعيم في كتاب الدلائل من طريق ابي جعفر الرازي عن الربيع بن أنس عن أنس بن مالك (109). هذا وابن حبان قال: إنّ أهل الحديث يتقون من حديث الربيع بن أنس إذا كان من رواية أبي جعفر الرازي عنه، لأنّ في أحاديثه عنه اضطراباً كثيراً (110). إذن أفلا تعجب من رجل هو مضطلع بفنّ الحديث والتفسير، كيف يورّط بنفسه في تناقض الاختيار؟! ويضطرب في التماس الحجّة من غير وجهها الوجيه؟! ومن ثم يتكلّم في شأن جانب من كتاب الله العزيز من غير استناد وثيق؟ ! أمّا نحن - الإمامية - فإنّ أُول معتقداتنا تنفي إمكان التأثير على قلب نبيّ كريم، هو مهبط وحي الله وعيبة علمه الأمين! وبالأحرى فإنّ لبيداً أعجز من أن يستطيع التصرّف في عقليّة مثل رسول الله (صلى الله عليه وآله) أفضل خلق الله وأكرم انبيائه!! يقول تعالى: ﴿إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ وَكَفَى بِرَبِّكَ وَكِيلاً﴾ (111). فأجدر بلبيد عدم قدرته على الاستحواذ على قلب أكرم عباد الله، وقله (صلى الله عليه وآله) بيت إلا له تعالى، لا يدع لخبيث الاقتراب منه أبداً. على أنّا لو جوّزنا إمكان التأثير على شعور النبيّ الكريم بحيث يكاد يخيّل إليه انّه يفعل ولا يفعل، فإنّ الثقة بما يقوله وحياّ تزول، فلعله مفعول سحر ساحر خبيث، خيل إليه أنّه وحي؟! قال العلاّمة الطبرسي: هذا لا يجوز، لأنّ من وصفه بأنّه مسحور فكأنّه قد خبل عقله، وقد أبى الله سبحانة ذكل في قوله: ﴿وَقَالَ الظَّالِمُونَ إِن تَتَّبِعُونَ إِلَّا رَجُلاً مَّسْحُوراً. انظُرْ كَيْفَ ضَرَبُوا لَكَ الْأَمْثَالَ فَضَلُّوا﴾ (112). ولكن يمكن أن يكون اليهوديّ أو بناته - على ماروي - اجتهدوا في ذلك فلم يقدروا عليه، واطلع الله نبيّه (صلى الله عليه وآله) على ما فعلوه من التمويه حتى استخرج، وكان ذلك دلالة على صدقه. وكيف يجوز أن يكون المرض من فعلهم؟! ولو قدروا على ذلك لقتلوه، وقتلوا كثيراً من المؤمنين، مع شدّة عداوتهم لهم (113). وقال العلاّمة المجلسي: المشهور بين الإماميّة عدم تأثير السحر في الأنبياء والأئمّة (صلوات الله عليهم) ومن ثم أوّلوا بعض الأخبار الواردة في ذلك، وطرحوا بعضها أي ما لا يقبل التأويل (114). وقال القطب الرواندي: روي أن أمرأة يهودية عملت له (صلى الله عليه وآله) سحراً، فظنّت أنّه ينفذ فيه (صلى الله عليه وآله) كيدها والسحر باطل محال! إلاّ أنّ الله دلّه عليه، فبعث من استخرجه. وكان على الصفة التي ذكروها، وعلى عدد العقد التي عقد فيها ووصف مالو عاينة معاين لغفل عن بعض ذلك (115). وجاء في طب الأئمة: أنّ جبرئيل أتى النبيّ (صلى الله عليه وآله) وقال له: إنّ فلاناً اليهودي سحرك، ووصف له السحر وموضعه. فبعث النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) علياً (عليه السلام) حتى أتى القليب فبحث عنه فلم يجده، ثم اجتهد في طلبه حتّى وجده فأتى به إلى النبيّ (صلى الله عليه وآله) وإذا هو حقّة فيها قطعة كرب نخل في جوفه وتر عليها إحدى عشرة عقدة، وكان جبرئيل (عليه السلام) قد أنزل المعّوذتين. فأمر النبيّ (صلى الله عليه وآله) علياً (عليه السلام) أن يقرأهما على الوتر، فجعل كلّما قرأ آبه انحلّت عقدة حتى فراغ منها، فكشف الله عن نبيّه ما سحر به وعافاه (116). وهذه الرواية - وإن لم يصحّ إسنادها- ليس فيها التأثير على عقليّة الرسول (صلى الله عليه وآله) نعم في رواية أُخرى جاء التأثير على جسمه الشريف، فكان يحسّ بوجع شديد، وهذا معنى (كشف الله عن نبيّه وعافاه) في رواية طبّ الائمّة. أي عافاه من الوجع الذي كان يحسّ به. وهذا أمر ممكن، غير أنّ الأصحّ عندنا هو ما ذكره القطب الراوندي: أنّ السحر لم ينفذ فيه (صلى الله عليه وآله) فقد أرادوا به كيداً لكنّهم أصبحوا هم الخاسرين. المصدر: كتاب التمهيد في علوم القرآن، لسماحة الشيخ محمد هادي معرفة. 1- مجمع البيان: ج1 ص17. 2- الإتقان: ج1 ص12. 3- الإتقان: ج1 ص12. 4- الحجر: 87. 5- السيرة النبويّة: جذ ص161. 6- تقدّم ذلك في الصفحة: 125. 7- صحيح مسلم: ج2 ص9. والمستدرك للحاكم: ج1 ص238و239. 8- الإتقان: ج1 ص12. 9- النساء: 58. 10- مجمع البيان: ج3 ص63. 11- الإتقان: ج1 ص12. 12- الدر المنثور: ج4 ص42. ومجمع البيان: ج6 ص273. 13- الإتقان: ج1 ص9. 14- في ظلال القرآن. ج13 ص63. 15- الإتقان: ج1 ص10. 16- مجمع البيان: ج6 ص273. والدر المنثور: ج4 ص42. 17- الكشف عن القراءات السبع: ج2 ص116. 18- بسبب أبي عبيدة معمر بن المثنى، كان يرى رأي الخوارج بذيئاً متهتّكاً، قليل العناية بالقرآن، وإذا قرأه قرأه نظراً. راجع الفهرست:ص59. وميزان الاعتدال: ج4 ص155. وتهذيب التهذيب: ج10 ص247. 19- الإتقان: ج1 ص9. 20- تفسير الطبري: ج17 ص131-132. 21- راجع الاتقان: ج1 ص11و25. والفهرست: ص28. والدر المنثور: ج4 ص342. 22- تقدم ذلك في الصفحة: 86. 23- الإتقان: ج1 ص13. 24- نفس المصدر. 25- الإتقان: ج1 ص13. 26- الإتقان: ج1 ص13. 27- الإتقان: ج1 ص13. 28- الإتقان: ج1 ص13. 29- مسند احمد: ج6 ص349. 30- في ظلال القرآن: ج27 ص668. 31- راجع ميزان الاعتدال: ج2 ص475. وتهذيب التهذيب: ج5 ص374. 32- راجع مجمع البيان: ج10 ص405. والإتقان: ج1 ص11و25. 33- قال ابن حزم: هي مدنيّة إلا في قول الكلبي: انّها مكيّة رسالة الناسخ والمنسوخ بهامش الجلالين: ج2 ص197. 34- الحديد:8. 35- اسد الغابة: ج4 ص54. 36- طه: 15. 37- سيرة ابن هشام، وهامشه: ج1 ص370. 38- اسد الغابة: ج4 ص54، والإصابة:ج2 ص519. 39- الاصابة: ج2 ص519. 40- راجع تهذيب التهذيب: ج1 ص240. والمغني للذهبي: ج1 ص71. وميزان الاعتدال: ج1 ص193. 41- الحديد: 16. 42- مجمع البيان: ج9 ص237. والاتقان: ج1 ص13. 43- مجمع البيان: ج9 ص237. 44- أسباب النزول بهامش الجلالين: ج2 ص94. 45- رسالة الناسخ والمسنوخ بهامش الجلالين: ج2 ص199. 46- الإتقان: ج1 ص13. 47- الإتقان: ج1 ص13. 48- التغابن: 13. 49- مجمع البيان: ج10 ص296. 50- الإتقان: ج1 ص13. وتفسير شبر: ص542. 51- الدر المنثور: ج6 ص297. 52- راجع شواهد التنزيل: ص299. 53- في ظلال القرآن: ج29 ص215. 54- شواهد التنزيل: ص310 و315. 55- راجع مجمع البيان: ج10 ص405. 56- تفسير شبر: ص542. 57- تاريخ اليعقوبي: ج2 ص35. 58- رسالة الناسخ والمنسوخ بهامش الجلالين: ج2 ص202. 59- الإتقان: ج1 ص13. 60- تقدّم ذلك في الصفحة: 131. 61- الاعلى: 14-15. 62- الإتقان: ج1 ص14. 63- الإتقان: ج1 ص14. 64- نفس المصدر. 65- الدر المنثور: ج6 ص357. ومجمع البيان: ج10 ص501. 66- راجع مجمع البيان: ج10 ص502 وتفسير الطبري: ج30 ص140. وتفسير الصافي: ج2 ص825. 67- الكشف عن القراءات السبع: ج1 ص385. ورسالة الناسخ والمنسوخ بهامش الجلالين: ج2 ص203. 68- مستدرك الحاكم: ج3 ص171. 69- الإتقان: ج1 ص14. 70- تلخيص المستدرك بالهامش: ج3 ص170. 71- راجع تفسير الطبري: ج15 ص77 وج30 ص167. والدر المنثور: ج4 ص191 وج6 ص371. ومروج الذهب: ج3 ص250. 72- الاسراء: 60. 73- الدر المنثور: ج4 ص191. 74- تفسير النيسابوري بهامش الطبريك ج30 ص136. 75- الكشف عن القراءات السبع: ج2 ص385. 76- الدر المنثور: ج6 ص378. 77- مجمع البيان: ج10 ص524. والكشف عن القراءات السبع: ج2 ص386. وفي ظلال القرآن: ج30 ص639. 78- الفهرست: ص28. ومجمع البيان: ج10 ص405. والإتقان: ج1 ص11. والدر المنثور: ج6 ص379. 79- الدر المنثور: ج6 ص381. 80- الإتقان: ج1 ص14. ومستدرك الحاكم: ج3 ص563. 81- مجمع البيان: ج10 ص527. 82- الدر المنثور: ج6 ص383. 83- الدر المنثور: ج6 ص383. وتفسير الطبري: ج30 ص177. 84- الإتقان: ج1 ص14. 85- الدر المنثور: ج6 ص386. 86- مجمع البيان: ج10 ص546. 87- الفهرست ص28. ومجمع البيان: ج10 ص405. والإتقان: ج1 ص11. 88- مجمع البيان: ج10 ص548. 89- تقدم ذلك في الصفحة: 57. 90- الدر المنثور: ج6 ص401. 91- لباب النقول بهامش الجلالين: ج2 ص142. والدر المنثور: ج6 ص404. ومجمع البيان: ج10 ص549. 92- لباب النقول بهامش الجلالين: ج2 ص147. والإتقان: ج1 ص14. 93- الدر المنثور: ج6 ص410. 94- تاريخ اليعقوبي: ج2 ص35. 95- الإتقان: ج1 ص14. 96- صحيح البخاري: ج4 ص148 وج7 ص176. وصحيح مسلم: ج7 ص14. 97- صحيح البخاري: ج7 ص177. 98- أي أعلمت - بصيغة استفهام خطاباً إليها-. 99- في رواية: جبرائيل وميكائيل، فسأل الأوّل الثاني. فتح الباري: ج10 ص194. 100- أي مسحور. 101- المشاطة: ما ينتزع من الشعر عند المشط- بالفتح- وهو تسريح الشعر، وبالضم: آلته. والجفّ: غشاء الطلع. 102- أي لون مائها لون نقيع الحنّاء. 103- الراعوفة: صخرة أو حجر صلد، توضع عند فم البئر، لا يستطاع قلعها، يقف عليها المستقي أو توضع في اسفلها ليجلس عليها الذي ينظّف البئر. 104- صحيح البخاري: ج7 ص178. 105- فتح الباري: ج10 ص193. 106- الدر المنثور: ج6 ص417. 107- التسهيل لعلوم التنزيل: ج4 ص225. 108- لباب النقول بهامش الجلالين: ج2 ص148. 109- الإتقان: ج2 ص189. 110- لباب النقول بهامش الجلالين: ج2 ص148. 111- تهذيب التهذيب: ج3 ص239. 112- الاسراء: 65. 113- الفرقان: 8-9. 114- مجمع البيان: ج10 ص568. 115- بحار الأنوار: ج18 ص70. 116- بحار الأنوار: ج18 ص57 ح11. طب الأئمّة: ص118