وما قدمناه يبطل تمسك اليهود والنصارى باستحالة النسخ في الشريعة، لإثبات استمرار الأحكام الثابتة في شريعة موسى.
ومن الغريب جدا أنهم مصرون على إحالة النسخ في الشريعة الإلهية، مع أن النسخ قد وقع في موارد كثيرة من كتب العهدين:
1 - فقد جاء في الإصحاح الرابع من سفر العدد " عدد 2، 3 ": " خذ عدد بني قهات من بين بني لاوي حسب عشائرهم، وبيوت آبائهم من ابن ثلاثين سنة فصاعدا إلى ابن خمسين سنة، كل داخل في الجند ليعمل عملا في خيمة الاجتماع ".
وقد نسخ هذا الحكم، وجعل مبدأ زمان قبول الخدمة بلوغ خمس وعشرين سنة بما في الإصحاح الثامن من هذا السفر " عدد 23، 24 ": " وكلم الرب موسى قائلا هذا ما للاويين من ابن خمس وعشرين سنة فصاعدا، يأتون ليتجندوا أجنادا في خدمة خيمة الاجتماع ".
ثم نسخ ثانيا: فجعل مبدأ زمان قبول الخدمة بلوغ عشرين سنة بما جاء في الإصحاح الثالث والعشرين من أخبار الأيام الأول " عدد 24، 32 ": " هؤلاء بنو لاوي حسب بيوت آبائهم رؤوس الاباء حسب إحصائهم في عدد الأسماء، حسب رؤوسهم عامل العمل لخدمة بيت الرب من ابن عشرين سنة فما فوق.
وليحرسوا حراسة خيمة الاجتماع، وحراسة القدس ".
2 - رجاء في الإصحاح الثامن والعشرين من سفر العدد " عدد 3 - 7 ": " وقل لهم هذا هو الوقود الذي تقربون للرب، خروفان حوليان صحيحان، لكل يوم محرقة دائمة، الخروف الواحد تعمله صباحا، والخروف الثاني تعمله بين العشاءين.
وعشر الايفة من دقيق ملتوت بربع الهين من زيت الرض تقدمة.
وسكيبها ربع الهين للخروف الواحد ".
وقد نسخ هذا الحكم: وجعلت محرقة كل يوم حمل واحد حولي في كل صباح، وجعلت تقدمته سدس الايفة من الدقيق، وثلث الهين من الزيت بما جاء في الإصحاح السادس والأربعين من كتاب حزقيال " عدد 13 - 15 ": " وتعمل كل يوم محرقة للرب حملا حوليا صحيحا صباحا صباحًا تعمله.
وتعمل عليه تقدمة صباحا صباحًا سدس الايفة.
وزيتا ثلث الهين لرش الدقيق تقدمة للرب فريضة أبدية دائمة، ويعملون الحمل والتقدمة والزيت صباحا صباحًا محرقة دائمة ".
3 - وجاء في الإصحاح الثامن والعشرين من سفر العدد أيضا: " عدد 9، 10 ": " وفي يوم السبت خروفان حوليان صحيحان، وعشران من دقيق ملتوت بزيت تقدمة مع سكيبه.
محرقة كل سبت فضلا عن المحرقة الدائمة وسكيبها ".
وقد نسخ هذا الحكم: وجعلت محرقة السبت ستة حملان وكبش، وجعلت التقدمة إيفة للكبش، وعطية يد الرئيس للحملان، وهين زيت للايفة بما جاء في الإصحاح السادس والأربعين من كتاب حزقيال أيضا " عدد 4، 5 ": " والمحرقة التي يقربها الرئيس للرب في يوم السبت ستة حملان صحيحة، وكبش صحيح.
والتقدمة إيفة للكبش، وللحملان تقدمة عطية يده، وهين زيت للايفة ".
4 - وجاء في الإصحاح الثلاثين من سفر العدد " عدد 2 ": " إذا نذر رجل نذرا للرب، أو أقسم أن يلزم نفسه بلازم فلا ينقض كلامه، حسب كل ما خرج من؟؟ يفعل ".
وقد نسخ جواز الحلف الثابت بحكم التوراة بما جاء في الإصحاح الخامس من إنجيل متى " عدد 33، 34 ": " أيضا سمعتم انه قيل للقدماء لا تحنث، بل أوف للرب أقسامك.
وأما أنا فأقول لكم لا تحلفوا البتة ".
5 - وجاء في الإصحاح الحادي والعشرين من سفر الخروج " عدد 23 - 25 ": " وإن حصلت أذية تعطي نفسا بنفس، وعينا بعين وسنا بسن ويدا بيد ورجلا برجل، وكيا بكي وجرحا بجرح ورضا برض ".
وقد نسخ هذا الحكم بالنهي عن القصاص في شريعة عيسى بما جاء في الإصحاح الخامس من إنجيل متى " عدد 38 ": " سمعتم أنه قيل عين بعين وسن بسن، وأما أنا فأقول لكم لا تقاوموا الشر، بل من لطمك على خدك الأيمن فحول له الآخر أيضا ".
6 - وجاء في الإصحاح السابع عشر من سفر التكوين " عدد 10 " في قول الله لإبراهيم: " هذا هو عهدي الذي تحفظونه بيني وبينكم وبين نسلك من بعدك، يختن منكم كل ذكر ".
وقد جاء في شريعة موسى إمضاء ذلك.
ففي الإصحاح الثاني عشر من سفر الخروج " عدد 48 - 49 ": " وإذا نزل عندك نزيل، وصنع فصحا للرب فليختن منه كل ذكر، ثم يتقدم ليصنعه فيكون كمولود الأرض، وأما كل أغلف فلا يأكل منه، تكون شريعة واحدة لمولود الأرض، وللنزيل النازل بينكم ".
وجاء في الإصحاح الثاني عشر من سفر اللاويين " عدد 2، 3 ": " إذا حبلت امرأة وولدت ذكرا تكون نجسة سبعة أيام كما في أيام طمث علتها تكون نجسة، وفي اليوم الثامن يختن لحم غرلته ".
وقد نسخ هذا الحكم، ووضع ثقل الختان عن الأمة بما جاء في الإصحاح الخامس عشر من أعمال الرسل " عدد 24 - 30 " وفي جملة من رسائل بولس الرسول.
7 - وجاء في الإصحاح الرابع والعشرين من التثنية " عدد 1 - 3 ": " إذا أخذ رجل امرأة وتزوج بها فإن لم تجد نعمة في عينيه، لان وجد فيها عيب شيء، وكتب لها كتاب طلاق ودفعه إلى يدها، وأطلقها من بيته، ومتى خرجت من بيته ذهبت وصارت لرجل آخر، فإن أبغضها الرجل الآخر وكتب لها كتاب طلاق، ودفعه إلى يدها وأطلقها من بيته أو إذا مات الرجل الأخير الذي اتخذها له زوجة، لا يقدر زوجها الأول الذي طلقها أن يعود يأخذها، لتصير له زوجة ".
وقد نسخ الإنجيل ذلك وحرم الطلاق بما جاء في الإصحاح الخامس من متى " عدد 31 - 32 ": " وقيل من طلق امرأته فليعطها كتاب طلاق، وأما أنا فأقول لكم إن من طلق امرأته إلا لعلة الزنا يجعلها تزني، ومن يتزوج مطلقة فإنه يزني.
وقد جاء مثل ذلك في الإصحاح العاشر من مرقس: عدد: 11، 12 " والإصحاح السادس عشر من لوقا " عدد 18".
وفيما ذكرناه كفاية لمن ألقى السمع هو شهيد، ومن أراد الاطلاع على أكثر من ذلك فليراجع كتابي إظهار الحق والهدى إلى دين المصطفى.
المصدر:
كتاب البيان في تفسير القرآن، لسماحة آية الله العظمى السيد أبو القاسم الخوئي