ذكروا بصدد عسر الآخوند الملا محمد كاظم الخراساني (رحمه الله) صاحب (الكفاية) أيام تحصيله العلم، وبعد وضعه الصعب من ناحية المأكل والملبس نقلاً عنه: لم أفكر تلك المدة إلا بالغداء، وكنت قانعا بهذا الوضع، … وكان الطلاب لا يعتنون بي، إلا من كان من الفقراء من مثلي أو أسوء مني حالاً، وكان نومي لا يزيد على ست ساعات، لأن النوم العميق للإنسان لا يكون ببطن خالية، فكنت أسهر الليالي وأسامر النجوم، وفي تلك الأحوال كان يمر بخاطري أن أمير المؤمنين علي (عليه السلام) كان يقضي أكثر لياليه على هذا المنوال، وأني بهذه المعاناة وشدة الضيق من فاقة وفقر كنت أحس، وأفكر أني في عالم آخر، وهناك قوة تجذب روحي إليها.
وكان مع هذه المصاعب التي كان لها الوقع الكبير في نفس الآخوند، قد فقد أولاده وزوجته الشابة، وبقي لوحده، ولو كان غيره مكانه ربما لم يستطع أن يقاوم ويصمد بوجه تلك الأعاصير التي أثقلت كاهله، وكادت أن تسوقه إلى غير ما ينبغي ويريد، إلا أن تلك الروح المستنيرة لم تتزلزل ولو قليلاً.
وبعد أن دفن ابنه وزوجته ترك البيت، وكان في النهار يحضر مجالس درس الأساتذة، وفي الليل وفي مكان حقير وصغير يقع في المدرسة يقضي وقته بالمطالعة وحل المسائل، وفي ليالي الشتاء القارصة كان يجلس دون أن يستعين بنار يتدفأ عليها، ويطالع فروع الفقه المختلفة والأصول ودقائق الدروس، وفي إحدى الليالي جلس إلى جنب شعلة النفط في الحجرة، ووضع يديه تحت رأسه وعيناه تنظر إلى الكتاب، ليدرك مسألة في الأصول ولكثرة مطالعته تعبت عيناه، واستغرق في نوم عميق، وكانت الشعلة قد أخذ نارها يتسرب إلى يده قليلاً قليلاً فأحرقت جلد يده اليمنى، وكان أكله الحار فقط الخبز الذي يأخذه من الخباز لتوه، وبعد مدة أصاب مقداراً من الرز، فقام بتنظيفه وصبه في إناء، ووضعه على النار ليطبخ، فلما أراد أن يأخذه سقط من يده على الأرض وحرم من أكله، مضافاً إلى احتراق يده ومضت مدة وهو يعاني من آلام حرق اليد.