إنّ النقطة الأساسية التي يستند إليها الإعجاز القرآني هو عدم قدرة العرب على معارضته رغم تحدي القرآن الكريم لهم مرة تلو الأخرى. ولكن هل أنّ العرب حقيقة لم يكونوا قادرين على معارضته ؟! أو أنّ أسبابا أخرى خارجية هي التي منعتهم عن تحقيق هذه المعارضة ؟!.
وتفرض الشبهة - بصدد الجواب عن هذا التساؤل - عوامل معينة منعتهم عن تحقيق هذه المعارضة وهذه العوامل هي:
إن العرب الذين عاصروا الدعوة أو تأخروا عنها بزمن قليل لم يعارضوا القرآن الكريم خوفاً على أنفسهم وأموالهم من المعارضة بسبب سيطرة المسلمين الدينية على الحكم. ومحاربتهم كل من يعادي الإسلام أو يظهر الخلاف معه. ولا شك انّ معارضة القرآن تعتبر في نظر الحكم من أبرز أنحاء العداء والمخالفة.
وحين انتهت السلطة إلى الأمويين الذين لم يكونوا مهتمين بالحفاظ على الإسلام والالتزام به الأمر الذي كان يفسح المجال لمن يريد أن يعارض القرآن الكريم أن يظهر معارضته.. كان القرآن في ذلك الحين قد أصبح أمراً معروفاً في حياة الأمة مألوفاً لديها بأسلوبه وطريقة عرضه بسبب رشاقة ألفاظه ومتانة معانيه فانصرف الناس عن التفكير بمعارضته لأنه أصبح من المرتكزات الموروثة لهم.
ويمكن مناقشة هذه الشبهة بملاحظة النقاط التالية:
أولا: إن تحدي القرآن الكريم للمشركين كان منذ بداية الدعوة وفي الفترة التي كان الإسلام فيها ضعيفاً تجاه قوة المشركين. وبالرغم من ذلك لم يستطع احد من بلغاء العرب أن يقوم بهذه المعارضة.
ثانياً: إن سيطرة الإسلام في أواخر عصر النبي (ص) وعصر الخلفاء الأربعة الذي جاءوا إلى الحكم من بعده لم تكن تعني منع الكفار من إظهار كفرهم. فقد اقر الإسلام جماعات من الكفار على ديانتهم كما حدث ذلك لأهل الكتاب حيث كانوا يعيشون في ظل الدولة الإسلامية في طمأنينة ورفاهية لهم ما للمسلمين وعليهم ما عليهم. فلو كان واحد من هؤلاء قادراً على الإتيان بمثل القرآن الكريم لتصدى لمعارضته والانتصار لديانته على الإسلام.
ثالثاً: إن افتراض الخوف من المعارضة نتيجة للسيطرة الإسلامية إنما يمنع من إظهار المعارضة للقرآن الكريم وإعلانها. وأما المعارضة السرية فقد كان من الممكن أن تتم ضمن الحدود الخاصة للمعارضين من أصحاب هذه الديانات دون أن تكون لها نتائج مضادة ولو كان من الممكن بمثل القرآن الكريم لامكن لهؤلاء أن يعارضوه ثم ينتظروا الفرصة السانحة لإظهار هذه المعارضة. خصوصاً إذا لاحظنا أن أهل الكتاب لازالوا يحتفظون بمجموعة من النصوص الدينية ويتداولونها مع أنها تتعارض مع القرآن الكريم.
رابعاً: من الملاحظ عادة إن الكلام مهما بلغ من رتبة عالية في البلاغة ومتانة الأسلوب وقوته فانّه يصبح كلاماً عادياً إذا تكرر سماعه ولذلك نرى القصيدة البليغة تصبح عادية عندما يتكرر إلقاؤها عدة مرات بحيث قد تبدو قصيدة أخرى اقل منها بلاغة أنها ابلغ منها بسبب عدم تكرارها. وهذا يعني أن الألفة والإنس بالقرآن الكريم - لو كان كلاماً عادياً - تدعو إلى أن يصبح أيسر على المعارضة والإتيان بمثله لا إن ينصرف الناس عن التفكير بمعارضته نتيجة لأُنسِهم به بالرغم من تحديه المستمر لهم وتعاليهم عليه.
المصدر:
كتاب علوم القرآن للسيد محمد باقر الحكيم
إنّ النقطة الأساسية التي يستند إليها الإعجاز القرآني هو عدم قدرة العرب على معارضته رغم تحدي القرآن الكريم لهم مرة تلو الأخرى. ولكن هل أنّ العرب حقيقة لم يكونوا قادرين على معارضته ؟! أو أنّ أسبابا أخرى خارجية هي التي منعتهم عن تحقيق هذه المعارضة ؟!.
وتفرض الشبهة - بصدد الجواب عن هذا التساؤل - عوامل معينة منعتهم عن تحقيق هذه المعارضة وهذه العوامل هي:
إن العرب الذين عاصروا الدعوة أو تأخروا عنها بزمن قليل لم يعارضوا القرآن الكريم خوفاً على أنفسهم وأموالهم من المعارضة بسبب سيطرة المسلمين الدينية على الحكم. ومحاربتهم كل من يعادي الإسلام أو يظهر الخلاف معه. ولا شك انّ معارضة القرآن تعتبر في نظر الحكم من أبرز أنحاء العداء والمخالفة.
وحين انتهت السلطة إلى الأمويين الذين لم يكونوا مهتمين بالحفاظ على الإسلام والالتزام به الأمر الذي كان يفسح المجال لمن يريد أن يعارض القرآن الكريم أن يظهر معارضته.. كان القرآن في ذلك الحين قد أصبح أمراً معروفاً في حياة الأمة مألوفاً لديها بأسلوبه وطريقة عرضه بسبب رشاقة ألفاظه ومتانة معانيه فانصرف الناس عن التفكير بمعارضته لأنه أصبح من المرتكزات الموروثة لهم.
ويمكن مناقشة هذه الشبهة بملاحظة النقاط التالية:
أولا: إن تحدي القرآن الكريم للمشركين كان منذ بداية الدعوة وفي الفترة التي كان الإسلام فيها ضعيفاً تجاه قوة المشركين. وبالرغم من ذلك لم يستطع احد من بلغاء العرب أن يقوم بهذه المعارضة.
ثانياً: إن سيطرة الإسلام في أواخر عصر النبي (ص) وعصر الخلفاء الأربعة الذي جاءوا إلى الحكم من بعده لم تكن تعني منع الكفار من إظهار كفرهم. فقد اقر الإسلام جماعات من الكفار على ديانتهم كما حدث ذلك لأهل الكتاب حيث كانوا يعيشون في ظل الدولة الإسلامية في طمأنينة ورفاهية لهم ما للمسلمين وعليهم ما عليهم. فلو كان واحد من هؤلاء قادراً على الإتيان بمثل القرآن الكريم لتصدى لمعارضته والانتصار لديانته على الإسلام.
ثالثاً: إن افتراض الخوف من المعارضة نتيجة للسيطرة الإسلامية إنما يمنع من إظهار المعارضة للقرآن الكريم وإعلانها. وأما المعارضة السرية فقد كان من الممكن أن تتم ضمن الحدود الخاصة للمعارضين من أصحاب هذه الديانات دون أن تكون لها نتائج مضادة ولو كان من الممكن بمثل القرآن الكريم لامكن لهؤلاء أن يعارضوه ثم ينتظروا الفرصة السانحة لإظهار هذه المعارضة. خصوصاً إذا لاحظنا أن أهل الكتاب لازالوا يحتفظون بمجموعة من النصوص الدينية ويتداولونها مع أنها تتعارض مع القرآن الكريم.
رابعاً: من الملاحظ عادة إن الكلام مهما بلغ من رتبة عالية في البلاغة ومتانة الأسلوب وقوته فانّه يصبح كلاماً عادياً إذا تكرر سماعه ولذلك نرى القصيدة البليغة تصبح عادية عندما يتكرر إلقاؤها عدة مرات بحيث قد تبدو قصيدة أخرى اقل منها بلاغة أنها ابلغ منها بسبب عدم تكرارها. وهذا يعني أن الألفة والإنس بالقرآن الكريم - لو كان كلاماً عادياً - تدعو إلى أن يصبح أيسر على المعارضة والإتيان بمثله لا إن ينصرف الناس عن التفكير بمعارضته نتيجة لأُنسِهم به بالرغم من تحديه المستمر لهم وتعاليهم عليه.
المصدر:
كتاب علوم القرآن للسيد محمد باقر الحكيم