احتجاج النبي (ص) يوم الغدير على الخلق كلهم وفي غيره من الأيام بولاية علي بن أبي طالب (ع) ومن بعده من ولده من الأئمة المعصومين صلوات الله عليهم أجمعين.
حدثني السيد العالم العابد أبو جعفر مهدي ابن أبي حرب الحسيني المرعشي رضي الله عنه قال أخبرنا الشيخ أبو علي الحسن بن الشيخ السعيد أبي جعفر محمد بن الحسن الطوسي رضي الله عنه، قال أخبرني الشيخ السعيد الوالد أبو جعفر قدس الله روحه، قال أخبرني جماعة عن أبي محمد هارون بن موسى
التلعكبري ، قال أخبرنا أبو علي محمد بن همام، قال أخبرنا علي السوري ، قال أخبرنا أبو محمد العلوي من ولد الأفطس - وكان من عباد الله الصالحين - قال حدثنا محمد بن موسى الهمداني ، قال حدثنا محمد بن خالد الطيالسي ، قال حدثنا سيف بن عميرة وصالح بن عقبة جميعا
عن قيس بن سمعان عن علقمة بن محمد الحضرمي عن أبي جعفر محمد ابن علي عليه السلام أنه قال: حج رسول الله صلى الله عليه وآله من المدينة وقد بلغ جميع الشرايع قومه غير الحج والولاية، فأتاه جبرئيل عليه السلام فقال له: يا محمد إن الله جل اسمه يقرئك السلام ويقول لك: إني لم أقبض نبيا من أنبيائي ولا رسولا من رسلي إلا بعد إكمال ديني وتأكيد حجتي، وقد بقي عليك من ذاك فريضتان مما تحتاج أن تبلغهما قومك: فريضة الحج، وفريضة الولاية والخلافة من بعدك، فإني لم أخل أرضي من حجة ولن أخليها أبدا، فإن الله جل ثناؤه يأمرك أن تبلغ قومك الحج وتحج ويحج معك من استطاع إليه سبيلا من أهل الحضر والأطراف والأعراب وتعلمهم من معالم حجهم مثل ما علمتهم من صلاتهم وزكاتهم وصيامهم وتوقفهم من ذلك علي مثال الذي أوقفتهم عليه من جميع ما بلغتهم من الشرائع.
فنادي منادي رسول الله صلى الله عليه وآله في الناس: ألا إن رسول الله يريد الحج وأن يعلمكم من ذلك مثل الذي علمكم من شرائع دينكم ويوقفكم من ذاك على ما أوقفكم عليه من غيره، فخرج صلى الله عليه وآله وخرج معه الناس واصغوا إليه لينظروا ما يصنع فيصنعوا مثله، فحج بهم وبلغ من حج مع رسول الله من أهل المدينة وأهل الأطراف والأعراب سبعين ألف إنسان أو يزيدون على نحو عدد أصحاب موسى السبعين ألف الذين أخذ عليهم بيعة هارون فنكثوا واتبعوا العجل والسامري، وكذلك أخذ رسول الله صلى الله عليه وآله البيعة لعلي بالخلافة على عدد أصحاب موسى فنكثوا البيعة واتبعوا العجل والسامري سنة بسنة ومثلا بمثل، واتصلت التلبية ما بين مكة والمدينة
فلما وقف بالموقف أتاه جبرئيل عليه السلام عن الله عز وجل فقال: يا محمد إن الله عز وجل يقرئك السلام ويقول لك: إنه قد دنى أجلك ومدتك وأنا مستقدمك على ما لا بد منه ولا عنه محيص، فاعهد عهدك وقدم وصيتك واعمد إلى ما عندك من العلم وميراث علوم الأنبياء من قبلك والسلاح والتابوت وجميع ما عندك من آيات الأنبياء، فسلمه إلى وصيك وخليفتك من بعدك حجتي البالغة على خلقي علي بن أبي طالب عليه السلام، فأقمه للناس علما وجدد عهده وميثاقه وبيعته، وذكرهم ما أخذت عليهم من بيعتي وميثاقي الذي واثقتهم وعهدي الذي عهدت إليهم من ولاية وليي ومولاهم ومولى كل مؤمن ومؤمنة علي بن أبي طالب عليه السلام، فإني لم أقبض نبيا من الأنبياء إلا من بعد إكمال ديني وحجتي وإتمام نعمتي بولاية أوليائي ومعاداة أعدائي، وذلك كمال توحيدي وديني وإتمام نعمتي على خلقي باتباع وليي وطاعته، وذلك أني لا أترك أرضي بغير ولي ولا قيم ليكون حجة لي على خلقي، فاليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا بولاية وليي ومولى كل مؤمن ومؤمنة علي عبدي ووصي نبي والخليفة من بعده وحجتي البالغة على خلقي، مقرون طاعته بطاعة محمد نبيي ومقرون طاعته مع طاعة محمد بطاعتي، من أطاعه فقد أطاعني ومن عصاه فقد عصاني، جعلته علما بيني وبين خلقي، من عرفه كان مؤمنا ومن أنكره كان كافرا ومن أشرك بيعته كان مشركا ومن لقيني بولايته دخل الجنة، ومن لقيني بعداوته دخل النار، فأقم يا محمد عليا علما وخذ عليهم البيعة وجدد عهدي وميثاقي لهم الذي واثقتهم عليه، فإني قابضك إلي ومستقدمك علي.
فخشى رسول الله صلى الله عليه وآله من قومه وأهل النفاق والشقاق أن يتفرقوا ويرجعوا إلى جاهلية لما عرف من عداوتهم ولما ينطوي عليه أنفسهم لعلي من العداوة
والبغضاء
وسأل جبرئيل أن يسأل ربه العصمة من الناس وانتظر أن يأتيه جبرئيل بالعصمة من الناس عن الله جل اسمه، فأخر ذلك إلى أن بلغ مسجد الخيف، فأتاه جبرئيل عليه السلام في مسجد الخيف فأمره بأن يعهد عهده ويقيم عليا علما للناس يهتدون به، ولم يأته بالعصمة من الله جل جلاله بالذي أراد حتى بلغ كراع الغميم بين مكة والمدينة، فأتاه جبرئيل وأمره بالذي أتاه فيه من قبل الله ولم يأته بالعصمة، فقال: جبرئيل إني أخشى قومي أن يكذبوني ولا يقبلوا قولي في علي عليه السلام [ فسأل جبرئيل كما سأل بنزول آية العصمة فأخره ذلك ] فرحل فلما بلغ غدير خم قبل الجحفة بثلاثة أميال أتاه جبرئيل عليه السلام على خمس ساعات مضت من النهار بالزجر والانتهار والعصمة من الناس فقال: يا محمد إن الله عز وجل يقرئك السلام ويقول لك " يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك " في علي " وإن لم تفعل فما بلغت رسالته والله يعصمك من الناس " (المائدة: 67).
وكان أوائلهم قريب من الجحفة، فأمر بأن يرد من تقدم منهم ويحبس تأخر عنهم في ذلك المكان ليقيم عليا علماء للناس ويبلغهم ما
أنزل الله تعالى في علي وأخبره بأن الله عز وجل قد عصمه من الناس، فأمر رسول الله عندما جاءته العصمة مناديا ينادي في الناس بالصلاة جامعة ويرد من تقدم منهم ويحبس من تأخر وتنحى عن يمين الطريق إلى جنب
مسجد الغدير أمره بذلك جبرئيل عن الله عز وجل، وكان في الموضع سلمات فأمر رسول الله صلى الله عليه وآله أن يقم ما
تحتهن وينصب له حجارة كهيئة المنبر ليشرف على الناس، فتراجع الناس واحتبس أواخرهم في ذلك المكان لا يزالون، فقام رسول الله صلى الله عليه
وآله فوق تلك الأحجار ثم حمد الله تعالى وأثنى عليه فقال:
الحمد لله الذي علا في توحده، ودنا في تفرده، وجل في سلطانه، وعظم في أركانه، وأحاط بكل شئ علما وهو في مكانه، وقهر جميع الخلق بقدرته وبرهانه مجيدا لم يزل محمودا
لا يزال، بارئ المسموكات وداحي المدحوات وجبار الأرضين والسماوات، قدوس سبوح رب الملائكة والروح، متفضل على جميع من
برأه متطول على جميع من أنشأه، يلحظ كل عين والعيون لا تراه، كريم حليم ذو أناة، قد وسع كل شئ رحمته ومن عليهم بنعمته، لا يعجل بانتقامه ولا يبادر إليهم بما استحقوا من عذابه، قد فهم السرائر وعلم
الضمائر، ولم تخف عليه المكنونات، ولا اشتبهت عليه الخفيات، له الإحاطة بكل شئ والغلبة على كل شئ والقوة في كل شئ والقدرة على كل شئ وليس مثله شئ، وهو منشئ الشئ حين لا شئ، دائم قائم بالقسط لا إله إلا
هو العزيز الحكيم، جل عن أن تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار وهو اللطيف الخبير، لا يلحق أحد وصفه من معاينة، ولا يجد أحد كيف هو من سر وعلانية إلا بما دل عز وجل على
نفسه.
وأشهد أنه الله الذي ملأ الدهر قدسه، والذي يغشى الأبد نوره، والذي ينفذ أمره بلا مشاورة مشير ولا معه شريك في تقدير ولا تفاوت في تدبير، صور ما أبدع على غير مثال وخلق ما خلق بلا معونة من أحد ولا تكلف ولا احتيال، أنشأها فكانت وبرأها فبانت، فهو الله الذي لا إله إلا هو المتقن الصنعة الحسن الصنيعة العدل الذي لا يجور والإكرم الذي ترجع إليه الأمور. وأشهد أنه الذي تواضع كل شئ لقدرته وخضع كل شئ لهيبته ملك الأملاك ومفلك الأفلاك ومسخر الشمس والقمر كل يجري لأجل مسمى، يكور الليل على النهار (1) ويكور النهار على الليل يطلبه حثيثا، قاسم كل جبار عنيد ومهلك كل شيطان مريد، لم يكن معه ضد ولا ند، أحد صمد لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد، إله واحد ورب ماجد يشاء فيمضي ويريد فيقضي ويعلم فيحصي ويميت ويحيي ويفقر ويغني ويضحك ويبكي ويمنع ويعطي، له الملك وله الحمد بيده الخير وهو على كل شئ قدير، يولج الليل في النهار ويولج النهار في الليل لا إله إلا هو العزيز الغفار، مجيب الدعاء ومجزل العطاء، محصي الأنفاس ورب الجنة والناس، لا يشكل عليه شئ ولا يضجره صراخ المستصرخين ولا يبرمه إلحاح الملحين، العاصم للصالحين والموفق للمفلحين ومولى العالمين، الذي استحق من كل من خلق أن يشكره ويحمده. أحمده على السراء والضراء والشدة والرخاء، وأؤمن به وبملائكته وكتبه ورسله، أسمع أمره وأطيع وأبادر إلى كل ما يرضاه واستسلم لقضائه رغبة في طاعته وخوفا من عقوبته، لأنه الله الذي لا يؤمن مكره ولا يخاف جوره، وأقر له على نفسي بالعبودية وأشهد له بالربوبية وأؤدي ما أوحي إلى حذرا من أن لا أفعل فتحل بي منه قارعة لا يدفعها عني أحد وإن عظمت حيلته لا إله إلا هو، لأنه قد أعلمني أني إن لم أبلغ ما أنزل إلي فما بلغت رسالته
وقد ضمن لي تبارك وتعالى العصمة، وهو الله الكافي الكريم، فأوحي إلي: بسم الله الرحمن الرحيم " يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك " في علي [ يعني في الخلافة لعلي بن أبي طالب عليه السلام ] " وإن لم تفعل فما بلغت رسالته والله يعصمك من الناس ".
معاشر الناس: ما قصرت في تبليغ ما أنزل الله تعالى إلى، وأنا مبين لكم سبب نزول هذه الآية: إن جبرئيل عليه السلام هبط إلي مرارا ثلاثا يأمرني عن السلام ربي وهو السلام أن أقوم في هذا المشهد فأعلم كل أبيض وأسود أن علي بن أبي طالب عليه السلام أخي ووصيي وخليفتي والإمام من بعدي، الذي محله مني محل هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي وهو وليكم من بعد الله ورسوله، وقد أنزل الله تبارك وتعالى على بذلك آية من كتابه " إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون " وعلي بن أبي طالب عليه السلام أقام الصلاة وآتى الزكاة وهو راكع يريد الله عز وجل في كل حال.
وسألت جبرئيل أن يستعفي لي عن تبليغ ذلك إليكم أيها الناس لعلمي بقلة المتقين وكثرة المنافقين وإدغال الآثمين وختل المستهزئين بالإسلام الذين وصفهم الله في كتابه بأنهم يقولون بألسنتهم ما ليس في قلوبهم ويحسبونه هينا وهو عند الله عظيم، وكثرة إذا هم لي في غير مرة حتى سموني إذنا (4).
وزعموا أني كذلك لكثرة ملازمته إياي وإقبالي عليه، حتى أنزل الله عز وجل في ذلك قرآنا " ومنهم الذين يؤذون النبي ويقولون هو أذن قل أذن " على الذين يزعمون أنه أذن " خير لكم يؤمن بالله ويؤمن للمؤمنين " الآية.
ولو شئت أن أسمي بأسمائهم لسميت وأن أومى إليهم بأعيانهم لأومأت وأن
أدل عليهم لدللت، ولكني والله في أمورهم قد تكرمت، وكل ذلك لا يرضى الله مني إلا أن أبلغ ما أنزل إلي، ثم تلى صلى الله عليه وآله " يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك " في على " وإن لم تفعل فما بلغت رسالته والله يعصمك من الناس".
فاعلموا معاشر الناس أن الله قد نصبه لكم وليا وإماما مفترضا طاعته على المهاجرين والأنصار وعلى التابعين لهم بإحسان، وعلى البادي والحاضر وعلى الأعجمي والعربي والحر والمملوك والصغير والكبير وعلى الأبيض والأسود وعلى كل موحد ماض حكمه جائز قوله نافذ أمره، ملعون من خالفه مرحوم من تبعه مؤمن من صدقه، فقد غفر الله له ولمن سمع منه وأطاع له.
(معاشر الناس) إنه آخر مقام أقومه في هذا المشهد فاسمعوا وأطيعوا وانقادوا لأمر ربكم، فإن الله عز وجل هو مولاكم وإلهكم ثم من دونه محمد صلى الله عليه وآله وليكم القائم المخاطب لكم، ثم من بعدي علي وليكم وإمامكم بأمر ربكم، ثم الإمامة في ذريتي من ولده إلى يوم تلقون الله ورسوله، لا حلال إلا ما أحله الله ولا حرام إلا ما حرمه الله، عرفني الحلال والحرام وأنا أفضيت بما علمني ربي من كتابه وحلاله وحرامه إليه.
(معاشر الناس) ما من علم إلا وقد أحصاه الله في، وكل علم علمت فقد أحصيته في إمام المتقين، وما من علم إلا علمته عليا، وهو الإمام المبين.
(معاشر الناس) لا تضلوا عنه ولا تنفروا منه ولا تستكبروا [ ولا تستنكفوا خ ل ] من ولايته، فهو الذي يهدي إلى الحق ويعمل به ويزهق الباطل وينهى عنه ولا تأخذه في الله لومة لائم. ثم إنه أول من آمن بالله ورسوله، وهو الذي فدى رسوله بنفسه وهو الذي كان مع رسول الله ولا أحد يعبد الله مع رسوله من الرجال غيره.
(معاشر الناس) فضلوه فقد فضله الله، واقبلوه فقد نصبه الله.
(معاشر الناس) إنه إمام من الله ولن يتوب الله على أحد أنكر ولايته، ولن يغفر الله له، حتما على الله أن يفعل ذلك بمن خالف أمره فيه وأن يعذبه عذابا
شديدا نكرا أبد الآباد ودهر الدهور، فاحذروا أن تخالفوه فتصلوا نارا وقودها الناس والحجارة أعدت للكافرين.
(أيها الناس) بي والله بشر الأولون من النبيين والمرسلين، وأنا خاتم الأنبياء والمرسلين والحجة على جميع المخلوقين من أهل السماوات والأرضين، فمن شك في ذلك فهو كافر كفر الجاهلية الأولى، ومن شك في شئ من قولي هذا فقد شك في الكل منه، والشاك في ذلك فله النار.
(معاشر الناس) حباني الله بهذه الفضيلة منا منه علي وإحسانا منه إلي، ولا إله إلا هو، له الحمد مني أبد الآبدين ودهر الداهرين على كل حال.
(معاشر الناس) فضلوا عليا فإنه أفضل الناس بعدي من ذكر وأنثى، بنا أنزل الله الرزق وبقي الخلق، ملعون ملعون مغضوب مغضوب من رد على قولي هذا ولم يوافقه، ألا إن جبرئيل خبرني عن الله تعالى بذلك ويقول: " من عادى عليا ولم يتوله فعليه لعنتي وغضبي " فلتنظر نفس ما قدمت لغد، واتقوا الله أن تخالفوه فتزل قدم بعد ثبوتها إن الله خبير بما تعملون.
(معاشر الناس) إنه جنب الله الذي ذكر في كتابه فقال تعالى: " إن تقول نفس يا حسرتا على ما فرطت في جنب الله " (1).
(معاشر الناس) تدبروا القرآن وافهموا آياته وانظروا إلى محكماته ولا تتبعوا متشابهه، فوالله لن يبين لكم زواجره ولا يوضح لكم تفسيره إلا الذي أنا آخذ بيده ومصعده إلى - وشائل بعضده - ومعلمكم إن من كنت مولاه فهذا علي مولاه، وهو علي بن أبي طالب عليه السلام أخي ووصيي، وموالاته من الله عز وجل أنزلها على.
(معاشر الناس) إن عليا والطيبين من ولدي هم الثقل الأصغر، والقرآن الثقل الأكبر، فكل واحد منبئ عن صاحبه وموافق له لن يفترقا حتى يردا على الحوض، هم أمناء الله في خلقه وحكماؤه في أرضه، ألا وقد أديت، ألا وقد بلغت ألا وقد أسمعت، ألا وقد أوضحت، ألا وإن الله عز وجل قال وأنا قلت عن الله عز وجل، ألا إنه ليس أمير المؤمنين غير أخي هذا ولا تحل إمرة المؤمنين بعدي لأحد غيره.
ثم ضرب بيده إلى عضده فرفعه، وكان منذ أول ما صعد رسول الله صلى الله عليه وآله شال عليا حتى صارت رجله مع ركبة رسول الله صلى الله عليه وآله، ثم قال:
(معاشر الناس) هذا علي أخي ووصيي وواعي علمي وخليفتي على أمتي وعلى تفسير كتاب الله عز وجل والداعي إليه والعامل بما يرضاه والمحارب لأعدائه والموالي على طاعته والناهي عن معصيته خليفة رسول الله وأمير المؤمنين والإمام الهادي وقاتل الناكثين والقاسطين والمارقين بأمر الله، أقول ما يبدل القول لدي بأمر ربي، أقول: اللهم وال من والاه وعاد من عاداه والعن من أنكره واغضب على من جحد حقه، اللهم إنك أنزلت علي أن الإمامة بعدي لعلي وليك عند تبياني ذلك ونصبي أيام بما أكملت لعبادك من دينهم وأتممت عليهم بنعمتك ورضيت لهم الإسلام دينا، فقلت: " ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين " (1)اللهم إني أشهدك وكفى بك شهيدا أني قد بلغت.
(معاشر الناس) إنما أكمل الله عز وجل دينكم بإمامته، فمن لم يأتم به وبمن يقوم مقامه من ولدي من صلبه إلى يوم القيامة والعرض على الله عز وجل فأولئك الذين حبطت أعمالهم وفي النار فيها خالدون، لا يخفف عنهم العذاب ولاهم ينظرون.
(معاشر الناس) هذا علي أنصركم لي وأحقكم بي وأقربكم إلي وأعزكم علي، والله عز وجل وأنا عنه راضيان، وما نزلت آية رضى إلا فيه، وما خاطب الله الذين آمنوا إلا بدأ به، ولا نزلت آية مدح في القرآن إلا فيه، ولا شهد بالجنة في هل أتى على الإنسان إلا له، ولا أنزلها في سواه، ولا مدح بها غيره.
(معاشر الناس) هو ناصر دين الله والمجادل عن رسول الله، وهو التقي
النقي الهادي المهدي، نبيكم خير نبي ووصيكم خير وصي وبنوه خير الأوصياء.
(معاشر الناس) ذرية كل نبي من صلبه وذريتي من صلب علي.
(معاشر الناس) إن إبليس أخرج آدم من الجنة بالحسد، فلا تحسدوه فتحبط أعمالكم وتزل أقدامكم، فإن آدم أهبط إلى الأرض بخطيئة واحدة وهو صفوة الله عز وجل وكيف بكم وأنتم أنتم ومنكم أعداء الله، ألا إنه لا يبغض عليا إلا شقي ولا يتوالى عليا إلا تقي ولا يؤمن به إلا مؤمن مخلص، وفي علي والله نزلت سورة العصر " بسم الله الرحمن الرحيم. والعصر إن الإنسان لفي خسر " إلى آخرها.
(معاشر الناس) قد استشهدت الله وبلغتكم رسالتي، وما على الرسول إلا البلاغ المبين.
(معاشر الناس) اتقوا الله حق تقاته، ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون.
(معاشر الناس) آمنوا بالله ورسوله والنور الذي أنزل معه من قبل أن نطمس وجوها فنردها على أدبارها.
(معاشر الناس) النور من الله عز وجل في مسلوك ثم في على ثم في النسل منه إلى القائم المهدي الذي يأخذ بحق الله وبكل حق هو لنا، لأن الله عز وجل قد جعلنا حجة على المقصرين والمعاندين والمخالفين والخائنين والآثمين والظالمين من جميع العالمين.
(معاشر الناس) أنذركم أني رسول الله قد خلت من قبلي الرسل أفإن مت أو قتلت انقلبتم على أعقابكم ومن ينقلب على عقبيه فلن يضر الله شيئا وسيجزي الله الشاكرين، ألا وإن عليا هو الموصوف بالصبر والشكر ثم من بعده ولدي من صلبه.
(معاشر الناس) لا تمنوا على الله إسلامكم فيسخط عليكم ويصيبكم بعذاب من عنده إنه لبالمرصاد.
معاشر الناس) إنه سيكون من بعدي أئمة يدعون إلى النار ويوم القيامة لا ينصرون.
(معاشر الناس) إن الله وأنا بريئان منهم.
(معاشر الناس) إنهم وأنصارهم وأتباعهم وأشياعهم في الدرك الأسفل من النار ولبئس مثوى المتكبرين، ألا إنهم أصحاب الصحيفة فلينظر أحدكم في صحيفته.
قال: فذهب على الناس إلا شرذمة منهم أمر الصحيفة.
(معاشر الناس) إني أدعها إمامة ووراثة في عقبى إلى يوم القيامة، وقد بلغت ما أمرت بتبليغه حجة على كل حاضر وغائب وعلى كل أحد ممن شهد أو لم يشهد ولد أو لم يولد، فليبلغ الحاضر الغائب والوالد الولد إلى يوم القيامة، وسيجعلونها ملكا واغتصابا، ألا لعن الله الغاصبين والمغتصبين، وعندها سنفرغ لكم أيها الثقلان فيرسل عليكما شواظ من نار ونحاس فلا تنتصران.
(معاشر الناس) إن الله عز وجل لم يكن يذركم على ما أنتم عليه حتى يميز الخبيث من الطيب، وما كان الله ليطلعكم على الغيب.
(معاشر الناس) إنه ما من قرية إلا والله مهلكها بتكذيبها، وكذلك يهلك القرى وهي ظالمة كما ذكر الله تعالى، وهذا علي إمامكم ووليكم وهو مواعيد الله والله يصدق ما وعده.
(معاشر الناس) قد ضل قبلكم أكثر الأولين، والله لقد أهلك الأولين وهو مهلك الآخرين، قال الله تعالى: " ألم نهلك الأولين. ثم نتبعهم الآخرين.
كذلك نفعل بالمجرمين. ويل يومئذ للمكذبين " (1).
(معاشر الناس) إن الله قد أمرني ونهاني، وقد أمرت عليا ونهيته، فعلم الأمر والنهي من ربه عز وجل، فاسمعوا لأمره تسلموا، وأطيعوه تهتدوا، وانتهوا لنهيه ترشدوا، وصيروا إلى مراده ولا تتفرق بكم السبل عن سبيله.
(معاشر الناس) أنا صراط الله المستقيم الذي أمركم باتباعه ثم علي من بعدي ثم ولدي من صلبه أئمة يهدون إلى الحق وبه يعدلون، ثم قرأ " الحمد لله رب العالمين " إلى آخرها وقال: في نزلت وفيهم نزلت ولهم عمت وإياهم خصت، أولئك أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون، ألا إن حزب الله هم الغالبون، ألا إن أعداء علي هم أهل الشقاق والنفاق والحادون وهم العادون وإخوان الشياطين الذين يوحي بعضهم إلى بعض زخرف القول غرورا، ألا إن أولياءهم الذين ذكرهم الله في كتابه فقال عز وجل " لا تجد قوما يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادون من حاد (1) الله ورسوله " (2) إلى آخر الآية، ألا إن أولياءهم الذين وصفهم الله عز وجل فقال: " الذين آمنوا ولم يلبسوا (3) إيمانهم بظلم أولئك لهم الأمن وهم مهتدون" (4) ألا إن أولياءهم الذين وصفهم الله عز وجل فقال الذين يدخلون الجنة آمنين تتلقاهم الملائكة بالتسليم إن طبتم فادخلوها خالدين (5)، ألا إن أولياءهم الذين قال لهم الله عز وجل: يدخلون الجنة بغير حساب (6)، ألا إن أعداءهم يصلون سعيرا (7)، ألا إن أعداءهم الذين يسمعون لجهنم شهيقا وهي تفور ولها زفير (8)، ألا إن أعداءهم الذين قال الله فيهم: " كلما دخلت أمة
لعنت أختها " (1) الآية، ألا إن أعداءهم الذين قال الله عز وجل: " كلما ألقي فيها فوج سألهم خزنتها ألم يأتكم نذير. قالوا بلى قد جائنا نذير فكذبنا وقلنا ما نزل الله من شئ إن أنتم إلا في ضلال مبين " (2) ألا إن أولياءهم الذين يخشون ربهم بالغيب لهم مغفرة وأجر كبير.
(معاشر الناس) شتان ما بين السعير والجنة، عدونا من ذمه الله ولعنه وولينا من مدحه الله وأحبه.
(معاشر الناس) ألا وإني منذر وعلي هاد.
(معاشر الناس) إني نبي وعلي وصي، ألا إن خاتم الأئمة منا القائم المهدي ألا إنه الظاهر على الدين، ألا إنه المنتقم من الظالمين، ألا إنه فاتح الحصون وهادمها ألا إنه قاتل كل قبيلة من أهل الشرك، ألا إنه مدرك بكل ثأر لأولياء الله، ألا إنه الناصر لدين الله، ألا إنه الغراف (3) في بحر عميق، ألا إنه يسم (4) كل ذي فضل بفضله وكل ذي جهل بجهله، ألا إنه خيرة الله ومختاره، ألا إنه وارث كل علم والمحيط به، ألا إنه المخبر عن ربه عز وجل والمنبه بأمر إيمانه، ألا إنه الرشيد السديد، ألا إنه المفوض إليه، ألا إنه قد بشر من سلف بين يديه، ألا إنه الباقي حجة ولا حجة بعده ولاحق إلا معه ولا نور إلا عنده، ألا إنه لا غالب له ولا منصور عليه، ألا وإنه ولي الله في أرضه وحكمه في خلقه وأمينه في سره وعلانيته (معاشر الناس) قد بينت لكم وأفهمتكم، وهذا علي يفهمكم بعدي، ألا وإني عند انقضاء خطبتي أدعوكم إلى مصافقتي (5) على بيعته والإقرار به ثم مصافقته بعدي، ألا وإني قد بايعت الله وعلي قد بايعني وأنا آخذكم بالبيعة له عن الله عز وجل " فمن نكث فإنما ينكث على نفسه " (1) الآية.
(معاشر الناس) إن الحج والصفا والمروة والعمرة من شعائر الله " فمن حج البيت أو اعتمر فلا جناح عليه أن يطوف بهما " (2) الآية.
(معاشر الناس) حجوا البيت، فما ورده أهل بيت لا استغنوا، ولا تخلفوا عنه إلا افتقروا.
(معاشر الناس) ما وقف بالموقف مؤمن إلا غفر الله له ما سلف من ذنبه إلى وقته ذلك فإذا انقضت حجته استؤنف عمله.
(معاشر الناس) الحجاج معانون (3) ونفقاتهم مخلفة، والله لا يضيع أجر المحسنين.
(معاشر الناس) حجوا البيت بكمال الدين والتفقه، ولا تنصرفوا عن المشاهد إلا بتوبة وإقلاع (4).
(معاشر الناس) أقيموا الصلاة وآتوا الزكاة كما أمركم الله عز وجل، لئن طال عليكم الأمد فقصرتم أو نسيتم فعلي وليكم ومبين لكم الذي نصبه الله عز وجل بعدي، ومن خلفه الله مني وأنا منه يخبركم بما تسألون عنه ويبين لكم ما لا تعلمون، ألا إن الحلال والحرام أكثر من أن أحصيهما وأعرفهما، فآمر بالحلال وأنهى عن الحرام في مقام واحد، فأمرت أن آخذ البيعة منكم والصفقة لكم بقبول ما جئت به عن الله عز وجل في علي أمير المؤمنين والأئمة من بعده الذين هم مني ومنه، أئمة قائمة منهم المهدي إلى يوم القيامة الذي يقضي بالحق.
(معاشر الناس) وكل حلال دللتكم عليه أو حرام نهيتكم عنه فإني لم أرجع عن ذلك ولم أبدل، ألا فاذكروا ذلك واحفظوه وتواصوا به ولا تبدلوه ولا
تغيروه، ألا وإني أجدد القول: ألا فأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة وأمروا بالمعروف وانهوا عن المنكر، ألا وإن رأس الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أن تنتهوا إلى قولي وتبلغوه من لم يحضر وتأمروه بقبوله وتنهوه عن مخالفته، فإنه أمر من الله عز وجل ومني، ولا أمر بمعروف ولا نهي عن منكر إلا مع إمام معصوم.
(معاشر الناس) القرآن يعرفكم أن الأئمة من بعده ولده، وعرفتكم أنه مني وأنا منه، حيث يقول الله في كتابه " وجعلها كلمة باقية في عقبه " (1) وقلت " لن تضلوا ما إن تمسكتم بهما ".
(معاشر الناس) التقوى التقوى، احذروا الساعة كما قال الله عز وجل " إن زلزلة الساعة شئ عظيم " (2) اذكروا الممات والحساب والموازين والمحاسبة بين يدي رب العالمين والثواب والعقاب، فمن جاء بالحسنة أثيب عليها ومن جاء بالسيئة فليس له في الجنان نصيب.
(معاشر الناس) أنكم أكثر من أن تصافقوني بكف واحدة، وقد أمرني الله عز وجل أن آخذ من ألسنتكم الإقرار بما عقدت لعلي من إمرة المؤمنين ومن جاء بعده من الأئمة مني ومنه على ما أعلمتكم أن ذريتي من صلبه، فقولوا بأجمعكم " إنا سامعون مطيعون راضون منقادون لما بلغت عن ربنا وربك في أمر علي وأمر ولده من صلبه من الأئمة، نبايعك على ذلك بقلوبنا وأنفسنا وألسنتنا وأيدينا على ذلك نحيى ونموت ونبعث ولا نغير ولا نبدل ولا نشك ولا نرتاب ولا نرجع عن عهد ولا ننقض الميثاق نطيع الله ونطيعك وعليا أمير المؤمنين وولده الأئمة الذين ذكرتهم من ذريتك من صلبه بعد الحسن والحسين الذين قد عرفتكم مكانهما مني ومحلهما عندي ومنزلتهما من ربي عز وجل " فقد أديت ذلك إليكم وأنهما سيدا شباب أهل الجنة، وأنهما الإمامان بعد أبيهما علي وأنا أبوهما قبله، وقولوا " أطعنا الله بذلك وإياك وعليا والحسن والحسين والأئمة الذين ذكرت عهدا وميثاقا مأخوذا لأمير المؤمنين من قلوبنا وأنفسنا وألسنتنا ومصافقة أيدينا من أدركهما
بيده وأقر بهما بلسانه ولا نبتغي بذلك بدلا ولا نرى من أنفسنا عنه حولا أبدا، أشهدنا الله وكفى بالله شهيدا وأنت علينا به شهيد، وكل من أطاع ممن ظهر واستتر وملائكة الله وجنوده وعبيده والله أكبر من كل شهيد " (معاشر الناس) ما تقولون فإن الله يعلم كل صوت وخافية كل نفس، فمن اهتدى فلنفسه ومن ضل فإنما يضل عليها، ومن بايع فإنما يبايع الله يد الله فوق أيديهم.
(معاشر الناس) فاتقوا الله وبايعوا عليا أمير المؤمنين والحسن والحسين والأئمة كلمة طيبة باقية، يهلك الله من غدر ويرحم الله من وفى، ومن " نكث فإنما ينكث على نفسه " الآية.
(معاشر الناس) قولوا الذي قلت لكم وسلموا على علي بإمرة المؤمنين، وقولوا سمعنا وأطعنا غفرانك ربنا وإليك المصير، وقولوا " الحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله " الآية.
(معاشر الناس) إن فضائل علي بن أبي طالب عليه السلام عند الله عز وجل، وقد أنزلها في القرآن أكثر من أن أحصيها في مقام واحد، فمن أنبأكم بها وعرفها فصدقوه.
(معاشر الناس) من يطع الله ورسوله وعليا والأئمة الذين ذكرتهم فقد فاز فوزا عظيما.
(معاشر الناس) السابقون السابقون إلى مبايعته وموالاته والتسليم عليه بإمرة المؤمنين، أولئك هم الفائزون في جنات النعيم.
(معاشر الناس) قولوا ما يرضى الله به عنكم من القول، " فإن تكفروا أنتم ومن في الأرض جميعا فلن يضر الله شيئا " ، اللهم اغفر للمؤمنين واغضب على الكافرين والحمد لله رب العالمين.
فناداه القوم: سمعنا وأطعنا على أمر الله وأمر رسوله بقلوبنا وألسنتنا وأيدينا
وتداكوا على رسول الله وعلى علي عليه السلام فصافقوا بأيديهم، فكان أول من صافق رسول الله صلى الله عليه وآله الأول والثاني والثالث والرابع والخامس وباقي المهاجرين والأنصار وباقي الناس على طبقاتهم وقدر منازلهم، إلى أن صليت المغرب والعتمة في وقت واحد، ووصلوا البيعة والمصافقة ثلاثا ورسول الله يقول كلما بايع قوم:
الحمد لله الذي فضلنا على جميع العالمين. وصارت المصافقة سنة ورسما، وربما يستعملها من ليس له حق فيها.
وروي عن الصادق عليه السلام أنه قال: لما فرغ رسول الله صلى الله عليه وآله من هذه الخطبة رأى الناس رجلا جميلا بها طيب الريح فقال: تالله ما رأيت محمدا كاليوم قط، ما أشد ما يؤكد لابن عمه وأنه يعقد عقدا لا يحله إلا كافر بالله العظيم وبرسوله، ويل طويل لمن حل عقده.
قال: والتفت إليه عمر بن الخطاب حين سمع كلامه فأعجبته، هيئته ثم التفت إلى النبي صلى الله عليه وآله وقال: أما سمعت ما قال هذا الرجل، قال كذا وكذا؟ فقال النبي صلى الله عليه وآله: يا عمر أتدري من ذاك الرجل؟ قال: لا. قال: ذلك الروح الأمين جبرئيل، فإياك أن تحله، فإنك إن فعلت فالله ورسوله وملائكته والمؤمنين منك براء.