الآيات البقرة أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَ لَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْساءُ وَ الضَّرَّاءُ وَ زُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَ الَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتى نَصْرُ اللَّهِ أَلا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ آل عمران لَتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوالِكُمْ وَ أَنْفُسِكُمْ وَ لَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَ مِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا أَذىً كَثِيراً وَ إِنْ تَصْبِرُوا وَ تَتَّقُوا فَإِنَّ ذلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ الأنعام وَ لَقَدْ أَرْسَلْنا إِلى أُمَمٍ مِنْ قَبْلِكَ فَأَخَذْناهُمْ بِالْبَأْساءِ وَ الضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ فَلَوْ لا إِذْ جاءَهُمْ بَأْسُنا تَضَرَّعُوا وَ لكِنْ قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَ زَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطانُ ما كانُوا يَعْمَلُونَ فَلَمَّا نَسُوا ما ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنا عَلَيْهِمْ أَبْوابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذا فَرِحُوا بِما أُوتُوا أَخَذْناهُمْ بَغْتَةً فَإِذا هُمْ مُبْلِسُونَ. تفسير أَمْ حَسِبْتُمْ قال في المجمع أي أ ظننتم و خلتم أيها المؤمنون أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ و لما تمتحنوا و تبتلوا بمثل ما امتحن الذين مضوا من قبلكم به فتصبروا كما صبروا و هذا استدعاء إلى الصبر و بعده الوعد بالنصر. ثم ذكر سبحانه ما أصاب أولئك فقال مَسَّتْهُمُ الْبَأْساءُ وَ الضَّرَّاءُ و المس و اللمس واحد و البأساء نقيض النعماء و الضراء نقيض السراء و قيل البأساء القتل و الضراء الفقر وَ زُلْزِلُوا أي حركوا بأنواع البلايا و قيل معناه هنا أزعجوا بالمخافة من العدو و ذلك لفرط الحيرة. مَتى نَصْرُ اللَّهِ قيل هذا استعجال للموعود كما يفعله الممتحن و إنما قاله الرسول استبطاء للنصر و قيل إن معناه الدعاء لله بالنصر و لا يجوز أن يكون على جهة الاستبطاء لنصر الله لأن الرسول يعلم أن الله لا يؤخره عن الوقت الذي توجبه الحكمة ثم أخبر الله أنه ناصر لأوليائه فقال أَلا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ و قيل إن هذا من كلامهم فإنهم قالوا عند الإياس مَتى نَصْرُ اللَّهِ ثم تفكروا و علموا أن الله منجز وعده فقالوا أَلا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ و قيل إنه ذكر كلام الرسول و المؤمنين جملة و تفصيله و قال المؤمنون مَتى نَصْرُ اللَّهِ و قال الرسول أَلا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ انتهى.
و أقول روي في الخرائج عن زين العابدين عن آبائه ع قال فما تمدون أعينكم لقد كان من قبلكم ممن هو على ما أنتم عليه يؤخذ فتقطع يده و رجله و يصلب ثم تلا أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ الآية
و روي في الكافي عن بكر بن محمد قال سمعت أبا عبد الله ع يقرأ و زلزلوا ثم زلزلوا حتى يقول الرسول
و قال في المجمع في قوله تعالى لَتُبْلَوُنَّ أي لتوقع عليكم المحن و تلحقكم الشدائد فِي أَمْوالِكُمْ بذهابها و نقصانها وَ في أَنْفُسِكُمْ أيها المؤمنون بالقتل و المصائب و قيل بفرض الجهاد و غيره وَ لَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ يعني اليهود و النصارى وَ مِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا يعني كفار مكة و غيرهم أَذىً كَثِيراً من تكذيب النبي ص و من الكلام الذي يغمهم مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ أي مما بان رشده و صوابه و وجب على العاقل العزم عليه و قيل أي من محكم الأمور. و قال في قوله تعالى وَ لَقَدْ أَرْسَلْنا أي رسلا إِلى أُمَمٍ مِنْ قَبْلِكَ فخالفوهم فَأَخَذْناهُمْ بِالْبَأْساءِ وَ الضَّرَّاءِ يريد بالفقر و البؤس و الأسقام و الأوجاع عن ابن عباس لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ معناه لكي يتضرعوا فَلَوْ لا إِذْ جاءَهُمْ بَأْسُنا تَضَرَّعُوا معناه فهلا تضرعوا إذ جاءهم بأسنا وَ لكِنْ قَسَتْ قُلُوبُهُمْ فأقاموا على كفرهم و لم تنجع فيهم العظة وَ زَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطانُ بالوسوسة و الإغراء بالمعصية لما فيها من عاجل اللذة ما كانُوا يَعْمَلُونَ يعني أعمالهم. فَلَمَّا نَسُوا ما ذُكِّرُوا بِهِ أي تركوا ما وعظوا به فَتَحْنا عَلَيْهِمْ أَبْوابَ كُلِّ شَيْءٍ أي كل نعمة و بركة من السماء و الأرض و المعنى أنه تعالى امتحنهم بالشدائد لكي يتضرعوا و يتوبوا فلما تركوا ذلك فتح عليهم أبواب النعم و التوسعة في الرزق ليرغبوا بذلك في نعيم الآخرة حَتَّى إِذا فَرِحُوا بِما أُوتُوا من النعيم و اشتغلوا بالتلذذ و لم يروه نعمة من الله حتى يشكروه أَخَذْناهُمْ بَغْتَةً أي مفاجاة من حيث لا يشعرون فَإِذا هُمْ مُبْلِسُونَ أي آيسون من النجاة و الرحمة.
و روي عن النبي ص قال إذا رأيت الله يعطي على المعاصي فذلك استدراج منه ثم تلا هذه الآية و نحوه ما روي عن أمير المؤمنين ع أنه قال يا ابن آدم إذا رأيت ربك يتابع عليك نعمه فاحذره
انتهى. و يظهر من الآيات أن البلايا و المصائب نعم من الله ليتعظوا و يتذكروا بها و يتركوا المعاصي
كما قال أمير المؤمنين ع و لو أن الناس حين تنزل بهم النقم و تزول عنهم النعم فزعوا إلى ربهم بصدق من نياتهم و وله من قلوبهم لرد عليهم كل شارد و أصلح لهم كل فاسد
و تدل على أن تواتر النعم على العباد و عدم ابتلائهم بالبلايا استدراج منه سبحانه غالبا كما قال علي بن إبراهيم لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ يعني كي يتضرعوا فلما لم يتضرعوا فتح الله عليهم الدنيا و أغناهم لفعلهم الردي فَإِذا هُمْ مُبْلِسُونَ أي آيسون و ذلك قول الله في مناجاته لموسى ع.
حدثني أبي عن القاسم بن محمد عن سليمان بن داود عن حفص بن غياث عن أبي عبد الله ع قال كان في مناجاة الله تعالى لموسى يا موسى إذا رأيت الفقر مقبلا فقل مرحبا بشعار الصالحين و إذا رأيت الغنى مقبلا فقل ذنب عجلت عقوبته فما فتح الله على أحد في هذه الدنيا إلا بذنب لينسيه ذلك الذنب فلا يتوب فيكون إقبال الدنيا عليه عقوبة لذنوبه
و روى الكشي و العياشي بإسنادهما عن أبي الحسن صاحب العسكر ع أن قنبرا مولى أمير المؤمنين ع أدخل على الحجاج فقال ما الذي كنت تلي من علي بن أبي طالب قال كنت أوضيه فقال له ما كان يقول إذا فرغ من وضوئه فقال كان يتلو هذه الآية فَلَمَّا نَسُوا ما ذُكِّرُوا بِهِ إلى قوله فَإِذا هُمْ مُبْلِسُونَ فَقُطِعَ دابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ فقال الحجاج أظنه كان يتأوله علينا قال نعم
1- كتاب صفات الشيعة، للصدوق رحمه الله بإسناده عن أبي عبد الله ع قال البرص شبه اللعنة لا يكون فينا و لا في ذريتنا و لا في شيعتنا
و بإسناده عن معاوية بن عمار قال قال أبو عبد الله ع إن لم يؤمن المؤمن من البلايا في الدنيا و لكن أمنه من العمى في الآخرة و من الشقاء يعني عمى البصر
2- نوادر الراوندي، بإسناده عن جعفر بن محمد عن آبائه ع قال قال رسول الله ص إن الإسلام بدا غريبا و سيعود غريبا كما بدا فطوبى للغرباء فقيل و من هم يا رسول الله ص قال الذين يصلحون إذا فسد الناس إنه لا وحشة و لا غربة على مؤمن و ما من مؤمن يموت في غربته إلا بكت عليه الملائكة رحمة له حيث قلت بواكيه و فسح له في قبره بنور يتلألأ من حيث دفن إلى مسقط رأسه
3- كا، ]الكافي[ عن علي عن أبيه عن ابن أبي عمير عن هشام بن سالم عن أبي عبد الله ع قال إن أشد الناس بلاء الأنبياء ثم الذين يلونهم ثم الأمثل فالأمثل
بيان أشد الناس بلاء قيل المراد بالناس هنا الكمل من الأنبياء و الأوصياء و الأولياء فإنهم الناس حقيقة و سائر الناس نسناس كما ورد في الأخبار و البلاء ما يختبر و يمتحن به من خير أو شر و أكثر ما يأتي مطلقا الشر و ما أريد به الخير يأتي مقيدا كما قال تعالى بَلاءً حَسَناً و أصله المحنة. و الله تعالى يبتلي عبده بالصنع الجميل ليمتحن شكره و بما يكره ليمتحن صبره يقال بلاه الله بخير أو شر يبلوه بلوا و أبلاه إبلاء و ابتلاه ابتلاء بمعنى امتحنه و الاسم البلاء مثل سلام و البلوى و البلية مثله. و قال في النهاية فيه أشد الناس بلاء الأنبياء ثم الأمثل فالأمثل أي الأشرف فالأشرف و الأعلى فالأعلى في الرتبة و المنزلة ثم يقال هذا أمثل من هذا أي أفضل و أدنى إلى الخير و أماثل الناس خيارهم انتهى. ثم الذين يلونهم أي يقربون منهم و يكونون بعدهم في المصباح الولي مثل فلس القرب و في الفعل لغتان أكثرهما وليه يليه بكسرتين و الثانية من باب وعد و هي قليلة الاستعمال و جلست مما يليه أي يقاربه و قيل الولي حصول الثاني بعد الأول من غير فصل انتهى و المراد بهم الأوصياء ع
4- كا، ]الكافي[ عن محمد بن يحيى عن محمد بن الحسين عن صفوان عن معاوية بن عمار عن ناجية قال قلت لأبي جعفر ع إن المغيرة يقول إن المؤمن لا يبتلي بالجذام و لا بالبرص و لا بكذا و لا بكذا فقال إن كان لغافلا عن صاحب ياسين إنه كان مكنعا ثم رد أصابعه فقال كأني أنظر إلى تكنيعه أتاهم فأنذرهم ثم عاد إليهم من الغد فقتلوه ثم قال إن المؤمن يبتلي بكل بلية و يموت بكل ميتة إلا أنه لا يقتل نفسه
بيان المغيرة هو المغيرة بن سعيد و قد ذكر الكشي أحاديث كثيرة في لعنه و قال العلامة قدس سره إنه كان يدعو إلى محمد بن عبد الله بن الحسن و قال رحمه الله في مناهج اليقين القائلون بإمامة الباقر ع اختلفوا بعد موته فالإمامية ساقوها إلى ولده الصادق ع و منهم من قال إنه لم يمت و منهم من ساقها إلى غير ولده فذهب بعضهم إلى أن الإمام بعد الباقر ع محمد بن عبد الله بن الحسن بن الحسن و هم أصحاب المغيرة بن سعيد.
و روى الكشي عن الصادق ع أنه قال يوما لأصحابه لعن الله المغيرة بن سعيد و لعن الله يهودية كان يختلف إليها يتعلم منها السحر و الشعبذة و المخاريق إن المغيرة كذب على أبي ع فسلبه الله الإيمان و إن قوما كذبوا علي ما لهم أذاقهم الله حر الحديد
و روي أيضا عن الرضا ع أنه قال كان المغيرة يكذب على أبي جعفر ع فأذاقه الله حر الحديد
و قال في المواقف قال مغيرة بن سعيد العجلي الله جسم على صورة إنسان من نور على رأسه تاج و قلبه منبع الحكمة و لما أراد أن يخلق الخلق تكلم بالاسم الأعظم فطار فوقع تاجا على رأسه ثم إنه كتب على كفه أعمال العباد فغضب من المعاصي فعرق فحصل منه بحران أحدهما مالح مظلم و الآخر حلو نير ثم اطلع في البحر النير فأبصر فيه ظله فانتزعه فجعل منه الشمس و القمر و أفنى الباقي من الظل نفيا للشريك ثم خلق الخلق من البحرين فالكفار من المظلم و المؤمنين من النير. ثم أرسل محمدا و الناس في ضلال و عرض الْأَمانَةَ عَلَى السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ وَ الْجِبالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَها وَ أَشْفَقْنَ مِنْها وَ حَمَلَهَا الْإِنْسانُ و هو أبو بكر بأمر عمر بشرط أن يجعل الخلافة بعده له و قوله تعالى كَمَثَلِ الشَّيْطانِ إِذْ قالَ لِلْإِنْسانِ اكْفُرْ نزلت في أبي بكر و عمر. و الإمام المنتظر هو زكريا بن محمد بن علي بن الحسين بن علي و هو حي في جبل حاجر إلى أن يؤمر بالخروج و قتل المغيرة فقال بعض أصحابه بانتظاره و بعضهم بانتظار زكريا انتهى. و قيل هو المغيرة بن سعد و كان يلقب بالأبتر فنسبت إليه البترية من الزيدية و لم أدر من أين أخذه. فقال إن كان لغافلا إن مخففة من المثقلة و صاحب ياسين هو حبيب النجار و إنذاره إشارة إلى قوله تعالى وَ اضْرِبْ لَهُمْ مَثَلًا أَصْحابَ الْقَرْيَةِ و هذه القرية هي أنطاكية في قول المفسرين إِذْ جاءَهَا الْمُرْسَلُونَ إِذْ أَرْسَلْنا إِلَيْهِمُ اثْنَيْنِ أي رسولين من رسلنا فَكَذَّبُوهُما أي الرسولين قال ابن عباس ضربوهما و سجنوهما فَعَزَّزْنا بِثالِثٍ أي فقوينا و شددنا ظهورهما برسول ثالث قيل كان اسم الرسولين شمعون و يوحنا و الثالث بولس و قال ابن عباس و كعب صادق و صدوق و الثالث سلوم و قيل إنهم رسل عيسى و هم الحواريون و إنما أضافهم إلى نفسه لأن عيسى ع أرسلهم بأمره فَقالُوا إِنَّا إِلَيْكُمْ مُرْسَلُونَ قالُوا يعني أهل القرية ما أَنْتُمْ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنا فلا تصلحون للرسالة كما لا نصلح نحن لها وَ ما أَنْزَلَ الرَّحْمنُ مِنْ شَيْءٍ إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا تَكْذِبُونَ قالُوا رَبُّنا يَعْلَمُ إِنَّا إِلَيْكُمْ لَمُرْسَلُونَ وَ ما عَلَيْنا إِلَّا الْبَلاغُ الْمُبِينُ إلى قوله تعالى وَ جاءَ مِنْ أَقْصَا الْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعى و كان اسمه حبيب النجار عن ابن عباس و جماعة من المفسرين و كان قد آمن بالرسول عند ورودهم القرية و كان منزله عند أقصى باب من أبواب المدينة فلما بلغه أن قومه قد كذبوا الرسل و هموا بقتلهم جاء يعدو و يشتد قالَ يا قَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ الذين أرسلهم الله إليكم و أقروا برسالتهم. قالوا و إنما علم هو نبوتهم لأنهم لما دعوه قال أ تأخذون على ذلك أجرا قالوا لا و قيل إنه كان به زمانة أو جذام فابرءوه فآمن بهم عن ابن عباس اتَّبِعُوا مَنْ لا يَسْئَلُكُمْ أَجْراً وَ هُمْ مُهْتَدُونَ وَ ما لِيَ لا أَعْبُدُ الَّذِي فَطَرَنِي وَ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ أَ أَتَّخِذُ مِنْ دُونِهِ آلِهَةً إِنْ يُرِدْنِ الرَّحْمنُ بِضُرٍّ لا تُغْنِ عَنِّي شَفاعَتُهُمْ شَيْئاً وَ لا يُنْقِذُونِ إِنِّي إِذاً لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ إِنِّي آمَنْتُ بِرَبِّكُمْ فَاسْمَعُونِ فاسمعوا قولي و اقبلوه و قيل إنه خاطب بذلك الرسل أي فاسمعوا ذلك حتى تشهدوا لي به عند الله عن ابن مسعود. قال ثم إن قومه لما سمعوا ذلك القول منه وطئوه بأرجلهم حتى مات فأدخله الله الجنة و هو حي فيها يرزق و هو قوله قِيلَ ادْخُلِ الْجَنَّةَ و قيل رجموه حتى قتلوه و قيل إن القوم لما أرادوا أن يقتلوه رفعه الله إليه فهو في الجنة و لا يموت إلا بفناء الدنيا و هلاك الجنة عن الحسن و مجاهد و قالا إن الجنة التي دخلها يجوز هلاكها. و قيل إنهم قتلوه إلا أن الله سبحانه أحياه و أدخله الجنة فلما دخلها قالَ يا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ بِما غَفَرَ لِي رَبِّي وَ جَعَلَنِي مِنَ الْمُكْرَمِينَ.
و في تفسير الثعلبي بالإسناد عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن أبيه عن النبي ص قال سباق الأمم ثلاثة لم يكفروا بالله طرفة عين علي بن أبي طالب و صاحب ياسين و مؤمن آل فرعون فهم الصديقون و علي أفضلهم
كل ذلك ذكره الطبرسي رحمه الله في مجمع البيان و الأخبار الطويلة المشتملة على تلك القصة قد تقدمت في المجلد الخامس. أنه كان مكنعا في أكثر النسخ بالنون المشددة المفتوحة و في بعضها بالتاء و في القاموس كنع كمنع كنوعا انقبض و انضم و أصابعه ضربها فأيبسها و كفرح يبس و تشنج و لزم و شيخ كنع ككتف شنج و الكنيع المكسور اليد و الأكنع الأشل و كمعظم و مجمل المقفع اليد أي متشنجها أو المقطوعها و كنع يده أشلها و قال كتع كمنع انقبض و انضم و الأكتع من رجعت أصابعه إلى كفه و ظهرت رواجبه. و أقول كأنه كان الجذام سببا لتكنيع أصابعه كما سيأتي تفسيره بالجذام أو كان هذا الداء أيضا مذكورا في الأدواء التي نفاها عن المؤمن أو الغرض بيان أن الابتلاء بالأدواء العظيمة الشنيعة لا ينافي كمال الإيمان و قيل كانت أصابعه سقطت من الجذام فأشار ع بضم أصابعه إلى كفه إلى ذلك. ثم رد أصابعه هذا من كلام الراوي أي رد ع أصابعه إلى كفه إشارة إلى تكنيعه فقال كأني أنظر إلى تكنيعه أي أعلم ذلك و كيفيته بعين اليقين أتاهم أي حبيب فأنذرهم و خوفهم عقاب الله على ترك اتباع الرسل بما حكى الله تعالى عنه و ربما يتوهم التنافي بين هذا الخبر و بين ما ورد عن الصادق ع أنه إذا بلغ المؤمن أربعين سنة آمنه الله من الأدواء الثلاثة البرص و الجذام و الجنون و يمكن أن يجاب بأنه محمول على الغالب فلا ينافي الابتلاء بعد الأربعين نادرا مع أنه يمكن أن يكون ابتلاء المؤمن قبل الأربعين و أيضا الخبر ليس بصريح في ابتلائه بالجذام. و الميتة بالكسر للحال و الهيئة و يدل على أن قاتل نفسه ليس بمؤمن سواء قتلها بحربة أو بشرب السم أو بترك الأكل و الشرب أو ترك مداواة جراحة أو مرض علم نفعها أما لو أحرق العدو السفينة فألقى من فيها نفسه في البحر فمات فالظاهر أنه أيضا داخل في هذا الحكم خلافا لبعض العامة فإنه أخرجه منه لأنه فر من موت إلى موت و هو ضعيف و ربما يحمل على من استحل قتل نفسه و الظاهر أن المراد بالمؤمن الكامل
5- كا، ]الكافي[ عن محمد بن يحيى عن أحمد بن محمد عن ابن سنان عن عثمان النواء عمن ذكره عن أبي عبد الله ع قال إن الله عز و جل يبتلي المؤمن بكل بلية و يميته بكل ميتة و لا يبتليه بذهاب عقله أ ما ترى أيوب كيف سلط الله إبليس على ماله و على ولده و على أهله و على كل شيء منه و لم يسلط على عقله ترك له ليوحد الله به
بيان و لا يبتليه بذهاب عقله لأن فائدة الابتلاء التصبر و التذكر و الرضا و نحوها و لا يتصور شيء من ذلك بذهاب العقل و فساد القلب و لا ينافي ذهاب العقل لا لغرض الابتلاء على أن الموضع هو المؤمن و المجنون لا يتصف بالإيمان كذا قيل لكن ظاهر الخبر أن المؤمن الكامل لا يبتلى بذلك و إن لم يطلق عليه في تلك الحال اسم الإيمان و كان بحكم المؤمن. و يمكن أن يكون هذا غالبيا فإنا نرى كثيرا من صلحاء المؤمنين يبتلون في أواخر العمر بالخرافة و ذهاب العقل أو يخص بنوع منه و الوجه الأول لا يخلو من وجه و على كل شيء منه ظاهره تسلطه على جميع أعضائه و قواه سوى عقله و قد يؤول بتسلطه على بيته و أثاث بيته و أمثال ذلك و أحبائه و أصدقائه و قد سبق بسط القول في قصص أيوب ع و دفع الشبه الواردة فيها في المجلد الخامس فلا نعيدها حذرا من التكرار
6- كا، ]الكافي[ عن محمد بن يحيى عن ابن عيسى عن ابن محبوب عن عبد الرحمن بن الحجاج قال ذكر عند أبي عبد الله ع البلاء و ما يخص الله عز و جل به المؤمن فقال سئل رسول الله ص من أشد الناس بلاء في الدنيا فقال النبيون ثم الأمثل فالأمثل و يبتلي المؤمن بعد على قدر إيمانه و حسن أعماله فمن صح إيمانه و حسن عمله اشتد بلاؤه و من سخف إيمانه و ضعف عمله قل بلاؤه
محص، ]التمحيص[ عن عبد الرحمن مثله بيان السخف الخفة في العقل و غيره ذكره الجزري و الفعل ككرم و ضعف عمله أي بالكمية أو بالكيفية أو بهما
7- كا، ]الكافي[ عن محمد بن يحيى عن ابن عيسى عن محمد بن سنان عن عمار بن مروان عن زيد الشحام عن أبي عبد الله ع قال إن عظيم الأجر لمع عظيم البلاء و ما أحب الله قوما إلا ابتلاهم
بيان يدل على أن عظيم البلاء سبب للأجر العظيم و علامة لمحبة الرب الرحيم إذا كان في المؤمن الكريم
8- كا، ]الكافي[ عن العدة عن سهل بن زياد عن ابن محبوب عن ابن رئاب عن أبي بصير عن أبي عبد الله ع قال إن لله عز و جل عبادا في الأرض من خالص عباده ما ينزل من السماء تحفة إلى الأرض إلا صرفها عنهم إلى غيرهم و لا بلية إلا صرفها إليهم
نبه، ]تنبيه الخاطر[ عن ابن رئاب و كرام بن عمرو عن أبي بصير مثله بيان ما ينزل من السماء أي يقدر فيها تحفة أي من التحف الدنيوية و كذا البلية
9- كا، ]الكافي[ عن العدة عن البرقي عن أحمد بن عبيد عن الحسين بن علوان عن أبي عبد الله ع أنه قال و عنده سدير إن الله إذا أحب عبدا غته بالبلاء غتا و إنا و إياكم يا سدير لنصبح به و نمسي
بيان غته أي غمسه و الباء بمعنى في و يحتمل القهر و الغم في النهاية فيه يغتهم الله في العذاب غتا أي يغمسهم فيه غمسا متتابعا و منه حديث الدعاء يا من لا يغته دعاء الداعين أي يغلبه و يقهره و في حديث الحوض يغت فيه ميزابان مدادهما من الجنة أي يدفقان فيه الماء دفقا دائما متتابعا و في القاموس غته بالأمر كده و في الماء غطه و فلانا غمه و خنقه لنصبح به أي بالغت أو بالبلاء
10- كا، ]الكافي[ عن محمد بن يحيى عن ابن عيسى عن محمد بن سنان عن الوليد بن العلاء عن حماد عن أبيه عن أبي جعفر ع قال إن الله تبارك و تعالى إذا أحب عبدا غته بالبلاء غتا و ثجه بالبلاء ثجا فإذا دعاه قال لبيك عبدي لئن عجلت لك ما سألت إني على ذلك لقادر و لئن ادخرت لك فما ادخرت لك خير لك
جع، ]جامع الأخبار[ عنه ع مثله بيان في القاموس ثج الماء سال و ثجه أساله و في النهاية فيه أفضل الحج العج الثج الثج سيلان دماء الهدي و الأضاحي يقال ثجه يثجه ثجا و منه فحلب فيه ثجا أي لبنا سائلا كثيرا و حديث المستحاضة إني أثجه ثجا انتهى. و أقول ما في هذا الخبر يحتمل أن يكون على الحذف و الإيصال و الباء زائدة أي ثج عليه البلاء أو يكون تسييله كناية عن شدة ألمه و حزنه كأنه يذوب من البلاء و يسيل أو عن توجهه إلى جناب الحق سبحانه بالدعاء و التضرع لدفعه و قيل أي أسال دم قلبه بالبلاء. و أقول في جامع الأخبار و غيره بجه بالباء الموحدة و البج الشق و الطعن بالرمح. فإذا دعاه أي لدفع البلاء أو لغيره من المطالب أيضا و في القاموس ألب أقام كلب و منه لبيك أي أنا مقيم على طاعتك إلبابا بعد إلباب و إجابة بعد إجابة أو معناه اتجاهي و قصدي لك من داري تلب داره أي تواجهها أو معناه محبتي لك من امرأة لبة محبة لزوجها أو معناه إخلاصي لك من حسب لباب خالص
11- كا، ]الكافي[ عن محمد بن يحيى عن أحمد بن محمد عن ابن محبوب عن زيد الزراد عن أبي عبد الله ع قال قال رسول الله ص إن عظيم البلاء يكافأ به عظيم الجزاء فإذا أحب الله عبدا ابتلاه الله بعظيم البلاء فمن رضي فله عند الله الرضا و من سخط البلاء فله عند الله السخط
ل، ]الخصال[ عن أبيه عن محمد العطار عن سهل عن الحسن اللؤلؤي عن محمد بن سنان عن زيد الشحام عنه ع مثله محص، ]التمحيص[ عن الشحام مثله بيان يكافأ به على بناء المجهول أي يجازى أو يساوى في القاموس كافأه مكافأة و كفاء جازاه و فلانا ماثله و راقبه و الحمد لله كفاء الواجب أي ما يكون مكافئا له. فإذا أحب الله عبدا أي أراد أن يوصل الجزاء العظيم إليه و يرضى عنه و وجده أهلا لذلك ابتلاه بعظيم البلاء من الأمراض الجسمانية و المكاره الروحانية فمن رضي أي ببلائه و قضائه و الظاهر أن المراد بالموصول في الموضعين أعم من العبد المحبوب المتقدم فإن العبد المحبوب لله سبحانه لا يسخط قضاءه و يحتمل أن يكون المراد بالمحبة تعريضه للمثوبة سواء رضي أم لا فمن رضي فله عند الله الرضا أي يرضى الله عنه و من سخط القضاء فله عند الله السخط أي الغضب
12- كا، ]الكافي[ عن محمد بن يحيى عن أحمد بن محمد عن علي بن الحكم عن زكريا بن الحر عن جابر بن يزيد عن أبي جعفر ع قال إنما يبتلى المؤمن في الدنيا على قدر دينه أو قال على حسب دينه
بيان أو قال الشك من الراوي و الحسب بالتحريك المقدار فمآل الروايتين واحد قال في المصباح قولهم يجزى المرء على حسب عمله أي على مقداره
13- كا، ]الكافي[ عن العدة عن أحمد بن أبي عبد الله عن بعض أصحابه عن محمد بن المثنى الحضرمي عن محمد بن بهلول بن مسلم العبدي عن أبي عبد الله ع قال إنما المؤمن بمنزلة كفة الميزان كلما زيد في إيمانه زيد في بلائه
بيان إنما المؤمن كان المعنى أن حال المؤمن في إيمانه و بلائه بمنزلة كفتي الميزان كما ورد الصلاة ميزان فمن وفى استوفى و قيل المعنى أن المؤمن ككفة الميزان في أنه كلما وضع فيه يوضع في الكفة الأخرى ما يوازنه عند الوزن فكلما زيد في المؤمن من الإيمان زيد في الكفة الأخرى و هو الكافر الذي بلاء المؤمن بسببه سواء كان من الإنس أو الجن فيزيد بلاؤه و أذاه للمؤمن بحسب زيادة إيمان المؤمن
14- كا، ]الكافي[ عن علي عن أبيه عن ابن أبي عمير عن أبي أيوب عن محمد بن مسلم قال سمعت أبا عبد الله ع يقول المؤمن لا يمضي عليه أربعون ليلة إلا عرض له أمر يحزنه يذكر به
بيان أمر يحزنه بالضم قال في المصباح حزن حزنا من باب تعب و الاسم الحزن بالضم فهو حزين و يتعدى في لغة قريش بالحركة يقال حزنني الأمر يحزنني من باب قتل قاله تغلب و الأزهري و في لغة تميم بالألف و مثل الأزهري باسم الفاعل و المفعول في اللغتين على بابهما و منع أبو زيد الماضي من الثلاثي فقال لا يقال حزنه و إنما يستعمل المضارع من الثلاثي فيقال يحزنه انتهى. و قوله يذكر به على بناء المفعول من التفعيل كأنه سئل عن سبب عروض ذلك الأمر فقال يذكر به ذنوبه و التوبة منها لقوله سبحانه ما أَصابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِما كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ و ربه القادر على دفع ذلك عنه فيتضرع لذلك و يدعو الله لرفعه و سفالة الدنيا و دناءتها لشيوع أمثال ذلك فيها فيزهد فيها و الآخرة و خلوص لذاتها عن الأحزان و الكدورات فيرغب إليها و لا يصلح القلب إصلاح الحزن شيء و قد قيل إن القلب الذي لا حزن فيه كالبيت الخراب
15- كا، ]الكافي[ عن العدة عن أحمد بن أبي عبد الله عن أبيه عن إبراهيم بن محمد الأشعري عن عبيد بن زرارة قال سمعت أبا عبد الله ع يقول إن المؤمن من الله عز و جل لبأفضل مكان ثلاثا إنه ليبتليه بالبلاء ثم ينزع نفسه عضوا عضوا من جسده و هو يحمد الله على ذلك
بيان من الله أي بالنسبة إليه ثلاثا أي قال هذا الكلام ثلاث مرات نفسه عضوا عضوا أي روحه من بدنه بالتدريج و قيل أراد بقطع بدنه عضوا عضوا فكلما قطع منه عضو سلب الروح منه و قال بعضهم النفس بضم النون و الفاء جمع نفيس أي يقطع أعضاءه النفيسة بالجذام و لا يخفى ما فيه و الأول أظهر
16- كا، ]الكافي[ عن محمد بن يحيى عن ابن عيسى عن علي بن الحكم عن فضيل بن عثمان عن أبي عبد الله ع قال إن في الجنة منزلة لا يبلغها عبد إلا بالابتلاء في جسده
بيان يدل على أن بعض درجات الجنة يمكن البلوغ إليها بالعمل و السعي و بعضها لا يمكن الوصول إليها إلا بالابتلاء في الجسد فيمن الله تعالى على من أحب من عباده بالابتلاء ليصلوا إليها
17- كا، ]الكافي[ عن العدة عن البرقي عن أبيه عن إبراهيم بن محمد الأشعري عن أبي يحيى الحناط عن عبد الله بن أبي يعفور قال شكوت إلى أبي عبد الله ع ما ألقى من الأوجاع و كان مسقاما فقال لي يا عبد الله لو يعلم المؤمن ما له من الجزاء في المصائب لتمنى أنه قرض بالمقاريض
بيان و كان مسقاما هذا كلام أبي يحيى و ضمير كان عائد إلى عبد الله و المسقام بالكسر الكثير السقم و المرض أنه قرض على بناء المفعول بالتخفيف أو بالتشديد للتكثير و المبالغة. و في المصباح قرضت الشيء قرضا من باب ضرب قطعته بالمقراضين و المقراض أيضا بكسر الميم و الجمع مقاريض و لا يقال إذا جمع بينهما مقراض كما تقوله العامة و إنما يقال عند اجتماعهما قرضته قرضا من باب قطعته بالمقراضين و في الواحد قطعته بالمقراض
18- كا، ]الكافي[ عن محمد بن يحيى عن أحمد بن محمد عن محمد بن سنان عن يونس بن رباط قال سمعت أبا عبد الله ع يقول إن أهل الحق لم يزالوا منذ كانوا في شدة أما إن ذلك إلى مدة قليلة و عافية طويلة
نبه، ]تنبيه الخاطر[ عن ابن رباط مثله بيان منذ كانوا تامة و في شدة خبر لم يزالوا إلى مدة قليلة أي إلى انتهاء مدة قليلة هي العمر ينتهي إلى عافية طويلة في البرزخ و الآخرة و قيل إلى بمعنى مع
19- كا، ]الكافي[ عن علي عن أبيه عن بعض أصحابه عن الحسين بن المختار عن أبي أسامة عن حمران عن أبي جعفر ع قال إن الله عز و جل ليتعاهد المؤمن بالبلاء كما يتعاهد الرجل أهله بالهدية من الغيبة و يحميه الدنيا كما يحمي الطبيب المريض
بيان في القاموس تعهده و تعاهده تفقده و أحدث العهد به و قال حمى المريض ما يضره منعه إياه فاحتمى و تحمى امتنع. و أقول وجه الشبه في الفقرتين في المشبه و إن كان أقوى لكن المشبه به عند الناس أظهر و أجلى
20- كا، ]الكافي[ عن علي عن أبيه عن عبد الله بن المغيرة عن محمد بن يحيى الخثعمي عن محمد بن بهلول العبدي قال سمعت أبا عبد الله ع يقول لم يؤمن الله المؤمن من هزاهز الدنيا و لكنه آمنه من العمى فيها و الشقاء في الآخرة
بيان من هزاهز الدنيا أي الفتن و البلايا التي يهتز فيها الناس و العمى عمى القلب الموجب للجهل بالله و التنفر عن الحق و البعد عن لوازم الإيمان و كل ذلك يوجب الشقاء و التعب في الآخرة
21- كا، ]الكافي[ عن العدة عن أحمد بن أبي عبد الله عن نوح بن شعيب عن أبي داود المسترق رفعه قال قال أبو عبد الله ع دعي النبي ص إلى طعام فلما دخل منزل الرجل نظر إلى دجاجة فوق حائط قد باضت فتقع البيضة على وتد في حائط فثبتت عليه و لم تسقط و لم تنكسر فتعجب النبي ص منها فقال له الرجل أ عجبت من هذه البيضة فو الذي بعثك بالحق ما رزئت شيئا قط فنهض رسول الله ص و لم يأكل من طعامه شيئا و قال من لم يرزأ فما لله فيه من حاجة
بيان فتقع أي فوقعت و استعمال المضارع في الماضي في أمثال هذه المواضع شائع ما رزئت شيئا أي ما نقصت في القاموس رزأه ماله كجعله و علمه رزءا بالضم أصاب منه شيئا كارتزأه ماله و رزأ الشيء نقصه و الرزيئة المصيبة و ما رزئته بالكسر ما نقصته. و في النهاية في حديث سراقة فلم يرزءاني شيئا أي لم يأخذا مني شيئا يقال رزأته أرزأه و أصله النقص فقوله رزئت على بناء المجهول و مفعوله الثاني محذوف. فما لله فيه من حاجة استعمال الحاجة في الله سبحانه مجاز و المراد أنه ليس من خلص المؤمنين و ممن أعده الله لهداية الخلق و لعبادته و معرفته فإن نظام العالم لما كان بوجود هؤلاء فكأنه محتاج إليهم في ذلك أو أنهم لما كانوا من حزب الله و عبدته حقيقة و أنصار دينه فكأنه سبحانه محتاج إليهم كما أن سائر الخلق محتاجون إلى مثل ذلك. أو المراد حاجة الأنبياء و الأوصياء في ترويج الدين و نسب ذلك إلى ذاته تعظيما لهم كما ورد في قوله تعالى إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَ ما ظَلَمُونا و أمثالهما. أو أنه تعالى لما طلب من عباده العبادات بالأوامر و غيرها كطلب ذي الحاجة ما يحتاج إليه فاستعملت الحاجة فيه مجازا أو سلب الحاجة كناية عن سلب اللطف به و ترك الإقبال عليه لأن اللطف و الإقبال منا لا زمان للحاجة فنفى الملزوم و أراد نفي اللازم و الوجوه متقاربة. و إنما امتنع ص من طعامه لأن ما ذكره كان من صفات المستدرجين و من لا خير فيه لا خير في طعامه و المال الذي لم ينقص منه شيء ملعون كالبدن و قد قال ص ملعون كل مال لا يزكى ملعون كل بدن لا يزكى مع أنه يمكن أن يكون علم ص من تقريره أنه لا يؤدي الحقوق الواجبة أيضا و أيضا لما كانت الخصلة التي ذكرها صاحب الطعام مرغوبة بالطبع لسائر الخلق أراد ص المبالغة في ذمها لئلا ترغب الصحابة فيها و ليعلموا أنها ليست من صفات المؤمنين
22- كا، ]الكافي[ عن العدة عن علي بن الحكم عن أبان بن عثمان عن عبد الرحمن عن أبي عبد الله و أبي بصير عن أبي عبد الله ع قال قال رسول الله ص لا حاجة لله فيمن ليس له في ماله و بدنه نصيب
بيان فيمن ليس له أي لله و إرجاعه إلى المؤمن كما زعم بعيد و الظاهر أن المراد بالنصيب النقص الذي وقع بقضاء الله و قدره في ماله أو بدنه بغير اختيار و يحتمل شموله للاختياري أيضا كأداء الحقوق المالية و إبلاء البدن بالطاعة
23- كا، ]الكافي[ عن محمد بن يحيى عن محمد بن عيسى عن ابن فضال عن علي بن عقبة عن سليمان بن خالد عن أبي عبد الله ع قال إنه ليكون للعبد منزلة عند الله فما ينالها إلا بإحدى الخصلتين إما بذهاب ماله أو ببلية في جسده
بيان بذهاب ماله بكسر اللام و قد يقرأ بالفتح و على الأول يمكن أن يكون على المثال فيشمل ذهاب ولده و أهله و أقاربه و أشباه ذلك و المراد بالعبد المؤمن الخالص الذي يحبه الله
24- كا، ]الكافي[ بالإسناد المتقدم عن البرقي عن ابن فضال عن مثنى الحناط عن أبي أسامة عن أبي عبد الله ع قال قال الله عز و جل لو لا أن يجد عبدي المؤمن في قلبه لعصبت رأس الكافر بعصابة حديد لا يصدع رأسه أبدا
بيان لو لا أن يجد عبدي المؤمن في قلبه كان مفعول الوجدان محذوف أي شكا أو حزنا شديدا أو يكون الوجد بمعنى الغضب أو بمعنى الحزن فقوله في قلبه للتأكيد أي وجدا مؤثرا في قلبه باقيا فيه. في المصباح وجدته أجده وجدانا بالكسر و وجدت عليه موجدة في الغضب و وجدت به في الحزن وجدا بالفتح انتهى. و العصابة بالكسر ما يشد على الرأس و العمامة و العصب الطي الشديد و عصب رأسه بالعصابة و عصب أيضا بالتشديد أي شده بها و الصداع كغراب وجع الرأس يقال صدع على بناء المفعول من التفعيل و جوز في الشعر التخفيف و ذكر الرأس هنا على التجريد و العصب بالحديد كناية عن حفظه مما يؤلمه و يؤذيه. و تخصيص الرأس لأن أكثر الأمراض العظيمة ينشأ منه و أكثر القوى فيه و ذكر الصداع لأنه أقل مراتب الآلام و الأوجاع و أخفها أي فكيف ما فوقه و يحتمل كون تخصيص الرأس لذلك. و الحاصل أنه لو لا مخافة انكسار قلب المؤمن أو ضعف يقينه لما يراه على الكافر من العافية المستمرة لقويت الكافر و صححت جسمه حتى لا يرى وجعا و ألما في الدنيا أبدا. و قيل تعصيب الرأس كناية عن وضع تاج السلطنة على رأسه و ذكر الحديد كناية عن شدة ملكه بحيث لا تحصل فيه ثلمة و لا يخفى بعده. و فيه إشارة إلى قوله سبحانه لَوْ لا أَنْ يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً واحِدَةً قال الطبرسي رحمه الله أي لو لا أن يجتمع الناس على الكفر فيكونوا كلهم كفارا على دين واحد لميلهم إلى الدنيا و حرصهم عليها لَجَعَلْنا لِمَنْ يَكْفُرُ بِالرَّحْمنِ لِبُيُوتِهِمْ سُقُفاً مِنْ فِضَّةٍ فالسقف إذا كان من فضة فالحيطان من فضة وَ مَعارِجَ عَلَيْها يَظْهَرُونَ أي و جعلنا درجا و سلاليم من فضة لتلك السقف عليها يعلون و يصعدون. وَ لِبُيُوتِهِمْ أَبْواباً وَ سُرُراً عَلَيْها أي على تلك السرر يَتَّكِؤُنَ وَ زُخْرُفاً أي ذهبا أي و جعلنا لهم مع ذلك ذهبا و قيل الزخرف النقوش و قيل هو الفرش و متاع البيت و المعنى لأعطي الكافر في الدنيا غاية ما يتمناه فيها لقلتها و حقارتها عنده و لكنه سبحانه لم يفعل ذلك لما فيه من المفسدة وَ إِنْ كُلُّ ذلِكَ لَمَّا مَتاعُ الْحَياةِ الدُّنْيا وَ الْآخِرَةُ عِنْدَ رَبِّكَ لِلْمُتَّقِينَ خاصة لهم
25- كا، ]الكافي[ عن علي عن أبيه عن ابن أبي عمير عن حسين بن عثمان عن ابن مسكان عن أبي بصير عن أبي عبد الله ع قال قال رسول الله ص مثل المؤمن كمثل خامة الزرع تكفئها الرياح كذا و كذا و كذلك المؤمن تكفئه الأوجاع و الأمراض و مثل المنافق كمثل الإرزبة المستقيمة التي لا يصيبها شيء حتى يأتيه الموت فيقصفه قصفا
بيان قد مر معنى خامة الزرع في باب أن المؤمن صنفان و الفرق بين التشبيه هنا و بين ما سبق حيث شبه هناك بعض المؤمنين بها و هاهنا جميعهم بها هو أنه شبه المعاصي هناك بالريح و هاهنا شبه البلايا و الأمراض بها تكفئها بالهمز أي تقلبها في القاموس كفأه كمنعه صرفه و كبه و قلبه كأكفأه و قال الإرزبة و المرزبة مشددتان أو الأولى فقط عصية من حديد و حتى في قوله حتى يأتيه الموت متعلق بالجار و المجرور في قوله كمثل الإرزبة و في المصباح قصفت العود قصفا فانقصفت مثل كسرته فانكسر لفظا و معنا.
و مثل هذه الرواية رواها مسلم في صحيحه بإسناده عن النبي ص قال مثل المؤمن مثل الخامة من الزرع تكفئها الرياح تصرفها مرة و تعدلها أخرى حتى يأتيه أجله و مثل المنافق مثل الأرزة المجذية التي لا يصيبها شيء حتى يكون انجعافها مرة واحدة
و في رواية أخرى مثل الكافر
قال عياض الخامة هي الزرع أول ما ينبت و معنى تكفئها بضم التاء تميلها الريح و تلقيها بالأرض كالمصروع ثم تقيمه يقوم على سوقه و معنى المجذية الثابتة يقال أجذى يجذي و الانجعاف الانقطاع يقال جعفت الرجل صرعته. و قال محيي الدين الأرزة بالفتح و قال بعضهم هي الآرزة بالمد و كسر الراء على وزن فاعلة و أنكره أبو عبيد و قال أهل اللغة الآرزة بالمد الثابتة و هذا المعنى صحيح هاهنا فإنكار أبي عبيد إنكار الرواية لا إنكار اللغة. و قال أبو عبيد شبه المؤمن بالخامة التي تميلها الريح لأنه يرزأ في نفسه و ماله و شبه الكافر بالأرزة لأنه لا يرزأ في شيء حتى يموت و إن رزئ لم يؤجر حتى يلقى الله بذنوب جمة
26- كا، ]الكافي[ عن علي بن إبراهيم عن هارون بن مسلم عن مسعدة بن صدقة عن أبي عبد الله ع قال قال النبي ص يوما لأصحابه ملعون كل مال لا يزكى ملعون كل جسد لا يزكى و لو في كل أربعين يوما مرة فقيل يا رسول الله أما زكاة المال فقد عرفناها فما زكاة الأجساد فقال لهم أن تصاب بآفة قال فتغيرت وجوه الذين سمعوا ذلك منه فلما رآهم قد تغيرت ألوانهم قال لهم هل تدرون ما عنيت بقولي قالوا لا يا رسول الله قال بلى الرجل يخدش الخدشة و ينكب النكبة و يعثر العثرة و يمرض المرضة و يشاك الشوكة و ما أشبه هذا حتى ذكر في آخر حديثه اختلاج العين
بيان ملعون كل مال لا يزكى قال الشيخ البهائي برد الله مضجعه أي بعيد عن الخير و البركة يعني لا خير فيه لصاحبه و لا بركة و يجوز أن يراد ملعون صاحبه على حذف مضاف أي مطرود مبعد عن رحمة الله تعالى و قس عليه قوله ص ملعون كل جسد لا يزكى و ذكر الزكاة هنا من باب المشاكلة و يجوز أن يكون استعارة تبعية و وجه الشبه أن كلا منهما و إن كان نقصا بحسب الظاهر إلا أنه موجب لمزيد الخير و البركة في نفس الأمر. فتغيرت وجوه الذين سمعوا ذلك لأنهم ظنوا أن مراده بالآفة العاهة و البلية الشديدة التي كثيرا ما يخلو عنهما الإنسان سنين عديدة فضلا عن أربعين يوما قال بلى أقول كأنه جواب عن سؤال مقدر كأن القوم قالوا أ لا تفسر لنا قال بلى. و صحف بعض الأفاضل فقرأ بلى الرجل مصدرا مضافا إلى الرجل أي خلقه كأن البلايا تبلي الجسد و تخلقها و يخدش صفة الرجل لأن اللام للعهد الذهني و لا يخفى ما فيه. و قال الشيخ المتقدم ذكره قدس سره يخدش بالبناء للمفعول و كذا ينكب و الخدشة تفرق اتصال في الجلد من ظفر و نحوه سواء خرج منه الدم أو لا. و أقول النكبة أن يقع رجله على الحجارة و نحوها أو يسقط على وجهه أو أصابته بلية خفيفة من بلايا الدهر في القاموس النكب الطرح و نكب الإناء هراق ما فيه و الكنانة نثر ما فيها و الحجارة رجله لثمتها أو أصابتها فهو منكوب و نكب و به طرحه و النكبة بالفتح المصيبة و نكبة الدهر نكبا و نكبا بلغ منه أو أصابه بنكبة. و في النهاية و قد نكب بالحرة أي نالته حجارتها و أصابته و منه النكبة و هي ما يصيب الإنسان من الحوادث و منه الحديث أنه نكبت إصبعه أي نالته الحجارة. و يعثر العثرة في القاموس العثرة المرة من العثار في المشي و قال الشيخ رحمه الله المراد عثرة الرجل و يجوز أن يراد بها ما يعم عثرة اللسان أيضا لكنه بعيد. و يشاك الشوكة يقال شاكته الشوكة تشوكه شاكة و شيكة إذا دخلت في جسده و انتصاب الشوكة بالمفعولية المطلقة كانتصاب الخدشة و النكبة و العثرة فإن قلت تلك مصادر بخلاف الشوكة فكيف يكون مفعولا مطلقا قلت قد يجيء المفعول المطلق غير مصدر إذا لابس المصدر بالآلية و نحوها نحو ضربته سوطا و إن أبيت فاجعل انتصابها بنزع الخافض أي يشاك بالشوكة. أقول و في القاموس شاكته الشوكة دخلت في جسمه و شكته أنا أشوكه و أشكته أدخلتها في جسمه و شاك يشاك شاكة و شيكة بالكسر وقع في الشوك و الشوكة خالطها و ما أشاكه شوكة و لا شاكه بها ما أصابه بها انتهى فعلى بعض الوجوه يمكن أن يكون الشوكة مفعولا ثانيا من غير تقدير. و قال و ما أشبه هذا يحتمل أن يكون من كلام النبي ص و أن يكون من كلام الراوي. أقول الظاهر أنه من كلام الصادق ع إلى آخر الخبر و ضمير حديثه راجع إلى النبي ص و قال قدس سره عد ص اختلاج العين من الآفات لأن الاختلاج مرض من الأمراض و قد ذكره الأطباء و هو حركة سريعة متواترة غير عادية يعرض لجزء من البدن كالجلد و نحوه بسبب رطوبة غليظة لزجة تنحل فتصير ريحا بخاريا غليظا يعسر خروجه من المسام و تزاول الدافعة دفعه فتقع بينهما مدافعة و اضطراب
27- كا، ]الكافي[ عن أبي علي الأشعري عن محمد بن عبد الجبار عن ابن فضال عن ابن بكير قال سألت أبا عبد الله ع أ يبتلى المؤمن بالجذام و البرص و أشباه هذا قال فقال و هل كتب البلاء إلا على المؤمن
بيان و هل كتب البلاء إلا على المؤمن أي غالبا
28- كا، ]الكافي[ عن علي عن أبيه عن ابن أبي عمير عمن رواه عن الحلبي عن أبي عبد الله ع قال إن المؤمن ليكرم على الله حتى لو سأله الجنة بما فيها أعطاه ذلك من غير أن ينتقص من ملكه شيئا و إن الكافر ليهون على الله حتى لو سأله الدنيا بما فيها لأعطاه من غير أن ينقص من ملكه شيئا و إن الله ليتعاهد عبده المؤمن بالبلاء كما يتعاهد الغائب أهله بالطرف و إنه ليحميه الدنيا كما يحمي الطبيب المريض
بيان كلمة لو في الموضعين شرطية امتناعية و أعطاه جزاؤه أي لو سأل المؤمن الجنة أعطاه لكنه لا يسأله ذلك لأنه يعلم عدم المصلحة في ذلك أو يحب الشركاء فيها و لا يطلب التفرد مع أنه يمكن أن يعطيه ما هو جنة بالفعل و يخلق أمثالها و أضعافها لغيره. و أما الكافر فإنه أيضا لا يسأل جميع الدنيا لأنه لا يؤمن بالله و سعة قدرته بل يعد ذلك ممتنعا و قيل لأنه ممتنع أن يسأل الله لأنه سبحانه لا يدرك بالكنه و لا بالشخص بل معرفته منحصرة في أن يعرف بصفات الربوبية و الكافر لا يعرفه كذلك و إليه يشير قوله تعالى أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذا دَعانِ. و انتقص يكون لازما و متعديا و المراد هنا الثاني في القاموس نقص لازم متعد و أنقصه و انتقصه و نقصه نقصه فانتقص و قيل شيئا قائم مقام المفعول المطلق في الموضعين بمعنى انتقاصا و في المصباح الطرفة ما يستطرف أي يستملح و الجمع طرف مثل غرفة و غرف و في القاموس أطرف فلانا أعطاه ما لم يعطه أحد قبله و الاسم الطرفة بالضم
29- كا، ]الكافي[ عن علي عن أبيه عن ابن محبوب عن سماعة عن أبي عبد الله ع قال إن في كتاب علي ع إن أشد الناس بلاء النبيون ثم الوصيون ثم الأمثل فالأمثل و إنما يبتلى المؤمن على قدر أعماله الحسنة فمن صح دينه و حسن عمله اشتد بلاؤه و ذلك أن الله عز و جل لم يجعل الدنيا ثوابا لمؤمن و لا عقوبة لكافر و من سخف دينه و ضعف عمله قل بلاؤه و إن البلاء أسرع إلى المؤمن التقي من المطر إلى قرار الأرض
ع، ]علل الشرائع[ عن أبيه عن السعدآبادي عن البرقي عن ابن محبوب مثله
جع، ]جامع الأخبار[ عن النبي ص مثله إلا أن قوله و ذلك أن الله إلى قوله لكافر في آخر الخبر و هو أنسب
بيان و ذلك أن الله أقول دفع لما يتوهم من أن المؤمن لكرامته على الله كان ينبغي أن يكون بلاؤه أقل و المعنى أن المؤمن لما كان محل ثوابه الآخرة لأن الدنيا لفنائها و انقطاعها لا يصح أن يكون ثوابا له فينبغي أن لا يكون له في الدنيا إلا ما يوجب الثواب في الآخرة و كذا الكافر لما كانت عقوبته في الآخرة لأن الدنيا لانقطاعها لا تصلح أن تكون عقوبته فيها فلا يبتلى في الدنيا كثيرا بل إنما يكون ثوابه لو كان له عمل في الدنيا بدفع البلاء و السعة في النعماء. و في القاموس القرار و القرارة ما قر فيه و المطمئن من الأرض شبه ع البلاء النازل إلى المؤمن بالمطر النازل إلى الأرض و وجه الشبه متعدد و هو السرعة و الاستقرار بعد النزول و كثرة النفع و التسبب للحياة فإن البلاء للمؤمن سبب للحياة الأبدية و المطر سبب للحياة الأرضية
30- كا، ]الكافي[ عن محمد بن يحيى عن أحمد بن محمد بن عيسى عن علي بن الحكم عن مالك بن عطية عن يونس بن عمار قال قلت لأبي عبد الله ع إن هذا الذي ظهر بوجهي يزعم الناس أن الله لم يبتل به عبدا له فيه حاجة قال فقال لي لقد كان مؤمن آل فرعون مكنع الأصابع فكان يقول هكذا و يمد يديه و يقول يا قَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ ثم قال لي إذا كان الثلث الأخير من الليل في أوله فتوضأ و قم إلى صلاتك التي تصليها فإذا كنت في السجدة الأخيرة من الركعتين الأوليين فقل و أنت ساجد يا علي يا عظيم يا رحمان يا رحيم يا سامع الدعوات يا معطي الخيرات صل على محمد و آل محمد و أعطني من خير الدنيا و الآخرة ما أنت أهله و اصرف عني من شر الدنيا و الآخرة ما أنت أهله و أذهب عني هذا الوجع و تسميه فإنه قد غاظني و أحزنني و ألح في الدعاء قال فما وصلت إلى الكوفة حتى أذهب الله به عني كله
بيان الظاهر أن الآثار التي ظهرت بوجهه كان برصا و يحتمل الجذام و على الأول ذكر المؤمن لبيان أنه إذا جاز ابتلاء المؤمن بالجذام جاز ابتلاؤه بالبرص بطريق أولى لأن الجذام أشد و أخبث. و أما ذكر مؤمن آل فرعون في هذا الخبر فلعله من اشتباه الرواة أو النساخ لأن الآية المذكورة إنما هي في قصة آل ياسين كما مر في هذا الباب أيضا و ربما يوجه بوجهين أحدهما أن المراد بالفرعون هنا فرعون عيسى ع و هو الجبار الذي كان بالأنطاكية حين ورده رسل عيسى ع و الفرعون يطلق على كل جبار متكبر نعم شاع إطلاقه على ثلاثة فرعون الخليل و اسمه سنان و فرعون يوسف و اسمه الريان بن الوليد و فرعون موسى و اسمه الوليد بن مصعب و إضافته إلى آل فرعون عيسى بأدنى الملابسة و هو كونه فيهم و اشتغاله بإنذارهم أو باعتبار كونه منهم في نفس الأمر. و ثانيهما كونهما واحدا و كان طويل العمر جدا و مع إدراكه زمان موسى أدرك زمان عيسى ع أيضا مع أنه كان بينهما على رواية ابن الجوزي في التنقيح ألف و ستمائة و اثنتان و ثلاثون سنة و كان اسمه حبيبا النجار و كان يلقب بمؤمن آل ياسين كما مر في الخبر و قال في القاموس خربيل كقنديل اسم مؤمن آل ياسين. و قال علي بن إبراهيم في قوله تعالى وَ قالَ رَجُلٌ مُؤْمِنٌ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إِيمانَهُ قال كتم إيمانه ستمائة سنة قال و كان مجذوما مكنعا و هو الذي قد وقعت أصابعه و كان يشير إلى قومه بيديه المكنوعتين و يقول يا قَوْمِ اتَّبِعُونِ أَهْدِكُمْ سَبِيلَ الرَّشادِ و في بعض النسخ مكتعا و هو الذي قد عقفت أصابعه و كان يسير بيديه المعقوفتين و يقول و العقف العطف و لا يخفى بعد الوجهين لا سيما الأخير فإنه ينافيه أخبار كثيرة دالة على تعدد المؤمنين. و إذا كان الثلث كان تامة و قيل ناقصة و اسمه ضمير مستتر راجع إلى العالم أو نحوه و الثلث منصوب بالظرفية الزمانية بقرينة في أوله فإنه بدل الثلث و الظرف خبر كان و تسمية كلام الإمام ع اعترض بين الدعاء أي و تسمي الوجع بأن تقول مكان هذا الوجع هذا البرص و فيه إشعار بأن الدعاء لا يخص البرص. و أحزنني و فيما سيأتي في كتاب الدعاء حزنني و كلاهما صحيح فيقال حزنه و أحزنه و الإلحاح المداومة و المبالغة بالتضرع و التكرار و الاستشفاع بالنبي ص و الأئمة صلوات الله عليهم و أشباه ذلك قال في المصباح ألح السحاب إلحاحا دام مطره و منه ألح الرجل على الشيء إذا أقبل عليه مواظبا
31- ب، ]قرب الإسناد[ عن محمد بن الوليد عن عبد الله بن بكير قال سألت أبا عبد الله ع أ يبتلى المؤمن بالجذام و البرص و أشباه هذا قال و هل كتب البلاء إلا على المؤمن
32- ل، ]الخصال[ عن ابن مسرور عن ابن بطة عن البرقي عن أبيه رفعه إلى زرارة بن أوفى قال دخلت على علي بن الحسين ع فقال يا زرارة الناس في زماننا على ست طبقات أسد و ذئب و ثعلب و كلب و خنزير و شاة فأما الأسد فملوك الدنيا يحب كل واحد أن يغلب و لا يغلب و أما الذئب فتجاركم يذمون إذا اشتروا و يمدحون إذا باعوا و أما الثعلب فهؤلاء الذين يأكلون بأديانهم و لا يكون في قلوبهم ما يصفون بألسنتهم و أما الكلب يهر على الناس بلسانه و يكرهه الناس من شرة لسانه و أما الخنزير فهؤلاء المخنثون و أشباههم لا يدعون إلى فاحشة إلا أجابوا و أما الشاة فالذين تجر شعورهم و يؤكل لحومهم و يكسر عظمهم فكيف تصنع الشاة بين أسد و ذئب و ثعلب و كلب و خنزير
بيان المراد بالشاة المؤمن المبتلى بهؤلاء و جر الشعر كناية عن الاستيلاء عليهم و جرهم إلى بيوت الظلمة للدعاوي الباطلة أو الاستخفاف بهم و في بعض النسخ بالزاي فهو بالمعنى الأخير و أكل لحومهم غيبتهم و كسر عظمهم ضربهم و شدة الجور عليهم
33- ن، ]عيون أخبار الرضا عليه السلام[ بالأسانيد الثلاثة عن الرضا عن آبائه ع قال قال رسول الله ص ما كان و لا يكون إلى يوم القيامة مؤمن إلا و له جار يؤذيه
صح، ]صحيفة الرضا عليه السلام[ عنه ع مثله
34- ما، ]الأمالي للشيخ الطوسي[ عن الفحام عن المنصوري عن عم أبيه عن أبي الحسن الثالث عن آبائه عن الصادق ع مثله و فيه رجل مؤمن
35- ما، ]الأمالي للشيخ الطوسي[ عن الغضائري عن هارون بن موسى عن محمد بن همام عن الحسين بن أحمد المالكي عن اليقطيني عن يحيى بن زكريا عن داود بن كثير عن أبي خالد البرقي قال حدثنا أبو عبد الله ع قال قال رسول الله ص قال الله عز و جل لو لا أني أستحيي من عبدي المؤمن ما تركت عليه خرقة يتوارى بها و إذا كملت له الإيمان ابتليته بضعف في قوته و قلة في رزقه فإن هو حرج أعدت إليه فإن صبر باهيت به ملائكتي ألا و قد جعلت عليا علما للناس فمن تبعه كان هاديا و من تركه كان ضالا لا يحبه إلا مؤمن و لا يبغضه إلا منافق
بيان فإن هو حرج كفرح أي ضاق صدره و لم يصبر أعدت إليه أي ما أخذت منه الرزق أو القوة
36- ما، ]الأمالي للشيخ الطوسي[ عن علي بن شبل عن ظفر بن حمدون عن إبراهيم بن إسحاق عن أبي جعفر المطلبي عن محمد بن خالد التميمي عن علي بن أبان عن ابن نباتة قال كنت جالسا عند أمير المؤمنين ع فأتاه رجل فقال و الله يا أمير المؤمنين إني لأحبك في السر كما أحبك في العلانية قال فنكت بعوده ذلك في الأرض طويلا ثم رفع رأسه فقال صدقت إن طينتنا طينة مرحومة أخذ الله ميثاقها يوم أخذ الميثاق فلا يشذ منها شاذ و لا يدخل فيها داخل إلى يوم القيامة أما إنه فاتخذ للفقر جلبابا فإني سمعت رسول الله ص يقول الفاقة إلى محبيك أسرع من السيل من أعلى الوادي إلى أسفله
بيان أما إنه كأنه سقط هنا شيء و فيه تقدير أي أما إنه إن كان كذلك فاتخذ و في البصائر أما فاتخذ و في النهاية في حديث علي من أحبنا أهل البيت فليعد للفقر جلبابا أي ليزهد في الدنيا و ليصبر على الفقر و القلة و الجلباب الإزار و الرداء و قيل هو كالمقنعة تغطي به المرأة رأسها و ظهرها و صدرها و جمعه جلابيب كني به عن الصبر لأنه يستر الفقر كما يستر الجلباب البدن و قيل إنما كني بالجلباب عن اشتماله بالفقر أي فليلبس الفقر و يكون منه على حالة تعمه و تشتمله لأن الغنى من أحوال أهل الدنيا و لا يتهيأ الجمع بين حب الدنيا و حب أهل البيت
37- ع، ]علل الشرائع[ عن ابن المتوكل عن الحميري عن البرقي عن الجاموراني عن الحسن بن علي بن أبي حمزة عن أبيه عن أبي عبد الله ع قال لو أن مؤمنا كان في قلة جبل لبعث الله عز و جل إليه من يؤذيه ليأجره على ذلك
بيان قلة الجبل بالضم أعلاه و المراد بالبعث التخلية و عدم الصرف
38- ع، ]علل الشرائع[ عن حمزة بن محمد العلوي عن أحمد بن محمد الكوفي عن عبيد الله بن حمدون عن الحسين بن نصير عن خالد بن حصين عن يحيى بن عبد الله بن الحسن عن أبيه عن علي بن الحسين عن أبيه ع قال قال رسول الله ص ما زلت أنا و من كان قبلي من النبيين و المؤمنين مبتلين بمن يؤذينا و لو كان المؤمن على رأس جبل لقيض الله عز و جل له من يؤذيه ليأجره على ذلك
و قال أمير المؤمنين ع ما زلت مظلوما منذ ولدتني أمي حتى إن كان عقيل ليصيبه رمد فيقول لا تذروني حتى تذروا عليا فيذروني و ما بي من رمد
39- ع، ]علل الشرائع[ عن أبيه عن سعد عن أيوب بن نوح عن صفوان بن يحيى عن معاوية بن عمار قال قال أبو عبد الله ع الصاعقة لا تصيب المؤمن فقال له رجل فإنا قد رأينا فلانا يصلي في المسجد الحرام فأصابته فقال أبو عبد الله ع إنه كان يرمي حمام الحرم
و بهذا الإسناد قال الصاعقة تصيب المؤمن و الكافر و لا تصيب ذاكرا
بيان إنه كان يرمي يدل على أن المراد بالمؤمن في أول الخبر المؤمن الكامل كما يدل عليه الرواية الآتية و يحتمل أن لا يكون من أصابته مؤمنا و لم ير ع المصلحة في إظهار ذلك فأسنده إلى بعض أعماله و الأول أظهر
40- ع، ]علل الشرائع[ عن ابن الوليد عن الصفار عن ابن محبوب عن ابن رئاب عن محمد بن قيس قال سمعت أبا جعفر ع يقول إن ملكين هبطا من السماء فالتقيا في الهواء فقال أحدهما لصاحبه فيما هبطت قال بعثني الله عز و جل إلى بحر إيل أحشر سمكة إلى جبار من الجبابرة اشتهى عليه سمكة في ذلك البحر فأمرني أن أحشر إلى الصياد سمك البحر حتى يأخذها له ليبلغ الله عز و جل غاية مناه في كفره ففيما بعثت أنت قال بعثني الله عز و جل في أعجب من الذي بعثك فيه بعثني إلى عبده المؤمن الصائم القائم المعروف دعاؤه و صوته في السماء لأكفئ قدره التي طبخها لإفطاره ليبلغ الله في المؤمن الغاية في اختبار إيمانه
توضيح كأن إيل اسم بحر و هو غير معروف في اللغة اشتهى عليه كذا في النسخ و يمكن إرجاع الضمير إلى الله أي سأل الله في ذلك و اعتمد عليه و هو لا ينافي كفره كدعاء فرعون أو إلى نفسه أي لنفسه أو ملزما على نفسه كناية عن الاهتمام بها و كأنه كان في علته كما سيأتي نقلا من تفسير الإمام و في القاموس كفأه كمنعه كبه و قلبه كأكفأه و قال القدر بالكسر معروف أنثى أو يؤنث
41- ع، ]علل الشرائع[ عن ابن الوليد عن الصفار عن البرقي عن علي بن الحكم عن عبد الله بن جندب عن سفيان بن السمط قال قال أبو عبد الله ع إذا أراد الله عز و جل بعبد خيرا فأذنب ذنبا تبعه بنقمة و يذكره الاستغفار و إذا أراد الله عز و جل بعبد شرا فأذنب ذنبا تبعه بنعمة لينسيه الاستغفار و يتمادى به و هو قول الله عز و جل سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لا يَعْلَمُونَ بالنعم عند المعاصي
بيان في القاموس استدرجه خدعه و أدناه و استدراج الله تعالى العبد أنه كلما جدد خطيئة جدد له نعمة و أنساه الاستغفار و أن يأخذه قليلا قليلا و لا يباغته
42- ع، ]علل الشرائع[ عن سعد عن ابن عيسى عن ابن محبوب عن عبد الله بن غالب الأسدي عن أبيه عن سعيد بن المسيب قال سألت علي بن الحسين ع عن قول الله عز و جل لَوْ لا أَنْ يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً واحِدَةً قال عنى بذلك أمة محمد أن يكونوا على دين واحد كفارا كلهم لَجَعَلْنا لِمَنْ يَكْفُرُ بِالرَّحْمنِ لِبُيُوتِهِمْ سُقُفاً مِنْ فِضَّةٍ وَ مَعارِجَ عَلَيْها يَظْهَرُونَ و لو فعل ذلك بأمة محمد ص لحزن المؤمنون و غمهم ذلك و لم يناكحوهم و لم يوارثوهم
بيان لَوْ لا أَنْ يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً واحِدَةً قال البيضاوي لو لا أن يرغبوا في الكفر إذا رأوا الكفار في سعة و تنعم لحبهم الدنيا فيجتمعوا عليه وَ مَعارِجَ أي مصاعد جمع معرج عَلَيْها يَظْهَرُونَ أي يعلون لحقارة الدنيا وَ لِبُيُوتِهِمْ بدل من لِمَنْ بدل الاشتمال أو علة كقولك هيأت له ثوبا لقميصه
43- ل، ]الخصال[ الأربعمائة قال أمير المؤمنين ع ما من الشيعة عبد يقارف أمرا نهيناه عنه فيموت حتى يبتلى ببلية تمحص بها ذنوبه إما في مال و إما في ولد و إما في نفسه حتى يلقى الله عز و جل و ما له ذنب و إنه ليبقى عليه الشيء من ذنوبه فيشدد به عليه عند موته
-44 ص، ]قصص الأنبياء عليهم السلام[ بالإسناد إلى الصدوق عن أبيه عن علي عن أبيه عن ابن أبي عمير يرفعه فقال التقى ملكان فقال أحدهما لصاحبه أين تريد قال بعثني ربي أحبس السمك فإن فلان الملك اشتهى سمكة فأمر بي أن أحبسه له ليؤخذ له الذي يشتهي منه فأنت أين تريد قال بعثني ربي إلى فلان العابد فإنه قد طبخ قدرا و هو صائم فأرسلني ربي أكفؤها
45- ص، ]قصص الأنبياء عليهم السلام[ بالإسناد عن الصدوق عن أبيه عن سعد عن ابن يزيد عن ابن أبي عمير عن هشام بن سالم عن الصادق ع قال إن أشد الناس بلاء الأنبياء ثم الذين يلونهم ثم الأمثل فالأمثل
46- ما، ]الأمالي للشيخ الطوسي[ عن الحسين بن إبراهيم القزويني عن محمد بن وهبان عن أحمد بن إبراهيم عن الحسن بن علي الزعفراني عن أحمد البرقي عن أبيه عن ابن أبي عمير عن هشام مثله
47- مص، ]مصباح الشريعة[ قال الصادق ع البلاء زين المؤمن و كرامة لمن عقل لأن في مباشرته و الصبر عليه و الثبات عنده تصحيح نسبة الإيمان قال النبي ص نحن معاشر الأنبياء أشد الناس بلاء فالمؤمن من الأمثل فالأمثل و من ذاق طعم البلاء تحت ستر حفظ الله له تلذذه أكثر من تلذذه بالنعمة و يشتاق إليه إذا فقده لأن تحت يد البلاء و المحنة أنوار النعمة و تحت أنوار النعمة نيران البلاء و المحنة و قد ينجو من البلاء كثير و يهلك في النعمة كثير و ما أثنى الله تعالى على عبد من عباده من لدن آدم إلى محمد ص إلا بعد ابتلائه و وفاء حق العبودية فيه فكرامات الله في الحقيقة نهايات بداياتها البلاء و من خرج من سبيكة البلوى جعل سراج المؤمنين و مونس المقربين و دليل القاصدين و لا خير في عبد شكا من محنة تقدمها آلاف نعمة و أتبعها آلاف راحة و من لا يقضي حق الصبر على البلاء حرم قضاء الشكر في النعماء كذلك من لا يؤدي حق الشكر في النعماء يحرم عن قضاء الصبر في البلاء و من حرمهما فهو من المطرودين
و قال أيوب ع في دعائه اللهم قد أتى علي سبعون في الرخاء حتى أتى علي سبعون في البلاء
و قال وهب البلاء للمؤمن كالشكاك للدابة و العقال للإبل
و قال أمير المؤمنين ع الصبر من الإيمان كالرأس من الجسد و رأس الصبر البلاء و ما يعقلها إلا العالمون
بيان و وفاء حق العبودية أي وفاؤه بما هو حق العبودية فيه أي في البلاء من الصبر و الشكر و الرضا بالقضاء الشكاك ككتاب اسم للحبل الذي يشد به قوائم الدابة و العقال ككتاب أيضا ما يعقل به رجل البعير و المعنى أن البلايا تمنع المؤمن من ارتكاب الخطايا
48- م، ]تفسير الإمام عليه السلام[ قال الصادق ع قال أمير المؤمنين ع لعبد الله بن يحيى الحمد لله الذي جعل تمحيص ذنوب شيعتنا في الدنيا بمحنتهم لتسلم بها طاعاتهم و يستحقوا عليها ثوابها فقال عبد الله بن يحيى يا أمير المؤمنين و إنا لا نجازي بذنوبنا إلا في الدنيا قال نعم أ ما سمعت قول رسول الله ص الدنيا سجن المؤمن و جنة الكافر إن الله تعالى يطهر شيعتنا من ذنوبهم في الدنيا بما يبتليهم به من المحن و بما يغفره لهم فإن الله يقول وَ ما أَصابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِما كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَ يَعْفُوا عَنْ كَثِيرٍ حتى إذا وردوا القيامة توفرت عليهم طاعاتهم و عباداتهم و إن أعداء آل محمد يجازيهم عن طاعة تكون منهم في الدنيا و إن كان لا وزن لها لأنه لا إخلاص معها و إذا وافوا القيامة حملت عليهم ذنوبهم و بغضهم لمحمد و آله و خيار أصحابه فقذفوا في النار و لقد سمعت محمدا رسول الله ص يقول إنه كان فيما مضى قبلكم رجلان أحدهما مطيع لله مؤمن و الآخر كافر به مجاهر بعداوة أوليائه و موالاة أعدائه و كل واحد منهما ملك عظيم في قطر من الأرض فمرض الكافر فاشتهى سمكة في غير أوانها لأن ذلك الصنف من السمك كان في ذلك الوقت في اللجج بحيث لا يقدر عليه فآيسته الأطباء من نفسه و قالوا استخلف في ملكك من يقوم به فلست بأخلد من أصحاب القبور فإن شفاءك في هذه السمكة التي اشتهيتها و لا سبيل إليها فبعث الله ملكا و أمره أن يزعج تلك السمكة إلى حيث يسهل أخذها فأخذت له تلك السمكة فأكلها و برأ من مرضه و بقي في ملكه سنين بعدها ثم إن ذلك الملك المؤمن مرض في وقت كان جنس ذلك السمك بعينه لا يفارق الشطوط التي يسهل أخذه منها مثل علة الكافر فاشتهى تلك السمكة و وصفها له الأطباء و قالوا طب نفسا فهذا أوانه تؤخذ لك فتأكل منها و تبرأ فبعث الله ذلك الملك فأمره أن يزعج جنس تلك السمكة عن الشطوط إلى اللجج لئلا يقدر عليه فلم توجد حتى مات المؤمن من شهوته و بعدم دوائه فعجب من ذلك ملائكة السماء و أهل ذلك البلد في الأرض حتى كادوا يفتنون لأن الله تعالى سهل على الكافر ما لا سبيل له إليه و عسر على المؤمن ما كان السبيل إليه سهلا فأوحى الله إلى ملائكة السماء و إلى نبي ذلك الزمان في الأرض إني أنا الله الكريم المتفضل القادر لا يضرني ما أعطي و لا ينقصني ما أمنع و لا أظلم أحدا مثقال ذرة فأما الكافر فإنما سهلت له أخذ السمكة في غير أوانها ليكون جزاء على حسنة كان عملها إذ كان حقا ألا أبطل لأحد حسنة حتى يرد القيامة و لا حسنة في صحيفته و يدخل النار بكفره و منعت العابد ذلك السمكة بعينها لخطيئة كانت منه فأردت تمحيصها عنه بمنع تلك الشهوة و إعدام ذلك الدواء و ليأتيني و لا ذنب عليه فيدخل الجنة
بيان فلست بأخلد من أصحاب القبور لعل المعنى أن الله لم يجعلك من الخالدين في الدنيا و أسباب موتك قد تسببت فلا بد من موتك أو المعنى أن بقاءك في الدنيا مع هذا المرض كحياة أصحاب القبور في الاستحالة العادية
49- م، ]تفسير الإمام عليه السلام[ قال رسول الله ص عجبا للعبد المؤمن من شيعة محمد و علي ع أن ينصر في الدنيا على أعدائه فقد جمع له خير الدارين و إن امتحن في الدنيا فقد ادخر له في الآخرة ما لا يكون لمحنته في الدنيا قدر عند إضافتها إلى نعم الآخرة و كذلك عجبا للعبد المخالف لنا أهل البيت إن خذل في الدنيا و غلب بأيدي المؤمنين فقد جمع عليه عذاب الدارين و إن أمهل في الدنيا و أخر عنه عذابها كان له في الآخرة من عجائب العذاب و ضروب العقاب ما يود لو كان في الدنيا مسلما و ما لا قدر لنعم الدنيا التي كانت له عند الإضافة إلى تلك البلايا فلو أن أحسن الناس نعيما في الدنيا و أطولهم فيها عمرا من مخالفينا غمس يوم القيامة في النار غمسة ثم سئل هل لقيت نعيما قط لقال لا و لو أن أشد الناس عيشا في الدنيا و أعظمهم بلاء من موافقينا و شيعتنا غمس يوم القيامة في الجنة غمسة ثم سئل لقيت بؤسا قط لقال لا فما ظنكم بنعيم و بؤس هذه صفتهما فذلك النعيم فاطلبوه و ذلك العذاب فاتقوه
50- جا، ]المجالس للمفيد[ عن أحمد بن الوليد عن أبيه عن الصفار عن ابن عيسى عن الأهوازي عن ابن أبي عمير عن إسماعيل بن إبراهيم عن الحكم بن عتيبة قال قال أبو عبد الله ع إن العبد إذا كثرت ذنوبه و لم يكن عنده ما يكفرها ابتلاه الله تعالى بالحزن ليكفر عنه ذنوبه
محص، ]التمحيص[ عن الحكم مثله
-51 جا، ]المجالس للمفيد[ عن محمد بن محمد بن طاهر الموسوي عن ابن عقدة عن يحيى بن زكريا عن محمد بن سنان عن أحمد بن سليمان القمي قال سمعت أبا عبد الله ع يقول إن كان النبي من الأنبياء ليبتلى بالجوع حتى يموت جوعا و إن كان النبي من الأنبياء ليبتلى بالعطش حتى يموت عطشا و إن كان النبي من الأنبياء ليبتلى بالعراء حتى يموت عريانا و إن كان النبي من الأنبياء ليبتلى بالسقم و الأمراض حتى تتلفه و إن كان النبي ليأتي قومه فيقوم فيهم يأمرهم بطاعة الله و يدعوهم إلى توحيد الله و ما معه مبيت ليلة فما يتركونه يفرغ من كلامه و لا يستمعون إليه حتى يقتلوه و إنما يبتلي الله تبارك و تعالى عباده على قدر منازلهم عنده
52- جا، ]المجالس للمفيد[ عن أحمد بن الوليد عن أبيه عن الصفار عن ابن عيسى عن ابن محبوب عن ابن عطية عن ابن فرقد عن أبي عبد الله ع قال إن فيما ناجى الله به موسى بن عمران أن يا موسى ما خلقت خلقا هو أحب إلي من عبدي المؤمن و إني إنما ابتليته لما هو خير له و أنا أعلم بما يصلح عبدي فليصبر على بلائي و ليشكر نعمائي و ليرض بقضائي أكتبه في الصديقين عندي إذا عمل بما يرضيني و أطاع أمري
53- ضه، ]روضة الواعظين[ قال الصادق ع إن العبد إذا كثرت ذنوبه و لم يجد ما يكفرها به ابتلاه الله عز و جل بالحزن في الدنيا ليكفرها به فإن فعل ذلك به و إلا فعذبه في قبره ليلقاه الله عز و جل يوم يلقاه و ليس شيء يشهد عليه بشيء من ذنوبه
54- جع، ]جامع الأخبار[ قال أمير المؤمنين علي ع الجزع عند البلاء تمام المحنة
و قال ع إن البلاء للظالم أدب و للمؤمن امتحان و للأنبياء درجة و للأولياء كرامة
و قال رسول الله ص من ابتلي فصبر و أعطي فشكر و ظلم فغفر و ظلم فاستغفر قالوا ما باله قال أُولئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَ هُمْ مُهْتَدُونَ
و قال ع إن الله يتعاهد وليه بالبلاء كما يتعاهد المريض أهله بالدواء و إن الله ليحمي عبده الدنيا كما يحمي المريض الطعام
و روي عن أنس بن مالك عن النبي ص أنه قال إذا أراد الله بقوم خيرا ابتلاهم
و عن أبي هريرة قال قال رسول الله ص لا يزال البلاء في المؤمن و المؤمنة في جسده و ماله و ولده حتى يلقى الله و ما عليه من خطيئة
و قال ع ليودن أهل العافية يوم القيامة أن جلودهم قرضت بالمقاريض لما يرون من ثواب أهل البلاء قال الله تعالى يا داود قل لعبادي يا عبادي من لم يرض بقضائي و لم يشكر نعمائي و لم يصبر على بلائي فليطلب ربا سوائي
و قال الباقر ع يا بني من كتم بلاء ابتلي به من الناس و شكا ذلك إلى الله عز و جل كان حقا على الله أن يعافيه من ذلك البلاء قال ع يبتلى المرء على قدر حبه
و قال رسول الله ص قال الله عز و جل ما من عبد أريد أن أدخله الجنة إلا ابتليته في جسده فإن كان ذلك كفارة لذنوبه و إلا ضيقت عليه في رزقه فإن كان ذلك كفارة لذنوبه و إلا شددت عليه الموت حتى يأتيني و لا ذنب له ثم أدخله الجنة و ما من عبد أريد أن أدخله النار إلا صححت جسمه فإن كان ذلك تماما لطلبته و إلا أمنت له و عن سلطانه فإن كان ذلك تماما لطلبته و إلا هونت عليه الموت حتى يأتيني و لا حسنة له ثم أدخلته النار
و عن أبي عبد الله ع قال إن الله تبارك و تعالى ليتعاهد المؤمن بالبلاء إما بمرض في جسده أو بمصيبة في أهل أو مال أو مصيبة من مصائب الدنيا ليأجره عليها
و قال ع ما من مؤمن إلا و هو يذكر في كل أربعين يوما ببلاء إما في ماله أو في ولده أو في نفسه فيؤجر عليه أو هم لا يدري من أين هو
و عن أبي عبد الله ع قال إن في الجنة لمنزلة لا يبلغها العبد إلا ببلاء في جسده
و عن أبي جعفر ع قال خرج موسى ع فمر برجل من بني إسرائيل فذهب به حتى خرج إلى الظهر فقال له اجلس حتى أجيئك و خط عليه خطة ثم رفع رأسه إلى السماء فقال إني استودعتك صاحبي و أنت خير مستودع ثم مضى فناجاه الله بما أحب أن يناجيه ثم انصرف نحو صاحبه فإذا أسد قد وثب عليه فشق بطنه و فرث لحمه و شرب دمه قلت و ما فرث اللحم قال قطع أوصاله فرفع موسى رأسه فقال يا رب استودعتك و أنت خير مستودع فسلطت عليه شر كلابك فشق بطنه و فرث لحمه و شرب دمه فقيل يا موسى إن صاحبك كانت له منزلة في الجنة لم يكن يبلغها إلا بما صنعت به انظر و كشف له الغطاء فنظر موسى فإذا منزل شريف فقال رب رضيت
و عن الكاظم ع قال لن تكونوا مؤمنين حتى تعدوا البلاء نعمة و الرخاء مصيبة و ذلك أن الصبر عند البلاء أعظم من الغفلة عند الرخاء
قال النبي ص لا تكون مؤمنا حتى تعد البلاء نعمة و الرخاء محنة لأن بلاء الدنيا نعمة في الآخرة و رخاء الدنيا محنة في الآخرة
و عن أبي الجارود عن أبي جعفر عن آبائه ع قالوا قال رسول الله ص إن المؤمن إذا قارف الذنوب ابتلي بها بالفقر فإن كان في ذلك كفارة لذنوبه و إلا ابتلي بالمرض فإن كان في ذلك كفارة لذنوبه و إلا ابتلي بالخوف من السلطان يطلبه فإن كان ذلك كفارة لذنوبه و إلا ضيق عليه عند خروج نفسه حتى يلقى الله حين يلقاه و ما له من ذنب يدعيه عليه فيأمر به إلى الجنة و إن الكافر و المنافق ليهون عليهما خروج أنفسهما حتى يلقيا الله حين يلقيانه و ما لهما عنده من حسنة يدعيانها عليه فيأمر بهما إلى النار
و عنه ع قال كلما ازداد العبد إيمانا ازداد ضيقا في معيشته
بيان في القاموس فرث الجلة يفرث و يفرث نثر ما فيها و كبده يفرثها ضربها و هو حي كفرثها تفريثا فانفرثت كبده انتثرت
55- بشا، ]بشارة المصطفى[ عن ابن شيخ الطائفة عن أبيه عن المفيد عن زيد بن محمد السلمي عن الحسين بن الحكم الكندي عن إسماعيل بن صبيح عن خالد بن العلاء عن المنهال بن عمرو قال كنت جالسا مع محمد بن علي الباقر ع إذ جاءه رجل فسلم عليه فرد عليه السلام فقال الرجل كيف أنتم فقال له محمد أ و ما آن لكم أن تعلموا كيف نحن إنما مثلنا في هذه الأمة مثل بني إسرائيل كان يذبح أبناؤهم و تستحيا نساؤهم ألا و إن هؤلاء يذبحون أبناءنا و يستحيون نساءنا زعمت العرب أن لهم فضلا على العجم فقال العجم و بما ذاك قالوا كان محمد منا عربي قالوا لهم صدقتم و زعمت قريش أن لها فضلا على غيرها من العرب فقالت لهم العرب من غيرهم و بما ذاك قالوا كان محمد قرشيا قالوا لهم صدقتم فإن كان القوم صدقوا فلنا فضل على الناس لأنا ذرية محمد و أهل بيته خاصة و عترته لا يشركنا في ذلك غيرنا فقال له الرجل و الله إني لأحبكم أهل البيت قال فاتخذ للبلاء جلبابا فو الله إنه لأسرع إلينا و إلى شيعتنا من السيل في الوادي و بنا يبدأ البلاء ثم بكم و بنا يبدأ الرخاء ثم بكم
بيان قال الجوهري آن أينك أي حان حينك و آن لك أن تفعل كذا يئين أينا عن أبي زيد أي حان مثل أنى لك و هو مقلوب منه
56- جع، ]جامع الأخبار[ قال النبي ص الدنيا سجن المؤمن و جنة الكافر و قال لو كان المؤمن في جحر فأرة لقيض الله فيه من يؤذيه و قال المؤمن مكفر
و روي عن النبي ص أنه قال لا يكون في الدنيا مؤمن إلا و له جار يؤذيه
و قال رسول الله ص ما كان و لا يكون و لا هو كائن نبي و لا مؤمن إلا و له قرابة يؤذيه أو جار يؤذيه
57- ختص، ]الإختصاص[ عن ربعي عن الفضيل قال سمعت أبا عبد الله ع يقول إن الشياطين على المؤمنين أكثر من الزنابير على اللحم ثم قال هكذا بيده إلا ما دفع الله
بيان كأنه ع أشار إلى جهة السماء
58- ختص، ]الإختصاص[ عن محمد بن علي عن أبيه عن سعد عن الحسن بن موسى عن إسماعيل بن مهران عن علي بن عثمان عن أبي الحسن موسى بن جعفر ع قال إن الأنبياء و أولاد الأنبياء و أتباع الأنبياء خصوا بثلاث خصال السقم في الأبدان و خوف السلطان و الفقر
59- محص، ]التمحيص[ عن محمد بن همام عن الحميري عن أحمد و عبد الله ابني محمد بن عيسى عن ابن محبوب عن ابن رئاب و كرام عن أبي بصير عن أبي عبد الله ع قال كان علي ع يقول إن البلاء أسرع إلى شيعتنا من السيل إلى قرار الوادي
60- محص، ]التمحيص[ عن كثير عن أبي عبد الله ع قال الجوع و الخوف أسرع إلى شيعتنا من ركض البراذين
بيان الركض تحريك الرجل و منه ارْكُضْ بِرِجْلِكَ و الدفع و استحثاث الفرس للعدو و الهرب و العدو و ركض الفرس كعني فركض هو عدا فهو راكض و مركوض ذكره الفيروزآبادي
61- محص، ]التمحيص[ عن أبي بصير عن أبي عبد الله ع لو أن مؤمنا على لوح في البحر لقيض الله له منافقا يؤذيه
جع، ]جامع الأخبار[ عنه ع مثله
62- محص، ]التمحيص[ عن أبي عبيدة الحذاء قال قال أبو جعفر ع يا زياد إن الله يتعهد عبده المؤمن بالبلاء كما يتعهد الغائب أهله بالهدية و يحميه الدنيا كما يحمي الطبيب المريض
63- محص، ]التمحيص[ عن زيد الشحام عن أبي عبد الله ع قال نعم جرعة الغيظ لمن صبر عليها و إن عظيم الأجر مع عظيم البلاء و ما أحب الله قوما إلا ابتلاهم
64- محص، ]التمحيص[ عن طلحة بن زيد عن أبي عبد الله ع قال سمعته يقول إن الله جعل المؤمنين في دار الدنيا غرضا لعدوهم
65- محص، ]التمحيص[ عن الثمالي قال قال أبو عبد الله ع يا أبا حمزة ما كان و لن يكون مؤمن إلا و له بلايا أربع إما يكون له جار يؤذيه أو منافق يقفو أثره أو منافق يرى قتاله جهادا أو مؤمن يحسده ثم قال أما إنه أشد الأربعة عليه لأنه يقول فيصدق عليه و يقال هذا رجل من إخوانه فما بقاء المؤمن بعد هذه
66- محص، ]التمحيص[ عن ابن أبي يعفور عن أبي عبد الله ع قال لو يعلم المؤمن ما له في المصائب من الأجر لتمنى أن يقرض بالمقاريض
67- محص، ]التمحيص[ عن عبد الله بن المبارك قال سمعت جعفر بن محمد ع يقول إذا أضيف البلاء إلى البلاء كان من البلاء عافية و عن أبي عبد الله ع قال إن أصابكم تمحيص فاصبروا فإنما يبتلي الله المؤمنين و لم يزل إخوانكم قليلا ألا و إن أقل أهل المحشر المؤمنون
بيان كان من البلاء عافية لعل المعنى أن عند اشتداد البلاء و تواتره يرجى الفرج كما قال تعالى إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً
68- محص، ]التمحيص[ عن معاوية بن عمار قال سمعت أبا عبد الله ع يقول ما من مؤمن إلا و هو يذكر لبلاء يصيبه في كل أربعين يوما أو بشيء في ماله و ولده ليأجره الله عليه أو بهم لا يدري من أين هو
69- محص، ]التمحيص[ عن أبي الحسن الأحمسي عن أبي عبد الله ع قال قال رسول الله ص إن الله ليتعهد عبده المؤمن بأنواع البلاء كما يتعهد أهل البيت سيدهم بطرف الطعام
توضيح الظاهر أن الأحمسي هو الحسين بن عثمان الثقة و أهل البيت بالنصب و سيدهم بالرفع و في القاموس الطريف القريب من الثمر و غيره
70- محص، ]التمحيص[ عن زرارة عن أبي عبد الله ع قال ما أفلت المؤمن من واحدة من ثلاث و ربما اجتمعت الثلاث عليه إما أن يكون معه في الدار من يغلق عليه الباب يؤذيه أو جار يؤذيه أو شيء في طريقه و حوائجه يؤذيه و لو أن مؤمنا على قلة جبل لبعث الله إليه شيطانا و يجعل له من إيمانه أنسا لا يستوحش إلى أحد
71- محص، ]التمحيص[ عن هشام بن سالم عن أبي عبد الله ع قال إن أشد الناس بلاء الأنبياء ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم
72- محص، ]التمحيص[ عن سدير قال قلت لأبي جعفر ع هل يبتلي الله المؤمن فقال و هل يبتلى إلا المؤمن حتى إن صاحب ياسين قالَ يا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ كان مكنعا قلت و ما المكنع قال كان به جذام
-73 محص، ]التمحيص[ عن عمر بن يزيد عن أبي عبد الله ع قال ما من مؤمن إلا و به وجع في شيء من بدنه لا يفارقه حتى يموت يكون ذلك كفارة لذنوبه
74- محص، ]التمحيص[ عن الأحمسي عن أبي عبد الله ع قال لا تزال الغموم و الهموم بالمؤمن حتى لا تدع له ذنبا
و عن أبي عبد الله ع قال لا يمضي على المؤمن أربعون ليلة إلا عرض له أمر يحزنه يذكره ربه
75- محص، ]التمحيص[ عن الحارث بن عمر قال سمعت أبا عبد الله ع يقول إن العبد المؤمن ليهتم في الدنيا حتى يخرج منها و لا ذنب له
76- محص، ]التمحيص[ عن أبي بصير قال سمعت أبا عبد الله ع يقول قال الله لو لا أن يجد عبدي المؤمن في نفسه لعصبت المنافق عصابة لا يجد ألما حتى يموت
بيان في النهاية في حديث الإيمان إني سائلك فلا تجد علي أي لا تغضب من سؤالي يقال وجد عليه يجد وجدا و موجدة
77- محص، ]التمحيص[ عن علي ع قال قال رسول الله ص الدنيا سجن المؤمن و جنة الكافر فأما المؤمن فيروع فيها و أما الكافر فيمتع فيها
بيان الروع الفزع كالارتياع و التروع و الروعة الفزعة و راع أفزع كروع لازم متعد
78- محص، ]التمحيص[ عن أبي جميلة عن أبي جعفر ع قال إن العبد ليكرم على الله تعالى حتى إنه لو سأله الدنيا و ما فيها أعطاه إياها و لم ينقصاه ذلك و لو سأله من الجنة شبرا حرمه و إن الله يتعهد المؤمن بالبلاء كما يتعهد الغائب أهله بالهدية و يحميه الدنيا كما يحمي الطبيب المريض
بيان الظاهر أنه سقط من صدر الخبر فقرات
79- محص، ]التمحيص[ عن أبي الحسن ع قال المؤمن بعرض كل خير لو قطع أنملة أنملة كان خيرا له و لو ولي شرقها و غربها كان خيرا له
بيان بعرض كل خير أي بمعرض كل خير و محل عروضه و ظهوره لو قطع أنملة أنملة في المصباح الأنملة من الأصابع العقدة و بعضهم يقول الأنامل رءوس الأصابع و الأنملة بفتح الهمزة و فتح الميم أكثر من ضمها و ابن قتيبة يجعل المضموم من لحن العوام و بعض المتأخرين من النحاة حكى تثليث الهمزة مع تثليث الميم فتصير تسع لغات. و أقول كان المعنى قطع جميع بدنه بمقدار الأنملة و كون المراد قطع أنامل يديه و رجليه تدريجا بعيد
80- محص، ]التمحيص[ عن عيسى بن أبي منصور عن أبي عبد الله ع قال إن الله يذود المؤمن عما يشتهيه كما يذود أحدكم الغريب عن إبله ليس منها
بيان في المصباح ذاد الراعي إبله عن الماء ذودا و ذيادا منعها
81- محص، ]التمحيص[ عن جابر عن أبي جعفر ع قال قال رسول الله ص إن العبد المؤمن ليطلب الإمارة و التجارة حتى إذا أشرف من ذلك على ما كان يهوي بعث الله ملكا و قال له عق عبدي و صده عن أمر لو استمكن منه أدخله النار فيقبل الملك فيصده بلطف الله فيصبح و هو يقول لقد دهيت و من دهاني فعل الله به و فعل و ما يدري أن الله الناظر له في ذلك و لو ظفر به أدخله النار
بيان في القاموس دهاه دهيا و دهاه أصابه بداهية و هي الأمر العظيم و فعل الله به و فعل كناية عن شتم كثير و دعاء عليه بالسوء
82- ما، ]الأمالي للشيخ الطوسي[ عن جماعة عن أبي المفضل عن محمد بن جعفر الرزاز عن محمد بن الحسين بن أبي الخطاب عن محمد بن أبي عمير عن علي بن أبي حمزة عن أبي الحسن موسى بن جعفر ع قال مثل المؤمن مثل كفتي الميزان كلما زيد في إيمانه زيد في بلائه ليلقى الله عز و جل و لا خطيئة له
محص، ]التمحيص[ عن علي بن أبي حمزة عنه ع مثله جع، ]جامع الأخبار[ عنه ع مثله
83- كتاب الإمامة و التبصرة، عن أحمد بن علي عن محمد بن الحسن عن محمد بن الحسن الصفار عن إبراهيم بن هاشم عن النوفلي عن السكوني عن جعفر بن محمد عن أبيه عن آبائه ع قال قال رسول الله ص السقم يمحو الذنوب و قال ص ساعات الوجع يذهبن ساعات الخطايا و قال ص ساعات الهموم ساعات الكفارات و لا يزال الهم بالمؤمن حتى يدعه و ما له من ذنب
84- كش، ]رجال الكشي[ عن محمد بن مسعود عن جعفر بن أحمد عن العمركي بن علي عن محمد بن حبيب الأزدي عن عبد الله بن حماد عن عبد الله بن عبد الرحمن الأصم عن ذريح عن محمد بن مسلم قال خرجت إلى المدينة و أنا وجع ثقيل فقيل له محمد بن مسلم وجع فأرسل إلي أبو جعفر ع بشراب مع الغلام مغطى بمنديل فناولنيه الغلام و قال لي اشربه فإنه قد أمرني أن لا أرجع حتى تشربه فتناولته فإذا رائحة المسك عنه و إذا شراب طيب الطعم بارد فإذا شربته قال لي الغلام يقول لك إذا شربته فتعال ففكرت فيما قال لي و لا أقدر على النهوض قبل ذلك على رجلي فلما استقر الشراب في جوفي فكأنما نشطت من عقال فأتيت بابه فاستأذنت عليه فصوت بي صح الجسم ادخل ادخل فدخلت و أنا باك و سلمت عليه و قبلت يديه و رأسه فقال لي و ما يبكيك يا محمد فقلت جعلت فداك أبكي على اغترابي و بعد الشقة و قلة المقدرة على المقام عندك و النظر إليك فقال أما قلة المقدرة فكذلك جعل الله أولياءنا و أهل مودتنا و جعل البلاء إليهم سريعا و أما ما ذكرت من الغربة فلك بأبي عبد الله ع أسوة بأرض ناء عنا بالفرات صلى الله عليه و أما ما ذكرت من بعد الشقة فإن المؤمن في هذه الدار غريب و في هذا الخلق المنكوس حتى يخرج من هذه الدار إلى رحمة الله و أما ما ذكرت من حبك قربنا و النظر إلينا و أنك لا تقدر على ذلك فالله يعلم ما في قلبك و جزاؤك عليه
قب، ]المناقب لابن شهرآشوب[ مرسلا مثله ختص، ]الإختصاص[ عن عدة من أصحابه عن محمد بن جعفر المؤدب عن البرقي عن بعض أصحابنا عن الأصم عن مدلج مثله بيان قيل له أي لأبي جعفر ع و في المناقب قيل لأبي جعفر ع و في النهاية في حديث السحر فكأنما أنشط من عقال أي حل و كثيرا ما يجيء في الرواية كأنما نشط من عقال و ليس بصحيح يقال نشطت العقدة إذا عقدتها و أنشطتها إذا حللتها و في القاموس الشقة بالضم و الكسر البعد و الناحية التي يقصدها المسافر و السفر البعيد و المشقة. فلك بأبي عبد الله أي الحسين صلوات الله عليه أسوة أي اقتداء أي شابهته في الغربة و التفكر في حالة يسهل عليك غربتك و يكشف هذا الحزن عنك في القاموس الأسوة بالكسر و الضم القدوة و ما يأتسي به الحزين و أساه تأسية فتأسى عزاه فتعزى. و في هذا الخلق عطف على قوله و في هذه الدار أي بين هذا الخلق غريب و إنما وصفهم بالنكس لأنهم انخلعوا عن الإنسانية فصاروا كالبهائم و الأنعام أو انقلبوا عن حدود الإنسانية إلى حد البهيمية أو هم منكوسو القلوب لا تعي قلوبهم شيئا من الحق أو هو كناية عن الخيبة و الخسران أو شبه أسوأ حالاتهم الروحانية بأسوإ حالاتهم الجسمانية أو أنهم لما أعرضوا عن العروج على معارج الكمالات الروحانية و قصروا نظرهم على الشهوات الجسمانية فكأنهم انتكسوا و انقلبوا. و في المناقب و في هذا الخلق منكوس أي يرونه كذلك أو بينهم بشر الأحوال لا يقدر على شيء كالمنكوس في القاموس نكسه قلبه على رأسه كنكسه و النكس بالكسر الضعيف و كمحدث الفرس لا يسمو برأسه و لا بهاديه إذا جرى ضعفا أو الذي لم يلحق الخيل و انتكس وقع على رأسه. و في النهاية في حديث أبي هريرة تعس عبد الدنيا و انتكس أي انقلب على رأسه و هو دعاء عليه بالخيبة لأن من انتكس في أمره فقد خاب و خسر و في حديث ابن مسعود قيل له إن فلانا يقرأ القرآن منكوسا فقال ذلك منكوس القلب. فالله يعلم ما في قلبك في المناقب فلك ما في قلبك و ما في رجال الكشي أظهر
85- كتاب المؤمن، بإسناده عن سعد بن طريف قال كنت عند أبي جعفر ع فجاء جميل الأزرق فدخل عليه قال فذكروا بلايا للشيعة و ما يصيبهم فقال أبو جعفر ع إن أناسا أتوا علي بن الحسين ع و عبد الله بن عباس فذكروا لهما نحو ما ذكرتم قال فأتيا الحسين بن علي ع فذكرا له ذلك فقال الحسين ع و الله البلاء و الفقر و القتل أسرع إلى من أحبنا من ركض البراذين و من السيل إلى صمره قلت و ما الصمر قال منتهاه و لو لا أن تكونوا كذلك لرأينا أنكم لستم منا
بيان في القاموس صمر الماء جرى من حدور في مستوى فسكن و هو جار و الصمر بالكسر مستقره
86- المؤمن، بإسناده عن الفضيل بن يسار قال سمعت أبا عبد الله ع يقول إن الشياطين أكثر على المؤمن من الزنابير على اللحم
87- محص، ]التمحيص[ عن جابر عن أبي جعفر ع قال إذا أحب الله عبدا نظر إليه فإذا نظر إليه أتحفه من ثلاث بواحدة إما صداع و إما حمى و إما رمد
-88 نهج، ]نهج البلاغة[ قال ع و قد توفي سهل بن حنيف الأنصاري رحمه الله بالكوفة مرجعه معه من صفين و كان من أحب الناس إليه لو أحبني جبل لتهافت
قال السيد رضي الله عنه و معنى ذلك أن المحبة تغلظ عليه فتسرع المصائب إليه و لا يفعل ذلك إلا بالأتقياء الأبرار و المصطفين الأخيار
و هذا مثل قوله ع من أحبنا أهل البيت فليستعد للفقر جلبابا
و قد تؤول ذلك على معنى آخر ليس هذا موضع ذكره. تبيان مرجعه منصوب على الظرفية و التهافت التساقط قطعة قطعة من هفت كضرب إذا سقط كذلك و قيل هفت أي تطاير لخفته و المراد تلاشي الأجزاء و تفرقها لعدم الطاقة و تغلظ في بعض النسخ على صيغة المجهول من باب التفعيل و في بعضها على صيغة المجرد المعلوم يقال غلظ الشيء ككرم ضد رق كما في النسخة و جاء كضرب و الاستعداد للشيء التهيؤ له. و لفظ الرواية على ما ذكره ابن الأثير في النهاية أظهر
قال في حديث علي ع من أحبنا أهل البيت فليعد للفقر جلبابا
أي ليزهد في الدنيا و ليصبر على الفقر و العلة و الجلباب الإزار و الرداء و قيل هو كالمقنعة تغطي به المرأة رأسها و ظهرها و صدرها و جمعه جلابيب كني به عن الصبر لأنه يستر الفقر كما يستر الجلباب البدن. و قيل إنما كني بالجلباب عن اشتماله بالفقر أي فليلبس إزار الفقر و يكون منه على حالة تعمه و تشمله لأن الغنى من أحوال أهل الدنيا و لا يتهيأ الجمع بين حب الدنيا و حب أهل البيت انتهى.
و قال ابن أبي الحديد قد ثبت أن النبي ص قال لا يحبك إلا مؤمن و لا يبغضك إلا منافق
و قد ثبت أن النبي ص قال إن البلوى أسرع إلى المؤمن من الماء إلى الحدور
هاتان المقدمتان يلزمهما نتيجة صادقة هي أنه ع لو أحبه جبل لتهافت و لعل هذا هو مراد الرضي رضي الله عنه بقوله معنى آخر ليس هذا موضع ذكره انتهى و فيه تأمل. و قال ابن ميثم الجلباب مستعار لتوطين النفس على الفقر و الصبر عليه و وجه الاستعارة كونهما ساترين للمستعد بهما من عوارض الفقر و ظهوره في سوء الخلق و ضيق الصدر و التحير الذي ربما أدى إلى الكفر كما يستر بالملحفة و لما كانت محبتهم ع بصدق يستلزم متابعتهم و الاستشعار بشعارهم و من شعارهم الفقر و رفض الدنيا و الصبر على ذلك وجب أن يكون كل محب مستشعرا للفقر و مستعدا له جلبابا من توطين النفس عليه و الصبر. و قد ذكر ابن قتيبة هذا المعنى بعبارة أخرى فقال من أحبنا فليقتصر على التقلل من الدنيا و التقنع فيها قال و شبه الصبر على الفقر بالجلباب لأنه يستر الفقر كما يستر الجلباب البدن قال و يشهد بصحة هذا التأويل
و ما روي أنه رأى قوما على بابه فقال يا قنبر من هؤلاء فقال شيعتك يا أمير المؤمنين فقال ما لي لا أرى فيهم سيماء الشيعة قال و ما سيماء الشيعة قال خمص البطون من الطوى يبس الشفاه من الظماء عمش العيون من البكاء
و قال أبو عبيد إنه لم يرد الفقر في الدنيا أ لا ترى أن فيمن يحبهم مثل ما في سائر الناس من الغنى و إنما أراد الفقر يوم القيامة و أخرج الكلام مخرج الوعظ و النصيحة و الحث على الطاعات فكأنه أراد من أحبنا فليعد لفقره يوم القيامة ما يحسره من الثواب و التقرب إلى الله تعالى و الزلفة عنده. قال و قال السيد المرتضى ره و الوجهان جميعا حسنان و إن كان قول ابن قتيبة أحسن فذلك معنى قول السيد رضي الله عنه و قد تؤول ذلك على معنى آخر انتهى كلام ابن ميثم. و قال القطب الراوندي رحمه الله بعد ذكر المعنيين المحكيين عن ابن قتيبة و أبي عبيد و قال المرتضى فيه وجها ثالثا أي من أحبنا فليزم نفسه و ليقدها إلى الطاعات و ليذللها على الصبر عما كره منها فالفقر أن يحز أنف البعير فيلوى عليه حبل يذلل به الصعب يقال فقره إذا فعل به ذلك انتهى. و لا يخفى أنه لو كان المراد الصبر على الفقر و ستره و الكف عن إظهار الحاجة إلى الناس و ذلك هو المعبر عنه بالجلباب كما أشير إليه أولا لا يقدح فيه ما ذكره أبو عبيد من أن فيمن يحبهم مثل ما في سائر الناس من الغنى لأن الأمر بالصبر و الستر حينئذ يتوجه إلى من ابتلاه الله بالفقر فالمراد أن من ابتلي من محبينا بالفقر فليصبر عليه و لا يكشفها و لا يستفاد منه فقد الغنى من الشيعة. و أما الخبر الأول فقد قيل يحتمل أن تكون مفاده صعوبة حمل محبتهم الكاملة
فيكون قريبا من قوله ع إن أمرنا صعب مستصعب لا يحتمله إلا ملك مقرب أو نبي مرسل أو عبد امتحن الله قلبه للإيمان
فتهافت الجبل حينئذ لثقل هذا الحمل و شدة المهابة كقوله تعالى لَوْ أَنْزَلْنا هذَا الْقُرْآنَ عَلى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خاشِعاً مُتَصَدِّعاً مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ و قوله تعالى إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمانَةَ عَلَى السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ وَ الْجِبالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَها وَ أَشْفَقْنَ مِنْها و الظاهر من المقام أنه ليس المراد بالمحبة ما في العوام و الأوساط بل ما يستلزم التشبه به ع على وجه كامل و الاقتداء التام به ع في الفضائل و محاسن الأعمال على قدر الطاقة و إن كانت درجته الرفيعة فوق إدراك الأفهام و أعلى من أن تناله الأوهام و حق للجبل أن يتهافت عن حمل مثل ذلك الحمل
تتميم
في هذه الأحاديث الواردة من طرق الخاصة و العامة دلالة واضحة على أن الأنبياء و الأوصياء ع في الأمراض الحسية و البلايا الجسمية كغيرهم بل هم أولى بها من الغير تعظيما لأجرهم الذي يوجب التفاضل في الدرجات و لا يقدح ذلك في رتبتهم بل هو تثبيت لأمرهم و أنهم بشر إذ لو لم يصبهم ما أصاب سائر البشر مع ما يظهر في أيديهم من خرق العادة لقيل فيهم ما قالت النصارى في نبيهم. و قد ورد هذا التأويل في الخبر و ابتلاؤهم تحفة لهم لرفع الدرجات التي لا يمكن الوصول إليها بشيء من العمل إلا ببلية كما أن بعض الدرجات لا يمكن الوصول إليها إلا بالشهادة فيمن الله سبحانه على من أحب من عباده بها تعظيما و تكريما له
كما ورد في خبر شهادة سيد الشهداء ع أنه رأى النبي ص في المنام فقال له يا حسين لك درجة في الجنة لا تصل إليها إلا بالشهادة
و استثنى أكثر العلماء ما هو نقص و منفر للخلق عنهم كالجنون و الجذام و البرص و حمل استعاذة النبي ص عنها على أنها تعليم للخلق. و قال المحقق الطوسي قدس سره في التجريد فيما يجب كونه في كل نبي العصمة و كمال العقل و الذكاء و الفطنة و قوة الرأي و عدم السهو و كلما ينفر عنه الخلق من دناءة الآباء و عهر الأمهات و الفظاظة و الغلظة و الأبنة و شبهها و الأكل على الطريق و شبهه. و قال العلامة في شرحه و أن يكون منزها عن الأمراض المنفرة نحو الأبنة و سلس الريح و الجذام و البرص لأن ذلك كله مما ينفر عنه فيكون منافيا للغرض من البعثة و ضم القوشجي سلس البول أيضا. و قال القاضي عياض من علماء المخالفين في كتاب الشفاء قال الله تعالى وَ ما مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَ فَإِنْ ماتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلى أَعْقابِكُمْ و قال مَا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ وَ أُمُّهُ صِدِّيقَةٌ كانا يَأْكُلانِ الطَّعامَ و قال وَ ما أَرْسَلْنا قَبْلَكَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا إِنَّهُمْ لَيَأْكُلُونَ الطَّعامَ وَ يَمْشُونَ فِي الْأَسْواقِ و قال قُلْ إِنَّما أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحى إِلَيَّ. فمحمد ص و سائر الأنبياء من البشر أرسلوا إلى البشر و لو لا ذلك لما أطاق الناس مقاومتهم و القبول عنهم و مخاطبتهم قال الله تعالى وَ لَوْ جَعَلْناهُ مَلَكاً لَجَعَلْناهُ رَجُلًا أي لما كان إلا في صورة البشر الذين يمكنكم مخالطتهم إذ لا تطيقون مقاومة الملك و مخاطبته و رؤيته إذا كان على صورته و قال لَوْ كانَ فِي الْأَرْضِ مَلائِكَةٌ يَمْشُونَ مُطْمَئِنِّينَ لَنَزَّلْنا عَلَيْهِمْ مِنَ السَّماءِ مَلَكاً رَسُولًا أي لا يمكن في سنة الله إرسال الملك إلا لمن هو من جنسه أو من خص الله تعالى و اصطفاه و قواه على مقاومته كالأنبياء و الرسل. فالأنبياء و الرسل وسائط بين الله و خلقه يبلغونهم أوامره و نواهيه و وعده و وعيده و يعرفونهم بما لم يعلموه من أمره و خلقه و جلاله و سلطانه و جبروته و ملكوته فظواهرهم و أجسادهم و بنيتهم متصفة بأوصاف البشر طارئ عليها ما يطرأ على البشر من الأعراض و الأسقام و الموت و الفناء و نعوت الإنسانية و أرواحهم و بواطنهم متصفة بأعلى من أوصاف البشر متعلقة بالملإ الأعلى متشبهة بصفات الملائكة سليمة من التغيير و الآفات و لا يلحقها غالبا عجز البشرية و لا ضعف الإنسانية. إذ لو كانت بواطنهم خالصة للبشرية كظواهرهم لما أطاقوا الأخذ عن الملائكة و رؤيتهم و مخاطبتهم كما لا يطيقه غيرهم من البشر و لو كانت أجسامهم و ظواهرهم متسمة بنعوت الملائكة و بخلاف صفات البشر لما أطاق البشر و من أرسلوا إليه مخاطبتهم كما تقدم من قول الله تعالى. فجعلوا من جهة الأجسام و الظواهر مع البشر و من جهة الأرواح و البواطن مع الملائكة
كما قال ص تنام عيناي و لا ينام قلبي
و قال إني لست كهيئتكم إني أظل يطعمني ربي و يسقيني
فبواطنهم منزهة عن الآفات مطهرة من النقائص و الاعتلالات. و قال في موضع آخر قد قدمنا أنه ص و سائر الأنبياء و الرسل من البشر و أن جسمه و ظاهره خالص للبشر يجوز عليه من الآفات و التغييرات و الآلام و الأسقام و تجرع كأس الحمام ما يجوز على البشر هذا كله ليس بنقيصة فيه لأن الشيء إنما يسمى ناقصا بالإضافة إلى ما هو أتم منه و أكمل من نوعه و قد كتب الله على أهل هذه الدار فِيها تَحْيَوْنَ وَ فِيها تَمُوتُونَ وَ مِنْها تُخْرَجُونَ و خلق جميع البشر بمدرجة الغير فقد مرض ص و اشتكى و أصابه الحر و القر و أدركه الجوع و العطش و لحقه الغضب و الضجر و ناله الإعياء و التعب و مسه الضعف و الكبر و سقط فجحش شقه و شجه الكفار و كسروا رباعيته و سقي السم و سحر و تداوى و احتجم و تعوذ ثم قضى نحبه فتوفي ص و لحق بالرفيق الأعلى و تخلص من دار الامتحان و البلوى. و هذه سمات البشر التي لا محيص عنها و أصاب غيره من الأنبياء ما هو أعظم منها و قتلوا قتلا و رموا في النار و وشروا بالمياشير و منهم من وقاه الله ذلك في بعض الأوقات و منهم من عصمه كما عصم نبينا ص بعد من الناس. فلئن لم يكف عن نبينا ربه تعالى يد ابن قميئة يوم أحد و لا حجبه عن عيون عداه عند دعوة أهل الطائف فلقد أخذ على عيون قريش عند خروجه إلى ثور و أمسك عنه سيف غورث و حجر أبي جهل و فرس سراقة و لئن لم يقه من سحر ابن الأعصم فلقد وقاه ما هو أعظم من سم اليهودية و كذا سائر أنبيائه مبتلى و معافى. و ذلك من تمام حكمته ليظهر شرفهم في هذه المقامات و يبين أمرهم و يتم كلمته فيهم و ليحقق بامتحانهم بشريتهم و يرتفع الالتباس عن أهل الضعف فيهم لئلا يضلوا بما يظهر من العجائب على أيديهم ضلال النصارى بعيسى ابن مريم و ليكون في محنهم تسلية لأممهم و وفور لأجورهم عند ربهم تماما على الذي أحسن إليهم. قال بعض المحققين و هذه الطواري و التغييرات المذكورة إنما يختص بأجسامهم البشرية المقصود بها مقاومة البشر و معاناة بني آدم لمشاكلة الجسم و أما بواطنهم فمنزهة غالبا عن ذلك معصومة منه متعلقة بالملإ الأعلى و الملائكة لأخذها عنهم تلقيها الوحي منهم
و قد قال ص إن عيني تنامان و لا ينام قلبي
و قال إني لست كهيئتكم إني أبيت عند ربي يطعمني و يسقيني
و قال إني لست أنسى و لكن أنسى ليستن بي
فأخبر أن سره و باطنه و روحه بخلاف جسمه و ظاهره و أن الآفات التي تحل ظاهره من ضعف و جوع و نوم و سهر لا يحل منها شيء باطنه بخلاف غيره من البشر في حكم الباطن لأن غيره إذا نام استغرق النوم جسمه و قلبه و هو في نومه ع حاضر القلب كما هو في يقظته حتى إنه جاء في بعض الآثار أنه كان محروسا من الحدث في نومه لكون قلبه يقظان كما ذكرناه. و كذلك غيره إذا جاع ضعف لذلك جسمه و حارت قوته و بطلت في الكلية حملته و هو ع قد أخبر أنه لا يعتريه ذلك و أنه بخلافهم بقوله لست كهيئتكم و كذلك أقول إنه في هذه الأحوال كلها من وصب و مرض و سحر و غضب لم يجر على باطنه ما يحل به و لا فاض منه على لسانه و جوارحه ما لا يليق به كما يعتري غيره من البشر
تذييل
قال المحقق الطوسي قدس الله روحه في التجريد بعض الألم قبيح يصدر منا خاصة و بعضه حسن يصدر منه تعالى و منا و حسنه إما لاستحقاقه أو لاشتماله على النفع أو دفع الضرر الزائدين أو لكونه عاديا أو على وجه الدفع و يجوز في المستحق كونه عقابا و لا يكفي اللطف في ألم المكلف في الحسن و لا يشترط في الحسن اختيار المتألم بالفعل و العوض نفع مستحق خال عن تعظيم و إجلال و يستحق عليه تعالى بإنزال الآلام و تفويت المنافع لمصلحة الغير و إنزال الغموم سواء استندت إلى علم ضروري أو مكتسب أو ظن لا ما يستند إلى فعل العبد و أمر عباده بالمضار و إباحته أو تمكين غير العاقل بخلاف الإحراق عند الإلقاء في النار و القتل عند شهادة الزور و الانتصاف عليه تعالى واجب عقلا و سمعا فلا يجوز تمكين الظالم من الظلم من دون عوض في الحال يوازي ظلمه. فإن كان المظلوم من أهل الجنة فرق الله أعواضه على الأوقات أو تفضل عليه بمثلها و إن كان من أهل العقاب أسقط بها جزءا من عقابه بحيث لا يظهر له التخفيف بأن يفرق الناقص على الأوقات و لا يجب دوامه لحسن الزائد بما يختار معه الألم و إن كان منقطعا و لا يجب حصوله في الدنيا لاحتمال مصلحة التأخير و الألم على القطع ممنوع مع أنه غير محل النزاع و لا يجب إشعار صاحبه بإيصاله عوضا و لا يتعين منافعه و لا يصح إسقاطه و العوض عليه تعالى يجب تزايده إلى حد الرضا عند كل عاقل و علينا تجب مساواته. و قال العلامة نور الله ضريحه في شرحه اعلم أنا قد بينا وجوب الألطاف و المصالح و هي ضربان مصالح في الدين و مصالح في الدنيا أعني المنافع الدنياوية و مصالح الدين إما مضار أو منافع و المضار منها آلام و أمراض و غيرهما كالآجال و الغلاء و المنافع الصحة و السعة في الرزق و الرخص. و اختلف الناس في قبح الألم و حسنه فذهبت الثنوية إلى قبح جميع الآلام و ذهبت المجبرة إلى حسن جميعها من الله تعالى و ذهبت البكرية و أهل التناسخ و العدلية إلى حسن بعضها و قبح الباقي و اختلفوا في وجه الحسن إلى أن قال و قالت المعتزلة إنه يحسن عند شروط أحدها أن يكون مستحقا و ثانيها أن يكون نفع عظيم يوفى عليها و ثالثها أن يكون فيها دفع ضرر أعظم منها و رابعها أن يكون مفعولا على مجرى العادة كما يفعله الله تعالى بالحي إذا ألقيناه في النار و خامسها أن يكون مفعولا على سبيل الدفع عن النفس كما إذا آلمنا من يقصد قتلنا لأنا متى علمنا اشتمال الألم على أحد هذه الوجوه حكمنا بحسنه قطعا و شرط حسن الألم المبتدإ الذي يفعله الله تعالى كونه مشتملا على اللطف إما للمتألم أو لغيره لأن خلو الألم عن النفع الزائد الذي يختار المولم معه الألم يستلزم الظلم و خلوه عن اللطف يستلزم العبث و هما قبيحان و لذا أوجب أبو هاشم في أمراض الصبيان مع الأعواض الزائدة اشتمالها على اللطف لمكلف آخر و جوز المصنف كأبي الحسين البصري أن تقع الآلام في الكفار و الفساق عقابا للكافر و الفاسق و منع قاضي القضاة من ذلك و جزم بكون أمراضهم محنا لا عقوبات و ذهب المصنف كالقاضي و الشيخين إلى أنه لا يكفي اللطف في ألم المكلف في الحسن بل لا بد من عوض خلافا لجماعة اكتفوا باللطف و لو فرضنا اشتمال اللذة على اللطف الذي اشتمل عليه الألم هل يحسن منه تعالى فعل الألم بالحي
لأجل لطف الغير مع العوض الذي يختار المكلف لو عرض عليه قال أبو هاشم نعم و أبو الحسين منع ذلك و تبعه المصنف. و لا يشترط في حسن الألم المفعول ابتداء من الله تعالى اختيار المتألم للعوض الزائد عليه بالفعل و قيد الخلو عن تعظيم و إجلال ليخرج به الثواب. و الوجوه التي يستحق به العوض على الله تعالى أمور الأول إنزال الآلام بالعبد كالمرض و غيره. الثاني تفويت المنافع إذا كانت منه تعالى لمصلحة الغير فلو أمات الله تعالى ابنا لزيد و كان في معلومه تعالى أنه لو عاش لا ينفع به زيد لاستحق عليه تعالى العوض عما فاته من منافع ولده و لو كان في معلومه تعالى عدم انتفاعه به لأنه يموت قبل الانتفاع منه لم يستحق منه عوضا لعدم تفويت المنفعة منه تعالى و لذلك لو أهلك ماله استحق العوض بذلك سواء أشعر بهلاك ماله أو لم يشعر لأن تفويت المنفعة كإنزال الألم و لو آلمه و لم يشعر به لاستحق العوض و كذا لو فوت عليه منفعة لم يشعر بها و عندي في هذا الوجه نظر. الثالث إنزال الغموم بأن يفعل الله تعالى أسباب الغم أما الغم الحاصل من العبد نفسه فإنه لا عوض فيه عليه تعالى. الرابع أمر الله تعالى عباده بإيلام الحيوان أو إباحته سواء كان الأمر للإيجاب أو للندب فإن العوض في ذلك كله على الله تعالى. الخامس تمكين غير العاقل مثل سباع الوحش و سباع الطير و الهوام و قد اختلف أهل العدل هنا على أربعة أقوال فذهب بعضهم إلى أن العوض على الله تعالى مطلقا و يعزى إلى الجبائي و قال آخرون إن العوض على فاعل الألم عن أبي علي و قال آخرون لا عوض هنا على الله تعالى و لا على الحيوان. و قال القاضي إن كان الحيوان ملجأ إلى الإيلام كان العوض عليه تعالى و إن لم يكن ملجأ كان العوض على الحيوان و إذا طرحنا صبيا في النار فاحترق فإن الفاعل للألم هو الله تعالى و العوض علينا و يحسن لأن فعل الألم واجب في الحكمة من حيث إجراء العادة و الله قد منعنا من طرحه و نهانا عنه فصار الطارح كأنه الموصل إليه الألم فلهذا كان العوض علينا دونه تعالى و كذلك إذا شهد عند الإمام شاهدا زور بالقتل فإن العوض على الشهود و إن كان الله تعالى قد أوجب القتل و الإمام تولاه و ليس عليهما عوض لأنهما أوجبا بشهادتهما على الإمام إيصال الألم إليه من جهة الشرع فصار كأنهما فعلاه لأن قبول الشاهدين عادة شرعية يجب إجراؤها على قانونها كالعادات الحسية. و اختلف أهل العدل في وجوب الانتصاف عليه تعالى فذهب قوم منهم إلى أن الانتصاف للمظلوم من الظالم واجب على الله تعالى عقلا لأنه هو المدبر لعباده فنظره نظر الوالد لولده و قال آخرون منهم إنه يجب سمعا و المصنف رحمه الله اختار وجوبه عقلا و سمعا و هل يجوز أن يمكن الله تعالى من الظلم من لا عوض له في الحال يوازي ظلمه فمنع منه المصنف قدس سره. و قد اختلف أهل العدل هنا فقال أبو هاشم و الكعبي إنه يجوز لكنهما اختلفا فقال الكعبي يجوز أن يخرج من الدنيا و لا عوض له يوازي ظلمه و قال إن الله تعالى يتفضل عليه بالعوض المستحق عليه و يدفعه إلى المظلوم و قال أبو هاشم لا يجوز بل يجب التقية لأن الانتصاف واجب و التفضل ليس بواجب و لا يجوز تعليق الواجب بالجائز. و قال السيد المرتضى رضي الله عنه إن التقية تفضل أيضا فلا يجوز تعليق الانتصاف بها فلهذا وجب العوض في الحال و اختاره المصنف رحمه الله لما ذكرناه. و اعلم أن المستحق للعوض إما أن يكون مستحقا للجنة أو للنار فإن كان مستحقا للجنة فإن قلنا إن العوض دائم فلا بحث و إن قلنا إنه منقطع توجه الإشكال بأن يقال لو أوصل العوض إليه ثم انقطع عنه حصل له الألم بانقطاعه. و الجواب من وجهين الأول أنه يوصل إليه عوضه متفرقا على الأوقات بحيث لا يتبين له انقطاعه فلا يحصل له الألم الثاني أن يتفضل الله تعالى عليه
بعد انقطاعه بمثله دائما فلا يحصل له ألم و إن كان مستحقا للعقاب جعل الله عوضه جزءا من عقابه بمعنى أنه يسقط من عقابه بإزاء ما يستحقه من الأعواض إذ لا فرق في العقل بين إيصال النفع و دفع الضرر في الإيثار. فإذا خفف عقابه و كانت آلامه عظيمة علم أن آلامه بعد إسقاط ذلك القدر من العقاب أشد و لا يظهر له أنه كان في راحة أو نقول إنه تعالى ينقص من آلامه ما يستحقه من أعواضه متفرقا على الأوقات بحيث لا تظهر له الخفة من قبل. و اختلف في أنه هل يجب دوام العوض أم لا فقال الجبائي يجب دوامه و قال أبو هاشم لا يجب و اختاره المصنف رحمه الله و لا يجب إشعار مستحق العوض بتوفيره عوضا له بخلاف الثواب و حينئذ أمكن أن يوفره الله تعالى في الدنيا على بعض المعوضين غير المكلفين و أن ينتصف لبعضهم من بعض في الدنيا و لا تجب إعادتهم في الآخرة و العوض لا يجب إيصاله في منفعة معينة دون أخرى بل يصح توفيره بكل ما يحصل فيه شهوة المعوض بخلاف الثواب لأنه يجب أن يكون من جنس ما ألفه المكلف من ملاذه. و لا يصح إسقاط العوض و لا هبته ممن وجب عليه في الدنيا و لا في الآخرة سواء كان العوض عليه تعالى أو علينا هذا قول أبي هاشم و القاضي و جزم أبو الحسين بصحة إسقاط العوض علينا إذا استحل الظالم من المظلوم و جعله في حل بخلاف العوض عليه تعالى فإنه لا يسقط لأن إسقاطه عنه تعالى عبث لعدم انتفاعه به. ثم قال بعد إيراد دليل القاضي على عدم صحة الهبة مطلقا و الوجه عندي جواز ذلك لأنه حقه و في هبته نفع للموهوب و يمكن نقل هذا الحق إليه و على هذا لو كان العوض مستحقا عليه تعالى أمكن هبة مستحقه لغيره من العباد أما الثواب المستحق عليه تعالى فلا يصح منا هبته لغيرنا لأنه مستحق بالمدح فلا يصح نقله إلى من لا يستحقه. ثم قال العوض الواجب عليه تعالى يجب أن يكون زائدا على الألم الحاصل بفعله أو بأمره أو بإباحته أو بتمكينه لغير العاقل زيادة تنتهي إلى حد الرضا من كل عاقل بذلك العوض في مقابلة ذلك الألم لو فعل به لأنه لو لا ذلك لزم الظلم أما مع مثل هذا العوض فإنه يصير كأنه لم يفعل. و أما العوض علينا فإنه يجب مساواته لما فعله من الألم أو فوته من المنفعة لأن الزائد على ما يستحق عليه من الضمان يكون ظلما و لا يخرج ما فعلناه بالضمان عن كونه ظلما قبيحا فلا يلزم أن يبلغ الحد الذي شرطناه في الآلام الصادرة عنه تعالى. انتهى ملخص ما ذكره قدس سره و إنما ذكرناها بطولها لتطلع على ما ذكره أصحابنا تبعا لأصحاب الاعتزال و أكثر دلائلهم على جل ما ذكر في غاية الاعتلال بل ينافي بعض ما ذكروه كثير من الآيات و الأخبار و نقلها و تحصيلها و شرحها و تفصيلها لا يناسب هذا الكتاب و الله أعلم بالصواب و سيأتي بعض القول إن شاء الله تعالى عن قريب