1- قال السيد بن طاوس في كتاب الوصايا و قد وقع في خاطري أن أختم هذا الكتاب بوصية أبيك أمير المؤمنين ع الذي عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتابِ صلى الله عليه إلى ولده العزيز عليه و رسالته إلى الشيعة و ذكر المتقدمين عليه و رسالته في ذكر الأئمة من ولده و رأيت أن يكون رواية الرسالة إلى ولده بطريق المخالفين و المؤالفين فهو أجمع على ما تضمنه من سعادة الدنيا و الدين فقال أبو أحمد الحسن بن عبد الله بن سعيد العسكري في كتاب الزواجر و المواعظ في الجزء الأول منه من نسخة تاريخها ذو القعدة سنة ثلاث و سبعين و أربعمائة ما هذا لفظه وصية أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ع لولده و لو كان من الحكمة ما يجب أن يكتب بالذهب لكانت هذه و حدثني بها جماعة فحدثني علي بن الحسين بن إسماعيل قال حدثنا الحسن بن أبي عثمان الآدمي قال أخبرنا أبو حاتم المكتب يحيى بن حاتم بن عكرمة قال حدثني يوسف بن يعقوب بأنطاكية قال حدثني بعض أهل العلم قال لما انصرف علي ع من صفين إلى قنسرين كتب به إلى ابنه الحسن بن علي ع من الوالد الفاني المقر للزمان اه و حدثنا أحمد بن عبد العزيز قال حدثنا سليمان بن الربيع النهدي قال حدثنا كادح بن رحمة الزاهدي قال حدثنا صباح بن يحيى المزني و حدثنا علي بن عبد العزيز الكوفي الكاتب قال حدثنا جعفر بن هارون بن زياد قال حدثنا محمد بن علي بن موسى الرضا عن أبيه عن جده جعفر الصادق عن أبيه عن جده ع أن عليا ع كتب إلى الحسن بن علي ع و حدثنا علي بن محمد بن إبراهيم التستري قال حدثنا جعفر بن عنبسة قال حدثنا عباد بن زياد قال حدثنا عمرو بن أبي المقدام عن أبي جعفر محمد بن علي ع قال كتب أمير المؤمنين إلى الحسن بن علي ع و حدثنا محمد بن علي بن زاهر الرازي قال حدثنا محمد بن العباس قال حدثنا عبد الله بن داهر عن أبيه عن جعفر بن محمد عن آبائه عن علي ع قال كتب علي ع إلى ابنه الحسن ع كل هؤلاء حدثونا أن أمير المؤمنين ع كتب بهذه الرسالة إلى الحسن ع و أخبرني أحمد بن عبد الرحمن بن فضال القاضي قال حدثنا الحسن بن محمد بن أحمد و أحمد بن جعفر بن محمد بن زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب ع قال حدثنا جعفر بن محمد الحسني قال حدثنا الحسن بن عبدل قال حدثنا الحسن بن ظريف بن ناصح عن الحسين بن علوان عن سعد بن طريف عن الأصبغ بن نباتة المجاشعي قال كتب أمير المؤمنين ع إلى ابنه محمد كذا و اعلم يا ولدي محمد ضاعف الله جل جلاله عنايته بك و رعايته لك أن قد روى الشيخ المتفق على ثقته و أمانته محمد بن يعقوب الكليني تغمده الله جل جلاله برحمته رسالة مولانا أمير المؤمنين ع إلى جدك الحسن ولده سلام الله جل جلاله عليهما و روى رسالة أخرى مختصرة عن مولانا علي ع إلى ولده محمد بن الحنفية رضوان الله جل جلاله عليه و ذكر الرسالتين في كتاب الرسائل و وجدنا نسخة عتيقة يوشك أن يكون كتابتها في زمن حياة محمد بن يعقوب ره و هذا الشيخ محمد بن يعقوب ره كان حياته في زمن وكلاء مولانا المهدي ع عثمان بن سعيد العمري و ولده أبي جعفر محمد و أبي القاسم الحسين بن روح و علي بن محمد السمري و توفي محمد بن يعقوب قبل وفاة محمد بن علي السمري لأن علي بن محمد السمري توفي في شعبان سنة تسع و عشرين و ثلاثمائة و هذا محمد بن يعقوب الكليني توفي ببغداد سنة ثمان و عشرين و ثلاثمائة فتصانيف هذا الشيخ محمد بن يعقوب و رواياته في زمن الوكلاء المذكورين يجد طريقا إلى تحقيق منقولاته و تصديق مصنفاته و رأيت يا ولدي بين رواية حسن بن عبد الله العسكري مصنف كتاب الزواجر و المواعظ
الذي قدمناه و بين الشيخ محمد بن يعقوب في رسالة أبيك أمير المؤمنين ع إلى ولده تفاوتا فنحن نوردها برواية محمد بن يعقوب الكليني فهو أجمل و أفضل فيما قصدناه فذكر محمد بن يعقوب الكليني في كتاب الرسائل بإسناده إلى جعفر بن عنبسة عن عباد بن زياد الأسدي عن عمرو بن أبي المقدام عن أبي جعفر ع قال لما أقبل أمير المؤمنين ع من صفين كتب إلى ابنه الحسن عليه و على جده و أبيه و أمه و أخيه الصلاة و السلام بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ من الوالد الفان المقر للزمان المدبر العمر المستسلم للدهر الذام للدنيا الساكن مساكن الموتى الظاعن عنها غدا إلى الولد المؤمل ما لا يدرك السالك سبيل من قد هلك غرض الأسقام و رهينة الأيام و رمية المصائب و عبد الدنيا و تاجر الغرور و غريم المنايا و أسير الموت و حليف الهموم و قرين الأحزان و رصيد الآفات و صريع الشهوات و خليفة الأموات أما بعد فإن فيما تبينت من إدبار الدنيا عني و جموح الدهر علي و إقبال الآخرة إلي ما يزعني عن ذكر من سواي و الاهتمام بما ورائي غير أني حيث تفرد بي دون هم الناس هم نفسي فصدفني رأيي و صرفني عن هواي و صرح لي محض أمري فأفضى بي إلى جد لا يرى معه لعب و صدق لا يشوبه كذب وجدتك بعضي بل وجدتك كلي حتى كأن شيئا لو أصابك أصابني و حتى كأن الموت لو أتاك أتاني فعناني من أمري ما يعنيني عن أمر نفسي فكتبت إليك كتابي هذا مستظهرا به إن أنا بقيت لك أو فنيت فأوصيك بتقوى الله يا بني و لزوم أمره و عمارة قلبك بذكره و الاعتصام بحبله و أي سبب أوثق من سبب بينك و بين الله جل جلاله إن أخذت به فأحي قلبك بالموعظة و أمته بالزهد و قوه باليقين و نوره بالحكمة و ذلله بذكر الموت و قرره بالفناء و أسكنه بالخشية و أشعره بالصبر و بصره فجائع الدنيا و حذره صولة الدهر و فحش تقلبه و تقلب الليالي و الأيام و أعرض عليه أخبار الماضين و ذكره بما أصاب من كان قبلك من الأولين و سر في ديارهم و اعتبر آثارهم و انظر ما فعلوا و أين حلوا و نزلوا و عمن انتقلوا فإنك تجدهم قد انتقلوا عن الأحبة و حلوا دار الغربة و كأنك عن قليل قد صرت كأحدهم فأصلح مثواك و لا تبع آخرتك بدنياك و دع القول فيما لا تعرف و النظر فيما لا تكلف و أمسك عن طريق إذا خفت ضلالته فإن الكف عند حيرة الضلالة خير من ركوب الأهوال و أمر بالمعروف تكن من أهله و أنكر المنكر بلسانك و يدك و باين من فعله بجهدك و جاهد في الله حق جهاده و لا تأخذك في الله لومة لائم و خض الغمرات إلى الحق حيث كان و تفقه في الدين و عود نفسك التصبر على المكروه فنعم الخلق الصبر و ألجئ نفسك في الأمور كلها إلى إلهك فإنك تلجئها إلى كهف حريز و مانع عزيز و أخلص في المسألة لربك فإن بيده العطاء و الحرمان و أكثر الاستخارة و تفهم وصيتي و لا تذهبن عنك صفحا فإن خير القول ما نفع و اعلم أنه لا خير في علم لا ينفع و لا ينتفع بعلم لا يحق تعلمه يا بني إني لما رأيتك قد بلغت سنا و رأيتني أزداد وهنا بادرت بوصيتي إليك لخصال منها أن يعجل بي أجلي دون أن أفضي إليك بما في نفسي أو أنقص في رأيي كما نقصت في جسمي أو أن يسبقني إليك بعض غلبات الهوى و فتن الدنيا و تكون كالصعب النفور و إنما قلب الحدث كالأرض الخالية ما ألقي فيها
من شيء إلا قبلته فبادر بالأدب قبل أن يقسو قلبك و يشتغل لبك و تستقبل بجد رأيك من الأمر ما قد كفاك أهل التجارب بغيته و تجربته فتكون قد كفيت مئونة الطلب و عوفيت من علاج التجربة فأتاك من ذلك ما كنا نأتيه و استبان لك منها ما ربما أظلم علينا فيه يا بني إني و إن لم أكن قد عمرت عمر من كان قبلي فقد نظرت في أعمارهم و فكرت في أخبارهم و سرت في آثارهم حتى عدت كأحدهم بل كأني بما انتهى إلي من أمورهم قد عمرت مع أولهم إلى آخرهم فعرفت صفو ذلك من كدره و نفعه من ضرره و استخلصت لك من كل أمر نخيله و توخيت لك جميله و صرفت عنك مجهوله و رأيت حيث عناني من أمرك ما يعني الوالد الشفيق و أجمعت عليه من أدبك أن يكون ذلك و أنت مقبل العمر مقبل الدهر ذو نية سليمة و نفس صافية و أن ابتدأك بتعليم كتاب الله عز و جل و تأويله و شرائع الإسلام و أحكامه و حلاله و حرامه لا أجاوز بك ذلك إلى غيره ثم أشفقت أن يلتبس ما اختلف الناس فيه من أهوائهم و آرائهم مثل الذي التبس عليهم و كان أحكام ذلك لك على ما كرهت من تنبيهك له أحب إلي من إسلامك إلى أمر لا آمن عليك فيه الهلكة و رجوت أن يوفقك الله فيه لرشدك و أن يهديك لقصدك فعهدت إليك وصيتي بهذه و اعلم مع ذلك يا بني إن أحب ما أنت آخذ به من وصيتي إليك تقوى الله و الاقتصار على ما فرضه الله عليك و الأخذ بما مضى عليه الأولون من آبائك و الصالحون من أهل بيتك فإنهم لن يدعوا أن ينظروا لأنفسهم كما أنت ناظر و فكروا كما أنت مفكر ثم ردهم آخر ذلك إلى الأخذ بما عرفوا و الإمساك عما لم يكلفوا فإن أبت نفسك عن أن تقبل ذلك دون أن تعلم كما علموا فليكن طلبك لذلك بتفهم و تعلم لا بتورط الشبهات و علو الخصومات و ابدأ قبل نظرك في ذلك بالاستعانة بإلهك عليه و الرغبة إليه و في توفيقك و نبذ كل شائبة أدخلت عليك كل شبهة أو أسلمتك إلى ضلالة فإن أيقنت أن قد صفا لك قبلك فخشع و تم رأيك فاجتمع و كان همك في ذلك هما واحدا فانظر فيما فسرت لك و إن لم يجتمع لك رأيك على ما تحب من نفسك و فراغ نظرك و فكرك فاعلم أنك إنما تخبط خبط العشواء و تتورط الظلماء و ليس طالب الدين من خبط و لا خلط و الإمساك عند ذلك أمثل و إن أول ما أبدؤك به في ذلك و آخره أني أحمد إليك الله إلهي و إله الأولين و الآخرين و رب من في السماوات و الأرضين بما هو أهله و كما يجب و ينبغي له و نسأله أن يصلي على سيدنا محمد النبي ص و على أنبياء الله بجميع صلاة من صلى عليه من خلقه و أن يتم نعمته علينا بما وفقنا له من مسألته بالاستجابة لنا فإن بنعمته تتم الصالحات يا بني قد أنبأتك عن الدنيا و حالها و انتقالها و زوالها بأهلها و أنبأتك عن الآخرة و ما أعد الله فيها لأهلها و ضربت لك أمثالا لتعتبر و تحذو عليها الأمثال
إنما مثل من أبصر الدنيا كمثل قوم سفر نبا بهم منزل جدب فأموا منزلا خصيبا فاحتملوا وعثاء الطريق و فراق الصديق و خشونة السفر في الطعام و المنام ليأتوا سعة دارهم و منزل قرارهم فليس يجدون لشيء من ذلك ألما و لا يرون لنفقته معزما و لا شيء أحب إليهم مما يقربهم من منزلهم و مثل من اغتر بها كقوم كانوا في منزل خصيب فنبا بهم إلى منزل جدب فليس شيء أكره إليهم و لا أهول لديهم من مفارقة ما هم فيه إلى ما يهجمون عليه و يصيرون إليه ثم فزعتك بأنواع الجهالات لئلا تعد نفسك عالما فإن العالم من عرف أن ما يعلم فيما لا يعلم قليل فعد نفسه بذلك جاهلا و ازداد بما عرف من ذلك في طلب العلم اجتهادا فما يزال للعلم طالبا و فيه راغبا و له مستفيدا و لأهله خاشعا و لرأيه متهما و للصمت لازما و للخطإ جاحدا و منه مستحييا و إن ورد عليه ما لا يعرف لا ينكر ذلك لما قد قدر به نفسه من الجهالة و إن الجاهل من عد نفسه بما جهل من معرفة العلم عالم و برأيه مكتفيا فما يزال من العلماء مباعدا و عليهم زاريا و لمن خالفه مخطيا و لما لم يعرف من الأمور مضللا و إذا ورد عليه من الأمر ما لا يعرفه أنكره و كذب به و قال بجهالته ما أعرف هذا و ما أراه كان و ما أظن أن يكون و أنى كان و لا أعرف ذلك لثقته برأيه و قلة معرفته بجهالته فما ينفك مما يرى فيما يلتبس عليه رأيه و مما لا يعرف للجهل مستفيدا و للحق منكرا و في اللجاجة متجريا و عن طلب العلم مستكبرا يا بني تفهم وصيتي و اجعل نفسك ميزانا فيما بينك و بين غيرك و أحب لغيرك ما تحب لنفسك و أكره له ما تكره لها لا تظلم كما لا تحب أن تظلم و أحسن كما تحب أن يحسن إليك و استقبح لنفسك ما تستقبحه من غيرك و ارض من الناس ما ترضى لهم منك و لا تقل ما لا تعلم بل لا تقل كلما علمت مما لا تحب أن يقال لك و اعلم أن الإعجاب ضد الصواب و آفة الألباب و إذا هديت لقصدك فكن أخشع ما تكون لربك و أسعى في كدحك و لا تكن خازنا لغيرك و اعلم يا بني أن أمامك طريقا ذا مسافة بعيدة و أهوال شديدة و أنه لا غنا بك عن حسن الارتياد و قدر بلاغك من الزاد مع خفة الظهر فلا تحملن على ظهرك فوق بلاغك فيكون ثقيلا و وبالا عليك و إذا وجدت من أهل الحاجة من يحمل لك زادك إلى يوم القيامة فيوافيك به غدا حيث تحتاج إليه فاغتنمه و اغتنم من استقرضك في حال غناك و جعل قضاءه لك في يوم عسرتك و حمله إياه و أكثر من تزويده و أنت قادر عليه فلعلك تطلبه فلا تجده و اعلم أن أمامك عقبة كئودا لا محالة أن مهبطها بك على جنة أو نار فارتد لنفسك قبل نزولك و اعلم أن الذي بيده خزائن ملكوت الدنيا و الآخرة قد أذن لدعائك و تكفل لإجابتك و أمرك أن تسأله ليعطيك و هو رحيم كريم لم يجعل بينك و بينه من يحجبك عنه و لم يلجئك إلى من يشفع لك إليه و لم يمنعك أن أسأت من التوبة و لم يعيرك بالإنابة و لم يعاجلك بالنقمة و لم يفضحك حيث تعرضت للفضيحة و لم يناقشك بالجريمة و لم يؤيسك من الرحمة و لم يشدد عليك في التوبة فجعل توبتك التورع عن الذنب و حسب سيئتك واحدة و حسنتك عشرا و فتح لك باب المتاب و الاستعتاب فمتى شئت سمع نداك و نجواك فأفضيت إليه بحاجتك و أبثثته ذات نفسك و شكوت إليه همومك و استعنته على أمورك ثم جعل في يدك مفاتيح خزائنه بما أذن فيه من مسألته فمتى شئت استفتحت بالدعاء أبواب خزائنه فألحح
عليه في المسألة يفتح لك أبواب الرحمة لا يقنطك إن أبطأت عليك الإجابة فإن العطية على قدر المسألة و ربما أخرت عنك الإجابة ليكون أطول للمسألة و أجزل للعطية ربما سألت الشيء فلم تؤتاه و أوتيت خيرا منه عاجلا أو آجلا أو صرت إلى ما هو خير لك فلرب أمر قد طلبته و فيه هلاك دينك و دنياك لو أوتيته و لتكن مسألتك فيما يعنيك مما يبقى لك جماله و ينفي عنك وباله و المال لا يبقى لك و لا تبقى له فإنه يوشك أن ترى عاقبة أمرك حسنا أو سيئا أو يعفو العفو الكريم و اعلم يا بني أنك إنما خلقت للآخرة لا للدنيا و للفناء لا للبقاء و للموت لا للحياة و أنك في منزل قلعة و دار بلغة و طريق إلى الآخرة و أنك طريد الموت الذي لا ينجو هاربه و لا بد أنه مدركك يوما فكن منه على حذر أن يدركك على حال سيئة قد كنت تحدث نفسك منها بالتوبة فيحول بينك و بين ذلك فإذا أنت قد أهلكت نفسك يا بني أكثر من ذكر الموت و ذكر ما تهجم عليه و تفضي بعد الموت إليه و اجعله أمامك حيث تراه حتى يأتيك و قد أخذت منه حذرك و شددت له أزرك و لا يأتيك بغتة فيبهرك و لا يأخذك على غرتك و أكثر ذكر الآخرة و ما فيها من النعيم و العذاب الأليم فإن ذلك يزهدك في الدنيا و يصغرها عندك و إياك أن تغتر بما ترى من إخلاد أهلها و تكالبهم عليها و قد نبأك الله جل جلاله عنها و نعت إليك نفسها و تكشفت لك عن مساويها فإنما أهلها كلاب عاوية و سباع ضارية يهر بعضها بعضا و يأكل عزيزها ذليلها و يقهر كبيرها صغيرها و كثيرها قليلها نعم معقلة و أخرى مهملة قد أضلت عقولها و ركبت مجهولها سروح عاهة في دار وعث ليس لها راع يقيمها ألعبتهم الدنيا فلعبوا بها و نسوا ما وراءها رويدا حتى يسفر الظلام كان و رب الكعبة يوشك من أسرع أن يلحق و اعلم أن كل من كانت مطيته الليل و النهار فإنه يسار به و إن كان لا يسير أبى الله إلا خراب الدنيا و عمارة الآخرة يا بني فإن تزهد فيما زهدتك فيه و تعزف نفسك عنها فهي أهل ذلك و إن كنت غير قابل نصيحتي إياك فيها فاعلم يقينا أنك لن تبلغ أملك و لا تعدو أجلك فإنك في سبيل من كان قبلك فخفض في الطلب و أجمل في المكتسب فإنه رب طلب قد جر إلى حرب و ليس كل طالب بناج و كل مجمل بمحتاج و أكرم نفسك عن دنية و إن ساقتك إلى الرغائب فإنك لن تعتاض بما تبذل شيئا من دينك و عرضك بثمن و إن جل و من خير حظ امرئ قرين صالح فقارن أهل الخير تكن منهم و باين أهل الشر تبن عنهم لا يغلبن عليك سوء الظن فإنه لا يدع بينك و بين صديق صفحا بئس الطعام الحرام و ظلم الضعيف أفحش الظلم و الفاحشة كاسمها و التصبر على المكروه يعصم القلب و إذا كان الرفق خرفا كان الخرق رفقا و ربما كان الداء دواء و ربما نصح غير الناصح و غش المستنصح و إياك و الاتكال على المنى فإنها بضائع النوكى و مطل عن الآخرة و الدنيا زك قلبك بالأدب كما يذكى النار بالحطب و لا تكن كحاطب الليل و غثاء السيل
و كفر النعمة لؤم و صحبة الجاهل شؤم و العقل حفظ التجارب و خير ما جربت ما وعظك و من الكرم لين الشيم بادر الفرصة قبل أن تكون غصة و من الحزم العزم و من سبب الحرمان التواني ليس كل طالب يصيب و لا كل راكب يئوب و من الفساد إضاعة الزاد لكل امرئ عاقبة رب مصير بما تصير و لا خير في معين مهين و لا تبيتن من أمر على عذر من حلم ساد و من تفهم ازداد و لقاء أهل الخير عمارة القلب ساهل الدهر ما ذل لك قعوده و إياك أن تطيح بك مطية اللجاج و إن قارفت سيئة فعجل محوها بالتوبة و لا تخن من ائتمنك و إن خانك و لا تذع سره و إن أذاع سرك و لا تخاطر بشيء رجاء أكثر منه و اطلب فإنه يأتيك ما قسم لك و التاجر مخاطر و خذ بالفضل و أحسن البذل و قل للناس حسنا و أي كلمة حكم جامعة أن تحب للناس ما تحب لنفسك و تكره لهم ما تكره لها إنك قل ما تسلم ممن تسرعت إليه أو تندم إذا فضلت عليه و اعلم أن من الكرم الوفاء بالذمم و الصدود آية المقت و كثرة العلل آية البخل و لبعض إمساكك على أخيك مع لطف خير من بذل مع جنف و من الكرم صلة الحرم و من يثق بك أو يرجو صلتك إذا قطعت قرابتك التجرم وجه القطيعة احمل نفسك من أخيك عند صرمه إياك على الصلة و عند صدوره على لطف المسألة و عند جموده على البذل و عند تباعده على الدنو و عند شدته على اللين و عند تجرمه على الإعذار حتى كأنك له عبد و كأنه ذو النعمة عليك و إياك أن تصنع ذلك في غير موضعه أو تفعله في غير أهله و لا تتخذن عدو صديقك صديقا فتعادي صديقك و لا تعمل بالخديعة فإنه خلق لئيم و امحض أخاك النصيحة حسنة كانت أو قبيحة و ساعده على كل حال و زل معه حيث زال و لا تطلبن مجازاة أخيك و إن حثا التراب بفيك و جد على عدوك بالفضل فإنه أحرى للظفر و تسلم من الدنيا بحسن الخلق و تجرع الغيظ فإني لم أر جرعة أحلى منها عاقبة و لا ألذ منها مغبة و لا تصرم أخاك على ارتياب و لا تقطعه
دون استعتاب و لن لمن غالظك فإنه يوشك أن يلين لك ما أقبح القطيعة بعد الصلة و الجفاء بعد الإخاء و العداوة بعد المودة و الخيانة لمن ائتمنك و الغدر بمن استأمن إليك و إن أردت قطيعة أخيك فاستبق له من نفسك بقية يرجع إليها إن بدا له و لك يوما ما و من ظن لك خيرا فصدق ظنه و لا تضيعن حق أخيك اتكالا على ما بينك و بينه فإنه ليس لك بأخ من أضعت حقه و لا يكن أهلك أشقى الناس بك و لا ترغبن في من زهد فيك و لا يكونن أخوك أقوى على قطيعتك منك على صلته و لا تكونن على الإساءة أقوى منك على الإحسان و لا على البخل أقوى منك على البذل و لا على التقصير أقوى منك على الفضل و لا يكبرن عليك ظلم من ظلمك و إنما يسعى في مضرته و نفعك و ليس جزاء من سرك أن تسوءه و الرزق رزقان رزق تطلبه و رزق يطلبك فإن لم تأته أتاك و اعلم يا بني أن الدهر ذو صروف فلا تكن ممن يشتد لائمته و يقل عند الناس عذره ما أقبح الخضوع عند الحاجة و الجفاء عند الغنى إنما لك من دنياك ما أصلحت به مثواك فأنفق في حق و لا تكن خازنا لغيرك و إن كنت جارعا على ما تفلت من بين يديك فاجزع على كل ما لم يصل إليك و استدلل على ما لم يكن بما كان فإنما الأمور أشباه و لا تكفر ذا نعمة فإن كفر النعمة من ألأم الكفر و اقبل العذر و لا تكونن ممن لا ينتفع من العظة إلا بما لزمه إزالته فإن العاقل يتعظ بالأدب و البهائم لا يتعظ إلا بالضرب أعرف الحق لمن عرفه لك رفيعا كان أو وضيعا و اطرح عنك واردات الهموم بعزائم الصبر و حسن اليقين من ترك القصد جار و نعم حظ المرء القنوع و من شر ما صحب المرء الحسد و في القنوط التفريط و الشح يجلب الملامة و الصاحب مناسب و الصديق من صدق غيبه و الهوى شريك العمى و من التوفيق الوقوف عند الحيرة و نعم طارد الهموم اليقين و عاقبة الكذب الندم و في الصدق السلامة و رب بعيد أقرب من قريب و الغريب من لم يكن له حبيب لا يعدمك من شفيق سوء الظن و من حم ظمئ و من تعدى الحق ضاق مذهبه و من اقتصر على قدره كان أبقى له نعم الخلق التكرم و ألأم اللؤم البغي عند القدرة و الحياء سبب إلى كل جميل و أوثق العرى التقوى و أوثق سبب أخذت به سبب بينك و بين الله سرك من أعتبك و الإفراط في الملامة يشب نيران اللجاجة كم من دنف قد نجا و صحيح قد هوى و قد يكون اليأس إدراكا إذا كان الطمع هلاكا و ليس كل عورة تظهر و لا كل فريضة تصاب و ربما أخطأ البصير قصده و أصاب الأعمى رشده و ليس كل من طلب وجد و لا كل من توفي نجا أخر الشر فإنك إذا شئت تعجلته و أحسن إن أحببت أن يحسن إليك و احتمل أخاك على ما فيه و لا تكثر العتاب فإنه يورث الضغينة و استعتب من رجوت عتباه و قطيعة الجاهل تعدل صلة العاقل و من الكرم منع الحزم و من كابر الزمان عطب و من ينتقم عليه غضب ما أقرب النقمة من أهل البغي و أخلق بمن غدر أن لا يوفى له زلة المتوقي أشد زلة و علة الكذب أقبح علة و الفساد يبير الكثير و الاقتصاد ينمي اليسير و القلة ذلة و بر الوالدين من أكرم الطباع و المخافة شر يخاف و الزلل مع العجل و لا خير في لذة تعقب ندما العاقل من وعظته التجارب و رسولك ترجمان عقلك و الهدى يجلو العمى و ليس مع الخلاف ائتلاف من خير خوانا فقد خان لن يهلك من اقتصد و لن يفتقر من زهد ينبئ
عن امرئ دخيلة رب باحث عن حتفه لا يشوبن بثقة رجاء و ما كل ما يخشى يضر و لرب هزل قد عاد جدا من أمن الزمان خانه و من تعظم عليه أهانه و من ترغم عليه أرغمه و من لجأ إليه أسلمه و ليس كل من رمى أصاب و إذا تغير السلطان تغير الزمان خير أهلك من كفاك المزاح تورث الضغائن أعذر من اجتهد و ربما أكدى الحريص رأس الدين صحة اليقين تمام الإخلاص تجنب المعاصي خير المقال ما صدقه الفعال السلامة مع الاستقامة و الدعاء مفتاح الرحمة سل عن الرفيق قبل الطريق و عن الجار قبل الدار و كن عن الدنيا على قلعة احمل من أدل عليك و اقبل عذر من اعتذر إليك و خذ العفو من الناس و لا تبلغ من أحد مكروها و أطع أخاك و إن عصاك و صله و إن جفاك و عود نفسك السماح و تخير لها من كل خلق أحسنه فإن الخير عادة و إياك أن تكثر من الكلام هذرا و أن تكون مضحكا و أن حكيت ذلك عن غيرك و أنصف من نفسك و إياك و مشاورة النساء فإن رأيهن إلى الأفن و عزمهن إلى الوهن و اكفف عليهن من أبصارهن بحجابك إياهن فإن شدة الحجاب خير لك و لهن من الارتياب و ليس خروجهن بأشد من دخول من لا يوثق به عليهن و إن استطعت أن لا يعرفن غيرك من الرجال فافعل و لا تملك المرأة من الأمر ما جاوز نفسها فإن ذلك أنعم لحالها و أرخى لبالها و أدوم لجمالها فإن المرأة ريحانة و ليست بقهرمانة و لا تعد بكرامتها نفسها و لا تعطيها أن تشفع لغيرها فيميل من شفعت له عليك معها و لا تطل الخلوة مع النساء فيمللنك و تمللهن و استبق من نفسك بقية فإن إمساكك عنهن و هن ترين أنك ذو اقتدار خير من أن يعثرن منك على انكسار و إياك و التغاير في غير موضع الغيرة فإن ذلك يدعو الصحيحة منهن إلى السقم و لكن أحكم أمرهن فإن رأيت عيبا فعجل النكير على الكبير و الصغير و إياك أن تعاتب فيعظم الذنب و يهون العتب و لا تكن عبد غيرك و قد جعلك الله حرا و ما خير بخير لا ينال إلا بشر و يسر لا ينال إلا بعسر و إياك أن توجف بك مطايا الطمع و إن استطعت أن لا يكون بينك و بين الله ذو نعمة فافعل فإنك مدرك قسمك و آخذ سهمك و إن اليسير من الله أكرم و أعظم من الكثير من خلقه و إن كان كل منه فإن نظرت ف لِلَّهِ الْمَثَلُ الْأَعْلى فيما تطلب من الملوك و من دونهم من السفلة لعرفت أن لك في يسير ما تصيب من الملوك افتخارا و أن عليك في كثير ما تطلب من الدناة عارا إنك ليس بائعا شيئا من دينك و عرضك بثمن و المغبون من غبن نفسه من الله فخذ من الدنيا ما آتاك و تول عما تولى عنك فإن أنت لم تفعل فأجمل في الطلب و إياك و مقاربة من رهبته على دينك و عرضك و باعد السلطان لتأمن خدع الشيطان و تقول متى أرى ما أنكر نزعت فإنه هكذا هلك من كان قبلك إن أهل القبلة قد أيقنوا بالمعاد فلو سمت بعضهم ببيع آخرته بالدنيا لم تطب بذلك نفسا و قد يتخيله الشيطان بخدعه و مكره حتى يورطه في هلكة بعرض من الدنيا يسير حقير و ينقله من شيء إلى شيء حتى يؤيسه من رحمة الله و يدخله في القنوط فيجد الراحة إلى ما خالف الإسلام و أحكامه فإن نفسك أبت إلا حب الدنيا و قرب السلطان فخالفتك إلى ما نهيتك عنه مما فيه رشدك فاملك عليه لسانك فإنه لا ثقة للملوك عند الغضب فلا تسأل عن أخبارهم و لا تنطق بأسرارهم و لا تدخل فيما بينهم و في الصمت السلامة من الندامة و تلافيك ما فرط من صمتك أيسر من إدراك فائدة ما فات من منطقك و حفظ ما في الوعاة بشد الوكاء و حفظ ما في يديك أحب
إليك من طلب ما في يد غيرك و لا تحدث إلا عن ثقة فتكون كذابا و الكذب ذل و حسن التدبير مع الكفاف أكفى لك من الكثير مع الإسراف و حسن اليأس خير من الطلب إلى الناس و العفة مع الحرفة خير من سرور مع فجور و المرء أحفظ سره و رب ساع فيما يضره من أكثر هجر و من تفكر أبصر و أحسن المماليك الأدب و أقلل الغضب و لا تكثر العتب في غير ذنب فإذا استحق أحد منك ذنبا فإن العفو مع العدل أشد من الضرب لمن كان له عقل و لا تمسك من لا عقل له و خف القصاص و اجعل لكل امرئ منهم عملا يأخذ منه فإنه أحرى أن لا يتواكلوا و أكرم عشيرتك فإنهم جناحك الذي به تطير و أصلك الذي إليه تصير و أنك بهم تصول و بهم تطول اللذة عند الشدة و أكرم كريمهم و عد سقيمهم و اشركهم في أمورهم و تيسر عند معسورهم و استعن بالله على أمورك فإنه أكفى معين و استودع الله دينك و دنياك و اسأله خير القضاء في الدنيا و الآخرة
أقول إن الشيخ الحسن بن علي بن شعبة قد ذكر هذا الخبر في كتاب تحف العقول لكن باختلاف كثير فأردت أن أورده بهذه الرواية أيضا لأنه المسك كلما كررته يتضوع
2- من الوالد الفان المقر للزمان المدبر العمر المستسلم للدهر الذام للدنيا الساكن مساكن الموتى الظاعن عنها إليهم غدا إلى المولود المؤمل ما لا يدرك السالك سبيل من قد هلك غرض الأسقام و رهينة الأيام و رمية المصائب و عبد الدنيا و تاجر الغرور و غريم المنايا و أسير الموت و حليف الهموم و قرين الأحزان و نصب الآفات و صريع الشهوات و خليفة الأموات أما بعد فإن فيما تبينت من إدبار الدنيا عني و جموح الدهر علي و إقبال الآخرة إلي ما يزعني عن ذكر من سواي و الاهتمام بما ورائي غير أنه حيث تفرد بي دون هموم الناس هم نفسي فصدفني رأيي و صرفني هواي و صرح لي محض أمري فأفضى بي إلى جد لا يكون فيه لعب و صدق لا يشوبه كذب و وجدتك بعضي بل وجدتك كلي حتى كأن شيئا لو أصابك أصابني و كأن الموت لو أتاك أتاني فعناني من أمرك ما يعنيني من أمر نفسي فكتبت إليك كتابي هذا مستظهرا به إن أنا بقيت لك أو فنيت فإني أوصيك بتقوى الله أي بني و لزوم أمره و عمارة قلبك بذكره و الاعتصام بحبله و أي سبب أوثق من سبب بينك و بين الله إن أنت أخذت به أحي قلبك بالموعظة و موته بالزهد و قوه باليقين و ذلله بالموت و قرره بالفناء و بصره فجائع الدنيا و حذره صولة الدهر و فحش تقلب الليالي و الأيام و أعرض عليه أخبار الماضين و ذكره بما أصاب من كان قبله و سر في بلادهم و آثارهم و انظر ما فعلوا و أين حلوا و عمن انتقلوا فإنك تجدهم انتقلوا عن الأحبة و حلوا دار الغربة و ناد في ديارهم أيتها الديار الخالية أين أهلك ثم قف على قبورهم فقل أيتها الأجساد البالية و الأعضاء المتفرقة كيف وجدتم الدار التي أنتم بها أي بني و كأنك عن قليل قد صرت كأحدهم فأصلح مثواك و لا تبع آخرتك بدنياك و دع القول
فيما لا تعرف و الخطاب فيما لا تكلف و أمسك عن طريق إذا خفت ضلاله فإن الكف عن حيرة الضلالة خير من ركوب الأهوال و أمر بالمعروف تكن من أهله و أنكر المنكر بلسانك و يدك و باين من فعله بجهدك و جاهد في الله حق جهاده و لا تأخذك في الله لومة لائم و خض الغمرات إلى الحق حيث كان و تفقه في الدين و عود نفسك التصبر و ألجئ نفسك في الأمور كلها إلى إلهك فإنك تلجئها إلى كهف حريز و مانع عزيز و أخلص في المسألة لربك فإن بيده العطاء و الحرمان و أكثر الاستخارة و تفهم وصيتي و لا تذهبن عنها صفحا فإن خير القول ما نفع و اعلم أنه لا خير في علم لا ينفع و لا ينتفع بعلم حتى لا يقال به أي بني إني لما رأيتك قد بلغت سنا و رأيتني أزداد وهنا بادرت بوصيتي إياك خصالا منهن مخافة أن يعجل بي أجلي دون أن أفضي إليك بما في نفسي أو أنقص في رأيي كما نقصت في جسمي أو يسبقني إليك بعض غلبات الهوى و فتن الدنيا فتكون كالصعب النفور و إنما قلب الحدث كالأرض الخالية ما ألقي فيها من شيء قبلته فبادرتك بالأدب قبل أن يقسو قلبك و يشغل لبك لتستقبل بجد رأيك من الأمر ما قد كفاك أهل التجارب بغيته و تجربته فتكون قد كفيت مئونة الطلب و عوفيت من علاج التجربة فأتاك من ذلك ما قد كنا نأتيه و استبان لك منه ما ربما أظلم علينا فيه أي بني و إني و إن لم أكن عمرت عمر من كان قبلي فقد نظرت في أعمالهم و فكرت في أخبارهم و سرت في آثارهم حتى عدت كأحدهم بل كأني بما انتهى إلي من أمورهم قد عمرت مع أولهم إلى آخرهم فعرفت صفو ذلك من كدره و نفعه من ضره فاستخلصت لك من كل أمر نخيله و توخيت لك جميله و صرفت عنك مجهوله و رأيت حيث عناني من أمرك ما يعني الوالد الشفيق و أجمعت عليه من أدبك أن يكون ذلك و أنت مقبل بين ذي النقية و النية و إن أبدأك بتعليم كتاب الله و تأويله و شرائع الإسلام و أحكامه و حلاله و حرامه لا أجاوز ذلك بك إلى غيره ثم أشفقت أن يلبسك ما اختلف الناس فيه أهواؤهم مثل الذي لبسهم و كان أحكام ذلك لك على ما كرهت من تنبيهك له أحب إلي من إسلامك إلى أمر لا آمن عليك فيه الهلكة و رجوت أن يوفقك الله فيه لرشدك و أن يهديك لقصدك فعهدت إليك وصيتي هذه و اعلم مع ذلك أي بني أن أحب ما أنت آخذ به إلي من وصيتي تقوى الله و الاقتصار على ما افترض عليك و الأخذ بما مضى عليه الأولون من آبائك و الصالحون من أهل ملتك فإنهم لم يدعوا أن ينظروا لأنفسهم كما أنت ناظر و فكروا كما أنت مفكر ثم ردهم آخر ذلك إلى الأخذ بما عرفوا و الإمساك عما لم يكلفوا فإن أبت نفسك أن تقبل ذلك دون أن تعلم كما كانوا علموا فليكن طلبك ذلك بتفهم و تعلم لا بتورط الشبهات و علو الخصومات و ابدأ قبل نظرك في ذلك بالاستعانة بإلهك عليه و الرغبة
إليه في توفيقك و ترك كل شائبة أدخلت عليك شبهة و أسلمتك إلى ضلالة و إذا أنت أيقنت أن قد صفا لك قلبك فخشع و تم رأيك فاجتمع و كان همك في ذلك هما واحدا فانظر فيما فسرت لك و إن أنت لم يجتمع لك ما تحب من نفسك من فراغ فكرك و نظرك فاعلم أنك إنما تخبط خبط العشواء و ليس طالب الدين من خبط و لا خلط و الإمساك عند ذلك أمثل و إن أول ما أبدأ به من ذلك و آخره أني أحمد إليك إلهي و إلهك و إله آبائك الأولين و الآخرين و رب من في السماوات و الأرضين بما هو أهله و كما هو أهله و كما يحب و ينبغي و نسأله أن يصلي عنا على نبينا ص و على أهل بيته و على أنبياء الله و رسله بصلاة جميع من صلى عليه من خلقه و أن يتم نعمه علينا فيما وفقنا له من مسألته بالإجابة لنا فإن بنعمه تتم الصالحات فتفهم أي بني وصيتي و اعلم أن مالك الموت هو مالك الحياة و أن الخالق هو المميت و أن المفني هو المعيد و أن المبتلي هو المعافي و أن الدنيا لم تكن لتستقيم إلا على ما خلقها الله تبارك و تعالى عليه من النعماء و الابتلاء و الجزاء في المعاد أو ما شاء مما لا نعلم فإن أشكل عليك شيء من ذلك فاحمله على جهالتك به و أنك أول ما خلقت خلقت جاهلا ثم علمت و ما أكثر ما تجهل من الأمر و يتحير فيه رأيك و يضل فيه بصرك ثم تبصره بعد ذلك فاعتصم بالذي خلقك و رزقك و سواك فليكن له تعمدك و إليه رغبتك و منه شفقتك و اعلم يا بني أن أحدا لم ينبئ عن الله تبارك و تعالى كما أنبأ عنه نبينا ص فارض به رائدا و إلى النجاة قائدا فإني لم آلك نصيحة و إنك لم تبلغ في النظر لنفسك و إن أجهدت مبلغ نظري لك و اعلم يا بني أنه لو كان لربك شريك لأتتك رسله و لرأيت آثار ملكه و سلطانه و لعرفت صفته و فعاله و لكنه إله واحد كما وصف نفسه لا يضاده في ذلك أحد و لا يحاجه و أنه خالق كل شيء و أنه أجل من أن يثبت لربوبيته بالإحاطة قلب أو بصر و إذا أنت عرفت ذلك فافعل كما ينبغي لمثلك في صغر خطرك و قلة مقدرتك و عظم حاجتك إليه أن يفعل مثله في طلب طاعته و الرهبة له و الشفقة من سخطه فإنه لم يأمرك إلا بحسن و لم ينهك إلا عن قبيح أي بني إني قد أنبأتك عن الدنيا و حالها و زوالها و انتقالها بأهلها و أنبأتك عن الآخرة و ما أعد لأهلها فيها و ضربت لك فيها الأمثال إنما مثل من أبصر الدنيا كمثل قوم سفر نبا بهم منزل جدب فأموا منزلا خصيبا و جنابا مريعا فاحتملوا وعثاء الطريق و فراق الصديق و خشونة السفر في الطعام و المنام ليأتوا سعة دارهم و منزل قرارهم فليس يجدون لشيء من ذلك ألما و لا يرون نفقته مغرما و لا شيئا أحب إليهم مما قربهم من منزلهم و مثل من اغتر بها كمثل قوم كانوا بمنزل خصب فنبا بهم إلى منزل جدب فليس شيء أكره إليهم و لا أهول لديهم من مفارقة ما هم فيه إلى ما يهجمون عليه و يصيرون إليه و قرعتك بأنواع الجهالات لئلا تعد نفسك عالما فإن ورد عليك شيء لا تعرفه أكبرت ذلك فإن العالم من عرف أن ما يعلم فيما لا يعلم قليل فعد نفسه بذلك جاهلا فازداد بما عرف من ذلك في طلب العلم اجتهادا فما يزال للعلم طالبا و فيه راغبا و له مستفيدا و لأهله خاشعا و لرأيه متهما و للصمت لازما و للخطإ حاذرا و منه مستحييا
و إن ورد عليه ما لا يعرف لم ينكر ذلك لما قرر به نفسه من الجهالة و إن الجاهل من عد نفسه بما جهل من معرفة العلم عالما و برأيه مكتفيا فما يزال للعلماء مباعدا و عليهم زاريا و لمن خالفه مخطئا و لما لم يعرف من الأمور مضللا فإذا ورد عليه من الأمور ما لم يعرفه أنكره و كذب به و قال بجهالته ما أعرف هذا و ما أراه كان و ما أظن أن يكون و أنى كان و ذلك لثقته برأيه و قلة معرفته بجهالته فما ينفك بما يرى مما يلتبس عليه رأيه مما لا يعرف للجهل مستفيدا و للحق منكرا و في الجهالة متحيرا و عن طلب العلم مستكبرا أي بني تفهم وصيتي و اجعل نفسك ميزانا فيما بينك و بين غيرك فأحبب لغيرك ما تحب لنفسك و اكره له ما تكره لنفسك و لا تظلم كما لا تحب أن تظلم و أحسن كما تحب أن يحسن إليك و استقبح من نفسك ما تستقبح من غيرك و ارض من الناس لك ما ترضى به لهم منك و لا تقل بما لا تعلم بل لا تقل كلما تعلم و لا تقل ما لا تحب أن يقال لك و اعلم أن الإعجاب ضد الصواب و آفة الألباب فإذا أنت هديت لقصدك فكن أخشع ما تكون لربك و اعلم أن أمامك طريقا ذا مشقة بعيدة و أهوال شديدة و أنه لا غنى بك فيه عن حسن ارتياد و قدر بلاغك من الزاد و خفة الظهر فلا تحملن على ظهرك فوق بلاغك فيكون ثقلا و وبالا عليك و إذا وجدت من أهل الحاجة من يحمل لك زادك فيوافيك به حيث تحتاج إليه فاغتنمه و اغتنم من استقرضك في حال غناك و اجعل وقت قضائك في يوم عسرتك و اعلم أن أمامك عقبة كئودا لا محالة مهبطا بك على جنة أو على نار المخف فيها أحسن حالا من المثقل فارتد لنفسك قبل نزولك و اعلم أن الذي بيده ملكوت خزائن الدنيا و الآخرة قد أذن بدعائك و تكفل بإجابتك و أمرك أن تسأله ليعطيك و هو رحيم لم يجعل بينك و بينه ترجمانا و لم يحجبك عنه و لم يلجئك إلى من يشفع إليه لك و لم يمنعك أن أسأت التوبة و لم يعيرك بالإنابة و لم يعاجلك بالنقمة و لم يفضحك حيث تعرضت للفضيحة و لم يناقشك بالجريمة و لم يؤيسك من الرحمة و لم يشدد عليك في التوبة فجعل النزوع عن الذنب حسنة و حسب سيئتك واحدة و حسب حسنتك عشرا و فتح لك باب المتاب و الاستئناف فمتى شئت سمع نداءك و نجواك فأفضيت إليه بحاجتك و أنبأته عن ذات نفسك و شكوت إليه همومك و استعنته على أمورك و ناجيته بما تستخفي به من الخلق من سرك ثم جعل بيدك مفاتيح خزائنه فألحح في المسألة يفتح لك باب الرحمة بما أذن لك فيه من مسألته فمتى شئت استفتحت بالدعاء أبواب خزائنه فألحح و لا يقنطك إن أبطأت عنك الإجابة فإن العطية على قدر المسألة و ربما أخرت عنك الإجابة ليكون أطول للمسألة و أجزل للعطية و ربما سألت الشيء فلم تؤته و أوتيت خيرا منه عاجلا و آجلا أو صرف عنك لما هو خير لك فلرب أمر قد طلبته فيه هلاك دينك لو أوتيته و لتكن مسألتك فيما يعنيك مما يبقى لك جماله أو ينفي عنك وباله و المال لا يبقى لك و لا تبقى له فإنه يوشك أن ترى عاقبة أمرك حسنا أو سيئا أو يعفو العفو الكريم و اعلم أنك خلقت للآخرة لا للدنيا و للفناء لا للبقاء و للموت لا للحياة و أنك في منزل قلعة و دار بلغة و طريق إلى الآخرة أنك طريد الموت الذي لا ينجو منه هاربه و لا بد أنه يدركك يوما فكن منه على حذر أن يدركك على حال سيئة قد كنت تحدث نفسك فيها بالتوبة فتحول بينك و بين ذلك فإذا أنت قد أهلكت نفسك أي بني أكثر ذكر الموت و ذكر ما تهجم عليه و تفضي بعد الموت إليه و اجعله أمامك حتى يأتيك و قد أخذت منه حذرك و لا يأخذك على غرتك و أكثر ذكر الآخرة و ما فيها من النعيم و العذاب الأليم فإن ذلك يزهدك في الدنيا و يصغرها عندك و قد نبأك الله عنها و نعتت لك نفسها و كشفت عن مساويها فإياك أن تغتر بما ترى من إخلاد أهلها إليها و تكالبهم عليها و إنما أهلها كلاب عاوية
و سباع ضارية يهر بعضها على بعض يأكل عزيزها ذليلها و كبيرها صغيرها قد أضلت أهلها عن قصد السبيل و سلكت بهم طريق العمى و أخذت بأبصارهم عن منهج الصواب فتاهوا في حيرتها و غرقوا في فتنتها و اتخذوها ربا فلعبت بهم و لعبوا بها و نسوا ما وراءها فإياك يا بني أن تكون قد شانته كثرة عيوبها نعم معقلة و أخرى مهملة قد أضلت عقولها و ركبت مجهولها سروح عاهة بواد وعث ليس لها راع يقيمها رويدا حتى يسفر الظلام كأن قد وردت الظعينة يوشك من أسرع أن يئوب و اعلم أن من كانت مطيته الليل و النهار فإنه يسار به و إن كان لا يسير أبى الله إلا خراب الدنيا و عمارة الآخرة أي بني فإن تزهد فيما زهدك الله فيه من الدنيا و تعزف نفسك عنها فهي أهل ذلك و إن كنت غير قابل نصيحتي إياك فيها فاعلم يقينا أنك لن تبلغ أملك و لن تعدو أجلك و أنك في سبيل من كان قبلك فاخفض في الطلب و أجمل في المكتسب فإنه رب طلب قد جر إلى حرب و ليس كل طالب بناج و كل مجمل بمحتاج و أكرم نفسك كل دنية و إن ساقتك إلى رغبة فإنك لن تعتاض بما تبذل من نفسك عوضا و لا تكن عبد غيرك و قد جعلك الله حرا و ما خير خير لا ينال إلا بشر و يسر لا ينال إلا بعسر و إياك أن توجف بك مطايا الطمع فتوردك مناهل الهلكة و إن استطعت أن لا يكون بينك و بين الله ذو نعمة فافعل فإنك مدرك قسمك و آخذ سهمك و إن اليسير من الله تبارك و تعالى أكثر و أعظم من الكثير من خلقه و إن كان كل منه و لو نظرت وَ لِلَّهِ الْمَثَلُ الْأَعْلى فيما تطلب من الملوك و من دونهم من السفلة لعرفت أن لك في يسير ما تصيب من الملوك افتخارا و أن عليك في كثير ما تصيب من الدناة عارا فاقتصد في أمرك تحمد مغبة علمك إنك لست بائعا شيئا من دينك و عرضك بثمن و المغبون من غبن نصيبه من الله فخذ من الدنيا ما أتاك و اترك ما تولى فإن أنت لم تفعل فأجمل في الطلب و إياك و مقارنة من رهبته على دينك و باعد السلطان و لا تأمن خدع الشيطان و تقول متى أرى ما أنكر نزعت فإنه كذا هلك من كان قبلك من أهل القبلة و قد أيقنوا بالمعاد فلو سمت بعضهم بيع آخرته بالدنيا لم يطب بذلك نفسا ثم قد يتخيله الشيطان بخدعه و مكره حتى يورطه في هلكته بعرض من الدنيا حقير و ينقله من شر إلى شر حتى يؤيسه من رحمة الله و يدخله في القنوط فيجد الوجه إلى ما خالف الإسلام و أحكامه فإن أبت نفسك إلا حب الدنيا و قرب السلطان فخالفت ما نهيتك عنه بما فيه رشدك فاملك عليك لسانك فإنه لا بقية للملوك عند الغضب و لا تسأل عن أخبارهم و لا تنطق عند أسرارهم و لا تدخل فيما بينك و بينهم و في الصمت السلامة من الندامة و تلافيك ما فرط من صمتك أيسر من إدراكك ما فات من منطقك و حفظ ما في الوعاء بشد الوكاء و حفظ ما في يديك أحب إلي من طلب ما في يد غيرك و لا تحدث إلا عن ثقة فتكون كاذبا و الكذب ذل و حسن التدبير مع الكفاف أكفى لك من الكثير مع الإسراف و حسن اليأس خير من الطلب إلى الناس و العفة مع الحرفة خير من سرور مع فجور و المرء أحفظ سره و رب ساع فيما يضره من أكثر أهجر و من تفكر أبصر و من خير حظ امرئ قرين صالح فقارن أهل الخير تكن منهم و باين أهل الشر تبن عنهم و لا يغلبن عليك سوء الظن فإنه لا يدع بينك و بين خليل صلحا و قد يقال من الحزم سوء الظن بئس الطعام الحرام و ظلم الضعيف أفحش الظلم و الفاحشة كاسمها و التصبر على المكروه يعصم القلب و إن كان الرفق خرقا كان الخرق رفقا و ربما كان الدواء داء و الداء دواء و ربما نصح غير الناصح و غش المستنصح و إياك و الاتكال على المنى فإنها بضائع النوكى و تثبط عن خير الآخرة و الدنيا زك قلبك بالأدب كما تذكى النار بالحطب و لا تكن كحاطب الليل وعثاء السبيل و كفر
النعمة لؤم و صحبة الجاهل شؤم و العقل حفظ التجارب و خير ما جربت ما وعظك و من الكرم لين الشيم بادر الفرصة قبل أن تكون غصة من الحزم العزم و من سبب الحرمان التواني ليس كل طالب يصيب و لا كل راكب يئوب و من الفساد إضاعة الزاد و لكل أمر عاقبة رب يسير أنمى من كثير سوف يأتيك ما قدر لك التاجر مخاطر و لا خير في معين مهين لا تبيتن من أمر على غرر من حكم ساد و من تفهم ازداد و لقاء أهل الخير عمارة القلوب ساهل الدهر ما ذل لك قعوده و إياك أن تجمح بك مطية اللجاج و إن قارفت سيئة فعجل محوها بالتوبة و لا تخن من ائتمنك و إن خانك و لا تذع سره و إن أذاعه و لا تخاطر بشيء رجاء أكثر منه و اطلب فإنه يأتيك ما قسم لك خذ بالفضل و أحسن البذل و قل للناس حسنا و أي كلمة حكم جامعة أن تحب للناس ما تحب لنفسك و تكره لهم ما تكره لها إنك قل ما تسلم ممن تسرعت إليه أو تندم أن تتفضل عليه و اعلم أن من الكرم الوفاء بالذمم و الدفع عن الحرم و الصدود آية المقت و كثرة العلل آية البخل و لبعض إمساكك عن أخيك مع لطف خير من بذل مع جنف و من التكرم صلة الحرم و من يرجوك أو يثق بصلتك إذا قطعت قرابتك و التحريم وجه القطيعة احمل نفسك مع أخيك عند صرمه على الصلة و عند صدوده على اللطف و المسألة و عند جموده على البذل و عند تباعده على الدنو و عند شدته على اللين و عند جرمه على الاعتذار حتى كأنك له عبد و كأنه ذو نعمة عليك و إياك أن تضع ذلك في غير موضعه و أن تفعله بغير أهله لا تتخذن عدو صديقك صديقا فتعادي صديقك و لا تعمل بالخديعة فإنها خلق اللئيم و امحض أخاك النصيحة حسنة كانت أو قبيحة و ساعده على كل حال و زل معه حيث زال و لا تطلبن مجازاة أخيك و لو حثا التراب بفيك و خذ على عدوك بالفضل فإنه أحرى للظفر و تسلم من الناس بحسن الخلق و تجرع الغيظ فإني لم أر جرعة أحلى منها عاقبة و لا ألذ مغبة و لا تصرم أخاك على ارتياب و لا تقطعه دون استعتاب و لن لمن غالظك فإنه يوشك أن يلين لك ما أقبح القطيعة بعد الصلة و الجفاء بعد الإخاء و العداوة بعد المودة و الخيانة لمن ائتمنك و خلف الظن لمن ارتجاك و الغدر بمن استأمن إليك فإن أنت غلبتك قطيعة أخيك فاستبق لها من نفسك بقية ترجع إليها إن بدا ذلك له يوما و من ظن بك خيرا فصدق ظنه و لا تضيعن حق أخيك اتكالا على ما بينك و بينه فإنه ليس لك بأخ من أضعت حقه و لا يكن أهلك أشقى الخلق بك و لا ترغبن فيمن زهد فيك و لا تزهدن فيمن رغب لك إذا كان للخلطة موضعا و لا يكونن أخوك أقوى على قطيعتك منك على صلته و لا يكونن على الإساءة أقوى منك على الإحسان و لا على البخل أقوى منك على البذل و لا على التقصير أقوى منك على الفضل و لا يكبرن عليك ظلم من ظلمك فإنه إنما يسعى في مضرته و نفعك و ليس جزاء من سرك أن تسوءه و الرزق رزقان رزق تطلبه و رزق يطلبك فإن لم تأته أتاك و اعلم أي بني أن الدهر ذو صروف فلا تكونن ممن تشتد لائمته و يقل عند الناس عذره ما أقبح الخضوع عند الحاجة و الجفاء عند الغنى إنما لك من دنياك ما أصلحت به مثواك فأنفق في حق و لا تكن خازنا لغيرك و إن كنت جازعا
على ما تفلت من يديك فاجزع على كل ما لم يصل إليك و استدلل على ما لم يكن بما كان فإنما الأمور أشباه و لا تكفرن ذا نعمة فإن كفر النعمة من ألأم الكفر و اقبل العذر و لا تكونن ممن لا ينتفع من العظة إلا بما لزمه فإن العاقل ينتفع بالأدب و البهائم لا تتعظ إلا بالضرب أعرف الحق لمن عرفه لك رفيعا كان أو وضيعا و اطرح عنك واردات الهموم بعزائم الصبر و حسن اليقين من ترك القصد جار و نعم حظ المرء القناعة و من شر ما صحب المرء الحسد و في القنوط التفريط و الشح يجلب الملامة و الصاحب مناسب و الصديق من صدق غيبه و الهوى شريك العمى و من التوفيق الوقوف عند الحيرة و نعم طارد الهم اليقين و عاقبة الكذب الذم و في الصدق السلامة و عاقبة الكذب شر عاقبة رب بعيد أقرب من قريب و قريب أبعد من بعيد و الغريب من لم يكن له حبيب لا يعدمك من حبيب سوء ظن و من حمى طنى و من تعدى الحق ضاق مذهبه و من اقتصر على قدره كان أبقى له نعم الخلق التكرم و ألأم اللؤم البغي عند القدرة و الحياء سبب إلى كل جميل و أوثق العرى التقوى و أوثق سبب أخذت به سبب بينك و بين الله و منك من أعتبك و الإفراط في الملامة تشب نيران اللجاج و كم من دنف قد نجا و صحيح قد هوى فقد يكون اليأس إدراكا إذا كان الطمع هلاكا و ليس كل عورة تظهر و لا كل فريضة تصاب و ربما أخطأ البصير قصده و أصاب الأعمى رشده ليس كل من طلب وجد و لا كل من توقى نجا أخر الشر فإنك إذا شئت تعجلته و أحسن إن أحببت أن يحسن إليك و احتمل أخاك على ما فيه و لا تكثر العتاب فإنه يورث الضغينة و يجر إلى البغضة و استعتب من رجوت إعتابه و قطيعة الجاهل تعدل صلة العاقل و من الكرم منع الحزم من كابر الزمان عطب و من ينقم عليه غضب ما أقرب النقمة من أهل البغي و أخلق بمن غدر ألا يوفى له زلة المتوقي أشد زلة و علة الكذب أقبح علة و الفساد يبير الكثير و الاقتصاد يثمر اليسير و القلة ذلة و بر الوالدين من كرم الطبيعة و الزلل مع العجل و لا خير في لذة تعقب ندما و العاقل من وعظته التجارب و الهدى يجلو العمى و لسانك ترجمان عقلك ليس مع الاختلاف ائتلاف من حسن الجوار تفقد الجار لن يهلك من اقتصد و لن يفتقر من زهد بين عن امرئ دخيله رب باحث عن حتفه لا تشترين بثقة رجاء ما كل ما يخشى يضر رب هزل عاد جدا من أمن الزمان خانه و من تعظم عليه أهانه و من ترغم عليه أرغمه و من لجأ إليه أسلمه و ليس كل من رمى أصاب إذا تغير السلطان تغير الزمان و خير أهلك من كفاك و المزاح يورث الضغائن و ربما أكدى الحريص رأس الدين صحة اليقين و تمام الإخلاص تجنبك المعاصي و خير المقال ما صدقه الفعال و السلامة مع الاستقامة و الدعاء مفتاح الرحمة سل عن الرفيق قبل الطريق و عن الجار قبل الدار و كن من الدنيا على قلعة احمل لمن أدل عليك و اقبل عذر من اعتذر إليك و خذ العفو من الناس و لا تبلغ إلى أحد مكروهه أطع أخاك و إن عصاك و صله و إن جفاك و عود نفسك السماح و تخير لها من كل خلق أحسنه فإن الخير عادة و إياك أن تذكر من الكلام قذرا أو تكون مضحكا و إن حكيت ذلك عن غيرك و أنصف من نفسك قبل أن ينتصف منك و إياك و مشاورة النساء فإن رأيهن إلى أفن و عزمهن إلى وهن و اكفف عليهن من أبصارهن بحجبك إياهن فإن شدة الحجاب خير لك و لهن و ليس خروجهن بأشد من إدخالك من لا يوثق به عليهن و إن استطعت أن
لا يعرفن غيرك فافعل و لا تملك المرأة من أمرها ما جاوز نفسها فإن ذلك أنعم لحالها و أرخى لبالها و أدوم لجمالها فإن المرأة ريحانة و ليست بقهرمانة و لا تعد بكرامتها نفسها و لا تطمعها أن تشفع لغيرها فتميل مغضبة عليك معها و لا تطل الخلوة مع النساء فيملكنك أو تملهن و استبق من نفسك بقية من إمساكك عنهن و هن يرين أنك ذو اقتدار خير من أن يظهرن منك على انتشار و إياك و التغاير في غير موضع غيرة فإن ذلك يدعو الصحيحة منهن إلى السقم و لكن أحكم أمرهن فإن رأيت ذنبا فعاجل النكير على الكبير و الصغير و إياك أن تعاقب فتعظم الذنب و تهون العتب و أحسن للمماليك الأدب و أقلل الغضب و لا تكثر العتب في غير ذنب فإذا استحق أحد منهم ذنبا فأحسن العدل فإن العدل مع العفو أشد من الضرب لمن كان له عقل و التمسك بمن لا عقل له أوجب القصاص و اجعل لكل امرئ منهم عملا تأخذه به فإنه أحرى أن لا يتواكلوا و أكرم عشيرتك فإنهم جناحك الذي به تطير و أصلك الذي إليه تصير و بهم تصول و هم العدة عند الشدة فأكرم كريمهم و عد سقيمهم و اشركهم في أمورهم و تيسر عند معسور لهم و استعن بالله على أمورك فإنه أكفى معين استودع الله دينك و دنياك و اسأله خير القضاء لك في الدنيا و الآخرة و السلام عليك و رحمة الله
جش، ]الفهرست للنجاشي[ الأصبغ بن نباتة المجاشعي كان من خاصة أمير المؤمنين ع و عمر بعده روى عنه عهد الأشتر و وصيته إلى محمد ابنه أخبرنا عبد السلام بن الحسين الأديب عن أبي بكر الدوري عن محمد بن أحمد بن أبي الثلج عن جعفر بن محمد الحسني عن علي بن عبدل عن الحسن بن ظريف عن الحسين بن علوان عن سعد بن طريف عن الأصبغ بن نباتة بالوصية
بيان قوله ع
3- د، ]العدد القوية[ من وصية أمير المؤمنين ع لولده الحسن ع كيف و أنى بك يا بني إذا صرت في قوم صبيهم غاو و شابهم فاتك و شيخهم لا يأمر بمعروف و لا ينهى عن منكر و عالمهم خب مواه مستحوذ عليه هواه متمسك بعاجل دنياه أشدهم عليك إقبالا يرصدك بالغوائل و يطلب الحيلة بالتمني و يطلب الدنيا بالاجتهاد خوفهم أجل و رجاؤهم عاجل لا يهابون إلا من يخافون لسانه و لا يكرمون إلا من يرجون نواله دينهم الربا كل حق عندهم مهجور يحبون من غشهم و يملون من داهنهم قلوبهم خاوية لا يسمعون دعاء و لا يجيبون سائلا قد استولت عليهم سكرة الغفلة إن تركتهم لم يتركوك و إن تابعتهم اغتالوك إخوان الظاهر و أعداء السرائر يتصاحبون على غير تقوى فإذا افترقوا ذم بعضهم بعضا تموت فيهم السنن و تحيا فيهم البدع فأحمق الناس من أسف على فقدهم أو سر بكثرتهم فكن عند ذلك يا بني كابن اللبون لا ظهر فيركب و لا وبر فيسلب و لا ضرع فيحلب فما طلابك لقوم إن كنت عالما عابوك و إن كنت جاهلا لم يرشدوك و إن طلبت العلم قالوا متكلف متعمق و إن تركت طلب العلم قالوا عاجز غبي و إن تحققت لعبادة ربك قالوا متصنع مراء و إن لزمت الصمت قالوا ألكن و إن نطقت قالوا مهذار و إن أنفقت قالوا مسرف و إن اقتصدت قالوا بخيل و إن احتجت إلى ما في أيديهم صارموك و ذموك و إن لم تعتد بهم كفروك فهذه صفة أهل زمانك فأصغاك من فرغ عن جورهم و أمن من الطمع فيهم فهو مقبل على شأنه مدار لأهل زمانه و من صفة العالم أن لا يعظ إلا من يقبل عظته و لا ينصح معجبا برأيه و لا يخبر بما يخاف إذاعته و لا تودع سرك إلا عند كل ثقة و لا تلفظ إلا بما يتعارفون به الناس و لا تخالطهم إلا بما يفعلون فاحذر كل الحذر و كن فردا وحيدا و اعلم أن من نظر في عيب نفسه شغل عن عيب غيره و من كابد الأمور عطب و من اقتحم اللجج غرق و من أعجب برأيه ضل و من استغنى بعقله زل و من تكبر على الناس ذل و من مزح استخف به و من كثر من شيء عرف به و من كثر كلامه كثر خطاؤه و من كثر خطاؤه قل حياؤه و من قل حياؤه قل ورعه و من قل ورعه قل دينه و من قل دينه مات قلبه و من مات قلبه دخل النار قيل وقف رجل على الحسن بن علي ع فقال يا ابن أمير المؤمنين بالذي أنعم عليك بهذه النعمة التي ما نلتها منه بشفيع منك إليه بل إنعاما منه عليك إلا ما أنصفتني من خصمي فإنه غشوم ظلوم لا يوقر الشيخ الكبير و لا يرحم الطفل الصغير و كان متكئا فاستوى جالسا و قال له من خصمك حتى أنتصف لك منه فقال له الفقر فأطرق ع ساعة ثم رفع إلى خادمه و قال أحضر ما عندك من موجود فأحضر خمسة آلاف درهم فقال ادفعها إليه ثم قال له بحق هذه الأقسام التي أقسمت بها علي متى أتاك خصمك جائرا إلا ما أتيتني منه متظلما
بيان