1- كا، ]الكافي[ عن محمد بن يحيى عن أحمد بن محمد عن ابن محبوب عن العلاء بن رزين عن محمد بن مسلم قال قال أبو جعفر ع إن الرجل ليأتي بأي بادرة فيكفر و إن الحسد ليأكل الإيمان كما تأكل النار الحطب
بيان في القاموس البادرة ما يبدر من حدتك في الغضب من قول أو فعل و في النهاية البادرة من الكلام الذي يسبق من الإنسان في الغضب و إذا عرفت هذا فهذه الفقرة تحتمل وجوها. الأول أن يكون المعنى أن عدم منع النفس عن البوادر و عدم إزالة مواد الغضب عن النفس و إرخاء عنان النفس فيها ينجر إلى الكفر أحيانا أو غالبا كما نرى من كثير من الناس يصدر منهم عند الغضب التلفظ بما يوجب الكفر من سب الله سبحانه و سب الأنبياء و الأئمة ع أو ارتكاب أعمال يوجب الارتداد كوطي المصحف الكريم بالرجل و رميه. الثاني أن يراد به الحث على ترك البوادر مطلقا فإن كل بادرة تصير سببا لنوع من أنواع الكفر المقابل للإيمان الكامل. الثالث أن يقرأ فتكفر على بناء المجهول من باب التفعيل أي البوادر عند الغضب مكفرة غالبا لعذر الإنسان فيه في الجملة لا سيما إذا تعقبها ندامة و قلما لم تتعقبها بخلاف الحسد فإنها صفة راسخة في النفس تأكل الإيمان و يمكن حملها حينئذ على ما إذا غلب عليه الغضب بحيث ارتفع عنه القصد. و يمكن أن يقرأ بالياء كما في النسخ على هذا البناء أيضا أي ينسب إلى الكفر و إن كان معذورا عند الله لرفع الاختيار فيكون ذكرا لبعض مفاسد البادرة. و في النهاية الحسد أن يرى الرجل لأخيه نعمة فيتمنى زوالها عنه و تكون له دونه و الغبطة أن يتمنى أن يكون له مثلها و لا يتمنى زوالها عنه انتهى. و اعلم أنه لا حسد إلا على نعمه فإذا أنعم الله على أخيك بنعمة فلك فيها حالتان إحداهما أن تكره تلك النعمة و تحب زوالها سواء أردت وصولها إليك أم لا و هذه الحالة تسمى حسدا و الثانية أن لا تحب زوالها و لا تكره وجودها و دوامها و لكنك تشتهي لنفسك مثلها و هذه يسمى غبطة و قد يخص باسم المنافسة فأما الأول فهو حرام مطلقا كما هو المشهور أو إظهاره كما يظهر من بعض الأخبار إلا نعمة أصابها كافر أو فاجر و هو يستعين على تهيج الفتنة و إفساد ذات البين و إيذاء الخلق فلا يضرك كراهتك لها و محبتك لزوالها فإنك لا تحب زوالها من حيث إنها نعمة بل من حيث هي آلة الفساد و لو أمنت فساده لم تغمك تنعمه. و يظهر من كلام الشيخ كون الحسد من جملة المكروهات لا من المحرمات قال العلامة في كتاب صوم المختلف مسألة جعل الشيخ رحمه الله التحاسد من باب ما الأولى تركه و الإمساك عنه و قال ابن إدريس إنه واجب و هو الأقرب لعموم النهي عن الحسد و النهي يقتضي التحريم انتهى. أقول نظر الشيخ بها إلى ما أومأنا إليه آنفا أن بعض الأخبار يدل على أن الحسد المحرم أنما هو إظهاره لا مع عدم الإظهار و أما أصل الحسد فهو مكروه و لذلك قد يصدر عن بعض الأنبياء أيضا كما نطق به الآثار و الأخبار فتأمل. و بالجملة الحسد المذموم لا شك أنه مع قطع النظر عن الآيات الكثيرة و الأخبار المتواترة الواردة في ذمه و النهي عنه صريح العقل أيضا يحكم بقبحه فإنه سخط لقضاء الله في تفضيل بعض عباده على بعض و أي معصية تزيد على كراهتك لراحة مسلم من غير أن يكون لك فيها مضرة و سيأتي ذكر بعض مفاسدها. و أما المنافسة فليست بحرام بل هي إما واجبة أو مندوبة كما قال الله تعالى وَ فِي ذلِكَ فَلْيَتَنافَسِ الْمُتَنافِسُونَ و قال سبحانه سابِقُوا إِلى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ. فأما الواجبة فهي ما إذا كانت في نعمة و بنية واجبة كالإيمان و الصلاة و الزكاة فإنه إن لم يحب أن يكون له مثل ذلك يكون راضيا بالمعصية و هو حرام و المندوبة فيما إذا كانت لغيره نعمة مباحة يتنعم فيها على وجه مباح فيتمنى أن يكون له مثلها يتنعم بها من غير أن يريد زوالها عنه في الجميع.
و أقول يمكن أن يفرض فيها فرد حرام كان يتمنى منصبا حراما أو مالا حلالا ليصرفه في الحرام بل مكروه أيضا كان يتمنى مال شبهة أو مالا حلالا ليصرفها في المصارف المكروهة. و قيل للحسد أسباب كثيرة يحصر جملتها سبعة العداوة و التعزز و الكبر و التعجب و الخوف من فوت المقاصد المحبوبة و حب الرئاسة و خبث النفس و بخلها فإنه إنما يكره النعمة عليها إما لأنه عدوه فلا يريد له الخير و إما أن يكون من حيث يعلم أنه يستكبر بالنعمة عليه و هو لا يطيق احتمال كبره و تفاخره لعزة نفسه و هو المراد بالتعزز و إما أن يكون في طبعه أن يتكبر على المحسود و يمتنع ذلك عليه بنعمته و هو المراد بالتكبر. و إما أن يكون النعمة عظيمة و المنصب كبيرا فيتعجب من فوز مثله بمثل تلك النعمة كما أخبر الله تعالى عن الأمم الماضية إذ قالوا ما أَنْتُمْ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنا و فَقالُوا أَ نُؤْمِنُ لِبَشَرَيْنِ مِثْلِنا و أمثال ذلك كثيرة فتعجبوا من أن يفوز برتبة الرسالة و الوحي و القرب مع أنهم بشر مثلهم فحسدوهم و هو المراد بالتعجب. و إما أن يخاف من فوات مقاصده بسبب نعمه بأن يتوصل بها إلى مزاحمته في أغراضه و إما أن يكون بحب الرئاسة التي يبتني على الاختصاص بنعمة لا يساوي فيها و إما أن لا يكون بسبب من هذه الأسباب بل لخبث النفس و شحها بالخير لعباد الله. فهذه أسباب الحسد و قد يجتمع بعض هذه الأسباب أو أكثرها أو جميعها في شخص واحد فيعظم الحسد لذلك و يقوى قوة لا يقدر معها على الإخفاء و المجاملة بل يهتك حجاب المجاملة و يظهر العداوة بالمكاشفة و أكثر المحاسدات يجتمع فيها جملة من هذه الأسباب. و اعلم أن الحسد من الأمراض العظيمة للقلوب و لا تداوى أمراض القلوب إلا بالعلم و العمل و العلم النافع لمرض الحسد هو أن تعرف تحقيقا أن الحسد ضرر عليك في الدنيا و الدين و أنه لا ضرر به على المحسود في الدين و الدنيا بل ينتفع بها في الدنيا و الدين و مهما عرفت هذا عن بصيرة و لم تكن عدو نفسك و صديق عدوك فارقت الحسد لا محالة. أما كونه ضررا عليك في الدين فهو أنك بالحسد سخطت قضاء الله تعالى و كرهت نعمته التي قسمها لعباده و عدله الذي أقامه في ملكه بخفي حكمته و استنكرت ذلك و استبشعته و هذا جناية على حدقة التوحيد و قذى في عين الإيمان و ناهيك بها جناية على الدين و قد انضاف إليه أنك غششت رجلا من المؤمنين و تركت نصيحته و فارقت أولياء الله و أنبياءه في حبهم الخير لعباد الله و شاركت إبليس و سائر الكفار في حبهم للمؤمنين البلايا و زوال النعم و هذه خبائث في القلب تأكل حسنات القلب و الإيمان فيه. و الحاصل أن الحسد مع كونه في نفسه صفة منافية للإيمان يستلزم عقائد فاسدة كلها منافية لكمال الإيمان و أيضا لاشتغال النفس بالتفكر في أمر المحسود و التدبير لدفعه يمنعها عن تحصيل الكمالات و التوجه إلى العبادات و حضور القلب فيها و تولد في النفس صفاتا ذميمة كلها توجب نقص الإيمان و أيضا يوجب عللا في البدن و ضعفا فيها يمنع الإتيان بالطاعات على وجهها فينقص بل يفسد الإيمان على أي معنى كان و لذا قال ع يأكل الإيمان كما تأكل النار الحطب. و أما كونه ضررا في الدنيا عليك فهو أنه تتألم بحسدك و تتعذب به و لا تزال في كدر و غم إذ أعداؤك لا يخليهم الله عن نعم يفيضها عليهم فلا تزال تتعذب بكل نعمة تراها عليهم و تتأذى و تتألم بكل بلية تنصرف عنهم فتبقى مغموما محزونا متشعب القلب ضيق النفس كما تشتهيه لأعدائك و كما يشتهي أعداؤك لك فقد كنت تريد المحنة لعدوك فتنجزت في الحال محنتك و غمك نقدا
كما قال أمير المؤمنين ع لله در الحسد حيث بدأ بصاحبه فقتله
و لا تزول النعمة عن المحسود بحسدك و لو لم تكن تؤمن بالبعث و الحساب لكان مقتضى الفطنة إن كنت عاقلا أن تحذر من الحسد لما فيه من ألم القلب و مساءته مع عدم النفع فكيف و أنت عالم بما في الحسد من العذاب الشديد في الآخرة. و أما أنه لا ضرر على المحسود في دينه و دنياه فواضح لأن النعمة لا تزول عنه بحسدك بل ما قدره الله من إقبال و نعمة فلا بد من أن يدوم إلى أجل قدره الله فلا حيلة في دفعه بل كُلُّ شَيْءٍ عِنْدَهُ بِمِقْدارٍ و لِكُلِّ أَجَلٍ كِتابٌ. و إما أن المحسود ينتفع به في الدين و الدنيا فواضح أما منفعته في الدين فهو أنه مظلوم من جهتك لا سيما إذا أخرجك الحسد إلى القول و الفعل بالغيبة و القدح فيه و هتك ستره و ذكر مساويه فهذه هدايا تهديها إليه أعني أنك بذلك تهدي إليه حسناتك حتى تلقاه يوم القيامة مفلسا محروما عن النعمة كما حرمت في الدنيا عن النعمة فأضعفت له نعمة إلى نعمة و لنفسك شقاوة إلى شقاوتك. و أما منفعته في الدنيا فهو أن أهم أغراض الخلق مساءة الأعداء و غمهم و شقاوتهم و كونهم معذبين مغمومين و لا عذاب أعظم مما أنت فيه من ألم الحسد و غاية أماني أعدائك أن يكونوا في نعمة و أن تكون في غم و حسرة بسببهم و قد فعلت بنفسك ما هو مرادهم. ثم اعلم أن الموذي ممقوت بالطبع و من آذاك لا يمكنك أن لا تبغضه غالبا و إذا تيسرت له نعمة فلا يمكنك أن لا تكرهها له حتى يستوي عندك حسن حال عدوك و سوء حاله بل لا تزال تدرك في النفس بينهما فرقا و لا يزال الشيطان ينازعك في الحسد له و لكن إن قوي ذلك فيك حتى يبعثك على إظهار الحسد بقول أو فعل بحيث يعرف ذلك من ظاهرك بأفعالك الاختيارية فأنت إذا حسود عاص بحسدك و إن كففت ظاهرك بالكلية إلا أنك بباطنك تحب زوال النعمة و ليس في نفسك كراهة لهذه الحالة فأنت أيضا حسود عاص لأن الحسد صفة القلب لا صفة الفعل. قال الله تعالى وَ لا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حاجَةً مِمَّا أُوتُوا و قال وَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ كَما كَفَرُوا فَتَكُونُونَ سَواءً و قال إِنْ تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ أما بالفعل فهو غيبة و كذب و هو عمل صادر عن الحسد و ليس هو عين الحسد بل محل الحسد القلب دون الجوارح. نعم هذا الحسد ليست مظلمة يجب الاستحلال منها بل هو معصية بينك و بين الله و إنما تجب الاستحلال من الأسباب الظاهرة على الجوارح و أما إذا كففت ظاهرك و ألزمت مع ذلك قلبك كراهية ما يترشح منه بالطبع من حب زوال النعمة حتى كأنك تمقت نفسك على ما في طبعها فتكون تلك الكراهية من جهة العقل في مقابلة الميل من جهة الطبع فقد أديت الواجب عليك و لا مدخل تحت اختيارك في أغلب الأحوال أكثر من هذا. فأما تغيير الطبع ليستوي عنده الموذي و المحسن فيكون فرحه أو غمه بما تيسر لهما من نعمة و تصب عليهما من بلية سواء فهذا مما لا يطاوع الطبع عليه ما دام ملتفتا إلى حظوظ الدنيا إلا أن يصير مستغرقا بحب الله تعالى مثل السكران الواله فقد ينتهي أمره إلى أن لا يلتفت قلبه إلى تفاصيل أحوال العباد بل ينظر إلى الكل بعين واحدة و هو عين الرحمة و يرى الكل عباد الله و ذلك إن كان فهو كالبرق الخاطف لا يدوم و يرجع القلب بعد ذلك إلى طبعه و يعود العدو إلى منازعته أعني الشيطان فإنه ينازع بالوسوسة فمهما قابل ذلك بكراهة ألزم قلبه فقد أدى ما كلفه. و ذهب الذاهبون إلى أنه لا يأثم إذا لم يظهر الحسد على جوارحه و روي مرفوعا أنه ثلاثة في المؤمن له منهن مخرج و مخرجه من الحسد أن لا يبغى و الأولى أن يحمل هذا على ما ذكرنا من أن يكون فيه كراهة من جهة الدين و العقل
في مقابلة حب الطبع لزوال النعمة عن العدو و تلك الكراهة تمنعه من البغي و من الإيذاء فإن جميع ما ورد في الأخبار في ذم الحسد يدل ظاهرها على أن كل حاسد آثم و الحسد عبارة عن صفة القلب لا عن الأفعال فكل محب لمساءة المسلمين فهو حاسد فأما كونه حاسدا بمجرد حسد القلب من غير فعل فهو في محل النظر و الإشكال. و قد عرفت من هذا أن لك في أعدائك ثلاثة أحوال. أحدها أن تحب مساءتهم بطبعك و تكره حبك لذلك و ميل قلبك إليه بعقلك و تمقت نفسك عليه و تود لو كانت لك حيلة في إزالة ذلك الميل منك و هذا معفو عنه قطعا لأنه يدخل تحت الاختيار أكثر منه. الثانية أن تحب ذلك و تظهر الفرح بمساءته إما بلسانك أو بجوارحك فهذا هو الحسد المحظور قطعا. الثالثة و هي بين الطرفين أن تحسد بالقلب من غير مقتك لنفسك على حسدك و من غير إنكار منك على قلبك و لكن تحفظ جوارحك عن طاعة الحسد في مقتضاها و هذا محل الخلاف و قيل إنه لا يخلو عن إثم بقدر قوة ذلك الحب و ضعفه
2- كا، ]الكافي[ عن العدة عن أحمد بن محمد عن محمد بن خالد و الحسين بن سعيد عن النضر بن سويد عن القاسم بن سليمان عن جراح المدائني عن أبي عبد الله ع قال إن الحسد يأكل الإيمان كما تأكل النار الحطب
3- كا، ]الكافي[ عن العدة عن أحمد بن محمد بن خالد عن ابن محبوب عن داود الرقي قال سمعت أبا عبد الله ع يقول اتقوا الله و لا يحسد بعضكم بعضا إن عيسى ابن مريم كان من شرائعه السيح في البلاد فخرج في بعض سيحه و معه رجل من أصحابه قصير و كان كثير اللزوم لعيسى ابن مريم فلما انتهى عيسى إلى البحر قال بسم الله بصحة يقين منه فمشى على ظهر الماء فقال الرجل القصير حين نظر إلى عيسى ع جازه بسم الله بصحة يقين منه فمشى على الماء و لحق بعيسى ع فدخله العجب بنفسه فقال هذا عيسى روح الله يمشي على الماء و أنا أمشي على الماء فما فضله علي قال فرمس في الماء فاستغاث بعيسى فتناوله من الماء فأخرجه ثم قال له ما قلت يا قصير قال قلت هذا روح الله يمشي على الماء و أنا أمشي فدخلني من ذلك عجب فقال له عيسى لقد وضعت نفسك في غير الموضع الذي وضعك الله فيه فمقتك الله على ما قلت فتب إلى الله عز و جل مما قلت قال فتاب الرجل و عاد إلى المرتبة التي وضعه الله فيها فاتقوا الله و لا يحسدن بعضكم بعضا
بيان في القاموس ساح الماء يسيح سيحا و سيحانا جرى على وجه الأرض و السياحة بالكسر و السيح الذهاب في الأرض للعبادة و منه المسيح انتهى. و أقول كان من شرائع عيسى ع السياحة في الأرض للاطلاع على عجائب قدرة الله و هداية عباد الله و الفرار من أعدائه و ملاقاة أوليائه فنسخ ذلك في شرعنا و قد روي لا سياحة في الإسلام و سياحة هذه الأمة الصيام. فدخله العجب فإن قيل هذا إما عجب كما صرح به أو غبطة حيث تمنى منزلة عيسى ع لكنه تجاوز عن حد نفسه حيث لم يكن له أن يتمنى تلك الدرجة الرفيعة التي لا يمكن حصولها له فكيف فرعه ع على النهي عن الحسد قلت الظاهر أنه كان الحامل له على الجرأة على هذا التمني الحسد بمنزلة عيسى و اختصاصه بالنبوة حيث قال فما فضله علي أو أنه لما رأى مساواته لعيسى ع في فضيلة واحدة حسد عيسى ع على نبوته و أنكر فضله عليه كما قال بعض الكفار أَ نُؤْمِنُ لِبَشَرَيْنِ مِثْلِنا. فرمس في الماء أي غمس فيه على بناء المجهول فيهما لا يقال سيأتي عدم المؤاخذة بالخطورات القلبية و قصد المعصية و هنا أخذ بها لأن الظاهر أن قوله فقال المراد به الكلام النفسي لأنا نقول الأفعال القلبية التي لا مؤاخذة بها هي التي تتعلق بإرادة المعاصي أو كان محض خطور من غير أن يصير سببا لشكه في العقائد الإيمانية أو حدوث خلل فيها و هاهنا ليس كذلك مع أنه لا يدل ما سيأتي إلا على أنه لا يعاقب بها و هو لا ينافي حط منزلته عن صدور مثل هذه الغرائب منه. و قوله ع يا قصير دل على جواز مخاطبة الإنسان ببعض أوصافه المشهورة لا على وجه الاستهزاء و الظاهر أن ذلك كان تأديبا له قوله ع و عاد أي في نفسه و اعتقاده إلى مرتبته أي الإقرار بحط نفسه عن الارتقاء إلى درجة النبوة و سلم لعيسى ع فضله و نبوته و ترك الحسد له
4- كا، ]الكافي[ عن علي عن أبيه عن النوفلي عن السكوني عن أبي عبد الله ع قال قال رسول الله ص كاد الفقر أن يكون كفرا و كاد الحسد أن يغلب القدر
بيان قوله كاد الفقر أن يكون كفرا أقول هذه الفقرة تحتمل وجوها الأول ما خطر بالبال أن المراد به الفقر إلى الناس و هذا هو الفقر المذموم فإن سؤال الخلق و عدم التوجه إلى خالقه و من ضمن رزقه في طلب الرزق و سائر الحوائج نوع من الكفر و الشرك لعدم الاعتماد على الله سبحانه و ضمانه و ظنه أن المخلوق العاجز قادر على إنجاح حوائجه و سوق الرزق إليه بدون تقديره و تيسيره و تسبيبه فبعضها يقرب من الكفر و بعضها من الشرك. الثاني أن المراد به الفقر القاطع لعنان الاصطبار و قد وقعت الاستعاذة منه. و أما الفقر الممدوح فهو المقرون بالصبر قال الغزالي سبب ذلك أن الفقير إذا نظر إلى شدة حاجته و حاجة عياله و رأى نعمة جزيلة مع الظلمة و الفسقة و غيرهم ربما يقول ما هذا الإنصاف من الله و ما هذه القسمة التي لم تقع على العدل فإن لم يعلم شدة حاجتي ففي علمه نقص و إن علم و منع مع القدرة على الإعطاء ففي جوده نقص و إن منع لثواب الآخرة فإن قدر على إعطاء الثواب بدون هذه المشقة الشديدة فلم منع و إن لم يقدر ففي قدرته نقص. و مع هذا يضعف اعتقاده بكونه عدلا جوادا كريما مالكا لخزائن السماوات و الأرض و حينئذ يتسلط عليه الشيطان و يذكر له شبهات حتى يسب الفلك و الدهر و غيرهما و كل ذلك كفر أو قريب منه و إنما يتخلص من هذه الأمور من امتحن الله قلبه للإيمان و رضي عن الله سبحانه في المنع و الإعطاء و علم أن كل ما فعله بالنسبة إليه فهو خير له وَ قَلِيلٌ ما هُمْ. الثالث ما ذكره الراوندي قدس سره في كتاب شرح الشهاب كما سيأتي حيث قال معنى الحديث و الله أعلم أنه إشارة إلى أن الفقير يسف إلى المآكل الدنية و المطاعم الوبية و إذا وجد أولاده يتضورون من الجوع و العرى و رأى نفسه لا يقدر على تقويم أودهم و إصلاح حالهم و التنفيس عنهم كان بالحري أن يسرق و يخون و يغصب و ينهب و يستحل أموال الناس و يقطع الطريق و يقتل المسلم أو يخدم بعض الظلمة فيأكل مما يغصبه و يظلمه و هذا كله من أفعال من لا يحاسب نفسه و لا يؤمن بيوم الحساب فهو قريب إلى أن يكون كافرا بحتا و في الأثر عجبت لمن له عيال و ليس له مال كيف لا يخرج على الناس بالسيف انتهى. و أقول المعاني متقاربة و المال واحد و أما قوله ع و كاد الحسد أن يغلب القدر فيه أيضا وجوه الأول ما ذكره الراوندي ره في الكتاب المذكور على ما سيجيء أيضا حيث قال المعنى أن للحسد تأثيرا قويا في النظر في إزالة النعمة عن المحسود أو التمني لذلك فإنه ربما يحمله حسده على قتل المحسود و إهلاك ماله و إبطال معاشه فكأنه سعى في غلبة المقدور لأن الله تعالى
قد قدر للمحسود الخير و النعمة و هو يسعى في إزالة ذلك عنه و قيل الحسد منصف لأنه يبدأ بصاحبه و قيل الحسود لا يسود و قيل الحسد يأكل الجسد و كاد يعطي أنه قرب الفعل و لم يكن و يفيد في الحديث شدة تأثير الفقر و الحسد و إن لم يكونا يغلبان القدر و يقال إن كاد إذا أوجب به الفعل دل على النفي و إذا نفي دل على الوقوع انتهى. و قريب منه ما قيل فيه مبالغة في تأثير الحسد في فساد النظام المقدر للعالم فإنه كثيرا ما يبعث صاحبه على قتل النفوس و نهب الأموال و سبي الأولاد و إزالة النعم حتى كأنه غير راض بقضاء الله و قدره و يطلب الغلبة عليهما و هو في حد الشرك بالله. الثاني ما قيل إن المعنى أن الحسد قد يغلب القدر بأن يزيد في المحسود ما قدر له من النعمة. الثالث أن يكون المراد غلبة القدر بتغيير نعمة الحاسد و زوال ما قدر له من الخير. الرابع أن يكون المراد كاد أن يغلب الحسد في الوزر و الإثم القول بالقدر مع شدة عذاب القدرية. الخامس أن يكون إشارة إلى تأثير العين فإن الباعث عليه الحسد كما فسر جماعة من المفسرين قوله تعالى وَ مِنْ شَرِّ حاسِدٍ إِذا حَسَدَ بإصابة العين
5- كا، ]الكافي[ علي بن إبراهيم عن محمد بن عيسى عن يونس عن معاوية بن وهب قال قال أبو عبد الله ع آفة الدين الحسد و العجب و الفخر
بيان الحسد و العجب من معاصي القلب و الفخر من معاصي اللسان و هو التفاخر بالآباء و الأجداد و الأنساب الشريفة و بالعلم و الزهد و العبادة و الأموال و المساكن و القبائل و أمثال ذلك فبعض تلك كذب و بعضها رئاء و بعضها عجب و بعضها تكبر و تعزز و تعظم و كل ذلك من ذمائم الأخلاق و من صفات الشيطان حيث تعزز بأصله فاستكبر عن طاعة ربه. قال الراغب الفخر المباهاة في الأشياء الخارجة عن الإنسان كالمال و الجاه و يقال له الفخر و رجل فاخر و فخور و فخير على التكثير قال تعالى إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتالٍ فَخُورٍ و قال في النهاية الفخر ادعاء العظم و الكبر و الشرف و في المصباح فخرت به فخرا من باب نفع و افتخرت مثله و الاسم الفخار بالفتح و هو المباهاة بالمكارم و المناقب من حسب و نسب و غير ذلك إما في المتكلم أو في آبائه
6- كا، ]الكافي[ عن يونس عن داود الرقي عن أبي عبد الله ع قال قال رسول الله ص قال الله عز و جل لموسى بن عمران يا ابن عمران لا تحسدن الناس على ما آتيتهم من فضلي و لا تمدن عينيك إلى ذلك و لا تتبعه نفسك فإن الحاسد ساخط لنعمي صاد لقسمي الذي قسمت بين عبادي و من يك كذلك فلست منه و ليس مني
بيان لا تحسدن الناس إشارة إلى قوله تعالى أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلى ما آتاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ و لا تمدن إشارة إلى قوله سبحانه وَ لا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلى ما مَتَّعْنا بِهِ أَزْواجاً مِنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَياةِ الدُّنْيا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَ رِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَ أَبْقى. قال البيضاوي أي لا تمدن نظر عينيك إلى ما متعنا به استحسانا له و تمنيا أن يكون لك مثله و قال الطبرسي رحمه الله أي لا ترفعن عينيك من هؤلاء الكفار إلى ما متعناهم و أنعمنا عليهم به أمثالا في النعم من الأولاد و الأموال و غير ذلك و قيل لا تنظرن إلى ما في أيديهم من النعم و قيل و لا تنظرن و لا يعظمن في عينيك و لا تمدهما إلى ما متعنا به أصنافا من المشركين نهى الله رسوله عن الرغبة في الدنيا فحظر عليه أن يمد عينيه إليها و كان ع لا ينظر إلى ما يستحسن من الدنيا
7- كا، ]الكافي[ عن علي عن أبيه عن القاسم بن محمد عن المنقري عن الفضيل بن عياض عن أبي عبد الله ع قال إن المؤمن يغبط و لا يحسد و المنافق يحسد و لا يغبط
بيان هو بحسب الظاهر إخبار بأن الحاسد منافق كما مر و بحسب المعنى أمر بطلب الغبطة و ترك الحسد و قد مر معناهما لا يقال المغتبط يتمنى فوق مرتبته و الأفضل من نعمته فهو ساخط بالنعمة غير راض بالقسمة كالحاسد و إلا فما الفرق لأنا نقول الفرق أن الحاسد غير راض بالقسمة حيث تمنى أن يكون قسمته و نصيبه للغير و نصيب الغير له فهو راد للقسمة قطعا و أما المغتبط فقد رضي أن يكون مثل نصيب الغير له و رضي أيضا بنصيبه إلا أنه لما جوز أن يكون له أيضا مثل نصيب ذلك الغير و كان ذلك ممكنا في نفسه و لم يعلم امتناعه بحسب التقدير الأزلي و لم يدل عدم حصوله على امتناعه لجواز أن يكون حصوله مشروطا بشرط كالتمني و الدعاء و نحوهما و هذا مثل من وجد درجة من الكمال يسأل الله تعالى و يطلب منه التوفيق لما فوقها
8- مع، ]معاني الأخبار[ لي، ]الأمالي للصدوق[ عن الصادق ع قال قال رسول الله ص أقل الناس لذة الحسود
-9 لي، ]الأمالي للصدوق[ عن الفامي عن محمد الحميري عن أبيه عن محمد بن عبد الجبار عن ابن أبي عمير عن هشام بن سالم عن الصادق ع قال كاد الفقر أن يكون كفرا و كاد الحسد أن يغلب القدر
ل، ]الخصال[ عن حمزة العلوي عن علي عن أبيه عن ابن المغيرة عن السكوني عن جعفر عن آبائه عن النبي ص مثله
أقول قد مضى بعض الأخبار في باب الحرص و بعضها في باب البخل و بعضها في باب أصول الكفر و بعضها في باب ما أعطى الله أمة نبينا ص
10- ل، ]الخصال[ عن ابن الوليد عن الصفار عن ابن أبي الخطاب عن النضر عن الجازي عن أبي عبد الله عن أبيه ع قال لا يؤمن رجل فيه الشح و الحسد و الجبن الخبر
11- ل، ]الخصال[ عن أبيه عن سعد عن الأصبهاني عن المنقري عن حماد عن أبي عبد الله ع قال قال لقمان لابنه للحاسد ثلاث علامات يغتاب إذا غاب و يتملق إذا شهد و يشمت بالمصيبة
أقول أثبتنا في باب وصايا النبي ص إلى علي بأسانيد كثيرة
أنه قال يا علي أنهاك عن ثلاث خصال عظام الحسد و الحرص و الكذب
-12 ل، ]الخصال[ فيما أوصى به الصادق ع لا راحة لحسود
أقول قد مضى في باب الكذب و غيره
عن الصادق ع ليست لبخيل راحة و لا لحسود لذة
13- ل، ]الخصال[ عن أمير المؤمنين ع قال إن الله عز و جل يعذب ستة بست العرب بالعصبية و الدهاقنة بالكبر و الأمراء بالجور و الفقهاء بالحسد و التجار بالخيانة و أهل الرستاق بالجهل
14- ل، ]الخصال[ عن أبيه عن أحمد بن إدريس عن الأشعري عن موسى بن جعفر البغدادي عن ابن معبد عن إبراهيم بن إسحاق عن ابن سنان عن أبي عبد الله ع قال كان رسول الله ص يتعوذ في كل يوم من ست من الشك و الشرك و الحمية و الغضب و البغي و الحسد
15- ل، ]الخصال[ عن الصادق ع لا يطمعن الحسود في راحة القلب
16- مع، ]معاني الأخبار[ ن، ]عيون أخبار الرضا عليه السلام[ عن ابن الوليد عن الحسن بن محمد بن إسماعيل العريشي عن ابن عيسى عن ابن فضال عن الرضا عن آبائه ع قال قال رسول الله ص دب إليكم داء الأمم قبلكم البغضاء و الحسد
17- ن، ]عيون أخبار الرضا عليه السلام[ عن محمد بن أحمد بن الحسين عن علي بن محمد بن عنبسة عن الرضا عن آبائه عن أمير المؤمنين صلوات الله عليهم قال قال رسول الله ص كاد الحسد أن يسبق القدر
18- مع، ]معاني الأخبار[ عن أبيه عن أحمد بن إدريس عن الأشعري عن ابن يزيد عن ابن أبي عمير رفعه في قول الله عز و جل وَ مِنْ شَرِّ حاسِدٍ إِذا حَسَدَ قال أ ما رأيته إذا فتح عينيه و هو ينظر إليك هو ذاك
19- مع، ]معاني الأخبار[ عن ابن الوليد عن الصفار عن ابن معروف عن سعدان بن مسلم عن أبي بصير عن أبي عبد الله ع أنه سئل عن الحسد فقال لحم و دم يدور في الناس حتى إذا انتهى إلينا يئس و هو الشيطان
20- جا، ]المجالس للمفيد[ ما، ]الأمالي للشيخ الطوسي[ عن المفيد عن أبي نصر محمد بن الحسين عن علي بن أحمد بن سيابة عن عمر بن عبد الجبار عن أبيه عن علي بن جعفر عن أخيه موسى عن آبائه ع قال قال رسول الله ص ذات يوم لأصحابه ألا إنه قد دب إليكم داء الأمم من قبلكم و هو الحسد ليس بحالق الشعر لكنه حالق الدين و ينجى منه أن يكف الإنسان يده و يخزن لسانه و لا يكون ذا غمز على أخيه المؤمن
21- ل، ]الخصال[ عن أبيه عن أحمد بن إدريس و محمد العطار معا عن الأشعري رفعه إلى أبي عبد الله ع قال ثلاث لم يعر منها نبي فمن دونه الطيرة و الحسد و التفكر في الوسوسة في الخلق
قال الصدوق رحمه الله معنى الطيرة في هذا الموضع هو أن يتطير منهم قومهم فأما هم ع فلا يتطيرون و ذلك كما قال الله عز و جل عن قوم صالح قالُوا اطَّيَّرْنا بِكَ وَ بِمَنْ مَعَكَ قالَ طائِرُكُمْ عِنْدَ اللَّهِ و كما قال آخرون لأنبيائهم إِنَّا تَطَيَّرْنا بِكُمْ لَئِنْ لَمْ تَنْتَهُوا لَنَرْجُمَنَّكُمْ الآية و أما الحسد في هذا الموضع هو أن يحسدوا لا أنهم يحسدون غيرهم و ذلك كما قال الله عز و جل أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلى ما آتاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ فَقَدْ آتَيْنا آلَ إِبْراهِيمَ الْكِتابَ وَ الْحِكْمَةَ وَ آتَيْناهُمْ مُلْكاً عَظِيماً و أما التفكر في الوسوسة في الخلق فهو بلواهم ع بأهل الوسوسة لا غير ذلك و ذلك كما حكى الله عنهم عن الوليد بن المغيرة المخزومي إِنَّهُ فَكَّرَ وَ قَدَّرَ فَقُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ يعني قال للقرآن إِنْ هذا إِلَّا سِحْرٌ يُؤْثَرُ إِنْ هذا إِلَّا قَوْلُ الْبَشَرِ
22- ب، ]قرب الإسناد[ عن هارون عن ابن زياد عن الصادق عن أبيه ع أن النبي ص قال لا تتحاسدوا فإن الحسد يأكل الإيمان كما تأكل النار الحطب اليابس
23- مص، ]مصباح الشريعة[ قال الصادق ع الحاسد مضر بنفسه قبل أن يضر بالمحسود كإبليس أورث بحسده لنفسه اللعنة و لآدم ع الاجتباء و الهدى و الرفع إلى محل حقائق العهد و الاصطفاء فكن محسودا و لا تكن حاسدا فإن ميزان الحاسد أبدا خفيف بثقل ميزان المحسود و الرزق مقسوم فما ذا ينفع حسد الحاسد فما يضر المحسود الحسد و الحسد أصله من عمى القلب و جحود فضل الله تعالى و هما جناحان للكفر و بالحسد وقع ابن آدم في حسرة الأبد و هلك مهلكا لا ينجو منه أبدا و لا توبة للحاسد لأنه مصر عليه معتقد به مطبوع فيه يبدو بلا معارض له و لا سبب و الطبع لا يتغير عن الأصل و إن عولج
24- شي، ]تفسير العياشي[ عن ابن أبي نجران قال سألت أبا عبد الله ع عن قول الله وَ لا تَتَمَنَّوْا ما فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلى بَعْضٍ قال لا يتمنى الرجل امرأة الرجل و لا ابنته و لكن يتمنى مثلهما
25- شي، ]تفسير العياشي[ عن ابن ظبيان قال قال أبو عبد الله ع بينما موسى بن عمران يناجي ربه و يكلمه إذ رأى رجلا تحت ظل عرش الله فقال يا رب من هذا الذي قد أظله عرشك فقال يا موسى هذا ممن لم يحسد النَّاسَ عَلى ما آتاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ
26- جع، ]جامع الأخبار[ قال النبي ص إياكم و الحسد فإن الحسد يأكل الحسنات كما تأكل النار الحطب
و قال ص إن لنعم الله أعداء قيل و ما أعداء نعم الله يا رسول الله قال الذين يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلى ما آتاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ
و قال ص عليكم بإنجاح الحوائج بكتمانها فإن كل ذي نعمة محسود
و قال أمير المؤمنين ع لابنه في وصيته إن من شر مفاضح المرء الحسد
و قال ع الحاسد مغتاظ على من لا ذنب له
27- ين، ]كتاب حسين بن سعيد و النوادر[ عن ابن أبي البلاد عن أبيه رفعه قال رأى موسى بن عمران رجلا تحت ظل العرش فقال يا رب من هذا الذي أدنيته حتى جعلته تحت ظل العرش فقال الله تعالى يا موسى هذا لم يكن يعق والديه و لا يحسد النَّاسَ عَلى ما آتاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ
28- نهج، ]نهج البلاغة[ قال ع العجب لغفلة الحساد عن سلامة الأجساد
و قال ع صحة الجسد من قلة الحسد
29- كنز الكراجكي، قال أمير المؤمنين ع ما رأيت ظالما أشبه بمظلوم من الحاسد نفس دائم و قلب هائم و حزن لازم
و قال ع الحاسد مغتاظ على من لا ذنب له إليه بخيل بما لا يملكه
و قال ع الحسد آفة الدين و حسب الحاسد ما يلقى
و قال ع لا مروة لكذوب و لا راحة لحسود
و قال ع يكفيك من الحاسد أنه يغتم في وقت سرورك
و قال ع الحسد لا يجلب إلا مضرة و غيظا يوهن قلبك و يمرض جسمك و شر ما استشعر قلب المرء الحسد
و قال ع الحسود سريع الوثبة بطيء العطفة
و قال ع الحسود مغموم و اللئيم مذموم
و قال ع لا غنى مع فجور و لا راحة لحسود و لا مودة لملوك
و قال لقمان لابنه إياك و الحسد فإنه يتبين فيك و لا يتبين فيمن تحسده
30- المجازات النبوية، قال ص الحسد يأكل الحسنات كما تأكل النار الحطب
بيان قال السيد رضي الله عنه في شرح هذا الخبر هذه استعارة و المراد أن الحسد مخرج لصاحبه إلى الإقدام على المعاصي و الارتكاس في المهاوي فيقع في الدماء الحرام و يحتطب في حمائل الآثام و يشرع في نقل النعم من أماكنها و إزعاجها عن مواطنها فيكون عقاب هذه المحظورات محبطا لحسناته و مسقطا لثواب طاعاته على المذهب الذي أشرنا إليه فيما تقدم فيصير الحسد الذي هو السبب في استحقاق العقاب و إحباط الثواب كأنه يأكل تلك الحسنات لأنه يذهبها و يفنيها و يسقط أعيانها و يعفيها. و إنما شبه ع في أكله الحسنات بالنار التي تأكل الحطب لأن الحسد يجري في قلب الإنسان مجرى النار لاهتياجه و اتقاده و إرماضه و إحراقه و من هناك قال بعضهم ما رأيت ظالما أشبه بمظلوم من الحاسد نفس يتضور و زفير يتردد و حزن يتجدد
31- الشهاب، قال رسول الله ص كاد الفقر أن يكون كفرا و كاد الحسد أن يغلب القدر
الضوء كاد و عسى كلاهما من أفعال المقاربة و كاد مشبه بعسى و عسى مشبه بلعل فلذلك لم يتصرف لأنه مشبه بحرف و الحرف لا يتصرف و كاد أشد مقاربة من عسى و إنما لم يأت من عسى الفعل المضارع لأن فيه معنى الطمع و الطمع لا يصح إلا في المستقبل فلو بني منه المضارع لصلح للحال و الاستقبال معا و الطمع لا يصح في الحال فلذلك اقتصر فيه على الماضي و عسى ترفع الاسم و تنصب الخبر إلا أن خبره لا يكون إلا فعلا مضارعا يدخله أن و كذلك كاد ترفع الاسم و تنصب الخبر و من شروط كاد أن لا يدخل على خبره أن كقولك كاد زيد و قال تعالى وَ إِنْ يَكادُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَيُزْلِقُونَكَ بِأَبْصارِهِمْ و كادُوا يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَداً و هذا إذا كان للحال و إن كان للاستقبال شبه بعسى فأدخل على خبره أن كما قال.
قد كاد من طول البلى أن يمصحا.
فهذا ما علقناه على شيخنا أبي الحسن النحوي رحمه الله و معنى الحديث و الله أعلم أنه إشارة إلى أن الفقير يسف إلى المآكل الدنيئة و المطاعم الوبيئة و إذا وجد أولاده يتضورون من الجوع و العرى و رأى نفسه لا يقدر على تقويم أودهم و إصلاح حالهم و التنفيس عنهم كان بالحري أن يسرق و يخون و يغصب و ينهب و يستحل أموال الناس و يقطع الطريق و يقتل المسلم أو يخدم بعض الظلمة فيأكل مما يغصبه و يظلمه و هذا كله من أفعال من لا يحاسب نفسه و لا يؤمن بيوم الحساب فهو قريب إلى أن يكون كافرا بحتا و في الأثر عجبت لمن له عيال و ليس له مال كيف لا يخرج على الناس بالسيف. و قوله ع كاد الحسد أن يغلب القدر المعنى أن للحسد تأثيرا قويا في النظر في إزالة النعمة عن المحسود أو التمني لذلك فإنه ربما يحمله حسده على قتل المحسود و إهلاك ماله و إبطال معاشه فكأنه سعى في غلبة المقدور لأن الله تعالى قد قدر للمحسود الخير و النعمة و هو يسعى في إزالة ذلك عنه و قيل الحسد منصف لأنه يبدأ بصاحبه و قيل الحسود لا يسود و قيل الحسد يأكل الجسد و قال الشاعر
اصبر على حسد الحسود فإن صبرك قاتلهالنار تأكل نفسها إن لم تجد ما تأكله.
و كاد تعطي أنه قرب الفعل و لم يكن و تفيد في الحديث شدة تأثير الفقر و الحسد و إن لم يكونا يغلبان القدر و يقال إن كاد إذا أوجب به الفعل دل على النفي و إذا نفى دل على الوقوع و قال شاعرهم
أ نحوي هذا الدهر ما هي لفظة جرت بلساني جرهم و ثمودإذا نفيت و الله أعلم أوجبت و إن أوجبت قامت مقام جحود.
و هذا كما قال عز و جل كادُوا يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَداً و المعنى أنهم لم يكونوا و قال تعالى وَ ما كادُوا يَفْعَلُونَ و قد ذبحوا. و هذه من أعجب القصص في الحسد و هي من أعاجيب الدنيا كان أيام موسى الهادي ببغداد رجل من أهل النعمة و كان له جار في دون حاله و كان يحسده و يسعى بكل مكروه يمكنه و لا يقدر عليه قال فلما طال عليه أمره و جعلت الأيام لا تزيده فيه إلا غيظا اشترى غلاما صغيرا فرباه و أحسن إليه فلما شب الغلام و اشتدت و قوي غضبه قال له مولاه يا بني إني أريدك لأمر من الأمور جسيم فليت شعري كيف لي أنت عند ذلك قال كيف يكون العبد لمولاه و المنعم عليه المحسن إليه و الله يا مولاي لو علمت أن رضاك في أن أتقحم النار لرميت بنفسي فيها و لو علمت أن رضاك في أن أغرق نفسي في لجة البحر لفعلت ذاك و عدد عليه أشياء فسر بذلك من قوله و ضمه إلى صدره و أكب عليه يترشفه و يقبله و قال أرجو أن تكون ممن يصلح لما أريد قال يا مولاي إن رأيت أن تمن على عبدك فتخبره بعزمك هذا ليعرفه و يضم عليه جوانحه قال لم يأن لذلك بعد و إذا كان ذلك فأنت موضع سري و مستودع أمانتي. فتركه سنة فدعاه فقال أي بني قد أردتك للأمر الذي كنت أرشحك له قال له يا مولاي مرني بما شئت فو الله لا تزيدني الأيام إلا طاعة لك قال إن جاري فلانا قد بلغ مني مبلغا أحب قتله قال فأنا أفتك به الساعة قال لا أريد هذا و أخاف ألا يمكنك و إن أمكنك أحالوا ذلك علي و لكني دبرت أن تقتلني أنت و تطرحني على سطحه فيؤخذ و يقتل بي. فقال له الغلام أ تطيب نفسك بنفسك و ما في ذلك تشف من عدوك و أيضا فهل تطيب نفسي بقتلك و أنت أبر من الوالد الحدب و الأم الرفيقة قال دع عنك هذا فإنما كنت أربيك لهذا فلا تنقض علي أمري فإنه لا راحة لي إلا في هذا قال الله الله في نفسك يا مولاي و أن تتلفها للأمر الذي لا يدرى أ يكون أم لا يكون فإن كان لم تر منه ما أملت و أنت ميت قال أراك لي عاصيا و ما أرضى حتى تفعل ما أهوى. قال أما إذا صح عزمك على ذلك فشأنك و ما هويت لأصير إليه بالكرة لا بالرضى فشكره على ذلك و عمد إلى سكين فشحذها و دفعها إليه و أشهد على نفسه أنه دبره و دفع إليه من صلب ماله ثلاثة آلاف درهم و قال إذا فعلت ذلك فخذ في أي بلاد الله شئت فعزم الغلام على طاعة المولى بعد التمنع و الالتواء. فلما كان في آخر ليلة من عمره قال له تأهب لما أمرتك به فإني موقظك في آخر الليل فلما كان في وجه السحر قام و أيقظ الغلام فقام مذعورا و أعطاه المدية فجاء حتى تسور حائط جاره برفق فاضطجع على سطحه فاستقبل القبلة ببدنه و قال للغلام ها و عجل فترك السكين على حلقه و فرى أوداجه و رجع إلى مضجعه و خلاه يتشحط في دمه. فلما أصبح أهله خفي عليهم خبره فلما كان في آخر النهار أصابوه على سطح جاره مقتولا فأخذ جاره و أحضروا وجوه المحلة لينظروا إلى الصورة و رفعوه و حبسوه و كتبوا بخبره إلى الهادي فأحضره فأنكر أن يكون له علم بذلك و كان الرجل من أهل الصلاح فأمر بحبسه و مضى الغلام إلى أصبهان. و كان هناك رجل من أولياء المحبوس و قرابته و كان يتولى العطاء للجند بأصفهان فرأى الغلام و كان عارفا به فسأله عن أمر مولاه و قد كان وقع الخبر إليه فأخبره الغلام حرفا حرفا فأشهد على مقالته جماعة و حمله إلى مدينة السلام و بلغ الخبر الهادي فأحضر الغلام فقص أمره كله عليه فتعجب الهادي من ذلك و أمر بإطلاق الرجل المحبوس و إطلاق الغلام أيضا. فائدة الحديث إعلام أن الفقر من أصعب الأشياء و مكابرته من أهول الأمور و أن الحسد أمره شديد و الحديث متضمن للنهي عنه
32- الشهاب، إن الحسد ليأكل الحسنات كما تأكل النار الحطب
الضوء الحسد تمني زوال نعمة غيرك يقول ص الحسد يفسد الحسنات و هي الأفعال الحسنة و يلطخها و يغيرها و يغطي عليها و يسوؤها و يجعلها بحيث لا يعتد بها كما تأكل النار الحطب حيث تجعله رمادا أو فحما و ذلك أن الحسود و لو حصلت منه الأفعال الصالحة لكانت مشينة لمكان الحسد ثم إن الحاسد يعارض ربه فيما يفعل لأن النعمة على المحسود من قبله و هو يتمنى زواله و كأنه يخطئ الله تعالى فيما أولاه تعالى و تقدس. و روي عن سفيان قال بلغني أن الله تعالى يقول الحاسد عدو نعمتي غير راض بقسمتي التي قسمت بين عبادي و قال منصور الفقيه
ألا قل لمن كان بي حاسدا أ تدري على من أسأت الأدبأسأت على الله في فعله إذا أنت لم ترض لي ما وهبجزاؤك منه الزيادات لي و أن لا تنال الذي تطلب.
و قيل الحاسد بارز ربه من ستة أوجه أبغض كل نعمة تظهر على غيره و سخط القسمة و ضاد قضاء الله و كابر مقدوره و خذل وليه و أعان عدوه و قيل الحاسد جاحد لأنه لم يرض بحكم الواحد و قيل في قوله تعالى إِنَّما حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَواحِشَ ما ظَهَرَ مِنْها وَ ما بَطَنَ يعني الحسد و قيل الحسد منصف لأنه يؤثر في الحاسد و لا يؤثر في المحسود. و قال
اصبر على حسد الحسود فإن صبرك قاتلهفالنار تأكل نفسها إن لم تجد ما تأكله.
و قال
إني لأرحم حاسدي لحر ما ضمنت صدورهم من الأسعارنظروا صنيع الله لي فعيونهم في جنة و قلوبهم في نار.
و قيل الحسود لا يسود و روي أن في السماء الخامسة ملكا يمر به عمل عبد له ضوء كضوء الشمس فيقول قف فأنا ملك الحسد أضرب به وجه صاحبه فإنه حاسد و يقال لا يوجد ظالم و هو مظلوم إلا الحاسد و أنشد
قل للحسود إذا تنفس حسرة يا ظالما و كأنه مظلوم.
و فائدة الحديث النهي عن الحسد و الأمر بتجنبه