الآيات آل عمران أَ فَمَنِ اتَّبَعَ رِضْوانَ اللَّهِ كَمَنْ باءَ بِسَخَطٍ مِنَ اللَّهِ وَ مَأْواهُ جَهَنَّمُ وَ بِئْسَ الْمَصِيرُ النساء وَ مَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَ رَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها وَ ذلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ وَ مَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَ رَسُولَهُ وَ يَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ ناراً خالِداً فِيها وَ لَهُ عَذابٌ مُهِينٌ و قال وَ مَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَ الرَّسُولَ فَأُولئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَ الصِّدِّيقِينَ وَ الشُّهَداءِ وَ الصَّالِحِينَ وَ حَسُنَ أُولئِكَ رَفِيقاً ذلِكَ الْفَضْلُ مِنَ اللَّهِ وَ كَفى بِاللَّهِ عَلِيماً الحجر وَ اعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ النحل وَ لَقَدْ بَعَثْنا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَ اجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ فَمِنْهُمْ مَنْ هَدَى اللَّهُ وَ مِنْهُمْ مَنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلالَةُ فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ الأنبياء وَ أَوْحَيْنا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْراتِ وَ إِقامَ الصَّلاةِ وَ إِيتاءَ الزَّكاةِ وَ كانُوا لَنا عابِدِينَ الحج يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَ اسْجُدُوا وَ اعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَ افْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ
1- كا، ]الكافي[ عن العدة عن سهل و علي عن أبيه جميعا عن ابن محبوب عن أبي حمزة الثمالي قال قال علي بن الحسين ع من عمل بما افترض الله عليه فهو من خير الناس
بيان فهو من خير الناس ليس من في بعض النسخ فالخيرية إضافية بالنسبة إلى من يأتي بالمستحبات و يترك بعض الفرائض
2- كا، ]الكافي[ عن علي عن أبيه عن حماد بن عيسى عن الحسين بن المختار عن عبد الله بن أبي يعفور عن أبي عبد الله ع في قول الله عز و جل اصْبِرُوا وَ صابِرُوا وَ رابِطُوا قال اصبروا على الفرائض
3- كا، ]الكافي[ عن العدة عن سهل عن ابن أبي نجران عن حماد بن عيسى عن أبي السفاتج عن أبي عبد الله ع في قول الله عز و جل اصْبِرُوا وَ صابِرُوا وَ رابِطُوا قال اصبروا على الفرائض و صابروا على المصائب و رابطوا على الأئمة ع
و في رواية ابن محبوب عن أبي السفاتج و زاد فيه و اتقوا الله ربكم فيما افترض عليكم
بيان اصْبِرُوا قال الطبرسي ره اختلف في معناها على وجوه أحدها أن المعنى اصبروا على دينكم أي اثبتوا عليه وَ صابِرُوا الكفار و رابطوهم في سبيل الله فالمعنى اصْبِرُوا على طاعة الله سبحانه و عن معاصيه و قاتلوا العدو وَ صابِرُوا على قتالهم في الحق كما يصبرون على قتالكم في الباطل لأن الرباط هو المرابطة فيكون بين اثنين يعني أعدوا لهم من الخيل ما يعدونه لكم. و ثانيها أن المراد اصبروا على دينكم و صابروا وعدي إياكم و رابطوا عدوي و عدوكم. و ثالثها أن المراد اصبروا على الجهاد و قيل إن معنى رابطوا رابطوا الصلوات و معناه انتظروها واحدة بعد واحدة لأن المرابطة لم تكن حينئذ
روي ذلك عن علي ع و روي عن النبي ص أنه سئل عن أفضل الأعمال فقال إسباغ الوضوء في السبرات و نقل الأقدام إلى الجماعات و انتظار الصلاة بعد الصلاة فذلكم الرباط
و روي عن أبي جعفر ع أنه قال معناه اصْبِرُوا على المصائب وَ صابِرُوا على عدوكم وَ رابِطُوا عدوكم
و هو قريب من الأول انتهى. على الفرائض يحتمل شمولها لترك المحرمات أيضا و صابروا على المصائب لعل صيغة المفاعلة على هذا الوجه للمبالغة لأن ما يكون بين الاثنين يكون الاهتمام فيه أشد أو لأن فيه معارضة النفس و الشيطان و كذا قوله رابِطُوا يحتمل الوجهين لأن المراد به ربط النفس على طاعتهم و انقيادهم و انتظار فرجهم مع أن في ذلك معارضة لعدوهم فيما افترض عليكم من فعل الواجبات و ترك المحرمات
4- كا، ]الكافي[ عن علي عن أبيه عن النوفلي عن السكوني عن أبي عبد الله ع قال قال رسول الله ص اعمل بفرائض الله تكن أتقى الناس
5- كا، ]الكافي[ عن العدة عن أحمد بن محمد عن ابن فضال عن أبي جميلة عن محمد الحلبي عن أبي عبد الله ع قال قال الله تبارك و تعالى ما تحبب إلي عبدي بأحب مما افترضت عليه
بيان التحبب جلب المحبة أو إظهارها و الأول أنسب و لو لم تكن الفرائض أحب إليه تعالى لما افترضه
6- كا، ]الكافي[ عن علي عن أبيه عن ابن أبي عمير عن هشام بن سالم عن سليمان بن خالد قال سألت أبا عبد الله ع عن قول الله عز و جل وَ قَدِمْنا إِلى ما عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْناهُ هَباءً مَنْثُوراً قال أما و الله إن كانت أعمالهم أشد بياضا من القباطي و لكن كانوا إذا عرض لهم حرام لم يدعوه
تبيين وَ قَدِمْنا أي عمدنا و قصدنا إِلى ما عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ كقرى الضيف و صلة الرحم و إغاثة الملهوف و غيرها فَجَعَلْناهُ هَباءً مَنْثُوراً فلم يبق له أثر و الهباء غبار يرى في شعاع الشمس الطالع من الكوة من الهبوة و هو الغبار و القباطي بالفتح جمع القبطية بالكسر ثياب بيض دقاق من كتان تتخذ بمصر و قد يضم لأنهم يغيرون في النسبة. و في المصباح القبطي بالضم ثوب من كتان رقيق يعمل بمصر نسبة إلى القبط على غير قياس فرقا بين الإنسان و الثوب و ثياب قبطية أيضا بالضم و الجمع قباطي انتهى. و فيه دلالة على حبط الطاعات بالفسوق و خصه بعض المفسرين بالكفر و لا كلام فيه و لنذكر هنا مجملا من معاني الحبط و التكفير و الاختلافات الواردة فيه. اعلم أن الإحباط في عرف المتكلمين عبارة عن إبطال الحسنة بعدم ترتب ما يتوقع منها عليها و يقابله التكفير و هو إسقاط السيئة بعدم جريان مقتضاها عليها فهو في المعصية نقيض الإحباط في الطاعة و الحبط و التكفير و إطلاقهما بهذين اللفظين ربما يساوقهما كثير من الآيات و الأخبار و قد اشتهر بين المتكلمين أن الوعيدية من المعتزلة و غيرهم يقولون بالإحباط و التكفير دون من سواهم من الأشاعرة و غيرهم و هذا على إطلاقه غير صحيح فإن أصل الإحباط و التكفير مما لا يمكن إنكاره لأحد من المسلمين كما ظهر مما تلونا عليك فلا بد أن يحرر مقصود كل طائفة ليتبين ما هو الحق فنقول لا خلاف بين من يعتد به من أهل الإسلام في أن كل مؤمن صالح يدخل الجنة خالدا فيها حقيقة و كل كافر يدخل النار خالدا فيها كذلك و أما المؤمن الذي خلط عملا صالحا بعمل غير صالح فاختلفوا فيه فذهب بعض المرجئة إلى أن الإيمان يحبط الزلات فلا عقاب على زلة مع الإيمان كما لا ثواب لطاعة مع الكفر و ذهب الآخرون إلى ثبوت الثواب و العقاب في حقه. أما المعتزلة فبعنوان الاستحقاق المعلوم عقلا باعتبار الحسن و القبح العقليين و شرعا باعتبار الآيات الدالة عليه من الوعد و الوعيد. و أما الأشاعرة فبعنوان الانتفاء يقولون إنه لا يجب على الله شيء فلا يستحق المكلف ثوابا منه تعالى فإن أثابه فبفضله و إن عاقبه فبعدله بل له إثابة العاصي و عقاب المطيع أيضا. و بالجملة قول المعتزلة في المؤمن الخارج من الدنيا بغير توبة عن كبيرة ارتكبها أنه استحق الخلود في النار لكن يكون عقابه أخف من عقاب الكفار أما مطلق الاستحقاق فلما عرفت و أما خصوص الخلود فللعمومات المتأولة عند غيرهم بتخصيصها بالكفار أو بحمل الخلود على المكث الطويل كقوله تعالى مَنْ يُحادِدِ اللَّهَ وَ رَسُولَهُ فَأَنَّ لَهُ نارَ جَهَنَّمَ خالِداً فِيها و قوله وَ مَنْ... يَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ ناراً خالِداً فِيها فلهذا حكموا بأن كبيرة واحدة تحبط جميع الطاعات فإن الخلود الموعود مستلزم لذلك هذا قول جمهورهم في أصل الإحباط. ثم إن الجبائيين أبا علي و ابنه أبا هاشم منهم على ما نقل عنهما الآمدي ذهبا إلى اشتراط الكثرة في المحبط بمعنى أن من زادت معاصيه على طاعته أحبطت معاصيه طاعاته و بالعكس لكنهما اختلفا فقال أبو علي ينحبط الناقص برمته من غير أن ينتقص من الزائد شيء و قال أبو هاشم بل ينتقص من الزائد أيضا بقدره و يبقى الباقي. إذا عرفت هذا فاعلم أن ما ذكره أكثر أصحابنا من نفي الإحباط و التكفير مع ورود الآيات الكثيرة و الأخبار المستفيضة بل المتواترة بالمعنى في كل منهما مما يقضي منه العجب مع أنه ليس لهم على ذلك إلا شبه ضعيفة مذكورة
في كتب الكلام كالتجريد و غيره لكن بعد التأمل و التحقيق يظهر أن الذي ينفونه منهما لا ينافي ظواهر الآيات و الأخبار كثيرا بل يرجع إلى مناقشة لفظية. لأنهم قائلون بأن التوبة ترفع العقاب و أن الموت على الكفر تبطل ثواب جميع الأعمال لكن الأكثر يقولون ليس هذا بالإحباط بل باشتراط الموافاة على الإيمان في استحقاق الثواب على القول بالاستحقاق و في الوعد بالثواب على القول بعدم الاستحقاق و كذا يمكنهم القول بأحد الأمرين في المعاصي التي وردت أنها حابطة لبعض الحسنات من غير قول بالحبط بأن يكون الاستحقاق أو الوعد مشروطا بعدم صدور تلك المعصية. و أما التوبة و الأعمال المكفرة فلا حاجة إلى ارتكاب أمثال ذلك فيها إذ في تجويز التفضل و العفو كما هو مذهبنا غنى عنها و أيضا لا نقول بإذهاب كل معصية كل طاعة و بالعكس كما ذهب إليه المعتزلة بل نتبع في ذلك النصوص الواردة في ذلك فكل معصية وردت في الكتاب أو في الآثار الصحيحة أنها ذاهبة أو منقصة لثواب جميع الحسنات أو بعضها نقول به و بالعكس تابعين للنص في جميع ذلك. و من أصحابنا من لم يقل بالموافاة و لا بالإحباط بل يقول كل من الإيمان و الكفر يتحقق بتحقق شروطه المقارنة و ليس شيء من استحقاق الثواب و العقاب مشروطا بشرط متأخر بل إن تحقق الإيمان تحقق استحقاق الثواب و إن تحقق الكفر تحقق معه استحقاق العقاب فإن كفر بعد الإيمان كان كفره اللاحق كاشفا عن أنه لم يكن مؤمنا سابقا و لم يكن مستحقا للثواب عليه و إطلاق المؤمن عليه بمحض اللفظ و بحسب الظاهر و إن آمن أخذ بعد الكفر زال كفره الأصلي بالإيمان اللاحق و سقط استحقاقه العقاب لعفو الله تعالى لا بالإحباط و لا لعدم الموافاة كما يقول الآخرون. و تفصيل هذا المطلب و تنقيحه يحتاج إلى إيراد مقاصد الأول أن النافين للحسن و القبح لا يثبتون استحقاق شيء من الثواب و العقاب بشيء من الأعمال بل
المالك للعباد عندهم قادر على الثواب و العقاب و مالك للتصرف فيهم كيف شاء و ليس من شأن فعله في خلقه استحقاق الذم بل و لا المدح و كلاهما اصطلاح و مواضعة من الشارع و أما المثبتون لهما فلا كلام عندهم في استحقاق العقاب نعم ربما قيل بعدم استقلال العقل فيه ضرورة أو نظرا و أما الثواب فعند بعضهم مما يستحقه العبد بطاعته و إليه يذهب جماعة من أصحابنا و يحتجون لذلك بأن إلزام المشقة بدون التزام نفع في مقابله قبيح و ربما يوجه عليه أن التزام النفع في مقابله إنما يلزم لو لم تسبق النعم عليه بما يحسن إلزام المشقة بإزائها و الفرق بين النفع المستقبل و النعمة الماضية تحكم و ربما كفى في إلزام المشقة حسن العمل الشاق و لم يحتج في حسن الإلزام إلى أزيد منه و لهذا ذهب بعض أصحابنا و غيرهم إلى أن الثواب تفضل و وعد منه تعالى بدون استحقاق للعبد و هو الظاهر من كلام أكثر أصحابنا رضوان الله عليهم و يدل عليه كثير من الأخبار و الأدعية. الثاني أن الثواب و العقاب هل يجب دوامهما أم لا فذهب المعتزلة إلى الأول و طريقه العقل عندهم و الصحيح عند أصحابنا أنه لا يجب عقلا. و أما شرعا فالثواب دائم و كذا عقاب الكفر إجماعا من المسلمين إلا ما نقل من شذاذ من المتصوفين الذين لا يعدون من المسلمين. و أما عقاب المعاصي فمنقطع و يكفي هنا عدم وجدان طريق عقلي إلى دوامهما و في عبارة التجريد في هذا المطلب تناقض يحتاج إلى تكلف تام في دفعه. الثالث أن الإحباط بالمعنى الذي ذكرناه من إفناء كل من الاستحقاقين للآخر أو المتأخر للمتقدم باطل عند أصحابنا و مذهب أبي علي و هو بقاء المتأخر و فناء المتقدم مناف للنصوص الكثيرة المتضمنة لعدم تضييع العمل و أما مذهب أبي هاشم فلا ينافي ظواهر النصوص لأنه إذا أفنى المتقدم المتأخر أيضا فليس بضائع و لا مما لم يره العامل لكن الظاهر أن ما ذهب إليه من إبطاله له من جهة المنافاة بينهما فليس بصحيح إذ لا منافاة عقلا بين الثواب و العقاب و استحقاقهما بل يكاد العقل يجزم بعدم مساواة من أعقب كثيرا من الطاعة بقليل من المعصية مع من اكتفى بالفضل بينهما حسب و عدم مساواة من أعقب أحدهما بما يساوي الآخر مع من لم يفعل شيئا. ثم إنه يمكن أن يسقط العقاب المتقدم عند الطاعة المتأخرة على سبيل العفو و هو إسقاط الله تعالى ما يستحقه على العبد من العقوبة و هو الظاهر من مذاهب أصحابنا رضي الله عنهم و أما الثواب فلا يتصور فيه ذلك و يمكن أن يكون الوعد بالثواب على الطاعة المتقدمة أو استحقاقه مشروطا بعدم معاقبة المعصية لها كما يشترط ثواب الإيمان و الطاعات بالموافاة على الإيمان بأن يموت مؤمنا عند كثير من أصحابنا. لكن ذلك الاشتراط ليس بعام لجميع المعاصي بل مخصوص بمقتضى النصوص ببعضها و ليس كل ما ورد بطلان الطاعة بسببه مما يقطع باشتراط الثواب به لأن كلا منها أخبار آحاد لا تفيد القطع نعم ربما حصل القطع بأن شيئا من تلك المعاصي يشترط استمرار انتفائه لاستحقاق الثواب أو هو شرط في الوعد به و الفرق بين هذا و بين الإحباط ظاهر من وجوه. الأول أن إبطال الثواب في الإحباط من حيث التضاد عقلا بين الاستحقاقين و هاهنا من جهة اشتراطه شرعا بنفي المعصية. الثاني أن المنافاة هناك بين الاستحقاقين فلو لم يحصل استحقاق العقاب لانتفاء شرطه لم يحصل الإحباط و هاهنا بنفس المعصية ينتفي الثواب أو استحقاقه إن ثبت و كان مستمرا و إن توقف أصل الاستحقاق على استمرار النفي لم يحصل أصلا و إنما يحصل في موضع الحصول بالموت. و لا يختلف الحال باستحقاق العقاب على تلك المعصية لاستجماع شرائطه و عدمه لفقد شيء منه كمنع الله تعالى لطفا معلوما عن المكلف و كما لو أعلم الله تعالى المكلف أنه يغفر له و يعفو عن جميع معاصيه فكان مغريا له بالقبيح و كما لو لم يقع فعل القبيح و لا الإخلال بالواجب عن المكلف على سبيل إيثاره على فعل الواجب
و الامتناع من القبيح بل وقع لا على وجه الإيثار فإن العاصي في جميع هذه الصور يستحق ذما و لا يستحق عقابا عند أبي هاشم و من يحذو حذوه و على تقدير الاشتراط باستمرار انتفاء المعصية ينتفي استحقاق الثواب و على تقدير الإحباط لا ينتفي. الثالث أن التوبة على مذهب الإحباط يمنع من الإحباط و على ما ذكرنا لا يمنع من الإحباط نعم لو كان الشرط استمرار انتفاء المعصية أو الموافاة بالتوبة من المعصية دون استمرار انتفائها فقط منع من الإحباط كمذهب القائلين به. الرابع أن هذا يجري في مذهب النافين للاستحقاق دون الإحباط و هذا الذي ذكرناه و إن لم يكن مذهبا صريحا لأصحابنا إلا أن من يذهب إلى الموافاة لا بد له من تجويزه و به يجمع بين نفي الإحباط كما تقتضيه الأدلة بزعمهم و بين الآيات و كثير من الروايات الدالة على أن بعضا من المعاصي يبطل الأعمال السابقة و يمكن القول بمثل هذا في المعاصي بأن يكون استحقاق العقاب عليها أو استمراره مشروطا بعدم بعض الطاعات في المستقبل فيأول ما يتضمن شبه هذا المعنى من الروايات به لكن عدم استحقاق العقاب بتعمد معصية الله تعالى و توقفه على أمر منتظر بعيد و كذلك انقطاع استمراره و في العفو مندوحة عنه و الكلام فيه كالكلام في التوبة و هو ظاهر النصوص و في كلام الشارح العلامة قدس سره في شرح التجريد عند قول المصنف ره و هو مشروط بالموافاة إلخ ما يدل على أن في المعتزلة من يقول باشتراط الطاعات بالمعاصي المتأخرة و بالعكس و ظاهره أنه حمل كلام المصنف على هذا المعنى فيكون قائلا بالموافاة في الطاعات باشتراطه بانتفاء الذنب في المستقبل و في المعاصي باشتراطه بعدم الطاعة الصالحة للتكفير في المستقبل إلا أني لم أقف على قائل به من أصحابنا صريحا و كلام التجريد ليس بصريح إلا في الموافاة بالإيمان. الرابع أن العفو مطلقا سواء كانت المعصية مما تاب المكلف منها أو لا و سواء كانت صغيرة مكفرة أو كبيرة غير واقع بالسمع عند جميع المعتزلة و ذهب بعضهم و هم البغداديون منهم إلى أنه قبيح عقلا و السمع أكده و البصريون إلى جوازه عقلا و إنما المانع منه السمع فمزيل العقاب عندهم منحصر في أمرين أحدهما التوبة و الثاني التكفير بالثواب و ذلك عند من قال بأن التوبة إنما تسقط العقاب لكونه ندما على المعصية و أما عند من قال إنه يسقط لكثرة الثواب فالمزيل منحصر في أمر واحد هو الإحباط فتوهم غير هذا باطل و دعوى الاتفاق على العفو من الصغائر عند اجتناب الكبائر و من الذنوب مطلقا عند التوبة كما وقع من الشارح الجديد للتجريد مضمحل عند التحقيق كما ذكره بعض الأفاضل. قال صاحب الكشاف في تفسير قوله تعالى إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبائِرَ ما تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئاتِكُمْ نمط ما تستحقونه من العقاب في كل وقت على صغائركم و نجعلها كأن لم تكن لزيادة الثواب المستحق على اجتنابكم الكبائر و صبركم عنها على عقاب السيئات و أما إسقاط التوبة للعقاب ففيه ثلاث مذاهب. الأول أنها تسقطه على سبيل الوجوب عند اجتماع شرائطها لكونها ندما على المعصية كما أن الندم على الطاعة يحبطها لكونه ندما عليها مع قطع النظر عن استتباعها الثواب و العقاب. الثاني أنها تسقطه على سبيل الوجوب لا لكونها ندما عليها بل لاستتباعها ثوابا كثيرا. الثالث أنها لا تسقطه و إنما يسقط العقاب عندها لأنها على سبيل العفو دون الاستحقاق و هذه المذاهب مشهورة مسطورة في كتب الكلام. و أقول بهذا التفصيل الذي ذكر ارتفع التشنيع و اللوم عن محققي أصحابنا رضوان الله عليهم بمخالفتهم للآيات المتضافرة و الروايات المتواترة و أن الإحباط و التكفير بالمعنى الذي هو المتنازع فيه بين أصحابنا و بين المعتزلة نفيهما لا ينافي شيئا من ذلك. و إنما أطنبنا الكلام في هذا المقام لأنه من مهمات المسائل الكلامية و من تعرض لتحقيقه لم يستوف حقه و الله الموفق
-7 كا، ]الكافي[ عن علي عن أبيه عن حماد بن عيسى عن إبراهيم بن عمر اليماني عن أبي جعفر ع قال كل عين باكية يوم القيامة غير ثلاث عين سهرت في سبيل الله و عين فاضت من خشية الله و عين غضت من محارم الله
بيان في سبيل الله أي في الجهاد أو الأعم منه و من السفر إلى الحج و الزيارات أو الأعم منها و من السهر للعبادة و مطالعة العلوم الدينية و هذا أظهر و إسناد الفيض إلى العين مجاز يقال فاض الماء و الدمع يفيض فيضا كثر حتى سال و غضت على بناء المفعول يقال غض طرفه أي كسره و أطرق لم يفتح عينه
8- كا، ]الكافي[ عن علي عن محمد بن عيسى عن يونس عمن ذكره عن أبي عبد الله ع قال فيما ناجى الله عز و جل به موسى ع يا موسى ما تقرب إلي المتقربون بمثل الورع عن محارمي فإني أبيحهم جنات عدن لا أشرك معهم أحدا
بيان جنات عدن قال الراغب أي استقرار و ثبات و عدن بمكان كذا استقر و منه المعدن لمستقر الجواهر
9- كا، ]الكافي[ عن علي عن أبيه عن ابن أبي عمير عن هشام بن سالم عن أبي عبيدة عن أبي عبد الله ع قال من أشد ما فرض الله على خلقه ذكر الله كثيرا ثم قال لا أعني سبحان الله و الحمد لله و لا إله إلا الله و الله أكبر و إن كان منه و لكن ذكر الله عند ما أحل و حرم فإن كان طاعة عمل بها و إن كان معصية تركها
توضيح ما فرض الله أي قرره أعم من الواجب و الندب و يحتمل الوجوب و إن كان أي هذا الذكر اللساني منه أي من مطلق الذكر الشديد الذكر عند الطاعة و المعصية و الذكر اللساني هين بالنسبة إليه و الحاصل أن الله سبحانه أمر بالذكر و مدحه في مواضع كثيرة من الذكر الحكيم لقوله سبحانه اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْراً كَثِيراً و قوله وَ اذْكُرْ رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعاً وَ خِيفَةً وَ دُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ بِالْغُدُوِّ وَ الْآصالِ و قوله تعالى الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِياماً وَ قُعُوداً وَ عَلى جُنُوبِهِمْ. و أصل الذكر التذكر بالقلب و منه اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ أي تذكروا ثم يطلق على الذكر اللساني حقيقة أو من باب تسمية الدال باسم المدلول ثم كثر استعماله فيه لظهوره حتى صار هو السابق إلى الفهم فنص ع على إرادة الأول دون الثاني فقط دفعا لتوهم تخصيصه بالثاني و إشارة إلى أكمل أفراده. و قال بعضهم ذكر اللسان مع خلو القلب عنه لا يخلو من فائدة لأنه يمنعه من التكلم باللغو و يجعل لسانه معتادا بالخير و قد يلقي الشيطان إليه أن حركة اللسان بدون توجه القلب عبث ينبغي تركه فاللائق بحال الذاكر حينئذ أن يحضر قلبه رغما للشيطان و لو لم يحضره فاللائق به أن لا يترك ذكر اللسان رغما لأنفه أيضا و أن يجيبه بأن اللسان آلة للذكر كالقلب و لا يترك أحدهما بترك الآخر فإن لكل عضو عبادة. ثم اعلم أن الذكر القلبي من أعظم بواعث المحبة و المحبة أرفع منازل المقربين رزقنا الله إياها و سائر المؤمنين
10- كا، ]الكافي[ عن علي عن أبيه عن النوفلي عن السكوني عن أبي عبد الله ع قال قال رسول الله ص من ترك معصية الله مخافة الله تبارك و تعالى أرضاه الله يوم القيامة
بيان يمكن تعميم المعصية ليشمل ترك الطاعة أيضا و عدم ما يرضيه به لتفخيمه إيماء إلى أن عقل البشر لا يصل إلى كنه حقيقته كما قال سبحانه وَ رِضْوانٌ مِنَ اللَّهِ أَكْبَرُ. أقول قد أثبتنا بعض الأخبار في باب الاستعداد للموت
11- ن، ]عيون أخبار الرضا عليه السلام[ بالأسانيد الثلاثة عن الرضا عن آبائه ع قال قال رسول الله ص لا تزال أمتي بخير ما تحابوا و تهادوا و أدوا الأمانة و اجتنبوا الحرام و قروا الضيف و أقاموا الصلاة و آتوا الزكاة فإذا لم يفعلوا ذلك ابتلوا بالقحط و السنين
12- ما، ]الأمالي للشيخ الطوسي[ المفيد عن المظفر بن محمد بن البلخي عن محمد بن همام عن حميد بن زياد عن إبراهيم بن عبيد بن حنان عن الربيع بن سلمان عن السكوني عن الصادق عن آبائه ع قال قال رسول الله ص اعمل بفرائض الله تكن من أتقى الناس و ارض بقسم الله تكن من أغنى الناس و كف عن محارم الله تكن أورع الناس و أحسن مجاورة من يجاورك تكن مؤمنا و أحسن مصاحبة من صاحبك تكن مسلما
لي، ]الأمالي للصدوق[ أبي عن علي عن أبيه عن عبد الله بن المغيرة عن السكوني مثله
13- لي، ]الأمالي للصدوق[ قال رسول الله ص أعبد الناس من أقام الفرائض و أشد الناس اجتهادا من ترك الذنوب
14- ل، ]الخصال[ ماجيلويه عن عمه عن البرقي عن ابن معروف عن أبي شعيب يرفعه إلى أبي عبد الله ع قال أورع الناس من وقف عند الشبهة أعبد الناس من أقام الفرائض أزهد الناس من ترك الحرام أشد الناس اجتهادا من ترك الذنوب
أقول قد مضى بعض الأخبار في باب اليقين
15- ع، ]علل الشرائع[ علي بن حاتم عن أحمد بن علي العبدي عن الحسن بن إبراهيم الهاشمي عن إسحاق بن إبراهيم الديري عن عبد الرزاق بن همام عن معمر عن قتادة عن أنس قال قال رسول الله ص قال حبيبي جبرئيل إن مثل هذا الدين كمثل شجرة ثابتة الإيمان أصلها و الصلاة عروقها و الزكاة ماؤها و الصوم سعفها و حسن الخلق ورقها و الكف عن المحارم ثمرها فلا تكمل شجرة إلا بالثمر كذلك الإيمان لا يكمل إلا بالكف عن المحارم
16- ثو، ]ثواب الأعمال[ ابن موسى عن الأسدي عن النخعي عن النوفلي عن محمد بن سنان عن المفضل قال قلت لأبي عبد الله ع روي عن المغيرة أنه قال إذا عرف الرجل ربه ليس عليه وراء ذلك شيء قال ما له لعنه الله أ ليس كلما ازداد بالله معرفة فهو أطوع له أ فيطيع الله عز و جل من لا يعرفه إن الله عز و جل أمر محمدا ص بأمر و أمر محمد ص المؤمنين بأمر فهم عاملون به إلى أن يجيء نهيه و الأمر و النهي عند المؤمن سواء قال ثم قال لا ينظر الله عز و جل إلى عبد و لا يزكيه إذا ترك فريضة من فرائض الله أو ارتكب كبيرة من الكبائر قال قلت لا ينظر الله إليه قال نعم قد أشرك بالله قال قلت أشرك قال نعم إن الله جل و عز أمره بأمر و أمره إبليس بأمر فترك ما أمر الله عز و جل به و صار إلى ما أمر إبليس فهذا مع إبليس في الدرك السابع من النار
-17 ختص، ]الإختصاص[ قال الصادق ع حدثني أبي عن أبيه ع أن رجلا من أهل الكوفة كتب إلى أبي الحسين بن علي ع يا سيدي أخبرني بخير الدنيا و الآخرة فكتب صلوات الله عليه بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ أما بعد فإن من طلب رضا الله بسخط الناس كفاه الله أمور الناس و من طلب رضا الناس بسخط الله وكله الله إلى الناس و السلام
18- ين، ]كتاب حسين بن سعيد و النوادر[ عثمان بن عيسى عن سماعة قال سمعت أبا عبد الله ع يقول اصبر و ما لم يأت منها فلست تعرفه فاصبر على تلك الساعة التي أنت فيها و كأنك قد أعطيت
19- نوادر الراوندي، بإسناده عن موسى بن جعفر عن آبائه ع قال قال رسول الله ص ما من شيء أحب إلى الله تعالى من الإيمان به و العمل الصالح و ترك ما أمر به أن يتركه
20- نهج، ]نهج البلاغة[ قال ع لا عبادة كأداء الفرائض