1- ف، ]تحف العقول[ وصيته ع لعبد الله بن جندب روي أنه ع قال يا عبد الله لقد نصب إبليس حبائله في دار الغرور فما يقصد فيها إلا أولياءنا و لقد جلت الآخرة في أعينهم حتى ما يريدون بها بدلا ثم قال آه آه على قلوب حشيت نورا و إنما كانت الدنيا عندهم بمنزلة الشجاع الأرقم و العدو الأعجم أنسوا بالله و استوحشوا مما به استأنس المترفون أولئك أوليائي حقا و بهم تكشف كل فتنة و ترفع كل بلية يا ابن جندب حق على كل مسلم يعرفنا أن يعرض عمله في كل يوم و ليلة على نفسه فيكون محاسب نفسه فإن رأى حسنة استزاد منها و إن رأى سيئة استغفر منها لئلا يخزى يوم القيامة طوبى لعبد لم يغبط الخاطئين على ما أوتوا من نعيم الدنيا و زهرتها طوبى لعبد طلب الآخرة و سعى لها طوبى لمن لم تلهه الأماني الكاذبة ثم قال ع رحم الله قوما كانوا سراجا و منارا كانوا دعاة إلينا بأعمالهم و مجهود طاقتهم ليسوا كمن يذيع أسرارنا يا ابن جندب إنما المؤمنون الذين يخافون الله و يشفقون أن يسلبوا ما أعطوا من الهدى فإذا ذكروا الله و نعماءه وجلوا و أشفقوا وَ إِذا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آياتُهُ زادَتْهُمْ إِيماناً مما أظهره من نفاذ قدرته وَ عَلى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ يا ابن جندب قديما عمر الجهل و قوي أساسه و ذلك لاتخاذهم دين الله لعبا حتى لقد كان المتقرب منهم إلى الله بعمله يريد سواه أُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ يا ابن جندب لو أن شيعتنا استقاموا لصافحتهم الملائكة و لأظلهم الغمام و لأشرقوا نهارا و لَأَكَلُوا مِنْ فَوْقِهِمْ وَ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ و لما سألوا الله شيئا إلا أعطاهم يا ابن جندب لا تقل في المذنبين من أهل دعوتكم إلا خيرا و استكينوا إلى الله في توفيقهم و سلوا التوبة لهم فكل من قصدنا و تولانا و لم يوال عدونا و قال ما يعلم و سكت عما لا يعلم أو أشكل عليه فهو في الجنة يا ابن جندب يهلك المتكل على عمله و لا ينجو المجترئ على الذنوب الواثق برحمة الله قلت فمن ينجو قال الذين هم بين الرجاء و الخوف كان قلوبهم في مخلب طائر شوقا إلى الثواب و خوفا من العذاب يا ابن جندب من سره أن يزوجه الله الحور العين و يتوجه بالنور فليدخل على أخيه المؤمن السرور يا ابن جندب أقل النوم بالليل و الكلام بالنهار فما في الجسد شيء أقل شكرا من العين و اللسان فإن أم سليمان قالت لسليمان ع يا بني إياك و النوم فإنه يفقرك يوم يحتاج الناس إلى أعمالهم يا ابن جندب إن للشيطان مصائد يصطاد بها فتحاموا شباكه و مصائده
قلت يا ابن رسول الله و ما هي قال أما مصائده فصد عن بر الإخوان و أما شباكه فنوم عن قضاء الصلوات التي فرضها الله أما إنه ما يعبد الله بمثل نقل الأقدام إلى بر الإخوان و زيارتهم ويل للساهين عن الصلوات النائمين في الخلوات المستهزءين بالله و آياته في الفترات أولئك الذين لا خَلاقَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ وَ لا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ وَ لا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَ لا يُزَكِّيهِمْ وَ لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ يا ابن جندب من أصبح مهموما لسوى فكاك رقبته فقد هون عليه الجليل و رغب من ربه في الوتح الحقير و من غش أخاه و حقره و ناواه جعل الله النار مأواه و من حسد مؤمنا انماث الإيمان في قلبه كما ينماث الملح في الماء يا ابن جندب الماشي في حاجة أخيه كالساعي بين الصفا و المروة و قاضي حاجته كالمتشحط بدمه في سبيل الله يوم بدر و أحد و ما عذب الله أمة إلا عند استهانتهم بحقوق فقراء إخوانهم يا ابن جندب بلغ معاشر شيعتنا و قل لهم لا تذهبن بكم المذاهب فو الله لا تنال ولايتنا إلا بالورع و الاجتهاد في الدنيا و مواساة الإخوان في الله و ليس من شيعتنا من يظلم الناس يا ابن جندب إنما شيعتنا يعرفون بخصال شتى بالسخاء و البذل للإخوان و بأن يصلوا الخمسين ليلا و نهارا شيعتنا لا يهرون هرير الكلب و لا يطمعون طمع الغراب و لا يجاورون لنا عدوا و لا يسألون لنا مبغضا و لو ماتوا جوعا شيعتنا لا يأكلون الجري و لا يمسحون على الخفين و يحافظون على الزوال و لا يشربون مسكرا قلت جعلت فداك فأين أطلبهم قال ع على رءوس الجبال و أطراف المدن و إذا دخلت مدينة فسل عمن لا يجاورهم و لا يجاورونه فذلك مؤمن كما قال الله وَ جاءَ مِنْ أَقْصَا الْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعى و الله لقد كان حبيب النجار وحده يا ابن جندب كل الذنوب مغفورة سوى عقوق أهل دعوتك و كل البر مقبول إلا ما كان رئاء يا ابن جندب أحبب في الله و أبغض في الله و استمسك بالعروة الوثقى و اعتصم بالهدى يقبل عملك فإن الله يقول وَ إِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تابَ وَ آمَنَ وَ عَمِلَ صالِحاً ثُمَّ اهْتَدى فلا يقبل إلا الإيمان و لا إيمان إلا بعمل و لا عمل إلا بيقين و لا يقين إلا بالخشوع و ملاكها كلها الهدى فمن اهتدى يقبل عمله و صعد إلى الملكوت متقبلا وَ اللَّهُ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ يا ابن جندب إن أحببت أن تجاور الجليل في داره و تسكن الفردوس في جواره فلتهن عليك الدنيا و اجعل الموت نصب عينك و لا تدخر شيئا لغد و اعلم أن لك ما قدمت و عليك ما أخرت يا ابن جندب من حرم نفسه كسبه فإنما يجمع لغيره و من أطاع هواه فقد أطاع عدوه من يثق بالله يكفه ما أهمه من أمر دنياه و آخرته و يحفظ له ما غاب عنه و قد عجز من لم يعد لكل بلاء صبرا و لكل نعمة شكرا و لكل عسر يسرا صبر نفسك عند كل بلية في ولد أو مال أو رزية فإنما يقبض عاريته و يأخذ
هبته ليبلو فيهما صبرك و شكرك و ارج الله رجاء لا يجرئك على معصيته و خفه خوفا لا يؤيسك من رحمته و لا تغتر بقول الجاهل و لا بمدحه فتكبر و تجبر و تعجب بعملك فإن أفضل العمل العبادة و التواضع فلا تضيع مالك و تصلح مال غيرك ما خلفته وراء ظهرك و اقنع بما قسمه الله لك و لا تنظر إلا إلى ما عندك و لا تتمن ما لست تناله فإن من قنع شبع و من لم يقنع لم يشبع و خذ حظك من آخرتك و لا تكن بطرا في الغنى و لا جزعا في الفقر و لا تكن فظا غليظا يكره الناس قربك و لا تكن واهنا يحقرك من عرفك و لا تشار من فوقك و لا تسخر بمن هو دونك و لا تنازع الأمر أهله و لا تطع السفهاء و لا تكن مهينا تحت كل أحد و لا تتكلن على كفاية أحد و قف عند كل أمر حتى تعرف مدخله من مخرجه قبل أن تقع فيه فتندم و اجعل قلبك قريبا تشاركه و اجعل علمك والدا تتبعه و اجعل نفسك عدوا تجاهده و عارية تردها فإنك قد جعلت طبيب نفسك و عرفت آية الصحة و بين لك الداء و دللت على الدواء فانظر قيامك على نفسك و إن كانت لك يد عند إنسان فلا تفسدها بكثرة المنن و الذكر لها و لكن أتبعها بأفضل منها فإن ذلك أجمل بك في أخلاقك و أوجب للثواب في آخرتك و عليك بالصمت تعد حليما جاهلا كنت أو عالما فإن الصمت زين لك عند العلماء و ستر لك عند الجهال يا ابن جندب إن عيسى ابن مريم ع قال لأصحابه أ رأيتم لو أن أحدكم مر بأخيه فرأى ثوبه قد انكشف عن بعض عورته أ كان كاشفا عنها كلها أم يرد عليها ما انكشف منها قالوا بل نرد عليها قال كلا بل تكشفون عنها كلها فعرفوا أنه مثل ضربه لهم فقيل يا روح الله و كيف ذلك قال الرجل منكم يطلع على العورة من أخيه فلا يسترها بحق أقول لكم إنكم لا تصيبون ما تريدون إلا بترك ما تشتهون و لا تنالون ما تأملون إلا بالصبر على ما تكرهون إياكم و النظرة فإنها تزرع في القلب الشهوة و كفى بها لصاحبها فتنة طوبى لمن جعل بصره في قلبه و لم يجعل بصره في عينه لا تنظروا في عيوب الناس كالأرباب و انظروا في عيوبكم كهيئة العبيد إنما الناس رجلان مبتلى و معافى فارحموا المبتلى و احمدوا الله على العافية يا ابن جندب صل من قطعك و أعط من حرمك و أحسن إلى من أساء إليك و سلم على من سبك و أنصف من خاصمك و اعف عمن ظلمك كما أنك تحب أن يعفى عنك فاعتبر بعفو الله عنك أ لا ترى أن شمسه أشرقت على الأبرار و الفجار و أن مطره ينزل على الصالحين و الخاطئين يا ابن جندب لا تتصدق على أعين الناس ليزكوك فإنك إن فعلت ذلك فقد استوفيت أجرك و لكن إذا أعطيت بيمينك فلا تطلع عليها شمالك فإن الذي تتصدق له سرا يجزيك علانية على رءوس الأشهاد في اليوم الذي لا يضرك أن لا يطلع الناس على صدقتك و اخفض الصوت إن ربك الذي يَعْلَمُ ما تُسِرُّونَ وَ ما تُعْلِنُونَ قد علم ما تريدون قبل أن تسألوه و إذا صمت فلا تغتب أحدا و لا تلبسوا صيامكم بظلم و لا تكن كالذي يصوم رئاء الناس مغبرة وجوههم شعثة رءوسهم يابسة أفواههم لكي يعلم الناس أنهم صيام يا ابن جندب الخير كله أمامك و إن الشر كله أمامك و لن ترى الخير و الشر إلا بعد الآخرة لأن الله جل و عز جعل الخير كله في الجنة و الشر كله في النار لأنهما الباقيان و الواجب على من وهب الله له الهدى و أكرمه بالإيمان و ألهمه رشده و ركب فيه عقلا يتعرف به نعمه و آتاه علما و حكما يدبر به أمر دينه و دنياه أن يوجب على نفسه أن يشكر الله و لا يكفره و أن يذكر الله و لا ينساه و أن يطيع الله و لا يعصيه للقديم الذي تفرد له بحسن النظر و للحديث الذي أنعم عليه بعد إذ أنشأه مخلوقا و للجزيل الذي وعده و الفضل الذي لم يكلفه من طاعته فوق طاعته و ما يعجز عن القيام به و ضمن له العون على تيسير ما حمله من ذلك
و ندبه إلى الاستعانة على قليل ما كلفه و هو معرض عما أمره و عاجز عنه قد لبس ثوب الاستهانة فيما بينه و بين ربه متقلدا لهواه ماضيا في شهواته مؤثرا لدنياه على آخرته و هو في ذلك يتمنى جنان الفردوس و ما ينبغي لأحد أن يطمع أن ينزل بعمل الفجار منازل الأبرار أما إنه لو وقعت الواقعة و قامت القيامة و جاءت الطامة و نصب الجبار الموازين لفصل القضاء و برز الخلائق ليوم الحساب أيقنت عند ذلك لمن تكون الرفعة و الكرامة و بمن تحل الحسرة و الندامة فاعمل اليوم في الدنيا بما ترجو به الفوز في الآخرة يا ابن جندب قال الله جل و عز في بعض ما أوحى إنما أقبل الصلاة من يتواضع لعظمتي و يكف نفسه عن الشهوات من أجلي و يقطع نهاره بذكري و لا يتعظم على خلقي و يطعم الجائع و يكسو العاري و يرحم المصاب و يؤوي الغريب فذلك يشرق نوره مثل الشمس اجعل له في الظلمة نورا و في الجهالة حلما أكلأه بعزتي و أستحفظه ملائكتي يدعوني فألبيه و يسألني فأعطيه فمثل ذلك العبد عندي كمثل جنات الفردوس لا يسبق أثمارها و لا تتغير عن حالها يا ابن جندب الإسلام عريان فلباسه الحياء و زينته الوقار و مروته العمل الصالح و عماده الورع و لكل شيء أساس و أساس الإسلام حبنا أهل البيت يا ابن جندب إن لله تبارك و تعالى سورا من نور محفوفا بالزبرجد و الحرير منجدا بالسندس و الديباج يضرب هذا السور بين أوليائنا و بين أعدائنا فإذا غلى الدماغ و بلغت القلوب الحناجر و نضجت الأكباد من طول الموقف أدخل في هذا السور أولياء الله فكانوا في أمن الله و حرزه لهم فيها ما تشتهي الْأَنْفُسُ وَ تَلَذُّ الْأَعْيُنُ و أعداء الله قد ألجمهم العرق و قطعهم الفرق و هم ينظرون إلى ما أعد الله لهم فيقولون ما لَنا لا نَرى رِجالًا كُنَّا نَعُدُّهُمْ مِنَ الْأَشْرارِ فينظر إليهم أولياء الله فيضحكون منهم فذلك قوله عز و جل أَتَّخَذْناهُمْ سِخْرِيًّا أَمْ زاغَتْ عَنْهُمُ الْأَبْصارُ و قوله فَالْيَوْمَ الَّذِينَ آمَنُوا مِنَ الْكُفَّارِ يَضْحَكُونَ عَلَى الْأَرائِكِ يَنْظُرُونَ فلا يبقى أحد ممن أعان مؤمنا من أوليائنا بكلمة إلا أدخله الله الجنة بغير حساب
2- ف، ]تحف العقول[ وصيته ع لأبي جعفر محمد بن النعمان الأحول قال أبو جعفر قال لي الصادق ع إن الله جل و عز عير أقواما في القرآن بالإذاعة فقلت له جعلت فداك أين قال قال قوله وَ إِذا جاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذاعُوا بِهِ ثم قال المذيع علينا سرنا كالشاهر بسيفه علينا رحم الله عبدا سمع بمكنون علمنا فدفنه تحت قدميه و الله إني لأعلم بشراركم من البيطار بالدواب شراركم الذين لا يقرءون القرآن إلا هجرا و لا يأتون الصلاة إلا دبرا و لا يحفظون ألسنتهم اعلم أن الحسن بن علي ع لما طعن و اختلف الناس عليه سلم الأمر لمعاوية فسلمت عليه الشيعة عليك السلام يا مذل المؤمنين فقال ع ما أنا بمذل المؤمنين و لكني معز المؤمنين إني لما رأيتكم ليس بكم عليهم قوة سلمت الأمر لأبقى أنا و أنتم بين أظهرهم كما عاب العالم السفينة لتبقى لأصحابها و كذلك نفسي و أنتم لنبقى بينهم يا ابن النعمان إني لأحدث الرجل منكم بحديث فيتحدث به عني فأستحل بذلك لعنته و البراءة منه فإن أبي كان يقول و أي شيء أقر للعين من التقية إن التقية جنة المؤمن و لو لا التقية ما عبد الله و قال الله عز و جل لا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكافِرِينَ أَوْلِياءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ وَ مَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللَّهِ فِي شَيْءٍ إِلَّا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقاةً يا ابن النعمان إياك و المراء فإنه يحبط عملك و إياك و الجدال فإنه يوبقك و إياك و كثرة الخصومات فإنها تبعدك من الله ثم قال إن من كان قبلكم كانوا يتعلمون الصمت و أنتم تتعلمون الكلام كان أحدهم إذا أراد التعبد يتعلم الصمت قبل ذلك بعشر سنين فإن كان يحسنه و يصبر عليه تعبد و إلا قال ما أنا لما أروم بأهل إنما ينجو من أطال الصمت عن الفحشاء و صبر في دولة الباطل على الأذى أولئك النجباء الأصفياء الأولياء حقا و هم المؤمنون إن أبغضكم إلي المتراسون المشاءون بالنمائم الحسدة لإخوانهم ليسوا مني و لا أنا منهم إنما أوليائي الذين سلموا لأمرنا و اتبعوا آثارنا و اقتدوا بنا في كل أمورنا ثم قال و الله لو قدم أحدكم ملء الأرض ذهبا على الله ثم حسد مؤمنا لكان ذلك الذهب مما يكوى به في النار يا ابن النعمان إن المذيع ليس كقاتلنا بسيفه بل هو أعظم وزرا بل هو أعظم وزرا بل هو أعظم وزرا يا ابن النعمان إنه من روى علينا حديثا فهو ممن قتلنا عمدا و لم يقتلنا خطاء يا ابن النعمان إذا كانت دولة الظلم فامش و استقبل من تتقيه بالتحية فإن المتعرض للدولة قاتل نفسه و موبقها إن الله يقول وَ لا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ يا ابن النعمان إنا أهل بيت لا يزال الشيطان يدخل فينا من ليس منا و لا من أهل ديننا فإذا رفعه و نظر إليه الناس أمره الشيطان فيكذب علينا و كلما ذهب واحد جاء آخر يا ابن النعمان من سئل عن علم فقال لا أدري فقد ناصف العلم و المؤمن يحقد ما دام في مجلسه فإذا قام ذهب عنه الحقد يا ابن النعمان إن العالم لا يقدر أن يخبرك بكل ما يعلم لأنه سر الله الذي أسره إلى جبرئيل ع و أسره جبرئيل ع إلى محمد ص و أسره محمد ص إلى علي ع و أسره علي ع إلى الحسن ع و أسره الحسن ع إلى الحسين ع و أسره الحسين ع إلى علي ع و أسره علي ع إلى محمد ع و أسره محمد ع إلى من أسره فلا تعجلوا فو الله لقد قرب هذا الأمر ثلاث مرات فأذعتموه فأخره الله و الله ما لكم سر إلا و عدوكم أعلم به منكم يا ابن النعمان أبق على نفسك فقد عصيتني لا تذع سري فإن المغيرة بن سعيد كذب على أبي و أذاع سره فأذاقه الله حر الحديد و إن أبا الخطاب كذب علي و أذاع سري فأذاقه الله حر الحديد و من كتم أمرنا زينه الله به في الدنيا و الآخرة و أعطاه حظه و وقاه حر الحديد و ضيق المحابس إن بني إسرائيل قحطوا حتى هلكت المواشي و النسل فدعا الله موسى بن عمران ع فقال يا موسى إنهم أظهروا الزنى و الربا و عمروا الكنائس و أضاعوا الزكاة فقال إلهي تحنن
برحمتك عليهم فإنهم لا يعقلون فأوحى الله إليه أني مرسل قطر السماء و مختبرهم بعد أربعين يوما فأذاعوا ذلك و أفشوه فحبس عنهم القطر أربعين سنة و أنتم قد قرب أمركم فأذعتموه في مجالسكم يا أبا جعفر ما لكم و للناس كفوا عن الناس و لا تدعوا أحدا إلى هذا الأمر فو الله لو أن أهل السماوات و الأرض اجتمعوا على أن يضلوا عبدا يريد الله هداه ما استطاعوا أن يضلوه كفوا عن الناس و لا يقل أحدكم أخي و عمي و جاري فإن الله جل و عز إذا أراد بعبد خيرا طيب روحه فلا يسمع معروفا إلا عرفه و لا منكرا إلا أنكره ثم قذف الله في قلبه كلمة يجمع بها أمره يا ابن النعمان إن أردت أن يصفو لك ود أخيك فلا تمازحنه و لا تمارينه و لا تباهينه و لا تشارنه و لا تطلع صديقك من سرك إلا على ما لو اطلع عليه عدوك لم يضرك فإن الصديق قد يكون عدوك يوما يا ابن النعمان لا يكون العبد مؤمنا حتى يكون فيه ثلاث سنن سنة من الله و سنة من رسوله و سنة من الإمام فأما السنة من الله جل و عز فهو أن يكون كتوما للأسرار يقول الله جل ذكره عالِمُ الْغَيْبِ فَلا يُظْهِرُ عَلى غَيْبِهِ أَحَداً و أما التي من رسول الله ص فهو أن يداري الناس و يعاملهم بالأخلاق الحنيفية و أما التي من الإمام فالصبر في البأساء و الضراء حتى يأتيه الله بالفرج يا ابن النعمان ليست البلاغة بحدة اللسان و لا بكثرة الهذيان و لكنها إصابة المعنى و قصد الحجة يا ابن النعمان من قعد إلى ساب أولياء الله فقد عصى الله و من كظم غيظا فينا لا يقدر على إمضائه كان معنا في السنام الأعلى و من استفتح نهاره بإذاعة سرنا سلط الله عليه حر الحديد و ضيق المحابس يا ابن النعمان لا تطلب العلم لثلاث لترائي به و لا لتباهي به و لا لتماري و لا تدعه لثلاث رغبة في الجهل و زهادة في العلم و استحياء من الناس و العلم المصون كالسراج المطبق عليه يا ابن النعمان إن الله جل و عز إذا أراد بعبد خيرا نكت في قلبه نكتة بيضاء فجال القلب بطلب الحق ثم هو إلى أمركم أسرع من الطير إلى وكره يا ابن النعمان إن حبنا أهل البيت ينزله الله من السماء من خزائن تحت العرش كخزائن الذهب و الفضة و لا ينزله إلا بقدر و لا يعطيه إلا خير الخلق و إن له غمامة كغمامة القطر فإذا أراد الله أن يخص به من أحب من خلقه أذن لتلك الغمامة فتهطلت كما تهطل السحاب فتصيب الجنين في بطن أمه
-3 ف، ]تحف العقول[ رسالته ع إلى جماعة شيعته و أصحابه أما بعد فسلوا ربكم العافية و عليكم بالدعة و الوقار و السكينة و الحياء و التنزه عما تنزه عنه الصالحون منكم و عليكم بمجاملة أهل الباطل تحملوا الضيم منهم و إياكم و مماظتهم دينوا فيما بينكم و بينهم إذا أنتم جالستموهم و خالطتموهم و نازعتموهم الكلام فإنه لا بد لكم من مجالستهم و مخالطتهم و منازعتهم بالتقية التي أمركم الله بها فإذا ابتليتم بذلك منهم فإنهم سيؤذونكم و يعرفون في وجوهكم المنكر و لو لا أن الله يدفعهم عنكم لسطوا بكم و ما في صدورهم من العداوة و البغضاء أكثر مما يبدون لكم مجالسكم و مجالسهم واحدة إن العبد إذا كان الله خلقه في الأصل أصل الخلق مؤمنا لم يمت حتى يكره إليه الشر و يباعده منه و من كره الله إليه الشر و باعده منه عافاه الله من الكبر أن يدخله و الجبرية فلانت عريكته و حسن خلقه و طلق وجهه و صار عليه وقار الإسلام و سكينته و تخشعه و ورع عن محارم الله و اجتنب مساخطه و رزقه الله مودة الناس و مجاملتهم و ترك مقاطعة الناس و الخصومات و لم يكن منها و لا من أهلها في شيء و إن العبد إذا كان الله خلقه في الأصل أصل الخلق كافرا لم يمت حتى يحبب إليه الشر و يقربه منه فإذا حبب إليه الشر و قربه منه ابتلي بالكبر و الجبرية فقسا قلبه و ساء خلقه و غلظ وجهه و ظهر فحشه و قل حياؤه و كشف الله ستره و ركب المحارم فلم ينزع عنها و ركب معاصي الله و أبغض طاعته و أهلها فبعد ما بعد حال المؤمن و الكافر فسلوا الله العافية و اطلبوها إليه و لا حول و لا قوة إلا بالله أكثروا من الدعاء فإن الله يحب من عباده الذين يدعونه و قد وعد عباده المؤمنين الاستجابة و الله مصير دعاء المؤمنين يوم القيامة لهم عملا يزيدهم به في الجنة و أكثروا ذكر الله ما استطعتم في كل ساعة من ساعات الليل و النهار فإن الله أمر بكثرة الذكر له و الله ذاكر من ذكره من المؤمنين إن الله لم يذكره أحد من عباده المؤمنين إلا ذكره بخير و عليكم بالمحافظة عَلَى الصَّلَواتِ وَ الصَّلاةِ الْوُسْطى وَ قُومُوا لِلَّهِ قانِتِينَ كما أمر الله به المؤمنين في كتابه من قبلكم و عليكم بحب المساكين المسلمين فإن من حقرهم و تكبر عليهم فقد زل عن دين الله و الله له حاقر ماقت و قد قال أبونا رسول الله ص أمرني ربي بحب المساكين المسلمين منهم و اعلموا أن من حقر أحدا من المسلمين ألقى الله عليه المقت منه و المحقرة حتى يمقته الناس أشد مقتا فاتقوا الله في إخوانكم المسلمين المساكين فإن لهم عليكم حقا أن تحبوهم فإن الله أمر نبيه ص بحبهم فمن لم يحب من أمر الله بحبه فقد عصى الله و رسوله و من عصى الله و رسوله و مات على ذلك مات من الغاوين إياكم و العظمة و الكبر فإن الكبر رداء الله فمن نازع الله رداءه قصمه الله و أذله يوم القيامة إياكم أن يبغي بعضكم على بعض فإنها ليست من خصال الصالحين فإنه من بغى صير الله بغيه على نفسه و صارت نصرة الله لمن بغي عليه و من نصره الله غلب و أصاب الظفر من الله إياكم أن يحسد بعضكم بعضا فإن الكفر أصله الحسد إياكم أن تعينوا على مسلم مظلوم فيدعو الله عليكم و يستجاب له فيكم فإن أبانا رسول الله ص يقول إن دعوة المسلم المظلوم مستجابة إياكم أن تشره نفوسكم إلى شيء مما حرم الله عليكم فإنه من انتهك ما حرم الله عليه هاهنا في الدنيا حال الله بينه و بين الجنة و نعيمها و لذتها و كرامتها القائمة الدائمة لأهل الجنة أبد الآبدين
4- ما، ]الأمالي للشيخ الطوسي[ عن الحسين بن إبراهيم عن محمد بن وهبان عن محمد بن أحمد بن زكريا عن الحسين علي بن فضال عن علي بن عقبة عن أبي كهمش عن عمرو بن سعيد بن هلال قال قلت لأبي عبد الله ع أوصني فقال أوصيك بتقوى الله و الورع و الاجتهاد و اعلم أنه لا ينفع اجتهاد لا ورع فيه و انظر إلى من هو دونك و لا تنظر إلى من هو فوقك فكثيرا ما قال الله عز و جل لرسوله ص فَلا تُعْجِبْكَ أَمْوالُهُمْ وَ لا أَوْلادُهُمْ و قال عز ذكره وَ لا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلى ما مَتَّعْنا بِهِ أَزْواجاً مِنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَياةِ الدُّنْيا فإن نازعتك نفسك إلى شيء من ذلك فاعلم أن رسول الله ص كان قوته الشعير و حلواه التمر و وقوده السعف و إذا أصبت بمصيبة فاذكر مصابك برسول الله ص فإن الناس لم يصابوا بمثله أبدا و لن يصابوا بمثله أبدا