1- ف، ]تحف العقول[ خطبة الوسيلة الحمد لله الذي أعدم الأوهام أن تنال إلى وجوده و حجب العقول أن تختال ذاته لامتناعها من الشبه و التشاكل بل هو الذي لا تتفاوت ذاته و لا تتبعض بتجزية العدد في كماله فارق الأشياء لا باختلاف الأماكن و يكون فيها لا على الممازجة و علمها لا بأداة لا يكون العلم إلا بها و ليس بينه و بين معروفه علم غيره كان عالما لمعلومه إن قيل كان فعلى تأويل أزلية الوجود و إن قيل لم يزل فعلى تأويل نفي العدم فسبحانه و تعالى عن قول من عبد سواه فاتخذ إلها غيره علوا كبيرا نحمده بالحمد الذي ارتضاه من خلقه و أوجب قبوله على نفسه أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له و أشهد أن محمدا عبده و رسوله شهادتان ترفعان القول و تضعان العمل خف ميزان ترفعان منه و ثقل ميزان توضعان فيه و بهما الفوز بالجنة و النجاة من النار و الجواز على الصراط و بالشهادة تدخلون الجنة و بالصلاة تنالون الرحمة فأكثروا من الصلاة على نبيكم إِنَّ اللَّهَ وَ مَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَ سَلِّمُوا تَسْلِيماً أيها الناس إنه لا شرف أعلى من الإسلام و لا كرم أعز من التقوى و لا معقل أحرز من الورع و لا شفيع أنجح من التوبة و لا لباس أجل من العافية و لا وقاية أمنع من السلامة و لا مال أذهب بالفاقة من الرضا و القنوع و من اقتصر على بلغة الكفاف فقد انتظم الراحة و الرغبة مفتاح التعب و الاحتكار مطية النصب و الحسد آفة الدين و الحرص داع إلى التقحم في الذنوب و هو داع إلى الحرمان و البغي سائق إلى الحين و الشره جامع لمساوي العيوب رب طمع خائب و أمل كاذب و رجاء يؤدي إلى الحرمان و تجارة تئول إلى الخسران ألا و من تورط في الأمور غير ناظر في العواقب فقد تعرض لمفضحات النوائب و بئست القلادة الدين للمؤمن أيها الناس إنه لا كنز أنفع من العلم و لا عز أنفع من الحلم و لا حسب أبلغ من الأدب و لا نصب أوجع من الغضب و لا جمال أحسن من العقل و لا قرين شر من الجهل و لا سوأة أسوأ من الكذب و لا حافظ أحفظ من الصمت و لا غائب أقرب من الموت أيها الناس إنه من نظر في عيب نفسه شغل عن عيب غيره و من رضي برزق الله لم يأسف على ما في يد غيره و من سل سيف البغي قتل به و من حفر لأخيه بئرا وقع فيها و من هتك حجاب غيره انكشفت عورات بيته و من نسي زلته استعظم زلل غيره و من أعجب برأيه ضل و من استغنى بعقله زل و من تكبر على الناس ذل و من سفه على الناس شتم و من خالط العلماء وقر و من خالط الأنذال حقر و من حمل ما لا يطيق عجز أيها الناس إنه لا مال هو أعود من العقل و لا فقر هو أشد من الجهل و لا واعظ هو أبلغ من النصح و لا عقل كالتدبير و عبادة كالتفكر و لا مظاهرة أوثق من المشاورة و لا وحدة أوحش من العجب و لا ورع كالكف و لا حلم كالصبر و الصمت أيها الناس إن في الإنسان عشر خصال يظهرها لسانه شاهد يخبر عن الضمير و حاكم يفصل بين الخطاب و ناطق يرد به الجواب و شافع تدرك به الحاجة و واصف تعرف به الأشياء و أمير يأمر بالحسن و واعظ ينهى عن القبيح و معز تسكن به الأحزان و حامد تجلى به الضغائن و مؤنق يلهي الأسماع أيها الناس إنه لا خير في الصمت عن الحكم كما أنه لا خير في القول بالجهل اعلموا أيها الناس أنه من لم يملك لسانه يندم و من لا يتعلم يجهل و من لا يتحلم لا يحلم و من لا يرتدع لا يعقل و من لا يعقل يهن و من يهن لا يوقر و من يتق ينج و من يكسب مالا من غير حقه يصرفه في غير أجره و من لا يدع و هو محمود يدع و هو مذموم و من لم يعط قاعدا منع قائما و من يطلب العز بغير حق يذل و من عاند الحق لزمه الوهن و من تفقه وقر و تكبر حقر و من لا يحسن لا يحمد
أيها الناس إن المنية قبل الدنية و التجلد قبل التبلد و الحساب قبل العقاب و القبر خير من الفقر و عمى البصر خير من كثير من النظر و الدهر يوم لك و يوم عليك فاصبر فبكليهما تمتحن أيها الناس أعجب ما في الإنسان قلبه و له مواد من الحكمة و أضداد من خلافها فإن سنح له الرجاء أذله الطمع و إن هاج به الطمع أهلكه الحرص و إن ملكه اليأس قتله الأسف و إن عرض له الغضب اشتد به الغيظ و إن أسعد بالرضا نسي التحفظ و إن ناله الخوف شغله الحزن و إن اتسع بالأمن استلبته الغرة و إن جددت له نعمة أخذته العزة و إن أفاد مالا أطغاه الغنى و إن عضته فاقة شغله البلاء و إن أصابته مصيبة فضحه الجزع و إن أجهده الجوع قعد به الضعف و إن أفرط في الشبع كظته البطنة فكل تقصير به مضر و كل إفراط له مفسد أيها الناس من قل ذل و من جاد ساد و من كثر ماله رأس و من كثر حلمه نبل و من فكر في ذات الله تزندق و من أكثر من شيء عرف به و من كثر مزاحه استخف به و من كثر ضحكه ذهبت هيبته فسد حسب من ليس له أدب إن أفضل الفعال صيانة العرض بالمال ليس من جالس الجاهل بذي معقول من جالس الجاهل فليستعد لقيل و قال لن ينجو من الموت غني بماله و لا فقير لإقلاله أيها الناس إن للقلوب شواهد تجري الأنفس عن مدرجة أهل التفريط فطنة الفهم للمواعظ مما يدعو النفس إلى الحذر من الخطإ و للنفوس خواطر للهوى و العقول تزجر و تنهى و في التجارب علم مستأنف و الاعتبار يقود إلى الرشاد و كفاك أدبا لنفسك ما تكرهه من غيرك عليك لأخيك المؤمن مثل الذي لك عليه لقد خاطر من استغنى برأيه و التدبير قبل العمل يؤمنك من الندم و من استقبل وجوه الآراء عرف مواقف الخطاء و من أمسك عن الفضول عدلت رأيه العقول و من حصر شهوته فقد صان قدره و من أمسك لسانه أمنه قومه و نال حاجته و في تقلب الأحوال علم جواهر الرجال و الأيام توضح لك السرائر الكامنة و ليس في البرق الخاطف مستمتع لمن يخوض في الظلمة و من عرف بالحكمة لحظته العيون بالوقار و الهيبة و أشرف الغنى ترك المنى و الصبر جنة من الفاقة و الحرص علامة الفقر و البخل جلباب المسكنة و المودة قرابة مستفادة و وصول معدم خير من جاف مكثر و الموعظة كهف لمن وعاها و من أطلق طرفه كثر أسفه و من ضاق خلقه مله أهله و من نال استطال قل ما تصدقك الأمنية التواضع يكسوك المهابة و في سعة الأخلاق كنوز الأرزاق من كساه الحياء ثوبه خفي على الناس عيبه تحرى القصد من القول فإنه من تحرى القصد خفت عليه المؤن في خلاف النفس رشدها من عرف الأيام لم يغفل عن الاستعداد ألا و إن مع كل جرعة شرقا و في كل أكلة غصصا لا تنال نعمة إلا بزوال أخرى لكل ذي رمق قوت و لكل حبة آكل و أنت قوت الموت اعلموا أيها الناس أنه من مشى على وجه الأرض فإنه يصير إلى بطنها و الليل و النهار يتسارعان في هدم الأعمار أيها الناس كفر النعمة لؤم و صحبة الجاهل شؤم من الكرم لين الكلام إياك و الخديعة فإنها من خلق اللئام ليس كل طالب يصيب و لا كل غائب يئوب لا ترغب فيمن زهد فيك رب بعيد هو أقرب من قريب سل عن الرفيق قبل الطريق و عن الجار قبل الدار استر عورة أخيك لما تعلمه فيك اغتفر زلة
صديقك ليوم يركبك عدوك من غضب على من لا يقدر أن يضره طال حزنه و عذب نفسه من خاف ربه كف ظلمه و من لم يعرف الخير من الشر فهو بمنزلة البهيمة إن من الفساد إضاعة الزاد ما أصغر المصيبة مع عظم الفاقة غدا و ما تناكرتم إلا لما فيكم من المعاصي و الذنوب ما أقرب الراحة من التعب و البؤس من التغيير ما شر بشر بعده الجنة و ما خير بخير بعده النار و كل نعيم دون الجنة محقور و كل بلاء دون النار عافية عند تصحيح الضمائر تبدو الكبائر تصفية العمل أشد من العمل و تخليص النية عن الفساد أشد على العاملين من طول الجهاد هيهات لو لا التقى كنت أدهى العرب عليكم بتقوى الله في الغيب و الشهادة و كلمة الحق في الرضي و الغضب و القصد في الغنى و الفقر و بالعدل على العدو و الصديق و بالعمل في النشاط و الكسل و الرضا عن الله في الشدة و الرخاء و من كثر كلامه كثر خطاؤه و من كثر خطاؤه قل حياؤه و من قل حياؤه قل ورعه و من قل ورعه مات قلبه و من مات قلبه دخل النار من تفكر اعتبر و من اعتبر اعتزل و من اعتزل سلم و من ترك الشهوات كان حرا و من ترك الحسد كانت له المحبة عند الناس عز المؤمن غناه عن الناس القناعة مال لا ينفد و من أكثر ذكر الموت رضي من الدنيا باليسير و من علم أن كلامه من عمله قل كلامه إلا فيما ينفعه العجب ممن يخاف العقاب فلا يكف و يرجو الثواب و لا يتوب و يعمل الفكر تورث نورا و الغفلة ظلمة و الجهالة ضلالة و السعيد من وعظ بغيره و الأدب خير ميراث حسن الخلق خير قرين ليس مع قطيعة الرحم نماء و لا مع الفجور غنى العافية عشرة أجزاء تسعة منها في الصمت إلا بذكر الله وحده و واحد في ترك مجالسة السفهاء رأس العلم الرفق و آفته الخرق و من كنوز الإيمان الصبر على المصائب و العفاف زينة الفقر و الشكر زينة الغنى كثرة الزيارة تورث الملالة و الطمأنينة قبل الخبرة ضد الحزم إعجاب المرء بنفسه يدل على ضعف عقله لا تؤيس مذنبا فكم من عاكف على ذنبه ختم له بخير و كم من مقبل على عمله مفسد في آخر عمره صائر إلى النار بئس الزاد إلى المعاد العدوان على العباد طوبى لمن أخلص لله عمله و علمه و حبه و بغضه و أخذه و تركه و كلامه و صمته و فعله و قوله لا يكون المسلم مسلما حتى يكون ورعا و لن يكون ورعا حتى يكون زاهدا و لن يكون زاهدا حتى يكون حازما و لن يكون حازما حتى يكون عاقلا و ما العاقل إلا من عقل عن الله و عمل للدار الآخرة و صلى الله على محمد النبي و على أهل بيته الطاهرين
2- ف، ]تحف العقول[ خطبته ع المعروفة بالديباج الحمد لله فاطر الخلق و خالق الإصباح و منشر الموتى و باعث من في القبور و أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له و أن محمدا عبده و رسوله ص عباد الله إن أفضل ما توسل به المتوسلون إلى الله جل ذكره الإيمان بالله و برسله و ما جاءت به من عند الله و الجهاد في سبيله فإنه ذروة الإسلام و كلمة الإخلاص فإنها الفطرة و إقامة الصلاة فإنها الملة و إيتاء الزكاة فإنها فريضة و صوم شهر رمضان فإنه جنة حصينة و حج البيت و العمرة فإنهما ينفيان الفقر و يكفران الذنب و يوجبان الجنة و صلة الرحم فإنها ثروة في المال و منساة في الأجل و تكثير للعدد و الصدقة في السر فإنها تكفر الخطأ و تطفئ غضب الرب تبارك و تعالى و الصدقة في العلانية فإنها تدفع ميتة السوء و صنائع المعروف فإنها تقي مصارع السوء و أفيضوا في ذكر الله جل ذكره فإنه أحسن الذكر و هو أمان من النفاق و براءة من النار و تذكير لصاحبه عند كل خير يقسمه الله جل و عز و له دوي تحت العرش و ارغبوا فيما وعد المتقون فإن وعد الله أصدق الوعد و كل ما وعد فهو آت كما وعد و اقتدوا بهدي رسول الله ص فإنه أفضل الهدي و استنوا بسنته فإنها أشرف السنن و تعلموا كتاب الله تبارك و تعالى فإنه أحسن الحديث و أبلغ الموعظة و تفقهوا فيه فإنه ربيع القلوب و استشفوا بنوره فإنه شِفاءٌ لِما فِي الصُّدُورِ و أحسنوا تلاوته فإنه أحسن القصص وَ إِذا قُرِئَ عليكم الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَ أَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ و إذا هديتم لعلمه فاعملوا بما علمتم منه لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ فاعلموا عباد الله أن العالم العامل بغير علمه كالجاهل الحائر الذي لا يستفيق من جهله بل الحجة عليه أعظم و هو عند الله ألوم و الحسرة أدوم على هذا العالم المنسلخ من علمه مثل ما على هذا الجاهل المتحير في جهله و كلاهما حائر بائر مضل مفتون مبتور ما هم فيه وَ باطِلٌ ما كانُوا يَعْمَلُونَ عباد الله لا ترتابوا فتشكوا و لا تشكوا فتكفروا و لا تكفروا فتندموا و لا ترخصوا لأنفسكم فتدهنوا و تذهب بكم الرخص مذاهب الظلمة فتهلكوا و لا تداهنوا في الحق إذا ورد عليكم و عرفتموه فتخسروا خسرانا مبينا عباد الله إن من الحزم أن تتقوا الله و إن من العصمة ألا تغتروا بالله عباد الله إن أنصح الناس لنفسه أطوعهم لربه و أغشهم لنفسه أعصاهم له عباد الله إنه من يطع الله يأمن و يستبشر و من يعصه يخب و يندم و لا يسلم عباد الله سلوا الله اليقين فإن اليقين رأس الدين و ارغبوا إليه في العافية فإن أعظم النعمة العافية فاغتنموها للدنيا و الآخرة و ارغبوا إليه في التوفيق فإنه أس وثيق و اعلموا أن خير ما لزم القلب اليقين و أحسن اليقين التقى و أفضل أمور الحق عزائمها و شرها محدثاتها و كل محدثة بدعة و كل بدعة ضلالة و بالبدع هدم السنن المغبون من غبن دينه و المغبوط من سلم له دينه و حسن يقينه و السعيد من وعظ بغيره و الشقي من انخدع لهواه عباد الله اعلموا أن يسير الرياء شرك و أن إخلاص العمل اليقين و الهوى يقود إلى النار و مجالسة أهل اللهو ينسي القرآن و يحضر الشيطان و النسيء زيادة في الكفر و أعمال العصاة تدعو إلى سخط الرحمن و سخط الرحمن يدعو إلى النار و محادثة النساء تدعو إلى البلاء و يزيغ القلوب و الرمق لهن يخطف
نور أبصار القلوب و لمح العيون مصائد الشيطان و مجالسة السلطان يهيج النيران عباد الله اصدقوا فإن الله مع الصادقين و جانبوا الكذب فإنه مجانب للإيمان و إن الصادق على شرف منجاة و كرامة و الكاذب على شفا مهواة و هلكة و قولوا الحق تعرفوا به و اعملوا به تكونوا من أهله و أدوا الأمانة إلى من ائتمنكم عليها و صلوا أرحام من قطعكم و عودوا بالفضل على من حرمكم و إذا عاقدتم فأوفوا و إذا حكمتم فاعدلوا و إذا ظلمتم فاصبروا و إذا أسيء إليكم فاعفوا و اصفحوا كما تحبون أن يعفى عنكم و لا تفاخروا بالآباء وَ لا تَنابَزُوا بِالْأَلْقابِ بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمانِ و لا تمازحوا و لا تغاضبوا و لا تباذخوا وَ لا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضاً أَ يُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً و لا تحاسدوا فإن الحسد يأكل الإيمان كما تأكل النار الحطب و لا تباغضوا فإنها الحالقة و أفشوا السلام في العالم و ردوا التحية على أهلها بأحسن منها و ارحموا الأرملة و اليتيم و أعينوا الضعيف و المظلوم وَ الْغارِمِينَ وَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَ ابْنَ السَّبِيلِ وَ السَّائِلِينَ وَ فِي الرِّقابِ و المكاتب و المساكين و انصروا المظلوم و أعطوا الفروض وَ جاهِدُوا أنفسكم فِي اللَّهِ حَقَّ جِهادِهِ فإنه شديد العقاب و جاهدوا في سبيل الله و أقروا الضيف و أحسنوا الوضوء و حافِظُوا عَلَى الصَّلَواتِ الخمس في أوقاتها فإنها من الله جل و عز بمكان وَ مَنْ تَطَوَّعَ خَيْراً فهو خير له فَإِنَّ اللَّهَ شاكِرٌ عَلِيمٌ وَ تَعاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَ التَّقْوى وَ لا تَعاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَ الْعُدْوانِ و اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقاتِهِ وَ لا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ و اعلموا عباد الله أن الأمل يذهب العقل و يكذب الوعد و يحث على الغفلة و يورث الحسرة فاكذبوا الأمل فإنه غرور و إن صاحبه مأزور فاعملوا في الرغبة و الرهبة فإن نزلت بكم رغبة فاشكروا و اجمعوا معها رغبة فإن الله قد تأذن للمسلمين بالحسنى و لمن شكر بالزيادة فإني لم أر مثل الجنة نام طالبها و لا كالنار نام هاربها و لا أكثر مكتسبا ممن كسبه ليوم تذخر فيه الذخائر و تبلى فيه السرائر و إن من لا ينفعه الحق يضره الباطل و من لا يستقيم به الهدى تضره الضلالة و من لا ينفعه اليقين يضره الشك و إنكم قد أمرتم بالظعن و دللتم على الزاد ألا إن أخوف ما أتخوف عليكم اثنان طول الأمل و اتباع الهوى ألا و إن الدنيا قد أدبرت و آذنت بانقلاع ألا و إن الآخرة قد أقبلت و آذنت باطلاع ألا و إن المضمار اليوم و السباق غدا ألا و إن السبقة الجنة و الغاية النار ألا و إنكم في أيام مهل من ورائه أجل يحثه العجل فمن أخلص لله عمله في أيامه قبل حضور أجله نفعه عمله و لم يضره أجله و من لم يعمل في أيام مهلة ضره أمله و لم ينفعه عمله عباد الله افزعوا إلى قوام دينكم بإقام الصلاة لوقتها و إيتاء الزكاة في حينها و التضرع و الخشوع و صلة الرحم و خوف المعاد و إعطاء السائل و إكرام الضعفة و الضعيف و تعلم القرآن و العمل به و صدق الحديث و الوفاء بالعهد و أداء الأمانة إذا ائتمنتم و ارغبوا في ثواب الله و ارهبوا عذابه و جاهدوا في سبيل الله بأموالكم و أنفسكم و تزودوا من الدنيا ما تحرزون به أنفسكم و اعملوا بالخير تجزوا بالخير يوم يفوز بالخير من قدم الخير أقول قولي و أستغفر الله لي و لكم
3- من مناقب ابن الجوزي، الخطبة المنبرية روى مجاهد عن ابن عباس قال خطب أمير المؤمنين ع يوما على منبر الكوفة فقال الحمد لله و أحمده و أومن به و أستعينه و أستهديه و أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له و أن محمدا عبده و رسوله أرسله بِالْهُدى وَ دِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَ لَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ ثم قال أيتها النفوس المختلفة و القلوب المتشتتة الشاهدة أبدانهم الغائبة عقولهم كم أدلكم على الحق و أنتم تنفرون نفور المعزى من وعوعة الأسد هيهات أن أطلع بكم ذروة العدل أو أقيم اعوجاج الحق اللهم إنك تعلم أنه لم يكن مني منافسة في سلطان و لا التماس فضول الحطام و لكن لأرد المعالم من دينك و أظهر الصلاح في بلادك فيأمن المظلمون من عبادك و تقام المعطلة من حدودك اللهم إنك تعلم أني أول من أناب و سمع فأجاب لم يسبقني إلا رسولك اللهم لا ينبغي أن يكون الوالي على الدماء و الفروج و المغانم و الأحكام و معالم الحلال و الحرام و إمامة المسلمين و أمور المؤمنين البخيل لأن تهمته في جميع الأموال و لا الجاهل فيدلهم بجهله على الضلال و لا الجافي فينفرهم بجفائه و لا الخائف فيتخذ قوما دون قوم و لا المرتشي في الحكم فيذهب بالحقوق و لا المعطل للسنن فيؤدي ذلك إلى الفجور و لا الباغي فيدحض الحق و لا الفاسق فيشين الشرع فقام إليه رجل فقال يا أمير المؤمنين ما تقول في رجل مات و ترك امرأة و ابنتين و أبوين فقال لكل واحد من الأبوين السدس و للابنتين الثلثان قال فالمرأة قال صار ثمنها تسعا و هذا من أبلغ الأجوبة
4- خطبة و يعرف بالبالغة روى ابن أبي ذئب عن أبي صالح العجلي قال شهدت أمير المؤمنين كرم الله وجهه و هو يخطب فقال بعد أن حمد الله تعالى و صلى على محمد رسوله ص أيها الناس إن الله أرسل إليكم رسولا ليزيح به علتكم و يوقظ به غفلتكم و إن أخوف ما أخاف عليكم اتباع الهوى و طول الأمل أما اتباع الهوى فيصدكم عن الحق و أما طول الأمل فينسيكم الآخرة ألا و إن الدنيا قد ترحلت مدبرة و إن الآخرة قد أقبلت مقبلة و لكل واحد منهما بنون فكونوا من أبناء الآخرة و لا تكونوا من أبناء الدنيا فإن اليوم عمل و لا حساب و غدا حساب و لا عمل و اعلموا أنكم ميتون و مبعوثون من بعد الموت و محاسبون على أعمالكم و مجازون بها فَلا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَياةُ الدُّنْيا وَ لا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ فإنها دار بالبلاء محفوفة و بالعناء و الغدر موصوفة و كل ما فيها إلى زوال و هي بين أهلها دول و سجال لا تدوم أحوالها و لا يسلم من شرها نزالها بينا أهلها منها في رخاء و سرور إذا هم في بلاء و غرور العيش فيها مذموم و الرخاء فيها لا يدوم أهلها فيها أهداف و أغراض مستهدفة و كل فيها حتفه مقدور و حظه من نوائبها موفور و أنتم عباد الله على محجة من قد مضى و سبيل من كان ثم انقضى ممن كان أطول منكم أعمارا و أشد بطشا و أعمر ديارا أصبحت أجسادهم بالية و ديارهم خالية و آثارهم عافية فاستبدلوا بالقصور المشيدة و النمارق الموسدة بطون اللحود و مجاورة اللدود في دار ساكنها مغترب و محلها مقترب بين قوم مستوحشين متجاورين غير متزاورين لا يستأنسون بالعمران و لا يتواصلون تواصل الجيران على ما بينهم من قرب الجوار و دنو الدار و كيف يكون بينهم تواصل و قد طحنتهم البلى و أظلتهم الجنادل و الثرى فأصبحوا بعد الحياة أمواتا و بعد غضارة العيش رفاتا قد فجع بهم الأحباب و سكنوا التراب و ظعنوا فليس لهم إياب و تمنوا الرجوع ف حِيلَ بَيْنَهُمْ وَ بَيْنَ ما يَشْتَهُونَ كَلَّا إِنَّها كَلِمَةٌ هُوَ قائِلُها وَ مِنْ وَرائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ و قد أخرج أبو نعيم طرفا من هذه الخطبة في كتابه المعروف بالحلية
5- خطبة في مدح رسول الله ص ذكرها الحسن بن عرفة عن سعيد بن عمير قال خطب أمير المؤمنين ع فقال الحمد لله داحي المدحوات و داعم المسموكات و جابل القلوب على فطرتها شقيها و سعيدها و غويها و رشيدها اللهم و اجعل شرائف صلواتك و نوامي بركاتك على سيدنا محمد عبدك و رسولك و حبيبك الخاتم لما سبق و الفاتح لما انغلق المعلن بالحق الناطق بالصدق الدافع جيشات الأباطيل و الدامغ هيشات الأضاليل فاضطلع قائما بأمرك مستوفزا في مرضاتك غير ناكل عن قدم و لا واه في عزم مراعيا لعهدك محافظا لودك حتى أورى قبس القابس و أضاء الطريق للخابط و هدي به الناس بعد خوض الفتن و الآثام و الخبط في عشو الظلام فأنارت نيرات الأحكام بارتفاع الأعلام فهو أمينك المأمون و خازن علمك المخزون و شهيد يوم الدين و حجتك على العالمين و بعيثك بالحق و رسولك الصدق إلى الخلق اللهم فافسح له مفسحا في ظلك و اجزه بمضاعفات الخير من فضلك اللهم اجمع بيننا و بينه في برد العيش و قرار النعمة و منتهى الرغبة و مستقر اللذة و منتهى الطمأنينة و أرجاء الدعة و أفناء الكرامة القدم بتسكين الدال التقدم و الجيشات من جاشت القدر تجيش إذا غلت و الهيشات الجماعات و هاشوا إذا تحركوا
6- خطبة أخرى في مدح رسول الله ص و الأئمة ع رواها أحمد بن عبد الله الهاشمي عن الحسن بن علي بن محمد بن موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي ع قال الحسين ع خطب أمير المؤمنين خطبة بليغة في مدح رسول الله ص فقال بعد حمد الله و الصلاة على نبيه لما أراد الله أن ينشئ المخلوقات و يبدع الموجودات أقام الخلائق في صورة واحدة قبل دحو الأرض و رفع السماوات ثم أفاض نورا من نور عزه فلمع قبسا من ضيائه و سطع ثم اجتمع في تلك الصورة و فيها صورة رسول الله ص فقال له تعالى أنت المرتضى المختار و فيك مستودع الأنوار من أجلك أضع البطحاء و أرفع السماء و أجري الماء و أجعل الثواب و العقاب و الجنة و النار و أنصب أهل بيتك علما للهداية و أودع فيهم أسراري بحيث لا يغيب عنهم دقيق و لا جليل و لا يخفى عنهم خفي أجعلهم حجتي على خليقتي و أسكن قلوبهم أنوار عزتي و أطلعهم على معادن جواهر خزائني ثم أخذ الله تعالى عليهم الشهادة بالربوبية و الإقرار بالوحدانية و إن الإمامة فيهم و النور معهم ثم إن الله سبحانه أخفى الخليقة في غيبه و غيبها في مكنون علمه و نصب العوالم و موج الماء و أثار الزبد و أهاج الدخان فطفا عرشه على الماء ثم أنشأ الملائكة من أنوار أبدعها و أنواع اخترعها ثم خلق المخلوقات فأكملها ثم قرن بتوحيده نبوة نبيه فشهدت له السماوات و الأرض و الملائكة و العرش و الكرسي و الشمس و القمر و النجوم و ما في الأرض بالنبوة و الفضيلة ثم خلق آدم و أبان للملائكة فضله و أراهم ما خصه به من سابق العلم فجعله محرابا و قبلة لهم فسجدوا له و عرفوا حقه ثم إن الله تعالى بين لآدم ع حقيقة ذلك النور و مكنون ذلك السر فأودعه شيئا و أوصاه و أعلمه أنه السر في المخلوقات ثم لم يزل ينتقل من الأصلاب الطاهرة إلى الأرحام الزكية إلى أن وصل إلى عبد المطلب فألقاه إلى عبد الله ثم صانه الله عن الخثعمية حتى وصل إلى آمنة فلما أظهره الله بواسطة نبينا ص استدعى الفهوم إلى القيام بحقوق ذلك السر اللطيف و ندب العقول إلى الإجابة لذلك المعنى المودع في الذر قبل النسل فمن واقفه قبس من لمحات ذلك النور اهتدى إلى السر و انتهى إلى العهد المودع في باطن الأمر و غامض العلم و من غمرته الغفلة و شغلته المحنة عشى بصر قلبه عن إدراكه فلا يزال ذلك النور ينتقل فينا أهل البيت و يتشعشع في غرائزنا إلى أن يبلغ الكتاب أجله فنحن أنوار الأرض و السماوات و محض خالص الموجودات و سفن النجاة و فينا مكنون العلم و إلينا مصير الأمور و بمهدينا تنقطع الحجج فهو خاتم الأئمة و منقذ الأمة و منتهى النور و غامض السر فليهنأ من استمسك بعروتنا و حشر على محبتنا
7- نهج البلاغة، و من كتاب عيون الحكمة و المواعظ لعلي بن محمد الواسطي من خطبه صلوات الله عليه الحمد لله الذي لا يبلغ مدحته القائلون و لا يحصي نعماءه العادون و لا يؤدي حقه المجتهدون الذي لا يدركه بعد الهمم و لا يناله غوص الفطن الذي ليس لصفته حد محدود و لا نعت موجود و لا وقت معدود و لا أجل ممدود فطر الخلائق بقدرته و نشر الرياح برحمته و وتد بالصخور ميدان أرضه أول الدين معرفته و كمال معرفته التصديق به و كمال التصديق به توحيده و كمال توحيده الإخلاص له و كمال الإخلاص له نفي الصفات عنه لشهادة كل صفة أنها غير الموصوف و شهادة كل موصوف أنه غير الصفة فمن وصف الله سبحانه فقد قرنه و من قرنه فقد ثناه و من ثناه فقد جزأه و من جزأه فقد جهله و من جهله فقد أشار إليه و من أشار إليه فقد حده و من حده فقد عده و من قال فيم فقد ضمنه و من قال علام فقد أخلى منه كائن لا عن حدث موجود لا عن عدم مع كل شيء لا بمقارنة و غير كل شيء لا بمزايلة فاعل لا بمعنى الحركات و الآلة بصير إذ لا منظور إليه من خلقه متوحد إذ لا سكن يستأنس به و لا يستوحش لفقده أنشأ الخلق إنشاء و ابتدأه ابتداء بلا روية أجالها و لا تجربة استفادها و لا حركة أحدثها و لا همامة نفس اضطرب فيها أحال الأشياء لأوقاتها و لاءم بين مختلفاتها و غرز غرائزها و ألزمها أشباحها عالما بها قبل ابتداءها محيطا بحدودها و انتهائها عارفا بقرائنها و أحنائها ثم أنشأ سبحانه فتق الأجواء و شق الأرجاء و سكائك الهواء فأجرى فيها ماء متلاطما تياره متراكما زخاره حمله على متن الريح العاصفة و الزعزع القاصفة فأمرها برده و سلطها على شده و قرنها إلى حده الهواء من تحتها فتيق و الماء من فوقها دفيق ثم أنشأ سبحانه ريحا اعتقم مهبها و أدام مربها و أعصف مجراها و أبعد منشأها فأمرها بتصفيق الماء الزخار و إثارة موج البحار فمخضته مخض السقاء و عصفت به عصفها بالفضاء ترد أوله إلى آخره و ساجيه إلى مائره حتى عب عبابه و رمى بالزبد ركامه فرفعه في هواء منفتق و جو منفهق فسوى منه سبع سماوات جعل سفلاهن موجا مكفوفا و علياهن سقفا محفوظا و سمكا مرفوعا بغير عمد يدعمها و لا دسار ينتظمها ثم زينها بزينة الكواكب و ضياء الثواقب و أجرى فيها سراجا مستطيرا و قمرا منيرا في فلك دائر و سفق سائر و رقيم مائر ثم فتق ما بين السماوات العلى فملأهن أطوارا من ملائكته منهم سجود لا يركعون و ركوع لا ينتصبون و صافون لا يتزايلون و مسبحون لا يسأمون لا يغشاهم نوم العيون و لا سهو العقول و لا فترة الأبدان و لا غفلة النسيان و منهم أمناء على وحيه و ألسنة إلى رسله و مختلفون بقضائه و أمره و منهم الحفظة لعباده و السدنة لأبواب جنانه و منهم الثابتة في الأرضين السفلى أقدامهم و المارقة من السماء العليا أعناقهم و الخارجة من الأقطار أركانهم و المناسبة لقوائم العرش أكتافهم ناكسة دونه أبصارهم متلفعون تحته بأجنحتهم مضروبة بينهم و بين من دونهم حجب العزة و أستار القدرة لا يتوهمون ربهم بالتصوير و لا يجرون عليه صفات المصنوعين و لا يحدونه بالأماكن و لا يشيرون إليه بالنظائر
و منها في صفة خلق آدم ع ثم جمع سبحانه من حزن الأرض و سهلها و عذبها و سبخها تربة سنها بالماء حتى خلصت و لاطها بالبلة حتى لزبت فجبل منها صورة ذات أحناء و وصول و أعضاء و فصول أجمدها حتى استمسكت و أصلدها حتى صلصلت لوقت معدود و أجل معلوم ثم نفخ فيها من روحه فمثلت إنسانا ذا أذهان يجيلها و فكر يتصرف بها و جوارح يختدمها و أدوات يقلبها و معرفة يفرق بها بين الحق و الباطل و الأذواق و المشام و الألوان و الأجناس معجونا بطينة الألوان المختلفة و الأشباه المؤتلفة و الأضداد المتعادية و الأخلاط المتباينة من الحر و البرد و البلة و الجمود و المساءة و السرور و استأدى الله سبحانه الملائكة وديعته لديهم و عهد وصيته إليهم في الإذعان بالسجود له و الخشوع لتكرمته فقال سبحانه اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ و قبيله اعترته الحمية و غلبت عليه الشقوة و تعزز بخلقه النار و استوهن خلق الصلصال فأعطاه الله النظرة استحقاقا للسخطة و استتماما للبلية و إنجازا للعدة فقال فَإِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ إِلى يَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ
-8 و من خطبة له ع الحمد لله الذي بطن خفيات الأمور و دلت عليه أعلام الظهور و امتنع على عين البصير فلا قلب من لم يره ينكره و لا عين من أثبته تبصره سبق في العلو فلا شيء أعلى منه و قرب في الدنو فلا شيء أقرب منه فلا استعلاؤه باعده عن شيء من خلقه و لا قربه ساواهم في المكان به لم يطلع العقول على تحديد صفته و لم يحجبها عن واجب معرفته فهو الذي تشهد له أعلام الوجود على إقرار قلب ذي الجحود تعالى الله عما يقول المشبهون به و الجاحدون له علوا كبيرا
9- و من خطبة له ع الحمد لله الذي لم تسبق له حال حالا فيكون أولا قبل أن يكون آخرا و يكون ظاهرا قبل أن يكون باطنا و كل مسمى بالوحدة غيره قليل و كل عزيز غيره ذليل و كل قوي غيره ضعيف و كل مالك غيره مملوك و كل عالم غيره متعلم و كل قادر غيره يقدر و يعجزه و كل سميع غيره يصم عن لطيف الأصوات و يصمه كبيرها و يذهب عنه ما بعد منها و كل بصير غيره يعمى عن خفي الألوان و لطيف الأجسام و كل ظاهر غيره غير باطن و كل باطن غيره غير ظاهر لم يخلق ما خلقه لتشديد سلطان و لا تخوف من عواقب زمان و لا استعانة على ند مثاور و لا شريك مكاثر و لا ضد منافر و لكن خلائق مربوبون و عباد داخرون لم يحلل في الأشياء فيقال هو فيها كائن و لم ينأ عنها فيقال هو منها بائن لم يؤده خلق ما ابتدأ و لا تدبير ما ذرأ و لا وقف به عجز عما خلق و لا ولجت عليه شبهة فيما قضى و قدر بل قضاء متقن و علم محكم و أمر مبرم المأمول مع النقم المرهوب مع النعم
10- و من خطبة له ع الحمد لله المعروف من غير رؤية و الخالق من غير روية الذي لم يزل قائما دائما إذ لا سماء ذات أبراج و لا حجب ذات أرتاج و لا ليل داج و لا بحر ساج و لا جبل ذو فجاج و لا فج ذو اعوجاج و لا أرض ذات مهاد و لا خلق ذو اعتماد ذلك مبتدع الخلق و وارثه و إله الخلق و رازقه و الشمس و القمر دائبان في مرضاته يبليان كل جديد و يقربان كل بعيد قسم أرزاقهم و أحصى آثارهم و أعمالهم و عدد أنفاسهم و خائنة أعينهم و ما تخفي صدورهم من الضمير و مستقرهم و مستودعهم من الأرحام و الظهور إلى أن تتناهى بهم الغايات هو الذي اشتدت نقمته على أعدائه في سعة رحمته و اتسعت رحمته لأوليائه في شدة نقمته قاهر من عازه و مدمر من شاقه و مذل من ناواه و غالب من عاداه و من توكل عليه كفاه و من سأله أعطاه و من أقرضه قضاه و من شكره جزاه
11- و من خطبة له ع الحمد لله خالق العباد و ساطح المهاد و مسيل الوهاد و مخصب النجاد ليس لأوليته ابتداء و لا لأزليته انقضاء هو الأول لم يزل و الباقي بلا أجل خرت له الجباه و وحدته الشفاه حد الأشياء عند خلقه لها إبانة له من شبهها لا تقدره الأوهام بالحدود و الحركات و لا بالجوارح و الأدوات لا يقال له متى و لا يضرب له أمد بحتى الظاهر لا يقال له مما و الباطن لا يقال فيما لا شبح فيتقضى و لا محجوب فيحوى لم يقرب من الأشياء بالتصاق و لم يبعد عنها بافتراق لا يخفى عليه من عباده شخوص لحظة و لا كرور لفظة و لا ازدلاف ربوة و لا انبساط خطوة في ليل داج و لا غسق ساج يتفيأ عليه القمر المنير و تعقبه الشمس ذات النور في الأفول و الكرور و تقلب الأزمنة و الدهور من إقبال ليل مقبل و إدبار نهار مدبر قبل كل غاية و مدة و كل إحصاء و عدة تعالى عما ينحله المحددون من صفات الأقدار و نهايات الأقطار و تأثل المساكن و تمكن الأماكن فالحد لخلقه مضروب و إلى غيره منسوب لم يخلق الأشياء من أصول أزلية و لا من أوائل أبدية بل خلق ما خلق فأقام حده و صور ما صور فأحسن صورته ليس شيء منه امتناع و لا له بطاعة شيء انتفاع علمه بالأموات الماضين كعلمه بالأحياء الباقين و علمه بما في السماوات العلى كعلمه بما في الأرضين السفلى
12- و من خطبة له ع لا يشغله شأن و لا يغيره زمان و لا يحويه مكان و لا يصفه لسان و لا يعزب عنه عدد قطر الماء و لا نجوم السماء و لا سوافي الريح في الهواء و لا دبيب النمل على الصفا و لا مقيل الذر في الليلة الظلماء يعلم مساقط الأوراق و خفي طرف الأحداق و أشهد أن لا إله إلا الله غير معدول به و لا مشكوك فيه و لا مكفور دينه و لا مجحود تكوينه شهادة من صدقت نيته و صفت دخلته و خلص يقينه و ثقلت موازينه
13- و من خطبة له ع فمنها لم يولد سبحانه فيكون في العز مشاركا و لم يلد فيكون موروثا هالكا و لم يتقدمه وقت و لا زمان و لم يتعاوره زيادة و لا نقصان بل ظهر للعقول بما أرانا من علامات التدبير المتقن و القضاء المبرم فمن شواهد خلقه خلق السماوات موطدات بلا عمد قائمات بلا سند دعاهن فأجبن طائعات مذعنات غير متلكئات و لا مبطئات و لو لا إقرارهن له بالربوبية و إذعانهن بالطواعية لما جعلهن موضعا لعرشه و لا مسكنا لملائكته و لا مصعدا للكلم الطيب و العمل الصالح من خلقه جعل نجومها إعلاما يستدل به الحيران في مختلف فجاج الأقطار لم يمنع ضوء نورها ادلهمام سجف الليل المظلم و لا استطاعت جلابيب سواد الحنادس أن ترد ما شاع في السماوات من تلألؤ نور القمر فسبحان من لا يخفى عليه سواد غسق داج و لا ليل ساج في بقاع الأرضين المتطأطئات و لا في يفاع السفع المتجاورات و ما يتجلجل به الرعد في أفق السماء و ما تلاشت عنه بروق الغمام و ما تسقط من ورقة تزيلها عن مسقطها عواصف الأنواء و انهطال السماء و يعلم مسقط القطرة و مقرها و مسحب الذرة و مجرها و ما يكفي البعوضة من قوتها و ما تحمل الأنثى في بطنها و الحمد لله الكائن قبل أن يكون كرسي أو عرش أو سماء أو أرض أو جان أو إنس لا يدرك بوهم و لا يقدر بفهم و لا يشغله سائل و لا ينقصه نائل و لا ينظر بعين و لا يحد بأين و لا يوصف بالأزواج و لا يخلق بعلاج و لا يدرك بالحواس و لا يقاس بالناس الذي كلم موسى تكليما و أراه من آياته عظيما بلا جوارح و لا أدوات و لا نطق و لا لهوات بل إن كنت صادقا أيها المتكلف لوصف ربك فصف جبرئيل أو ميكائيل و جنود الملائكة المقربين في حجرات القدس مرجحنين متولهة عقولهم أن يحدوا أحسن الخالقين و إنما يدرك بالصفات ذوو الهيئات و الأدوات و من ينقضي إذا بلغ أمد حده بالفناء فلا إله إلا هو أضاء بنوره كل ظلام و أظلم بظلمته كل نور
14- و من خطبة له ع في التوحيد و تجمع هذه الخطبة من أصول العلم ما لا تجمعه خطبة فمنها ما وحده من كيفه و لا حقيقته أصاب من مثله و لا إياه عنى من شبهه و لا صمده من أشار إليه و توهمه كل معروف بنفسه مصنوع و كل قائم في سواه معلول فاعل بلا اضطراب آلة مقدر لا بجول فكره غني لا باستفادة لا تصحبه الأوقات و لا ترفده الأدوات سبق الأوقات كونه و العدم وجوده و الابتداء أزله بتشعيره المشاعر عرف أن لا مشعر له و بمضادته بين الأمور عرف أن لا ضد له و بمقارنته بين الأشياء عرف أن لا قرين له ضاد النور بالظلمة و الوضوح بالبهمة و الجمود بالبلل و الحرور بالصرد مؤلف بين متعادياتها مقارن بين متبايناتها مقرب بين متباعداتها مفرق بين متدانياتها لا يشمل بحد و لا يحسب بعد و إنما تحد الأدوات أنفسها و تشير الآلات إلى نظائرها منعتها منذ القدمة و حمتها قد الأزلية و جنبتها لو لا التكملة بها تجلى صانعها للعقول و بها امتنع عن نظر العيون لا يجري عليه السكون و الحركة و كيف يجري عليه ما هو أجراه و يعود فيه ما هو أبدأه و يحدث فيه ما هو أحدثه إذا لتفاوتت ذاته و لتجزأ كنهه و لا امتنع من الأزل معناه و لكان له وراء إذ وجد له أمام و لا التمس التمام إذ لزمه النقصان و إذا لقامت آية المصنوع فيه و لتحول دليلا بعد أن كان مدلولا عليه و خرج بسلطان الامتناع من أن يؤثر فيه ما يؤثر في غيره الذي لا يحول و لا يزول و لا يجوز عليه الأفول لم يلد فيكون مولودا و لم يولد فيصير محدودا جل عن اتخاذ الأبناء و طهر عن ملامسة النساء لا تناله الأوهام فتقدره و لا تتوهمه الفطن فتصوره و لا تدركه الحواس فتحسه و لا تلمسه الأيدي فتمسه و لا يتغير بحال و لا يتبدل في الأحوال و لا تبليه الليالي و الأيام و لا يغيره الضياء و الظلام و لا يوصف بشيء من الأجزاء و لا بالجوارح و الأعضاء و لا بعرض من الأعراض و لا بالغيرية و الأبعاض و لا يقال له حد و لا نهاية و لا انقطاع و لا غاية و لا أن الأشياء تحويه فتقله أو تهويه أو أن شيئا يحمله فيميله أو يعدله و ليس في الأشياء بوالج و لا عنها بخارج يخبر لا بلسان و لهوات و يسمع لا بخروق و أدوات يقول و لا يلفظ و يحفظ و لا يتحفظ و يريد و لا يضمر يحب و يرضى من غير رقة و يبغض و يغضب من غير مشقة يقول لما أراد كونه كن فيكون لا بصوت يقرع و لا بنداء يسمع و إنما كلامه سبحانه فعل منه أنشأه و مثله لم يكن من قبل ذلك كائنا و لو كان قديما لكان إلها ثانيا لا يقال كان بعد لم يكن فتجري عليه الصفات المحدثات و لا يكون بينها و بينه فصل و لا له عليها فضل فيستوي الصانع و المصنوع و يتكافأ المبتدع و البديع خلق الخلائق على غير مثال خلا من غيره و لم يستعن على خلقها بأحد من خلقه و أنشأ الأرض فأمسكها من غير اشتغال و أرساها على غير قرار و أقامها بغير قوائم و رفعها بغير دعائم و حصنها من الأود و الاعوجاج و منعها من التهافت و الانفراج أرسى أوتادها و ضرب أسدادها و استفاض عيونها و خد أوديتها
فلم يهن ما بناه و لا ضعف ما قواه هو الظاهر عليها بسلطانه و عظمته و هو الباطن لها بعلمه و معرفته و العالي على كل شيء منها بجلاله و عزته لا يعجزه شيء منها طلبه و لا يمتنع عليه فيغلبه و لا يفوته السريع منها فيسبقه و لا يحتاج إلى ذي مال فيرزقه خضعت الأشياء له و ذلت مستكينة لعظمته لا تستطيع الهرب من سلطانه إلى غيره فتمتنع من نفعه و ضره و لا كفء له فيكافئه و لا نظير له فيساويه و هو المفني لها بعد وجودها حتى يصير موجودها كمفقودها و ليس فناء الدنيا بعد ابتداعها بأعجب من إنشائها و اختراعها و كيف و لو اجتمع جميع حيوانها من طيرها و بهائمها و ما كان من مراحها و سائمها و أصناف أسناخها و أجناسها و متبلدة أممها و أكياسها على إحداث بعوضة ما قدرت على إحداثها و لا عرفت كيف السبيل إلى إيجادها و لتحيرت عقولها في علم ذلك و تاهت و عجزت قواها و تناهت و رجعت خاسئة حسيرة عارفة بأنها مقهورة مقرة بالعجز عن إنشائها مذعنة بالضعف عن إفنائها و أنه سبحانه يعود بعد فناء الدنيا وحده لا شيء معه كما كان قبل ابتدائها كذلك يكون بعد فنائها بلا وقت و لا مكان و لا حين و لا زمان عدمت عند ذلك الآجال و الأوقات و زالت السنون و الساعات فلا شيء إلا الله الواحد القهار الذي إليه مصير جميع الأمور بلا قدرة منها كان ابتداء خلقها و بغير امتناع منها كان فناؤها و لو قدرت على الامتناع لدام بقاؤها لم يتكاءده صنع شيء منها إذ صنعه و لم يؤده منها خلق ما برأه و خلقه و لم يكونها لتشديد سلطان و لا لخوف من زوال و لا نقصان و لا للاستعانة بها على ند مكاثر و لا للاحتراز بها من ضد مثاور و لا للازدياد بها في ملكه و لا لمكاثرة شريك في شركه و لا لوحشة كانت منه فأراد أن يستأنس إليها ثم هو يفتيها بعد تكوينها لا لسأم دخل عليه في تصريفها و تدبيرها و لا لراحة واصلة إليه و لا لثقل شيء منها عليه لا يمله طول بقائها فيدعوه إلى سرعة إفنائها لكنه سبحانه دبرها بلطفه و أمسكها بأمره و أتقنها بقدرته ثم يعيدها بعد الفناء من غير حاجة منه إليها و لا استعانة بشيء منها عليها و لا لانصراف من حال وحشة إلى حال استئناس و لا من حال جهل و عمى إلى علم و التماس و لا من فقر و حاجة إلى غنى و كثرة و لا من ذل و ضعة إلى عز و قدرة
15- و من خطبة له ع الحمد لله الذي أظهر من آثار سلطانه و جلال كبريائه ما حير مقل العيون من عجائب قدرته و ردع خطرات هماهم النفوس عن عرفان كنه صفته و أشهد أن لا إله إلا الله شهادة إيمان و إيقان و إخلاص و إذعان و أشهد أن محمدا عبده و رسوله أرسله و أعلام الهدى دارسة و مناهج الدين طامسة فصدع بالحق و نصح للخلق و هدى إلى الرشد و أمر بالقصد ص و اعلموا عباد الله أنه لم يخلقكم عبثا و لم يرسلكم هملا علم مبلغ نعمه عليكم و أحصى إحسانه إليكم فاستفتحوه و استنجحوه و اطلبوا إليه و استميحوه فما قطعكم عنه حجاب و لا أغلق عنكم دونه باب فإنه لبكل مكان و في كل حين و أوان و مع كل إنس و جان لا يثلمه العطاء و لا ينقصه الحباء و لا يستنفده سائل و لا يستقصيه نائل و لا يلويه شخص عن شخص و لا يلهيه صوت عن صوت و لا تحجزه هبة عن سلب و لا يشغله غضب عن رحمة و لا تولهه رحمة عن عقاب و لا تجنه البطون عن الظهور و لا تقطعه الظهور عن البطون قرب فناي و علا فدنا و ظهر فبطن و بطن فعلن و دان و لم يدن لم يذرأ الخلق باحتيال و لا استعان بهم لكلال
16- و له ع من خطبة يعلم عجيج الوحوش في الفلوات و معاصي العباد في الخلوات و اختلاف النينان في البحار الغامرات و تلاطم الماء بالرياح العاصفات
17- و له ع من خطبة تعرف بخطبة الأشباح هي من جلائل خطبه روى مسعدة بن صدقة عن جعفر بن محمد الصادق ع أن رجلا أتى أمير المؤمنين عليا ع فقال يا أمير المؤمنين صف لنا ربنا لنزداد له حبا و به معرفة فغضب ع و صعد المنبر و هو مغضب فحمد الله و أثنى عليه و صلى على النبي و قال الحمد لله الذي لا يفره المنع و الجمود و لا يكديه الإعطاء و الجود إذ كل معط مستقص سواه و كل مانع مذموم ما خلاه و هو المنان بفوائد النعم و عوائد المزيد و القسم عياله الخلائق ضمن أرزاقهم و قدر أقواتهم و نهج سبيل الراغبين إليه و الطالبين ما لديه و ليس بما سئل بأجود منه بما لم يسأل الأول الذي لم يكن له قبل فيكون شيء قبله و الآخر الذي ليس له بعد فيكون شيء بعده و الرادع أناسي الأبصار عن أن تناله أو تدركه ما اختلف عليه دهر فيختلف منه الحال و لا كان في مكان فيجوز عليه الانتقال و لو وهب تنفست عنه معادن الجبال و ضحكت عنه أصداف البحار من فلز اللجين و العقيان و نثارة الدر و حصيد المرجان ما أثره ذلك في وجوده و لا أنفد سعة ما عنده و لكان عنده من ذخائر الإنعام ما لا تنفده مطالب الأنام لأنه الجواد الذي لا يغيضه سؤال السائلين و لا يبخل إلحاح الملحين
و منها لا تقدر عظمة الله سبحانه على قدر عقلك فتكون من الهالكين هو القادر الذي إذا ارتمت الأوهام لتدرك منقطع قدرته و حاول الفكر المبرأ من خطر الوساوس أن يقع عليه في عميقات غيوب ملكوته و تولهت القلوب إليه لتجري في كيفيات صفاته و غمضت مداخل العقول في حيث لا تبلغه الصفات لتنال علم ذاته ردعها و هي تجوب مهاوي سدف الغيوب متخلصة إليه سبحانه فرجعت إذ جبهت معترفة بأنه لا ينال بجور الاعتساف كنه معرفته و لا يخطر ببال أولي الرويات خاطرة من تقدير جلال عزته الذي ابتدع الخلق على غير مثال امتثله و لا مقدار احتذى عليه من خالق معبود كان قبله و أرانا من ملكوت قدرته و عجائب ما نطقت به آثار حكمته و اعترف الحاجة من الخلق إلى أن يقيمها بمساك قوته ما دلنا باضطرار قيام الحجة له على معرفته و ظهرت في البدائع التي أحدثها آثار صنعته و أعلام حكمته فصار كل ما خلق حجة له و دليلا عليه و إن كان خلقا صامتا فحجته بالتدبير ناطقة و دلالته على المبدع قائمة و أشهد أن من شبهك بتباين أعضاء خلقك و تلاحم حقاق مفاصلهم المحتجبة لتدبير حكمتك لم يعقد غيب ضميره على معرفتك و لم يباشر قلبه اليقين بأنه لا ند لك و كأنه لم يسمع تبرؤ التابعين من المتبوعين إذ يقولون تَاللَّهِ إِنْ كُنَّا لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ إِذْ نُسَوِّيكُمْ بِرَبِّ الْعالَمِينَ كذب العادلون بك إذ شبهوك بأصنامهم و نحلوك حلية المخلوقين بأوهامهم و جزءوك تجزئة المجسمات بخواطرهم و قدروك على الخلقة المختلفة القوى بقرائح عقولهم و أشهد أن من ساواك بشيء من خلقك فقد عدل بك و العادل بك كافر بما تنزلت به محكمات آياتك و نطقت عنه شواهد حجج بيناتك و أنك أنت الله الذي لم تتناه في العقول فتكون في مهب فكرها مكيفا و لا في رويات خواطرها فتكون محدودا مصرفا
و منها قدر ما خلق فأحكم تقديره و دبره فألطفت تدبيره و وجهه لوجهته فلم يتعدد حدود منزلته و لم يقصر دون الانتهاء إلى غايته و لم يستصعب إذ أمر بالمضي على إرادته و كيف صدرت الأمور عن مشيته المنشئ أصناف الأشياء بلا روية فكر آل إليها و لا قريحة غريزة أضمر عليها و لا تجربة أفادها من حوادث الدهور و لا شريك أعانه على ابتداع عجائب الأمور فتم خلقه و أذعن لطاعته و أجاب إلى دعوته و لم يعترض دونه ريث المبطئ و لا أناة المتلكئ فأقام من الأشياء أودها و نهج حدودها و لاءم بقدرته بين متضادها و وصل أسباب قرائنها و فرقها أجناسا مختلفات في الحدود و الأقدار و الغرائز و الهيئات بدايا خلائق أحكم صنعها و فطرها على ما أراد و ابتدعها
و منها في صفة السماء و نظم بلا تعليق رهوات فرجها و لاحم صدوع انفراجها و وشج بينها و بين أزواجها و ذلل للهابطين بأمره و الصاعدين بأعمال خلقه حزونة معراجها و ناداها بعد إذ هي دخان فالتحمت عرى أشراجها و فتق بعد الارتتاق صوامت أبوابها و أقام رصدا من الشهب الثواقب على نقابها و أمسكها من أن تمور في خرق الهواء بأيده و أمرها أن تقف مستسلمة لأمره و جعل شمسها آية مبصرة لنهارها و قمرها آية ممحوة من ليلها فأجراهما في مناقل مجراهما و قدر سيرهما في مدارج درجهما لتميز بين الليل و النهار بهما و ليعلم عدد السنين و الحساب بمقاديرهما ثم علق في جوها فلكها و ناط بها زينتها من خفيات دراريها و مصابيح كواكبها و رمى مسترقي السمع بثواقب شهبها و أجراها على أذلال تسخيرها من ثبات ثابتها و مسير سائرها و هبوطها و صعودها و نحوسها و سعودها
و منها في صفة الملائكة ع ثم خلق سبحانه لإسكان سماواته و عمارة الصفيح الأعلى من ملكوته خلقا بديعا من ملائكته ملأ بهم فروج فجاجها و حشا بهم فتوق أجوائها و بين فجوات تلك الفروج زجل المسبحين منهم في حظائر القدس و سترات الحجب و سرادقات المجد و وراء ذلك الرجيج الذي تستك منه الأسماع سبحات نور تردع الأبصار عن بلوغها فتقف خاسئة على حدودها أنشأهم على صور مختلفات و أقدار متفاوتات أولي أجنحة تسبح جلال عزته لا ينتحلون ما ظهر في الخلق من صنعه و لا يدعون أنهم يخلقون شيئا معه مما انفرد به بَلْ عِبادٌ مُكْرَمُونَ لا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَ هُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ جعلهم فيما هنالك أهل الأمانة على وحيه و حملهم إلى المرسلين ودائع أمره و نهيه و عصمهم من ريب الشبهات فما منهم زائغ من سبيل مرضاته و أمدهم بفوائد المعونة و أشعر قلوبهم تواضع إخبات السكينة و فتح لهم أبوابا ذللا إلى تماجيده و نصب لهم منارا واضحة على أعلام توحيده لم تثقلهم موصرات الآثام و لم ترتحلهم عقب الليالي و الأيام و لم ترم الشكوك بنوازعها عزيمة إيمانهم و لم تعترك الظنون على معاقد يقينهم و لا قدحت قادحة الإحن فيما بينهم و لا سلبتهم الحيرة ما لاق من معرفته بضمائرهم و ما سكن من عظمته و هيبة جلالته في أثناء صدورهم و لم تطمع فيهم الوساوس فتقترع برينها على فكرهم منهم من هو في خلق الغمام الدلح و في عظم الجبال الشمخ و في قترة الظلام الأيهم و منهم من قد خرقت أقدامهم تخوم الأرض السفلى فهي كرايات بيض قد نفذت في مخارق الهواء و تحتها ريح هفافة تحبسها على حيث انتهت من الحدود المتناهية قد استفرغتهم أشغال عبادته و وصلت حقائق الإيمان بينهم و بين معرفته و قطعهم الإيقان به إلى الوله إليه و لم تجاوز رغباتهم ما عنده إلى ما عند غيره قد ذاقوا حلاوة معرفته و شربوا بالكأس الروية من محبته و تمكنت من سويداء قلوبهم وشيجة خيفته فحنوا بطول الطاعة اعتدال ظهورهم و لم ينفد طول الرغبة إليه مادة تضرعهم و لا أطلق عنهم عظيم الزلفة ربق خشوعهم و لم يتولهم الإعجاب فيستكثروا ما سلف منهم و لا تركت لهم استكانة الإجلال نصيبا في تعظيم حسناتهم و لم تجر الفترات فيهم على طول دءوبهم و لم تغض رغباتهم فيخالفوا عن رجاء ربهم و لم تجف لطول المناجاة أسلات ألسنتهم و لا ملكتهم الأشغال فتنقطع بهمس الجوار إليه أصواتهم و لم تختلف في مقاوم الطاعة مناكبهم و لم يثنوا إلى راحة التقصير في أمره رقابهم و لا تعدو على عزيمة جدهم بلاده الغفلات و لا تنتضل في هممهم خدائع الشهوات قد اتخذوا ذا العرش ذخيرة ليوم فاقتهم و يمموه عند انقطاع الخلق إلى المخلوقين برغبتهم لا يقطعون أمد غاية عبادته و لا يرجع بهم الاستهتار بلزوم طاعته إلا إلى مواد من قلوبهم غير منقطعة من رجائه و مخافته لم تنقطع أسباب الشفقة منهم فينوا في جدهم و لم تأسرهم الأطماع فيؤثروا وشيك السعي على اجتهادهم و لم يستعظموا ما مضى من أعمالهم و لو استعظموا ذلك لنسخ الرجاء منهم شفقات وجلهم و لم يختلفوا في ربهم باستحواذ الشيطان عليهم و لم يفرقهم سوء التقاطع و لا تولاهم غل التحاسد و لا شعبتهم مصارف الريب و لا اقتسمتهم أخياف الهمم فهم أسراء إيمان لم يفكهم من ربقته زيغ و لا عدول و لا ونى و لا فتور و ليس في أطباق السماوات موضع إهاب إلا و عليه ملك ساجد أو ساع حافد يزدادون على طول الطاعة بربهم علما و تزداد عزة ربهم في قلوبهم عظما
منها في صفة الأرض و دحوها على الماء كبس الأرض على مور أمواج مستفحلة و لجج بحار زاخرة تلتطم أواذي أمواجها و تصطفق متقاذفات أثباجها و ترغو زبدا كالفحول عند هياجها فخضع جماح الماء المتلاطم لثقل حملها و سكن هيج ارتمائه إذ وطئته بكلكلها و زل مستخذيا إذ تمعكت عليه بكواهلها فأصبح بعد اصطخاب أمواجه ساجيا مقهورا و في حكمة الذل منقادا أسيرا و سكنت الأرض مدحوة في لجة تيارة و ردت من نخوة بأوه و اعتلائه و شموخ أنفه و سمو غلوائه و كعمته على كظة جريته فهمد بعد نزقاته و لبد زيفان و ثباته فلما سكن هيج الماء من تحت أكنافها و حمل شواهق الجبال الشمخ البذخ على أكتافها فجر ينابيع العيون من عرانين أنوفها و فرقها في سهوب بيدها و أخاديدها و عدل حركاتها بالراسيات من جلاميدها و ذوات الشناخيب الشم من صياخيدها فسكنت من الميدان لرسوب الجبال في قطع أديمها و تغلغلها متسربة في جوبات خياشيمها و ركوبها أعناق سهول الأرضين و جراثيمها و فسح بين الجو و بينها و أعد الهواء متنسما لساكنها و أخرج إليها أهلها على تمام مرافقها ثم لم يدع جرز الأرض التي تقصر مياه العيون عن روابيها و لا تجد جداول الأنهار ذريعة إلى بلوغها حتى أنشأ لها ناشئة سحاب تحيي مواتها و تستخرج نباتها ألف غمامها بعد افتراق لمعه و تباين قزعه حتى إذا تمخضت لجة المزن فيه و التمع برقه في كففه و لم ينم وميضه في كنهور ربابه و متراكم سحابه أرسله سحا متداركا قد أسف هيدبه تمريه الجنوب درر أهاضيبه و دفع شآبيبه فلما ألقت السحاب برك بوانيها و بعاع ما استقلت به من العبء المحمول عليها أخرج به من هوامد الأرض النبات و من زعر الجبال الأعشاب فهي تبهج بزينة رياضها و تزدهي بما ألبسته من ريط أزاهيرها و حلية ما سمطت به من ناضر أنوارها و جعل ذلك بلاغا للأنام و رزقا للأنعام و خرق الفجاج في آفاقها و أقام المنار للسالكين على جواد طرقها فلما مهد أرضه و أنفذ أمره اختار آدم ع خيره من خلقه و جعله أول جبلته و أسكنه جنته و أرغد فيها أكله و أوعز إليه فيما نهاه عنه و أعلمه أن في الإقدام عليه التعرض لمعصيته و المخاطرة بمنزلته فأقدم على ما نهاه عنه موافاة لسابق علمه فأهبطه بعد التوبة ليعمر أرضه بنسله و ليقيم الحجة به على عباده و لم يخلهم بعد أن قبضه مما يؤكد عليهم حجة ربوبية و يصل بينهم و بين معرفته بل تعاهدهم بالحجج على السن الخيرة من أنبيائه و متحملي ودائع رسالاته قرنا فقرنا حتى تمت بنبينا محمد ص حجته و بلغ المقطع عذره و نذره و قدر الأرزاق فكثرها و قللها و قسمها على الضيق و السعة فعدل فيها ليبتلي من أراد بميسورها و معسورها و ليختبر بذلك الشكر و الصبر من غنيها و فقيرها ثم قرن بسعتها عقابيل فاقتها و بسلامتها طوارق آفاتها و بفرج أفراحها غصص أتراحها و خلق الآجال فأطالها و قصرها و قدمها و أخرها و وصل بالموت أسبابها و جعله خالجا لأشطانها و قاطعا لمرائر أقرانها عالم السر من ضمائر المضمرين و نجوى المتخافتين و خواطر رجم الظنون و عقد عزيمات اليقين و مسارق إيماض الجفون و ما ضمنته أكنان القلوب و غيابات الغيوب و ما أصغت لاستراقه مصائخ الأسماع و مصايف الذر و مشاتي الهوام و رجع الحنين من المولهات و همس الأقدام و منفسح الثمرة من ولائج غلف الأكمام و منقمع الوحوش من غيران الجبال و أوديتها و مختبئ البعوض بين سوق الأشجار و ألحيتها و مغرز الأوراق من الأفنان و محط الأمشاج من مسارب الأصلاب و ناشئة الغيوم و متلاحمها و درور قطر السحاب في متراكمها و ما تسفي الأعاصير بذيولها و تعفو الأمطار بسيولها و عوم نبات الأرض في كثبان الرمال و مستقر ذوات الأجنحة بذرى شناخيب الجبال و تغريد ذوات المنطق في دياجير الأوكار و ما أوعبته الأصداف و حضنت عليه أمواج البحار و ما غشيته سدفة ليل أو ذر عليه شارق نهار و ما اعتقبت عليه أطباق الدياجير و سبحات النور و أثر كل خطوة و حس كل حركة و رجع كل كلمة و
تحريك كل شفة و مستقر كل نسمة و مثقال كل ذرة و هماهم كل نفس هامة و ما عليها من ثمر شجرة أو ساقط ورقة أو قرارة نطفة أو نقاعة دم و مضغة أو ناشئة خلق و سلالة لم يلحقه في ذلك كلفة و لا اعترضته في حفظ ما ابتدع من خلقه عارضة و لا اعتورته في تنفيذ الأمور و تدابير المخلوقين ملالة و لا فترة بل نفذ فيهم علمه و أحصاهم عده و وسعهم عدله و غمرهم فضله مع تقصيرهم عن كنه ما هو أهله اللهم أنت أهل الوصف الجميل و التعداد الكثير أن تؤمل فخير مأمول و إن ترج فأكرم مرجو اللهم و قد بسطت لي لسانا فيما لا أمدح به غيرك و لا أثنى به على أحد سواك و لا أوجهه إلى معادن الخيبة و مواضع الريبة و عدلت بلساني عن مدائح الآدميين و الثناء على المربوبين المخلوقين اللهم و لكل مثن على من أثنى عليه مثوبة من جزاء أو عارفة من عطاء و قد رجوتك دليلا على ذخائر الرحمة و كنوز المغفرة اللهم و هذا مقام من أفردك بالتوحيد الذي هو لك و لم ير مستحقا لهذه المحامد و الممادح غيرك و بي فاقة إليك لا يجبر مسكنتها إلا فضلك و لا ينعش من خلتها إلا منك و جودك فهب لنا في هذا المقام رضاك و أغننا عن مد الأيدي إلى سواك إِنَّكَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ
18- جوابه ع لليهودي جاء رجل من اليهود إلى أمير المؤمنين علي ع فقال يا أمير المؤمنين متى كان ربنا عز و جل فقال له ع يا يهودي ما كان لم يكن ربنا فكان و إنما يقال متى كان لشيء لم يكن فكان هو كائن بلا كينونة كائن لم يزل ليس له قبل هو قبل القبل و قبل الغاية انقطعت عنه الغايات فهو غاية كل غاية
19- من كتاب مطالب السئول، لمحمد بن طلحة من خطب أمير المؤمنين ع ما ذكر بعد انصرافه من صفين أحمده استتماما لنعمته و استسلاما لعزته و استعصاما من معصيته و أستعينه فاقة إلى كفايته إنه لا يضل من هداه و لا يئل من عاداه و لا يفتقر من كفاه فإنه أرجح ما وزن و أفضل ما خزن و أشهد أن لا إله إلا الله شهادة ممتحنا إخلاصها معتقدا مصاصها نتمسك بها أبدا ما أبقانا و ندخرها لأهوال ما يلقانا فإنه عزيمة الإيمان و فاتحة الإحسان و مرضاة الرحمن و مدحرة الشيطان و أشهد أن محمدا عبده و رسوله أرسله بالدين المشهور و العلم المأثور و الكتاب المسطور و النور الساطع و الضياء اللامع و الأمر الصادع إزاحة للشبهات و احتجاجا بالبينات و تحذيرا بالآيات و تخويفا بالمثلات و الناس في فتن انجذم فيها حبل الدين و تزعزعت سواري اليقين فاختلف النجر و تشتت الأمر و ضاق المخرج و عمى الصدر فالهدى خامل و العمى شامل عصى الرحمن و نصر الشيطان و خذل الإيمان فانهارت دعائمه و تنكرت معالمه و درست سبله و عفت شركه أطاعوا الشيطان فسلكوا مسالكه و وردوا مناهله بهم سارت أعلامه و قام لواؤه في فتن داستهم بأخفافها و وطئتهم بأظلافها و قامت على سنابكها فهم فيها تائهون حائرون جاهلون مفتونون في خير دار و شر جيران نومهم سهود و كحلهم دموع بأرض عالمها ملجم و جاهلها مكرم
20- و منها، ]المنهاج[ أيها الناس شقوا أمواج الفتن بسفن النجاة و عرجوا عن طريق المنافرة و ضعوا تيجان المفاخرة أفلح من نهض بجناح أو استسلم فأراح ماء آجن و لقمة يغص بها آكلها و مجتني الثمرة لغير وقت إيناعها كالزارع بغير أرضه فإن أقل يقولوا حرص على الملك و إن أسكت يقولوا جزع من الموت هيهات بعد اللتيا و التي و الله لابن أبي طالب آنس بالموت من الطفل بثدي أمه بل اندمج علي مكنون علم لو بحت به لاضطربتم اضطراب الأرشية في الطوي البعيدة
21- و من خطبه ع أما بعد فإن الدنيا قد أدبرت و آذنت بوادع و إن الآخرة قد أقبلت و أشرفت باطلاع ألا و إن اليوم المضمار و غدا السباق و السبقة الجنة و الغاية النار أ فلا تائب من خطيئته قبل منيته أ لا عامل لنفسه قبل يوم بؤسه ألا و إنكم في أيام أمل من ورائه أجل فمن عمل في أيام أمله قبل حضور أجله فقد نفعه عمله و لم يضرره أجله و من قصر في أيام أمله قبل حضور أجله فقد خسر عمله و ضره أجله ألا فاعملوا في الرغبة كما تعملون في الرهبة ألا و إني لم أر كالجنة نام طالبها و لا كالنار نام هاربها ألا و إنه من لا ينفعه الحق يضرره الباطل و من لا يستقيم به الهدى يجر به الضلال ألا و إنكم قد أمرتم بالظعن و دللتم على الزاد و إن أخوف ما أخاف به عليكم اتباع الهوى و طول الأمل تزودوا في الدنيا ما تحرزون به أنفسكم غدا
22- و من خطبه ع في استنفار الناس إلى أهل الشام و قد تثاقلوا أف لكم قد سئمت عتابكم أ رضيتم من الآخرة بالحياة الدنيا عوضا و بالذل من العز خلقا إذا دعوتكم إلى جهاد عدوكم دارأت أعينكم كأنكم من الموت في غمرة و من الذهول في سكرة ترتج عليكم حواري فتعمهون فكان قلوبكم مألوسة فأنتم لا تعقلون ما أنتم لي بثقة سجيس الليالي و ما أنتم لي بركن يمال بكم و لا زوافر عز يفتقر إليكم ما أنتم إلا كإبل ضل رعاتها فكلما جمعت من جانب انتشرت من جانب لبئس لعمر الله سعر نار الحرب أنتم تكادون و لا تقتدون و تنتقص أطرافكم و لا تمتعضون و لا ينام عنكم و أنتم في غفلة ساهون غلب و الله المتخاذلون و ايم الله إني لأضل بكم أن لو حمس الوغى و استحر الموت فقد انفرجتم عن ابن أبي طالب انفراج الرأس و الله إن امرأ يمكن عدوه من نفسه يعرق لحمه و يهشم عظمه و يفري جلده لعظيم عجزه ضعيف قلبه حرج صدره أنت فكن ذاك إن شئت فأما أنا فو الله دون أن أعطي ذاك ضرب بالمشرفية تطير منه فراش الهام و تطيح السواعد و الأقدام وَ يَفْعَلُ اللَّهُ بعد ذلك ما يَشاءُ
-23 و من خطبه ع الحمد لله و إن أتى الدهر بالخطب الفادح و الحدث الجليل فإنه لا ينجو من الموت من خافه و لا يعطى البقاء من أحبه ألا و إن الوفاء توأم الصدق و لا أعلم جنة أوقى منه و ما يغدر من علم كيف المرجع و لقد أصبحنا في زمان اتخذ أكثر أهل الغدر كيسا و نسبهم أهل الجهل فيه إلى حسن الحيلة ما لهم قاتلهم الله قد يرى الحول القلب بوجه الحيلة و دونها مانع من أمر الله تعالى و نهيه فيدعها رأي عين بعد القدرة عليها و ينتهز فرصتها من لا حريجة له في الدين
24- و من كلامه في بعض مواقف صفين معاشر المسلمين استشعروا الخشية و تجلببوا السكينة و عضوا على النواجذ فإنه أنبى للسيوف عن الهام و أكملوا اللأمة و قلقلوا السيوف في أغمادها قبل سلها و الحظوا الخزر و اطعنوا الشزر و نافحوا بالظبى و صلوا السيوف بالخطا و اعلموا أنكم بعين الله تعالى و مع ابن عم رسول الله ص فعاودوا الكر و استحيوا من الفر فإنه عار في الأعقاب و نار يوم الحساب و طيبوا عن أنفسكم نفسا و امشوا إلى الموت مشيا سجحا و عليكم بهذا السواد الأعظم و الرواق المطنب فاضربوا ثبجه فإن الشيطان كامن في كسره قد قدم للوثبة يدا و أخر للنكوص رجلا فصمدا صمدا حتى ينجلي لكم عمود الحق وَ أَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ وَ اللَّهُ مَعَكُمْ وَ لَنْ يَتِرَكُمْ أَعْمالَكُمْ
25- و من كلامه في خطبه رحم الله امرأ تبع حكما فوعى و دعي إلى رشاد فدنا و أخذ بحجزة هاد فنجا و راقب ربه و خاف ذنبه و قدم خالصا و اكتسب مذخورا و اجتنب محذورا و رمى غرضا و أحرز عوضا و كابر هواه و كذب مناه و جعل الصبر عطية نجاته و التقوى عدة وفاته و ركب الطريقة الغراء و لزم المحجة البيضاء و اغتنم المهل و بادر الأجل و تزود من العمل قبل انقطاع الأمل
26- و من خطبه ع يوبخ أهل الكوفة و قد تثاقلوا في الخروج إلى الخوارج معه أيتها الفئة المجتمعة أبدانهم المتفرقة أديانهم إنه و الله ما غرت دعوة من دعاكم و لا استراح قلب من قاساكم كلامكم يوهن الصم الصلاب و فعلكم يطمع فيكم عدوكم المرتاب إذا دعوتكم إلى أمر فيه صلاحكم و الذب عن حريمكم اعتراكم الفشل و جئتم بالعلل ثم قلتم كيت و كيت و ذيت و ذيت أعاليل بأضاليل و أقوال الأباطيل ثم سألتموني التأخير دفاع ذي الدين المطول هيهات هيهات إنه لا يدفع الضيم الذل و لا يدرك الحق إلا بالجد فخبروني يا أهل العراق مع أي إمام بعدي تقاتلون أم أية دار تمنعون الذليل و الله من نصرتموه و المغرور من غررتموه و أصبحت و لا أطمع في نصركم و لا أصدق قولكم فرق الله بيني و بينكم و أبدلكم بي غيري و أبدلني بكم من هو خير لي منكم أما إنه ستلقون بعدي ذلا شاملا و سيوفا قاطعة و أثرة قبيحة يتخذها الظالمون عليكم سنة فتبكي عيونكم و يدخل الفقر بيوتكم و قلوبكم و تتمنون في بعض حالاتكم أنكم رأيتموني فنصرتموني و أرقتم دماءكم دوني فلا يبعد الله إلا من ظلم يا أهل الكوفة أعظكم فلا تتعظون و أوقظكم فلا تستيقظون إن من فاز بكم فقد فاز بالخيبة و من رمى بكم فقد رمى بأفوق ناصل أف لكم لقد لقيت منكم ترحا يوما أناديكم و يوما أداجيكم فلا أحرار عند النداء و لا ثبتة عند المصائب فيا لله ما ذا منيت به منكم لقد منيت بصم لا يسمعون و كمه لا يبصرون و بهم لا يعقلون أما و الله لو أني حين أمرتكم بأمري حملتكم على المكروه مني فإذا استقمتم هديتم و إن أبيتم بدأت بكم لكانت الزلفى و لكني تواخيت لكم و توانيت عنكم و تماديت في غفلتكم فكنت أنا و أنتم كما قال الأول
أمرتهم بأمري بمنعرج اللوى فلم تستبينوا الرشد إلا ضحى الغد
اللهم إن دجلة و الفرات نهران أصمان أبكمان فأرسل عليهم ماء بحرك و انزع عنهم ماء نصرك حبذا إخواني الصالحين إن دعوا إلى الإسلام قبلوه و قرءوا القرآن فأحكموه و ندبوا إلى الجهاد فطلبوه فحقيق لهم الثناء الحسن وا شوقاه إلى تلك الوجوه ثم ذرفت عيناه و نزل عن المنبر و قال إِنَّا لِلَّهِ وَ إِنَّا إِلَيْهِ راجِعُونَ إلى ما صرت إليه صرت إلى قوم إن أمرتهم خالفوني و إن اتبعتهم تفرقوا عني جعل الله لي منهم فرجا عاجلا ثم دخل منزله فجاءه رجل من أصحابه فقال يا أمير المؤمنين إن الناس قد ندموا على تثبطهم و قعودهم و علموا أن الحظ في إجابتك لهم فعاودهم في الخطبة فلما أصبح من الغد دخل المسجد الأعظم و نودي في الناس فاجتمعوا فلما غص المسجد بالناس صعد المنبر و خطب هذه الخطبة
27- فقال بعد أن حمد الله تعالى أيها الناس أ لا ترون إلى أطرافكم قد انتقصت و إلى بلادكم تغزى و أنتم ذو عدد جم و شوكة شديدة فما بالكم اليوم لله أبوكم من أين تؤتون و من أين تسخرون و أنى تؤفكون انتبهوا رحمكم الله و تحركوا لحرب عدوكم فقد أبدت الرغوة عن الصريخ لذي عينين و قد أضاء الصبح لذي عشاء فاسمعوا قولي هداكم الله إذا قلت وَ أَطِيعُوا أَمْرِي إذا أمرت فو الله لئن أطعتموني لن تغووا و إن عصيتموني لن ترشدوا خذوا للحرب أهبتها و أعدوا لها عدتها و أخرجوا لها فقد شبت و أوقدت نارها و تحرك لكم الفاسقون لكي يطفئوا نور الله و يغزوا عباد الله فو الله إن لو لقيتم وحدي و هم أضعاف ما هم عليه لما كنت بالذي أهابهم و لا أستوحش منهم و من قتالهم فإني من ضلالتهم التي هم عليها و الحق الذي أنا عليه لعلى بصيرة و يقين و إني إلى لقاء ربي لمشتاق و بحسن ثوابه لمنتظر و هذا القلب الذي ألقاهم به هو القلب الذي لقيت به الكفار مع رسول الله ص و هو القلب الذي لقيت به أهل الجمل و أهل صفين ليلة الهرير فإذا أنا نفرتكم ف انْفِرُوا خِفافاً وَ ثِقالًا وَ جاهِدُوا بِأَمْوالِكُمْ وَ أَنْفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ اللهم اجعلنا و إياهم على الهدى و جنبا و إياهم البلوى و اجعل الآخرة لنا و لهم خيرا من الأولى فلما فرغ من كلامه أجابه الناس سراعا فخرج بهم إلى الخوارج
28- و نقل أن جماعة حضروا لديه و تذاكروا فضل الخط و ما فيه فقالوا ليس في الكلام أكثر من الألف و يتعذر النطق بدونها فقال لهم في الحال هذه الخطبة من غير سابق فكرة و لا تقدم روية و سردها و ليس فيها ألف حمدت من عظمت منته و سبغت نعمته و تمت كلمته و نفذت مشيته و بلغت حجته و عدلت قضيته و سبقت غضبه رحمته حمدته حمد مقر بربوبيته متخضع لعبوديته متنصل من خطيئته معترف بتوحيده مستعيذ من وعيده مؤمل من ربه مغفرة تنجيه يوم يشغل كل عن فصيلته و بنيه و نستعينه و نسترشده و نؤمن به و نتوكل عليه و شهدت له شهود عبد مخلص موقن و فردته تفريد مؤمن متيقن و وحدته توحيد عبد مذعن ليس له شريك في ملكه و لم يكن له ولي في صنعه جل عن مشير و وزير و عون و معين و نظير علم فستر و بطن فخبر و ملك فقهر و عصى فغفر و عبد فشكر و حكم فعدل و تكرم و تفضل لن يزول و لم يزل لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ و هو قبل كل شيء و بعد كل شيء رب متفرد بعزته متمكن بقوته متقدس بعلوه متكبر بسموه ليس يدركه بصر و لم يحط به نظر قوي منيع بصير سميع رءوف رحيم عجز عن وصفه من وصفه و ضل عن نعته من عرفه قرب فبعد و بعد فقرب يجيب دعوة من يدعوه و يرزقه و يحبوه ذو لطف خفي و بطش قوي و رحمة موسعة و عقوبة موجعة رحمته جنة عريضة مونقة و عقوبته جحيم ممدودة موبقة و شهدت ببعث محمد عبده و رسوله و نبيه و صفيه و حبيبه و خليله بعثه في خير عصر و حين فترة و كفر رحمة لعبيده و منة لمزيده ختم به نبوته و وضحت به حجته فوعظ و نصح و بلغ و كدح رءوف بكل مؤمن رحيم سخي رضي ولي زكي عليه رحمة و تسليم و بركة و تعظيم و تكريم من رب غفور رحيم قريب مجيب حليم وصيتكم معشر من حضر بوصية ربكم و ذكرتكم سنة نبيكم فعليكم برهبة تسكن قلوبكم و خشية تدري دموعكم و تقية تنجيكم قبل يوم يذهلكم و يبتليكم يوم يفوز فيه من ثقل وزن حسنته و خف وزن سيئته و عليكم بمسألة ذل و خضوع و تملق و خشوع و توبة و نزوع و ليغنم كل منكم صحته قبل سقمه و شيبته قبل هرمه و سعته قبل فقره و فرغته قبل شغله و حضره قبل سفره و حياته قبل موته قبل يهن و يهرم و يمرض و يسقم و يمله طبيبه و يعرض عنه حبيبه و ينقطع عمره و يتغير عقله ثم قيل هو موعوك و جسمه منهوك ثم جد في نزع شديد و حضرة كل قريب و بعيد فشخص ببصره و طمح بنظره و رشح جبينه و خطفت عرينه و جدبت نفسه و بكت عرسه و حضر رمسه و يتم منه ولده و تفرق عنه عدده و فصم جمعه و ذهب بصره و سمعه و جرد و غسل و عري و نشف و سجي و بسط له و هيئ و نشر عليه كفنه و شد منه ذقنه و حمل فوق سرير و صلى عليه بتكبير بغير سجود و تعفير و نقل من دور مزخرفة و قصور مشيدة و فرش منجدة فجعل في ضريح ملحود ضيق مرصود بلبن منضود مسقف بجلمود و هيل عليه عفره و حشي مدره و تحقق حذره و نسي خبره و رجع عنه وليه و نديمه و نسيبه و حميمه و تبدل به قرينه و حبيبه فهو حشو قبر و رهين حشر يدب في جسمه دود قبره و يسيل صديده من
منخره و تسحق تربته لحمه و ينشف دمه و يرم عظمه حتى يوم حشره فينشره من قبره و ينفخ في الصور و يدعى لحشر و نشور فثم بعثرت قبور و حصلت سريره في صدور و جيء بكل نبي و صديق و شهيد و منطيق و قعد لفصل حكمه قدير بعبده خبير بصير فكم حسرة تضنيه في موقف مهيل و مشهد جليل بين يدي ملك عظيم بكل صغيرة و كبيرة عليم فحينئذ يلجمه عرقه و يخفره قلقه فعبرته غير مرحومة و صرخته غير مسموعة و برزت صحيفته و تبينت جريرته فنظر في سوء عمله و شهدت عينه بنظره و يده ببطشه و رجله بخطوه و جلده بلمسه و فرجه بمسه و يهدده منكر و نكير و كشف له حيث يصير فسلسل جيده و غلت يده فسيق يسحب وحده فورد جهنم بكره شديد و ظل يعذب في جحيم و يسقى شربة من حميم تشوي وجهه و تسلخ جلده يستغيث فيعرض عنه خزنة جهنم و يستصرخ فيلبث حقبه بندم نعوذ برب قدير من شر كل مصير و نسأله عفو من رضي عنه و مغفرة من قبل منه و هو ولي مسألتي و منجح طلبتي فمن زحزح عن تعذيب ربه جعل في جنته بقربه و خلد في قصور و نعمه و ملك بحور عين و حفدة و تقلب في نعيم و سقي من تسنيم مختوم بمسك و عنبر يشرب من خمر معذوب شربة ليس ينزف لبه هذه منزلة من خشي ربه و حذر نفسه و تلك عقوبة من عصى منشئه و سولت له نفسه معصية مبدئه لهو ذلك قول فصل و حكم عدل خير قصص قص و وعظ به و نص تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ
أقول و هذه الخطبة قد نقلها الكفعمي في كتاب المصباح و لكن مع اختلاف شديد و لذلك قد تعرضنا لتلك الاختلافات في الهامش
29- كا، ]الكافي[ من الروضة عن أحمد بن محمد الكوفي عن جعفر بن عبد الله المحمدي عن أبي روح فرج بن قرة عن جعفر بن عبد الله عن مسعدة بن صدقة عن أبي عبد الله ع قال خطب أمير المؤمنين ع بالمدينة فحمد الله و أثنى عليه و صلى على النبي و آله ثم قال أما بعد فإن الله تبارك و تعالى لم يقصم جباري دهر إلا من بعد تمهيل و رخاء و لم يجبر كسر عظم من الأمم إلا بعد أزل و بلاء أيها الناس في دون ما استقبلتم من عطب و استدبرتم من خطب معتبر و ما كل ذي قلب بلبيب و لا كل ذي سمع بسميع و لا كل ذي ناظر عين ببصير عباد الله أحسنوا فيما يعنيكم النظر فيه ثم انظروا إلى عرصات من قد أقاده الله بعلمه كانوا على سنة من آل فرعون أهل جَنَّاتٍ وَ عُيُونٍ وَ زُرُوعٍ وَ مَقامٍ كَرِيمٍ ثم انظروا بما ختم الله لهم بعد النضرة و السرور و الأمر و النهي و لمن صبر منكم العاقبة في الجنان و الله مخلدون وَ لِلَّهِ عاقِبَةُ الْأُمُورِ فيا عجبا و ما لي لا أعجب من خطإ هذه الفرق على اختلاف حججها في دينها لا يقتفون أثر نبي و لا يقتدون بعمل وصي و لا يؤمنون بغيب و لا يعفون عن عيب المعروف فيهم ما عرفوا و المنكر عندهم ما أنكروا و كل امرئ منهم إمام نفسه أخذ منها فيما يرى بعرى وثيقات و أسباب محكمات فلا يزالون بجور و لم يزدادوا إلا خطأ لا ينالون تقربا و لن يزدادوا إلا بعدا من الله عز و جل أنس بعضهم ببعض و تصديق بعضهم لبعض كل ذلك وحشة مما ورث النبي الأمي و نفورا مما أدى إليهم من أخبار فاطر السماوات و الأرض أهل حسرات و كهوف شبهات و أهل عشوات و ضلالة و ريبة من وكله الله إلى نفسه و رأيه فهو مأمون عند من يجهله غير المتهم عند من لا يعرفه فما أشبه هؤلاء بأنعام قد غاب عنها رعاؤها و وا أسفى من فعلات شيعتي من بعد قرب مودتها اليوم كيف يستذل بعدي بعضها بعضا و كيف يقتل بعضها بعضا المتشتت غدا عن الأصل النازلة بالفرع المؤملة الفتح من غير جهته كل حزب منهم آخذ منه بغصن أينما مال الغصن مال معه مع أن الله و له الحمد سيجمع هؤلاء لشر يوم لبني أمية كما يجمع قزع الخريف يؤلف الله بينهم ثم يجعلهم ركاما كركام السحاب ثم يفتح لهم أبوابا يسيلون من مستثارهم كسيل الجنتين سيل العرم حيث بعث عليه فأرة فلم تثبت عليه أكمة و لم يرد سننه رض طود يذعذعهم الله في بطون أودية ثم يسلكهم يَنابِيعَ فِي الْأَرْضِ يأخذ بهم من قوم حقوق قوم و يمكن بهم قوما في ديار قوم تشريدا لبني أمية و لكيلا يغتصبوا ما غصبوا يضعضع الله بهم ركنا و ينقض بهم طي الجنادل من إرم و يملأ منهم بطنان الزيتون فو الذي فلق الحبة و برأ النسمة ليكونن ذلك و كأني أسمع صهيل خيلهم و طمطمة رجالهم و ايم الله ليذوبن ما في أيديهم بعد العلو و التمكين في البلاد كما تذوب الألية على النار من مات منهم مات ضالا و إلى الله عز و جل يفضي منهم من درج و يتوب الله عز و جل على من تاب و لعل الله يجمع شيعتي بعد التشتت لشر يوم لهؤلاء و ليس لأحد على الله عز ذكره الخيرة بل لله الخيرة و الأمر جميعا أيها الناس إن المنتحلين للإمامة من غير أهلها كثير و لو لم تتخاذلوا عن مر الحق و لم تهنوا عن توهين الباطل لم يتشجع عليكم من ليس مثلكم و لم يقومن قوي عليكم على هضم الطاعة و إزوائها عن أهلها لكن تهتم كما تاهت بنو إسرائيل على عهد موسى بن عمران و لعمري ليضاعفن عليكم التيه من بعدي أضعاف ما تاهت بنو إسرائيل و لعمري أن لو قد استكملتم من بعدي مدة سلطان بني أمية لقد اجتمعتم على سلطان الداعي إلى الضلالة و أحييتم الباطل و خلفتم الحق وراء ظهوركم و قطعتم الأدنى من أهل بدر و وصلتم الأبعد من أبناء الحرب لرسول الله ص و لعمري أن لو قد ذاب ما في أيديهم لدنا التمحيص للجزاء و قرب الوعد و انقضت المدة و بدا لكم النجم ذو الذنب من قبل المشرق و لاح لكم القمر المنير فإذا كان ذلك فراجعوا التوبة
و اعلموا أنكم إن اتبعتم طالع المشرق سلك بكم مناهج الرسول ص فتداويتم من العمى و الصمم و البكم و كفيتم مئونة الطلب و التعسف و نبذتم الثقل الفادح عن الأعناق و لا يبعد الله إلا من أبى و ظلم و اعتسف و أخذ ما ليس له وَ سَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ
30- كا، ]الكافي[ من الروضة عن علي بن الحسين المؤدب و غيره عن أحمد بن محمد بن خالد عن إسماعيل بن مهران عن عبد الله بن أبي الحارث الهمداني عن جابر عن أبي جعفر ع قال خطب أمير المؤمنين ع فقال الحمد لله الخافض الرافع الضار النافع الجواد الواسع الجليل ثناؤه الصادقة أسماؤه المحيط بالغيوب و ما يخطر على القلوب الذي جعل الموت بين خلقه عدلا و أنعم بالحياة عليهم فضلا فأحيا و أمات و قدر الأقوات أحكمها بعلمه تقديرا و أتقنها بحكمته تدبيرا إنه كان خبيرا بصيرا هو الدائم بلا فناء و الباقي إلى غير منتهى يعلم ما في الأرض و ما في السماء و ما بينهما و ما تحت الثرى أحمده بخالص حمده المخزون بما حمده به الملائكة و النبيون حمدا لا يحصى له عدد و لا يتقدمه أمد و لا يأتي بمثله أحد أومن به و أتوكل عليه و أستهديه و أستكفيه و أستقصيه بخير و أسترضيه و أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له و أشهد أن محمدا عبده و رسوله أرسله بِالْهُدى وَ دِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَ لَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ صلى الله عليه و آله أيها الناس إن الدنيا ليست لكم بدار و لا قرار إنما أنتم فيها كركب عرسوا فأناخوا ثم استقلوا فغدوا و راحوا دخلوا خفافا و راحوا خفافا لم يجدوا عن مضي نزوعا و لا إلى ما تركوا رجوعا جد بهم فجدوا و ركنوا إلى الدنيا فما استعدوا حتى إذا أخذ بكظمهم و خلصوا إلى دار قوم جفت أقلامهم لم يبق من أكثرهم خبر و لا أثر قل في الدنيا لبثهم و عجل إلى الآخرة بعثهم فأصبحتم حلولا في ديارهم ظاعنين على آثارهم و المطايا بكم تسير سيرا ما فيه أين و لا تفتير نهاركم بأنفسكم دءوب و ليلكم بأرواحكم ذهوب فأصبحتم تحكون من حالهم حالا و تحتذون من مسلكهم مثالا فَلا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَياةُ الدُّنْيا فإنما أنتم فيها سفر حلول الموت بكم نزول تنتضل فيكم مناياه و تمضي بأخباركم مطاياه إلى دار الثواب و العقاب و الجزاء و الحساب فرحم الله امرأ راقب ربه و تنكب ذنبه و كابر هواه و كذب مناه امرؤ أزم نفسه من التقوى بزمام و ألجمها من خشية ربها بلجام فقادها إلى الطاعة بزمامها و قدعها عن المعصية بلجامها رافعا إلى المعاد طرفه متوقعا في كل أوان حتفه دائم الفكر طويل السهر عزوفا عن الدنيا ساما كدوحا لآخرته متحافظا امرأ جعل الصبر مطية نجاته و التقوى عدة وفاته و دواء أجوائه فاعتبر و قاس و ترك الدنيا و الناس يتعلم للتفقه و السداد و قد وقر قلبه ذكر المعاد و طوى مهاده و هجر وساده منتصبا على أطرافه داخلا في أعطافه خاشعا لله عز و جل يراوح بين الوجه و الكفين خشوع في السر لربه لدمعه صبيب و لقلبه وجيب شديدة أسباله ترتعد من خوف الله جل ذكره أوصاله قد عظمت فيما عند الله رغبته و اشتدت منه رهبته راضيا بالكفاف من أمره يظهر دون ما يكتم و يكتفي بأقل مما يعلم أولئك ودائع الله في بلاده المدفوع بهم عن عباده لو أقسم أحدهم على الله جل ذكره و تعالى لأبره أو دعا على أحد نصره الله يسمع إذا ناجاه و يستجيب له إذا دعاه جعل الله العاقبة للتقوى و الجنة لأهلها مأوى دعاؤهم فيها أحسن الدعاء سبحانك اللهم دعاهم المولى على ما آتاهم وَ آخِرُ دَعْواهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ
31- كا، ]الكافي[ من الروضة عن علي بن إبراهيم عن أبيه عن ابن محبوب عن محمد بن النعمان أو غيره عن أبي عبد الله ع أنه ذكر هذه الخطبة لأمير المؤمنين ع يوم الجمعة الحمد لله أهل الحمد و وليه و منتهى الحمد و محله البديء البديع الأجل الأعظم الأعز الأكرم المتوحد بالكبرياء و المتفرد بالآلاء القاهر بعزه و المسلط بقهره الممتنع بقوته المهيمن بقدرته و المتعالي فوق كل شيء بجبروته المحمود بامتنانه و بإحسانه المتفضل بعطائه و جزيل فوائده المتوسع برزقه المسبغ بنعمه نحمده على آلائه و تظاهر نعمائه حمدا يزن عظمة جلاله و يملأ قدر آلائه و كبريائه و أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له الذي كان في أوليته متقادما و في ديموميته متسيطرا خضع الخلائق لوحدانيته و ربوبيته و قديم أزليته و دانوا لدوام أبديته و أشهد أن محمدا ص عبده و رسوله و خيرته من خلقه اختاره بعلمه و اصطفاه لوحيه و ائتمنه على سره و ارتضاه لخلقه و انتدبه لعظيم أمره و لضياء معالم دينه و مناهج سبيله و مفتاح وحيه و سببا لباب رحمته ابتعثه على حين فَتْرَةٍ مِنَ الرُّسُلِ و هدأة من العلم و اختلاف من الملل و ضلال عن الحق و جهالة بالرب و كفر بالبعث و الوعد أرسله إلى الناس أجمعين رَحْمَةً لِلْعالَمِينَ بكتاب كريم قد فصله و فضله و بينه و أوضحه و أعزه و حفظه من أن يأتيه الباطل من بين يديه و من خلفه تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ ضرب للناس فيه الأمثال و صرف فيه الآيات لعلهم يعقلون أحل فيه الحلال و حرم فيه الحرام و شرع فيه الدين لعباده عذرا و نذرا لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ و يكون بلاغا لِقَوْمٍ عابِدِينَ فبلغ رسالته و جاهد في سبيله و عبده حتى أتاه اليقين صلى الله عليه و آله و سلم تسليما كثيرا أوصيكم عباد الله و أوصي نفسي بتقوى الله الذي ابتدأ الأمور بعلمه و إليه يصير غدا ميعادها و بيده فناؤها و فناؤكم و تصرم أيامكم و فناء آجالكم و انقطاع مدتكم فكان قد زالت عن قليل عنا و عنكم كما زالت عمن كان قبلكم فاجعلوا عباد الله اجتهادكم في هذه الدنيا التزود من يومها القصير ليوم الآخرة الطويل فإنها دار عمل و الآخرة دار القرار و الجزاء فتجافوا عنها فإن المغتر من اغتر بها لن تعدو الدنيا إذا تناهت إليها أمنية أهل الرغبة فيها المحبين لها المطمئنين إليها المفتونين بها أن تكون كما قال الله عز و جل كَماءٍ أَنْزَلْناهُ مِنَ السَّماءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَباتُ الْأَرْضِ مِمَّا يَأْكُلُ النَّاسُ وَ الْأَنْعامُ الآية مع أنه لم يصب امرؤ منكم في هذه الدنيا حبرة إلا أورثته عبرة و لا يصبح فيها في جناح أمن إلا و هو يخاف فيها نزول جائحة أو تغير نعمة أو زوال عافية ما فيه مع أن الموت من وراء ذلك و هول المطلع و الوقوف بين يدي الحكم العدل تجزى كل نفس بما عملت لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَساؤُا بِما عَمِلُوا وَ يَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَى فاتقوا الله عز ذكره و سارعوا إلى رضوان الله و العمل بطاعته و التقرب إليه بكل ما فيه الرضا فإنه قريب مجيب جعلنا الله و إياكم ممن يعمل بمحابه و يجتنب سخطه ثم إن أحسن القصص و أبلغ الموعظة و أنفع التذكر كتاب الله جل و عز وَ إِذا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَ أَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ أستعيذ بالله من الشيطان الرجيم بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ وَ الْعَصْرِ إِنَّ الْإِنْسانَ لَفِي خُسْرٍ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصَّالِحاتِ وَ تَواصَوْا بِالْحَقِّ وَ تَواصَوْا بِالصَّبْرِ إِنَّ اللَّهَ وَ مَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَ سَلِّمُوا تَسْلِيماً اللهم صل على محمد و آل محمد و بارك على محمد و آل محمد و تحنن على محمد و آل محمد و سلم على محمد و آل محمد كأفضل ما صليت و باركت و ترحمت و تحننت و سلمت على إبراهيم و آل إبراهيم إنك حميد مجيد اللهم أعط محمدا الوسيلة و الشرف و الفضيلة و المنزلة الكريمة اللهم اجعل محمدا و آل محمد أعظم الخلائق كلهم شرفا يوم القيامة و أقربهم منك مقعدا و أوجههم عندك يوم القيامة جاها و أفضلهم عندك منزلة و نصيبا اللهم أعط محمدا أشرف المقام و حباء السلام و شفاعة الإسلام اللهم و ألحقنا به غير خزايا و لا ناكبين و لا نادمين و لا مبدلين إله الحق آمين ثم جلس قليلا ثم قام فقال
الحمد لله أحق من خشي و حمد و أفضل من اتقى و عبد و أولى من عظم و مجد نحمده لعظيم غنائه و جزيل عطائه و تظاهره نعمائه و حسن بلائه و نؤمن بهداه الذي لا يخبو ضياؤه و لا يتمهد سناؤه و لا يوهن عراه و نعوذ بالله من سوء كل الريب و ظلم الفتن و نستغفره من مكاسب الذنوب و نستعصمه من مساوي الأعمال و مكاره الآمال و الهجوم في الأهوال و مشاركة أهل الريب و الرضا بما يعمل الفجار في الأرض بغير الحق اللهم اغفر لنا و للمؤمنين و المؤمنات الأحياء منهم و الأموات الذين توفيتهم على دينك و ملة نبيك ص اللهم تقبل حسناتهم و تجاوز عن سيئاتهم و أدخل عليهم المغفرة و الرحمة و الرضوان و اغفر للأحياء من المؤمنين و المؤمنات الذين وحدوك و صدقوا رسولك و تمسكوا بدينك و عملوا بفرائضك و اقتدوا بنبيك و سنوا سنتك و أحلوا حلالك و حرموا حرامك و خافوا عقابك و رجوا ثوابك و والوا أولياءك و عادوا أعداءك اللهم اقبل حسناتهم و تجاوز عن سيئاتهم و أدخلهم برحمتك في عبادك الصالحين إله الحق آمين
32- كا، ]الكافي[ من الروضة خطبة لأمير المؤمنين ع علي بن الحسن المؤدب عن أحمد بن محمد بن خالد و أحمد بن محمد عن علي بن الحسن التيمي جميعا عن إسماعيل بن مهران قال حدثني عبد الله بن الحارث عن جابر عن أبي جعفر ع قال خطب أمير المؤمنين ع الناس بصفين فحمد الله و أثنى عليه و صلى على محمد النبي ص ثم قال أما بعد فقد جعل الله تعالى عليكم حقا بولاية أمركم و منزلتي التي أنزلني الله عز ذكره بها منكم و لكم من الحق مثل الذي لي عليكم و الحق أجمل الأشياء في التواصف و أوسعها في التناصف لا يجري لأحد إلا جرى عليه و لا يجري عليه إلا جرى له و لو كان لأحد أن يجري ذلك له و لا يجري عليه لكان ذلك الله عز و جل خالصا دون خلقه لقدرته على عباده و لعدله في كل ما جرت عليه ضروب قضائه و لكن جعل حقه على العباد أن يطيعوه و جعل كفارتهم عليه بحسن الثواب تفضلا منه و تطولا بكرمه و توسعا بما هو من المزيد له أهلا ثم جعل من حقوقه حقوقا فرضها لبعض الناس على بعض فجعلها تتكافى في وجوهها و يوجب بعضها بعضا و لا يستوجب بعضها إلا ببعض فأعظم مما افترض الله تبارك و تعالى من تلك الحقوق حق الوالي على الرعية و حق الرعية على الوالي فريضة فرضها الله عز و جل لكل على كل فجعلها نظام ألفتهم و عزا لدينهم و قواما لسنن الحق فيهم فليست تصلح الرعية إلا بصلاح الولاة و لا تصلح الولاة إلا باستقامة الرعية فإذا أدت الرعية من الوالي حقه و أدى إليها الوالي كذلك عز الحق بينهم فقامت مناهج الدين و اعتدلت معالم العدل و جرت على أذلالها السنن و صلح بذلك الزمان و طاب بها العيش و طمع في بقاء الدولة و يئست مطامع الأعداء و إذا غلبت الرعية على واليهم و علا الوالي الرعية اختلف هنالك الكلمة و ظهرت مطامع الجور و كثر الإدغال في الدين و تركت معالم السنن فعمل بالهوى و عطلت الآثار و كثر علل النفوس و لا يستوحش لجسيم حق عطل و لا لعظيم باطل أثل فهنالك تذل الأبرار و تعز الأشرار و تخرب البلاد و تعظم تبعات الله عز و جل عند العباد فهلم أيها الناس إلى التعاون على طاعة الله عز و جل و القيام بعدله و الوفاء بعهده و الإنصاف له في جميع حقه فإنه ليس العباد إلى شيء أحوج منهم إلى التناصح في ذلك و حسن التعاون عليه و ليس أحد و إن اشتد على رضا الله حرصه و طال في العمل اجتهاده ببالغ حقيقة ما أعطى الله من الحق أهله و لكن من واجب حقوق الله عز و جل على العباد النصيحة له بمبلغ جهدهم و التعاون على إقامة الحق فيهم ثم ليس امرؤ و إن عظمت في الحق منزلته و جسمت في الحق فضيلته بمستغن عن أن يعان على ما حمله الله عز و جل من حقه و لا لامرئ مع ذلك خسئت به الأمور و اقتحمته العيون بدون ما أن يعين على ذلك و يعان عليه و أهل الفضيلة في الحال و أهل النعم العظام أكثر في ذلك حاجة و كل في الحاجة إلى الله عز و جل شرع سواء فأجابه رجل من عسكره لا يدري من هو و يقال أنه لم ير في عسكره قبل
ذلك اليوم و لا بعده فقام و أحسن الثناء على الله عز و جل بما أبلاهم و أعطاهم من واجب حقه عليهم و الإقرار بكل ما ذكر من تصرف الحالات به و بهم ثم قال أنت أميرنا و نحن رعيتك بك أخرجنا الله عز و جل من الذل و بإعزازك أطلق عباده من الغل فاختر علينا فأمض اختيارك و ائتمر فأمض ائتمارك فإنك القائل المصدق و الحاكم الموفق و الملك المخول لا نستحل في شيء من معصيتك و لا نقيس علما بعلمك يعظم عندنا في ذلك خطرك و يجل عنه في أنفسنا فضلك فأجابه أمير المؤمنين ع فقال إن من حق من عظم جلال الله في نفسه و جل موضعه من قلبه أن يصغر عنده لعظم ذلك كل ما سواه و إن أحق من كان كذلك لمن عظمت نعم الله عليه و لطف إحسانه إليه فإنه لم تعظم نعم الله على أحد إلا زاد حق الله عليه عظما و إن من أسخف حالات الولاة عند صالح الناس أن يظن بهم حب الفخر و يوضع أمرهم على الكبر و قد كرهت أن يكون جال في ظنكم أني أحب الإطراء و استماع الثناء و لست بحمد الله كذلك و لو كنت أحب أن يقال ذلك لتركته انحطاطا لله سبحانه عن تناول ما هو أحق به من العظمة و الكبرياء و ربما استحلى الناس الثناء بعد البلاء فلا تثنوا علي بجميل ثناء لإخراجي نفسي إلى الله و إليكم من البقية في حقوق لم أفرغ من أدائها و فرائض لا بد من إمضائها فلا تكلموني بما تكلم به الجبابرة و لا تتحفظوا مني بما يتحفظ به عند أهل البادرة و لا تخالطوني بالمصانعة و لا تظنوا لي استثقالا في حق قيل لي و لا التماس إعظام لنفسي فإنه من استثقل الحق أن يقال له أو العدل أن يعرض عليه كان العمل بهما أثقل عليه فلا تكفوا عن مقالة بحق أو مشورة بعدل فإني لست في نفسي بفوق أن أخطئ و لا آمن ذلك من فعلي إلا أن يكفي الله من نفسي ما هو أملك به مني فإنما أنا و أنتم عبيد مملوكون لرب لا رب غيره يملك منا ما لا نملك من أنفسنا و أخرجنا مما كنا فيه إلى ما صلحنا عليه فأبدلنا بعد الضلالة بالهدى و أعطانا البصيرة بعد العمى فأجابه الرجل الذي أجابه من قبل فقال أنت أهل ما قلت و الله و الله فوق ما قلته فبلاؤه عندنا ما لا يكفر و قد حملك الله تبارك و تعالى رعايتنا و ولاك سياسة أمورنا فأصبحت علمنا الذي نهتدي به و إمامنا الذي نقتدي به و أمرك كله رشد و قولك كله أدب قد قرت بك في الحياة أعيننا و امتلأت من سرور بك قلوبنا و تحيرت من صفة ما فيك من بارع الفضل عقولنا و لسنا نقول لك أيها الإمام الصالح تزكية لك و لا نجاوز القصد في الثناء عليك و لم يكن في أنفسنا طعن على يقينك أو غش في دينك فنتخوف أن يكون أحدثت بنعمة الله تبارك و تعالى تجبرا أو دخلك كبر و لكنا نقول لك ما قلنا تقربا إلى الله عز و جل بتوقيرك و توسعا بتفضيلك و شكرا بإعظام أمرك فانظر لنفسك و لنا و آثر أمر الله على نفسك و علينا فنحن طوع فيما أمرتنا ننقاد من الأمور مع ذلك فيما ينفعنا فأجابه أمير المؤمنين ع فقال و أنا أستشهدكم عند الله على نفسي لعلمكم فيما وليت به من أموركم و عما قليل يجمعني و إياكم الموقف بين يديه و السؤال عما كنا فيه ثم يشهد بعضنا على بعض فلا تشهدوا اليوم بخلاف ما أنتم شاهدون غدا فإن الله عز و جل لا يخفى عليه خافية و لا يجوز عنده إلا مناصحة الصدور في جميع الأمور فأجابه الرجل و يقال لم ير الرجل بعد كلامه هذا لأمير المؤمنين ع فأجابه و قد عال الذي في صدره فقال و البكاء تقطع منطقه و غصص الشجا تكسر صوته إعظاما لخطر مرزئته و وحشة من كون فجيعته فحمد الله و أثنى عليه ثم شكا إليه هول ما أشفى عليه من الخطر العظيم و الذل الطويل في فساد زمانه و انقلاب جده و انقطاع ما كان من دولته ثم
نصب المسألة إلى الله عز و جل بالامتنان عليه و المدافعة عنه بالتفجع و حسن الثناء فقال يا رباني العباد و يا سكن البلاد أين يقع قولنا من فضلك و أين يبلغ وصفنا من فعلك و أنى نبلغ حقيقة حسن ثنائك أو نحصي جميل بلائك و كيف و بك جرت نعم الله علينا و على يدك اتصلت أسباب الخير إلينا أ لم تكن لذل الذليل ملاذا و للعصاة الكفار إخوانا فبمن إلا بأهل بيتك و بك أخرجنا الله عز و جل من فظاعة تلك الخطرات أو بمن فرج عنا غمرات الكربات و بمن إلا بكم أظهر الله معالم ديننا و استصلح ما كان فسد من دنيانا حتى استبان بعد الحور ذكرنا و قرت من رخاء العيش أعيننا لما وليتنا بالإحسان جهدك و وفيت لنا بجميع وعدك و قمت لنا على جميع عهدك فكنت شاهد من غاب منا و خلف أهل البيت لنا و كنت عز ضعفائنا و ثمال فقرائنا و عماد عظمائنا يجمعنا في الأمور عدلك و يتسع لنا في الحق تأنيك فكنت لنا أنسا إذا رأيناك و سكنا إذا ذكرناك فأي الخيرات لم تفعل و أي الصالحات لم تعمل و لو أن الأمر الذي نخاف عليك منه يبلغ تحويله جهدنا و تقوى لمدافعته طاقتنا أو يجوز الفداء عنك منه بأنفسنا و بمن نفديه بالنفوس من أبنائنا لقدمنا أنفسنا و أبناءنا قبلك و لأخطرناها و قل خطرها دونك و لقمنا بجهدنا في محاولة من حاولك و في مدافعة من ناواك و لكنه سلطان لا يحاول و عز لا يزاول و رب لا يغالب فإن يمنن علينا بعافيتك و يترحم علينا ببقائك و يتحنن علينا بتفريج هذا من حالك إلى سلامة منك لنا و بقاء منك بين أظهرنا نحدث لله عز و جل بذلك شكرا نعظمه و ذكرا نديمه و نقسم أنصاف أموالنا صدقات و أنصاف رقيقنا عتقاء و نحدث له تواضعا في أنفسنا و نخشع في جميع أمورنا و إن يمض بك إلى الجنان و يجري عليك حتم سبيله فغير متهم فيك قضاؤه و لا مدفوع عنك بلاؤه و لا مختلفة مع ذلك قلوبنا بأن اختياره لك ما عنده على ما كنت فيه و لكنا نبكي من غير إثم لعز هذا السلطان أن يعود ذليلا و للدين و الدنيا أكيلا فلا نرى لك خلفا نشكو إليه و لا نظيرا نأمله و لا نقيمه
33- كا، ]الكافي[ من الروضة خطبة لأمير المؤمنين ع عن علي بن إبراهيم عن أبيه و محمد بن علي جميعا عن إسماعيل بن مهران و أحمد بن محمد بن أحمد عن علي بن الحسن التيمي و علي بن الحسين عن أحمد بن محمد بن خالد جميعا عن إسماعيل بن مهران عن المنذر بن جيفر عن الحكم بن ظهير عن عبد الله بن جرير العبدي عن الأصبغ بن نباتة قال أتى أمير المؤمنين ع عبد الله بن عمر و ولد أبي بكر و سعد بن أبي وقاص يطلبون منه التفضيل لهم فصعد المنبر و مال الناس إليه فقال الحمد لله ولي الحمد و منتهى الكرم لا تدركه الصفات و لا يحد باللغات و لا يعرف بالغايات و أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له و أن محمدا رسول الله نبي الهدى و موضع التقوى و رسول الرب الأعلى جاء بالحق عند الحق لينذر بالقرآن المبين و البرهان المستنير فصدع بالكتاب المبين و مضى على ما مضت عليه الرسل الأولون أما بعد أيها الناس فلا تقولن رجال قد كانت الدنيا غمرتهم فاتخذوا العقار و فجروا الأنهار و ركبوا أفره الدواب و لبسوا ألين الثياب فصار ذلك عليهم عارا و شنارا إن لم يغفر لهم الغفار إذا منعتهم ما كانوا فيه يخوضون و صيرتهم إلى ما يستوجبون فيفقدون ذلك فيسألون و يقولون ظلمنا ابن أبي طالب و حرمنا حقوقنا فالله عليهم المستعان من استقبل قبلتنا و أكل ذبيحتنا و آمن بنبينا ص و شهد شهادتنا و دخل في ديننا أجرينا عليه حكم القرآن و حدود الإسلام ليس لأحد على أحد فضل إلا بالتقوى ألا و إن للمتقين عند الله تعالى أفضل الثواب و أحسن الجزاء و المآب لم يجعل الله تبارك و تعالى الدنيا للمتقين ثوابا وَ ما عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ لِلْأَبْرارِ انظروا أهل دين الله فيما أصبتم في كتاب الله و تركتم عند رسول الله ص و جاهدتم به في ذات الله أ بحسب أم بنسب أم بعمل أم بطاعة أم زهادة و فيما أصبحتم فيه راغبين فسارعوا إلى منازلكم رحمكم الله التي أمرتم بعمارتها العامرة التي لا تخرب الباقية التي لا تنفد التي دعاكم إليها و حضكم عليها و رغبكم فيها و جعل الثواب عنده عنها فاستتموا نعم الله عز ذكره بالتسليم لقضائه و الشكر على نعمائه فمن لم يرض بهذا فليس منا و لا إلينا و إن الحاكم يحكم بحكم الله و لا خشية عليه من ذلك أُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ و في نسخه و لا وحشة و أولئك لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَ لا هُمْ يَحْزَنُونَ و قال و قد عاتبتكم بدرتي التي أعاتب بها أهلي فلم تبالوا و ضربتكم بسوطي الذي أقيم به حدود ربي فلم ترعووا أ تريدون أن أضربكم بسيفي أما إني أعلم الذي تريدون و يقيم أودكم و لكن لا أشتري صلاحكم بفساد نفسي بل يسلط الله عليكم قوما فينتقم لي منكم فلا دنيا استمتعتم بها و لا آخرة صرتم إليها فبعدا و سحقا لِأَصْحابِ السَّعِيرِ
34- كا، ]الكافي[ من الروضة خطبة لأمير المؤمنين ع عن أحمد بن محمد عن سعيد بن المنذر بن محمد عن أبيه عن جده عن محمد بن الحسين عن أبيه عن جده عن أبيه قال خطب أمير المؤمنين ع و رواها غيره بغير هذا الإسناد و ذكر أنه خطب بذي قار فحمد الله و أثنى عليه ثم قال أما بعد فإن الله تبارك و تعالى بعث محمدا ص بالحق ليخرج عباده من عبادة عباده إلى عبادته و من عهود عباده إلى عهوده و من طاعة عباده إلى طاعته و من ولاية عباده إلى ولايته بشيرا و نذيرا و داعيا إلى الله بإذنه و سراجا منيرا عودا و بدءا و عذرا و نذرا بحكم قد فصله و تفصيل قد أحكمه و فرقان قد فرقه و قرآن قد بينه ليعلم العباد ربهم إذ جهلوه و ليقروا به إذ جحدوه و ليثبتوه بعد إذ أنكروه فتجلى لهم سبحانه في كتابه من غير أن يكونوا رأوه فأراهم حلمه كيف حلم و أراهم عفوه كيف عفا و أراهم قدرته كيف قدر و خوفهم من سطوته و كيف خلق ما خلق من الآيات و كيف محق من محق من العصاة بالمثلات و احتصد من احتصد بالنقمات و كيف رزق و هدى و أعطى و أراهم حكمه كيف حكم و صبر حتى يسمع ما يسمع و يرى فبعث الله عز و جل محمدا ص بذلك ثم إنه سيأتي عليكم من بعدي زمان ليس في ذلك الزمان شيء أخفى من الحق و لا أظهر من الباطل و لا أكثر من الكذب على الله تعالى و رسوله ص و ليس عند أهل ذلك الزمان سلعة أبور من الكتاب إذا تلي حق تلاوته و لا سلعة أنفق بيعا و لا أغلى ثمنا من الكتاب إذا حرف عن مواضعه و ليس في العباد و لا في البلاد شيء هو أنكر من المعروف و لا أعرف من المنكر و ليس فيها فاحشة أنكر و لا عقوبة أنكى من الهدى عند الضلال في ذلك الزمان فقد نبذ الكتاب حملته و تناساه حفظته حتى تمالت بهم الأهواء و توارثوا ذلك من الآباء و عملوا بتحريف الكتاب كذبا و تكذيبا فباعوه بالبخس و كانوا فيه من الزاهدين فالكتاب و أهل الكتاب في ذلك الزمان طريدان منفيان و صاحبان مصطحبان في طريق واحد لا يؤويهما مؤو فحبذا ذانك الصاحبان واها لهما و لما يعملان له فالكتاب و أهل الكتاب في ذلك الزمان في الناس و ليسوا فيهم و معهم و ليسوا معهم و ذلك لأن الضلالة لا توافق الهدى و إن اجتمعا و قد اجتمع القوم على الفرقة و افترقوا على الجماعة و قد ولوا أمرهم و أمر دينهم من يعمل فيهم بالمكر و المنكر و الرشاء و القتل كأنهم أئمة الكتاب و ليس الكتاب إمامهم لم يبق عندهم من الحق إلا اسمه و لم يعرفوا من الكتاب إلا خطه و زبره يدخل الداخل لما يسمع من حكم القرآن فلا يطمئن جالسا حتى يخرج من الدين ينتقل من دين ملك إلى دين ملك و من ولاية ملك إلى ولاية ملك و من طاعة ملك إلى طاعة ملك و من عهود ملك إلى عهود ملك فاستدرجهم الله تعالى مِنْ حَيْثُ لا يَعْلَمُونَ و إن كيده متين بالأمل و الرجاء حتى توالدوا في المعصية و دانوا بالجور و الكتاب لم يضرب عن شيء منه صفحا ضلالا تائهين قد دانوا بغير دين الله عز ذكره و أدانوا لغير الله مساجدهم في ذلك الزمان عامرة من الضلالة خربة من الهدى و فقراؤها و عمارها أخائب خلق الله و خليقته من عندهم جرت الضلالة و إليهم تعود و حضور مساجدهم و المشي إليها كفر بالله العظيم إلا من مشى إليها و هو عارف بضلالتهم فصارت مساجدهم من فعالهم على ذلك النحو خربة من الهدى عامرة من الضلالة قد بدلت
سنة الله و تعديت حدوده و لا يدعون إلى الهدى و لا يقسمون الفيء و لا يوفون بذمة يدعون القتيل منهم على ذلك شهيدا قد أتوا الله بالافتراء و الجحود و استغنوا بالجهل عن العلم و من قبل ما مثلوا بالصالحين كل مثلة و سموا صدقهم على الله فرية و جعلوا في الحسنة العقوبة السيئة و قد بعث الله عز و جل إليكم رسولا من أنفسكم عزيزا عليه ما عنتم حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُفٌ رَحِيمٌ و أنزل عليه كتابا عزيزا لا يَأْتِيهِ الْباطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَ لا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ قُرْآناً عَرَبِيًّا غَيْرَ ذِي عِوَجٍ لِيُنْذِرَ مَنْ كانَ حَيًّا وَ يَحِقَّ الْقَوْلُ عَلَى الْكافِرِينَ فلا يلهينكم الأمل و لا يطولن عليكم الأجل فإنما أهلك من كان قبلكم أمد أملهم و تغطية الآجال عنهم حتى نزل بهم الموعود الذي ترد عنه المعذرة و ترفع عنه التوبة و تحل معه القارعة و النقمة و قد أبلغ الله عز و جل إليكم بالوعد و فصل لكم القول و علمكم السنة و شرع لكم المناهج ليزيح العلة و حث على الذكر و دل على النجاة و إنه من انتصح لله و اتخذ قوله دليلا هداه للتي هي أقوم و وفقه للرشاد و سدده و يسره للحسنى فإن جار الله آمن محفوظ و عدوه خائف مغرور فاحترسوا من الله عز ذكره بكثرة الذكر و اخشوا منه بالتقى و تقربوا إليه بالطاعة فإنه قريب مجيب قال الله عز و جل وَ إِذا سَأَلَكَ عِبادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذا دَعانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَ لْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ فاستجيبوا لله و آمنوا به و عظموا الله الذي لا ينبغي لمن عرف عظمة الله أن يتعظم فإن رفعة الذين يعلمون ما عظمة الله أن يتواضعوا له و عز الذين يعلمون ما جلال الله أن يذلوا له و سلامة الذين يعلمون ما قدر الله أن يستسلموا له فلا ينكرون أنفسهم بعد حد المعرفة و لا يضلون بعد الهدى فلا تنفروا من الحق نفار الصحيح من الأجرب و البارئ من ذي السقم و اعلموا أنكم لن تعرفوا الرشد حتى تعرفوا الذي تركه و لن تأخذوا بميثاق الكتاب حتى تعرفوا الذي نقضه و لن تمسكوا به حتى تعرفوا الذي نبذه و لن تتلو الكتاب حق تلاوته حتى تعرفوا الذي حرفه و لن تعرفوا الضلالة حتى تعرفوا الهدى و لن تعرفوا التقوى حتى تعرفوا الذي تعدى فإذا عرفتم ذلك عرفتم البدع و التكلف و رأيتم الفرية على الله و على رسوله و التحريف لكتابه و رأيتم كيف هدى الله من هدى فلا يجهلنكم الذين لا يعلمون علم القرآن إن علم القرآن ليس بعلم ما هو إلا من ذاق طعمه فعلم بالعلم جهله و بصر به عماه و سمع به صممه و أدرك به علم ما فات و حيي به بعد إذ مات و أثبت عند الله عز ذكره الحسنات و محا به السيئات و أدرك به رضوانا من الله تبارك و تعالى فاطلبوا ذلك من عند أهله خاصة فإنهم خاصة نور يستضاء به و أئمة يقتدى بهم و هم عيش العلم و موت الجهل هم الذين يخبركم حكمهم عن علمهم و صمتهم عن منطقهم و ظاهرهم عن باطنهم لا يخالفون الدين و لا يختلفون فيه فهو بينهم شاهد صادق و صامت ناطق فهم من شأنهم شهداء بالحق و مخبر صادق لا يخالفون الحق و لا يختلفون فيه قد خلت لهم من الله سابقة و مضى فيهم من الله عز و جل حكم صادق و في ذلك ذِكْرى لِلذَّاكِرِينَ فاعقلوا الحق إذا سمعتموه عقل رعاية و لا تعقلوه عقل رواية فإن رواة الكتاب كثير و رعاته قليل وَ اللَّهُ الْمُسْتَعانُ
-35 ما، ]الأمالي للشيخ الطوسي[ عن الحسين بن عبيد الله عن علي بن محمد بن محمد العلوي عن محمد بن موسى الرقي عن علي بن محمد بن أبي القاسم عن أحمد بن أبي عبد الله البرقي عن عبد العظيم بن عبد الله الحسني عن أبيه عن أبان مولى زيد بن علي عن عاصم بن بهدلة عن شريح القاضي قال قال أمير المؤمنين ع لأصحابه يوما و هو يعظهم ترصدوا مواعيد الآجال و باشروها بمحاسن الأعمال و لا تركنوا إلى ذخائر الأموال فتخليكم خدائع الآمال إن الدنيا خداعة صراعة مكارة غرارة سحارة أنهارها لامعة و ثمراتها يانعة ظاهرها سرور و باطنها غرور تأكلكم بأضراس المنايا و تبيركم بإتلاف الرزايا لهم بها أولاد الموت و آثروا زينتها و فطلبوا رتبتها جهل الرجل و من ذلك الرجل المولع بلذتها و الساكن إلى فرحتها و الآمن لغدرتها دارت عليكم بصروفها و رمتكم بسهام حتوفها فهي تنزع أرواحكم نزعا و أنتم تجمعون لها جمعا للموت تولدون و إلى القبور تنقلون و على التراب تتوسدون و إلى الدود تسلمون و إلى الحساب تبعثون يا ذوي الجيل و الآراء و الفقه و الأنباء اذكروا مصارع الآباء فكأنكم بالنفوس قد سلبت و بالأبدان قد عريت و بالمواريث قد قسمت فتصير يا ذا الدلال و الهيبة و الجمال إلى منزلة شعثاء و محلة غبراء فتنوم على خدك في لحدك في منزل قل زواره و مل عماله حتى تشق عن القبور و تبعث إلى النشور فإن ختم لك بالسعادة صرت إلى الحبور و أنت ملك مطاع و آمن لا تراع يطوف عليكم ولدان كأنهم الجمان بِكَأْسٍ مِنْ مَعِينٍ بَيْضاءَ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ أهل الجنة فيها يتنعمون و أهل النار فيها يعذبون هؤلاء في السندس و الحرير يتبخترون و هؤلاء في الجحيم و السعير يتقلبون هؤلاء تحشى جماجمهم بمسك الجنان و هؤلاء يضربون بمقامع النيران هؤلاء يعانقون الحور في الحجال و هؤلاء يطوقون أطواقا في النار بالأغلال في قلبه فزع قد أعيا الأطباء و به داء لا يقبل الدواء يا من يسلم إلى الدود و يهدى إليه اعتبر بما تسمع و ترى و قل لعينيك تجفو لذة الكرى و تفيض من الدموع بعد الدموع تترى بيتك القبر بيت الأهوال و البلى و غايتك الموت يا قليل الحياء اسمع يا ذا الغفلة و التصريف من ذي الوعظ و التعريف جعل يوم الحشر يوم العرض و السؤال و الحباء و النكال يوم تقلب إليه أعمال الأنام و تحصى فيه جميع الآثام يوم تذوب من النفوس إحداق عيونها و تضع الحوامل ما في بطونها و يفرق بين كل نفس و حبيبها و يحار في تلك الأهوال عقل لبيبها إذا تنكرت الأرض بعد حسن عمارتها و تبدلت بالخلق بعد أنيق زهرتها أخرجت من معادن الغيب أثقالها و نفضت إلى الله أحمالها يوم لا ينفع الجد إذا عاينوا الهول الشديد فاستكانوا و عرف المجرمون بسيماهم فاستبانوا فانشقت القبور بعد طول انطباقها و استسلمت النفوس إلى الله بأسبابها كشف عن الآخرة غطاؤها و ظهر للخلق أبناؤها ف دُكَّتِ الْأَرْضُ دَكًّا دَكًّا و مدت لأمر يراد بها مدا مدا و اشتد المثارون إلى الله شدا شدا و تزاحفت الخلائق إلى المحشر زحفا زحفا و رد المجرمون على الأعقاب ردا ردا و جد الأمر ويحك يا إنسان جدا جدا و قربوا للحساب فردا فردا وَ جاءَ رَبُّكَ وَ الْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا يسألهم عما عملوا حرفا حرفا فجيء بهم عراة الأبدان خشعا أبصارهم أمامهم الحساب و من ورائهم جهنم يسمعون زفيرها و يرون سعيرها فلم يجدوا ناصرا و لا وليا يجيرهم من الذل فهم يعدون سراعا إلى مواقف الحشر يساقون سوقا ف السَّماواتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ كَطَيِّ السِّجِلِّ لِلْكُتُبِ و العباد على الصراط وجلت قلوبهم يظنون أنهم لا يسلمون وَ لا يُؤْذَنُ لَهُمْ فيتكلمون و لا يقبل منهم فَيَعْتَذِرُونَ قد ختم على أفواههم و استنطقت أَيْدِيهِمْ وَ أَرْجُلُهُمْ بِما كانُوا يَعْمَلُونَ يا لها من ساعة ما أشجى مواقعها من القلوب حين ميز بين الفريقين فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَ فَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ من مثل هذا فليهرب الهاربون إذا كانت الدار الآخرة لها يعمل العاملون
36- ما، ]الأمالي للشيخ الطوسي[ عن محمد بن أحمد بن شاذان عن محمد بن علي بن المفضل عن علي بن حسن النحوي عن الحسن بن علي الزفري عن العباس بن بكار الضبي عن أبي بكر الهذلي عن عكرمة عن ابن عباس قال خطب أمير المؤمنين ع فقال الحمد لله الذي لا يحويه مكان و لا يحده زمان علا بطوله و دنا بحوله سابق كل غنيمة و فضل و كاشف كل عظيمة و أزل أحمده على جود كرمه و سبوغ نعمه و أستعينه على بلوغ رضاه و الرضا بما قضاه و أومن به إيمانا و أتوكل عليه إيقانا و أشهد أن لا إله إلا الله الذي رفع السماء فبناها و سطح الأرض فطحاها و أَخْرَجَ مِنْها ماءَها وَ مَرْعاها وَ الْجِبالَ أَرْساها لا يئوده خلق و هو العلي العظيم و أشهد أن محمدا عبده و رسوله أرسله بالهدى المشهور و الكتاب المسطور و الدين المأثور إبلاء لعذره و إنهاء لأمره فبلغ الرسالة و هدى من الضلالة و عبد ربه حتى أتاه اليقين فصلى الله عليه و آله و سلم كثيرا أوصيكم بتقوى الله فإن التقوى أفضل كنز و أحرز حرز و أعز عز فيه نجاة كل هارب و درك كل طالب و ظفر كل غالب و أحثكم على طاعة الله فإنها كهف العابدين و فوز الفائزين و أمان المتقين و اعلموا أيها الناس إنكم سيارة قد حدا بكم الهادي و حدا لخراب الدنيا حادي و ناداكم للموت منادي فَلا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَياةُ الدُّنْيا وَ لا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ ألا و إن الدنيا دار غرارة خداعة تنكح في كل يوم بعلا و تقتل في كل ليلة أهلا و تفرق في كل ساعة شملا فكم من منافس فيها و راكن إليها من الأمم السالفة قد قذفتهم في الهاوية و دمرتهم تدميرا و تبرتهم تتبيرا و أصلتهم سعيرا أين من جمع فأوعى و شد فأوكى و منع فأكدى بل أين من عسكر العساكر و دسكر الدساكر و ركب المنابر أين من بنى الدور و شرف القصور و جمهر الألوف قد تداولتهم أيامها و ابتلعتهم أعوامها فصاروا أمواتا و في القبور رفاتا قد يئسوا ما خلفوا و وقفوا على ما أسلفوا ثُمَّ رُدُّوا إِلَى اللَّهِ مَوْلاهُمُ الْحَقِّ أَلا لَهُ الْحُكْمُ وَ هُوَ أَسْرَعُ الْحاسِبِينَ و كأني بها و قد أشرفت بطلائعها و عسكرت بفظائعها فأصبح المرء بعد صحته مريضا و بعد سلامته نقيصا يعالج كربا و يقاسي تعبا في حشرجة السباق و تتابع الفواق و تردد الأنين و الذهول عن البنات و البنين و المرء قد اشتمل عليه شغل شاغل و هو هائل قد اعتقل منه اللسان و تردد منه البنان فأصاب مكروها و فارق الدنيا مسلوبا لا يملكون له نفعا و لا لما حل به دفعا يقول الله عز و جل في كتابه فَلَوْ لا إِنْ كُنْتُمْ غَيْرَ مَدِينِينَ تَرْجِعُونَها إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ ثم من دون ذلك أهوال يوم القيامة و يوم الحسرة و الندامة يوم تنصب الموازين و تنشر الدواوين بإحصاء كل صغيرة و إعلان كل كبيرة يقول الله في كتابه وَ وَجَدُوا ما عَمِلُوا حاضِراً وَ لا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَداً ثم قال أيها الناس الآن الآن من قبل الندم و من قبل أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ يا حَسْرَتى عَلى ما فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ وَ إِنْ كُنْتُ لَمِنَ السَّاخِرِينَ أَوْ تَقُولَ لَوْ أَنَّ اللَّهَ هَدانِي لَكُنْتُ مِنَ الْمُتَّقِينَ أَوْ تَقُولَ حِينَ تَرَى الْعَذابَ لَوْ أَنَّ لِي كَرَّةً فَأَكُونَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ فيرد الجليل جل ثناؤه بَلى قَدْ جاءَتْكَ آياتِي فَكَذَّبْتَ بِها وَ اسْتَكْبَرْتَ وَ كُنْتَ مِنَ الْكافِرِينَ فو الله ما سئل الرجوع إلا ليعمل صالحا وَ لا يُشْرِكْ بِعِبادَةِ رَبِّهِ أَحَداً ثم قال أيها الناس الآن الآن ما دام الوثاق مطلقا و السراج منيرا و باب التوبة مفتوحا و من قبل أن يجف القلم و تطوى الصحيفة فلا رزق ينزل و لا عمل يصعد المضمار اليوم و السباق غدا فإنكم لا تدرون إلى جنة أو إلى نار و أستغفر الله لي و لكم