1- ف، ]تحف العقول[ هذا ما أمر به عبد الله علي أمير المؤمنين مالك بن الحارث الأشتر في عهده إليه حين ولاه مصر جباية خراجها و مجاهدة عدوها و استصلاح أهلها و عمارة بلادها أمره بتقوى الله و إيثار طاعته ما أمره الله به في كتابه من فرائضه و سننه التي لا يسعد أحد إلا باتباعها و لا يشقى إلا مع جحودها و إضاعتها و أن ينصر الله بيده و قلبه و لسانه فإنه قد تكفل بنصر من نصره إنه قَوِيٌّ عَزِيزٌ و أمره أن يكسر من نفسه عند الشهوات فإن النفس أمارة بِالسُّوءِ إِلَّا ما رَحِمَ رَبِّي إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَحِيمٌ و أن يعتمد كتاب الله عند الشبهات فإن فيه تبيان كل شيء وَ هُدىً وَ رَحْمَةٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ و أن يتحرى رضا الله و لا يتعرض لسخطه و لا يصر على معصيته فإنه لا ملجأ من الله إلا إليه ثم اعلم يا مالك أني قد وجهتك إلى بلاد قد جرت عليها دول قبلك من عدل و جور و إن الناس ينظرون من أمورك في مثل ما كنت تنظر فيه من أمور الولاة قبلك و يقولون فيك ما كنت تقول فيهم و إنما يستدل على الصالحين بما يجري الله لهم على ألسن عباده فليكن أحب الذخائر إليك ذخيرة العمل الصالح بالقصد فيما تجمع و ما ترعى به رعيتك فاملك هواك و لتسخ بنفسك عما لا يحل لك فإن سخاء النفس الإنصاف منها فيما أحببت و كرهت و أشعر قلبك الرحمة للرعية و المحبة لهم و اللطف بالإحسان إليهم و لا تكونن عليهم سبعا ضاريا تغتنم أكلهم فإنهم صنفان إما أخ لك في الدين و إما نظير لك في الخلق تفرط منهم الزلل و تعرض لهم العلل و يؤتى على أيديهم في العمد و الخطإ فأعطهم من عفوك و صفحك مثل الذي تحب أن يعطيك الله من عفوه فإنك فوقهم و والي الأمر عليك فوقك و الله فوق من ولاك بما عرفك من كتابه و بصرك من سنن نبيه ص عليك بما كتبنا لك في عهدنا هذا لا تنصبن نفسك لحرب الله فإنه لا يدي لك بنقمته و لا غنى بك عن عفوه و رحمته فلا تندمن على عفو و لا تبجحن بعقوبة و لا تسرعن إلى بادرة وجدت عنها مندوحة و لا تقولن إني مؤمر آمر فأطاع فإن ذلك إدغال في القلب و منهكة للدين و تقرب من الفتن فتعوذ بالله من درك الشقاء و إذا أعجبك ما أنت فيه من سلطانك فحدثت لك به أبهة أو مخيلة فانظر إلى عظم ملك الله فوقك و قدرته منك على ما لا تقدر عليه من نفسك فإن ذلك يطأمن إليك من طماحك و يكف عنك من غربك و يفيء إليك ما عزب من عقلك و إياك و مساماته في عظمته أو التشبه به في جبروته فإن الله يذل كل جبار و يهين كل مختال فخور أنصف الله و أنصف الناس من نفسك و من خاصتك و من أهلك و من لك فيه هوى من رعيتك فإنك إن لا تفعل تظلم و من ظلم عباد الله كان الله خصمه دون عباده و من خاصمه الله أدحض حجته و كان لله حربا حتى ينزع و يتوب و ليس شيء أدعى إلى تغيير نقمة و تعجيل نقمة من إقامة على ظلم فإن الله يسمع دعوة المظلومين و هو للظالمين بمرصاد و من يكن كذلك فهو رهين هلاك في الدنيا و الآخرة و ليكن أحب الأمور إليك أوسطها في الحق و أعمها في العدل و أجمعها للرعية فإن سخط العامة يجحف برضا الخاصة و إن سخط الخاصة يغتفر مع رضا العامة و ليس أحد من الرعية أثقل على الوالي مئونة في الرخاء و أقل له معونة في البلاء و أكره للإنصاف و أسأل بالإلحاف و أقل شكرا عند الإعطاء و أبطأ عذرا عند المنع و أكره للإنصاف و أضعف صبرا عند ملمات الأمور من الخاصة
و إنما عمود الدين و جماع المسلمين و العدة للأعداء أهل العامة من الأمة فليكن لهم صغوك و اعمد لأعم الأمور منفعة و خيرها عاقبة و لا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ و ليكن أبعد رعيتك منك و أشنؤهم عندك أطلبهم لعيوب الناس فإن في الناس عيوبا الوالي أحق من سترها فلا تكشفن ما غاب عنك و استر العورة ما استطعت يستر الله منك ما تحب ستره من رعيتك و أطلق عن الناس عقد كل حقد و اقطع عنك سبب كل وتر و اقبل العذر و ادرأ الحدود بالشبهات و تغاب عن كل ما لا يصح لك و لا تستر شبهة و لا تعجلن إلى تصديق ساع فإن الساعي غاش و إن تشبه بالناصحين لا تدخلن في مشورتك بخيلا يخذلك عن الفضل و يعدك الفقر و لا جبانا يضعف عليك الأمور و لا حريصا يزين لك الشره بالجور فإن البخل و الجور و الحرص غرائز شتى يجمعها سوء الظن بالله كمونها في الأشرار أيقن أن شر وزرائك من كان للأشرار وزيرا و من شركهم في الآثام و قام بأمورهم في عباد الله فلا يكونن لك بطانة تشركهم في أمانتك كما شركوا في سلطان غيرك فأردوهم و أوردوهم مصارع السوء و لا يعجبنك شاهد ما يحضرونك به فإنهم أعوان الأثمة و إخوان الظلمة و عباب كل طمع و دغل و أنت واجد منهم خير الخلف ممن له مثل آرائهم و نفاذهم ممن قد تصفح الأمور فعرف مساويها بما جرى عليه منها فأولئك أخف عليك مئونة و أحسن لك معونة و أحنى عليك عطفا و أقل لغيرك ألفا لم يعاون ظالما على ظلمه و لا آثما على إثمه و لم يكن مع غيرك له سيرة أجحفت بالمسلمين و المعاهدين فاتخذ أولئك خاصة لخلوتك و ملائك ثم ليكن آثرهم عندك أقولهم بمر الحق و أحوطهم على الضعفاء بالإنصاف و أقلهم لك مناظرة فيما يكون منك مما كره الله لأوليائه واقعا ذلك من هواك حيث وقع فإنهم يقفونك على الحق و يبصرونك ما يعود عليك نفعه و ألصق بأهل الورع و الصدق و ذوي العقول و الأحساب ثم رضهم على أن لا يطروك و لا يبجحوك بباطل لم تفعله
فإن كثرة الإطراء تحدث الزهو و تدني من الغرة و الإقرار بذلك يوجب المقت من الله لا يكونن المحسن و المسيء عندك بمنزلة سواء فإن في ذلك تزهيد لأهل الإحسان في الإحسان و تدريب لأهل الإساءة فألزم كلا منهم ما ألزم نفسه أدبا منك ينفعك الله به و تنفع به أعوانك ثم اعلم أنه ليس شيء بأدعى لحسن ظن وال برعيته من إحسانه إليهم و تخفيفه المئونات عليهم و قلة استكراهه إياهم على ما ليس له قبلهم فليكن في ذلك أمر يجتمع لك به حسن ظنك برعيتك فإن حسن الظن يقطع عنك نصبا طويلا و إن أحق من حسن ظنك به لمن حسن بلاؤك عنده و أحق من ساء ظنك به لمن ساء بلاؤك عنده فاعرف هذه المنزلة لك و عليك لتزدك بصيرة في حسن الصنع و استكثار حسن البلاء عند العامة مع ما يوجب الله بها لك في المعاد و لا تنقض سنة صالحة عمل بها صدور هذه الأمة و اجتمعت بها الألفة و صلحت عليها الرعية و لا تحدثن سنة تضر بشيء مما مضى من تلك السنن فيكون الأجر لمن سنها و الوزر عليك بما نقضت منها و أكثر مدارسة العلماء و مثافنة الحكماء في تثبيت ما صلح عليه أهل بلادك و إقامة ما استقام به الناس من قبلك فإن ذلك يحق الحق و يدفع الباطل و يكتفى به دليلا و مثالا لأن السنن الصالحة هي السبيل إلى طاعة الله ثم اعلم أن الرعية طبقات لا يصلح بعضا إلا ببعض و لا غنى ببعضها عن بعض فمنها جنود الله و منا كتاب العامة و الخاصة و منها قضاة العدل و منها عمال الإنصاف و الرفق و منها أهل الجزية و الخراج من أهل الذمة و مسلمة الناس و منها التجار و أهل الصناعات و منها طبقة السفلى من ذوي الحاجة و المسكنة و كلا قد سمى الله سهمه و وضع على حد فريضته في كتابه أو سنة نبيه ص و عهد عندنا محفوظ فالجنود بإذن الله حصون الرعية و زين الولاة و عز الدين و سبيل الأمن و الخفض و ليس تقوم الرعة إلا بهم ثم لا قوام للجنود إلا بما يخرج الله لهم من الخراج الذي يصلون به إلى جهاد عدوهم و يعتمدون عليه و يكون من وراء حاجاتهم ثم لا بقاء لهذين الصنفين إلا بالصنف الثالث من القضاة و العمال و الكتاب لما يحكمون من الأمور و يظهرون من الإنصاف و يجمعون من المنافع و يؤتمنون عليه من خواص الأمور و عوامها و لا قوام لهم جميعا إلا بالتجار و ذوي الصناعات فيما يجمعون من مرافقهم و يقيمون من أسواقهم و يكفونهم من الترفق بأيديهم مما لا يبلغه رفق غيرهم ثم الطبقة السفلى من أهل الحاجة و المسكنة الذين يحق رفدهم و في فيء الله لكل سعة و لكل على الوالي حق بقدر يصلحه و ليس يخرج الوالي من حقيقة ما ألزمه الله من ذلك إلا بالاهتمام و الاستعانة بالله و توطين نفسك على لزوم الحق و الصبر فيما خف عليه و ثقل فول من جنودك أنصحهم في نفسك لله و لرسوله و لإمامك و أنقاهم جيبا و أفضلهم حلما و أجمعهم علما و سياسة ممن يبطئ عن الغضب و يسرع إلى العذر و يرأف بالضعفاء و ينبو على الأقوياء ممن لا يثيره العنف و لا يقعد به الضعف ثم الصق بذوي الأحساب و أهل البيوتات الصالحة و السوابق الحسنة ثم أهل النجدة و الشجاعة و السخاء و السماحة فإنهم جماع من الكرم و شعب من العرف يهدون إلى حسن الظن بالله و الإيمان بقدره ثم تفقد أمورهم بما يتفقد الوالد من ولده و لا يتفاقمن في نفسك شيء قويتهم به و لا تحقرن لطفا تعاهدتهم به و إن قل فإنه داعية لهم إلى بذل النصيحة و حسن الظن بك فلا تدع تفقد لطيف أمورهم اتكالا على جسيمها فإن لليسير من لطفك موضعا ينتفعون به و للجسيم موقعا لا يستغنون عنه
و ليكن آثر رءوس جنودك من واساهم في معونته و أفضل عليهم في بذله ممن يسعهم و يسع من ورائهم من الخلوف من أهلهم حتى يكون همهم هما واحدا في جهاد العدو ثم واتر أعلامهم ذات نفسك في إيثارهم و التكرمة لهم و الإرصاد بالتوسعة و حقق ذلك بحسن الفعال و الأثر و العطف فإن عطفك عليهم يعطف قلوبهم عليك و إن أفضل قرة العيون للولاة استفاضة العدل في البلاد و ظهور مودة الرعية لأنه لا يظهر مودتهم إلا سلامة صدورهم و لا تصح نصيحتهم إلا بحوطتهم على ولاة أمورهم و قلة استثقال دولتهم و ترك استبطاء انقطاع مدتهم ثم لا تكلن جنودك إلى مغنم وزعته بينهم بل أحدث لهم مع كل مغنم بدلا مما سواه مما أفاء الله عليهم تستنصر بهم به و يكون داعية لهم إلى العودة لنصر الله و لدينه و اخصص أهل النجدة في أملهم إلى منتهى غاية آمالك من النصيحة بالبذل و حسن الثناء عليهم و لطيف التعهد لهم رجلا رجلا و ما أبلى في كل مشهد فإن كثرة الذكر منك لحسن فعالهم تهز الشجاع و تحرض الناكل إن شاء الله ثم لا تدع أن يكون لك عليهم عيون من أهل الأمانة و القول بالحق عند الناس فيثبتون بلاء كل ذي بلاء منهم ليثق أولئك بعلمك ببلائهم ثم اعرف لكل امرئ منهم ما أبلى و لا تضمن بلاء امرئ إلى غيره و لا تقصرن به دون غاية بلائه و كاف كلا منهم بما كان منه و اخصصه منك بهزة و لا يدعونك شرف امرئ إلى أن تعظم من بلائه ما كان صغيرا و لا ضعة امرئ على أن تصغر من بلائه ما كان عظيما و لا يفسدن امرأ عندك علة إن عرضت له و لا نبوة حديث له قد كان له فيها حسن بلاء فَإِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشاءُ وَ الْعاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ و إن استشهد أحد من جنودك و أهل النكاية في عدوك فاخلفه في عياله بما يخلف به الوصي الشفيق الموثق به حتى لا يرى عليهم أثر فقده فإن ذلك يعطف عليك قلوب شيعتك و يستشعرون به طاعتك و يسلسون لركوب معاريض التلف الشديد في ولايتك و قد كانت من رسول الله ص سنن في المشركين و منا بعده سنن قد جرت بها سنن و أمثال في الظالمين و من توجه قبلتنا و تسمى بديننا و قد قال الله لقوم أحب إرشادهم يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَ أَطِيعُوا الرَّسُولَ وَ أُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَ الرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَ الْيَوْمِ الْآخِرِ ذلِكَ خَيْرٌ وَ أَحْسَنُ تَأْوِيلًا و قال وَ لَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَ إِلى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَ لَوْ لا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَ رَحْمَتُهُ لَاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطانَ إِلَّا قَلِيلًا فالرد إلى الله الأخذ بمحكم كتابه و الرد إلى الرسول الأخذ بسنته الجامعة غير المتفرقة و نحن أهل رسول الله الذين نستنبط المحكم من كتابه و نميز المتشابه منه و نعرف الناسخ مما نسخ الله و وضع إصره فسر في عدوك بمثل ما شاهدت منا في مثلهم من الأعداء و واتر إلينا الكتب بالأخبار بكل حدث يأتك منا أمر عام وَ اللَّهُ الْمُسْتَعانُ ثم انظر في أمر الأحكام بين الناس بنية صالحة فإن الحكم في إنصاف المظلوم من الظالم و الأخذ للضعيف من القوي و إقامة حدود الله على سنتها و منهاجها مما يصلح عباد الله و بلاده فاختر للحكم بين الناس أفضل رعيتك في نفسك و أنفسهم للعلم و الحلم و الورع و السخاء ممن لا تضيق به الأمور و لا تمحكه الخصوم و لا يتمادى في إثبات الزلة و لا يحصر من الفيء إلى الحق إذا عرفه و لا تشرف نفسه
على طمع و لا يكتفي بأدنى فهم دون أقصاه و أوقفهم في الشبهات و آخذهم بالحجج و أقلهم تبرما بمراجعة الخصوم و أصبرهم على تكشف الأمور و أصرمهم عند اتضاح الحكم ممن لا يزدهيه إطراء و لا يستميله إغراق و لا يصغي للتبليغ فول قضاءك من كان كذلك و هم قليل ثم أكثر تعهد قضائه و افتح له في البذل ما يزيح علته و يستعين به و تقل معه حاجته إلى الناس و أعطه من المنزلة لديك ما لا يطمع فيه غيره من خاصتك ليأمن بذلك اغتيال الرجال إياه عندك و أحسن توقيره في صحبتك و قربه في مجلسك و امض قضاءه و أنفذ حكمه و اشدد عضده و اجعل أعوانه خيار من ترضى من نظرائه من الفقهاء و أهل الورع و النصيحة لله و لعباد الله ليناظرهم فيما شبه عليه و يلطف عليهم لعلم ما غاب عنه و يكونون شهداء على قضائه بين الناس إن شاء الله ثم حملة الأخبار لأطرافك قضاة تجتهد فيهم نفسه لا يختلفون و لا يتدابرون في حكم الله و سنة رسول الله ص فإن الاختلاف في الحكم إضاعة للعدل و غرة في الدين و سبب من الفرقة و قد بين الله ما يأتون و ما ينفقون و أمر برد ما لا يعلمون إلى من استودعه الله علم كتابه و استحفظه الحكم فيه فإنما اختلاف القضاة في دخول البغي بينهم و اكتفاء كل امرئ منهم برأيه دون من فرض الله ولايته و ليس يصلح الدين و لا أهل الدين على ذلك و لكن على الحاكم أن يحكم بما عنده من الأثر و السنة فإذا أعياه ذلك رد الحكم إلى أهله فإن غاب أهله عنه ناظر غيره من فقهاء المسلمين ليس له ترك ذلك إلى غيره و ليس لقاضيين من أهله الملة أن يقيما على اختلاف في الحكم دون ما رفع ذلك إلى ولي الأمر فيكم فيكون هو الحاكم بما علمه الله ثم يجتمعان على حكمه فيما وافقهما أو خالفهما فانظر في ذلك نظرا بليغا فإن هذا الدين قد كان أسيرا بأيدي الأشرار يعمل فيه بالهوى و تطلب به الدنيا و اكتب إلى قضاة بلدانك فليرفعوا إليك كل حكم اختلفوا فيه على حقوقه ثم تصفح تلك الأحكام فما وافق كتاب الله و سنة نبيه و الأثر من إمامك فأمضه و أحملهم عليه و ما اشتبه عليك فأجمع له الفقهاء بحضرتك فناظرهم فيه ثم أمض ما يجتمع عليه أقاويل الفقهاء بحضرتك من المسلمين فإن كل أمر اختلف فيه الرعية مردود إلى حكم الإمام و على الإمام الاستعانة بالله و الاجتهاد في إقامة الحدود و جبر الرعية على أمره و لا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ ثم انظر إلى أمور عمالك و استعملهم اختبارا و لا تولهم أمورك محاباة و أثرة فإن المحاباة و الأثرة جماع الجور و الخيانة و إدخال الضرورة على الناس و ليست تصلح الأمور بالإدغال فاصطف لولاية أعمالك أهل الورع و العلم و السياسة و توخ منهم أهل التجربة و الحياء من أهل البيوتات الصالحة و القدم في الإسلام فإنهم أكرم أخلاقا و أصح أعراضا و أقل في المطامع إشرافا و أبلغ في عواقب الأمور نظرا من غيرهم فليكونوا أعوانك على ما تقلدت ثم أسبغ عليهم في العمالات و وسع عليهم في الأرزاق فإن في ذلك قوة لهم على استصلاح أنفسهم و غنى لهم عن تناول ما تحت أيديهم و حجة عليهم إن خالفوا أمرك أو ثلموا أمانتك ثم تفقد أعمالهم و ابعث العيون عليهم من أهل الصدق و الوفاء فإن تعهدك في السر أمورهم حدوة لهم على استعمال الأمانة و الرفق بالرعية و تحفظ من الأعوان فإن أحد منهم بسط يده إلى خيانة اجتمعت بها أخبار عيونك اكتفيت بذلك شاهدا فبسطت عليه العقوبة في بدنه و أخذته بما أصاب من عمله ثم نصبته بمقام المذلة فوسمته بالخيانة و قلدته عار التهمة و تفقد ما يصلح أهل الخراج فإن في صلاحه و صلاحهم صلاحا لمن سواهم و لا صلاح لمن سواهم إلا بهم لأن الناس كلهم عيال على الخراج و أهله فليكن نظرك في عمارة الأرض أبلغ من نظرك في استجلاب الخراج فإن الجلب لا يدرك إلا بالعمارة و من طلب الخراج بغير عمارة أخرب البلاد و أهلك العباد و لم يستقم له أمره إلا قليلا فأجمع إليك أهل الخراج من كل بلدانك و مرهم فليعلموك حال بلادهم و ما فيه صلاحهم و رخاء جبايتهم ثم سل عما يرفع إليك أهل العلم به من غيرهم فإن كانوا شكوا ثقلا أو علة من انقطاع شرب أو إحالة أرض اغتمرها
غرق أو أجحف بهم العطش أو آفة خففت عنهم ما ترجو أن يصلح الله به أمرهم و إن سألوا معونة على إصلاح ما يقدرون عليه بأموالهم فاكفهم مئونته فإن عاقبة كفايتك إياهم صلاحا فلا يثقلن عليك شيء خففت به عنهم المئونات فإنه ذخر يعودون به عليك لعمارة بلادك و تزيين ولايتك مع اقتنائك مودتهم و حسن نياتهم و استفاضة الخير و ما يسهل الله به من جلبهم فإن الخراج لا يستخرج بالكد و الإتعاب مع أنها عقد تعتمد عليها إن حدث حدث كنت عليهم معتمدا لفضل قوتهم بما ذخرت عنهم من الحمام و الثقة منهم بما عودتهم من عدلك و رفقك و معرفتهم بعذرك فيما حدث من الأمر الذي اتكلت به عليهم فاحتملوه بطيب أنفسهم فإن العمران محتمل ما حملته و إنما يؤتى خراب الأرض لإعواز أهلها و إنما يعوز أهلها لإسراف الولاة و سوء ظنهم بالبقاء و قلة انتفاعهم بالعبر فاعمل فيما وليت عمل من يحب أن يدخر حسن الثناء من الرعية و المثوبة من الله و الرضا من الإمام و لا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ ثم انظر في حال كتابك فاعرف حال كل امرئ منهم فيما يحتاج إليه منهم فاجعل لهم منازل و رتبا فول على أمورك خيرهم و اخصص رسائلك التي تدخل فيها مكيدتك و أسرارك بأجمعهم لوجوه صالح الأدب ممن يصلح للمناظرة في جلائل الأمور من ذوي الرأي و النصيحة و الذهن أطواهم عنك لمكنون الأسرار كشحا ممن لا تبطره الكرامة و لا تمحق به الدالة فيجترئ بها عليك في خلاء أو يلتمس إظهارها في ملإ و لا تقصر به الغفلة عن إيراد كتب الأطراف عليك و إصدار جواباتك على الصواب عنك و فيما يأخذ لك و يعطي منك و لا يضعف عقدا اعتقده لك و لا يعجز عن إطلاق ما عقد عليك و لا يجهل مبلغ قدر نفسه في الأمور فإن الجاهل بقدر نفسه يكون بقدر غيره أجهل و ول ما دون ذلك من رسائلك و جماعات كتب خرجك و دواوين جنودك قوما تجتهد نفسك في اختيارهم فإنها رءوس أمرك أجمعها لنفعك و أعمها لنفع رعيتك ثم لا يكن اختيارك إياهم على فراستك و استنامتك و حسن الظن بهم فإن الرجال يعرفون فراسات الولاة بتضرعهم و خدمتهم و ليس وراء ذلك من النصيحة و الأمانة شيء و لكن اختبرهم بما ولوا للصالحين قبلك فاعمد لأحسنهم كان في العامة أثرا و أعرفهم فيها بالنبل و الأمانة فإن ذلك دليل على نصيحتك لله و لمن وليت أمره ثم مرهم بحسن الولاية و لين الكلمة و اجعل لرأس كل أمر من أمورك رأسا منهم لا يقهره كبيرها و لا يتشتت عليه كثيرها ثم تفقد ما غاب عنك من حالاتهم و أمور من يرد عليك رسله و ذوي الحاجة و كيف ولايتهم و قبولهم وليهم و حجتهم فإن التبرم و العز و النخوة من كثير من الكتاب إلا من عصم الله و ليس للناس بد من طلب حاجاتهم و مهما كان في كتابك من عيب فتغابيت عنه ألزمته أو فضل نسب إليك مع ما لك عند الله في ذلك من حسن الثواب ثم التجار و ذوي الصناعات فاستوص و أوص بهم خيرا المقيم منهم و المضطرب بماله و المترفق بيده فإنهم مواد للمنافع و جلابها في البلاد في برك و بحرك و سهلك و جبلك و حيث لا يلتئم الناس لمواضعها و لا يجترءون عليها من بلاد أعدائك من أهل الصناعات التي أجرى الله الرفق منها على أيديهم فاحفظ حرمتهم و آمن سبلهم و خذ لهم بحقوقهم فإنهم سلم لا يخاف بائقته و صلح لا تحذر غائلته أحب الأمور إليهم أجمعها للآمن و أجمعها للسلطان فتفقد أمورهم بحضرتك و في حواشي بلادك و اعلم مع ذلك أن في كثير منهم ضيقا فاحشا و شحا قبيحا و احتكارا للمنافع و تحكما في البياعات و ذلك باب مضرة للعامة و عيب على الولاية فامنع الاحتكار فإن رسول الله ص نهى عنه و ليكن البيع و الشراء بيعا سمحا بموازين عدل و أسعار لا تجحف بالفريقين مع البائع
و المبتاع فمن قارف حكرة بعد نهيك فنكل و عاقب في غير إسراف فإن رسول الله ص فعل ذلك ثم الله الله في الطبقة السفلى من الذين لا حيلة لهم و المساكين و المحتاجين و ذوي البؤس و الزمنى فإن في هذه الطبقة قانعا و معترا فاحفظ الله ما استحفظك من حقه فيها و اجعل لهم قسما من غلاة صوافي الإسلام في كل بلد فإن للأقصى منهم مثل الذي للأدنى و كلا قد استرعيت حقه فلا يشغلنك عنهم نظر فإنك لا تعذر بتضييع الصغير لأحكامك الكبير المهم فلا تشخص همك عنهم و لا تصعر خدك لهم و تواضع لله يرفعك الله و اخفض جناحك للضعفاء و اربهم إلى ذلك منك حاجة و تفقد من أمورهم ما لا يصل إليك منهم ممن تقتحمه العيون و تحقره الرجال ففرغ لأولئك ثقتك من أهل الخشية و التواضع فليرفع إليك أمورهم ثم اعمل فيهم بالإعذار إلى الله يوم تلقاه فإن هؤلاء أحوج إلى الإنصاف من غيرهم و كل فأعذر إلى الله في تأدية حقه إليه و تعهد أهل اليتم و الزمانة و الرقة في السن ممن لا حيلة له و لا ينصب للمسألة نفسه فأجر لهم أرزاقا فإنهم عباد الله فتقرب إلى الله بتخلصهم و ضعهم مواضعهم في أقواتهم و حقوقهم فإن الأعمال تلخص بصدق النيات ثم إنه لا تسكن نفوس الناس أو بعضهم إلى أنك قد قضيت حقوقهم بظهر الغيب دون مشافهتك بالحاجات و ذلك على الولاة ثقيل و الحق كله ثقيل و قد يخففه الله على أقوام طلبوا العاقبة فصبروا نفوسهم و وثقوا بصدق موعود الله لمن صبر و احتسب فكن منهم و استعن بالله و اجعل لذوي الحاجات منك قسما تفرغ لهم فيه شخصك و ذهنك من كل شغل ثم تأذن لهم عليك و تجلس لهم مجلسا تتواضع فيه لله الذي رفعك و تقعد عنهم جندك و أعوانك من أحراسك و شرطك تخفض لهم في مجلسك ذلك جناحك و تلين لهم كنفك في مراجعتك و وجهك حتى يكلمك متكلمهم غير متعتع فإني سمعت رسول الله ص يقول في غير موطن لن تقدس أمة لا يؤخذ للضعيف فيها حقه من القوي غير متعتع ثم احتمل الخرق منهم و العي و نح عنك الضيق و الأنف يبسط الله عليك أكناف رحمته و يوجب لك ثواب أهل طاعة فأعط ما أعطيت هنيئا و امنع في إجمال و إعذار و تواضع هناك فإن الله يحب المتواضعين و ليكن أكرم أعوانك عليك ألينهم جانبا و أحسنهم مراجعة و ألطفهم بالضعفاء إن شاء الله ثم إن أمورا من أمورك لا بد لك من مباشرتها منها إحابة عمالك ما يعيا عنه كتابك و منها إصدار حاجات الناس في قصصهم و منها معرفة ما يصل إلى الكتاب و الخزان مما تحت أيديهم فلا تتوان فيما هنالك و لا تغتنم تأخيره و اجعل لكل أمر منها من يناظر فيه ولاته بتفريغ لقلبك و همك فكلما أمضيت أمرا فأمضه بعد التروية و مراجعة نفسك و مشاورة ولي ذلك بغير احتشام و لا رأي يكسب به عليك نقيضه ثم أمض لكل يوم علمه فإن لكل يوم ما فيه و اجعل لنفسك فيما بينك و بين الله أفضل تلك المواقيت و أجزل تلك الأقسام و إن كانت كلها لله إذا صحت فيها النية و سلمت منها الرعية و ليكن في خاص ما تخلص لله به دينك إقامة فرائضه التي هي له خاصة فأعط الله من بدنك في ليلك و نهارك ما يجب فإن الله جعل النافلة لنبيه خاصة دون خلقه فقال وَ مِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نافِلَةً لَكَ عَسى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقاماً مَحْمُوداً
فذلك أمر اختص الله به نبيه و أكرمه به ليس لأحد سواه و هو لمن سواه تطوع فإنه يقول وَ مَنْ تَطَوَّعَ خَيْراً فَإِنَّ اللَّهَ شاكِرٌ عَلِيمٌ فوفر ما تقربت به إلى الله و كرمه و أد فرائضه إلى الله كاملا غير مثلوب و لا منقوص بالغا ذلك من بدنك ما بلغ فإذا قمت في صلاتك بالناس فلا تطولن و لا تكونن منفرا و لا مضيعا فإن في الناس من به العلة و له الحاجة و قد سألت رسول الله ص حين وجهني إلى اليمن كيف أصلي بهم فقال صل بهم كصلاة أضعفهم و كن بالمؤمنين رحيما و بعد هذا فلا تطولن احتجابك عن رعيتك فإن احتجاب الولاة عن الرعية شعبة من الضيق و قلة علم بالأمور و الاحتجاب يقطع عنهم علم ما احتجبوا دونه فيصغر عندهم الكبير و يعظم الصغير و يقبح الحسن و يحسن القبيح و يشاب الحق بالباطل و إنما الوالي بشر لا يعرف ما توارى عنه الناس به من الأمور و ليست على القول سمات يعرف بها الصدق من الكذب فتحصن من الإدخال في الحقوق بلين الحجاب فإنما أنت أحد رجلين إما امرؤ سخت نفسك بالبذل في الحق ففيم احتجابك من واجب حق تعطيه أو خلق كريم تسديه و إما مبتلى بالمنع فما أسرع كف الناس عن مسألتك إذا أيسوا من بذلك مع أن أكثر حاجات الناس إليك ما لا مئونة عليك فيه من شكاية مظلمة أو طلب إنصاف فانتفع بما وصفت لك و اقتصر فيه على حظك و رشدك إن شاء الله ثم إن للملوك خاصة و بطانة فيهم استئثار و تطاول و قلة إنصاف فاحسم مادة أولئك بقطع أسباب تلك الأشياء و لا تقطعن لأحد من حشمك و لا حامتك قطيعة و لا تعتمدن في اعتقاد عقدة تضر بمن يليها من الناس في شرب أو عمل مشترك يحملون مئونتهم على غيرهم فيكون مهنأ ذلك لهم دونك و عيبه عليك في الدنيا و الآخرة عليك بالعدل في حكمك إذا انتهت الأمور إليك و ألزم الحق من لزمه من القريب و البعيد و كن في ذلك صابرا محتسبا و افعل ذلك بقرابتك حيث وقع و ابتغ عاقبته بما يثقل عليه منه فإن مغبة ذلك محمودة و إن ظنت الرعية بك حيفا فاصحر لهم بعذرك و اعدل عنك ظنونهم بأصحارك فإن تلك رياضة منك لنفسك و رفق منك برعيتك و إعذار تبلغ فيه حاجتك من تقويمهم على الحق في خفض و إجمال لا تدفعن صلحا دعاك إليه عدوك فيه رضا فإن في الصلح دعة لجنودك و راحة من همومك و أمنا لبلادك و لكن الحذر كل الحذر من مقاربة عدوك في طلب الصلح فإن العدو ربما قارب ليتغفل فخذ بالحزم و تحصن كل مخوف تؤتى منه و بالله الثقة في جميع الأمور و إن لجت بينك و بين عدوك قضية عقدت له بها صلحا أو ألبسته منك ذمة فحط عهدك بالوفاء و ارع ذمتك بالأمانة و اجعل نفسك جنة دونه فإنه ليس شيء من فرائض الله جل و عز الناس أشد عليه اجتماعا في تفريق أهوائهم و تشتيت أديانهم من تعظيم الوفاء بالعهود و قد لزم ذلك المشركون فيما بينهم دون المسلمين لما استوبلوا من الغدر و الختر فلا تغدرن بذمتك و لا تخفر بعهدك و لا تختلن عدوك فإنه لا يجترئ على الله إلا جاهل قد جعل الله عهده و ذمته أمنا أفضاه بين العباد برحمته و حريما يسكنون إلى منعته و يستفيضون به
إلى جواره فلا خداع و لا مدالسة و لا إدغال فيه فلا يدعونك ضيق أمر لزمك فيه عهد الله على طلب انفساخه فإن صبرك على ضيق ترجو انفراجه و فضل عاقبته خير من غدر تخاف تبعته و أن تحيط بك من الله طلبه فيه و لا تستقيل فيها دنياك و لا آخرتك و إياك و الدماء و سفكها بغير حلها فإنه ليس شيء أدعى لنقمة و لا أعظم لتبعة و لا أحرى لزوال نعمة و انقطاع مدة من سفك الدماء بغير الحق و الله مبتدئ بالحكم بين العباد فيما يتسافكون من الدماء فلا تصونن سلطانك بسفك دم حرام فإن ذلك يخلقه و يزيله فإياك و التعرض لسخط الله فإن الله قد جعل لولي من قتل مظلوما سلطانا قال الله وَ مَنْ قُتِلَ مَظْلُوماً فَقَدْ جَعَلْنا لِوَلِيِّهِ سُلْطاناً فَلا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ إِنَّهُ كانَ مَنْصُوراً و لا عذر لك عند الله و لا عندي في قتل العمد لأن فيه قود البدن فإن ابتليت بخطإ و فرط عليه سوطك أو يدك لعقوبة فإن في الوكزة فما فوقها مقتله فلا تطمحن بك نخوة سلطانك عن أن تؤدي إلى أهل المقتول حقهم دية مسلمة يتقرب بها إلى الله زلفى إياك و الإعجاب بنفسك و الثقة بما يعجبك منها و حب الإطراء فإن ذلك من أوثق فرص الشيطان في نفسه ليمحق ما يكون من إحسان المحسن و إياك و المن على رعيتك بإحسان أو التزيد فيما كان من فعلك أو تعدهم فتتبع موعدك بخلفك أو التسرع إلى الرعية بلسانك فإن المن يبطل الإحسان و الخلف يوجب المقت و قد قال الله جل ثناؤه كَبُرَ مَقْتاً عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا ما لا تَفْعَلُونَ إياك و العجلة بالأمور قبل أوانها و التساقط فيها عند زمانها و اللجاجة فيها إذا تنكرت و الوهن فيها إذا أوضحت فضع كل أمر موضعه و أوقع كل عمل موقعه و إياك و الاستئثار بما للناس فيه الأسوة و الاعتراض فيما يعنيك و التغابي عما يعنى به مما قد وضح لعيون الناظرين فإنه مأخوذ منك لغيرك و عما قليل تكشف عنك أغطية الأمور و يبرز الجبار بعظمته فينتصف المظلمون من الظالمين ثم املك حمية أنفك و سورة حدتك و سطوة يدك و غرب لسانك و احترس كل ذلك بكف البادرة و تأخير السطوة و ارفع بصرك إلى السماء عند ما يحضرك منه حتى يسكن غضبك فتملك الاختيار و لن تحكم ذلك من نفسك حتى تكثر همومك بذكر المعاد ثم اعلم أنه قد جمع ما في هذا العهد من صنوف ما لم آلك فيه رشدا إن أحب الله إرشادك و توفيقك أن تتذكر ما كان من كل ما شاهدت منا فتكون ولايتك هذه من حكومة عادلة أو سنة فاضلة أو أثر عن نبيك ص أو فريضة في كتاب الله فتقتدي بما شاهدت مما عملنا به منها و تجتهد نفسك في اتباع ما عهدت إليك في عهدي و استوثقت من الحجة لنفسي لكيلا تكون لك علة عند تسرع نفسك إلى هواها فليس يعصم من السوء و لا يوفق للخير إلا الله جل ثناؤه و قد كان مما عهد إلي رسول الله ص في وصايته تحضيضا على الصلاة و الزكاة و ما ملكت أيمانكم فبذلك أختم لك ما عهدت و لا حول و لا قوة إلا بالله العلي العظيم و أنا أسأل الله سعة رحمته و عظيم مواهبه و قدرته على إعطاء كل رغبة أن يوفقني و إياك لما فيه رضاه من الإقامة على العذر الواضح إليه و إلى خلقه مع حسن الثناء في العباد و حسن الأثر في البلاد و تمام النعمة و تضعيف الكرامة و أن يختم لي و لك بالسعادة و الشهادة و إنا إليه راغبون و السلام على رسول الله و على آله الطيبين الطاهرين و سلم كثيرا
جش، ]الفهرست للنجاشي[ الأصبغ بن نباتة كان من خاصة أمير المؤمنين ع و عمر بعده روى عنه عهد الأشتر و وصيته إلى محمد ابنه أخبرنا ابن الجندي عن علي بن همام عن الحميري عن هارون بن مسلم عن الحسين بن علوان عن سعد بن طريف عن الأصبغ بالعهد
إيضاح قوله ع