1- نهج البلاغة، من كلام له ع بعد تلاوته أَلْهاكُمُ التَّكاثُرُ حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقابِرَ يا له مراما ما أبعده و زورا ما أغفله و خطرا ما أفظعه لقد استخلوا منهم أي مدكر و تناوشوهم من مكان بعيد أ فبمصارع آبائهم يفخرون أم بعديد الهلكى يتكاثرون يرتجعون منهم أجسادا خوت و حركات سكنت و لأن يكونوا عبرا أحق من أي يكونوا مفتخرا و لأن يهبطوا بهم جناب ذله أحجى من أن يقوموا بهم مقام عزه لقد نظروا إليهم بأبصار العشوة و ضربوا منهم في غمرة جهالة و لو استنطقوا عنهم عرصات تلك الديار الخاوية و الربوع الخالية لقالت ذهبوا في الأرض ضلالا و ذهبتم في أعقابهم جهالا تطئون في هامهم و تستثبتون في أجسادهم و ترتعون فيما لفظوا و تسكنون فيما خربوا و إنما الأيام بينهم و بينكم بواك و نوائح عليكم أولئكم سلف غايتكم و فراط مناهلكم الذين كانت لهم مقاوم العز و حلبات الفخر ملوكا و سوقا سلكوا في بطون البرزخ سبيلا سلطت الأرض عليهم فيه فأكلت من لحومهم و شربت من دمائهم فأصبحوا في فجوات قبورهم جمادا لا ينمون و ضمارا لا يوجدون لا يفزعهم ورود الأهوال و لا يحزنهم تنكر الأحوال و لا يحفلون بالرواجف و لا يأذنون للقواصف غيبا لا ينتظرون و شهودا لا يحضرون و إنما كانوا جميعا فتشتتوا و آلافا فافترقوا و ما عن طول عهدهم و لا بعد محلهم عميت أخبارهم و صمت ديارهم و لكنهم سقوا كأسا بدلتهم بالنطق خرسا و بالسمع صمما و بالحركات سكونا فكأنهم في ارتجال الصفة صرعى سبات جيران لا يتأنسون و أحباء لا يتزاورون بليت بينهم عرى التعارف و انقطعت منهم أسباب الإخاء فكلهم وحيد و هم جميع و بجانب الهجر و هم أخلاء لا يتعارفون لليل صباحا و لا لنهار مساء أي الجديدين ظعنوا فيه كان عليهم سرمدا شاهدوا من أخطار دارهم أفظع مما خافوا و رأوا من آياتها أعظم مما قدروا فكلا الغايتين مدت لهم إلى مباءة فاتت مبالغ الخوف و الرجاء فلو كانوا ينطقون بها لعيوا بصفة ما شاهدوا و ما عاينوا و لئن عميت آثارهم و انقطعت أخبارهم لقد رجعت فيهم أبصار العبر و سمعت عنهم آذان العقول و تكلموا من غير جهات النطق فقالوا كلحت الوجوه النواضر و خوت الأجساد النواعم و لبسنا أهدام البلاء و تكاءدنا ضيق المضجع و توارثنا الوحشة و تهكمت علينا الربوع الصموت فانمحت محاسن أجسادنا و تنكرت معارف صورنا و طالت في مساكن الوحشة إقامتنا و لم نجد من كرب فرجا و لا من ضيق متسعا فلو مثلتهم بعقلك أو كشف عنهم محجوب الغطاء لك و قد ارتسخت أسمائهم بالهوام فاستكت و اكتحلت أبصارهم بالتراب فخسفت و تقطعت الألسنة في أفواههم بعد ذلاقتها و همدت القلوب في صدرهم بعد يقظتها و عاث في كل جارحة منهم جديد بلى سمجها و سهل طرق الآفة إليها مستسلمات فلا أيد تدفع و لا قلوب تجزع لرأيت أشجان قلوب و أقذاء عيون لهم من كل فظاعة صفة حال لا تنتقل و غمرة لا تنجلي و كم أكلت الأرض من عزيز جسد و أنيق لون كان في الدنيا غذي ترف و ربيب شرف يتعلل بالسرور في ساعة حزنه و يفزع إلى السلوة إن مصيبة نزلت به ضنا بغضارة عيشه و شحاحة بلهوه و لعبه فبينا هو يضحك إلى الدنيا و تضحك إليه في ظل عيش غفول إذ وطئ الدهر به حسكه و نقضت الأيام قواه و نظرت إليه الحتوف من كثب فخالطه بث لا يعرفه و نجي هم ما كان يجده و تولدت فيه فترات علل آنس ما كان بصحته ففزع إلى ما كان عوده الأطباء من تسكين الحار بالقار و تحريك البارد بالحار فلم يطفئ ببارد إلا ثور حرارة و لا حرك بحار إلا هيج برودة و لا اعتدل بممازج لتلك الطبائع إلا أمد منها كل ذات داء حتى فتر معلله و ذهل ممرضه و تعايا أهله بصفة دائه و خرسوا عن جواب السائلين عنه و تنازعوا دونه شجي خبر يكتمونه فقائل هو لما به و ممن لهم إياب عافيته و مصبر لهم على فقده يذكرهم أسى الماضين من قبله فبينا هو كذلك على جناح من فراق الدنيا و ترك الأحبة إذ عرض له عارض من غصصه فتحيرت نوافذ فطنته و يبست رطوبة لسانه فكم من مهم من جوابه عرفه فعي عن رده و دعاء مولم لقلبه سمعه فتصام عنه من كبير كان يعظمه أو صغير كان يرحمه و إن للموت لغمرات هي أفظع من أن تستغرق بصفة أو تعتدل على عقول أهل الدنيا
بيان قيل نزلت سورة التكاثر في اليهود قالوا نحن أكثر من بني فلان و بنو فلان أكثر من بني فلان حتى ماتوا ضلالا و قيل في فخذ من الأنصار و قيل في حيين من قريش بني عبد مناف بن قصي و بني سهم بن عمرو تكاثرا فعدوا أشرافهم فكثر هم بنو عبد مناف ثم قالوا نعد موتانا حتى زاروا القبور و قالوا هذا قبر فلان و هذا قبر فلان فكثرهم بنو سهم لأنهم كانوا أكثر عددا في الجاهلية. و كلامه ع يدل على الأخير أَلْهاكُمُ التَّكاثُرُ أي شغلكم عن طاعة الله و عن ذكر الآخرة التكاثر بالأموال و الأولاد و التفاخر بكثرتها حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقابِرَ أي حتى أدرككم الموت على تلك الحال و لم تتوبوا أو حتى عددتم الأموات في القبور. يا له مراما ما أبعد اللام للتعجب كقولهم يا للدواهي و مراما و زورا و خطرا منصوبات على التميز و المرام المقصد و المعنى التعجب من بعد ذلك المرام فإن الغاية المطلوبة لا يدركها الإنسان لأن كل غاية بلغها فإن فوقها غاية أخرى قد أدركها غيره فيطمح نفسه إليها أو ما أبعده عن نظر العقل و عما هو الغاية الأصلية التي لا بد من السعي في الوصول إليها و زورا ما أغفله الزور الزائرون أو مصدر لزار يزور فنسبة الغفلة إليه توسع أي ما أغفل صاحبه و هو أنسب بالمرام و الخطر الإشراف على الهلاك و السبق الذي يتراهن عليه و خطر الرجل قدره و منزلته و فظع الشيء بالضم و هو فظيع أي شديد شنيع مجاوز للحد و الخطر الفظيع الموت أو شدائد الآخرة اللازمة لتلك الغفلة. لقد استخلوا منهم أي مدكر الضمير في استخلوا للأحياء و في منهم للأموات و كنى بالمدكر عما خلفوه من الآثار التي هي محل العبرة و أي مدكر استفهام على سبيل التعجب من ذلك المدكر في حسن إفادته للعبر لأولي الأبصار و استخلوا أي اتخذوا تخلية الذكر دأبهم و شأنهم و قيل استخلوا أي وجدوه خاليا كذا ذكره ابن ميثم و قال ابن أبي الحديد استخلوا أي ذكروا من خلا من آبائهم أي من مضى يقال هذا الأمر من الأمور الخالية و هذا القرن من القرون الخالية أي الماضية و استخلا فلان في حديثه أي حدث عن أمور خالية و المعنى أنه ع استعظم ما يوجبه حديثهم عما خلا و عمن خلا من أسلافهم و آثار أسلافهم من التذكير فقال أي مذكر و واعظ في ذلك و روي أي مدكر بمعنى المصدر كالمعتقد بمعنى الاعتقاد. و تناوشوهم أي تناولوهم من مكان بعيد عنهم و عن تناولهم فإنهم بأن يكونوا عبرا أحق من أن يكونوا مفتخرا و قال الجوهري عددته أحصيته عدا و الاسم العدد و العديد. و يرتجعون منهم أجسادا خوت يقال خوت الدار أي خلت أو سقطت أي خلت عن الروح أو سقطت و خربت و المعنى يذكرون آباءهم فكأنهم يردونهم إلى الدنيا بذكرهم و الافتخار بهم أو هو استفهام على الإنكار و المفتخر محل الافتخار.
و لأن يهبطوا بهم جناب ذله الجناب الناحية أي يذلوا و يخشعوا بذكر مصارعهم أو يذكروهم بالموت و الاندراس و الذلة و أحجى بمعنى أولى و أجدر و أحق من قولهم حجي بالمكان إذا أقام و ثبت و العشوة مرض في العين و الضرب في الأرض السير فيها و قال الخليل في العين الضرب يقع على كل فعل و الغمر الماء الكثير و الغمرة الشدة و مزدحم الشيء أي صاروا بسببهم في بيداء جهالة أو ألقوا أنفسهم في شدتها و مزدحمها أو خاضوا في بحرها. و لو استنطقوا عنهم عرصات تلك الديار الخاوية أي لو طلب الأحياء أن تنطق العرصات و الربوع و تفصح عن أحوال الأموات لنطقت بلسان حالها أو مقالها بناء على شعورها و بينت أحوال الأموات استطردت بيان حال الأحياء فالضمير في استنطقوا راجع إلى الأحياء و في عنهم إلى الأموات و العكس بعيد و يحتمل إرجاع الضمير في عنهم إلى الجميع فلا يكون بيان حال الأحياء استطرادا و الديار و الربوع منازلهم حال حياتهم أو قبورهم و الخاوية الخالية أو الساقطة و الربع الدار و المحلة و الهامة الرأس و الجمع هام أي تمشون على رءوسهم. و تستثبتون أي تنصبون الأشياء الثابتة كالعمود و الأساطين و في بعض النسخ تستنبتون أي تزرعون النبات و رتعت الماشية أي أكلت ما شاءت و لفظت الشيء رميته و تسكنون فيما خربوا أي فارقوها و أخلوها فكأنهم خربوها أو لم يعمروها بالذكر و العبادة. أولئكم سلف غايتكم السلف المتقدمون و الغاية الحد الذي ينتهى إليه حسا أو معنى و المراد هنا الموت و فرط القوم من سبقهم إلى الماء و المنهل المورد و هو عين ماء ترده الإبل في المراعي و تسمى المنازل التي في المفاوز على طرق السفار مناهل لأن فيها ماء. و مقاوم العز دعائمه جمع مقوم و أصلها الخشبة التي تمسكها الحراث و حلبات الفخر جمع حلبة و هي الخيل تجمع للسباق و السوق جمع سوقة و هو من دون
الملك و البرزخ الحاجز بين الشيئين و ما بين الدنيا و الآخرة من وقت الموت إلى البعث فالمراد هنا القبر لأنه حاجز بين الميت و الدنيا و يحتمل الثاني أي بطون القبور الواقعة في البرزخ و في بعض النسخ و في بطون القبور و الفجوة هي الفرجة المتسعة بين الشيئين. جمادا لا ينمون من النمو و يروى بتشديد الميم من النميمة و هي الهمس و الحركة و قال في النهاية المال الضمار الغائب الذي لا يرجى و إذا رجي فليس بضمار من أضرمت الشيء إذا غيبته فعال بمعنى فاعل و مفعل. و لا يحزنهم تنكر الأحوال أي الأحوال الحادثة في الدنيا و أسباب الحزن لأهلها أو اندراس أجزاء أبدانهم و تشتتها و لا ينافي عذاب القبر و لا يحفلون أي لا يبالون بالرواجف أي الزلازل و لا يأذنون للقواصف أي لا يسمعون الأصوات الشديدة يقال رعد قاصف أي شديد الصوت غيبا لا ينتظرون على بناء المجهول أي لا ينتظر الناس حضورهم أو المعلوم أي لا يطمع الموتى في حضور الناس عندهم و شهودا لا يحضرون إذ أبدانهم شاهدة و أرواحهم غائبة و ما عن طول عهدهم أي ليس عدم علمنا بأخبارهم و عدم سماعهم للأصوات أو عدم سماعنا صوتا منهم في قبورهم لطول عهد بيننا و بينهم كالمسافر الذي يغيب عنا خبره و لا نسمع صوته أو لا يسمع صوتنا فإنهم حال موتهم بلا تراخي زمان كذلك بل لأنهم سقوا كأس الموت فصار نطقهم مبدلا بالخرس و سمعهم بالصمم و نسبة الصمم إلى ديارهم التي هي القبور تجوز. و قوله ع و بالسمع صمما يدل على أن المراد بقوله صمت ديارهم عدم سماعهم صوتنا لا عدم سماعنا صوتهم. قوله ع في ارتجال الصفة قال الجوهري ارتجال الخطبة و الشعر ابتداؤه من غير تهيئة قبل ذلك انتهى أي و لو وصفهم واصف بلا تهيئة و تأمل بل بحسب ما يبدو له في بادي الرأي لقال هم سقطوا على الأرض لسبات و السبات نوم للمريض و الشيخ المسن و هو النومة الخفيفة و أصله من السبت و هو القطع و ترك الأعمال أو الراحة و السكون. أحباء لا يتزاورون الأحباء بالموحدة جمع حبيب كخليل و الأخلاء أي هم أحباء لتقاربهم بأبدانهم أو لأنهم كانوا أحباء قبل موتهم في الدنيا و في بعض النسخ المصححة الأحياء بالمثناة التحتانية فالظاهر أنه جمع حي بمعنى القبيلة قال الجوهري الحي واحد أحياء العرب و يحتمل أن يراد أنهم أحياء بنفوسهم لا يتزاورون بأبدانهم. بليت بينهم أي اندرست أسباب التعارف بينهم و السبب في الأصل الحبل ثم استعير لكل ما يتوصل به إلى شيء ذكره الجزري و قيل لفظة جنب موضوعة في الأصل للمباعدة و منه قولهم الجار الجنب أي جارك من قوم آخرين و لذا يقولون فلان في جانب الهجر و في جانب القطيعة و لا يقولون في جانب المواصلة و الظعن السير و الجديدان الليل و النهار و السرمد الدائم. و قال ابن أبي الحديد ليس المراد أنهم و هم موتى يشعرون بالوقت الذي ماتوا فيه و لا يشعرون بما يتعقبه من الأوقات بل المراد أن صورة ذلك الوقت لو بقيت عندهم لبقيت من غير أن يزيلها وقت آخر يطرأ عليها و يجوز أن يفسر على مذهب من قال ببقاء الأنفس فيقال إن النفس التي تفارق ليلا تبقى الليلة و الظلمة حاصلة عندها أبدا و لا تزول بطريان نهار عليها لأنها قد فارقت الحواس فلا سبيل لها إلى أن يرتسم فيها شيء من المحسوسات بعد المفارقة و إنما حصل ما حصل من غير زيادة عليه و كذلك الأنفس التي تفارق نهارا. مما قدروا أي تصوروا و جعلوا له مقدارا بأوهامهم. فكلا الغايتين اللام العهدي في الكلام إشارة إلى الغايتين المعهودتين بين المتكلم و المخاطب أي غاية السعداء و الأشقياء و يحتمل أن يكون المراد بالغاية امتداد المسافة أي مدة البرزخ أو منتهى الامتداد و هو البرزخ لأنه غاية حياة الدنيا و هو يمتد إلى أن ينتهى إلى مباءة هي الجنة أو النار. و يحتمل أن يكون إشارة إلى الغايتين المفهومتين من الفقرتين السابقتين
أي الأخطار و الآيات البالغتين الغاية أو إلى المدتين المنتهيتين إلى غاية أي مدة حياة السعداء و الأشقياء لا زمان كونهم في عالم البرزخ و قيل إشارة إلى الجديدين المذكورين سابقا. و المباءة المنزل و الموضع الذي يبوء الإنسان إليه أي يرجع فاتت مبالغ الخوف أي تجاوزت عن أن يبلغها خوف خائف أو رجاء راج لعظمها و شدتها و قال الجوهري العي خلاف البيان و قد عي في منطقه و عيي أيضا و الإدغام أكثر و تقول في الجمع عيوا مخففا كما قلناه في حيوا و يقال أيضا عيوا بالتشديد انتهى. لقد رجعت فيهم أبصار العبر رجع يكون لازما و متعديا قال الله تعالى ثُمَّ ارْجِعِ الْبَصَرَ كَرَّتَيْنِ أي فرد البصر و أدرها في خلق الله و استقص في النظر مرة بعد أخرى و تكلموا أي بلسان الحال و في النهاية الكلوح العبوس يقال كلح الرجل و كلحه الهم و النظرة الحسن و الرونق و في النهاية الأهدام الأخلاق من الثياب واحدها هدم بالكسر و هدمت الثوب رقعته. تكاءدنا أي شق علينا و توارثنا الوحشة قيل لما مات الأب فاستوحش أهله منه ثم مات الابن فاستوحش أهله منه صار الابن وارثا لتلك الوحشة من أبيه و قيل لما أصاب كل ابن بعد أبيه وحشة القبر فكأنه ورثها من أبيه. أقول و يحتمل أن يكون المعنى استوحش أهالينا و ديارنا منا و استوحشنا منهم و منها أو صارت القبور سببا لوحشتنا و صرنا سببا لوحشة القبور. و تهكمت علينا الربوع الصموت قال ابن أبي الحديد يروى تهدمت بالدال يقال تهدم فلان على فلان غضبا إذا اشتد و يجوز أن يكون تهدمت أي تساقطت و يروى تهكمت بالكاف و هو كقولك تهدمت بالتفسيرين جميعا و يعني بالربوع الصموت القبور لأنه لا نطق فيها كقولك نهاره صائم انتهى و في أكثر النسخ المعروضة على المصنف بالكاف و يحتمل أن يكون بمعنى الاستهزاء أو بمعنى التكبر لكونهم أذلاء في القبور أو بمعنى التندم و التأسف و قد ورد بتلك المعاني في اللغة و لعلها أنسب بوصف الربوع بالصموت و يحتمل أيضا أن يكون المراد بالربوع مساكنهم في الدنيا و في الصحاح امرأة حسنة المعارف أي الوجه و ما يظهر منها و الواحد معرف. و لم نجد من كرب أي من بعد كرب أو هو متعلق بفرجا أو كشف عنهم محجوب الغطاء لك من إضافة الصفة إلى الموصوف و المحجوب بمعنى الحاجب كقوله سبحانه حِجاباً مَسْتُوراً و قال ابن ميثم أي ما حجب بأغطية التراب و لا يخفى ما فيه لأن ما حجب هي أبدانهم و لا يكشف عنهم إلا أن يريد به الأكفان المستورة بالتراب. و قد ارتسخت قال ابن أبي الحديد ليس معناه ثبتت كما ظنه القطب الراوندي لأنها لم تثبت و إنما ثبتت الهوام فيها بل الصحيح أنه من رسخ الغدير إذا نش ماؤه و نضب و يقال قد ارتسخ المطر بالتراب إذا ابتلعته حتى يلتقي الثريان انتهى. أقول لعل الراوندي رحمه الله حمل الكلام على القلب و هو أوفق بما في اللغة. و في القاموس استكت المسامع أي صمت و ضاقت فخسفت أي غارت و ذهبت في الرأس و ذلاقة اللسان حدتها و همدت أي سكنت و خمدت و العيث الإفساد و قوله سمجها أي قبح صورتها بيان لإفساد البلى الجديد مستسلمات أي منقادات طائعات ليس لها يد تدفع منها الآفات. لرأيت جواب لو و الأشجان جمع الشجن و هو الحزن و الأقذاء جمع قذى و هو ما يسقط في العين فيؤذيها لا تنتقل أي إلى حسن و صلاح و الغمرة الشدة و الأنيق الحسن المعجب غذي ترف أي كان معتادا في الدنيا بأن يتغذى بالترف و هو التنعم المطغي و ربيب شرف أي قد ربي في العز و الشرف و قال الجوهري تعلل به أي تلهى به و يفزع إلى السلوة أي يلجأ إلى ما يسليه عن الهم ضنا بالكسر أي بخلا كقوله شحاحة و الغضارة طيب
العيش يضحك إلى الدنيا أي كان الدنيا تحبه و هو يحب الدنيا قال ابن ميثم ضحكه إلى الدنيا كناية عن ابتهاجه بها و بما فيها و غاية إقباله عليها فإن غاية المبتهج بالشيء أن يضحك له. في ظل عيش غفول أي عيش غافل عن صاحبه فهو مستغرق في العيش لم يتنبه له الدهر فيكدر عليه أو عيش تكثر الغفلة فيه لطيبه من قبيل نهاره صائم أو ذي غفلة يغفل فيه صاحبه كقوله سبحانه عِيشَةٍ راضِيَةٍ. إذا وطئ الدهر به حسكه الباء للتعدية و الحسك جمع حسكة شوكة صلبة معروفة و استعار لفظ الحسك للآلام و الأمراض و مصائب الدهر و رشح بذكر الوطء و الحتوف جمع الحتف و هو الموت و الكثب بالتحريك القرب و الجمع إما باعتبار تعدد أسبابه أو لأن بطلان كل قوة و ضعف كل عضو موت و البث الحزن و باطن الأمر الدخيل و نجي فعيل من المناجاة و الفترة الانكسار و الضعف و قال ابن أبي الحديد الفترات أوائل المرض. آنس ما كان بصحته قال ابن ميثم انتصاب آنس على الحال و ما بمعنى الزمان و كان تامة و بصحته متعلق بآنس أي حال ما هو آنس زمان مدة صحته و قيل ما مصدرية و التقدير آنس كونه على أحواله بصحته. من تسكين الحار إنما استعمل في البارد التسكين و في الحار التهييج لأن الحرارة شأنها التهييج و البرودة شأنها التسكين و التجميد فلم يطفئ ببارد أي لم يزد إطفاء الحرارة ببارد إلا ثور حرارة أي غلبت الحرارة الطبيعية على الدواء و ظهر بعده الداء فكأن الدواء ثورها و لا اعتدل بممازج أي ما أراد الاعتدال بدواء مركب من الحار و البارد إلا أعان صاحب المرض كل طبيعة ذات داء و مرض من تلك الطبائع بمرض زائد على الأول أو بقوة زائدة على ما كان ففاعل أمد الشخص و يحتمل الممازج و يظهر من ابن ميثم أنه جعل أمد بمعنى صار مادة و لا يخفى بعده. حتى فتر معلله قال الجوهري علله بالشيء لهاه به كما يعلل الصبي بشيء
من الطعام يتجزأ به عن اللبن انتهى أي ضعف عن التعليل لطول المرض أو لأن المعلل يكون له نشاط في أوائل المرض لو جاء البرء فإذا رأى أمارات الهلاك فترت همته و في الصحاح مرضته تمريضا إذا قمت عليه في مرضه و تعايا أهله أي عجزوا عن تحقيق مرضه قال الجوهري عييت بأمري إذا لم تهتد لوجهه و أعياني هو و أعيا عليه الأمر و تعيا و تعايا بمعنى. و خرسوا أي سكتوا عن جواب السائلين عنه لأنهم لا يخبرون عن عافية لعدمها و لا عن عدمها لكونه غير موافق لنفوسهم و تنازعوا دونه شجي خبر الشجي ما اعترض في الحلق من عظم و نحوه و الشجو الهم و الحزن أي تخاصموا في خبر معترض في حلوقهم لا يمكنهم إساغته لشدته و لا بثه لفظاعته و قال ابن أبي الحديد أي تخاصموا في خبر ذي شجى أو خبر ذي غصة يتنازعونه و هم حول المريض سرا دونه و هو لا يعلم بنجواهم فقائل منهم هو لما به أي قد أشفى على الموت و ممن لهم أي يمنيهم إياب عافيته أي عودها يقول رأينا من بلغ أعظم من هذا ثم عوفي أسى الماضين الأسى جمع أسوة أي التأسي بالماضين أو صبر الماضين قال الجوهري الأسوة و الأسوة بالكسر و الضم لغتان و هو ما يأتسي به الحزين و يتعزى به و جمعها أسى و إسى ثم سمي الصبر أسى و لا تأتس بمن ليس لك بأسوة أي لا تقتد بمن ليس لك بقدوة انتهى. و الغصص جمع غصة و هو ما يعترض في مجرى الأنفاس فكم من مهم من جوابه كوصية أرادها أو مال مدفون أراد أن يعرفه أهله فعي أي عجز فتصام عنه أي أظهر الصمم لأنه لا حيلة له ثم وصف ع ذلك الدعاء فقال من كبير كان يعظمه كصراخ الوالد على الولد و الولد يسمع و لا يستطيع الكلام أو صغير كان يرحمه كصراخ الولد على الوالد و إن للموت لغمرات أي شدائد هي أشد و أشنع من أن يبين بوصف كما هو حق بيانها و أو تعتدل على عقول أهل الدنيا أي لا تستقيم على العقول و لا تقبلها أو لا يقدر أهل الدنيا على تعقلها
-2 دعائم الإسلام، عن أبي ذر رحمة الله عليه قال كنت عند رسول الله ص في مرضه الذي قبض فيه فقال ادن مني يا أبا ذر أستند إليك فدنوت منه فاستند إلى صدري إلى أن دخل علي صلوات الله عليه فقال لي قم يا أبا ذر فإن عليا أحق بهذا منك فجلس علي ع فاستند إلى صدره ثم قال لي هاهنا بين يدي فجلست بين يديه فقال لي اعقد بيدك من ختم له بشهادة أن لا إله إلا الله دخل الجنة و من ختم له بحجة دخل الجنة و من ختم له بعمرة دخل الجنة و من ختم له بطعام مسكين دخل الجنة و من ختم له بجهاد في سبيل الله و لو قدر فواق الناقة دخل الجنة
و عن جعفر بن محمد ع قال إن الله تبارك و تعالى ربما أمر ملك الموت ع فردد نفس المؤمن ليخرجها من أهون المواضع عليه و يرى الناس أنه شدد عليه و أن الله تبارك و تعالى ربما أمر ملك الموت بالتشديد على الكافر فيجذب نفسه جذبة واحدة كما يجذب السفود من الصوف المبلول و يرى الناس أنه هون عليه
بيان السفود بالتشديد الحديدة التي يشوى بها اللحم
3- الدعائم، عن رسول الله ص قال إن العبد لتكون له المنزلة من الجنة فلا يبلغها بشيء من البلاء حتى يدركه الموت و لم يبلغ تلك الدرجة فيشدد عليه عند الموت فيبلغها
و عن رسول الله ص أنه أوصى رجلا من الأنصار فقال أوصيك بذكر الموت فإنه يسليك عن أمر الدنيا
و عنه ص أنه قال أكثروا من ذكر هادم اللذات فقيل يا رسول الله فما هادم اللذات قال الموت فإن أكيس المؤمنين أكثرهم ذكرا للموت و أشدهم له استعدادا
و عنه ص أنه قال لقوم من أصحابه من أكيس الناس قال الله و رسوله أعلم فقال أكثرهم ذكرا للموت و أشدهم استعدادا له
و عن جعفر بن محمد ع أنه أوصى بعض أصحابه فقال أكثروا ذكر الموت فإنه ما أكثر ذكر الموت إنسان إلا زهد في الدنيا
و عن رسول الله ص قال الموت ريحانة المؤمن
و عنه ص قال مستريح و مستراح منه فأما المستريح فالعبد الصالح استراح من غم الدنيا و ما كان فيه من العبادة إلى الراحة و نعيم الآخرة و أما المستراح منه فالفاجر يستريح منه ملكاه
و عنه ع أنه كان يقول ألا رب مسرور مقبور و هو لا يشعر يأكل و يشرب و يضحك و حق له من الله أن سيصلى السعير
و عن علي صلوات الله عليه أنه قال لو لا أن الله خلق ابن آدم أحمق ما عاش و لو علمت البهائم أنها تموت كما تعلمون ما سمنت لكم
و عنه ص أنه قال ما رأيت إيمانا مع يقين أشبه منه بشك إلا هذا الإنسان إنه كل يوم يودع و إلى القبور يشيع و إلى غرور الدنيا يرجع و عن الشهوة و اللذة لا يقلع فلو لم يكن لابن آدم المسكين ذنب يتوقعه و لا حساب يوقف عليه إلا موت يبدد شمله و يفرق جمعه و يؤتم ولده لكان ينبغي له أن يحاذر ما هو فيه و لقد غفلنا عن الموت غفلة أقوام غير نازل بهم و ركنا إلى الدنيا و شهواتها ركون أقوام لا يرجون حسابا و لا يخافون عقابا
و عن جعفر بن محمد ع أنه قال لما احتضر رسول الله ص غشي عليه فبكت فاطمة ع فأفاق ص و هي تقول من لنا بعدك يا رسول الله فقال أنتم المستضعفون بعدي
و عن علي ع عن رسول الله ص أنه رخص في زيارة القبور و قال تذكركم الآخرة
و عن أبي جعفر ع قال كانت فاطمة صلوات الله عليها تزور قبر حمزة و تقوم عليه و كانت في كل سنة تأتي قبور الشهداء مع نسوة معها فيدعون و يستغفرون
و عن علي صلوات الله عليه أنه كان إذا مر بالقبور قال السلام عليكم أهل الديار و إنا بكم لاحقون ثلاث مرات
و عنه ع عن رسول الله ص أنه نهى عن تخطي القبور و الضحك عندها
4- الهداية، قال الرضا ع من زار قبر مؤمن فقرأ عنده إِنَّا أَنْزَلْناهُ سبع مرات غفر الله له و لصاحب القبر و من يزور القبر يستقبل القبلة و يضع يده على القبر إلا أن يزور إماما فإنه يجب أن يستقبله بوجهه و يجعل ظهره إلى القبلة
و قال الصادق ع لما أشرف أمير المؤمنين ع على القبور قال يا أهل التربة يا أهل الغربة أما الدور فقد سكنت و أما الأزواج فقد نكحت و أما الأموال فقد قسمت فهذا خبر ما عندنا فما خبر ما عندكم ثم التفت إلى الصحابة فقال لو أذن لهم في الكلام لأخبروكم إن خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوى
و روي أن من مسح يده على رأس يتيم ترحما كتب الله له بعدد كل شعرة مرت على يده حسنة
5- مشكاة الأنوار، جاء رجل إلى النبي ص فقال يا رسول الله إذا حضر جنازة و حضر مجلس عالم أيهما أحب إليك أن أشهد فقال ص إن كان للجنازة من يتبعها و يدفنها فإن حضور مجلس عالم أفضل من حضور ألف جنازة و من عيادة ألف مريض و من قيام ألف ليلة و من صيام ألف يوم و من ألف درهم يتصدق بها على المساكين و من ألف حجة سوى الفريضة و من ألف غزوة سوى الواجب تغزوها في سبيل الله بمالك و بنفسك و أين تقع هذه المشاهد من مشهد عالم أ ما علمت أن الله يطاع بالعلم و يعبد بالعلم و خيرة الدنيا و الآخرة مع العلم و شر الدنيا و الآخرة مع الجهل أ لا أخبركم عن أقوام ليسوا بأنبياء و لا شهداء يغبطهم الناس يوم القيامة بمنازلهم من الله عز و جل على منابر من نور قيل من هم يا رسول الله قال هم الذين يحببون عباد الله إلى الله و يحببون الله إلى عباده قلنا هذا حببوا الله إلى عباده فكيف يحببون عباد الله إلى الله قال يأمرونهم بما يحب الله و ينهونهم عما يكره الله فإذا أطاعوهم أحبهم الله
و منه عن علي بن أبي حمزة قال سألت أبا عبد الله ع أسلم على أهل القبور قال نعم قلت كيف أقول قال تقول السلام على أهل الديار من المؤمنين و المؤمنات و المسلمين و المسلمات أنتم لنا فرط و إنا بكم إن شاء الله راجعون
و منه قال قال الباقر ع أنزل الدنيا منك كمنزل نزلته ثم أردت التحول عنه من يومك أو كمال اكتسبته في منامك و ليس في يدك منه شيء و إذا حضرت في جنازة فكن كأنك المحمول عليها و كأنك سألت ربك الرجعة إلى الدنيا فردك فاعمل عمل من قد عاين
و منه عن معاوية بن عمار قال سمعت أبا عبد الله ع يقول إن رجلا فيما مضى من الدهر كان لا يرفع لأهل الأرض من الحسنات ما يرفع له و لم يكن له سيئة فأحبه ملك من الملائكة فسأل الله عز و جل أن يأذن له فينزل إليه فيسلم عليه فأذن له فنزل فإذا الرجل قائم يصلي فجلس الملك و جاء أسد فوثب على الرجل فقطعه أربعة آراب و فرق في كل جهة من الأربعة إربا و انطلق فقام الملك فجمع تلك الأعضاء فدفنها ثم مضى على ساحل البحر فمر برجل مشرك تعرض عليه ألوان الأطعمة في آنية الذهب و الفضة و هو ملك الهند و هو كذلك إذ تكلم بالشرك فصعد الملك فدعي فقيل له ما رأيت فقال من أعجب ما رأيت عبدك فلان الذي لم يكن يرفع لأحد من الآدميين من الحسنات مثل ما يرفع له سلطت عليه كلبا فقطعه إربا ثم مررت بعبد لك قد ملكته تعرض عليه آنية الذهب و الفضة فيها ألوان الأطعمة فيشرك بك و هو سوي قال فلا تعجبن من عبدي الأول فإنه سألني منزلة من الجنة لم يبلغها بعمل فسلطت عليه الكلب لأبلغه الدرجة التي أرادها و أما عبدي الآخر فإني استكثرت له شيئا صنعته به لما يصير إليه غدا من عذابي
6- دعوات الراوندي، قال النبي ص تحفة المؤمن الموت و قال الموت كفارة لكل مسلم و إذا مات المؤمن ثلم في الإسلام ثلمة لا يسد مكانها شيء و بكت عليه بقاع الأرض التي كان يعبد الله فيها
و قال ص إذا تقارب الزمان انتقى الموت خيار أمتي كما ينتقي أحدكم خيار الرطب من الطبق
و قال أمير المؤمنين ع ليس بيننا و بين الجنة أو النار إلا الموت
و قال الصادق ع هول لا تدري متى يغشاك ما يمنعك أن تستعد له قبل أن يفجأك
و قال أمير المؤمنين ع ما أنزل الموت حق منزلته من عد غدا من أجله و ما أطال عبد الأمل إلا أساء العمل و طلب الدنيا
و قال الصادق ع إنه لم يكثر عبد ذكر الموت إلا زهد في الدنيا
و قال النبي ص لو نظرتم إلى الأجل و مسيره لأبغضتم الأمل و غروره إن لكل ساع غاية و غاية كل ساع الموت لو تعلم البهائم من الموت ما تعلمون ما أكلتم سمينا عش ما شئت فإنك ميت و أحبب من أحببت فإنك مفارقه عجبت لمؤمل دنيا و الموت يطلبه
و روي أنه لما دنا وفاة إبراهيم ع قال هلا أرسلت إلي رسولا حتى آخذ أهبة قال له أ و ما علمت أن الشيب رسولي
و حدث أبو بكر بن عياش قال كنت عند أبي عبد الله ع فجاءه رجل فقال رأيتك في النوم كأني أقول لك كم بقي من أجلي فقلت لي بيدك هكذا و أومأت إلى خمس و قد شغل ذلك قلبي فقال ع إنك سألتني عن شيء لا يعلمه إلا الله عز و جل و هي خمس تفرد الله بها إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ إلى آخرها
و قال سمعته يقول سبحان من لا يستأنس بشيء أبقاه و لا يستوحش من شيء أفناه و سمعته يقول وَ أَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمانِهِمْ لا يَبْعَثُ اللَّهُ مَنْ يَمُوتُ أ فتراك تجمع بين أهل القسمين في دار واحدة و هي النار
و روي أنه جاء رجل إلى النبي ص و قال إن فلانا جاري يؤذيني قال اصبر على أذاه كف أذاك عنه فما لبث أن جاء و قال يا نبي الله إن جاري قد مات فقال ص كفى بالدهر واعظا و كفى بالموت مفرقا
و قال النبي ص يا رب أي عبادي أحب إليك قال الذي يبكي لفقد الصالحين كما يبكي الصبي على فقد أبويه
و قال زيد بن أرقم قال الحسين بن علي ع ما من شيعتنا إلا صديق شهيد قلت أنى يكون ذلك و هم يموتون على فرشهم فقال أ ما تتلو كتاب الله الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَ رُسُلِهِ أُولئِكَ هُمُ الصِّدِّيقُونَ وَ الشُّهَداءُ عِنْدَ رَبِّهِمْ ثم قال ع لو لم تكن الشهادة إلا لمن قتل بالسيف لأقل الله الشهداء
و قال زين العابدين ع أشد ساعات ابن آدم ثلاث ساعات الساعة التي يعاين فيها ملك الموت و الساعة التي يقوم فيها من قبره و الساعة التي يقف فيها بين يدي الله عز و جل فإما إلى الجنة أو إلى النار ثم قال ع إن نجوت يا ابن آدم عند الموت فأنت أنت و إلا هلكت و إن نجوت يا ابن آدم حين توضع في قبرك فأنت أنت و إلا هلكت و إن نجوت حين يحمل الناس على الصراط فأنت أنت و إلا هلكت و إن نجوت حين يقوم الناس لرب العالمين فأنت أنت و إلا هلكت ثم تلا وَ مِنْ وَرائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ قال هو القبر و إن لهم فيه معيشة ضنكا و الله إن القبور لروضة من رياض الجنة أو حفرة من حفر النار
و قال ع القبر أول منزل من منازل الآخرة فإن نجا منه فما بعده أيسر منه و إن لم ينج منه فما بعده شر منه
و قال علي بن الحسين ع من مات على موالاتنا في غيبة قائمنا أعطاه الله أجر ألف شهيد مثل شهداء بدر و أحد
و قيل لأمير المؤمنين ع ما شأنك جاورت المقبرة فقال إني أجدهم جيران صدق يكفون السيئة و يذكرون الآخرة
بيان الانتقاء الاختيار قوله ع من الموت أي من شدائد الموت و العقوبات بعده أي لو كانوا مكلفين و علموا ترتب العقاب على أعمالهم السيئة لكانوا دائما مهتمين لذلك فيهزلون و لم تجدوا منهم سمينا فلا ينافي ما ورد أن الموت مما لم تبهم عنه البهائم أو المعنى لو كانوا يعلمون كعلمكم بالتجارب و إخبار الله و الأنبياء و الأوصياء و الصالحين لكانوا كذلك فإنهم و إن علموا الموت مجملا و يحذرون منه لكن لا يعلمون كعلمكم و الأول أظهر. قوله ع بين أهل القسمين الظاهر أن القسم الآخر قوله تعالى في سورة التغابن قُلْ بَلى وَ رَبِّي لَتُبْعَثُنَّ ثُمَّ لَتُنَبَّؤُنَّ بِما عَمِلْتُمْ و يحتمل أن يكون إشارة إلى تتمة تلك الآية بَلى وَعْداً عَلَيْهِ حَقًّا فإنه في قوة القسم لكنه بعيد و كأن في الحديث سقطا
7- أعلام الدين، عن النبي ص قال الناس اثنان رجل أراح و آخر استراح فأما الذي استراح فالمؤمن استراح من الدنيا و نصبها و أفضى إلى رحمة الله و كريم ثوابه و أما الذي أراح فالفاجر استراح منه الناس و الشجر و الدواب و أفضى إلى ما قدم
8- كتاب جعفر بن محمد بن شريح، عن حميد بن شعيب عن جابر الجعفي قال سمعت أبا عبد الله ع يقول ما من مؤمن يحضره الموت إلا رأى محمدا و عليا ع حيث تقر عينه و لا مشرك يموت إلا رآهما حيث يسوؤه
9- مجالس الصدوق، و معاني الأخبار، عن محمد بن علي ماجيلويه عن عمه محمد بن أبي القاسم عن هارون بن مسلم عن مسعدة بن زياد عن الصادق عن آبائه ع قال قال علي ع إن للمرء المسلم ثلاثة أخلاء فخليل يقول له أنا معك حيا و ميتا و هو عمله و خليل يقول له أنا معك حتى تموت و هو ماله فإذا مات صار للوارث و خليل يقول له أنا معك إلى باب قبرك ثم أخليك و هو ولده
الخصال، عن أبيه عن عبد الله الحميري عن هارون مثله
10- مجالس الصدوق، عن محمد بن الحسن عن سعد بن عبد الله عن أحمد البرقي عن ابن أبي نجران و الحسين بن سعيد عن حماد عن حريز عن أبان بن تغلب عن الصادق ع أنه قال من مات بين زوال الشمس من يوم الخميس إلى زوال الشمس من يوم الجمعة من المؤمنين أعاذه الله من ضغطة القبر
11- و منه، و من العيون، عن محمد بن إبراهيم بن إسحاق عن ابن عقدة عن علي بن الحسن بن فضال عن أبيه عن أبي الحسن الرضا ع عن آبائه ع قال لما حضرت الحسن بن علي بن أبي طالب الوفاة بكى فقيل له يا ابن رسول الله أ تبكي و مكانك من رسول الله ص الذي أنت به و قال فيك رسول الله ص ما قال فيك و قد حججت عشرين حجة ماشيا و قد قاسمت ربك مالك ثلاث مرات حتى النعل و النعل فقال ع إنما أبكي لخصلتين لهول المطلع و فراق الأحبة
12- العيون، بالأسانيد الثلاثة عن الرضا عن آبائه ع قال قال رسول الله ص لما نزلت هذه الآية إِنَّكَ مَيِّتٌ وَ إِنَّهُمْ مَيِّتُونَ قلت يا رب أ يموت الخلائق و يبقى الأنبياء فنزلت كُلُّ نَفْسٍ ذائِقَةُ الْمَوْتِ ثُمَّ إِلَيْنا تُرْجَعُونَ
بيان لعله ص إنما سأل عن ذلك بعد نزول تلك الآية لاحتمال كون الكلام مسوقا على الاستفهام الإنكاري
13- مجالس ابن الشيخ، عن أبيه عن محمد بن علي بن حشيش عن محمد بن أحمد بن عبد الوهاب عن محمد بن علي بن خلف عن الحسن بن العلاء عن مكي بن إبراهيم عن ابن جريج عن عطاء عن ابن عباس قال قال رسول الله ص ليس من مات فاستراح بميت إنما الميت ميت الأحياء
-14 ثواب الأعمال، عن أبيه عن عبد الله بن جعفر الحميري عن أحمد بن محمد عن الحسن بن محبوب عن سدير الصيرفي قال كنت عند أبي عبد الله ع فذكروا عنده المؤمن فالتفت إلي فقال يا أبا الفضل أ لا أحدثك بحال المؤمن عند الله قلت بلى فحدثني قال فقال إذا قبض الله روح المؤمن صعد ملكاه إلى السماء فقالا ربنا عبدك فلان و نعم العبد كان لك سريعا في طاعتك بطيئا عن معصيتك و قد قبضته إليك فما ذا تأمرنا من بعده قال فيقول الله لهما اهبطا إلى الدنيا و كونا عند قبر عبدي فمجداني و سبحاني و هللاني و كبراني و اكتبا ذلك لعبدي حتى أبعثه من قبره ثم قال أ لا أزيدك فقلت بلى فزدني فقال إذا بعث الله المؤمن من قبره خرج معه مثال يقدمه أمامه فكلما رأى المؤمن هولا من أهوال يوم القيامة قال له المثال لا تحزن و لا تفزع و أبشر بالسرور و الكرامة من الله فما يزال يبشره بالسرور و الكرامة من الله عز و جل حتى يقف بين يدي الله جل جلاله فيحاسبه حسابا يسيرا و يأمر به إلى الجنة و المثال أمامه فيقول له المؤمن رحمك الله نعم الخارج خرجت معي من قبري ما زلت تبشرني بالسرور و الكرامة من الله عز و جل حتى رأيت ذلك فمن أنت فيقول له المثال أنا السرور الذي كنت تدخله على أخيك المؤمن في الدنيا خلقني الله منه لأسرك
15- مجالس المفيد، عن جعفر بن محمد بن قولويه عن أبيه عن سعد بن عبد الله عن أحمد بن محمد بن عيسى عن الحسن بن محبوب عن حنان بن سدير عن أبيه قال كنت عند أبي عبد الله ع و ذكر مثله
16- منتهى المطلب، عن النبي ص قال لا يتمنى أحدكم الموت لضر نزل به و ليقل اللهم أحيني ما كانت الحياة خيرا لي و توفني إذا كانت الوفاة خيرا لي
17- العيون، عن أحمد بن زياد الهمداني عن علي بن إبراهيم عن ياسر عن الرضا ع أنه كان إذا رجع يوم الجمعة من الجامع و قد أصابه العرق و الغبار رفع يديه و قال اللهم إن كان فرجي مما أنا فيه بالموت فعجله لي الساعة و لم يزل مغموما إلى أن قبض
بيان يدل على جواز تمني الموت في بعض الأحوال و يحتمل أن يكون ذلك لإزالة وهم بعض الجاهلين الذين كانوا يظنون أنه ع مسرور بقرب المأمون راض بأفعاله متوقع لولاية عهده
18- قرب الإسناد، عن أحمد بن محمد و محمد بن الحسين جميعا عن الحسن بن محبوب عن علي بن رئاب قال سمعت أبا الحسن موسى ع يقول إذا مات المؤمن بكت عليه الملائكة و بقاع الأرض التي كان يعبد الله عليها و أبواب السماء التي كان يصعد بأعماله فيها و ثلم في الإسلام ثلمة لا يسدها شيء قال لأن المؤمنين الفقهاء حصون المسلمين كحصن سور المدينة لها
منية المريد، عن الكاظم ع مثله بيان بكاء البقاع و الأبواب المراد به بكاء أهلهما من الملائكة أو هو كناية عن ظهور آثار فقده فيهما أو تمثيل لبيان عظم المصيبة فكأنه تبكي عليه السماء و الأرض كما هو الشائع في العرف أنهم يذكرون ذلك لبيان شدة المصيبة و عمومها و الثلمة بالضم فرجة المكسور و المهدوم و إضافة الحصن إلى السور بيانية أو أريد به المعنى المصدري
19- مجالس المفيد، عن علي بن مالك النحوي عن محمد بن الفضل الكاتب عن عيسى بن حميد قال سمعت أبا عبد الله الربعي يقول حدثنا الأصمعي قال دخلت البصرة فبينا أنا أمشي بشارعها إذ أبصرت بجارية أحسن الناس وجها و إذا هي كالشن البالي فلم أزل أتبعها و أحبس نفسي عنها حتى انتهت من المقابر إلى قبر فجلست عنده ثم أنشأت تقول بصوت ما يكاد يبين هذا و الله المسكن لا ما به نغر أنفسنا هذا و الله المفرق بين الأحباب و المقرب من الحساب و به عرفان الرحمة من العذاب يا أبه فسح الله في قبرك و تغمدك بما تغمد به نبيك أما إني لا أقول خلاف ما أعلم كنت علمي بك جوادا إذا أتيت أتيت وسادا و إذا اعتمدت وجدت عمادا ثم قالت
يا ليت شعري كيف غيرك البلى أم كيف صار جمال وجهك في الثرىلله درك أي كهل غيبوا تحت الجنادل لا تحس و لا ترىلبا و حلما بعد حزم زانه بأس وجود حين يطرق للقرىلما نقلت إلى المقابر و البلى دنت الهموم فغاب عن عيني الكرى
20- و منه، عن محمد بن علي بن الحسين بن بابويه رحمه الله عن محمد بن الحسن بن الوليد عن محمد بن الحسن الصفار عن محمد بن الحسين بن أبي الخطاب عن علي بن أسباط عن علي بن أبي حمزة عن أبي بصير عن أبي عبد الله جعفر بن محمد ع قال أوحى الله تعالى إلى عيسى ابن مريم ع يا عيسى هب لي من عينك الدموع و من قلبك الخشوع و اكحل عينك بميل الحزن إذا ضحك البطالون و قم على قبور الأموات فنادهم بالصوت الرفيع لعلك تأخذ موعظتك منهم و قل إني لاحق بهم في اللاحقين
21- و منه، عن محمد بن علي بن الحسين عن محمد بن علي ماجيلويه عن عمه محمد بن أبي القاسم عن أحمد بن محمد بن خالد عن أبيه عن محمد بن سنان عن محمد بن عطية عن أبي عبد الله جعفر بن محمد ع قال قال رسول الله ص الموت كفارة لذنوب المؤمنين
22- أعلام الدين، للديلمي فيما أوصى لقمان ابنه اعلم يا بني أن الموت على المؤمن كنومة نامها و بعثه كانتباهه منها
23- نوادر الراوندي، بإسناده عن جعفر بن محمد عن آبائه ع قال قال رسول الله ص ما من مؤمن يموت في غربته إلا بكت عليه الملائكة رحمة له حيث قلت بواكيه و فسح له في قبره بنور يتلألأ من حيث دفن إلى مسقط رأسه
و بهذا الإسناد قال قال رسول الله ص الموت ريحانة المؤمن
24- كتاب الصفين، لنصر بن مزاحم عن عمر بن سعد عن عبد الرحمن بن جندب قال لما رجع أمير المؤمنين ع من صفين و جاز دور بني عوف و كنا معه إذا نحن عن أيماننا بقبور سبعة أو ثمانية فقال أمير المؤمنين ع ما هذه القبور فقال له قدامة بن العجلان الأزدي يا أمير المؤمنين إن خباب بن الأرت توفي بعد مخرجك فأوصى أن يدفن في الظهر و كان الناس يدفنون في دورهم و أفنيتهم فدفن الناس إلى جنبه فقال ع رحم الله خبابا فقد أسلم راغبا و هاجر طائعا و عاش مجاهدا و ابتلي في جسده أحوالا و لن يضيع الله أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلًا فجاء حتى وقف عليهم ثم قال السلام عليكم يا أهل الديار الموحشة و المحال المقفرة من المؤمنين و المؤمنات و المسلمين و المسلمات أنتم لنا سلف و فرط و نحن لكم تبع و بكم عما قليل لاحقون اللهم اغفر لنا و لهم و تجاوز عنا و عنهم ثم قال الحمد لله الذي جعل الأرض كِفاتاً أَحْياءً وَ أَمْواتاً الحمد لله الذي منها خلقنا و فيها يعيدنا و عليها يحشرنا طوبى لمن ذكر المعاد و عمل للحساب و قنع بالكفاف و رضي عن الله بذلك
بيان قال الجوهري الوحشة الخلوة و الهم و قد أوحشت الرجل فاستوحش و أرض وحشة و بلد وحش بالتسكين أي قفر و توحشت الأرض صارت وحشة و أوحشت الأرض وجدتها وحشة و قال القفر مفازة لا نبات فيها و لا ماء يقال أرض قفر و مفازة قفرة و أقفرت الدار خلت
25- نهج البلاغة، قال أمير المؤمنين ع و قد رجع من صفين فأشرف على القبور بظاهر الكوفة يا أهل الديار الموحشة و المحال المقفرة و القبور المظلمة يا أهل التربة يا أهل الغربة يا أهل الوحدة يا أهل الوحشة أنتم لنا فرط سابق و نحن لكم تبع لاحق أما الدور فقد سكنت و أما الأزواج فقد نكحت و أما الأموال فقد قسمت هذا خبر ما عندنا فما خبر ما عندكم ثم التفت إلى أصحابه فقال أما لو أذن لهم في الكلام لأخبروكم إن خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوى
و قال ع إن لله ملكا ينادي في كل يوم لدوا للموت و اجمعوا للفناء و ابنوا للخراب
و قال ع الهم نصف الهرم
و قال ع فيما كتب إلى الحارث الهمداني أكثر ذكر الموت و ما بعد الموت و لا تتمن الموت إلا بشرط وثيق
بيان أي لا تتمن الموت إلا مشروطا بالمغفرة أو بعد تحصيل ما يوجب رفع درجات الآخرة في بقية العمر و قال ابن أبي الحديد أي لا تتمن الموت إلا و أنت واثق من أعمالك الصالحة أنها تؤديك إلى الجنة و تنقذك من النار. أقول على هذا يحتمل أن يكون نهيا عن تمني الموت مطلقا فإن ذلك الوثوق لا يكاد يحصل لأحد سوى الأنبياء و الأئمة ع
26- كتاب الغارات، لإبراهيم بن محمد الثقفي بإسناده عن ابن نباتة قال كتب صاحب الروم إلى معاوية فسأله عن مسائل عجز عنها فبعث إلى أمير المؤمنين ع من يسأله عنها فكان فيما سأله أين تأوي أرواح المسلمين و أين تأوي أرواح المشركين فقال ع تأوي أرواح المسلمين عينا في الجنة تسمى سلمى و تأوي أرواح المشركين في جب في النار يسمى برهوت الخبر
27- تفسير علي بن إبراهيم، قال إن حنظلة بن أبي عامر تزوج في الليلة التي كان في صبيحتها حرب أحد فاستأذن رسول الله ص أن يقيم عند أهله فأنزل الله فَإِذَا اسْتَأْذَنُوكَ لِبَعْضِ شَأْنِهِمْ فَأْذَنْ لِمَنْ شِئْتَ مِنْهُمْ فأقام عند أهله ثم أصبح و هو جنب فحضر القتال فاستشهد فقال رسول الله ص رأيت الملائكة تغسل حنظلة بماء المزن في صحاف فضة بين السماء و الأرض فكان يسمى غسيل الملائكة
بيان ربما يستدل به على أن الجنب إذا استشهد يغسل للجنابة و لا يخفى وهنه
28- كنز الكراجكي، روي أنه كان في التوراة مكتوبا يا ابن آدم لا تشتهي تموت حتى تتوب و أنت لا تتوب حتى تموت
و قال أمير المؤمنين ع من أكثر ذكر الموت رضي من الدنيا باليسير و قيل إن من عجائب الدنيا أنك تبكي على من تدفنه و تطرح التراب على وجه من تكرمه
و منه قال أمير المؤمنين ع موت الأبرار راحة لأنفسهم و موت الفجار راحة للعالم
و روي عن رسول الله ص أنه قال ما من مؤمن إلا و له باب يصعد منه عمله و ينزل منه رزقه فإذا مات بكيا عليه و ذلك قول الله عز و جل فَما بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّماءُ وَ الْأَرْضُ وَ ما كانُوا مُنْظَرِينَ
و قال الكراجكي ره بعد إيراد الخبر هذه الآية نزلت في قوم فرعون و إهلاكهم و فيها وجوه من التأويل أحدها ما ورد في هذا الخبر و معنى البكاء هاهنا الإخبار عن الاختلال بعده كما يقال بكى منزل فلان بعده قال مزاحم العقيلي
بكت دارهم من بعدهم فتهللت دموعي فأي الجازعين ألومأ مستعبرا يبكي من الهون و البلاء و آخر يبكي شجوه و يهيم.
فإذا لم يكن لهؤلاء القوم الذين أخبر الله تعالى ببوارهم مقام صالح في الأرض و لا عمل كريم يرفع إلى السماء جاز أن يقال فَما بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّماءُ وَ الْأَرْضُ و قد روي عن ابن عباس أنه قيل له و قد سئل عن هذه الآية أ تبكي السماء و الأرض على أحد فقال نعم مصلاه في الأرض و مصعد عمله في السماء. و الثاني أن يكون تعالى أراد المبالغة في وصف القوم بصغر القدر و سقوط المنزلة لأن العرب إذا أخبرت عن عظم المصاب بالهالك قالت كسفت لفقده الشمس و أظلم القمر و بكاه الليل و النهار و السماء و الأرض قال جرير يرثي عمر بن عبد العزيز
الشمس طالعة ليست بكاسفة تبكي عليك نجوم الليل و القمر.
و الثالث أن يكون الله تعالى أراد ببكائهما بكاء أهلهما كما في قوله تعالى وَ سْئَلِ الْقَرْيَةَ. و الرابع أن يكون المعنى لم يأخذ آخذ بثأرهم و لا أحد انتصر لهم لأن العرب كانت لا تبكي على قتيل إلا بعد الأخذ بثأره فكنى بهذا اللفظ عن فقد الانتصار و الأخذ بالثأر على مذهب القوم الذين خوطبوا بالقرآن و الخامس أن يكون البكاء كناية عن المطر و السقيا لأن العرب تشبه المطر بالبكاء فمعنى الآية أن السماء لم تسق قبورهم و لم تجد بقطرها عليهم على مذهب العرب المعهود بينهم لأنهم كانوا يستسقون السحائب لقبور من فقدوه من أعزائهم و يستنبتون الزهر و الرياض لمواقع حفرهم قال النابغة
فلا زال قبر بين تبنى و حاسم عليه من الوسمي طل و وابلفينبت حوذانا و غوفا منورا سأتبعه من خير ما قال قائل.
و كانوا يجرون هذا الدعاء مجرى الاسترحام و مسألة الله تعالى لهم الرضوان و الفعل إذا أضيف إلى السماوات كان لا تجوز إضافته إلى الأرض فقد يصح عطف الأرض على السماء بأن يقدر فعل يصح نسبته إليها و العرب تفعل مثل هذا قال الشاعر
يا ليت زوجك قد غدا متقلدا سيفا و رمحا.
بعطف الرمح على السيف و إن كان التقلد لا يجوز فيه و مثل هذا يقدر في الآية فيقال إنه تعالى أراد السماء لم تسق قبورهم و أن الأرض لم تعشب عليها و كل هذا كناية عن حرمانهم رحمه الله عز و جل و ربما شبه الشعراء النبات بضحك الأرض كما شبهوا المطر ببكاء السماء و في ذلك يقول أبو تمام
إن السماء إذا لم تبك مقلتها لم تضحك الأرض عن شيء من الخضرو الزهر لا تنجلي أبصاره أبدا إلا إذا رمدت من كثرة المطر.
بيان قال الفيروزآبادي هام يهيم هيما و هيمانا أحب امرأة و الهيام بالضم كالجنون من العشق و قال تبنى بالضم موضع و قال حاسم كصاحب موضع و قال الوسمي مطر الربيع الأول و قال الطل المطر الضعيف و الوابل المطر الشديد الضخم القطر و قال الجوهري الحوذان نبت نوره أصفر و في القاموس الغوف نبات طيب الرائحة
29- عدة الداعي، عن الصادق ع قال إذا مات المؤمن صعد ملكاه فقالا يا ربنا أمت فلانا فيقول انزلا فصليا عليه عند قبره و هللاني و كبراني و اكتبا ما تعملان له
30- أعلام الدين، للديلمي عن الزهري عن أنس قال قال رسول الله ص ما من بيت إلا و ملك الموت يقف على بابه كل يوم خمس مرات فإذا وجد الإنسان قد نفد أجله و انقطع أكله ألقى عليه الموت فغشيته كرباته و غمرته غمراته فمن أهل بيته الناشرة شعرها و الضاربة وجهها الصارخة بويلها الباكية بشجوها فيقول ملك الموت ويلكم مم الفزع و فيم الجزع و الله ما أذهبت لأحد منكم مالا و لا قربت له أجلا و لا أتيته حتى أمرت و لا قبضت روحه حتى استأمرت و إن لي إليكم عودة ثم عودة حتى لا أبقي منكم أحدا ثم قال رسول الله ص و الذي نفسي بيده لو يرون مكانه و يسمعون كلامه لذهلوا عن ميتهم و بكوا على نفوسهم حتى إذا حمل الميت على نعشه رفرف روحه فوق النعش و هو ينادي يا أهلي و ولدي لا تلعبن بكم الدنيا كما لعبت بي جمعته من حله و من غير حله و خلفته لغيري و المهنأ له و التبعات علي فاحذروا من مثل ما نزل بي
و عن أنس قال تلا رسول الله ص هذه الآية وَ نُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّماواتِ وَ مَنْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شاءَ اللَّهُ قالوا يا رسول الله من هؤلاء الذين استثنى الله قال ص جبرئيل و ميكائيل و إسرافيل و ملك الموت فإذا قبض الله أرواح الخلائق قال يا ملك الموت من بقي قال يقول سبحانك ربي تباركت ربي و تعاليت ربي ذا الجلال و الإكرام بقي جبرائيل و ميكائيل و إسرافيل و ملك الموت قال فيقول خذ نفس إسرافيل فيأخذ نفس إسرافيل قال فيقول يا ملك الموت من بقي قال فيقول سبحانك ربي تباركت و تعاليت ربي ذا الجلال و الإكرام بقي جبرائيل و ميكائيل و ملك الموت قال فيقول خذ نفس ميكائيل قال فيأخذ نفس ميكائيل فيقع كالطود العظيم فيقول يا ملك الموت من بقي فيقول تباركت ربي و تعاليت بقي جبرئيل و ملك الموت قال فيقول مت يا ملك الموت فيموت قال فيقول يا جبرئيل من بقي فيقول تباركت ربي و تعاليت ذا الجلال و الإكرام وجهك الباقي الدائم و جبرئيل الميت الفاني قال يا جبرئيل لا بد من الموت فيخر ساجدا فيخفق بجناحيه فيقول سبحانك ربي تباركت و تعاليت ذا الجلال و الإكرام ثم قال رسول الله ص فعند ذلك يموت جبرئيل و هو آخر من يموت من خلق السماوات و الأرض
31- إختيار ابن الباقي، عن جعفر بن محمد ع قال مر أمير المؤمنين ع بالمقبرة و يروى بالمقابر فقال السلام عليكم يا أهل المقبرة و التربة اعلموا أن المنازل بعدكم قد سكنت و أن الأموال بعدكم قد قسمت و أن الأزواج بعدكم قد نكحت فهذا خبر ما عندنا فما خبر ما عندكم فأجابه هاتف من المقابر نسمع صوته و لا نرى شخصه عليك السلام يا أمير المؤمنين و رحمة الله و بركاته أما خبر ما عندنا فقد وجدنا ما وعدناه و ربحنا ما قدمناه و خسرنا ما خلفناه فالتفت إلى أصحابه فقال أ سمعتم قالوا نعم يا أمير المؤمنين قال ف تَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوى
32- تفسير علي بن إبراهيم، في رواية أبي الجارود عن أبي جعفر ع في قوله تعالى قُلْ كُونُوا حِجارَةً أَوْ حَدِيداً أَوْ خَلْقاً مِمَّا يَكْبُرُ فِي صُدُورِكُمْ قال الخلق الذي يكبر في صدوركم الموت
بيان قال في مجمع البيان في تفسير هذه الآية أي اجهدوا في أن لا تعادوا و لا تحشروا أو كونوا إن استطعتم حجارة أو حديدا في الشدة أو خلقا هو أعظم من ذلك عندكم و أصعب فإنكم لا تفوتون الله و يحييكم بعد الموت و قيل يعني بقوله ما يكبر في صدوركم الموت عن ابن عباس بن جبير أي لو كنتم الموت لأماتكم الله و ليس شيء أكبر في صدور بني آدم من الموت و قيل يعني به السماوات و الأرض و الجبال. قد فرغ من تسويد هذا الجزء من المجلد الثامن عشر مؤلفه الحقير المقر بالتقصير في رابع عشر شهر صفر ختم بالخير و الظفر من شهور سنة أربع و تسعين بعد الألف الهجرية و الحمد لله أولا و آخرا و صلى الله على سيد المرسلين محمد و عترته الأكرمين الأقدسين