الآيات البقرة يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ إلى قوله فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُما ما يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَ زَوْجِهِ وَ ما هُمْ بِضارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ الأعراف فَلَمَّا أَلْقَوْا سَحَرُوا أَعْيُنَ النَّاسِ وَ اسْتَرْهَبُوهُمْ وَ جاؤُ بِسِحْرٍ عَظِيمٍ يونس وَ لا يُفْلِحُ السَّاحِرُونَ و قال تعالى قالَ مُوسى ما جِئْتُمْ بِهِ السِّحْرُ إِنَّ اللَّهَ سَيُبْطِلُهُ إِنَّ اللَّهَ لا يُصْلِحُ عَمَلَ الْمُفْسِدِينَ يوسف وَ قالَ يا بَنِيَّ لا تَدْخُلُوا مِنْ بابٍ واحِدٍ وَ ادْخُلُوا مِنْ أَبْوابٍ مُتَفَرِّقَةٍ وَ ما أُغْنِي عَنْكُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَ عَلَيْهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ وَ لَمَّا دَخَلُوا مِنْ حَيْثُ أَمَرَهُمْ أَبُوهُمْ ما كانَ يُغْنِي عَنْهُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا حاجَةً فِي نَفْسِ يَعْقُوبَ قَضاها وَ إِنَّهُ لَذُو عِلْمٍ لِما عَلَّمْناهُ وَ لكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ طه قالَ بَلْ أَلْقُوا فَإِذا حِبالُهُمْ وَ عِصِيُّهُمْ يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِنْ سِحْرِهِمْ أَنَّها تَسْعى إلى قوله تعالى إِنَّما صَنَعُوا كَيْدُ ساحِرٍ وَ لا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتى القلم وَ إِنْ يَكادُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَيُزْلِقُونَكَ بِأَبْصارِهِمْ لَمَّا سَمِعُوا الذِّكْرَ وَ يَقُولُونَ إِنَّهُ لَمَجْنُونٌ وَ ما هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِلْعالَمِينَ الفلق وَ مِنْ شَرِّ النَّفَّاثاتِ فِي الْعُقَدِ وَ مِنْ شَرِّ حاسِدٍ إِذا حَسَدَ تفسير قال الطبرسي رحمه الله في قوله تعالى يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ السحر و الكهانة و الحيلة نظائر يقال سحره يسحره سحرا و قال صاحب العين السحر عمل يقرب إلى الشياطين و من السحر الأخذة التي تأخذ العين حتى تظن أن الأمر كما ترى و ليس الأمر كما ترى فالسحر عمل خفي لخفاء سببه يصور الشيء بخلاف صورته و يقلبه عن جنسه في الظاهر و لا يقلبه عن جنسه في الحقيقة أ لا ترى إلى قوله تعالى يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِنْ سِحْرِهِمْ أَنَّها تَسْعى و قال في قوله ما يُفَرِّقُونَ بِهِ فيه وجوه أحدها أنهم يوجدون أحدهما على صاحبه و يبغضونه إليه فيؤدي ذلك إلى الفرقة عن قتادة و ثانيها أنهم يغوون أحد الزوجين و يحملونه على الكفر و الشرك بالله تعالى فيكون بذلك قد فارق زوجه الآخر المؤمن المقيم على دينه فيفرق بينهما على اختلاف النحلة و تباين الملة و ثالثها أنهم يسعون بين الزوجين بالنميمة و الوشاية حتى يئول أمرهما إلى الفرقة و المباينة إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ أي بعلم الله فيكون تهديدا أو بتخلية الله. و قال البيضاوي المراد بالسحر ما يستعان في تحصيله بالتقرب إلى الشيطان مما لا يستقل به الإنسان و ذلك لا يستتب إلا لمن يناسبه في الشرارة و خبث النفس فإن التناسب شرط في التضام و التعاون و بهذا يميز الساحر عن النبي و الولي و أما ما يتعجب منه كما يفعله أصحاب الحيل بمعونة الآلات و الأدوية أو يريه صاحب خفة اليد فغير مذموم و تسميته سحرا على التجوز أو لما فيه من الدقة لأنه في الأصل لما خفي سببه. و قال الشيخ قدس سره في التبيان قيل في معنى السحر أربعة أقوال أحدها أنه خدع و مخاريق و تمويهات لا حقيقة لها يخيل إلى المسحور أن لها حقيقة. و الثاني أنه أخذ بالعين على وجه الحيلة و الثالث أنه قلب الحيوان من صورة إلى صورة و إنشاء الأجسام على وجه الاختراع فيمكن الساحر أن يقلب الإنسان حمارا و ينشئ أجساما و الرابع أنه ضرب من خدمة الجن و أقرب الأقوال الأول لأن كل شيء خرج عن العادة الجارية فإنه سحر لا يجوز أن يتأتى من الساحر و من جوز شيئا من هذا فقد كفر لأنه لا يمكن مع ذلك العلم بصحة المعجزات الدالة على النبوات لأنه أجاز مثله على جهة الحيلة و السحر. و قال النيسابوري السحر في اللغة عبارة عن كل ما لطف مأخذه و خفي سببه و منه الساحر العالم و سحره خدعه و السحر الرئة و في الشرع مختص بكل أمر يختفي سببه و يتخيل على غير حقيقته و يجري مجرى التمويه و الخداع و قد يستعمل مقيدا فيما يمدح و يحمد و هو السحر الحلال
قال ص إن من البيان لسحرا
ثم السحر على أقسام منها سحر الكلدانيين الذين كانوا في قديم الدهر و هم قوم يعبدون الكواكب و يزعمون أنها هي المدبرة لهذا العالم و منها تصدر الخيرات و الشرور و السعادة و النحوسة و يستحدثون الخوارق بواسطة تمزيج القوى السماوية بالقوى الأرضية و هم الذين بعث الله إبراهيم ع مبطلا لمقالتهم. و منها سحر أصحاب الأوهام و النفوس القوية بدليل أن الجذع الذي يتمكن الإنسان من المشي عليه لو كان موضوعا على الأرض لا يمكنه المشي عليه لو كان كالجسر و ما ذاك إلا لأن تخيل السقوط متى قوي أوجبه و قد اجتمعت الأطباء على نهي المرعوف عن النظر إلى الأشياء الحمر و المصروع عن النظر إلى الأشياء القوية اللمعان و الدوران و ما ذلك إلا لأن النفوس خلقت مطيعة للأوهام و اجتمعت الأمم على أن الدعاء مظنة الإجابة و أن الدعاء باللسان من غير طلب نفساني قليل الأثر و الإصابة بالعين مما اتفق عليه العقلاء. و منها سحر من يستعين بالأرواح الأرضية و هو المسمى بالعزائم و تسخير الجن. و منها التخييلات الآخذة بالعيون و تسمى بالشعبدة. و منها الأعمال العجيبة التي تظهر من الآلات المركبة على النسب الهندسية أو لضرورة الخلاء و من هذا الباب صندوق الساعات و علم جر الأثقال و هذا لا يعد من السحر عرفا لأن لها أسبابا معلومة يقينية. و منها الاستعانة بخواص الأدوية و الأحجار. و منها تعليق القلب و هو أن يدعي الساحر أنه قد عرف الاسم الأعظم و أن الجن ينقادون له في أكثر الأمور فإذا اتفق أن كان السامع ضعيف العقل قليل التمييز اعتقد أنه حق و تعلق قلبه بذلك و حصل في قلبه نوع من الرعب و حينئذ تضعف القوى الحساسة فيتمكن الساحر من أن يفعل فيه ما شاء. و منها السعي بالنميمة و التضريب من وجوه خفية لطيفة انتهى. و هذا فذلكة مما نقلنا عن الرازي في باب عصمة الملائكة. و قال أيضا في قوله سبحانه فَيَتَعَلَّمُونَ أي فيتعلم الناس من الملكين ما يفرقون به بين المرء و زوجه إما لأنه إذا اعتقد أن السحر حق كفر فبانت منه امرأته و إما لأنه يفرق بينهما بالتمويه و الاحتيال كالنفث في العقد و نحو ذلك مما يحدث الله عنده الفرك و النشوز ابتلاء منه لأن السحر له أثر في نفسه بدليل قوله وَ ما هُمْ بِضارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ أي بإرادته و قدرته لأنه إن شاء أحدث عند ذلك شيئا من أفعاله و إن شاء لم يحدث و كان الذي يتعلمون منهما لم يكن مقصورا على هذه الصورة و لكن سكون المرء و ركونه إلى زوجه لما كان أشد خصت بالذكر ليدل بذلك على أن سائر الصور بتأثير السحر فيها أولى انتهى. و قد مر من تفسير الإمام ع فَيَتَعَلَّمُونَ يعني طالبي السحر مِنْهُما يعني مما كتبت الشياطين على ملك سليمان من النيرنجات و مما أنزل على الملكين ببابل هاروت و ماروت يتعلمون من هذين الصنفين ما يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَ زَوْجِهِ هذا من يتعلم للإضرار بالناس يتعلمون التضريب بضروب الحيل و النمائم و الإيهام أنه قد دفن في موضع كذا و عمل كذا ليحبب المرأة إلى الرجل و الرجل إلى المرأة أو يؤدي إلى الفراق بينهما وَ ما هُمْ بِضارِّينَ بِهِ أي ما المتعلمون لذلك بضارين به مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ يعني بتخلية الله و علمه فإنه لو شاء لمنعهم بالجبر و القهر. و قال الطبرسي رحمه الله في قوله تعالى فَلَمَّا أَلْقَوْا أي فلما ألقي السحرة ما عندهم من السحر احتالوا في تحريك العصي و الحبال بما جعلوا فيها من الزئبق حتى تحركت بحرارة الشمس و غير ذلك من الحيل و أنواع التمويه و التلبيس و خيل إلى الناس أنها تتحرك على ما تتحرك الحية و إنما سحروا أعين الناس لأنهم أروهم شيئا لم يعرفوا حقيقته و خفي ذلك عليهم لبعده منهم لأنهم لم يخلوا الناس السحر لا حقيقة له لأنه لو صارت حيات حقيقة لم يقل الله سبحانه سَحَرُوا أَعْيُنَ النَّاسِ بل كان يقول فلما ألقوا صارت حيات انتهى.
و قال الرازي احتج القائلون بأن السحر محض التمويه بهذه الآية قال القاضي لو كان السحر حقا لكانوا قد سحروا قلوبهم لا أعينهم فثبت أن المراد أنهم تخيلوا أحوالا عجيبة مع أن الأمر في الحقيقة ما كان على وفق ما تخيلوه. قال الواحدي بل المراد سحروا أعين الناس أي قلبوها عن صحة إدراكها بسبب تلك التمويهات. و قال الطبرسي وَ لا يُفْلِحُ السَّاحِرُونَ أي لا يظفرون بحجة و لا يأتون على ما يدعونه ببينة و إنما هو تمويه على الضعفة. ما جِئْتُمْ بِهِ السِّحْرُ أي الذي جئتم به من الحبال و العصي السحر لا ما جئت به إن الله سيبطل هذا السحر الذي عظمتموه إِنَّ اللَّهَ لا يُصْلِحُ عَمَلَ الْمُفْسِدِينَ إن الله لا يهيئ عمل من قصد إفساد الدين و لا يمضيه و يبطله حتى يظهر الحق من الباطل. و قال في قوله لا تَدْخُلُوا مِنْ بابٍ واحِدٍ خاف عليهم العين لأنهم كانوا ذوي جمال و هيئة و كمال و هم إخوة أولاد رجل واحد عن ابن عباس و الحسن و قتادة و الضحاك و السدي و أبو مسلم و قيل خاف عليهم حسد الناس إياهم و أن يبلغ الملك قوتهم و بطشهم فيحبسهم أو يقتلهم خوفا على ملكه عن الجبائي و أنكر العين و ذكر أنه لم يثبت بحجة و جوزه كثير من المحققين و رووا فيه الخبر
عن النبي ص أن العين حق تستنزل الحالق
و الحالق المكان المرتفع من الجبل و غيره فجعل ص العين كأنها تحط ذروة الجبل من قوة أخذها و شدة بطشها
و ورد في الخبر أنه ص كان يعوذ الحسن و الحسين ع بأن يقول أعيذكما بكلمات الله التامة من كل شيطان و هامة و من كل عين لامة
و روي أن إبراهيم ع عوذ ابنيه و أن موسى ع عوذ ابني هارون بهذه العوذة و روي أن بني جعفر بن أبي طالب كانوا غلمانا بيضا فقالت أسماء بنت عميس يا رسول الله إن العين إليهم سريعة أ فأسترقي لهم من العين فقال ص نعم
و روي أن جبرئيل ع رقى رسول الله ص و علمه الرقية و هي بسم الله أرقيك من كل عين حاسد الله يشفيك
و روي عن النبي ص أنه قال لو كان شيء يسبق القدر لسبقته العين
ثم اختلفوا في وجه تأثير الإصابة بالعين فروي عن عمرو بن بحر الجاحظ أنه قال لا ينكر أن ينفصل من العين الصائبة إلى الشيء المستحسن أجزاء لطيفة تتصل به و تؤثر فيه و يكون هذا المعنى خاصة في بعض الأعين كالخواص في بعض الأشياء و قد اعترض على ذلك بأنه لو كان كذلك لما اختص ذلك ببعض الأشياء دون بعض و لأن الأجزاء تكون جواهر و الجواهر متماثلة و لا يؤثر بعضها في بعض و قال أبو هاشم إنه فعل الله بالعادة لضرب من المصلحة و هو قول القاضي و رأيت في شرح هذا للشريف الأجل الرضي الموسوي قدس الله روحه كلاما أحببت إيراده في هذا الموضع قال إن الله يفعل المصالح بعباده على حسب ما يعلمه من الصلاح لهم في تلك الأفعال التي يفعلها فغير ممتنع أن يكون تغييره نعمة زيد مصلحة لعمرو و إذا كان تعالى يعلم من حال عمرو أنه لو لم يسلب زيدا نعمته أقبل على الدنيا بوجهه و نأى عن الآخرة بعطفه و إذا سلب نعمة زيد للعلة التي ذكرناها عوضه عنها و أعطاه بدلا منها عاجلا و آجلا فيمكن أن يتأول قوله ع العين حق على هذا الوجه على أنه قد روي عنه ع ما يدل على أن الشيء إذا عظم في صدور العباد وضع الله قدره و صغر أمره و إذا كان الأمر على هذا فلا ينكر تغيير حال بعض الأشياء عند نظر بعض الناظرين إليه و استحسانه له و عظمه في صدره و فخامته في عينه
كما روي أنه قال لما سبقت ناقته العضباء و كانت إذا سوبق بها لم تسبق ما رفع العباد من شيء إلا وضع الله منه
و يجوز أن يكون ما أمر به المستحسن للشيء عند الرؤية من تعويذه بالله و الصلاة على رسول الله ص قائما في المصلحة مقام تغيير حالة الشيء المستحسن فلا تغيير عند ذلك لأن الرائي لذلك قد أظهر الرجوع إلى الله تعالى و الإعاذة به فكأنه غير راكن إلى الدنيا و لا مغتر بها انتهى كلامه رضي الله عنه. وَ ما أُغْنِي عَنْكُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ أي و ما أدفع من قضاء الله من شيء إن كان قد قضا عليكم الإصابة بالعين أو غير ذلك إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ أي ما الحكم إلا لله عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ فهو القادر على أن يحفظكم من العين أو من الحسد و يردكم علي سالمين. وَ عَلَيْهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ أي ليفوضوا أمورهم إليه و ليثقوا به وَ لَمَّا دَخَلُوا مصر مِنْ حَيْثُ أَمَرَهُمْ أَبُوهُمْ أي من أبواب متفرقة كما أمرهم أبوهم يعقوب ما كانَ يُغْنِي عَنْهُمْ إلخ أي لم يكن دخولهم مصر كذلك يغني عنهم أي يدفع عنهم شيئا أراد الله إيقاعه من حسد أو إصابة عين و هو ع كان عالما بأنه لا ينفع حذر من قدر و لكن كان ما قاله لبنيه حاجة في قلبه فقضى يعقوب تلك الحاجة أي أزال به اضطراب قلبه لأن لا يحال على العين مكروه يصيبهم و قيل معناه أن العين لو قدر أن تصيبهم لأصابتهم و هم متفرقون كما تصيبهم مجتمعين. قال إِلَّا حاجَةً استثناء ليس من الأول بمعنى و لكن حاجة وَ إِنَّهُ لَذُو عِلْمٍ أي لذو يقين و معرفة بالله لِما عَلَّمْناهُ من أجل تعليمنا إياه أو يعلم ما علمناه فيعمل به وَ لكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ مرتبة يعقوب في العلم. قال البيضاوي لا يعلمون سر القدر و أنه لا يغني عنه الحذر. و قال الرازي قال جمهور المفسرين إنه خاف من العين عليهم و لنا هاهنا مقامان المقام الأول إثبات أن العين حق و الذي يدل عليه وجهان الأول إطباق المتقدمين من المفسرين على أن المراد من هذه الآية ذلك و الثاني ما روي أن النبي ص كان يعوذ الحسن و الحسين ع ثم ذكر بعض ما مر من الأخبار إلى أن قال
و الخامس دخل رسول الله ص بيت أم سلمة و عندها صبي يشتكي فقال يا رسول الله أصابته العين فقال ص أ ما تسترقون له من العين
السادس قوله ص العين حق و لو كان شيء يسبق القدر لسبقت العين القدر
السابع قالت عائشة كان يأمر العائن أن يتوضأ ثم يغتسل منه المعين الذي أصيب بالعين. المقام الثاني في الكشف عن ماهيته فنقول إن الجبائي أنكر هذا المعنى إنكارا بليغا و لم يذكر في إنكاره شبهة فضلا عن حجة و أما الذين اعترفوا به و أقروا بوجوده فقد ذكروا فيه وجوها الأول قال الجاحظ تمتد من العين أجزاء فتتصل بالشخص المستحسن فتؤثر و تسري فيه كتأثير اللسع و السم و النار و إن كان مخالفا في وجه التأثير لهذه الأشياء قال القاضي و هذا ضعيف لأنه لو كان الأمر كما قال لوجب أن يؤثر في الشخص الذي لا يستحسن كتأثيره في المستحسن. و اعلم أن هذا الاعتراض ضعيف و ذلك لأنه إذا استحسن شيئا فقد يحب بقاءه كما إذا استحسن ولد نفسه و بستان نفسه و قد يكره بقاءه كما إذا استحسن الحاسد بحصول شيء حسن لعدوه فإن كان الأول فإنه يحصل عند ذلك الاستحسان خوف شديد من زواله و الخوف الشديد يوجب انحصار الروح في داخل القلب فحينئذ يسخن القلب و الروح جدا و تحصل في الروح الباصر كيفية قوة مسخنة و إن كان الثاني فإنه يحصل عند ذلك الاستحسان حسد شديد و حزن عظيم بسبب حصول تلك النعمة لعدوه و الحزن أيضا يوجب انحصار الروح في داخل القلب و تحصل فيه سخونة شديدة. فثبت أن عند الاستحسان القوي يسخن الروح جدا فيسخن شعاع العين بخلاف ما إذا لم يستحسن فإنه لا تحصل هذه السخونة فظهر الفرق بين الصورتين و لهذا السبب أمر الرسول ص العائن بالوضوء و من أصابته العين بالاغتسال. أقول على ما ذكره إذا عاين شيئا عند استحسان شيء آخر و حصول تلك الحالة فيه أو عند حصول غضب شديد على رجل آخر أو حصول هم شديد من مصيبة أو خوف عظيم من عدو أن يؤثر نظره إليه و إلى كل شيء يعاينه و معلوم أنه ليس كذلك. ثم قال الرازي الثاني قال أبو هاشم و أبو القاسم البلخي لا يمتنع أن يكون العين حقا و يكون معناه أن صاحب العين إذا شاهد الشيء و أعجب به استحسانا كانت المصلحة له في تكليفه أن يغير الله تعالى ذلك الشخص أو ذلك الشيء حتى لا يبقى قلب ذلك المكلف متعلقا به فهذا التغيير غير ممتنع ثم لا يبعد أيضا أنه لو ذكر ربه عند تلك الحالة و بعد عن الإعجاب و سأل ربه فعنده تتغير المصلحة و الله سبحانه يبقيه و لا يفنيه و لما كانت هذه العادة مطردة لا جرم قيل العين حق. الوجه الثالث هو قول الحكماء قالوا هذا الكلام مبني على مقدمة و هي أنه ليس من شرط المؤثر أن يكون تأثيره بحسب هذه الكيفيات المحسوسة أعني الحرارة و البرودة و الرطوبة و اليبوسة بل قد يكون التأثير نفسانيا محضا و لا تكون القوى الجسمانية لها تعلق به و الذي يدل عليه أن اللوح الذي يكون قليل العرض إذا كان موضوعا على الأرض قدر الإنسان على المشي عليه و لو كان موضوعا فيما بين جدارين عاليين لعجز الإنسان عن المشي عليه و ما ذاك إلا لأن خوفه من
السقوط منه يوجب سقوطه منه فعلمنا أن التأثيرات النفسانية موجودة. و أيضا إن الإنسان إذا تصور كون فلان مؤذيا له حصل في قلبه غضب و سخن مزاجه فمبدأ تلك السخونة ليس إلا ذاك التصور النفساني و لأن مبدأ الحركات البدنية ليس إلا التصورات النفسانية و لما ثبت أن تصور النفس يوجب تغير بدنه الخاص لم يبعد أيضا أن يكون بعض النفوس تتعدى تأثيراتها إلى سائر الأبدان فثبت أنه لا يمتنع في العقل كون النفس مؤثرة في سائر الأبدان و أيضا جواهر النفوس مختلفة بالماهية فلا يمتنع أن تكون بعض النفوس بحيث يؤثر في تغيير بدن حيوان آخر بشرط أن تراه و تتعجب منه فثبت أن هذا المعنى أمر محتمل و التجارب من الزمن الأقدم ساعدت عليه و النصوص النبوية نطقت به فعند هذا لا يبقى في وقوعه شك و إذا ثبت هذا ثبت أن الذي أطبق عليه المتقدمون من المفسرين في تفسير هذه الآية بإصابة العين كلام حق لا يمكن رده. قوله تعالى يُخَيَّلُ قال الطبرسي الضمير راجع إلى موسى ع و قيل إلى فرعون أي يرى الحبال و العصي مِنْ سِحْرِهِمْ أَنَّها تَسْعى و تعدو مثل سير الحيات و إنما قال يُخَيَّلُ إِلَيْهِ لأنها لم تكن تسعى حقيقة و إنما تحركت لأنهم جعلوا داخلها الزئبق فلما حميت الشمس طلب الزئبق الصعود فحركت الشمس ذلك فظن أنها تسعى. إِنَّما صَنَعُوا أي إن الذي صنعوه أو إن صنيعهم كَيْدُ ساحِرٍ أي مكره و حيلته وَ لا يُفْلِحُ السَّاحِرُ أي لا يظفر ببغيته إذ لا حقيقة للسحر حَيْثُ أَتى أي حيث كان من الأرض و قيل لا يفوز الساحر حيث أتى بسحره لأن الحق يبطله. و قال قدس سره في قوله تعالى وَ إِنْ يَكادُ الَّذِينَ كَفَرُوا إن هي المخففة من الثقيلة لَيُزْلِقُونَكَ أي يقتلونك و يهلكونك عن ابن عباس و كان يقرؤها كذلك و قيل ليصرعونك عن الكلبي و قيل يصيبونك بأعينهم عن السدي و الكل يرجع في المعنى إلى الإصابة بالعين و المفسرون كلهم على أنه المراد في الآية و أنكر الجبائي ذلك و قال إن إصابة العين لا تصح. و قال الرماني و هذا الذي ذكره غير صحيح لأنه غير ممتنع أن يكون الله تعالى أجرى العادة بصحة ذلك لضرب من المصلحة و عليه إجماع المفسرين و جوزه العقلاء فلا مانع منه و قيل إن الرجل منهم كان إذا أراد أن يصيب صاحبه بالعين تجوع ثلاثة أيام ثم كان يصفه فيصرعه بذلك و ذلك بأن يقول الذي أراد أن يصيبه بالعين لا أرى كاليوم إبلا أو شاة أو ما أراد أي كإبل أراها اليوم فقالوا للنبي ص كما كانوا يقولون لما أرادوا أن يصيبوه بالعين عن الفراء و الزجاج و قيل معناه أنهم ينظرون إليك عند تلاوة القرآن و الدعاء إلى التوحيد نظر عداوة و بغض و إنكار لما يسمعونه و تعجب منه فيكادون يصرعونك بحدة نظرهم و يزيلونك عن موضعك. و هذا مستعمل في الكلام يقولون نظر إلى فلان نظرا يكاد يصرعني و نظرا يكاد يأكلني فيه و تأويله كله أنه نظر إلي نظرا لو أمكنه معه أكلي أو أن يصرعني لفعل عن الزجاج. لَمَّا سَمِعُوا الذِّكْرَ يعني القرآن وَ يَقُولُونَ مع ذلك إِنَّهُ لَمَجْنُونٌ وَ ما هُوَ أي القرآن إِلَّا ذِكْرٌ أي شرف لِلْعالَمِينَ إلى أن تقوم الساعة أو مذكر لهم قال
الحسن دواء إصابة العين أن يقرأ الإنسان هذه الآية انتهى. قوله أي كإبل كأنه حمل قوله أو ما أراد على تغيير تركيب الكلام و لا يخفى بعده بل الظاهر أن المعنى أو ما أراد أن يصيبه بالعين سوى الإبل فيذكره مكانهما. و قال رحمه الله في نزول سورة الفلق قيل إن لبيد بن أعصم اليهودي سحر رسول الله ص ثم دس ذلك في بئر لبني زريق فمرض رسول الله ص فبينما هو نائم إذ أتاه ملكان فقعد أحدهما عند رأسه و الآخر عند رجليه فأخبراه بذلك و أنه في بئر ذروان في جف طلعة تحت راعوفة و الجف قشر الطلع و الراعوفة حجر في أسفل البئر يقف عليه المائح فانتبه رسول الله ص و بعث عليا ع و الزبير و عمارا فنزحوا ماء تلك البئر ثم رفعوا الصخرة و أخرجوا الجف فإذا فيه مشاطة رأس و أسنان من مشطه و إذا فيه معقد فيه إحدى عشرة عقدة مغروزة بالإبر فنزلت هاتان السورتان فجعل كلما يقرأ آية انحلت عقدة و وجد رسول الله خفة فقام فكأنما أنشط من عقال. و جعل جبرئيل ع يقول بسم الله أرقيك من كل شيء يؤذيك من حاسد و عين و الله يشفيك و رووا ذلك عن عائشة و ابن عباس و هذا لا يجوز لأن من وصف بأنه مسحور فكأنه قد خبل عقله و قد أبى الله سبحانه ذلك في قوله وَ قالَ الظَّالِمُونَ إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا رَجُلًا مَسْحُوراً انْظُرْ كَيْفَ ضَرَبُوا لَكَ الْأَمْثالَ فَضَلُّوا. و لكن يمكن أن يكون اليهودي أو بناته على ما روي اجتهدوا في ذلك فلم يقدروا عليه و أطلع الله نبيه ص على ما فعلوه من التمويه حتى استخرج و كان ذلك دلالة على صدقه ص و كيف يجوز أن يكون المرض من فعلهم و لو قدروا على ذلك لقتلوه و قتلوا كثيرا من المؤمنين مع شدة عداوتهم لهم. و قال في سبحانه وَ مِنْ شَرِّ النَّفَّاثاتِ فِي الْعُقَدِ معناه و من شر النساء الساحرات اللاتي ينفثن في العقد و إنما أمر بالتعوذ من شر السحرة لإيهامهم أنهم يمرضون و يصحون و يفعلون أشياء من النفع و الضرر و الخير و الشر و عامة الناس يصدقونهم فيعظم بذلك الضرر في الدين و لأنهم يموهون أنهم يخدمون الجن و يعلمون الغيب و ذلك فساد في الدين ظاهر فلأجل هذا الضرر أمر بالتعوذ من شرهم. و قال أبو مسلم النفاثات النساء اللاتي يملن آراء الرجال و يصرفنهم عن مرادهم و يردونهم إلى آرائهن لأن العزم و الرأي يعبر عنهما بالعقد فعبر عن حلهما بالنفث فإن العادة جرت أن من حل عقدا نفث فيه. وَ مِنْ شَرِّ حاسِدٍ إِذا حَسَدَ فإنه يحمله الحسد على إيقاع الشر بالمحسود فأمر بالتعوذ من شره و قيل إنه أراد من شر نفس الحاسد و من شر عينه فإنه ربما أصاب بهما فعان و ضر و قد جاء في الحديث أن العين حق و قد مضى الكلام فيه.
و روي أن العضباء ناقة النبي ص لم تكن تسبق فجاء أعرابي على قعود له فسابق بها فسبقها فشق ذلك على الصحابة فقال النبي ص حق على الله أن لا يرفع شيئا من الدنيا إلا وضعه
و روى أنس أن النبي ص قال من رأى شيئا يعجبه فقال الله الصمد ما شاء الله لا قوة إلا بالله لم يضر شيئا
و روى أنس أن النبي ص كان كثيرا ما يعوذ الحسن و الحسين ع بهاتين السورتين
انتهى. و أقول قال في النهاية في حديث سحر النبي ص بئر ذروان بفتح الذال و سكون الراء بئر لبني زريق بالمدينة. و قال الراعوفة هي صخرة تترك في أسفل البئر إذا حفرت تكون ناتئة هناك فإذا أرادوا تنقيه البئر جلس عليها المنقي. و قيل هي حجر يكون على رأس البئر يقوم المستقي عليه و يروى بالثاء المثلثة بمعناها و قال في حديث سحر النبي ص أنه جعل في جف طلعة الجف وعاء الطلع و هو الغشاء الذي يكون فوقه و يروى في جب طلعة أي في داخلها. و قال القعود من الدواب ما يقتعده الرجل للركوب و الحمل و لا يكون إلا ذكرا و القعود من الإبل ما أمكن أن يركب. و قال البيضاوي وَ مِنْ شَرِّ النَّفَّاثاتِ فِي الْعُقَدِ و من شر النفوس أو النساء السواحر اللاتي يعقدن عقدا في خيوط و ينفثن عليها و النفث بالفتح النفخ مع ريق و تخصيصه لما روي أن يهوديا سحر النبي ص في إحدى عشرة عقدة في وتر دسه في بئر فمرض ع فنزلت المعوذتان و أخبره جبرئيل بموضع السحر فأرسل عليا ع فجاء به فقرأهما عليه فكان كلما قرأ آية انحلت عقدة و وجد بعض الخفة. و لا يوجب ذلك صدق الكفرة في أنه مسحور لأنهم أرادوا به أنه مجنون بواسطة السحر و قيل المراد بالنفث في العقد إبطال عزائم الرجال بالحيل مستعار من تليين العقدة بنفث الريق ليسهل حلها. وَ مِنْ شَرِّ حاسِدٍ إِذا حَسَدَ إذا أظهر حسده و عمل بمقتضاه. و قال الرازي اختلفوا في أنه هل يجوز الاستعاذة بالرقى و العوذة أم لا منهم من قال إنه يجوز ثم ذكر احتجاجهم بالروايات المتقدمة و غيرها و من الناس من منع من الرقى
لما روي عن جابر قال نهى رسول الله ص عن الرقى و قال ع إن لله عبادا لا يكتوون و لا يسترقون وَ عَلى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ
و قال ع لم يتوكل على الله من اكتوى و استرقى
و اختلفوا في التعليق أيضا فمنهم من منع لبعض الأخبار و منهم من جوز. سئل الباقر ع عن التعويذ يعلق على الصبيان فرخص فيه و اختلفوا في النفث أيضا فمنهم من أنكر عن عكرمة لا ينبغي للراقي أن ينفث و لا يمسح و لا يعقد إلى آخر ما قال
1- تفسير علي بن إبراهيم، في هجرة جعفر بن أبي طالب و أصحابه إلى الحبشة و بعثت قريش عمرو بن العاص و عمارة بن الوليد إلى النجاشي ليردهم و ساق الخبر الطويل إلى أن قال و كانت على رأس النجاشي وصيفة له تذب عنه فنظرت إلى عمارة و كان فتى جميلا فأحبته فلما رجع عمرو بن العاص إلى منزله قال لعمارة لو راسلت جارية الملك فراسلها فأجابته فقال عمرو قل لها تبعث إليك من طيب الملك شيئا فقال لها فبعثت إليه فأخذ عمرو من ذلك الطيب و أدخله على النجاشي و أخبره بما جرى بين عمارة و بين الوصيفة ثم وضع الطيب بين يديه فغضب النجاشي و هم بقتل عمارة ثم قال لا يجوز قتله فإنهم دخلوا بلادي بأمان فدعا السحرة فقال لهم اعملوا به شيئا أشد عليه من القتل فأخذوه فنفخوا في إحليله الزئبق فصار مع الوحش يغدو و يروح و كان لا يأنس بالناس فبعثت قريش بعد ذلك فكمنوا له في موضع حتى ورد الماء مع الوحش فأخذوه فما زال يضطرب في أيديهم و يصيح حتى مات الخبر
2- جنة الأمان، في رواية أدعية السر القدسية يا محمد إن السحر لم يزل قديما و ليس يضر شيئا إلا بإذني فمن أحب أن يكون من أهل عافيتي من السحر فليقل اللهم رب موسى الدعاء فإنه إذا قال ذلك لم يضره سحر ساحر جني و لا إنسي أبدا
3- و منه، روي عن النبي ص أن العين حق و أنها تدخل الجمل و الثور التنور
و في كتاب الغرة، أن رجلا عيانا رأى رجلا راكبا فقال ما أحسنه فسقطت الدابة و ماتت و مات الرجل
و عن أبي الحسن المخلدي قال كان لي أكار رديء العين فأبصر بيدي خاتما فقال ما أحسنه فسقط الفص فحملته فقال ما أحسنه فانشق بنصفين
و عن الأصمعي قال كان عندنا عيانان فمر أحدهما بحوض من حجارة فقال بالله ما رأيت كاليوم مثله فانصدع فلقين فضبب بحديد فمر عليه ثانيا فقال راسلا لعلك ما ضررت أهلك فيك فتطاير أربع فلقات و سمع الثاني صوت بول من وراء الحائط فقال إنك لشر شخب فقيل هو ابنك فقال وا انقطاع ظهراه و الله لا يبول بعدها فمات من ساعته و سمع أيضا صوت شخب بقرة فأعجبه فقال أيتهن هذه فوري بأخرى فهلكتا جميعا المورى بها و المورى عنها و قصة البعير و الأعرابي مشهورة معروفة
4- و في زبدة البيان، أن يعقوب ع خاف على بنيه من العين لجمالهم فقال يا بَنِيَّ لا تَدْخُلُوا مِنْ بابٍ واحِدٍ الآية
5- و فيه، عن النبي ص العين تنزل الحالق و هو ذروة الجبل من قوة أخذها و شدة بطشها
-6 و منه، ذكر عبد الكريم بن محمد بن المظفر السمعاني في كتابه أن جبرئيل ع نزل على النبي ص فرآه مغتما فسأله عن غمه فقال له إن الحسنين ع أصابتهما عين فقال له يا محمد العين حق فعوذهما بهذه العوذة و ذكرها
7- الدعائم، عن جعفر بن محمد ع قال كان رسول الله ص يجلس الحسن على فخذه اليمنى و الحسين على فخذه اليسرى ثم يقول أعيذكما بكلمات الله التامة من شر كل شيطان و هامة و من شر كل عين لامة ثم يقول هكذا كان إبراهيم أبي ع يعوذ ابنيه إسماعيل و إسحاق ع
8- و عن رسول الله ص أنه نهى عن الرقى بغير كتاب الله عز و جل و ما يعرف من ذكره و قال إن هذه الرقى مما أخذه سليمان بن داود ع على الجن و الهوام
9- و عنه ع أنه قال لا رقى إلا في ثلاث في حمة أو عين أو دم لا يرقأ و الحمة السم
10- و عنه ع أنه قال لا عدوى و لا طيرة و لا هام و العين حق و الفأل حق فإذا نظر أحدكم إلى إنسان أو دابة أو إلى شيء حسن فأعجبه فليقل آمنت بالله و صلى الله على محمد و آله فإنه لا يضره عينه
11- و عنه ص نهى عن التمائم و التول فالتمائم ما يعلق من الكتب و الخرز و غير ذلك و التول ما تتحبب به النساء إلى أزواجهن كالكهانة و أشباهها و نهى عن السحر
توضيح في النهاية فيه أنه كان يتفأل و لا يتطير الفأل مهموز فيما يسر و يسوء و الطيرة لا يكون إلا فيما يسوء و ربما استعملت فيما يسر و قد أولع الناس بترك الهمزة تخفيفا و إنما أحب الفأل لأن الناس إذا أملوا فائدة الله و رجوا عائدته عند كل سبب ضعيف أو قوي فهم على خير و لو غلطوا في جهة الرجاء فإن الرجاء لهم خير و إذا قطعوا أملهم أو رجاءهم من الله كان ذلك من الشر و أما الطيرة فإن فيها سوء الظن بالله و توقع البلاء و معنى التفؤل مثل أن يكون رجل مريض فيتفأل بما يسمع من كلام فيسمع آخر يقول يا سالم أو يكون طالب ضالة فيسمع آخر يقول يا واجد فيقع في ظنه أنه يبرأ من مرضه أو يجد ضالته. و قال في حديث عبد الله التمائم و الرقى من الشرك التمائم جمع تميمة و هي خرزات كانت العرب تعلقها على أولادهم يتقون بها العين في زعمهم فأبطله الإسلام و إنما جعلها شركا لأنهم أرادوا بها دفع المقادير المكتوبة عليهم فطلبوا دفع الأذى من غير الله الذي هو دافعه و قال في حديث عبد الله التولة من الشرك التولة بكسر التاء و فتح الواو ما يحبب المرأة إلى زوجها من السحر و غيره جعله من الشرك لاعتقادهم أن ذلك يؤثر و يفعل خلاف ما قدره الله تعالى. و في القاموس التولة كهمزة السحر أو شبهه و خرز تتحبب معها المرأة إلى زوجها كالتولة كعنبة فيهما
12- الشهاب، عن النبي ص قال لا رقية إلا من حمة أو عين
الضوء عين مصدر عانه إذا أصابه بعينه إذا نظر إليه نظر معجب حاسد مستعظم و الحمة السم و أصلها حمو و حمى و الهاء عوض فيها عن الساقط و بهذا الكلام يشير إلى ما كانت نساء العرب يدعينه من تأخيذ الرجال عن الأزواج و كانت لهن رقى تضحك الثكلان فقال ص لا رقية أي لا تصح تأثير الرقية إلا في العين التي تعين الشيء أي تصيبه و أصل ذلك أنها تستحسنه فيغيره الله تعالى عند ذلك لما للناظر إليه فيه من اللطف أو لغيره من المعتبرين إذا رآه غب اللطافة و الطراوة و الإعجاب بخلاف ما رآه فيستدل بذلك على أنه لا بقاء لما في الدنيا و أن نعيمها زائل. و أما ما يذكر من أن العائن ينظر إلى الشيء فيتصل به شعاع هو المؤثر فيه فلا تلتفت إليه لأنا نعلم قطعا أن الشعاع اللطيف لا يعمل في الحديد و الحجر و غير ذلك بل ذلك كله من فعل الله تعالى على سبيل اللطف و الإعلام بأن نعيم الدنيا إلى انقراض و الرقية التي فيها اسم الله تعالى أو اسم رسوله ص أو آية من كتاب الله تعالى يشفيه و كذلك من السموم التي يستضر بها الإنسان من لسع الهوام و هذا غير مدفوع و ما سوى ذلك فمخاريق يجلبون بها أموال الناس و ليس قوله ص لا رقية إلى آخره قطعا لأن تكون رقية الحق ناجعة في غير ذلك من الأدواء بل المعنى أن الرقية لها تأثير قوي فيهما
كما في قوله لا سيف إلا ذو الفقار
و روي أن رجلا جاء إلى النبي ص فقال يا رسول الله ما لقيت من عقرب لدغتني البارحة قال أما إنك لو قلت حين أمسيت أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق لم تضرك
و عن ابن عباس قال كان رسول الله ص يعلمنا من الأوجاع كلها أن نقول بسم الله الأكبر أعوذ بالله العظيم من شر عرق نعار و من شر حر النار و فائدة الحديث أن الرقية في غير العين و الحمة لا تنجع و راوي الحديث جابر رضي الله عنه
13- الشهاب، قال ص إن العين لتدخل الرجل القبر و الجمل القدر
الضوء قد تقدم الكلام فيه و أن المؤثر فيما يعينه العائن قدرة الله عز و جل الذي يَفْعَلُ ما يَشاءُ و يغير المستحسن من الأشياء عن حاله اعتبارا للناظر و إعلاما أن الدنيا لا يدوم نعيمها و لا يبقى ما فيها على وتيرة واحدة و العين ما ذا تكاد تفعل بنظرها ليت شعري و لو كان للعين نفسها أثر لكان يصح أن ينظر العائن إلى بعض أعدائه الذين يريد إهلاكهم و قلعهم فيهلكهم بالنظر و هذا باطل و العين كالجماد إذا انفردت عن الجملة فما ذا تصنع و للفلاسفة في هذا كلام لا أريد أن أطويه و فائدة الحديث إعلام أن الله تعالى قد يغير بعض ما يستحسنه الإنسان إظهارا لقدرته و اعتبارا للمعتبر من خليقته و راوي الحديث جابر
14- الإحتجاج، سأل الزنديق أبا عبد الله ع فيما سأله فقال أخبرني عن السحر ما أصله و كيف يقدر الساحر على ما يوصف من عجائبه و ما يفعل قال إن السحر على وجوه شتى وجه منها بمنزلة الطب كما أن الأطباء وضعوا لكل داء دواء فكذلك علم السحر احتالوا لكل صحة آفة و لكل عافية عاهة و لكل معنى حيلة و نوع منه آخر خطفة و سرعة و مخاريق و خفة و نوع منه ما يأخذ أولياء الشياطين عنهم قال فمن أين علم الشياطين السحر قال من حيث عرف الأطباء الطب و بعضه تجربة و بعضه علاج قال فما تقول في الملكين هاروت و ماروت و ما يقول الناس بأنهما يعلمان الناس السحر قال إنهما موضع ابتلاء و موقف فتنة تسبيحهما اليوم لو فعل الإنسان كذا و كذا لكان كذا و لو يعالج بكذا و كذا لصار كذا أصناف سحر فيتعلمون منهما ما يخرج عنهما فيقولان لهم إنما نحن فتنة فلا تأخذوا عنا ما يضركم و لا ينفعكم قال أ فيقدر الساحر أن يجعل الإنسان بسحره في صورة الكلب أو الحمار أو غير ذلك قال هو أعجز من ذلك و أضعف من أن يغير خلق الله إن من أبطل ما ركبه الله و صوره غيره فهو شريك لله في خلقه تعالى عن ذلك علوا كبيرا لو قدر الساحر على ما وصفت لدفع عن نفسه الهرم و الآفة و الأمراض و لنفى البياض عن رأسه و الفقر عن ساحته و إن من أكبر السحر النميمة يفرق بها بين المتحابين و يجلب العداوة على المتصافيين و يسفك بها الدماء و يهدم بها الدور و يكشف بها الستور و النمام أشر من وطئ على الأرض بقدم فأقرب أقاويل السحر من الصواب أنه بمنزلة الطب إن الساحر عالج الرجل فامتنع من مجامعة النساء فجاء الطبيب فعالجه بغير ذلك العلاج فأبرئ
15- تفسير الفرات، عن عبد الرحمن بن محمد العلوي و محمد بن عمرو الخزاز عن إبراهيم بن محمد بن ميمون عن عيسى بن محمد عن جده عن أمير المؤمنين ع قال سحر لبيد بن اعصم اليهودي و أم عبد الله اليهودية رسول الله ص فعقدوا له في إحدى عشرة عقدة و جعلوه في جف من طلع ثم أدخلوه في بئر بواد بالمدينة في مراقي البئر تحت حجر فأقام النبي ص لا يأكل و لا يشرب و لا يسمع و لا يبصر و لا يأتي النساء فنزل جبرئيل ع و أنزل معه المعوذات فقال له يا محمد ما شأنك قال ما أدري أنا بالحال الذي ترى قال فإن أم عبد الله و لبيد بن أعصم سحراك و أخبره بالسحر و حيث هو ثم قرأ جبرئيل بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ فقال رسول الله ص ذاك فانحلت عقدة ثم لم يزل يقرأ آية و يقرأ رسول الله ص و تنحل عقدة حتى قرأها عليه إحدى عشرة آية و انحلت إحدى عشرة عقدة و جلس النبي و دخل أمير المؤمنين ع فأخبره بما أخبره جبرئيل ع و قال انطلق و ائتني بالسحر فجاء به فأمر به النبي ص فنقض ثم تفل عليه و أرسل إلى لبيد و أم عبد الله فقال ما دعاكم إلى ما صنعتما ثم دعا رسول الله ص على لبيد و قال لا أخرجك الله من الدنيا سالما قال و كان موسرا كثير المال فمر به غلام في أذنه قرط قيمته دينار فجذبه فخرم أذن الصبي و أخذه فقطعت يده فيه
بيان في القاموس الجف بالضم وعاء الطلع. أقول قد مر الكلام في تأثير السحر في الأنبياء و الأئمة ع و أن المشهور عدمه
دعائم الإسلام، عن جعفر بن محمد عن أبيه عن آبائه عن علي ع مثله إلى قوله و جعلاه في مراقي البئر بالمدينة فأقام رسول الله ص لا يسمع و لا يبصر و لا يفهم و لا يتكلم و لا يأكل و لا يشرب فنزل عليه جبرئيل ع بمعوذات و ساق نحوه إلى قوله فقطعت يده فكوي منها فمات
16- طب الأئمة، عن محمد بن جعفر البرسي عن أحمد بن يحيى الأرمني عن محمد بن سنان عن المفضل بن عمر عن أبي عبد الله ع قال قال أمير المؤمنين ع إن جبرئيل أتى النبي ص و قال يا محمد قال لبيك يا جبرئيل قال إن فلانا اليهودي سحرك و جعل السحر في بئر بني فلان فابعث إليه يعني إلى البئر أوثق الناس عندك و أعظمهم في عينك و هو عديل نفسك حتى يأتيك بالسحر و قال فبعث النبي ص علي بن أبي طالب ع و قال انطلق إلى بئر ذروان فإن فيها سحرا سحرني به لبيد بن أعصم اليهودي فأتني به قال علي ع فانطلقت في حاجة رسول الله ص فهبطت فإذا ماء البئر قد صار كأنه ماء الحناء من السحر فطلبته مستعجلا حتى انتهيت إلى أسفل القليب و لم أظفر به قال الذين معي ما فيه شيء فاصعد فقلت لا و الله ما كذبت و لا كذبت و ما يقيني به مثل يقينكم يعني رسول الله ص ثم طلبت طلبا بلطف فاستخرجت حقا فأتيت النبي ص فقال افتحه ففتحته فإذا في الحق قطعة كرب النخل في وتر عليها إحدى و عشرون عقدة و كان جبرئيل ع أنزل يومئذ المعوذتين على النبي ص فقال النبي ص يا علي اقرأهما على الوتر فجعل أمير المؤمنين كلما قرأ آية انحلت عقدة حتى فرغ منها و كشف الله عز و جل عن نبيه ما سحر به و عافاه و يروى أن جبرئيل و ميكائيل ع أتيا إلى النبي ص فجلس أحدهما عن يمينه و الآخر عن شماله فقال جبرئيل لميكائيل ما وجع الرجل فقال ميكائيل هو مطبوب فقال جبرئيل ع و من طبه قال لبيد بن أعصم اليهودي ثم ذكر الحديث إلى آخره
بيان في القاموس الكرب بالتحريك أصول السعف الغلاظ و في النهاية رجل مطبوب أي مسحور كنوا بالطب عن السحر تفؤلا بالبرء
17- الطب، ]طب الأئمة عليهم السلام[ عن إبراهيم بن البيطار عن محمد بن عيسى عن يونس بن عبد الرحمن و يقال له يونس المصلي لكثرة صلاته عن ابن مسكان عن زرارة قال قال أبو جعفر الباقر ع إن السحرة لم يسلطوا على شيء إلا العين
18- و عن أبي عبد الله الصادق ع أنه سئل عن المعوذتين أنهما من القرآن فقال الصادق ع هما من القرآن فقال الرجل إنهما ليستا من القرآن في قراءة ابن مسعود و لا في مصحفه فقال أبو عبد الله ع أخطأ ابن مسعود أو قال كذب ابن مسعود هما من القرآن قال الرجل فأقرأ بهما يا ابن رسول الله في المكتوبة قال نعم و هل تدري ما معنى المعوذتين و في أي شيء نزلتا إن رسول الله سحره لبيد بن أعصم اليهودي فقال أبو بصير لأبي عبد الله ع و ما كان ذا و ما عسى أن يبلغ من سحره فقال أبو عبد الله الصادق ع بلى كان النبي ص يرى يجامع و ليس يجامع و كان يريد الباب و لا يبصره حتى يلمسه بيده و السحر حق و ما سلط السحر إلا على العين و الفرج فأتاه جبرئيل ع فأخبره بذلك فدعا عليا ع و بعثه ليستخرج ذلك من بئر أزوان و ذكر الحديث بطوله إلى آخره
19- و منه، عن محمد بن سليمان بن مهران عن زياد بن هارون العبدي عن عبد الله بن محمد البجلي عن الحلبي عن أبي عبد الله ع قال من أعجبه شيء من أخيه المؤمن فليثمد عليه فإن العين حق
20- و منه، عن محمد بن ميمون المكي عن عثمان بن عيسى عن الحسين بن المختار عن صفوان الجمال عن أبي عبد الله الصادق ع أنه قال لو نبش لكم عن القبور لرأيتم أن أكثر موتاهم بالعين لأن العين حق إلا أن رسول الله ص قال العين حق فمن أعجبه من أخيه شيء فليذكر الله في ذلك فإنه إذا ذكر الله لم يضره
21- و منه، عن سهل بن محمد بن سهل عن عبد ربه بن محمد بن إبراهيم عن ابن أورمة عن ابن مسكان عن الحلبي قال سألت أبا عبد الله ع عن النشرة للمسحور فقال ما كان أبي ع يرى بها بأسا
22- المكارم، عن معمر بن خلاد قال كنت مع الرضا ع بخراسان على نفقاته فأمرني أن أتخذ له غالية فلما اتخذتها فأعجب بها فنظر إليها فقال لي يا معمر إن العين حق فاكتب في رقعة الحمد و قل هو الله أحد و المعوذتين و آية الكرسي و اجعلها في غلاف القارورة
23- و منه، روي عن أبي عبد الله ع أنه قال العين حق و ليس تأمنها منك على نفسك و لا منك على غيرك فإذا خفت شيئا من ذلك فقل ما شاء الله لا حول و لا قوة إلا بالله العلي العظيم ثلاثا
24- و عنه ع قال من أعجبه من أخيه شيء فليبارك عليه فإن العين حق
25- و منه، قال النبي ص إن العين ليدخل الرجل القبر و الجمل القدر
26- و قال ص لا رقية إلا من حمة و العين
27- و منه، عن الصادق ع لو كان شيء يسبق القدر لسبقه العين
28- الخصال، بإسناده عن السكوني عن جعفر بن محمد عن أبيه ع أن النبي ص قال لا رقى إلا في ثلاثة في حمة أو عين أو دم لا يرقأ
29- جامع الأخبار، قال رسول الله ص إن العين لتدخل الرجل القبر و تدخل الجمل القدر
30- و جاء في الخبر أن أسماء بنت عميس قالت يا رسول الله ص إن بني جعفر تصيبهم العين فأسترقي لهم قال نعم فلو كان شيء يسبق القدر لسبقت العين
31- نوادر الراوندي، بإسناده عن موسى بن جعفر عن آبائه ع قال قال رسول الله ص ما رفع الناس أبصارهم إلى شيء إلا وضعه الله
32- النهج، ]نهج البلاغة[ قال أمير المؤمنين ع ما قال الناس لشيء طوبى له إلا و قد خبأ الدهر له يوم سوء
بيان طوبى كلمة تستعمل في مقام المدح و الاستحسان و التعجب من حسن الشيء و كماله و خبأت الشيء أخبأه أخفيته يوم سوء بالفتح أي يوم نقص و بلية و زوال و إخفاء الدهر ذلك اليوم كناية عن جهل الناس بأسبابه و أنه يأتيهم بغتة أو غفلتهم عن عدم ثبات زخارف الدنيا و سرعة زوالها. ثم إنه يحتمل أن يكون ما ورد في هذا الخبر و الخبر السابق إشارة إلى تأثير العيون كما مر أو إلى أن من لوازم الدنيا أنه إذا انتهت فيها حال شخص في الرفعة و العزة إلى غاية الكمال فلا بد أن يرجع إلى النقص و الزوال فقولهم طوبى له و استحسانهم إياه و رفع أبصارهم إليه من شواهد الرفعة و الكمال و هو علامة الأخذ في الهبوط و الاضمحلال. و قد يخطر بالبال أن ما ورد في العين و تأثيرها يمكن أن يكون إشارة إلى هذا المعنى و إن كان بعيدا من بعض الآيات و الأخبار و يمكن تأويلها إليه و تطبيقها عليه كما لا يخفى على أولي الأبصار و ما ورد من ذكر الله و الدعاء عند ذلك لا ينافيه بل يؤيده فإن أمثال ذلك موجبة لدوام النعمة و استمرارها و الله يعلم حقائق الأمور و دقائق الأسرار.
نقل و تحقيق
اعلم أن أصحابنا و المخالفين اختلفوا في حقيقة السحر و أنه هل له حقيقة أو محض توهم و لنذكر بعض كلماتهم في ذلك. قال الشيخ قدس سره في الخلاف السحر له حقيقة و يصح منه أن يعقد و يؤثر و يسحر فيقتل و يمرض و يكوع الأيدي و يفرق بين الرجل و زوجته و يتفق له أن يسحر بالعراق رجلا بخراسان فيقتله عند أكثر أهل العلم و أبي حنيفة و أصحابه و مالك و الشافعي. و قال أبو جعفر الأسترآبادي لا حقيقة له و إنما هو تخييل و شعبدة و به قال المغربي من أهل الظاهر و هو الذي يقوى في نفسي و يدل عليه قوله تعالى فَإِذا حِبالُهُمْ الآية و ذلك أن القوم جعلوا من الحبال كهيئات الحيات و طلوا عليها الزئبق و أخذوا الموعد على وقت تطلع فيه الشمس حتى إذا وقعت على الزئبق تحرك فخيل لموسى ع أنها حيات و لم يكن لها حقيقة و كان هذا في أشد وقت الحر فألقى موسى عصاه فأبطل عليهم السحر فآمنوا به. و أيضا فإن الواحد منا لا يصح أن يفعل في غيره و ليس بينه و بينه اتصال و لا اتصال بما يتصل بما يفعل فيه فكيف يفعل من هو ببغداد فيمن هو بالحجاز و أبعد منها و لا ينفي هذا قوله تعالى وَ لكِنَّ الشَّياطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ لأن ذلك لا نمنع منه و إنما الذي منعنا منه أن يؤثر الساحر الذي يدعونه فأما أن يفعلوا ما يتخيل عنه أشياء فلا نمنع منه. و رووا عن عائشة أقول ثم ذكر نحو مما مر من سحر اليهودي النبي ص ثم قال و هذه أخبار آحاد لا يعمل عليها في هذا المعنى و قد روي عن عائشة أنها قالت سحر رسول الله ص فما عمل فيه السحر و هذا معارض ذلك. ثم قال قدس سره إذا أقر أنه سحر فقتل بسحره متعمدا لا يجب عليه القود و به قال أبو حنيفة و قال الشافعي يجب عليه القود دليلنا أن الأصل براءة الذمة و أن هذا مما يقتل به يحتاج إلى دليل. و أيضا فقد بينا أن الواحد لا يصح أن يقتل غيره بما لا يباشره به إلا أن يسقيه ما يقتل به على العادة مثل السم و ليس السحر بشيء من ذلك. و قد روى أصحابنا أن الساحر يقتل و الوجه فيه أن هذا فساد في الأرض و السعي فيها به فلأجل ذلك وجب فيه القتل. و قال العلامة نور الله مرقده في التحرير السحر عقد و رمي كلام يتكلم به أو يكتبه أو يعمل شيئا يؤثر في بدن المسحور أو قلبه أو عقله من غير مباشرة و قد يحصل به القتل و المرض و التفريق بين الرجل و المرأة و بغض أحدهما لصاحبه و محبة أحد الشخصين للآخر و هل له حقيقة أم لا فيه نظر. ثم قال و السحر الذي يجب فيه القتل هو ما يعد في العرف سحرا كما نقل الأموي في مغازيه أن النجاشي دعا السواحر فنفخن في إحليل عمارة بن الوليد فهام مع الوحش فلم يزل معها إلى إمارة عمر بن الخطاب فأمسكه إنسان فقال خلني و إلا مت فلم يخله فمات من ساعته. و قيل إن ساحرة أخذها بعض الأمراء فجاء زوجها كالهائم فقال قولوا لها تخل عني فقالت ائتوني بخيوط و باب فأتوا بذلك فجلست و جعلت تعقد فطار بها الباب فلم يقدروا عليها و أمثال ذلك و أما الذي يعزم على المصروع و يزعم أنه يجمع الجن و يأسرها فتطيعه فلا يتعلق به حكم و الذي يحل السحر بشيء من القرآن و الذكر و الأقسام فلا بأس به و إن كان بالسحر حرم على إشكال. و قال في موضع آخر منه الذي اختاره الشيخ رحمه الله أنه لا حقيقة
للسحر و في الأحاديث ما يدل على أن له حقيقة فعلى ما ورد في الأخبار لو سحره فمات بسحره ففي القود إشكال و الأقرب الدية إلى آخر ما قال. و قال في المنتهى نحوا من أول الكلام ثم قال و اختلف في أنه له حقيقة أم لا قال الشيخ رحمه الله لا حقيقة له و إنما هو تخييل و هو قول بعض الشافعية و قال الشافعي له حقيقة و قال أصحاب أبي حنيفة إن كان يصل إلى بدن المسحور كدخان و نحوه جاز أن يحصل منه ما يؤثر في نفس المسحور من قتل أو مرض أو أخذ الرجل عن امرأته فيمنعه وطأها أو يفرق بينهما أو يبغض أحدهما إلى الآخر أو يحببه إليه فأما أن يحصل المرض و الموت من غير أن يصل إلى بدنه شيء فلا يجوز ذلك. ثم ذكر رحمه الله احتجاج الطرفين بآية يُخَيَّلُ إِلَيْهِ و سورة الفلق ثم قال و روى الجمهور عن عائشة أن النبي ص سحر حتى يرى أنه يفعل الشيء و لا يفعله و أنه قال لها ذات يوم أ شعرت أن الله تعالى أفتاني فيما استفتيته أنه أتاني ملكان فجلس أحدهما عند رأسي و الآخر عند رجلي فقال ما وجع الرجل فقال مطبوب قال من طبه قال لبيد بن أعصم اليهودي في مشط و مشاطة في جف طلعة في بئر ذي أزوان رواه البخاري و جف الطلعة وعاؤها و المشاطة الشعر الذي يخرج من شعر الرأس و غيره إذا مشط فقد أثبت لهم سحرا و هذا القول عندي باطل و الروايات ضعيفة خصوصا رواية عائشة لاستحالة تطرق السحر إلى الأنبياء ع. ثم قال إن كان للسحر حقيقة فهو ما يعد في العرف سحرا ثم ذكر القصتين للنجاشي و الساحرة ثم قال فهذا و أمثاله مثل أن يعقد الرجل المزوج فلا يطيق وطء امرأته هو السحر المختلف فيه فأما الذي يقال من العزم على المصروع فلا يدخل تحت هذا الحكم و هو عندي باطل لا حقيقة له و إنما هو من الخرافات. و قال الشهيد رفع الله درجته في الدروس تحرم الكهانة و السحر بالكلام و الكتابة و الرقية و الدخنة بعقاقير الكواكب و تصفية النفس و التصوير و العقد و النفث و الأقسام و العزائم بما لا يفهم معناه و يضر بالغير فعله و من السحر الاستخدام للملائكة و الجن و استنزال الشياطين في كشف الغائب و علاج المصاب و منه الاستحضار بتلبيس الروح ببدن منفعل كالصبي و المرأة و كشف الغائب عن لسانه. و منه النيرنجات و هي إظهار غرائب خواص الامتزاجات و أسرار النيرين و تلحق به الطلسمات و هي تمزيج القوى العالية الفاعلة بالقوى السالفة المنفعلة ليحدث عنها فعل غريب فعمل هذا كله و التكسب به حرام و الأكثر على أنه لا حقيقة له بل هو تخييل و قيل أكثره تخييل و بعضه حقيقي لأنه تعالى وصفه بالعظمة في سحرة فرعون و من التخييل إحداث خيالات لا وجود لها في الحس المشترك للتأثير في شيء آخر و ربما ظهر إلى الحس. و تلحق به الشعبذة و هي الأفعال العجيبة المرتبة على سرعة اليد بالحركة فيلبس على الحس و قيل الطلسمات كانت معجزات للأنبياء. و أما الكيمياء فيحرم المسمى بالتكليس بالزئبق و الكبريت و الزاج و التصدية و بالشعر و البيض و المرار و الأدهان كما تفعله الجهال أما سلب الجواهر خواصها و إفادتها خواص أخرى بالدواء المسمى بالإكسير أو بالنار الملينة الموقدة على أصل الفلزات أو لمراعاة نسبها في الحجم و الوزن فهذا مما لا يعلم صحته و تجنب ذلك كله أولى و أحرى. و قال الشهيد الثاني رفع الله مقامه السحر هو كلام أو كتابة أو رقية أو أقسام و عزائم و نحوها يحدث بسببها ضرر على الغير و منه عقد الرجل عن زوجته بحيث لا يقدر على وطئها و إلقاء البغضاء بينهما و منه استخدام الملائكة و الجن و استنزال الشياطين في كشف الغائبات و علاج المصاب و استحضارهم و تلبسهم ببدن صبي أو امرأة و كشف الغائب على لسانه فتعلم ذلك و أشباهه و عمله و تعليمه كله حرام و التكسب به سحت و يقتل مستحله و لو تعلمه ليتوقى به أو ليدفع به المتنبي بالسحر فالظاهر جوازه و ربما وجب على الكفاية كما هو خيرة الدروس و يجوز
حله بالقرآن و الأقسام كما ورد في رواية القلاء. و هل له حقيقة أو هو تخييل الأكثر على الثاني و يشكل بوجدان أثره في كثير من الناس على الحقيقة و التأثر بالوهم إنما يتم لو سبق للقابل علم بوقوعه و نحن نجد أثره فيمن لا يشعر به أصلا حتى يضر به و لو حمل تخييله على ما تظهر من تأثيره في حركات الحيات و الطيران و نحوهما أمكن لا في مطلق التأثير و إحضار الجان و شبه ذلك فإنه أمر معلوم لا يتوجه دفعه. ثم قال و الكهانة عمل يوجب طاعة بعض الجان له و اتباعه له بحيث يأتيه بالأخبار و هو قريب من السحر ثم قال و الشعبذة عرفوها بأنها الحركات السريعة التي تترتب عليها الأفعال العجيبة بحيث يتلبس على الحس الفرق بين الشيء و شبهه لسرعة الانتقال منه إلى شبهه. أقول و نحو ذلك قال المحقق الأردبيلي روح الله روحه في شرح الإرشاد و قال الظاهر أن له حقيقة بمعنى أنه يؤثر بالحقيقة لا أنه إنما يتأثر بالوهم فقط و لهذا نقل تأثيره في شخص لم يعرف و لا يشعر بوقوعه فيه نعم يمكن أن لا حقيقة له بمعنى أن لا يوجد حيوان بفعله بل يتخيل كقوله تعالى يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِنْ سِحْرِهِمْ أَنَّها تَسْعى مع أنه لا ثمرة في ذلك إذ لا شك في عقابه و لزوم الدية و عوض ما يفوت بفعل الساحر عليه. و قال ابن حجر في فتح الباري في العين تقول عنت الرجل أصبته بعينك فهو معيون و معين و رجل عائن و معيان و عيون و العين يضر باستحسان مشوب بحسد من حيث الطبع يحصل للمبصور منه ضرر و قد استشكل ذلك على بعض الناس فقال كيف يعمل العين من بعد حتى يحصل الضرر للمعيون و الجواب أن طبائع الناس تختلف فقد يكون ذلك من سم يصل من عين العائن في الهواء إلى بدن المعيون. و قد نقل عن بعض من كان معيانا أنه قال إذا رأيت شيئا يعجبني وجدت
حرارة تخرج من عيني و يقرب ذلك بالمرأة الحائض تضع يدها في إناء اللبن فيفسد و لو وضعتها بعد طهرها لم يفسد و كذا تدخل البستان فتضر بكثير من العروش من غير أن تمسها و من ذلك أن الصحيح قد ينظر إلى العين الرمد فيرمد و يتثاءب بحضرته فيتثاب هو أشار إلى ذلك ابن بطال و قال الخطابي في الحديث أن للعين تأثيرا في النفوس و إبطال قول الطباعيين أنه لا شيء إلا ما تدركه الحواس الخمس و ما عدا ذلك لا حقيقة له. و قال المازري زعم بعض الطباعيين أن العائن تنبعث من عينه قوة سمية تتصل بالمعين فيهلك أو يفسد و هو كإصابة السم من نظر الأفعى و أشار إلى منع الحصر في ذلك مع تجويزه و أن الذي يتمشى على طريقة أهل السنة أن العين إنما تضر عند نظر العائن بعادة أجراها الله تعالى أن يحدث الضر عند مقابلة شخص لآخر و هل ثم جواهر خفية أو لا هو أمر محتمل لا يقطع بإثباته و لا نفيه. و من قال ممن ينتمي إلى الإسلام من أصحاب الطبائع بالقطع بأن جواهر لطيفة غير مرئية تنبعث من العائن فتتصل بالمعيون و تتخلل مسام جسمه فيخلق البارئ الهلاك عندها كما يخلق الهلاك عند شرب السموم فقد أخطأ بدعوى القطع و لكنه جائز أن يكون عادة ليست ضرورة و لا طبيعة انتهى. و هو كلام سديد و قد بالغ ابن العربي في إنكاره فقال ذهبت الفلاسفة إلى أن الإصابة بالعين صادرة عن تأثير النفس بقوتها فيه فأول ما يؤثر في نفسها ثم يؤثر في غيرها. و قيل إنما هو سم في عين العائن يصيبه بلفحة عند التحديق إليه كما يصيب لفح سم الأفعى من يتصل به. ثم رد الأول بأنه لو كان كذلك لما تخلفت الإصابة في كل حال و الواقع بخلافه و الثاني بأن سم الأفعى جزء منها و كلها قاتل و العائن ليس يقتل منه شيء في قولهم إلا بصره و هو معنى خارج عن ذلك قال و الحق أن الله يخلق عند بصر العائن إليه و إعجابه به إذا شاء ما شاء من ألم أو هلكة و قد يصرفه قبل وقوعه بالاستعاذة أو بغيرها و قد يصرفه بعد وقوعه بالرقية أو بالاغتسال أو بغير ذلك انتهى كلامه. و فيه بعض ما يتعقب فإن الذي مثل بالأفعى لم يرد أنها تلامس المصاب حتى يتصل به من سمها و إنما أراد أن جنسا من الأفاعي اشتهر أنها إذا وقع بصرها على الإنسان هلك فكذلك العائن و ليس مراد الخطابي بالتأثير المعنى الذي تذهب إليه الفلاسفة بل ما أجرى الله به العادة من حصول الضرر للمعيون و قد أخرج البزاز بسند حسن عن جابر رفعه قال أكثر من يموت بعد قضاء الله و قدره بالنفس قال الراوي يعني بالعين و قد أجرى الله العادة بوجود كثير من القوى و الخواص في الأجسام و الأرواح كما يحدث لمن ينظر إليه من يحتشمه من الخجل فترى في وجهه حمرة شديدة لم تكن قبل ذلك و كذا الاصفرار عند رؤية من يخافه و كثير من الناس يسقم بمجرد النظر إليه و يضعف قواه و كل ذلك بواسطة ما خلق الله تعالى في الأرواح من التأثيرات و لشدة ارتباطها بالعين نسب الفعل إلى العين و ليست هي المؤثرة و إنما التأثير للروح و الأرواح مختلفة في طبائعها و قواها و كيفياتها و خواصها فمنها ما يؤثر في البدن بمجرد الرؤية من غير اتصال به لشدة خبث تلك الروح و كيفيتها الخبيثة. و الحاصل أن التأثير بإرادة الله تعالى و خلقه ليس مقصورا على الاتصال الجسماني بل يكون تارة به و تارة بالمقابلة و أخرى بمجرد الرؤية و أخرى بتوجه الروح كالذي يحدث من الأدعية و الرقى و الالتجاء إلى الله تعالى و تارة يقع ذلك بالتوهم و التخيل و الذي يخرج من عين العائن سهم معنوي إن صادف بدنا لا وقاية له أثر فيه و إلا لم ينفذ السهم بل ربما رد على صاحبه كالسهم الحسي سواء. و قال في بيان السحر قال الراغب و غيره السحر يطلق على معان أحدها ما دق و لطف و منه سحرت الصبي خدعته و استملته فكل من استمال شيئا فقد سحره و منه إطلاق الشعراء سحر العيون لاستمالتها النفوس و منه قول الأطباء الطبيعة ساحرة و منه قوله تعالى بَلْ نَحْنُ قَوْمٌ مَسْحُورُونَ أي مصروفون عن المعرفة
و منه حديث إن من البيان لسحرا
الثاني ما يقع بخداع و تخييلات لا حقيقة لها نحو ما يفعله المشعبد من صرف الأبصار عما يتعاطاه بخفة يده و إلى ذلك الإشارة بقوله تعالى يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِنْ سِحْرِهِمْ أَنَّها تَسْعى و قوله تعالى سَحَرُوا أَعْيُنَ النَّاسِ و من هناك سموا موسى ع ساحرا و قد يستعان في ذلك بما يكون فيه خاصية كحجر المغناطيس. الثالث ما يحصل بمعاونة الشياطين بضرب من التقرب إليهم و إلى ذلك الإشارة بقوله تعالى وَ لكِنَّ الشَّياطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ. الرابع ما يحصل بمخاطبة الكواكب و اشتراك روحانياتها بزعمهم قال ابن حزم و منه ما يؤخذ من الطلسمات كالطابع المنقوش فيه صورة عقرب في وقت كون القمر في العقرب فينفع من لدغة العقرب و قد يجمع بعضهم بين الأمرين الاستعانة بالشياطين و مخاطبة الكواكب فيكون ذلك أقوى بزعمهم. ثم السحر يطلق و يراد به الآلة التي يسحر بها و يطلق و يراد به فعل الساحر و الآلة تارة تكون معنى من المعاني فقط كالرقى و النفث و تارة تكون من المحسوسات كتصوير صورة على صورة المسحور و تارة يجمع الأمرين الحسي و المعنوي و هو أبلغ. و اختلف في السحر فقيل هو تخييل فقط و لا حقيقة له و قال النووي و الصحيح أن له حقيقة و به قطع الجمهور و عليه عامة العلماء و يدل عليه الكتاب و السنة المشهورة انتهى. لكن محل النزاع أنه هل يقع بالسحر انقلاب عين أو لا فمن قال إنه تخييل فقط منع من ذلك و من قال له حقيقة اختلفوا في أنه هل له تأثير فقط بحيث يغير المزاج فيكون نوعا من الأمراض أو ينتهي إلى الإحالة بحيث يصير الجماد حيوانا مثلا و عكسه فالذي عليه الجمهور هو الأول و ذهبت طائفة قليلة إلى الثاني فإن كان بالنظر إلى القدرة الإلهية فمسلم و إن كان بالنظر إلى الواقع فهو محل الخلاف فإن كثيرا ممن يدعي ذلك لا يستطيع إقامة البرهان عليه. و نقل الخطابي أن قوما أنكروا السحر مطلقا و كأنه عنى القائلين بأنه تخييل فقط و إلا فهي مكابرة. و قال المازري جمهور العلماء على إثبات السحر و أن له حقيقة و نفى بعضهم حقيقته و أضاف ما يقع منه إلى خيالات باطلة و هو مردود لورود النقل بإثبات السحر و لأن العقل لا ينكر أن الله تعالى قد يخرق العادة عند نطق الساحر بكلام ملفق و تركيب أجسام أو مزج بين قوى على ترتيب مخصوص و نظير ذلك ما يقع من حذاق الأطباء من مزج بعض العقاقير ببعض حتى ينقلب الضار منها بمفرده فيصير بالتركيب نافعا و قيل لا يزيد تأثير السحر على ما ذكر الله تعالى في قوله ما يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَ زَوْجِهِ لكون المقام مقام تهويل فلو جاز أن يقع أكثر من ذلك لذكره. قال المازري و الصحيح من جهة العقل أنه يجوز أن يقع به أكثر من ذلك قال و الآية ليست نصا في منع الزيادة و لو قلنا إنها ظاهرة في ذلك. ثم قال و الفرق بين السحر و المعجزة و الكرامة أن السحر يكون بمعاناة أقوال و أفعال حتى يتم للساحر ما يريد و الكرامة لا تحتاج إلى ذلك بل إنما تقع غالبا اتفاقا و أما المعجزة فتمتاز من الكرامة بالتحدي. و نقل إمام الحرمين الإجماع على أن السحر لا يظهر إلا عن فاسق و الكرامة
لا تظهر عن الفاسق و نقل النووي في زيادات الروضة عن المستولي نحو ذلك و ينبغي أن يعتبر بحال من يقع الخارق منه فإن كان متمسكا بالشريعة متجنبا للموبقات فالذي يظهر على يده من الخوارق كرامة و إلا فهو سحر لأنه ينشأ عن أحد أنواعه كإعانة الشياطين. و قال القرطبي السحر حيل صناعية يتوصل إليها بالاكتساب غير أنها لدقتها لا يتوصل إليها إلا آحاد الناس و مادتها الوقوف على خواص الأشياء و العلم بوجوه تركيبها و أوقاته و أكثرها تخييلات بغير حقيقة و إيهامات بغير ثبوت فيعظم عند من لا يعرف ذلك كما قال الله تعالى عن سحره فرعون وَ جاؤُ بِسِحْرٍ عَظِيمٍ مع أن حبالهم و عصيهم لم تخرج عن كونها حبالا و عصيا. ثم قال و الحق أن لبعض أصناف السحر تأثيرا في القلوب كالحب و البغض و إلقاء الخير و الشر في الأبدان بالألم و السقم و إنما المنكر أن الجماد ينقلب حيوانا و عكسه بسحر الساحر و نحو ذلك انتهى. و قال شارح المقاصد السحر إظهار أمر خارق للعادة من نفس شريرة خبيثة بمباشرة أعمال مخصوصة يجري فيها التعلم و التلمذ و بهذين الاعتبارين يفارق المعجزة و الكرامة و بأنه لا يكون بحسب اقتراح المعترض و بأنه يختص ببعض الأزمنة أو الأمكنة أو الشرائط و بأنه قد يتصدى لمعارضته و يبذل الجهد في الإتيان بمثله و بأن صاحبه ربما يعلن بالفسق و يتصف بالرجس في الظاهر و الباطن و الخزي في الدنيا و الآخرة إلى غير ذلك من وجوه المفارقة و هو عند أهل الحق جائز عقلا ثابت سمعا و كذلك الإصابة بالعين. و قالت المعتزلة هو مجرد إراءة ما لا حقيقة له بمنزلة الشعبدة التي سببها خفة حركات اليد أو خفاء وجه الحيلة فيه. لنا على الجواز ما مر في الإعجاز من إمكان الأمر في نفسه و شمول قدرة الله له فإنه هو الخالق و إنما الساحر فاعل و كاسب و أيضا إجماع الفقهاء و إنما اختلفوا في الحكم و على الوقوع وجوه. منها قوله تعالى يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَ ما أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبابِلَ هارُوتَ وَ مارُوتَ إلى قوله فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُما ما يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَ زَوْجِهِ وَ ما هُمْ بِضارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ و فيه إشعار بأنه ثابت حقيقة ليس مجرد إراءة و تمويه و بأن المؤثر و الخالق هو الله تعالى وحده. و منها سورة الفلق فقد اتفق جمهور المسلمين على أنها نزلت فيما كان من سحر لبيد بن أعصم اليهودي لرسول الله ص حتى مرض ثلاث ليال. و منها ما روي أن جارية سحرت عائشة و أنه سحر ابن عمر حتى تكوعت يده. فإن قيل لو صح السحر لأضرت السحرة بجميع الأنبياء و الصالحين و لحصلوا لأنفسهم الملك العظيم و كيف يصح أن يسحر النبي ص و قد قال الله وَ اللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ وَ لا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتى و كانت الكفرة يعيبون النبي ص بأنه مسحور مع القطع بأنهم كاذبون. قلنا ليس الساحر يوجد في كل عصر و زمان و بكل قطر و مكان و لا ينفذ حكمه كل أوان و لا له يد في كل شيء و النبي ص معصوم من أن يهلكه الناس أو يوقع خللا في نبوته لا أن يوصل ضررا و ألما إلى بدنه و مراد الكفار بكونه مسحورا أنه مجنون أزيل عقله بالسحر حيث ترك دينهم. فإن قيل قوله تعالى في قصة موسى ع يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِنْ سِحْرِهِمْ أَنَّها تَسْعى
يدل على أنه لا حقيقة للسحر و إنما هو تخييل و تمويه قلنا يجوز أن يكون سحرهم إيقاع ذلك التخيل و قد تحقق و لو سلم فكون أثره في تلك الصورة هو التخييل لا يدل على أنه لا حقيقة له أصلا. و أما الإصابة بالعين و هو أن يكون لبعض النفوس خاصية أنها إذا استحسنت شيئا لحقه الآفة فثبوتها يكاد يجري مجرى المشاهدات التي لا تفتقر إلى حجة
و قد قال النبي ص العين حق يدخل الرجل القبر و الجمل القدر
و قد ذهب كثير من المفسرين إلى أن قوله تعالى وَ إِنْ يَكادُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَيُزْلِقُونَكَ بِأَبْصارِهِمْ لَمَّا سَمِعُوا الذِّكْرَ وَ يَقُولُونَ الآية نزلت في ذلك. و قالوا كان العين في بني أسد فكان الرجل منهم يتجوع ثلاثة أيام فلا يمر به شيء يقول فيه لم أر كاليوم إلا عانه فالتمس الكفار من بعض من كانت له هذه الصنعة أن يقول في رسول الله ص ذلك فعصمه الله. و اعترض الجبائي أن القوم ما كانوا ينظرون إلى النبي ص نظر استحسان بل مقت و نقص. و الجواب أنهم كانوا يستحسنون منه الفصاحة و كثيرا من الصفات و إن كانوا يبغضونه من جهة الدين. ثم للقائلين بالسحر و العين اختلاف في جواز الاستعانة بالرقى و العوذ و في جواز تعليق التمائم و في جواز النفث و المسح و لكل من الطرفين أخبار و آثار و الجواز هو الأرجح و المسألة بالفقهيات أشبه انتهى. و أقول الذي ظهر لنا مما مضى من الآيات و الأخبار و الآثار أن للسحر تأثيرا ما في بعض الأشخاص و الأبدان كإحداث حب أو بغض أو هم أو فرح و أما تأثيره في إحياء شخص أو قلب حقيقة إلى أخرى كجعل الإنسان بهيمة فلا ريب في نفيهما و أنهما من المعجزات و كذا في كل ما يكون من هذا القبيل كإبراء الأكمه و الأبرص و إسقاط يد بغير جارحة أو وصل يد مقطوع أو إجراء الماء الكثير من بين الأصابع أو من حجر صغير و أشباه ذلك. و الظاهر أن الإماتة أيضا كذلك فإنه بعيد أن يقدر الإنسان على أن يقتل رجلا بغير ضرب و جرح و سم و تأثير ظاهر في بدنه و إن أمكن أن يكون الله تعالى جعل لبعض الأشياء تأثيرا في ذلك و نهى عن فعله كما أنه سبحانه جعل الخمر مسكرا و نهى عن شربه و جعل الحديد قاطعا و منع من استعماله في غير ما أحله و كذا التمريض لكنه أقل استبعادا. فإن قيل مع تجويز ذلك يبطل كثير من المعجزات و يحتمل فيه السحر. قلنا قد مر أن المعجزة تحدث عند طلبها بلا آلات و أدوات و مرور زمان يمكن فيه تلك الأعمال بخلاف السحر فإنه لا يحصل إلا بعد استعمال تلك الأمور و مرور زمان و أيضا الفرق بين السحر و المعجزة بين عند العارف بالسحر و حقيقته و لذا حكم بعض الأصحاب بوجوب تعلمه كفاية و يروى عن شيخنا البهائي قدس الله روحه أنه لو كان خروج الماء من بين أصابع النبي ص مع قبض يده و ضم أصابعه إلى كفه كان يحتمل السحر و أما مع بسط الأصابع و تفريجها فلا يحتمل السحر و ذلك واضح عند من له دربة في صناعة السحر. و أيضا معجزات الأنبياء لا تقع على وجه تكون فيه شبهه لأحد إلا أن يقول معاند بلسانه ما ليس في قلبه فإن الساحر ربما يخيل و يظهر قطرات من الماء من بين أصابعه أو كفه أو من حجر صغير و إما أن يجري أنهار كبيرة بمحض ضرب العصا أو يروي كثيرا من الناس و الدواب بما يجري من بين أصابعه بلا معاناة عمل أو استعانة بآلة فهذا مما يعرف كل عاقل أنه لا يكون من السحر و كذا إذا دعا على أحد فمات أو مرض من ساعته فإن مثل هذا لا يكون سحرا بديهة. و أما جهة تأثيره فما كان من قبيل التخييلات و الشعبدة فأسبابها ظاهرة عند العاملين بها تفصيلا و عند غيرهم إجمالا كما مر في سحر سحرة فرعون و استعانتهم
بالزئبق أو إراءتهم أشياء بسرعة اليد لا حقيقة لها. و أما حدوث الحب و البغض و الهم و أمثالها فالظاهر أن الله تعالى جعل لها تأثيرا و حرمها كما أومأنا إليه و هذا مما لا ينكره العقل و يحتمل أن يكون للشياطين أيضا مدخلا في ذلك و يقل أو يبطل تأثيرها بالتوكل و الدعاء و الآيات و التعويذات. و لذا كان شيوع السحر و الكهانة و أمثالهما في الفترات بين الرسل و خفاء آثار النبوة و استيلاء الشياطين أكثر و تضعف و تخفى تلك الأمور عند نشر آثار الأنبياء و سطوع أنوارهم كأمثال تلك الأزمنة فإنه ليس من دار و لا بيت إلا و فيه مصاحف كثيرة و كتب جمة من الأدعية و الأحاديث و ليس من أحد إلا و معه مصحف أو عوذة أو سورة شريفة و قلوبهم و صدورهم مشحونة بذلك فلذا لا نرى منها أثرا بينا في تلك البلاد إلا نادرا في البلهاء و الضعفاء و المنهمكين في المعاصي و قد نسمع ظهور بعض آثارها في أقاصي البلاد لظهور آثار الكفر و ندور أنوار الإيمان فيها كأقاصي بلاد الهند و الصين و الترك. و أما تأثير السحر في النبي و الإمام صلوات الله عليهما فالظاهر عدم وقوعه و إن لم يقم برهان على امتناعه إذا لم ينته إلى حد يخل بغرض البعثة كالتخبيط و التخليط فإنه إذا كان الله سبحانه أقدر الكفار لمصالح التكليف على حبس الأنبياء و الأوصياء ع و ضربهم و جرحهم و قتلهم بأشنع الوجوه فأي استحالة على أن يقدروا على فعل يؤثر فيهم هما و مرضا. لكن لما عرفت أن السحر يندفع بالعوذ و الآيات و التوكل و هم ع معادن جميع ذلك فتأثيره فيهم مستبعد و الأخبار الواردة في ذلك أكثرها عامية أو ضعيفة و معارضة بمثلها فيشكل التعويل عليها في إثبات مثل ذلك. و أما ما يذكر من بلاد الترك أنهم يعملون ما يحدث به السحب و الأمطار فتأثير أعمال مثل هؤلاء الكفرة في الآثار العلوية و ما به نظام العالم مما يأبى عنه العقول
السليمة و الأفهام القويمة و لم يثبت عندنا بخبر من يوثق بقوله. و أما العين فالظاهر من الآيات و الأخبار أن لها تحققا أيضا إما بأن جعل الله تعالى لذلك تأثيرا و جعل علاجه التوكل و التوسل بالآيات و الأدعية الواردة في ذلك أو بأن الله تعالى يفعل في المعين فعلا عند حدوث ذلك لضرب من المصلحة و قد أومأنا إلى وجه آخر فيما مر. و بالجملة لا يمكن إنكار ذلك رأسا لما يشاهد من ذلك عينا و ورود الأخبار به مستفيضا و الله يعلم و حججه ع حقائق الأمور