قال الشيخ المفيد رحمه الله في كتاب الفصول قال المأمون يوما للرضا ع أخبرني بأكبر فضيلة لأمير المؤمنين ع يدل عليها القرآن قال فقال الرضا ع فضيلة في المباهلة قال الله جل جلاله فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ ما جاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعالَوْا نَدْعُ أَبْناءَنا وَ أَبْناءَكُمْ وَ نِساءَنا وَ نِساءَكُمْ وَ أَنْفُسَنا وَ أَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَى الْكاذِبِينَ فدعا رسول الله ص الحسن و الحسين ع فكانا ابنيه و دعا فاطمة ع فكانت في هذا الموضع نساؤه و دعا أمير المؤمنين ع فكان نفسه بحكم الله عز و جل و قد ثبت أنه ليس أحد من خلق الله تعالى أجل من رسول الله ص و أفضل فواجب أن لا يكون أحد أفضل من نفس رسول الله بحكم الله جل و عز قال فقال له المأمون أ ليس قد ذكر الله الأبناء بلفظ الجمع و إنما دعا رسول الله ص ابنيه خاصة و ذكر النساء بلفظ الجمع و إنما دعا رسول الله ص ابنته وحدها فألا جاز أن يذكر الدعاء لمن هو نفسه و يكون المراد نفسه في الحقيقة دون غيره فلا يكون لأمير المؤمنين ع ما ذكرت من الفضل قال فقال له الرضا ع ليس يصح ما ذكرت يا أمير المؤمنين و ذلك أن الداعي إنما يكون داعيا لغيره كما أن الآمر آمر لغيره و لا يصح أن يكون داعيا لنفسه في الحقيقة كما لا يكون آمرا لها في الحقيقة و إذا لم يدع رسول الله ص في المباهلة رجلا إلا أمير المؤمنين ع فقد ثبت أنه نفسه التي عناها الله سبحانه في كتابه و جعل حكمه ذلك في تنزيله قال فقال المأمون إذا ورد الجواب سقط السؤال
و قال الزمخشري في كتاب الكشاف روي أنه لما دعاهم إلى المباهلة قالوا حتى نرجع و ننظر فنأتيك غدا فلما تخالوا قالوا للعاقب و كان ذا رأيهم يا عبد المسيح ما ترى فقال و الله لقد عرفتم يا معشر النصارى إن محمدا نبي مرسل و لقد جاءكم بالفصل من أمر صاحبكم و الله ما باهل قوم نبيا قط فعاش كبيرهم و لا نبت صغيرهم و لئن فعلتم لتهلكن فإن أبيتم إلا إلف دينكم و الإقامة على ما أنتم عليه فوادعوا الرجل و انصرفوا إلى بلادكم فأتوا رسول الله ص و قد غدا محتضنا الحسين آخذا بيد الحسن و فاطمة تمشي خلفه و علي خلفها و هو يقول إذا أنا دعوت فأمنوا فقال أسقف نجران يا معشر النصارى إني لأرى وجوها لو شاء الله أن يزيل جبلا من مكانه لأزاله بها فلا تباهلوا فتهلكوا فلم يبق على وجه الأرض نصراني إلى يوم القيامة فقالوا يا أبا القاسم رأينا أن لا نباهلك و أن نقرك على دينك و نثبت على ديننا قال ص فإذا أبيتم المباهلة فأسلموا يكن لكم ما للمسلمين و عليكم ما عليهم فأبوا قال فإني أناجزكم فقالوا ما لنا بحرب العرب طاقة و لكن نصالحك على أن لا تغزونا و لا تخيفنا و لا تردنا عن ديننا على أن نؤدي إليك كل عام ألفي حلة ألفا في صفر و ألفا في رجب و ثلاثين درعا عادية من حديد فصالحهم النبي ص على ذلك و قال و الذي نفسي بيده إن الهلاك قد تدلى على أهل نجران و لو لاعنوا لمسخوا قردة و خنازير و لاضطرم عليهما الوادي نارا و لاستأصل الله نجران و أهله حتى الطير على رءوس الشجر و لما حال الحول على النصارى كلهم حتى يهلكوا و عن عائشة أن رسول الله ص خرج و عليه مرط مرحل من شعر أسود فجاء الحسن فأدخله ثم جاء الحسين فأدخله ثم جاء فاطمة ثم علي ثم قال إِنَّما يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَ يُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً
فإن قلت ما كان دعاؤه إلى المباهلة إلا ليتبين الكاذب منه و من خصمه و ذلك أمر يختص به و بمن يكاذبه فما معنى ضم الأبناء و النساء قلت كان ذلك آكد للدلالة على ثقته بحاله و استيقانه بصدقه حيث استجرأ على تعريض أعزته و أفلاذ كبده و أحب الناس إليه لذلك و لم يقتصر على تعريض نفسه له و على ثقته أيضا بكذب خصمه حتى يهلك مع أحبته و أعزته هلاك الاستئصال إن تمت المباهلة و خص الأبناء و النساء لأنهم أعز الأهل و ألصقهم بالقلوب و ربما فداهم الرجل بنفسه و حارب دونهم حتى يقتل و من ثم كانوا يسوقون مع أنفسهم الظعائن في الحروب لتمنعهم من الهرب و يسمون الذادة عنها حماة الحقائق و قدمهم في الذكر على الأنفس لينبه على لطف مكانهم و قرب منزلتهم و ليؤذن بأنهم مقدمون على الأنفس مفدون بها و فيه دليل لا شيء أقوى منه على فضل أصحاب الكساء ع و فيه برهان واضح على صحة نبوة النبي ص لأنه لم يرو أحد من موافق و لا مخالف أنهم أجابوا إلى ذلك انتهى كلام الزمخشري.
و قال السيد بن طاوس في الطرائف ذكر النقاش في تفسيره شفاء الصدور ما هذا لفظه قوله عز و جل فَقُلْ تَعالَوْا نَدْعُ أَبْناءَنا وَ أَبْناءَكُمْ قال أبو بكر جاءت الأخبار بأن رسول الله ص أخذ بيد الحسن و حمل الحسين ع على صدره و يقال بيده الأخرى و علي ع معه و فاطمة ع من ورائهم فحصلت هذه الفضيلة للحسن و الحسين ع من بين جميع أبناء أهل بيت رسول الله ص و أبناء أمته و حصلت هذه الفضيلة لفاطمة بنت رسول الله ص من بين بنات النبي و بنات أهل بيته و بنات أمته و حصلت هذه الفضيلة لأمير المؤمنين علي ع من بين أقارب رسول الله و من أهل بيته و أمته بأن جعله رسول الله ص كنفسه يقول وَ أَنْفُسَنا وَ أَنْفُسَكُمْ
جرير عن الأعمش قال كانت المباهلة ليلة إحدى و عشرين من ذي الحجة و كان تزويج فاطمة لعلي بن أبي طالب ع يوم خمسة و عشرين من ذي الحجة و كان يوم غدير خم يوم ثمانية عشر من ذي الحجة هذا آخر كلام النقاش و قد ذكر الخطيب في تاريخ بغداد فضل أبي بكر محمد بن الحسن بن زياد النقاش و كثرة رجاله و أن الدارقطني و غيره رووا عنه و ذكر أنه قال عند موته لِمِثْلِ هذا فَلْيَعْمَلِ الْعامِلُونَ ثم مات في الحال. و من ذلك ما رواه مسلم في صحيحه من طرق فمنها في الجزء الرابع في باب فضائل أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ع في ثالث كراس من أوله من الكتاب الذي نقل الحديث منه في تفسير قوله تعالى فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ ما جاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعالَوْا نَدْعُ أَبْناءَنا وَ أَبْناءَكُمْ وَ نِساءَنا وَ نِساءَكُمْ وَ أَنْفُسَنا وَ أَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَى الْكاذِبِينَ فرفع مسلم الحديث إلى النبي ص و هو طويل يتضمن عدة فضائل لعلي بن أبي طالب ع خاصة يقول في آخره و لما نزلت هذه الآية دعا رسول الله ص عليا و فاطمة و حسنا و حسينا و قال اللهم هؤلاء أهل بيتي. و رواه أيضا مسلم في أواخر الجزء المذكور على حد كراسين من النسخة المنقول منها و رواه أيضا الحميدي في الجمع بين الصحيحين في مسند سعد بن أبي وقاص في الحديث السادس من إفراد مسلم و رواه الثعلبي في تفسير هذه الآية عن مقاتل و الكلبي. أقول ثم ساق الحديث مثل ما مر في الرواية الأولى للزمخشري ثم قال السيد رحمه الله و رواه أيضا أبو بكر بن مردويه بأجمل من هذه الألفاظ و هذه المعاني عن ابن عباس و الحسن و الشعبي و السدي
و في رواية الثعلبي زيادة في آخر حديثه و هي قال و الذي نفسي بيده إن العذاب قد تدلى على أهل نجران و لو لاعنوا لمسخوا قردة و خنازير و لاضطرم عليهم الوادي نارا و لاستأصل الله نجران و أهله حتى الطير على الشجر و لما حال الحول على النصارى كلهم حتى هلكوا فأنزل الله تعالى إِنَّ هذا لَهُوَ الْقَصَصُ الْحَقُّ وَ ما مِنْ إِلهٍ إِلَّا اللَّهُ وَ إِنَّ اللَّهَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِالْمُفْسِدِينَ
و رواه الشافعي بن المغازلي في كتاب المناقب عن الشعبي عن جابر بن عبد الله قال قدم وفد النجران على النبي ص العاقب و الطيب فدعاهما إلى الإسلام فقالا أسلمنا يا محمد قبلك قال كذبتما إن شئتما أخبرتكما ما يمنعكما من الإسلام قالا هات قال حب الصليب و شرب الخمر و أكل الخنزير فدعاهما إلى الملاعنة فواعداه أن يغادياه بالغدوة فغدا رسول الله ص و أخذ بيد علي و فاطمة و الحسن و الحسين ع ثم أرسل إليهما فأبيا أن يجيبا فأقرا بالخراج فقال النبي ص و الذي بعثني بالحق نبيا لو فعلا لأمطر الله عليهما الوادي نارا قال جابر فيهم نزلت هذه الآية نَدْعُ أَبْناءَنا وَ أَبْناءَكُمْ الآية قال الشعبي أبناءنا الحسن و الحسين و نساءنا فاطمة و أنفسنا علي بن أبي طالب ع
أقول و قال السيوطي في الدر المنثور أخرج الحاكم و صححه و ابن مردويه و أبو نعيم في الدلائل عن جابر قال قدم على النبي ص العاقب و السيد فدعاهما إلى الإسلام و ذكر نحو ما مر و قال في آخره قال جابر أَنْفُسَنا وَ أَنْفُسَكُمْ رسول الله ص و علي و أَبْناءَنا الحسن و الحسين و نِساءَنا فاطمة ع
قال و أخرج البيهقي في الدلائل من طريق سلمة بن عبد يشوع عن أبيه عن جده أن رسول الله ص كتب إلى أهل نجران قبل أن ينزل عليه طس سليمان بسم إله إبراهيم و إسحاق و يعقوب من محمد رسول الله إلى أسقف نجران و أهل نجران إن أسلمتم فإني أحمد إليكم إله إبراهيم و إسحاق و يعقوب أما بعد فإني أدعوكم إلى عبادة الله من عبادة العباد و أدعوكم إلى ولاية الله من ولاية العباد فإن أبيتم فالجزية و إن أبيتم فقد أوذنتم بحرب و السلام فلما قرأ الأسقف الكتاب فظع به و ذعر ذعرا شديدا فبعث إلى رجل من أهل نجران يقال له شرحبيل بن وادعة فدفع إليه كتاب رسول الله ص فقرأه فقال له الأسقف ما رأيك فقال شرحبيل قد علمت ما وعد الله إبراهيم في ذرية إسماعيل من النبوة فما يؤمن من أن يكون ذلك الرجل ليس لي في النبوة رأي لو كان أمر من أمر الدنيا أشرت عليك فيه و جهدت لك فبعث الأسقف إلى واحد بعد واحد من أهل نجران فكلهم قال مثل قول شرحبيل فاجتمع رأيهم على أن يبعثوا شرحبيل بن وادعة و عبد الله بن شرحبيل و جبار بن فيض فيأتونهم بخبر رسول الله ص فانطلق الوفد حتى أتوا رسول الله ص فسألهم و سألوه فلم تنزل به و بهم المسألة حتى قالوا له ما تقول في عيسى ابن مريم فقال رسول الله ص ما عندي فيه شيء يومي هذا فأقيموا حتى أخبركم بما يقال لي في عيسى صبح الغداة فأنزل الله إِنَّ مَثَلَ عِيسى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ إلى قوله فَنَجْعَلْ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَى الْكاذِبِينَ فأبوا أن يقروا بذلك فلما أصبح رسول الله ص الغد بعد ما أخبرهم الخبر أقبل مشتملا على الحسن و الحسين في خميلة له و فاطمة تمشي عند ظهره للملاعنة و له يومئذ عدة نسوة فقال شرحبيل لصاحبيه إني رأى امرأ مقبلا إن كان هذا الرجل نبيا مرسلا فنلاعنه لا يبقى على وجه الأرض منا شعر و لا ظفر إلا هلك فقالا له ما رأيك فقال رأيي أن أحكمه فإني أرى رجلا مقبلا لا يحكم شططا أبدا فقال له أنت و ذاك فتلقى شرحبيل رسول الله ص فقال إني قد رأيت خيرا من ملاعنتك قال و ما هو قال أحكمك اليوم إلى الليل و ليلتك إلى الصباح فمهما حكمت فينا فهو جائز فرجع رسول الله ص و لم يلاعنهم و صالحهم على الجزية
و أخرج أبو نعيم في الدلائل من طريق الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس أن وفد نجران من النصارى قدموا على رسول الله و هم أربعة عشر رجلا من أشرافهم منهم السيد و هو الكبير و العاقب و هو الذي يكون بعده صاحب رأيهم فقال رسول الله ص أسلما قالا أسلمنا قال ما أسلمتما قالا بلى قد أسلمنا قبلك قال كذبتما يمنعكما من الإسلام ثلاث فيكما عبادتكما الصليب و أكلكما الخنزير و زعمكما أن لله ولدا فنزل إِنَّ مَثَلَ عِيسى الآية فلما قرأها عليهم قالوا ما نعرف ما تقول فنزل فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ ما جاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ يقول من جادلك في أمر عيسى من بعد ما جاءك من القرآن فَقُلْ تَعالَوْا إلى قوله ثُمَّ نَبْتَهِلْ يقول نجتهد في الدعاء أن الذي جاء به محمد هو الحق و أن الذي يقولون هو الباطل فقال لهم إن الله قد أمرني إن لم تقبلوا هذا أن أباهلكم فقالوا يا أبا القاسم بل نرجع فننظر في أمرنا ثم نأتيك فخلا بعضهم ببعض فيصادقوا فيما بينهم قال السيد للعاقب قد و الله علمتم أن الرجل نبي فلو لاعنتموه لاستؤصلتم و ما لاعن قوم قط نبيا فعاش كبيرهم و نبت صغيرهم فإن أنتم لم تتبعوه و أبيتم إلا إلف دينكم فوادعوه و ارجعوا إلى بلادكم و قد كان رسول الله ص خرج و معه علي و الحسن و الحسين و فاطمة ع فقال رسول الله ص إن أنا دعوت فأمنوا أنتم فأبوا أن يلاعنوه و صالحوه على الجزية
و أخرج ابن أبي شيبة و سعيد بن منصور و عبد بن حميد و ابن جرير و أبو نعيم عن الشعبي و ساق الحديث إلى قوله فواعدوه لغد فغدا النبي ص و معه الحسن و الحسين و فاطمة ع فأبوا أن يلاعنوه و صالحوه على الجزية فقال النبي ص لقد أتاني البشر بهلكة أهل نجران حتى الطير على الشجر لو تموا على الملاعنة
و أخرج مسلم و الترمذي و ابن المنذر و الحاكم و البيهقي في سننه عن سعد بن أبي وقاص قال لما نزلت هذه الآية فَقُلْ تَعالَوْا نَدْعُ أَبْناءَنا وَ أَبْناءَكُمْ دعا رسول الله ص عليا و فاطمة و حسنا و حسينا فقال اللهم هؤلاء أهلي
و أخرج ابن جرير عن علباء بن أحمر اليشكري قال لما نزلت هذه الآية فَقُلْ تَعالَوْا نَدْعُ أَبْناءَنا وَ أَبْناءَكُمْ الآية أرسل رسول الله ص إلى علي و فاطمة و ابنيها الحسن و الحسين ع و دعا اليهود ليلاعنهم فقال شاب من اليهود ويحكم أ ليس عهدكم بالأمس إخوانكم الذين مسخوا قردة و خنازير لا تلاعنوا فانتهوا
بيان قطع به على بناء الفاعل أي جزم بحقيته و يقال قطع كفرح و كرم إذا لم يقدر على الكلام أو على بناء المفعول أي عجز أو حيل بينه و بين ما يؤمله و الخميلة القطيفة و كل ثوب له خمل. أقول روى ابن بطريق في العمدة نزول آية المباهلة فيهم بأسانيد من صحيح مسلم و تفسير الثعلبي و مناقب ابن المغازلي
و روى ابن الأثير في جامع الأصول من صحيح مسلم عن سعد بن أبي وقاص قال لما نزلت هذه الآية نَدْعُ أَبْناءَنا وَ أَبْناءَكُمْ دعا رسول الله ص عليا و فاطمة و الحسن و الحسين فقال اللهم هؤلاء أهلي
و قال الطبرسي رحمه الله أجمع المفسرون على أن المراد بأبنائنا الحسن و الحسين ع قال أبو بكر الرازي هذا يدل على أن الحسن و الحسين ابنا رسول الله و أن ولد الابنة ابن على الحقيقة و قال ابن أبي علان و هو أحد أئمة المعتزلة هذا يدل على أن الحسن و الحسين ع كانا مكلفين في تلك الحال لأن المباهلة لا تجوز إلا مع البالغين و قال أصحابنا إن صغر السن و نقصانها عن حد بلوغ الحلم لا ينافي كمال العقل و إنما جعل بلوغ الحلم حدا لتعلق الأحكام الشرعية و كان سنهم في تلك الحال سنا لا يمتنع معها أن يكونا كاملي العقل على أن عندنا يجوز أن يخرق الله العادات للأئمة و يخصهم بما لا يشركهم فيه غيرهم فلو صح أن كمال العقل غير معتاد في تلك السن لجاز ذلك فيهم إبانة لهم عمن سواهم و دلالة على مكانهم من الله تعالى و اختصاصهم به
و مما يؤيده من الأخبار قول النبي ص ابناي هذان إمامان قاما أو قعدا
وَ نِساءَنا اتفقوا على أن المراد به فاطمة ع لأنه لم يحضر المباهلة غيرها من النساء و هذا يدل على تفضيل الزهراء على جميع النساء وَ أَنْفُسَنا يعني عليا خاصة و لا يجوز أن يكون المعني به النبي ص لأنه هو الداعي و لا يجوز أن يدعو الإنسان نفسه و إنما يصح أن يدعو غيره و إذا كان قوله وَ أَنْفُسَنا لا بد أن يكون إشارة إلى غير الرسول وجب أن يكون إشارة إلى علي ع لأنه لا أحد يدعي دخول غير أمير المؤمنين ع و زوجته و ولديه ع في المباهلة و هذا يدل على غاية الفضل و علو الدرجة و البلوغ منه إلى حيث لا يبلغه أحد إذ جعله الله سبحانه نفس الرسول و هذا ما لا يدانيه أحد و لا يقاربه انتهى.
أقول و يدل على كون المراد بأنفسنا أمير المؤمنين ع ما رواه ابن حجر في صواعقه رواية عن الدار قطني أن عليا ع يوم الشورى احتج على أهلها فقال لهم أنشدكم الله هل فيكم أحد أقرب إلى رسول الله ص في الرحم مني و من جعله نفسه و أبناءه أبناءه و نساءه نساءه غيري قالوا اللهم لا
انتهى. و لا يخفى أن تخصيص هؤلاء من بين جميع أقاربه ص للمباهلة دون عباس و عقيل و جعفر و غيرهم لا يكون إلا لأحد شيئين إما لكونهم أقرب الخلق إلى الله بعده حيث استعان بهم في الدعاء على العدو دون غيرهم و إما لكونهم أعز الخلق عليه حيث عرضهم للمباهلة إظهارا لوثوقه على حقيته حيث لم يبال بأن يدعو الخصم عليهم مع شدة حبه لهم و ظاهر أن حبه ص لم يكن من جهة البشرية و الأمور الدنيوية بل لم يكن يحب إلا من يحبه الله و لم يكن حبه إلا خالصا لله كيف لا و قد ذم الله تعالى و رسوله ذلك في كثير من الآيات و الأخبار و كل من يدعي درجة نازلة من الولاية و المحبة يتبرأ من حب الأولاد و النساء و الأقارب لمحض القربة أو للأغراض الفاسدة و قد نرى كثيرا من الناس يذمهم العقلاء بأنهم يحبون بعض أولادهم مع أن غيرهم أعلم و أصلح و أتقى و أورع منهم و أيضا معلوم من سيرته ص أنه كان يعادي كثيرا من عشائره لكونهم أعداء الله و يقاتلهم و كان يحب و يقرب الأباعد و من ليس له نسب و لا حسب لكونهم أولياء الله
كما قال سيد الساجدين و والى فيك الأبعدين و عادى فيك الأقربين
أيضا استدل المخالفون بخبرهم الموضوع المفترى لو كنت متخذا خليلا لاتخذت أبا بكر خليلا على فضله و كيف يثبت له فضل لو كانت خلته منوطة بالأغراض الدنيوية فإذا ثبت ذلك فيرجع هذا أيضا إلى كونهم أقرب الخلق و أحبهم إلى الله فيكونون أفضل من غيرهم فيقبح عقلا تقديم غيرهم عليهم و أيضا لما ثبت أنه المقصود بنفس الرسول ص في هذه الآية و ليس المراد النفسية الحقيقية لامتناع اتحاد الاثنين و أقرب المجازات إلى الحقيقة اشتراكهما في الصفات و الكمالات و خرجت النبوة بالدليل فبقي غيرها و من جملتها وجوب الطاعة و الرئاسة العامة و الفضل على من سواه و سائر الفضائل و لو تنزلنا عن ذلك فالمجاز الشائع الذائع في استعمال هذا اللفظ كون الرجل عزيزا على غيره و أحب الخلق إليه كنفسه فيدل أيضا على أفضليته و إمامته بما مر من التقرير. أقول و ذكر إمامهم الرازي في التفسير و الأربعين الاستدلال بهذه على كون أمير المؤمنين ع أفضل من الأنبياء و سائر الصحابة عن بعض الإمامية بما مر لكن على وجه مبسوط ثم قال في الجواب كما أن الإجماع انعقد على أن النبي أفضل من الأنبياء فكذلك انعقد الإجماع على أن الأنبياء أفضل من غيرهم و أعرض عن ذكر الصحابة لأنه لم يكن عنده فيهم جواب و ما ذكره في الجواب عن الأنبياء فهو في غاية الوهن لأن الإجماع الذي ادعاه إن أراد به إجماعهم فحجيته عند الإمامية ممنوعة و إن أراد إجماع الأمة فتحققه عندهم ممنوع لأن أكثر الإمامية قائلون بكون أئمتنا ع أفضل من سائر الأنبياء و أخبارهم الدالة على ذلك مستفيضة عندهم و لم يتصرف في سائر المقدمات و لم يتعرض لمنعها و دفعها مع أنه إمام المشككين عندهم لغاية متانتها و وضوحها و لنتعرض لدفع بعض الشبه الواهية و المنوع الباردة التي يمكن أن يخطر ببال بعض المتعسفين فنقول إن قال قائل يمكن أن تكون الدعوة متعلقة بالنفس مجازا و ما ارتكبتموه من التجوز ليس بأولى من هذا المجاز فنقول يمكن الجواب عنه بوجهين الأول أن التجوز في النفس أشهر و أشيع عند العرب و العجم فيقول أحدهم لغيره يا روحي و يا نفسي و في خصوص هذه المادة وردت روايات كثيرة بهذا المعنى من الجانبين كما سنذكره في باب اختصاصه ع به
و قد ورد في صحاحهم أنه ص قال لعلي ع أنت مني و أنا منك و قال علي مني بمنزلة رأسي من جسدي و في رواية أخرى بمنزلة روحي من جسدي و قوله ص لأبعثن إليكم رجلا كنفسي
و أمثال ذلك كثيرة فكل ذلك قرينة مرجحة لهذا المجاز. و الثاني أن نقول الآية على جميع محتملاتها تدل على فضله ع و كونه أولى بالإمامة لأن قوله تعالى نَدْعُ بصيغة التكلم إما باعتبار دخول المخاطبين أو للتعظيم أو لدخول الأمة أو الصحابة و على الأخيرين يكون المعنى ندع أبناءنا و تدعوا أبناءكم و لا يخفى أن الأول أظهر و هو أيضا في بادئ النظر يحتمل الوجهين الأول أن يكون المعنى يدعو كل منا و منكم أبناءه و نساءه و نفسه الثاني أن يكون المعنى يدعو كل منا و منكم أبناء الجانبين و هكذا و الأول أظهر كما صرح به أكثر المفسرين و هذه الاحتمالات لا مدخل لها فيما نحن بصدده و سيظهر حالها فيما سنورده في الوجوه الآتية و أما جمعية الأبناء و النساء و الأنفس فيحتمل أن تكون للتعظيم أو لدخول الأمة أو الصحابة فيها أو لدخول المخاطبين فيها فيكون التقدير أبناءنا و إياكم و يكون إعادة الأبناء لمرجوحية العطف على الضمير المجرور بدون إعادة الجار أو تكون الجمعية باعتبار أنه بظاهر الحال كان يحتمل أن يكون من يصلح للمباهلة جماعة من كل صنف فلما لم يجد من يصلح لذلك من جانبه سوى هؤلاء اقتصر عليهم و تعيين الجماعة قبل تحقيق المباهلة لم يكن ضرورا و كذا جمعية الضمير في أبناءنا و نساءنا و أنفسنا تحتمل ما سوى الوجه الثالث و الوجه الثالث في الأول أيضا بعيد جدا لأنه معلوم أن دعوة كل منهما تختص بفريقه. فنرجع و نقول لو كانت الجمعية للتعظيم و كان المراد نفس من تصدى للمباهلة و كان المتصدي لها من هذا الجانب الرسول فلا وجه لإدخال أمير المؤمنين ع في ذلك مع أنه كان داخلا باتفاق الفريقين و رواياتهم و كان للنصارى أن يقول لم أتيت به و هو لم يكن داخلا فيمن شرطنا إلا أن يقولوا كان لشدة الاختصاص و التناسب و قرب المنزلة بمنزلة نفسه فلذا أتى به و هو مع بعده لو ارتكبته كان مستلزما لمقصودنا على أتم وجه بل هو أدعى لمطلوبنا من الوجه الذي دفعتم فقد وقعتم فيما منه فررتم. و أما الوجه الثاني فنقول لو كانت الأمة و الصحابة داخلين في المباهلة فلم لم يأت بجميع من حضر منهم إلا أن يقال إحضار الجميع لما كان موجبا للغوغاء العام و موهما لعدم اعتماده على حقيته بل كان اعتماده على كثرة الناس ليرهب به العدو أو ليتكل على دعائهم فلذلك أتى بنفسه لأنه كان نبيهم و أولى بهم و ضامنا لصحة معتقدهم و بعلي ع لأنه كان إمامهم و قائدهم و أولى بهم و الشاهد على صحة نبوة نبيهم و التالي له في الفضل و لاتحاد أبنائهما و انتساب فاطمة ع إليهما فأتى كل منهما مع أبنائه و نسائه نيابة عن جميع الأمة و إلا فلا وجه لتخصيصه ع من بين سائر الصحابة فهذا أصرح في مقصودنا و أقوى في إثبات مطلوبنا و كذا الوجه الرابع يتضمن ثبوت المدعى إذ لو لم يكن في جميع الأمة و الصحابة من يصلح للمباهلة غيرهم فهم أقرب الخلق إلى الله و الرسول و أولى بالإمامة و سائر المنازل الشريفة من سائر الصحابة. فإن قيل الحمل على أقرب المجازات إنما يكون متعينا لو لم يكن معنى آخر شائعا و معلوم أن إطلاق النفس على الغير في مقام إظهار غاية المحبة و الاختصاص شائع قلنا ما مر من الأخبار بعد التأمل فيها كانت أقوى القرائن على هذا المعنى و لو سلم فدلالته على الأولوية في الإمامة و الخلافة ثابتة بهذا الوجه أيضا كما عرفت و هو مقصودنا الأهم في هذا المقام. و أما الفضل على الأنبياء فهو ثابت بأخبارنا المستفيضة و لا حاجة لنا إلى الاستدلال بالآية و إن كانت عند المنصف ظاهرة الدلالة و في المقام تحقيقات ظريفة و كلمات شريفة أسلفناها مع جل الأخبار المتعلقة بهذا المطلوب في كتاب النبوة و إنما أوردنا هاهنا قليلا من كثير لئلا يخلو هذا المجلد عن جملة منها وَ اللَّهُ الْمُسْتَعانُ