فس قال علي بن ابراهيم ثم حرّم اللّه عزّ و جلّ نكاح الزواني، فقال )الزَّانِي لا يَنْكِحُ إِلَّا زانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَ الزَّانِيَةُ لا يَنْكِحُها إِلَّا زانٍ أَوْ مُشْرِكٌ وَ حُرِّمَ ذلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ(، و هو ردّ على من يستحلّ التمتّع بالزواني و التزويج بهنّ، و هنّ المشهورات المعروفات بذلك في الدنيا، لا يقدر الرجل على تحصنهنّ، و نزلت هذه الآية في نساء مكّة، كنّ مستعلنات بالزنا، سارة، و حنتمة، و الرباب كنّ يتغنّين بهجاء رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله، فحرّم اللّه نكاحهنّ، و جرت بعدهنّ في النساء من أمثالهنّ.
قال العلّامة نوّر اللّه ضريحه في كتاب كشف الحقّ، و صاحب كتاب إلزام النواصب.. و روى الكلبي و هو من رجال أهل السنّة في كتاب المثالب، قال كانت صهّاك أمة حبشية لهاشم بن عبد مناف، فوقع عليها نفيل بن هاشم، ثم وقع عليها عبد العزّى بن رياح، فجاءت بنفيل جدّ...
و قال الفضل بن روزبهان الشهرستاني في شرحه بعد القدح في صحّة النقل إنّ أنكحة الجاهليّة على ما ذكره أرباب التواريخ على أربعة أوجه منها أن يقع جماعة على امرأة ثم ولد منها يحكم فيه القائف أو تصدّق المرأة، و ربّما كان هذه من أنكحة الجاهليّة. و أورد عليه شارح الشرح رحمه اللّه بأنّه لو صحّ ما ذكره لما تحقّق زنا في الجاهليّة، و لما عدّ مثل ذلك في المثالب، و لكان كلّ من وقع على امرأة كان ذلك نكاحا منه عليها، و لم يسمع من أحد أنّ من أنكحة الجاهليّة كون امرأة واحدة في يوم واحد أو شهر واحد في نكاح جماعة من الناس. ثم إنّ الخطاب على ما ذكره ابن عبد البرّ في الإستيعاب ابن نفيل بن عبد العزّى بن رياح بن عبد اللّه بن القرط بن زراح بن عديّ بن كعب القرشي، و أمّه حنتمة بنت هاشم بن المغيرة بن عبد اللّه بن عمر بن مخزوم. قال و قد قالت طائفة في أمّ ]فلان[ حنتمة بنت هاشم بن المغيرة، و من قال ذلك فقد أخطأ، و لو كانت كذلك لكانت أخت أبي جهل بن هشام، و الحرث بن هشام المغيرة، و ليس كذلك، و إنّما هي بنت عمّه، لأنّ هشام بن المغيرة و الحرث ابن المغيرة أخوان لهاشم والد حنتمة أمّ ]فلان[، و هشام والد الحرث و أبي جهل. و حكى بعض أصحابنا عن محمد بن شهر آشوب و غيره أنّ صهّاك كانت أمة حبشية لعبد المطلب، و كانت ترعى له الإبل، فوقع عليها نفيل فجاءت بالخطاب، ثم إنّ الخطّاب لّما بلغ الحلم رغب في صهّاك فوقع عليها فجاءت بابنة فلفّتها في خرقة من صوف و رمتها خوفا من مولاها في الطريق، فرآها هاشم بن المغيرة مرميّة فأخذها و ربّاها و سمّاها حنتمة، فلمّا بلغت رآها خطّاب يوما فرغب فيها و خطبها من هاشم فأنكحها إيّاه فجاءت ]بفلان[، فكان الخطاب أبا و جدّا و خالا ]لفلان[، و كانت حنتمة أمّا و أختا و عمّة له، فتدبّر. و أقول وجدت
في كتاب عقد الدرر لبعض الأصحاب روى بإسناده، عن علي بن إبراهيم بن هاشم، عن أبيه، عن الحسن بن محبوب، عن ابن الزيّات، عن الصادق عليه السلام أنّه قال كانت صهّاك جارية لعبد المطلب، و كانت ذات عجز، و كانت ترعى الإبل، و كانت من الحبشة، و كانت تميل إلى النكاح، فنظر إليها نفيل جدّ ]فلان[ فهواها و عشقها من مرعى الإبل فوقع عليها، فحملت منه بالخطاب، فلمّا أدرك البلوغ نظر إلى أمّه صهّاك فأعجبه عجزها فوثب عليها فحملت منه بحنتمة، فلمّا ولدتها خافت من أهلها فجعلتها في صوف و ألقتها بين أحشام مكّة، فوجدها هشام بن المغيرة بن الوليد، فحملها إلى منزله و ربّاها و سمّاها ب الحنتمة، و كانت مشيمة العرب من ربّى يتيما يتّخذه ولدا، فلمّا بلغت حنتمة نظر إليها الخطاب فمال إليها و خطبها من هشام، فتزوّجها فأولد منها ]فلان[، و كان الخطاب أباه و جدّه و خاله، و كانت حنتمة أمّه و أخته و عمّته.
و ينسب إلى الصادق عليه السلام في هذا المعنى شعر
من جدّه خاله و والده و أمّه أخته و عمّتهأجدر أن يبغض الوصيّ و أن ينكر يوم الغدير بيعته
انتهى. و قال ابن أبي الحديد في شرح
قوله عليه السلام لم يسهم فيه عاهر، و لا ضرب فيه فاجر..
في الكلام رمز إلى جماعة من الصحابة في أنسابهم طعن، كما يقال إنّ آل سعد بن أبي وقّاص ليسوا من بني زهرة بن كلاب، و إنّهم من بني عذرة من قحطان، و كما يقال إنّ آل زبير بن العوّام من أرض مصر من القبط، و ليسوا من بني أسد بن عبد العزّى. ثم قال قال
شيخنا أبو عثمان في كتاب »مفاخرات قريش«... بلغ عمر بن الخطاب أنّ أناسا من رواة الأشعار و حملة الآثار يقصبون الناس و يثلبونهم في أسلافهم، فقام على المنبر، فقال إيّاكم و ذكر العيوب و البحث عن الأصول، فلو قلت لا يخرج اليوم قلت الرجل الذي قام هو المهاجر بن خالد بن الوليد بن المغيرة المخزومي، و كان عمر يبغضه لبغضه أباه خالدا، و لأنّ المهاجر كان علويّ الرأي جدّا، و كان أخوه عبد الرحمن بخلافه، شهد المهاجر صفّين مع عليّ عليه السلام و شهدها عبد الرحمن مع معاوية، و كان المهاجر مع عليّ عليه السلام يوم الجمل، و فقئت ذلك اليوم عينه، و لأنّ الكلام الذي بلغ عمر بلغه من المهاجر من هذه الأبواب إلّا من لا وصمة فيه لم يخرج منكم أحد. فقام رجل من قريش نكره أن نذكره فقال إذا كنت أنا و أنت يا أمير المؤمنين نخرج. فقال كذبت، بل كان يقال لك يا قين ابن قين، اقعد.
و كان الوليد بن المغيرة مع جلالته في قريش و كونه يسمّى ريحانة قريش، و يسمّى العدل، و يسمّى الوحيد حدّادا يصنع الدروع بيده، ذكر ذلك فيه ابن قتيبة في كتاب المعارف
و روى أبو الحسن المدائني هذا الخبر في كتاب أمّهات الخلفاء، و قال إنّه روي عند جعفر بن محمد عليهما السلام بالمدينة، فقال لا تلمه يا ابن أخي، إنّه أشفق أن يحدج بقصّة نفيل بن عبد العزّى و صهّاك أمة الزبير بن عبد المطلب، ثم قال رحم اللّه عمر، فإنّه لم يعد السنّة، و تلا )إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ(.
انتهى. بيان قال الجوهري حدجه بذنب غيره رماه به. انظر كيف بيّن عليه السلام رداءة نسب عمر و سبب مبالغته في النهي عن التعرّض للأنساب، ثم مدحه تقيّة، و ما أومى إليه من قصّة أمة الزبير هو ما رواه
الكليني طيّب اللّه تربته في روضة الكافي، عن الحسين، عن أحمد بن هلال، عن زرعة، عن سماعة، قال تعرّض رجل من ولد عمر بن الخطاب بجارية رجل عقيلي، فقالت له إنّ هذا العمري قد آذاني. فقال لها عديه و أدخليه الدهليز، فأدخلته، فشدّ عليه فقتله و ألقاه في الطريق، فاجتمع البكريّون و العمريّون و العثمانيّون، و قالوا ما لصاحبنا كفو لن نقتل به إلّا جعفر بن محمد، و ما قتل صاحبنا غيره، و كان أبو عبد اللّه عليه السلام قد مضى نحو قبا، فلقيته بما اجتمع القوم عليه. فقال دعهم. قال فلمّا جاء و رأوه وثبوا عليه، و قالوا ما قتل صاحبنا أحد غيرك، و ما نقتل به أحدا غيرك، فقال لتكلّمني منكم جماعة، فاعتزل قوم منهم، فأخذ بأيديهم فأدخلهم المسجد، فخرجوا و هم يقولون شيخنا أبو عبد اللّه جعفر بن محمد، معاذ اللّه أن يكون مثله يفعل هذا و لا يأمر به، انصرفوا. قال فمضيت معه، فقلت جعلت فداك ما كان أقرب رضاهم من سخطهم. قال نعم، دعوتهم فقلت أمسكوا و إلّا أخرجت الصحيفة. فقلت و ما هذه الصحيفة جعلني اللّه فداك. فقال أمّ الخطاب كانت أمة للزبير بن عبد المطلب، فسطر بها نفيل فأحبلها، فطلبه الزبير، فخرج هاربا إلى الطائف، فخرج الزبير خلفه فبصرت به ثقيف، فقالوا يا أبا عبد اللّه ما تعمل هاهنا. قال جاريتي سطر بها نفيلكم، فهرب منه إلى الشام، فخرج الزبير في تجارة له إلى الشام، فدخل على ملك الدومة، فقال له يا أبا عبد اللّه لي إليك حاجة. قال و ما حاجتك أيّها الملك. فقال رجل من أهلك قد أخذت ولده فأحبّ أن تردّه عليه. قال ليظهر لي حتى أعرفه. فلمّا أن كان من الغد دخل إلى الملك فلمّا رآه الملك ضحك، فقال ما يضحكك أيّها الملك. قال ما أظنّ هذا الرجل ولدته عربية، لّما رآك قد دخلت لم يملك استه أن جعل يضرط. فقال أيّها الملك إذا صرت إلى مكة قضيت حاجتك، فلمّا قدم الزبير تحمل عليه ببطون قريش كلّها أن يدفع إليه ابنه فأبى، ثم تحمل عليه بعبد المطلب، فقال ما بيني و بينه عمل، أ ما علمتم ما فعل في ابني فلان، و لكن امضوا أنتم إليه، فقصدوه و كلّموه، فقال لهم الزبير إنّ الشيطان له دولة و إنّ ابن هذا ابن الشيطان، و لست آمن أن يترأّس علينا، و لكن أدخلوه من باب المسجد عليّ على أن أحمي له حديدة و أخطّ في وجهه خطوطا، و أكتب عليه و على ابنه أن لا يتصدّر في مجلس، و لا يتأمّر على أولادنا، و لا يضرب معنا بسهم. قال ففعلوا و خطّ وجهه بالحديد، و كتب عليه الكتاب، و ذلك الكتاب عندنا. فقلت لهم إذا مسكتم و إلّا أخرجت الكتاب ففيه فضيحتكم، فأمسكوا. و توفّي مولى لرسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله لم يخلّف وارثا، و خاصم فيه ولد العباس أبا عبد اللّه )ع(، و كان هشام بن عبد الملك قد حجّ في تلك السنة، فجلس لهم، فقال داود بن علي الولاء لنا. و قال أبو عبد اللّه عليه السلام بل الولاء لي، فقال داود بن علي إنّ أباك قاتل معاوية. فقال إن كان أبي قاتل معاوية فقد كان خطّ أبيك فيه الأوفر، ثم فرّ بجناحيه. و قال و اللّه لأطوّقنّك غدا طوق الحمامة، فقال له داود بن علي كلامك هذا أهون عليّ من بعرة في واد الأزرق، فقال أما إنّه واد ليس لك و لا لأبيك فيه حقّ، قال فقال هشام إذا كان غدا جلست لكم، فلمّا أن كان من الغد خرج أبو عبد اللّه عليه السلام و معه كتاب في كرباسة، و جلس لهم هشام، فوضع أبو عبد اللّه عليه السلام الكتاب بين يديه، فلمّا قرأه قال ادعوا إليّ جندل الخزاعي و عكاشة الضميري و كانا شيخين قد أدركا الجاهليّة، فرمى الكتاب إليهما، فقال تعرفان هذه الخطوط. قالا نعم، هذا خطّ العاص بن أميّة، و هذا خطّ فلان و فلان لفلان من قريش، و هذا خطّ حرب بن أميّة، فقال هشام يا أبا عبد اللّه أرى خطوط أجدادي عندكم. فقال نعم. قال قد قضيت بالولاء لك. قال فخرج و هو يقول
إن عادت العقرب عدنا لها و كانت النعل لها حاضرة
قال قلت ما هذا الكتاب جعلت فداك. قال فإنّ نيثلة كانت أمة لأمّ الزبير و لأبي طالب و عبد اللّه فأخذها عبد المطلب فأولدها فلانا، فقال له الزبير هذه الجارية ورثناها من أمّنا و ابنك هذا عبد لنا، فتحمل عليه ببطون قريش. قال فقال قد أجبتك على خلّة على أن لا يتصدّر ابنك هذا في مجلس، و لا يضرب معنا بسهم، فكتب عليه كتابا و أشهد عليه، فهو هذا الكتاب.
بيان قوله تعرّض.. أي أراد الفجور معها و مراودتها. قوله فقالت له.. أي للعقيلي مولاها. قوله فشدّ عليه.. أي حمل عليه، و قد كان كمن له في الدهليز. قوله فلقيته.. أي قال سماعة فذهبت إليه و أخبرته بالواقعة. قوله عليه السلام فسطر بالسين المهملة.. أي زخرف لها الكلام و خدعها. قال الجزري سطر فلان على فلان إذا زخرف له الأقاويل و نمّقها، و تلك الأقاويل الأساطير و السّطر، و في بعض النسخ بالشين المعجمة. قال الفيروزآبادي يقال شطر شطره.. أي قصد قصده، أو هو تصحيف شغر بها بالغين المعجمة.. أي رفع رجلها للجماع قوله عليه السلام على ملك الدّومة.. أي دومة الجندل، و هي بالضم حصن بين المدينة و الشّام، و منهم من يفتح الدّال قوله تحمل عليه ببطون قريش.. أي كلّفهم الشّفاعة عند الزبير ليدفع إليه الخطاب، فلمّا يئس من ذلك ذهب إلى عبد المطلب ليتحمّل على زبير بعبد المطلب مضافا إلى بطون قريش، فقال عبد المطلب لنفيل ما بيني و بينه عمل أي معاملة و ألفة أ ما علمتم أنّه يعني زبيرا ما فعل بي في ابني فلان و أشار بذلك إلى ما سيأتي من قصّة العباس في عجز الخبر قال و لكن امضوا أنتم يعني نفيلا مع بطون قريش إلى الزبير. قوله أن لا يتصدّر.. أي لا يجلس في صدر المجلس قوله و لا يضرب معنا بسهم.. أي لا يشترك معنا في قسمة شيء لا ميراث و لا غيره قوله عليه السلام فقد كان خطّ أبيك.. أي جدّك عبد اللّه بن العباس فيه الأوفر.. أي أخذ حظّا وافرا من غنائم تلك الغزوة، و كان من شركائها و أعوانه عليه السلام فيها. قوله عليه السلام ثم فرّ بجنايته.. إشارة إلى جناية عبد اللّه في بيت مال البصرة، كما سيأتي إن شاء اللّه تعالى.
أقول قد مرّ من تفسير علي بن إبراهيم في تفسير قوله تعالى )ذَرْنِي وَ مَنْ خَلَقْتُ وَحِيداً( بإسناده، عن أبي عبد اللّه عليه السلام أنّه قال عليه السلام الوحيد ولد الزنا، و هو زفر.. إلى آخر الآيات.
أمّا حسبه
فحكى العلّامة في كتاب كشف الحقّ، عن ابن عبد ربّه في كتاب العقد، أنّ عمر كان حطّابا في الجاهليّة كأبيه الخطاب.
و قال مؤلّف إلزام النواصب روى ابن عبد ربّه في كتاب العقد في استعمال عمر بن الخطاب لعمرو بن العاص، فقال عمرو قبّح اللّه زمانا عمل فيه عمرو بن العاص لعمر بن الخطاب، و اللّه إنّي لأعرف الخطاب يحمل حزمة من حطب و على ابنه مثلها و ما معه إلّا تمرة لا تنفع منفعة.
و قال ابن الأثير في النهاية في تفسير الخبط و هو ورق الشّجر في حديث عمر لقد رأيتني في هذا الجبل أحتطب مرّة و أختبط أخرى.. أي أضرب الشّجر لينتثر الخبط منه
و قال ابن أبي الحديد كتب عمر إلى عمرو بن العاص و هو عامله في مصر كتابا و وجّه إليه محمد بن مسلمة ليأخذ منه شطر ماله، فلمّا قدم عليه اتّخذ له طعاما و قدّمه إليه، فأبى أن يأكل، فقال له ما لك لا تأكل طعامنا. قال إنّك عملت لي طعاما هو تقدمة للشرّ، و لو كنت عملت لي طعام الضّيف لأكلته، فأبعد عنّي طعامك و أحضرني مالك، فلمّا كان الغد أحضر ماله، فجعل محمد يأخذ شطرا و يعطي عمرا شطرا، فلمّا رأى عمرو ما حاز محمد من المال، قال يا محمد أقول. قال قل ما تشاء. قال لعن اللّه يوما كنت فيه واليا لابن الخطّاب فو اللّه لقد رأيته و رأيت أباه، و إنّ على كلّ واحد منهما عباءة قطوانية، مؤتزرا بها ما يبلغ مأبض ركبتيه، على عنق كلّ واحد منهما حزمة من حطب، و إنّ العاص بن وائل لفي مزرّرات الديباج. فقال محمد إيها يا عمرو فعمر و اللّه خير منك، و أمّا أبوك و أبوه ففي النار.
و قال أيضا قرأت في تصانيف أبي أحمد العسكري أنّ عمر كان يخرج مع الوليد بن المغيرة في تجارة للوليد إلى الشام و عمر يومئذ ابن ثماني عشرة سنة، و كان يرعى للوليد إبله، و يرفع أحماله، و يحفظ متاعه فلمّا كان بالبلقاء لقيه رجل من علماء الرّوم، فجعل ينظر إليه، و يطيل النّظر لعمر، ثم قال أظنّ اسمك يا غلام عامرا أو عمران أو نحو ذلك. قال اسمي عمر. قال اكشف عن فخذيك، فكشف، فإذا على أحدهما شامة سوداء في قدر راحة الكفّ، فسأله أن يكشف عن رأسه، فإذا هو أصلع، فسأله أن يعتمد بيده، فاعتمد، فإذا أعسر أيسر. فقال له أنت ملك العرب. قال فضحك عمر مستهزئا، فقال أ و تضحك و حقّ مريم البتول أنت ملك العرب و ملك الروم و الفرس، فتركه عمر و انصرف مستهينا بكلامه، فكان عمر يحدّث بعد ذلك، و يقول تبعني ذلك الروميّ راكب حمار فلم يزل معي حتى باع الوليد متاعه و ابتاع بثمنه عطرا و ثيابا، و قفل إلى الحجاز، و الروميّ يتبعني، لا يسألني حاجة و يقبّل يدي كلّ يوم إذا أصبحت كما يقبّل يد الملك، حتى خرجنا من حدود الشام و دخلنا في أرض الحجاز راجعين إلى مكّة، فودّعني و رجع، و كان الوليد يسألني عنه فلا أخبره، و ما أراه إلّا هلك، و لو كان حيّا لشخص إلينا.
أقول أعسر أيسر.. أي كان يعمل بيديه جميعا، و الّذي عمل بالشّمال فهو أعسر. و إخبار الرومي إمّا من جهة الكهانة، أو كان قرأ في الكتب أوصاف فراعنة هذه الأمّة و من يغصب حقوق الأئمّة، فإنّه كما كانت أوصاف أئمّتنا عليهم السلام مسطورة في الكتب كانت أوصاف أعدائهم أيضا مذكورة فيها، كما يدلّ عليه أخبارنا، و لذا كان يقبّل يديه لأنّه كان يعلم أنّه يخرّب دين من ينسخ أديانهم كما قبّل إبليس يد ]فلان[ في أوّل يوم صعد منبر النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و استبشر بذلك، و هذه الأخبار صارت باعثة لإسلامه و صاحبه ظاهرا، طمعا في الملك كما ذكره القائم عليه السلام لسعد بن عبد اللّه، و لذا أخبره بالملك لا بالخلافة و الرئاسة الدينيّة و قال ابن الأثير في النهاية في تفسير المبرطش فيه كان عمر في الجاهليّة مبرطشا، و هو الساعي بين البائع و المشتري شبه الدّلّال، و يروى بالسّين المهملة بمعناه. و ذكر ذلك صاحب القاموس و قال هو بالمهملة الّذي يكتري للنّاس الإبل و الحمير و يأخذ عليه جعلا. و يدلّ اعتذار عمر عن جهله بسنّة الاستئذان بقوله ألهاني عنه الصفق بالأسواق، كما رواه البخاري و غيره، و قد مرّ على أنّه كان مشتغلا به في الإسلام أيضا. و قال في الإستيعاب إليه كانت السفارة في الجاهليّة، و ذلك أنّ قريشا كانت إذا وقعت بينهم حرب أو بينهم و بين غيرهم بعثوه سفيرا، و إن نافرهم منافر أو فاخرهم مفاخر بعثوه منافرا و مفاخرا و رضوا به، و ذكر نحو ذلك في روضة الأحباب. فقد ظهر بما ذكرناه أنّ قولة بعض العامّة إنّ عمر كان من صناديد قريش و عظمائهم في الجاهليّة إنّما نشأ من شدّة العصبيّة و فرط الجهل بالآثار، و متى كان عظيم من العظماء حطّابا و راعيا للبعير و مبرطشا للحمير، و مدّاحا للقوم و مفاخرا من قبل القبيلة، فكانت دناءة نسبه، و رذالة حسبه، و سفالة أفعاله شواهد ما صدر عنه في خواتم أعماله كما عرفت،...
و أمّا مقتله و كيفيّة قتله
فقال مؤلّف العدد القويّة رحمه اللّه نقلا من كتب المخالفين في يوم السادس و العشرين من ذي الحجّة سنة ثلاث و عشرين من الهجرة طعن عمر بن الخطاب بن نفيل بن عبد العزّى بن رياح بن عبد اللّه بن قرط بن رزاح بن عديّ ابن كعب القرشيّ العدويّ أبو حفص.
قال سعيد بن المسيّب قتل أبو لؤلؤة عمر ابن الخطاب و طعن معه اثني عشر رجلا، فمات منه، فرمى عليه رجل من أهل العراق برنسا ثم برك عليه، فلمّا رأى أنّه لا يستطيع أن يتحرّك وجأ بنفسه فقتلها.
عن عمرو بن ميمون، قال أقبل عمر فعرض له أبو لؤلؤة غلام المغيرة ابن شعبة فناجى عمر قبل أن تستوي الصفوف ثم طعنه ثلاث طعنات، فسمعت عمر يقول دونكم الكلب فقد قتلني. و ماج الناس و أسرعوا إليه، فجرح ثلاثة عشر رجلا، فانكفى عليه رجل من خلفه احتضنه، و حمل عمر و ماج الناس حتى قال قائل الصلاة عباد اللّه طلعت الشمس، فقدّموا عبد الرحمن بن عوف فصلّى بأقصر سورتين في القرآن إذا جاء نصر اللّه و الفتح، و إنّا أعطيناك الكوثر. و دخل الناس عليه، فقال يا عبد اللّه بن عباس اخرج فناد في الناس أ عن ملإ منكم هذا، فخرج ابن عباس فقال أيّها الناس عمر يقول أ عن ملإ منكم هذا، فقالوا معاذ اللّه، و اللّه ما علمنا و لا اطّلعنا. فقال ادعوا لي الطبيب، فدعي الطبيب، فقال أيّ الشراب أحبّ إليك. قال النبيذ فسقي نبيذا فخرج من بعض طعناته، فقال بعض الناس هذا دم، هذا صديد. فقال اسقوني لبنا، فسقي لبنا، فخرج من الطعنة. فقال له الطبيب ما أرى أن تمشي، فما كنت فاعلا فأفعل..
و ذكر باقي الخبر في الشورى و تقديمه لصهيب في الصلاة، و قوله في عليّ عليه السلام إن ولّوها الأحلج سلك بهم الطريق المستقيم يعني عليّا، فقال له ابن عمر ما يمنعك أن تقدم علينا. فقال أكره أن أتحمّلها حيّا و ميّتا قال عبد اللّه بن الزبير غدوت مع عمر بن الخطاب إلى السوق و هو متّكئ على يدي، فلقيه أبو لؤلؤة غلام المغيرة بن شعبة فقال له أ لا تكلّم مولاي يضع عنّي من خراجي. قال كم خراجك. قال دينار. فقال عمر ما أرى أن أفعل، إنّك لعامل محسن و ما هذا بكثير، ثم قال له عمر أ لا تعمل لي رحى. قال بلى، فلمّا ولّى، قال أبو لؤلؤة لأعملنّ لك رحى يتحدّث بها ما بين المشرق و المغرب. قال ابن الزبير فوقع في نفسي قوله، فلمّا كان في النداء لصلاة الصبح خرج أبو لؤلؤة فضربه بالسكين ستة طعنات، إحداهنّ من تحت سرّته و هي قتلته، و جاءه بسكين لها طرفان، فلمّا جرح عمر جرح معه ثلاثة عشر رجلا في المسجد، ثم أخذ فلمّا أخذ قتل نفسه و اختلف في سنّ عمر فقيل توفي و هو ابن ثلاث و ستين و قال عبد اللّه بن عمر توفي عمر و هو ابن بضع و خمسين و عن سالم بن عبد اللّه أن عمر قبض و هو ابن خمس و خمسين و قال الزهري توفي و هو ابن أربع و خمسين و قال قتادة توفي و هو ابن اثنتين و خمسين. و قيل مات و هو ابن ستين
عن الزهري، قال صلّى عمر على أبي بكر حين مات، و صلّى صهيب على عمر
و روي عن عمر أنّه قال في انصرافه في حجّته التي لم يحجّ بعدها الحمد للّه و لا إله إلّا اللّه، يعطي من يشاء ما يشاء، لقد كنت بهذا الوادي يعني ضجنان أرعى غنما للخطاب و كان فظّا غليظا، يتعبني إذا عملت، و يضربني إذا قصرت و قد أصبحت و أمسيت و ليس بيني و بين اللّه أحدا أخشاه، ثم تمثّل
لا شيء ممّا ترى يبقي بشاشة يبقى الإله و يؤذى المال و الولدلم يغن عن هرمز يوما خزائنه و الخلد قد حاولت عادا فما خلدو لا سليمان إذ تجرى الرياح له و الإنس و الجنّ فيما بينها يردأين الملوك التي كان لعزّتها من كلّ أوب إليها وافد يفدحوض هنالك مورود بلا كذب لا بدّ من ورده يوما كما وردوا
أمّه حنتمة بنت هاشم بن المغيرة بن عبد اللّه بن عمر بن مخزوم ولد عمر بعد الفيل بثلاث عشرة سنة، و قال عمر ولدت قبل الفجار الأعظم بأربع سنين. أسلم ظاهرا بعد أربعين رجلا واحد عشر امرأة. بويع له بالخلافة لما مات أبو بكر باستخلافه له سنة ثلاث عشرة. كان آدم شديد الأدمة طوالا، كثّ اللحية، أصلع أعسر أيسر، و قيل كان طويلا جسيما، أصلع شديد الصلع، أبيض، شديد حمرة العينين، في عارضيه خفّة و قيل كان رجلا آدم ضخما كأنّه من رجال سدوس مدّة ولايته عشر سنين و ستة أشهر و أيّام.
أقول قال ابن عبد ربّه في كتاب الإستيعاب كانت مدّة خلافته عشر سنين و ستة أشهر...، و قتل يوم الأربعاء لأربع ليال بقين من ذي الحجّة سنة ثلاث و عشرين.
و قال الواقدي و غيره لثلاث بقين من ذي الحجّة، طعنه أبو لؤلؤة فيروز غلام المغيرة بن شعبة، قال و من أحسن شيء يروى في مقتل عمر و أصحّه ما حدّثنا خلف بن قاسم، عن سهل بإسناد ذكره عن عمرو بن ميمون.. و ساق الخبر مثل ما مرّ إلى قوله أكره أن أتحمّلها حيّا و ميّتا
ثم روى الخبر الثاني عن الواقدي بإسناده عن عبد اللّه بن الزبير، ثم قال و اختلف في شأن أبي لؤلؤة، فقال بعضهم كان مجوسيّا، و قال بعضهم كان نصرانيّا... و جاء بسكين له طرفان، فلمّا جرح عمر جرح معه ثلاثة عشر رجلا في المسجد، ثم أخذ، فلمّا أخذ قتل نفسه.
أقول ما ذكر أنّ مقتله كان في ذي الحجّة هو المشهور بين فقهائنا الإماميّة، و قال إبراهيم بن علي الكفعمي رحمه اللّه في الجنّة الواقية في سياق أعمال شهر ربيع الأول إنّه
روى صاحب مسارّ الشيعة أنّه من أنفق في اليوم التاسع منه شيئا غفر له، و يستحبّ فيه إطعام الإخوان و تطييبهم و التوسعة في النفقة، و لبس الجديد، و الشكر و العبادة، و هو يوم نفي الهموم، و روي أنّه ليس فيه صوم، و جمهور الشيعة يزعمون أنّ فيه قتل عمر بن الخطاب.. و ليس بصحيح.
قال محمد بن إدريس في سرائره من زعم أنّ عمر قتل فيه فقد أخطأ بإجماع أهل التواريخ و السير
و كذلك قال المفيد رحمه اللّه في كتاب التواريخ. و إنّما قتل يوم الإثنين لأربع بقين من ذي الحجّة سنة ثلاث و عشرين من الهجرة، نصّ على ذلك صاحب الغرّة و صاحب المعجم و صاحب الطبقات و صاحب كتاب مسارّ الشيعة و ابن طاوس، بل الإجماع حاصل من الشيعة و أهل السنّة على ذلك. انتهى. و المشهور بين الشيعة في الأمصار و الأقطار في زماننا هذا هو أنّه اليوم التاسع من ربيع الأول، و هو أحد الأعياد، و مستندهم في الأصل ما رواه خلف السيّد النبيل عليّ بن طاوس رحمة اللّه عليهما في كتاب زوائد الفوائد، و الشيخ حسن ابن سليمان في كتاب المحتضر، و اللفظ هنا للأخير، و سيأتي بلفظ السيّد قدّس سرّه في كتاب الدعاء
قال الشيخ حسن نقلته من خطّ الشيخ الفقيه عليّ بن مظاهر الواسطي، بإسناد متّصل، عن محمد بن العلاء الهمداني الواسطي و يحيى بن محمد بن جريح البغدادي، قالا تنازعنا في ابن الخطاب فاشتبه علينا أمره، فقصدنا جميعا أحمد بن إسحاق القمي صاحب أبي الحسن العسكري عليه السلام بمدينة قم، و قرعنا عليه الباب، فخرجت إلينا صبيّة عراقيّة من داره، فسألناها عنه، فقالت هو مشغول بعيده فإنّه يوم عيد. فقلنا سبحان اللّه الأعياد أعياد الشيعة أربعة الأضحى، و الفطر، و يوم الغدير، و يوم الجمعة، قالت فإنّ أحمد بن إسحاق يروي عن سيّده أبي الحسن عليّ بن محمد العسكري عليهما السلام أنّ هذا اليوم هو يوم عيد، و هو أفضل الأعياد عند أهل البيت عليهم السلام و عند مواليهم. قلنا فاستأذني لنا بالدخول عليه، و عرّفيه بمكاننا، فدخلت عليه و أخبرته بمكاننا، فخرج علينا و هو متّزر بمئزر له محتبي بكسائه يمسح وجهه، فأنكرنا ذلك عليه، فقال لا عليكما، فإنّي كنت اغتسلت للعيد. قلنا أ و هذا يوم عيد. قال نعم، و كان يوم التاسع من شهر ربيع الأول، قالا جميعا فأدخلنا داره و أجلسنا على سرير له، و قال إنّي قصدت مولانا أبا الحسن العسكري عليه السلام مع جماعة إخوتي كما قصدتماني بسرّ من رأى، فاستأذنّا بالدخول عليه فأذن لنا، فدخلنا عليه صلوات اللّه عليه في مثل هذا اليوم و هو يوم التاسع من شهر ربيع الأول و سيّدنا عليه السلام قد أوعز إلى كلّ واحد من خدمه أن يلبس ما يمكنه من الثياب الجدد، و كان بين يديه مجمرة يحرق العود بنفسه، قلنا بآبائنا أنت و أمّهاتنا يا ابن رسول اللّه هل تجدّد لأهل البيت في هذا اليوم فرح. فقال و أيّ يوم أعظم حرمة عند أهل البيت من هذا اليوم. و لقد حدّثني أبي عليه السلام أنّ حذيفة بن اليمان دخل في مثل هذا اليوم و هو التاسع من شهر ربيع الأول على جدّي رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله، قال حذيفة رأيت سيّدي أمير المؤمنين مع ولديه الحسن و الحسين عليهم السلام يأكلون مع رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و هو يتبسّم في وجوههم عليهم السلام و يقول لولديه الحسن و الحسين عليهما السلام كلا هنيئا لكما ببركة هذا اليوم، فإنّه اليوم الذي يهلك اللّه فيه عدوّه و عدوّ جدّكما، و يستجيب فيه دعاء أمّكما. كلا فإنّه اليوم الذي يقبل اللّه فيه أعمال شيعتكما و محبّيكما. كلا فإنّه اليوم الذي يصدق فيه قول اللّه )فَتِلْكَ بُيُوتُهُمْ خاوِيَةً بِما ظَلَمُوا( كلا فإنّه اليوم الذي يتكسّر فيه شوكة مبغض جدّكما. كلا فإنّه يوم يفقد فيه فرعون أهل بيتي و ظالمهم و غاصب حقّهم. كلا فإنّه اليوم الذي يقدم اللّه فيه إلى ما عملوا من عمل فيجعله هباء منثورا. قال حذيفة فقلت يا رسول اللّه و في أمّتك و أصحابك من ينتهك هذه الحرمة.
فقال رسول اللّه )صلّى اللّه عليه و آله( نعم يا حذيفة جبت من المنافقين يترأّس عليهم و يستعمل في أمّتي الرياء، و يدعوهم إلى نفسه، و يحمل على عاتقه درّة الخزي، و يصدّ الناس عن سبيل اللّه، و يحرّف كتابه، و يغيّر سنّتي، و يشتمل على إرث ولدي، و ينصب نفسه علما، و يتطاول على إمامه من بعدي، و يستحلّ أموال اللّه من غير حلّها، و ينفقها في غير طاعته، و يكذّبني و يكذّب أخي و وزيري، و ينحّي ابنتي عن حقّها، و تدعو اللّه عليه و يستجيب اللّه دعاؤها في مثل هذا اليوم. قال حذيفة قلت يا رسول اللّه لم لا تدعو ربّك عليه ليهلكه في حياتك. قال يا حذيفة لا أحبّ أن أجترئ على قضاء اللّه لما قد سبق في علمه، لكنّي سألت اللّه أن يجعل اليوم الذي يقبضه فيه فضيلة على سائر الأيّام ليكون ذلك سنّة يستنّ بها أحبّائي و شيعة أهل بيتي و محبّوهم، فأوحى إليّ جلّ ذكره، فقال لي يا محمّد كان في سابق علمي أن تمسّك و أهل بيتك محن الدنيا و بلاؤها، و ظلم المنافقين و الغاصبين من عبادي من نصحتهم و خانوك، و محضتهم و غشوك، و صافيتهم و كاشحوك، و أرضيتهم و كذّبوك، و انتجيتهم و أسلموك، فإنّي بحولي و قوّتي و سلطاني لأفتحنّ على روح من يغصب بعدك عليّا حقّه ألف باب من النيران من سفال الفيلوق، و لأصلينّه و أصحابه قعرا يشرف عليه إبليس فيلعنه، و لأجعلنّ ذلك المنافق عبرة في القيامة لفراعنة الأنبياء و أعداء الدين في المحشر، و لأحشرنّهم و أولياءهم و جميع الظلمة و المنافقين إلى نار جهنّم زرقا كالحين أذلّة خزايا نادمين، و لأخلدنّهم فيها أبد الآبدين، يا محمّد لن يوافقك وصيّك في منزلتك إلّا بما يمسّه من البلوى من فرعونه و غاصبه الذي يجترئ عليّ و يبدّل كلامي، و يشرك بي و يصدّ الناس عن سبيلي، و ينصب من نفسه عجلا لأمّتك، و يكفر بي في عرشي، إنّي قد أمرت ملائكتي في سبع سماواتي لشيعتكم و محبّيكم أن يتعيّدوا في هذا اليوم الذي أقبضه إليّ، و أمرتهم أن ينصبوا كرسيّ كرامتي حذاء البيت المعمور و يثنوا عليّ و يستغفروا لشيعتكم و محبّيكم من ولد آدم، و أمرت الكرام الكاتبين أن يرفعوا القلم عن الخلق كلّهم ثلاثة أيّام من ذلك اليوم و لا أكتب عليهم شيئا من خطاياهم كرامة لك و لوصيّك، يا محمّد إنّي قد جعلت ذلك اليوم عيدا لك و لأهل بيتك و لمن تبعهم من المؤمنين و شيعتهم، و آليت على نفسي بعزّتي و جلالي و علوّي في مكاني لأحبونّ من تعيّد في ذلك اليوم محتسبا ثواب الخافقين، و لأشفعنّه في أقربائه و ذوي رحمه، و لأزيدنّ في ماله إن وسّع على نفسه و عياله فيه، و لأعتقنّ من النار في كلّ حول في مثل ذلك اليوم ألفا من مواليكم و شيعتكم، و لأجعلنّ سعيهم مشكورا، و ذنبهم مغفورا، و أعمالهم مقبولة. قال حذيفة ثم قام رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله فدخل إلى بيت أمّ سلمة، و رجعت عنه و أنا غير شاكّ في أمر الشيخ، حتى ترأّس بعد وفاة النبيّ
صلّى اللّه عليه و آله و أتيح الشرّ و عاد الكفر، و ارتدّ عن الدين، و تشمّر للملك، و حرّف القرآن، و أحرق بيت الوحي، و أبدع السنن، و غيّر الملّة، و بدّل السنّة، و ردّ شهادة أمير المؤمنين عليه السلام، و كذّب فاطمة بنت رسول اللّه )ص(، و اغتصب فدكا، و أرضى المجوس و اليهود و النصارى، و أسخن قرّة عين المصطفى و لم يرضها، و غيّر السّنن كلّها، و دبّر على قتل أمير المؤمنين عليه السلام، و أظهر الجور، و حرّم ما أحلّ اللّه، و أحلّ ما حرّم اللّه، و ألقى إلى الناس أن يتّخذوا من جلود الإبل دنانير، و لطم وجه الزكيّة، و صعد منبر رسول اللّه غصبا و ظلما، و افترى على أمير المؤمنين )ع( و عانده و سفه رأيه. قال حذيفة فاستجاب اللّه دعاء مولاتي عليها السلام على ذلك المنافق، و أجرى قتله على يد قاتله رحمة اللّه عليه، فدخلت على أمير المؤمنين عليه السلام لأهنّئه بقتل المنافق و رجوعه إلى دار الانتقام. قال أمير المؤمنين عليه السلام يا حذيفة أ تذكر اليوم الذي دخلت فيه على سيّدي رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و أنا و سبطاه نأكل معه، فدلّك على فضل ذلك اليوم الذي دخلت عليه فيه. قلت بلى يا أخا رسول اللّه )ص(. قال هو و اللّه هذا اليوم الذي أقرّ اللّه به عين آل الرسول، و إنّي لأعرف لهذا اليوم اثنين و سبعين اسما، قال حذيفة قلت يا أمير المؤمنين أحبّ أن تسمعني أسماء هذا اليوم، و كان يوم التاسع من شهر ربيع الأول فقال أمير المؤمنين عليه السلام هذا يوم الاستراحة، و يوم تنفيس الكربة، و يوم الغدير الثاني، و يوم تحطيط الأوزار، و يوم الخيرة، و يوم رفع القلم، و يوم الهدو، و يوم العافية، و يوم البركة، و يوم الثارات، و يوم عيد اللّه الأكبر، و يوم يستجاب فيه الدعاء، و يوم الموقف الأعظم، و يوم التوافي، و يوم الشرط، و يوم نزع السواد، و يوم ندامة الظالم، و يوم انكسار الشوكة، و يوم نفي الهموم، و يوم القنوع، و يوم عرض القدرة، و يوم التصفّح، و يوم فرح الشيعة، و يوم التوبة، و يوم الإنابة، و يوم الزكاة العظمى، و يوم الفطر الثاني، و يوم سيل النغاب، و يوم تجرّع الريق، و يوم الرضا، و يوم عيد أهل البيت، و يوم ظفرت به بنو إسرائيل، و يوم يقبل اللّه أعمال الشيعة، و يوم تقديم الصدقة،
و يوم الزيارة، و يوم قتل المنافق، و يوم الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ، و يوم سرور أهل البيت، و يوم الشاهد و يوم المشهود، وَ يَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلى يَدَيْهِ، و يوم القهر على العدوّ، و يوم هدم الضلالة، و يوم التنبيه، و يوم التصريد، و يوم الشهادة، و يوم التجاوز عن المؤمنين، و يوم الزهرة، و يوم العذوبة، و يوم المستطاب به، و يوم ذهاب سلطان المنافق، و يوم التسديد، و يوم يستريح فيه المؤمن، و يوم المباهلة، و يوم المفاخرة، و يوم قبول الأعمال، و يوم التبجيل، و يوم إذاعة السرّ، و يوم نصر المظلوم، و يوم الزيارة، و يوم التودّد، و يوم التحبّب، و يوم الوصول، و يوم التزكية و يوم كشف البدع، و يوم الزهد في الكبائر، و يوم التزاور، و يوم الموعظة، و يوم العبادة، و يوم الاستسلام قال حذيفة فقمت من عنده يعني أمير المؤمنين عليه السلام و قلت في نفسي لو لم أدرك من أفعال الخير و ما أرجو به الثواب إلّا فضل هذا اليوم لكان مناي. قال محمد بن العلاء الهمداني، و يحيى بن محمد بن جريح فقام كلّ واحد منّا و قبّل رأس أحمد بن إسحاق بن سعيد القمي، و قلنا الحمد للّه الذي قيّضك لنا حتى شرّفتنا بفضل هذا اليوم، و رجعنا عنه، و تعيّدنا في ذلك اليوم.
قال السيّد نقلته من خطّ محمد بن علي بن محمد بن طيّ رحمه اللّه، و وجدنا فيما تصفّحنا من الكتب عدّة روايات موافقة لها فاعتمدنا عليها، فينبغي تعظيم هذا اليوم المشار إليه و إظهار السرور فيه.
بيان في القاموس احتبى بالثّوب اشتمل. و في بعض النسخ مكان قوله محتبي بكساء يفوح مسكا و هو قوله عليه السلام و يوم سيل النغاب.. هو مقابل قولهم غصّ بريقه. في القاموس نغب الرّيق كمنع و نصر و ضرب ابتلعه، و الطّائر حسا من الماء.. و الإنسان في الشّرب جرع، و النّغبة الجرعة. و في بعض النسخ يوم سبيل اللّه. قوله عليه السلام و يوم ظفرت به بنو إسرائيل.. أي يشبه ذلك اليوم، فإنّه كان فرعون هذه الأمّة أو كان ضفر بني إسرائيل أيضا في هذا اليوم، و الوجهان جاريان في بعض الفقرات الأخر كنزع السواد. و التّصريد التّقليل، و كأنّه سقط بعض الفقرات من الرواة، و بضمّ بعض النسخ يتمّ العدد. أقول و
قال السيد علي بن طاوس قدّس اللّه روحه في كتاب الإقبال بعد ذكر اليوم التاسع من ربيع الأول اعلم أنّ هذا اليوم وجدنا فيه رواية عظيم الشأن، و وجدنا جماعة من العجم و الإخوان يعظّمون السرور فيه، و يذكرون أنّه يوم هلاك بعض من كان يهون باللّه جلّ جلاله و رسوله صلوات اللّه عليه و آله و يعاديه، و لم أجد فيما تصفّحت من الكتب إلى الآن موافقة أعتمد عليها للرواية التي رويناها عن ابن بابويه تغمّد اللّه بالرضوان، فإن أراد أحد تعظيمه مطلقا لسرّ يكون في مطاويه غير الوجه الذي ظهر فيه احتياطا للرواية فهكذا عادة ذوي الدراية...، و إن كان يمكن أن يكون تأويل ما رواه أبو جعفر بن بابويه في أنّ قتل من ذكر كان في تاسع ربيع الأول، لعلّ معناه أنّ السبب الذي اقتضى عزم القاتل على قتله كان في ذلك اليوم، و يمكن أن يسمّى مجازا سبب القتل بالقتل، أو يكون توجّه القاتل من بلده في ذلك اليوم أو وصول القاتل إلى مدينة القتل فيه. و أمّا تأويل من تأوّل أنّ الخبر بالقتل وصل إلى بلد ابن بابويه فيه فلا يصحّ، لأنّ الحديث الذي رواه ابن بابويه عن الصادق عليه السلام تضمّن أنّ القتل كان في ذلك اليوم، فكيف يصحّ هذا التأويل. انتهى
ملخّص كلامه نوّر اللّه ضريحه. و يظهر منه ورود رواية أخرى عن الصادق عليه السلام بهذا المضمون رواها الصدوق رحمه اللّه، و يظهر من كلام خلفه الجليل ورود عدّة روايات دالّة على كون قتله في ذلك اليوم، فاستبعاد ابن إدريس و غيره رحمة اللّه عليهم ليس في محلّه، إذ اعتبار تلك الروايات مع الشهرة بين أكثر الشيعة سلفا و خلفا لا يقصر عمّا ذكره المؤرّخون من المخالفين، و يحتمل أن يكونوا غيّروا هذا اليوم ليشتبه الأمر على الشيعة فلا يتّخذوه يوم عيد و سرور. فإن قيل كيف اشتبه هذا الأمر العظيم بين الفريقين مع كثرة الدواعي على ضبطه و نقله. قلنا نقلب الكلام عليكم، مع أنّ هذا الأمر ليس بأعظم من وفاة الرسول صلّى اللّه عليه و آله، مع أنّه وقع الخلاف فيه بين الفريقين، بل بيّن كلّ منهما مع شدّة تلك المصيبة العظمى، و ما استتبعته من الدواهي الأخرى، مع أنّهم اختلفوا في يوم القتل كما عرفت و إن اتّفقوا في كونه في ذي الحجة، و من نظر في اختلاف الشيعة و أهل الخلاف في أكثر الأمور التي توفّرت الدواعي على نقلها مع كثرة حاجة الناس إليها كالأذان و الوضوء و الصلاة و الحجّ و تأمّل فيها لا يستبعد أمثال ذلك، و اللّه تعالى أعلم بحقائق الأمور.
ما جرى بينه وبين أمير المؤمنين عليه السلام
ما جماعة، عن أبي الفضل، عن صالح بن أحمد و محمّد بن القاسم، عن محمد بن تسنيم، عن جعفر بن محمد بن حكيم، عن إبراهيم بن عبد الحميد، عن رقيّة بن مصقلة بن عبد اللّه بن جويعة بن حمزة العبدي، عن أبيه، عن جدّه عبد اللّه قال قدمنا وفد عبد القيس في إمارة عمر بن الخطاب، فسأله رجلان منّا عن طلاق الأمة، فقام معهما و قال انطلقا، فجاء إلى حلقة فيها رجل أصلع، فقال يا أصلع كم طلاق الأمة، قال فأشار بإصبعيه.. هكذا يعني اثنتين. قال فالتفت عمر إلى الرجلين، فقال طلاقها اثنتان. فقال له أحدهما سبحان اللّه جئناك و أنت أمير المؤمنين فسألناك فجئت إلى الرجل، و اللّه ما كلّمك. فقال ويلك أ تدري من هذا. هذا عليّ ابن أبي طالب، سمعت النبيّ صلّى اللّه عليه و آله يقول لو أنّ السماوات و الأرض وضعتا في كفّة و وضع إيمان عليّ في كفّة لرجح إيمان عليّ.
د قال أبو جعفر محمّد بن جرير بن رستم الطبري ليس التاريخي لما ورد سبي الفرس إلى المدينة أراد عمر بن الخطاب بيع النساء و أن يجعل الرجال عبيدا. فقال له أمير المؤمنين عليه السلام إنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله قال أكرموا كريم كلّ قوم. فقال عمر قد سمعته يقول إذا أتاكم كريم قوم فأكرموه و إن خالفكم. فقال له أمير المؤمنين عليه السلام هؤلاء قوم قد ألقوا إليكم السلم و رغبوا في الإسلام، و لا بدّ من أن يكون لهم فيهم ذريّة، و أنا أشهد اللّه و أشهدكم أنّي قد عتقت نصيبي منهم لوجه اللّه تعالى. فقال جميع بني هاشم قد وهبنا حقّنا أيضا لك. فقال اللّهمّ اشهد أنّي قد عتقت ما وهبوني لوجه اللّه. فقال المهاجرون و الأنصار و قد وهبنا حقّنا لك يا أخا رسول اللّه )ص(. فقال اللّهمّ اشهد أنّهم قد وهبوا لي حقّهم و قبلته، و أشهدك أنّي قد عتقتهم لوجهك. فقال عمر لم نقضت عليّ عزمي في الأعاجم، و ما الذي رغّبك عن رأيي فيهم. فأعاد عليه ما قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله في إكرام الكرماء، فقال عمر قد وهبت للّه و لك يا أبا الحسن ما يخصّني و سائر ما لم يوهب لك. فقال أمير المؤمنين عليه السلام اللّهمّ اشهد على ما قاله و على عتقي إيّاهم. فرغب جماعة من قريش في أن يستنكحوا النساء. فقال أمير المؤمنين عليه السلام هؤلاء لا يكرهن على ذلك و لكن يخيّرن، ما اخترنه عمل به. فأشار جماعة إلى شهربانويه بنت كسرى، فخيّرت و خوطبت من وراء الحجاب و الجمع حضور. فقيل لها من تختارين من خطابك و هل أنت ممّن تريدين بعلا. فسكتت. فقال أمير المؤمنين عليه السلام قد أرادت و بقي الاختيار. فقال عمر و ما علمك بإرادتها البعل. فقال أمير المؤمنين عليه السلام إنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله كان إذا أتته كريمة قوم لا وليّ لها و قد خطبت يأمر أن يقال لها أنت راضية بالبعل، فإن استحيت و سكتت جعلت إذنها صماتها، و أمر بتزويجها. و إن قالت لا، لم تكره على ما تختاره، إنّ شهربانويه أريت الخطّاب فأومأت بيدها و اختارت الحسين بن عليّ عليهما السلام، فأعيد القول عليها في التخيير، فأشارت بيدها و قالت بلغتها هذا إن كنت مخيّرة، و جعلت أمير المؤمنين وليّها، و تكلّم حذيفة بالخطبة، فقال أمير المؤمنين لها ما اسمك. فقالت شاه زنان بنت كسرى. قال أمير المؤمنين عليه السلام أنت شهربانويه، و أختك مرواريد بنت كسرى، قالت آريه.
يب محمّد بن علي بن محبوب، عن محمّد بن الحسين، عن محمّد بن عبد اللّه بن زرارة، عن عيسى بن عبد اللّه الهاشمي، عن جدّه، عن عليّ عليه السلام، قال دخل عليّ عليه السلام و عمر الحمّام، فقال عمر بئس البيت الحمّام، يكثر فيه الغناء و يقلّ فيه الحياء. فقال عليّ عليه السلام نعم البيت الحمّام، يذهب الأذى و يذكّر بالنار.
نهج و من كلام له عليه السلام و قد شاوره عمر في الخروج إلى الروم و قد توكّل اللّه لأهل هذا الّدين بإعزاز الحوزة و ستر العورة و الّذي نصرهم و هم قليل لا ينتصرون و منعهم و هم قليل لا يمتنعون حيّ لا يموت إنّك متى تسر إلى هذا العدوّ بنفسك فتلقهم فتنكب، لا تكن للمسلمين كانفة دون أقصى بلادهم ليس بعدك مرجع يرجعون إليه، فابعث إليهم رجلا مجربا و أحفز معه أهل البلاء و النّصيحة فإن أظهر اللّه فذاك ما تحبّ، و إن تكن الأخرى كنت رداء للنّاس و مثابة للمسلمين.
توضيح و قد توكّل اللّه.. أي صار وكيلا، و يروى تكفّل.. أي صار كفيلا، و الحوزة النّاحية، و بيضة الملك قوله عليه السلام فتنكبّ، قال ابن أبي الحديد مجزوم معطوف على تسر. قوله عليه السلام كانفة.. أي جهة عاصمة من قولك كنفت الإبل جعلت لها كنيفا من الشّجر يستتر به قوله عليه السلام مجرّبا على المفعول.. أي جرّبته الأمور و أحكمته، و يمكن أن يقرأ على اسم الفاعل. و إن كان الخلاف المشهور ]كذا[، و في بعض النسخ بالحاء المهملة بكسر الميم مخفّفا من الحرب. و حفزته دفعته من خلفه و سقته سوقا شديدا، و أهل البلاء.. أي المختبرين الممتحنين أو الذين لهم حقوق في الإسلام كقوله )لِيُبْلِيَ الْمُؤْمِنِينَ مِنْهُ بَلاءً حَسَناً( و الرّدء بالكسر العون و المثابة المرجع فإن قلت فما بال أمير المؤمنين عليه السلام شهد الحروب بنفسه. قلت لوجهين أحدهما إنّه كان عالما من جهة النبيّ صلّى اللّه عليه و آله أنّه لا يقتل في هذه الحروب. و ثانيهما أنّه كان عالما بأنّه لا يقوم مقامه في تلك الحروب أحد، و لم يجد مجرّبا من أهل البلاء و النصيحة، فبعض المجرّبين لم يكونوا من أهل النصيحة له، و بعض أهل النصيحة لم يكونوا مجرّبين، و من كان مجرّبا ناصحا كمالك و أضرابه فمع قلّتهم ربّما لم يطعهم الناس.
نهج و من كلامه عليه السّلام لعمر بن الخطّاب و قد استشاره في غزو الفرس بنفسه إنّ هذا الأمر لم يكن نصره و لا خذلانه بكثرة و لا بقلّة، و هو دين اللّه الّذي أظهره و جنده الّذي أعدّه و أمدّه حتّى بلغ ما بلغ و طلع حيث طلع، و نحن على موعود من اللّه، و اللّه منجز وعده و ناصر جنده، و مكان القيّم بالأمر مكان النّظام من الخرز يجمعه و يضمّه فإن انقطع النّظام تفرّق و ذهب ثمّ لم يجتمع بحذافيره أبدا، و العرب اليوم و إن كانوا قليلا فهم كثيرون بالإسلام عزيزون بالاجتماع، فكن قطبا و استدر الرّحى بالعرب، و أصلهم دونك نار الحرب، فإنّك إن شخصت من هذه الأرض انتقضت عليك العرب من أطرافها و أقطارها حتّى يكون ما تدع وراءك من العورات أهمّ إليك ممّا بين يديك، إنّ الأعاجم إن ينظروا إليك غدا يقولوا هذا أصل العرب فإذا اقتطعتموه استرحتم، فيكون ذلك أشدّ لكلبهم عليك و طمعهم فيك، فأمّا ما ذكرت من مسير القوم إلى قتال المسلمين فإنّ اللّه سبحانه هو أكره لمسيرهم منك، و هو أقدر على تغيير ما يكره، و أمّا ما ذكرت من عددهم فإنّا لم نكن نقاتل فيما مضى بالكثرة، و إنّما كنّا نقاتل بالنّصر و المعونة.
بيان قال ابن أبي الحديد.. قد اختلف في الحال الذي قال أمير المؤمنين عليه السلام، فقيل قاله في غزاة القادسيّة، و قيل في غزاة نهاوند، ذهب إلى الأخير محمد بن جرير، و إلى الأول المدائني. و نظام العقد الخيط الجامع له بحذافيره.. أي بأسره أو بجوانبه أو بأعاليه قوله عليه السلام و أصلهم.. أي اجعلهم صالين لها، يقال صليت اللّحم إذا شويته، أو ألقهم في نار الحرب دونك، أو من صلى فلان بالأمر إذا قاسى حرّها و شدّتها و العورة الخلل في الثّغر و غيره، و كلّ مكمن للسّتر لكلبهم.. أي لمرضهم و شدّتهم قوله عليه السلام فأمّا ما ذكرت.. جواب لما قال عمر من أنّ هؤلاء الفرس قد قصدوا المسير إلى المسلمين و أنا أكره أن يغزونا قبل أن نغزوهم. ثم اعلم أنّ هذا الكلام و ما تقدّم يدلّ أنّهم كانوا محتاجين إليه عليه السلام في التدبير و إصلاح الأمور التي يتوقّف عليها الرئاسة و الخلافة، فهو عليه السلام كان أحقّ بها و أهلها و كانوا هم الغاصبين حقّه، و أمّا إراءتهم مصالحهم فلا يدلّ على كونهم على الحقّ، لأنّ ذلك كان لمصلحة الإسلام و المسلمين لا لمصلحة الغاصبين، و جميع تلك الأمور كان حقّه عليه السلام قولا و فعلا و تدبيرا فكان يلزمه القيام بما يمكنه من تلك الأمور، و لا يسقط الميسور بالمعسور.
باب نادر
قال أبو الفتح الكراجكي في كنز الفوائد أخبرني القاضي أبو الحسن محمد بن علي بن صخر، عن فارس بن موسى، عن أحمد بن محمد، عن أحمد بن محمد بن شيبة، عن محمد بن يحيى الطوسي، عن محمد بن خالد الدمشقي، عن سعيد بن محمد بن عبد الرحمن بن خارجة الرقّي، قال قال معاوية بن فضلة كنت في الوفد الذين وجّههم عمر بن الخطاب و فتحنا مدينة حلوان، و طلبنا المشركين في الشعب فلم يردوا عليهم، فحضرت الصلاة فانتهيت إلى ماء فنزلت عن فرسي و أخذت بعنانه، ثم توضّأت و أذّنت، فقلت اللّه أكبر.. اللّه أكبر.. فأجابني شيء من الجبل و هو يقول كبرت تكبيرا.. ففزعت لذلك فزعا شديدا و نظرت يمينا و شمالا، فلم أر شيئا، فقلت أشهد أن لا إله إلّا اللّه، فأجابني و هو يقول الآن حين أخلصت. فقلت أشهد أنّ محمّدا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله. فقال نبّي بعث. فقلت حيّ على الصلاة. فقال فريضة افترضت. فقلت حيّ على الفلاح. فقال قد أفلح من أجابها، فاستجاب لها. فقلت قد قامت الصلاة. فقال البقاء لأمّة محمّد )ص( و على رأسها تقوم الساعة، فلمّا فرغت من أذاني ناديت بأعلى صوتي حتّى أسمعت ما بين لابتي الجبل، فقلت إنسيّ أم جنّي. قال فأطلع رأسه من كهف الجبل، فقال ما أنا بجنّي و لكنّي إنسيّ. فقلت له من أنت يرحمك اللّه. قال أنا وذيب بن ثملا من حواري عيسى ابن مريم عليه السلام، أشهد أنّ صاحبكم نبيّ، و هو الذي بشّر به عيسى ابن مريم، و لقد أردت الوصول إليه فحالت فيما بيني و بينه فارس و كسرى و أصحابه، ثم أدخل رأسه في كهف الجبل فركبت دابّتي و لحقت بالناس و سعد بن أبي وقّاص أميرنا، فأخبرته بالخبر، فكتب بذلك إلى عمر بن الخطاب، فجاء كتاب عمر يقول الحق الرجل، فركب سعد و ركبت معه حتّى انتهينا إلى الجبل، فلم نترك كهفا و لا شعبا و لا واديا إلّا التمسناه فيه فلم نقدر عليه، و حضرت الصلاة فلمّا فرغت من صلاتي ناديت بأعلى صوتي يا صاحب الصوت الحسن و الوجه الجميل قد سمعنا منك كلاما حسنا فأخبرنا من أنت يرحمك اللّه أقررت باللّه و نبيّه صلّى اللّه عليه و آله، قال فأطلع رأسه من كهف الجبل فإذا شيخ أبيض الرأس و اللحية، له هامة كأنّها رحى، فقال السلام عليكم و رحمة اللّه و بركاته قلت و عليك السلام و رحمة اللّه، من أنت يرحمك اللّه. قال أنا رزيب بن ثملا وصيّ العبد الصالح عيسى ابن مريم )ع( كان سأل ربّه لي البقاء إلى نزوله من السماء و قراري في هذا الجبل، و أنا موصيكم سدّدوا و قاربوا و خصالا يظهر في أمّة محمّد صلّى اللّه عليه و آله، فإن ظهرت فالهرب الهرب، ليقوم أحدكم على نار جهنّم حتّى تطفأ منه خير له من البقاء في ذلك الزمان. قال معاوية بن فضلة قلت له يرحمك اللّه أخبرنا بهذه الخصال لنعرف ذهاب دنيانا و إقبال آخرتنا. قال نعم، إذا استغنى رجالكم برجالكم، و استغنت نساؤكم بنسائكم، و انتسبتم إلى غير مناسبكم، و تولّيتم إلى غير مواليكم، و لم يرحم كبيركم صغيركم، و لم يوقّر صغيركم لكبيركم، و كثر طعامكم فلم تروه إلّا بأغلى أسعاركم، و صارت خلافتكم في صبيانكم، و ركن علماؤكم إلى ولاتكم، فأحلّوا الحرام و حرّموا الحلال، و أفتوهم بما يشتهون، و اتّخذوا القرآن ألحانا و مزامير في أصواتهم، و منعتم حقوق اللّه من أموالكم، و لعن آخر أمّتكم أوّلها، و زوّقتم المساجد، و طوّلتم المنابر، و حلّيتم المصاحف بالذهب و الفضة، و ركب نساؤكم السروج، و صار مستشار أموركم نساؤكم و خصيانكم، و أطاع الرجل امرأته، و عقّ والديه، و ضرب الشابّ والديه، و قطع كلّ ذي رحم رحمه، و بخلتم بما في أيديكم، و صارت أموالكم عند شراركم، و كنزتم الذهب و الفضة، و شربتم الخمر، و لعبتم بالميسر، و ضربتم
بالكبر، و منعتم الزكاة و رأيتموها مغرما، و الخيانة مغنما، و قتل البريء لتغتاظ العامّة بقتله، و اختسلت قلوبكم فلم يقدر أحد منكم يأمر بالمعروف و لا ينهى عن المنكر، و قحط المطر فصار قيظا، و الولد غيظا، و أخذتم العطاء فصار في الساقط، و كثر أولاد الخبيثة يعني الزنا، و طففت المكيال، و كلب عليكم عدوّكم، و ضربتم بالمذلّة، و صرتم أشقياء، و قلّت الصدقة حتّى يطوف الرجل من الحول إلى الحول ما يعطى عشرة دراهم، و كثر الفجور، و غارت العيون، فعندها نادوا فلا جواب لهم، يعني دعوا فلم يستجب لهم.
قال الكراجكي رحمه اللّه اعلم أيّدك اللّه إنّ قوله في هذا الخبر و لعن آخر أمّتكم أوّلها ممّا يظن الناصبي أنّ فيه طعنا علينا، لما نحن فيه من ذمّ الظالمين بعد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و ذلك ظنّ فاسد، لأنّا إنّما نلعن من ثبت عندنا ظلمه، و قد لعن اللّه تعالى الظالمين في كتابه، فقال )أَلا لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ(. و أخبر النبيّ صلّى اللّه عليه و آله بأنّ من أصحابه من يغير بعده و يبدّل و يغوي و يفتن و يضلّ و يظلم و يستحقّ العقاب الأليم و الخلود في الجحيم.
فممّا روي عنه في ذلك قوله صلّى اللّه عليه و آله لأصحابه لتتبعنّ سنن من كان قبلكم شبرا بشبر و ذراعا بذراع حتى لو دخلوا في جحر ضبّ لاتّبعتموهم. فقالوا يا رسول اللّه اليهود و النصارى. قال فمن إذن.
و قوله صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و قد ذكرت عنده فتنة الدجّال ألا و إنّي لفتنة بعضكم أخوف منّي لفتنة الدجّال.
و قوله عليه السلام لأصحابه إنّكم لمحشورون يوم القيامة حفّاة عراة، و إنّه سيجاء برجال من أمّتي فيؤخذ بهم ذات الشمال فأقول يا ربّ أصحابي. فيقال إنّك لا تدري ما أحدثوا بعدك، إنّهم لم يزالوا مرتدّين على أعقابهم منذ فارقتهم.
و قوله عليه السلام في حجّة الوداع لأصحابه ألا لأخبرنّكم ترتدّون بعدي كفّارا يضرب بعضكم رقاب بعض، ألا إنّي قد شهدت و غبتم.
و قوله صلّى اللّه عليه و آله في مرضه الّذي توفي فيه أقبلت الفتن كقطع الليل المظلم يتبع آخرها أوّلها، الآخرة شرّ من الأولى.
و قوله صلّى اللّه عليه و آله يكون لأصحابي بعدي ذلّة يعمل بها قوم يكبّهم اللّه عزّ و جلّ في النار على مناخرهم.
و حدّثني من طريق العامّة عبد اللّه بن عثمان بن حماس بمدينة الرملة، عن أبي الحسن أحمد بن محبوب، عن أبي العباس محمد بن الحسن بن قتيبة العسقلاني، عن كثير بن عبد أبي الحسن الحذّاء، عن محمد بن حمير، عن مسلمة بن علي، عن عمر بن ذرّة، عن فلانة الحرمي، عن أبي مسلم الخولاني، عن أبي عبيدة بن الجرّاح، عن عمر بن الخطاب، قال أخذ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله بلحيتي و أنا أعرف الحزن في وجهه، فقال يا عمر إِنَّا لِلَّهِ وَ إِنَّا إِلَيْهِ راجِعُونَ، أتاني جبرئيل آنفا فقال إِنَّا لِلَّهِ وَ إِنَّا إِلَيْهِ راجِعُونَ، فقلت أجل، ف إِنَّا لِلَّهِ وَ إِنَّا إِلَيْهِ راجِعُونَ، فممّ ذاك يا جبرئيل. قال إنّ أمّتك مفتتنة بعدك بقليل من الدهر غير كثير. فقلت فتنة كفر أو فتنة ضلالة. قال كلّ سيكون. فقلت و من أين ذلك و أنا تارك فيهم كتاب اللّه. قال بكتاب اللّه يضلّون، و أوّل ذلك من قبل أمرائهم و قرّائهم، يمنع الأمراء الحقوق فيسأل الناس حقوقهم فلا يعطونها فيفتتنوا و يقتتلوا، و يتّبعوا القرّاء هوى الأمراء فيمدّونهم في الغيّ ثم لا يقصرون. فقلت يا جبرئيل فبم يسلم من يسلم منهم. قال بالكفّ و الصبر، إن أعطوا الذي لهم أخذوه و إن منعوه تركوه.
فهذا بعض ما ورد من الأخبار في أنّه كان بعد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله من ضلّ و أضلّ، و ظلم و غشم، و وجب... البراءة منه من فعله، فأمّا الوجه الذي يجب أن يحمل عليه ما تضمّنه الخبر الذي أوردناه من قوله )ص( و لعن آخر أمّتكم أوّلها، فهو ما استحلّه الظالمون المبغضون لأمير المؤمنين عليه السلام من لعنه و المجاهرة بسبّه و ذمّه. قلت فلسنا نشكّ في أنّه قد برئت منه الخوارج و لعنه معاوية و من بعده من بني أميّة على المنابر، و تقرّب أكثر الناس إلى ولاة الجور بذمّه، و نشأ أولادهم على سماع البراءة منه و سبّه.