1- عم، ]إعلام الورى[ قد ثبت بالدلالة القاطعة وجوب الإمامة في كل زمان لكونها لطفا في فعل الواجبات و الامتناع عن المقبحات فإنا نعلم ضرورة أن عند وجود الرئيس المهيب يكثر الصلاح من الناس و يقل الفساد و عند عدمه يكثر الفساد و يقل الصلاح منهم بل يجب ذلك عند ضعف أمره مع وجود عينه و ثبت أيضا وجوب كونه معصوما مقطوعا على عصمته لأن جهة الحاجة إلى هذا الرئيس هي ارتفاع العصمة عن الناس و جواز فعل القبيح منهم فإن كان هو غير معصوم وجب أن يكون محتاجا إلى رئيس آخر لأن علة الحاجة إليه قائمة فيه و الكلام في رئيسه كالكلام فيه فيؤدي إلى وجوب ما لا نهاية له من الأئمة أو الانتهاء إلى إمام معصوم و هو المطلوب فإذا ثبت وجوب عصمة الإمام و العصمة لا يمكن معرفتها إلا بإعلام الله سبحانه العالم بالسرائر و الضمائر و لا طريق إلى ذلك سواه فيجب النص من الله تعالى عليه على لسان نبي مؤيد بالمعجزات أو إظهار معجز دال على إمامته و إذا ثبت هذه الجملة القريبة التي لا يحتاج فيها إلى تدقيق كثير سبرنا أحوال الأمة بعد وفاة النبي ص فوجدناهم اختلفوا في الإمام بعده على أقوال ثلاثة فقالت الشيعة الإمام بعده أمير المؤمنين ع بالنص على إمامته و قالت العباسية الإمام بعده العباس بالنص أو الميراث و قال الباقون من الأمة الإمام بعده أبو بكر و كل من قال بإمامة أبي بكر و العباس أجمعوا على أنهما لم يكونا مقطوعا على عصمتهما فخرجا بذلك من الإمامة لما قدمناه فوجب أن يكون الإمام بعده أمير المؤمنين ع بالنص الحاصل من جهة الله سبحانه عليه و الإشارة إليه و إلا كان الحق خارجا عن أقوال جميع الأمة و ذلك غير جائز بالاتفاق بيننا و بين مخالفينا و هذا هو الدليل العقلي على كونه منصوصا عليه و أما الأدلة السمعية على ذلك فقد استوفاها أصحابنا رضي الله عنهم قديما و حديثا في كتبهم لا سيما ما ذكره سيدنا الأجل المرتضى علم الهدى ذو المجدين قدس الله روحه العزيز في كتاب الشافي في الإمامة فقد استولى على الأمد و غار في ذلك و أنجد و صوب و صعد و بلغ غاية الاستيفاء و الاستقصاء و أجاب عن شبه المخالفين التي عولوا على اعتمادها و اجتهدوا في إيرادها أحسن الله عن الدين و كافة المؤمنين جزاءه و نحن نذكر الكلام في ذلك على سبيل الاختصار و الإجمال دون البسط و الإكمال فنقول إن الذي يدل على أن النبي ص نص على أمير المؤمنين ع بالإمامة بعده بلا فصل و دل على فرض طاعته على كل مكلف قسمان أحدهما يرجع إلى الفعل و إن كان يدخل فيه أيضا القول و الآخر يرجع إلى القول فأما النص الدال على إمامته بالفعل و القول فهو أفعال نبينا ص المبينة لأمير المؤمنين من جميع الأمة الدالة على استحقاقه التعظيم و الإجلال و التقديم التي لم تحصل و لا بعضها لأحد سواه و
ذلك مثل إنكاحه ابنته الزهراء سيدة نساء العالمين و مواخاته إياه بنفسه و إنه لم يندبه لأمر مهم و لا بعثه في جيش قط إلى آخر عمره إلا كان هو الوالي عليه المقدم فيه و لم يول عليه أحدا من أصحابه و أقربيه و إنه لم ينقم عليه شيئا من أمره مع طول صحبته إياه و لا أنكر منه فعلا و لا استبطأه و لا استزاده في صغير من الأمور و لا كبير هذا مع كثرة ما عاتب سواه من أصحابه إما تصريحا و إما تلويحا و أما ما يجري في هذه الأفعال من الأقوال الصادرة عنه ص الدالة على تميزه ممن سواه المنبئة عن كمال عصمته و علو رتبته فكثيرة منها قوله يوم أحد و قد انهزم الناس و بقي علي ع يقاتل القوم حتى فض جمعهم و انهزموا فقال جبرئيل إن هذه لهي المواساة فقال ص لجبرئيل علي مني و أنا منه فقال جبرئيل و أنا منكما فأجراه مجرى نفسه كما جعله الله سبحانه نفس النبي في آية المباهلة بقوله وَ أَنْفُسَنا و منها قوله ص لبريدة يا بريدة لا تبغض عليا فإنه مني و أنا منه إن الناس خلقوا من أشجار شتى و خلقت أنا و علي من شجرة واحدة و منها قوله ص علي مع الحق و الحق مع علي يدور حيثما دار و منها ما اشتهرت به الرواية من حديث الطائر و قوله ص اللهم ائتني بأحب خلقك إليك يأكل معي من هذا الطائر فجاء علي ع و منها قوله ص لابنته الزهراء لما عيرتها نساء قريش بفقر علي أ ما ترضين يا فاطمة أني زوجتك أقدمهم سلما و أكثرهم علما إن الله عز و جل اطلع إلى أهل الأرض اطلاعة فاختار منهم أباك فجعله نبيا و اطلع عليهم ثانية فاختار منهم بعلك فجعله وصيا و أوحى إلي أن أنكحكه أ ما علمت يا فاطمة أنك بكرامة الله إياك زوجتك أعظمهم حلما و أكثرهم علما و أقدمهم سلما فضحكت فاطمة ع و استبشرت فقال رسول الله ص يا فاطمة إن لعلي ثمانية أضراس قواطع لم تجعل لأحد من الأولين و الآخرين هو أخي في الدنيا و الآخرة ليس ذلك لغيره من الناس و أنت يا فاطمة سيدة نساء أهل الجنة زوجته و سبطا الرحمة سبطاي ولده و أخوه المزين بالجناحين في الجنة يطير مع الملائكة حيث يشاء و عنده علم الأولين و الآخرين و هو أول من آمن بي و آخر الناس عهدا بي و هو وصيي و وارث الوصيين منها قوله ص فيه أنا مدينة العلم و علي بابها فمن أراد العلم فليأت الباب و ما رواه عبد الله بن مسعود أن رسول الله ص استدعى عليا ع فخلا به فلما خرج إلينا سألناه ما الذي عهد إليك قال علمني ألف باب من العلم فتح لي بكل باب ألف باب و منها أنه ص جعل محبته علما على الإيمان و بغضه علما على النفاق بقوله فيه لا يحبك إلا مؤمن و لا يبغضك إلا منافق و منها أنه ص جعل ولايته علما على طيب المولد و عداوته علما على خبث المولد بقوله بوروا أولادكم بحب علي بن أبي طالب فمن أحبه فاعلموا أنه لرشدة و من أبغضه فاعلموا أنه لغية رواه جابر بن عبد الله الأنصاري عنه و روى عنه أبو جعفر الباقر ع قال سمعت رسول الله ص يقول لعلي أ لا أسرك أ لا أمنحك أ لا أبشرك فقال بلى يا رسول الله قال خلقت أنا و أنت من طينة واحدة ففضلت منها فضلة فخلق الله منها شيعتنا فإذا كان يوم القيامة دعي الناس بأسماء أمهاتهم سوى شيعتنا فإنهم يدعون بأسماء آبائهم لطيب مولدهم و روي عن جابر أنه كان يدور في سكك الأنصار و يقول علي خير البشر فمن أبى فقد كفر معاشر الأنصار بوروا أولادكم بحب علي بن أبي طالب ع فمن أبى فانظروا في شأن أمه و روى ابن عباس أن النبي ص قال إذا كان يوم القيامة دعي الناس كلهم بأسماء أمهاتهم ما خلا شيعتنا فإنهم يدعون بأسماء آبائهم لطيب مواليدهم و منها أنه جعله و شيعته الفائزين بقوله رواه أنس بن مالك عنه ص يدخل
الجنة من أمتي سبعون ألفا لا حساب عليهم و لا عذاب ثم التفت إلى علي ع فقال هم شيعتك و أنت إمامهم و منها أنه ص سد الأبواب في المسجد إلا بابه ع روى أبو رافع قال خطب النبي ص فقال أيها الناس إن الله تعالى أمر موسى بن عمران أن يبني مسجدا طاهرا لا يسكنه إلا هو و هارون و ابنا هارون شبر و شبير و إن الله أمرني أن أبني مسجدا لا يسكنه إلا أنا و علي و الحسن و الحسين سدوا هذه الأبواب إلا باب علي فخرج حمزة يبكي فقال يا رسول الله أخرجت عمك و أسكنت ابن عمك فقال ما أنا أخرجتك و أسكنته و لكن الله أسكنه فقال بعض الصحابة و قيل هو أبو بكر دع لي كوة أنظر فيها قال لا و لا رأس إبرة و روى زيد بن أرقم عن سعد بن أبي وقاص قال سد رسول الله ص الأبواب إلا باب علي و إلى هذا أشار السيد الحميري في قصيدته المذهبة
صهر النبي و جاره في مسجد طهر بطيبة للرسول مطيبسيان فيه عليه غير مذمم ممشاه إن جنبا و إن لم يجنب
و أمثال ما ذكرناه من الأمثال و الأقوال الظاهرة التي جاءت به الأخبار المتظاهرة و لا يخالف فيها ولي و لا عدو كثيرة يطول الكتاب بذكرها و إنما شهدت هذه الأفعال و الأقوال باستحقاقه ع الإمامة و دلت على أنه ع أحق بمقام الرسول و أولى بالإمامة و الخلافة من جهة أنها إذا دلت على الفضل الأكيد و الاختصاص الشديد و علو الدرجة و كمال المرتبة علم ضرورة أنها أقوى الأسباب و الوصلات إلى أشرف الولايات لأن الظاهر في العقل أن من كان أبهر فضلا و أجل شأنا و أعلى في الدين مكانا فهو أولى بالتقديم و أحق بالتعظيم و الإمامة و خلافة الرسول هي أعلى منازل الدين بعد النبوة فمن كان أجل قدرا في الدين و أفضل و أشرف على اليقين و أثبت قدما و أوفر حظا فيه فهو أولى بها و من دل على ذلك من حاله دل على إمامته و لأن العادة قد جرت فيمن يرشح لجليل الولايات و يؤهل لعظيم الدرجات أن يصنع به بعض ما تقدم ذكره يبين ذلك أن بعض الملوك لو تابع بين أفعال و أقوال في بعض أصحابه طول عمره و ولايته تدل على فضل شديد و قرب منه في المودة و المخالصة و الاتحاد لكان عند أرباب العادات بهذه الأفعال مرشحا له لأفضل المنازل و أعلى المراتب بعده و دالا على استحقاقه لذلك و قد قال قوم من أصحابنا إن دلالة الفعل ربما كانت آكد من دلالة القول لأنها أبعد من الشبهة و أوضح في الحجة من حيث إن ما يختص بالفعل لا يدخله المجاز و لا يحتمل التأويل و أما القول فيحتمل ضروبا من التأويل و يدخله المجاز
2- يف، ]الطرائف[ و إني لأستطرف من الأربعة المذاهب إقدامهم تارة على ترك العمل بوصايا نبيهم محمد ص التي تضمنتها أخبارهم الصحاح المقدم ذكر بعضها و إقدامهم تارة أخرى على تقبيح ذكر نبيهم ص فيما نسبوه صلوات الله عليه و آله إلى إهمال رعيته و أنه توفي و تركهم بغير وصية بالكلية و قد روى مسلم في صحيحه في الجزء الثالث من الأجزاء الستة في الثلث الأخير منه في كتاب الفرائض بإسناده إلى ابن شهاب عن أبيه أنه سمع رسول الله ص قال ما حق امرئ مسلم له شيء يوصي فيه يبيت ثلاث ليال إلا و وصيته عنده مكتوبة و روي نحو ذلك من عدة طرق فكيف تقبل العقول أن النبي ص يقول ما لا يفعل و قد تضمن كتاب الله تعالى أَ تَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَ تَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ وَ أَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتابَ أَ فَلا تَعْقِلُونَ و قال الله تعالى عمن هو دون محمد ص من الأنبياء وَ ما أُرِيدُ أَنْ أُخالِفَكُمْ إِلى ما أَنْهاكُمْ عَنْهُ فكيف يأمر نبينا ص بالوصية و لو في الشيء اليسير و يتركها هو في الأمر الكبير و الجم الغفير لا سيما و قد رووا أن الله تعالى عرفه ما يحدث في أمته من الاختلاف العظيم و سيأتي أخبارهم ببعض ذلك في هذا الكتاب إن شاء الله تعالى ما هكذا تقتضي صفات السياسة المرضية و عموم الرحمة الإلهية و ثبوت الشفقة المحمدية و كيف يصدق عاقل أو جاهل أن محمدا ص يترك الأمة بأسرها كبيرها و صغيرها غنيها و فقيرها عالمها و جاهلها في ظلمة الحيرة و الاختلاف و الإهمال و الضلال و لقد أعاذه الله من هذه الحال و لقد نسبوه إلى غير صفاته الشريفة و ما عرفوا أو عرفوا و جحدوا حقوق ذاته المعظمة المنيفة و من الحوادث التي حدثت بطريق ذلك القول و بطريق يلزم الأربعة المذاهب في الإمامة بالاختيار من بعض الأمة أن الناس لما أرادوا دفع بني هاشم عن حقوقهم و مقام نبيهم و إطراح وصايا النبي ص بهم تعصب قوم لآل حرب و بني أمية و اختاروا منهم خلفاء و بايعوهم و تأسوا في ذلك على من جعل الخلافة بالاختيار فكان ذلك أيضا سبب وصول الخلافة إلى معاوية الذي قاتل خليفة المسلمين و وصي رسول رب العالمين و قاتل وجوه بني هاشم و الصحابة و التابعين و فعل ما فعل و كان ذلك أيضا سبب وصول الخلافة إلى يزيد بن معاوية الذي قتل في أول خلافته الحسين بن علي و ابن فاطمة بنت رسول الله ص ولد رسول الله و أحد سيدي شباب أهل الجنة و قد تقدم في رواياتهم من كتبهم الصحاح بعض ما أثبتوه من وصايا النبي ص فيه و في أخيه و أبيه و تعظيم الله لهم و دلالته عليهم ما لا حاجة إلى تكراره و بلغ يزيد بن معاوية إلى منع الحسين ع و حرمه على يد عمر بن سعد من شرب ماء الفرات و قتل خواصه و جماعة من أهل بيته ثم قتله ع بعده و نهب رحاله و سلب عياله و حمل رأسه على رماح أهل الإسلام و سير حرم رسول الله من العراق إلى الشام على الأقتاب مكشوفات الوجوه بين الأعداء و بين أهل الارتياب و أتبع يزيد ذلك بنهب مدينة الرسول ص فقد رووا في صحاحهم
في مسند أبي هريرة و غيره أن النبي ص لعن من يحدث في المدينة حدثا و جعلها حرما و كان ذلك النهب على يد مسلم بن عقبة نائبه الذي نفذه إليهم و سبى أهل المدينة و بايعهم على أنهم عبيد قن ليزيد بن معاوية و أباحها ثلاثة أيام حتى ذكر جماعة من أصحاب التواريخ أنه ولد منهم في تلك المدة أربعة آلاف مولود لا يعرف لهم أب و كان في المدينة وجوه بني هاشم و الصحابة و التابعين و حرم خلق عظيم من المسلمين و أتبع يزيد ذلك في وصيته لمسلم بن عقبة بإنفاذ الحصين بن نمير السكوني لقتال عبد الله بن الزبير بمكة فرمى الكعبة بخرق الحيض و الحجارة و هتك حرمة حرم الله تعالى و حرم رسوله ص و تجاهر بالفساد في العباد و البلاد و كان ذلك الاختيار سبب وصول الخلافة إلى سفهاء بني أمية و إلى هرب بني هاشم منهم خوفا على أنفسهم و إلى قتل الصالحين و الأخيار و إلى إحياء سنن الجبابرة و الأشرار حتى وصل الأمر إلى خلافة الوليد بن يزيد الزنديق الذي تفأل يوما من المصحف فخرج وَ اسْتَفْتَحُوا وَ خابَ كُلُّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ فرمى المصحف من يده و أمر أن يجعل هدفا و رماه بالنشاب و أنشد نظم
تهددني بجبار عنيد فها أنا ذاك جبار عنيدإذا ما جئت ربك يوم حشر فقل يا رب مزقني الوليد
و لو كان المسلمون قد قنعوا باختيار الله تعالى و رسوله لهم و ما نص النبي ص من تعيين الخلافة في عترته ما وقع هذا الخلل و الاختلاف في أمته و شريعته أقول ليس شأننا في هذا الكتاب ذكر الدلائل العقلية و البراهين الجلية و الخوض فيها فمن أراد ذلك فليرجع إلى كتاب الشافي و تقريب المعارف و غيرهما مما هو موضوع لذلك و نحن بحمد الله قد أوردنا من الأخبار ما في عشر من أعشاره كفاية لمن أراد الله هدايته و الله الموفق لكل خير