1- ج، ]الإحتجاج[ قال و مما يدل أيضا على تقديمهم و تعظيمهم على البشر أن الله تعالى دلنا على أن المعرفة بهم كالمعرفة به تعالى في أنها إيمان و إسلام و أن الجهل بهم و الشك فيهم كالجهل به و الشك فيه في أنه كفر و خروج من الإيمان و هذه منزلة ليس لأحد من البشر إلا لنبينا ص و بعده لأمير المؤمنين ع و الأئمة من ولده على جماعتهم السلام لأن المعرفة بنبوة الأنبياء المتقدمين من آدم ع إلى عيسى ع أجمعين غير واجبة علينا و لا تعلق لها بشيء من تكاليفنا و لو لا أن القرآن ورد بنبوة من سمي فيه من الأنبياء المتقدمين فعرفناهم تصديقا للقرآن و إلا فلا وجه لوجوب معرفتهم علينا و لا تعلق لها بشيء من أحوال تكليفنا و بقي علينا أن ندل على أن الأمر على ما ادعيناه و الذي يدل أن المعرفة بإمامة من ذكرناه ع من جملة الإيمان و أن الإخلال بها كفر و رجوع عن الإيمان إجماع الشيعة الإمامية على ذلك فإنهم لا يختلفون فيه و إجماعهم حجة بدلالة أن قول الحجة المعصوم الذي قد دلت العقول على وجوده في كل زمان في جملتهم و في زمرتهم و قد دللنا على هذه الطريقة في مواضع كثيرة من كتبنا و استوفيناها في جواب التبانيات خاصة و في كتاب نصرة ما انفردت به الشيعة الإمامية من المسائل الفقهية فإن هذا الكتاب مبني على صحة هذا الأصل و يمكن أن يستدل على وجوب المعرفة بهم ع بإجماع الأمة مضافا إلى ما بيناه من إجماع الإمامية و ذلك أن جميع أصحاب الشافعي يذهبون إلى أن الصلاة على نبينا ص في التشهد الأخير فرض واجب و ركن من أركان الصلاة من أخل به فلا صلاة له و أكثرهم يقول إن الصلاة في هذا التشهد على آل النبي عليهم الصلوات في الوجوب و اللزوم و وقوف أجزاء الصلاة عليها كالصلاة على النبي ص و الباقون منهم يذهبون إلى أن الصلاة على الآل مستحبة و ليست بواجبة فعلى القول الأول لا بد لكل من وجبت عليه الصلاة من معرفتهم من حيث كان واجبا عليه الصلاة عليهم فإن الصلاة عليهم فرع على المعرفة بهم و من ذهب إلى أن ذلك مستحب فهو من جملة العبادة و إن كان مسنونا مستحبا و التعبد به يقتضي التعبد بما لا يتم إلا به من المعرفة و من عدا أصحاب الشافعي لا ينكرون أن الصلاة على النبي و آله في التشهد مستحبة و أي شبهة تبقى مع هذا في أنهم ع أفضل الناس و أجلهم و ذكرهم واجب في الصلاة و عند أكثر الأمة من الشيعة الإمامية و جمهور أصحاب الشافعي أن الصلاة تبطل بتركه و هل مثل هذه الفضيلة لمخلوق سواهم أو تتعداهم و مما يمكن الاستدلال به على ذلك أن الله تعالى قد ألهم جميع القلوب و غرس في كل النفوس تعظيم شأنهم و إجلال قدرهم على تباين مذاهبهم و اختلاف دياناتهم و نحلهم و ما اجتمع هؤلاء المختلفون المتباينون مع تشتت الأهواء و تشعب الآراء على شيء كإجماعهم على تعظيم من ذكرناه و إكبارهم أنهم يزورون قبورهم و يقصدون من شاحط البلاد و شاطئها مشاهدهم و مدافنهم و المواضع التي وسمت بصلاتهم فيها و حلولهم بها و ينفقون في ذلك الأموال و يستنفدون الأحوال فقد أخبرني من لا أحصيه كثرة أن أهل نيسابور و من والاها من تلك البلدان يخرجون في كل سنة إلى طوس لزيارة الإمام أبي الحسن علي بن موسى الرضا صلوات الله عليهما بالجمال الكثيرة و الأهبة التي لا توجد مثلها إلا للحج إلى بيت الله و هذا مع المعروف من انحراف أهل خراسان عن هذه الجهة و ازورارهم عن هذا الشعب و ما تسخير هذه القلوب القاسية و عطف هذه الأمم البائنة إلا كالخارق للعادات و الخارج عن الأمور المألوفات و إلا فما الحامل للمخالفين لهذه النحلة المنحازين عن هذه الجملة على أن يراوحوا هذه المشاهد و يغادوها و يستنزلوا عندها من الله تعالى الأرزاق و يستفتحوا الأغلال و يطلبوا ببركاتها الحاجات
و يستدفعوا البليات و الأحوال الظاهرة كلها لا توجب ذلك و لا تقتضيه و لا تستدعيه و إلا فعلوا ذلك فيمن يعتقدونهم و أكثرهم يعتقدون إمامته و فرض طاعته و إنه في الديانة موافق لهم غير مخالف و مساعد غير معاند و من المحال أن يكونوا فعلوا ذلك لداع من دواعي الدنيا فإن الدنيا عند غير هذه الطائفة موجودة و عندها هي مفقودة و لا لتقية و استصلاح فإن التقية هي فيهم لا منهم و لا خوف من جهتهم و لا سلطان لهم و كل خوف إنما هو عليهم فلم يبق إلا داعي الدين و ذلك هو الأمر الغريب العجيب الذي لا ينفذ في مثله إلا مشية الله و قدرة القهار التي تذلل الصعاب و تقود بأزمتها الرقاب و ليس لمن جهل هذه المزية أو تجاهلها و تعامى عنها و هو يبصرها أن يقول إن العلة في تعظيم غير فرق الشيعة لهؤلاء القوم ليست ما عظمتموه و فخمتموه و ادعيتم خرقه للعادة و خروجه من الطبيعة بل هي لأن هؤلاء القوم من عترة النبي ص و كل من عظم النبي ص فلا بد من أن يكون لعترته و أهل بيته معظما مكرما و إذا انضاف إلى القرابة الزهد و هجر الدنيا و العفة و العلم زاد الإجلال و الإكرام لزيادة أسبابهما و الجواب عن هذه الشبهة الضعيفة إن شارك أئمتنا ع في حسبهم و نسبهم و قراباتهم من النبي ص غيرهم و كانت لكثير منهم عبادات ظاهرة و زهادة في الدنيا بادية و سمات جميلة و صفات حسنة من ولد أبيهم عليه و آله السلام و من ولد العباس رضوان الله عليه فما رأينا من الإجماع على تعظيمهم و زيارة مدافنهم و الاستشفاع بهم في الأغراض و الاستدفاع بمكانهم للأعراض و الأمراض و ما وجدنا مشاهدا معاينا في هذا الشراك ألا فمن ذا الذي أجمع على فرط إعظامه و إجلاله من سائر صنوف العترة في هذه الحالة يجري مجرى الباقر و الصادق و الكاظم و الرضا صلوات الله عليهم أجمعين لأن من عدا من ذكرناه من صلحاء العترة و زهادها ممن يعظمه فريق من الأمة و يعرض عنه فريق و من عظمه منهم و قدمه لا ينتهي في الإجلال و الإعظام إلى الغاية التي ينتهي إليها من ذكرناه و لو لا أن تفصيل هذه الجملة ملحوظ معلوم لفصلناها على طول ذلك و لأسمينا من كنينا عنه و نظرنا بين كل معظم مقدم من العترة ليعلم أن الذي ذكرناه هو الحق الواضح و ما عداه هو الباطل الماضح و بعد فمعلوم ضرورة أن الباقر و الصادق و من وليهما من الأئمة صلوات الله عليهم أجمعين كانوا في الديانة و الاعتقاد و ما يفتون من حلال و حرام على خلاف ما يذهب إليه مخالفو الإمامية و إن ظهر شك في ذلك كله فلا شك و لا شبهة على منصف في أنهم لم يكونوا على مذهب الفرقة المختلفة المجتمعة على تعظيمهم و التقرب إلى الله تعالى بهم و كيف يعترض ريب فيما ذكرناه و معلوم ضرورة أن شيوخ الإمامية و سلفهم في تلك الأزمان كانوا بطانة للصادق و الكاظم و الباقر ع و ملازمين لهم و متمسكين
بهم و مظهرين أن كل شيء يعتقدونه و ينتحلونه و يصححونه أو يبطلونه فعنهم تلقوه و منهم أخذوه فلو لم يكونوا عنهم بذلك راضين و عليه مقرين لأبوا عليهم نسبة تلك المذاهب إليهم و هم منها بريئون خليون و لنفوا ما بينهم من مواصلة و مجالسة و ملازمة و موالاة و مصافاة و مدح و إطراء و ثناء و لأبدلوه بالذم و اللوم و البراءة و العداوة فلو لم يكونوا ع لهذه المذاهب معتقدين و بها راضين لبان لنا و اتضح و لو لم يكن إلا هذه الدلالة لكفت و أغنت و كيف يطيب قلب عاقل أو يسوغ في الدين لأحد أن يعظم في الدين من هو على خلاف ما يعتقد أنه الحق و ما سواه باطل ثم ينتهي في التعظيمات و الكرامات إلى أبعد الغايات و أقصى النهايات و هل جرت بمثل هذا عادة أو مضت عليه سنة أ و لا يرون أن الإمامية لا تلتفت إلى من خالفها من العترة و حاد عن جادتها في الديانة و محجتها في الولاية و لا تسمح له بشيء من المدح و التعظيم فضلا عن غايته و أقصى نهايته بل تتبرأ منه و تعاديه و تجريه في جميع الأحكام مجرى من لا نسب له و لا حسب له و لا قرابة و لا علقة و هذا يوقظ على أن الله خرق في هذه العصابة العادات و قلب الجبلات ليبين من عظيم منزلتهم و شريف مرتبتهم و هذه فضيلة تزيد على الفضائل و تربي على جميع الخصائص و المناقب و كفى بها برهانا لائحا و ميزانا راجحا وَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ