ج عن عامر الشعبي، عن عروة بن الزبير، عن الزبير بن العوام قال لمّا قال المنافقون إنّ أبا بكر تقدّم عليا و هو يقول أنا أولى بالمكان منه. قام أبو بكر خطيبا فقال صبرا على من ليس يئول إلى دين، و لا يحتجب برعاية، و لا يرعوي لولاية، أظهّر الإيمان ذلّة، و أسرّ النفاق علّة، هؤلاء عصبة الشيطان، و جمع الطغيان.. تزعمون أنّي أقول إنّي أفضل من عليّ، و كيف أقول ذلك و ما لي سابقته و لا قرابته و لا خصوصيته، وحد اللّه و أنا ملحده، و عبده قبل أن أعبده، و والى الرسول و أنا عدوّه، و سبقني بساعات لو تقطعت لم ألحق ثناءه، و لم أقطع غباره. إنّ عليّ بن أبي طالب فاز و اللّه من اللّه بمحبّته، و من الرسول بقربة، و من الإيمان برتبة، لو جهد الأوّلون و الآخرون إلّا النبيّين لم يبلغوا درجته، و لم يسلكوا منهجه. بذل للّه مهجته، و لابن عمّه مودّته، كاشف الكرب، و دافع الريب، و قاطع السبب إلّا سبب الرشاد، و قامع الشرك، و مظهر ما تحت سويداء حبّة النفاق، مجنة هذا العالم، لحق قبل أن يلاحق، و برز قبل أن يسابق، جمع العلم و الحلم و الفهم، فكأنّ جميع الخيرات كانت لقلبه كنوزا، لا يدخر منها مثقال ذرة إلّا أنفقه في بابه. فمن ذا يأمل أن ينال درجته و قد جعله اللّه و رسوله للمؤمنين وليّا، و للنبيّ وصيّا، و للخلافة واعيا، و بالإمامة قائما أ فيغتر الجاهل بمقام قمته إذ أقامني و أطعته إذ أمرني سمعت رسول اللّه يقول الحقّ مع عليّ و عليّ مع الحق، من أطاع عليّا رشد، و من عصى عليّا فسد، و من أحبّه سعد، و من أبغضه شقي. و اللّه لو لم نحبّ ابن أبي طالب إلّا لأجل أنّه لم يواقع للّه محرما، و لا عبد من دونه صنما، و لحاجة الناس إليه بعد نبيهم، لكان في ذلك ما يجب. فكيف لأسباب أقلّها موجب، و أهونها مرغب له الرحم الماسّة بالرسول، و العلم بالدقيق و الجليل، و الرضا بالصبر الجميل، و المواساة في الكثير و القليل، و خلال لا يبلغ عدّها، و لا يدرك مجدها. ودّ المتمنون أن لو كانوا تراب ابن أبي طالب، أ ليس هو صاحب لواء الحمد، و الساقي يوم الورود، و جامع كلّ كرم، و عالم كلّ علم، و الوسيلة إلى اللّه و إلى رسوله
بيان قوله لم ألحق ثناءه، كذا في بعض النسخ، أي لا أطيق أن أثنى عليه كما هو أهله، و في بعضها شأوه و هو الغاية و الأمد و السّبق، يقال شأوت القوم شأوا، أي سبقتهم، و في بعضها شاره، و لعله من الشارة، و هي الهيئة الحسنة و الحسن و الجمال و الزّينة، و لا يبعد أن يكون في الأصل ناره، لاستقامة السجع و بلاغة المعنى. و أما قوله و لم أقطع غباره، فهو مثل، يقال فلان ما يشقّ غباره إذا سبق غيره في الفضل، أي لا يلحق أحد غباره فيشقّه، كما هو المعروف في المثل بين العجم أو ليس له غبار لسرعته، و اختار الميداني الأخير، حيث قال يريد أنّه لا غبار له فيشقّ، و ذلك لسرعة عدوه و خفّة وطئه، و قال
مواقع وطئه فلو أنّه يجزي برملة عالج لم يرهج
و قال النابغة
أعلمت يوم عكاظ حين لقيتني تحت العجاج فما شققت غباري
يضرب لمن لا يجارى، لأنّ مجاريك يكون معك في الغبار، فكأنّه قال لا قرن له يجاريه. و قال الجوهري سواد القلب و سويداؤه حبّته.