الآيات البقرة قال الله تعالى وَ لَقَدْ عَلِمْتُمُ الَّذِينَ اعْتَدَوْا مِنْكُمْ فِي السَّبْتِ فَقُلْنا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خاسِئِينَ فَجَعَلْناها نَكالًا لِما بَيْنَ يَدَيْها وَ ما خَلْفَها وَ مَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ النساء أَوْ نَلْعَنَهُمْ كَما لَعَنَّا أَصْحابَ السَّبْتِ و قال تعالى قُلْنا لَهُمْ لا تَعْدُوا فِي السَّبْتِ وَ أَخَذْنا مِنْهُمْ مِيثاقاً غَلِيظاً أعراف وَ سْئَلْهُمْ عَنِ الْقَرْيَةِ الَّتِي كانَتْ حاضِرَةَ الْبَحْرِ إِذْ يَعْدُونَ فِي السَّبْتِ إِذْ تَأْتِيهِمْ حِيتانُهُمْ يَوْمَ سَبْتِهِمْ شُرَّعاً وَ يَوْمَ لا يَسْبِتُونَ لا تَأْتِيهِمْ كَذلِكَ نَبْلُوهُمْ بِما كانُوا يَفْسُقُونَ وَ إِذْ قالَتْ أُمَّةٌ مِنْهُمْ لِمَ تَعِظُونَ قَوْماً اللَّهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذاباً شَدِيداً قالُوا مَعْذِرَةً إِلى رَبِّكُمْ وَ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ فَلَمَّا نَسُوا ما ذُكِّرُوا بِهِ أَنْجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ وَ أَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُوا بِعَذابٍ بَئِيسٍ بِما كانُوا يَفْسُقُونَ فَلَمَّا عَتَوْا عَنْ ما نُهُوا عَنْهُ قُلْنا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خاسِئِينَ النحل 124- إِنَّما جُعِلَ السَّبْتُ عَلَى الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ وَ إِنَّ رَبَّكَ لَيَحْكُمُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ فِيما كانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ تفسير قيل المعنى إنما جعل السبت لعنة و مسخا على الذين اختلفوا فيه فحرموه ثم استحلوه فمسخهم و قيل أي إنما فرض تعظيم السبت على الذين اختلفوا في أمر الجمعة و هم اليهود و كانوا قد أمروا بتعظيم الجمعة فعدلوا عما أمروا به و قيل المختلفون هم اليهود و النصارى قال بعضهم السبت أعظم الأيام لأنه سبحانه فرغ فيه من خلق الأشياء و قال آخرون بل الأحد أعظم لأنه ابتدأ خلق الأشياء فيه و يؤيد الوسط ما سيأتي من الخبر
-1 ع، ]علل الشرائع[ أبي عن سعد عن ابن عيسى عن عبد الله بن محمد الحجال عن علي بن عقبة عن رجل عن أبي عبد الله ع قال إن اليهود أمروا بالإمساك يوم الجمعة فتركوا يوم الجمعة و أمسكوا يوم السبت فحرم عليهم الصيد يوم السبت
شي، ]تفسير العياشي[ عن علي بن عقبة مثله
2- فس، ]تفسير القمي[ إن أصحاب السبت قد كان أملى الله لهم حتى أثروا و قالوا إن السبت لنا حلال و إنما كان حرم على أولينا و كانوا يعاقبون على استحلالهم السبت فأما نحن فليس علينا حرام و ما زلنا بخير منذ استحللنا و قد كثرت أموالنا و صحت أبداننا ثم أخذهم الله ليلا و هم غافلون
3- كا، ]الكافي[ الحسين بن محمد عن معلى بن محمد عن محمد بن علي الهمداني عن سماعة بن مهران عن الكلبي النسابة قال سألت أبا عبد الله ع عن الجري فقال إن الله عز و جل مسخ طائفة من بني إسرائيل فما أخذ منهم بحرا فهو الجري و الزمير و المارماهي و ما سوى ذلك و ما أخذ منهم برا فالقردة و الخنازير و الوبر و الورل و ما سوى ذلك
بيان قال الجوهري الورل دابة مثل الضب
4- كا، ]الكافي[ علي بن محمد عن بعض أصحابه عن آدم بن إسحاق عن عبد الرزاق بن مهران عن الحسين بن ميمون عن محمد بن سالم عن أبي جعفر ع في حديث طويل قال فلما استجاب لكل نبي من استجاب له من قومه من المؤمنين جعل لكل نبي منهم شرعة و منهاجا و الشرعة و المنهاج سبيل و سنة و كان من السبيل و السنة التي أمر الله عز و جل بها موسى أن جعل عليهم السبت و كان من أعظم السبت و لم يستحل أن يفعل ذلك من خشية الله من قوم ثمود سبقت الحيتان إليهم يوم السبت أدخلها الله الجنة و من استخف بحقه و استحل ما حرم الله عليه من العمل الذي نهى الله عنه فيه أدخله الله عز و جل النار و ذلك حيث استحلوا الحيتان و احتبسوها و أكلوها يوم السبت غضب الله عليهم من غير أن يكون أشركوا بالرحمن و لا شكوا في شيء مما جاء به موسى ع قال الله عز و جل وَ لَقَدْ عَلِمْتُمُ الَّذِينَ اعْتَدَوْا مِنْكُمْ فِي السَّبْتِ فَقُلْنا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خاسِئِينَ الخبر
5- فس، ]تفسير القمي[ وَ سْئَلْهُمْ عَنِ الْقَرْيَةِ الَّتِي كانَتْ حاضِرَةَ الْبَحْرِ إِذْ يَعْدُونَ فِي السَّبْتِ إِذْ تَأْتِيهِمْ حِيتانُهُمْ يَوْمَ سَبْتِهِمْ شُرَّعاً وَ يَوْمَ لا يَسْبِتُونَ لا تَأْتِيهِمْ فإنها قرية كانت لبني إسرائيل قريبة من البحر و كان الماء يجري عليها في المد و الجزر فيدخل أنهارهم و زروعهم و يخرج السمك من البحر حتى يبلغ آخر زروعهم و قد كان الله حرم عليهم الصيد يوم السبت فكانوا يضعون الشباك في الأنهار ليلة الأحد و يصيدون بها السمك و كان السمك يخرج يوم السبت و يوم الأحد لا يخرج و هو قوله إِذْ تَأْتِيهِمْ حِيتانُهُمْ يَوْمَ سَبْتِهِمْ شُرَّعاً وَ يَوْمَ لا يَسْبِتُونَ لا تَأْتِيهِمْ فنهاهم علماؤهم عن ذلك فلم ينتهوا فمسخوا قردة و خنازير و كان العلة في تحريم الصيد عليهم يوم السبت أن عيد جميع المسلمين و غيرهم كان يوم الجمعة فخالف اليهود و قالوا عيدنا السبت فحرم الله عليهم الصيد يوم السبت و مسخوا قردة و خنازير
حدثني أبي عن الحسن بن محبوب عن علي بن رئاب عن أبي عبيدة عن أبي جعفر ع قال وجدنا في كتاب علي ع أن قوما من أهل أبلة من قوم ثمود و أن الحيتان كانت سبقت إليهم يوم السبت ليختبر الله طاعتهم في ذلك فشرعت إليهم يوم سبتهم في ناديهم و قدام أبوابهم في أنهارهم و سواقيهم فبادروا إليها فأخذوا يصطادونها و لبثوا في ذلك ما شاء الله لا ينهاهم عنها الأحبار و لا يمنعهم العلماء من صيدها ثم إن الشيطان أوحى إلى طائفة منهم إنما نهيتم عن أكلها يوم السبت و لم تنهوا عن صيدها فاصطادوا يوم السبت و كلوها فيما سوى ذلك من الأيام فقالت طائفة منهم الآن نصطادها فعتت و انحازت طائفة أخرى منهم ذات اليمين فقالوا ننهاهم عن عقوبة الله أن تتعرضوا بخلاف أمره و اعتزلت طائفة منهم ذات اليسار فتنكبت فلم تعظهم فقالت للطائفة التي وعظتهم لِمَ تَعِظُونَ قَوْماً اللَّهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذاباً شَدِيداً فقالت الطائفة التي وعظتهم مَعْذِرَةً إِلى رَبِّكُمْ وَ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ قال فقال الله عز و جل فَلَمَّا نَسُوا ما ذُكِّرُوا بِهِ يعني لما تركوا ما وعظوا به و مضوا على الخطيئة فقالت الطائفة التي وعظتهم لا و الله لا نجامعكم و لا نبايتكم الليلة في مدينتكم هذه التي عصيتم الله فيها مخافة أن ينزل بكم البلاء فيعمنا معكم قال فخرجوا عنهم من المدينة مخافة أن يصيبهم البلاء فنزلوا قريبا من المدينة فباتوا تحت السماء فلما أصبح أولياء الله المطيعون لأمر الله غدوا لينظروا ما حال أهل المعصية فأتوا باب المدينة فإذا هو مصمت فدقوه فلم يجابوا و لم يسمعوا منها حس أحد فوضعوا سلما على سور المدينة ثم أصعدوا رجلا منهم فأشرف على المدينة فنظر فإذا هو بالقوم قردة يتعاوون فقال الرجل لأصحابه يا قوم أرى و الله عجبا قالوا و ما ترى قال أرى القوم قد صاروا قردة يتعاوون لها أذناب فكسروا الباب قال فعرفت القردة أنسابها من الإنس و لم تعرف الإنس أنسابها من القردة فقال القوم للقردة أ لم ننهكم فقال علي ع و الله الذي فلق الحبة و برأ النسمة إني لأعرف أنسابها من هذه الأمة لا ينكرون و لا يغيرون بل تركوا ما أمروا به فتفرقوا و قد قال الله تعالى فَبُعْداً لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ فقال الله أَنْجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ وَ أَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُوا بِعَذابٍ بَئِيسٍ بِما كانُوا يَفْسُقُونَ
توضيح قوله ليلة الأحد أي لئلا يرجع ما أتاهم يوم السبت لكنه مخالف لسائر الروايات و السير و الظاهر أن فيه سقطا و لعله كان هكذا ليلة السبت و يصطادون يوم الأحد قوله ع إني لأعرف أنسابها أي أشباهها مجازا أي أعرف جماعة من هذه الأمة أشباه الطائفة الذين لم ينهوا عن المنكر حتى مسخوا و يحتمل أن يكون سماهم أنسابهم لتناسب طيناتهم و لا يبعد أن يكون في الأصل أشباههم و يمكن إرجاع الضمير إلى هذه الأمة لكنه أبعد و أشد تكلفا. أقول قال السيد ابن طاوس رأيت في تفسير أبي العباس بن عقدة أنه روى عن علي بن الحسن عن عمرو بن عثمان عن الحسن بن محبوب عن علي بن رئاب عن أبي عبيدة عن أبي جعفر ع مثله
ثم قال إني وجدت في نسخة حديث غير هذا إنهم كانوا ثلاث فرق فرقة باشرت المنكر و فرقة أنكرت عليهم و فرقة داهنت أهل المعاصي فلم تنكر و لم تباشر المعصية فنجى الله الذين أنكروا و جعل الفرقة المداهنة ذرا و مسخ الفرقة المباشرة للمنكر قردة ثم قال و لعل مسخ المداهنة ذرا لتصغيرهم عظمة الله و تهوينهم بحرمة الله فصغرهم الله
ص، ]قصص الأنبياء عليهم السلام[ بالإسناد عن الصدوق عن ابن المتوكل عن الحميري عن ابن عيسى عن ابن محبوب عن ابن رئاب عن أبي عبيدة مثله مع اختصار شي، ]تفسير العياشي[ عن أبي عبيدة مثله
6- كا، ]الكافي[ العدة عن سهل عن عمرو بن عثمان عن عبد الله بن المغيرة عن طلحة بن زيد عن أبي عبد الله ع في قوله تعالى فَلَمَّا نَسُوا ما ذُكِّرُوا بِهِ أَنْجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ فقال كانوا ثلاثة أصناف صنف ائتمروا و أمروا فنجوا و صنف ائتمروا و لم يأمروا فمسخوا ذرا و صنف لم يأتمروا و لم يأمروا فهلكوا
بيان لعل المراد بهلاكهم صيرورتهم قردة
7- ص، ]قصص الأنبياء عليهم السلام[ بهذا الإسناد عن أبي عبيدة عن أبي عبد الله ع في قوله تعالى لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرائِيلَ عَلى لِسانِ داوُدَ وَ عِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ فقال الخنازير على لسان داود ع و القردة على لسان عيسى ع و قال إن اليهود أمروا بالإمساك يوم الجمعة فتركوا و أمسكوا يوم السبت فحرم عليهم الصيد يوم السبت فعمد رجال من سفهاء القرية فأخذوا من الحيتان ليلة السبت و باعوا و لم ينزل بهم عقوبة فاستبشروا و فعلوا ذلك سنين فوعظهم طوائف فلم يسمعوا و قالوا لِمَ تَعِظُونَ قَوْماً اللَّهُ مُهْلِكُهُمْ فأصبحوا قردة خاسئين
8- شي، ]تفسير العياشي[ عن عبد الصمد بن برار قال سمعت أبا الحسن ع يقول كانت القردة هم اليهود الذين اعتدوا في السبت فمسخهم الله قرودا
9- شي، ]تفسير العياشي[ عن زرارة عن أبي جعفر و أبي عبد الله ع في قوله فَجَعَلْناها نَكالًا لِما بَيْنَ يَدَيْها وَ ما خَلْفَها وَ مَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ قال لما معها ينظر إليها من أهل القرى و لما خلفها قال نحن و لنا فيها موعظة
بيان هذا أحد الوجوه التي ذكرت في تفسير الآية مرويا عن ابن عباس و غيره و قيل أي عقوبة للذنوب التي تقدمت على الاصطياد و الذنوب التي تأخرت عنه و قيل لما بين يديها من القرى و ما خلفها من القرى و سيأتي تأويل آخر عن العسكري ع
10- شي، ]تفسير العياشي[ عن الأصبغ بن نباتة عن علي بن أبي طالب ع قال كانت مدينة حاضرة البحر فقالوا لنبيهم إن كان صادقا فليحولنا ربنا جريثا فإذا المدينة في وسط البحر قد غرقت من الليل و إذا كل رجل منهم مسوخا جريثا يدخل الراكب في فيها
11- شي، ]تفسير العياشي[ عن هارون بن عبد العزيز رفعه إلى أحدهم ع قال جاء قوم إلى أمير المؤمنين ع بالكوفة و قالوا له يا أمير المؤمنين إن هذه الجراري تباع في أسواقنا قال فتبسم أمير المؤمنين ع ضاحكا ثم قال قوموا لأريكم عجبا و لا تقولوا في وصيكم إلا خيرا فقاموا معه فأتوا شاطئ الفرات فتفل فيه تفلة و تكلم بكلمات فإذا بجريثة رافعة رأسها فاتحة فاها فقال له أمير المؤمنين ع من أنت الويل لك و لقومك فقال نحن من أهل القرية التي كانت حاضرة البحر إذ يقول الله في كتابه إِذْ تَأْتِيهِمْ حِيتانُهُمْ يَوْمَ سَبْتِهِمْ شُرَّعاً الآية فعرض الله علينا ولايتك فقعدنا عنها فمسخنا الله فبعضنا في البر و بعضنا في البحر فأما الذين في البحر فنحن الجراري و أما الذين في البر فالضب و اليربوع قال ثم التفت أمير المؤمنين إلينا فقال أ سمعتم مقالتها قلنا اللهم نعم قال و الذي بعث محمدا بالنبوة لتحيض كما تحيض نساؤكم
12- فس، ]تفسير القمي[ في رواية أبي الجارود عن أبي جعفر ع في قوله إِنَّما جُعِلَ السَّبْتُ عَلَى الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ الآية و ذلك أن موسى أمر قومه أن يتفرغوا لله في كل سبعة أيام يوما يجعله الله عليهم و هم الذين اختلفوا فيه
13- م، ]تفسير الإمام عليه السلام[ قال الله تعالى وَ لَقَدْ عَلِمْتُمُ الَّذِينَ اعْتَدَوْا مِنْكُمْ فِي السَّبْتِ لما اصطادوا السمك فيه فَقُلْنا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خاسِئِينَ مبعدين عن كل خير فَجَعَلْناها تلك المسخة التي أخزيناهم و لعناهم بها نَكالًا عقابا و ردعا لِما بَيْنَ يَدَيْها بين يدي المسخة من ذنوبهم الموبقات التي استحقوا بها العقوبات وَ ما خَلْفَها للقوم الذين شاهدوهم بعد مسخهم يرتدعون عن مثل أفعالهم لما شاهدوا ما حل بهم من عقابنا وَ مَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ الذين يتعظون بها فيفارقون المخزيات و يعظون بها الناس و يحذرونهم المرديات
و قال علي بن الحسين ع كان هؤلاء قوما يسكنون على شاطئ بحر نهاهم الله و أنبياؤه عن اصطياد السمك في يوم السبت فتوسلوا إلى حيلة ليحلوا بها لأنفسهم ما حرم الله فخدوا أخاديد و عملوا طرقا تؤدي إلى حياض يتهيأ للحيتان الدخول فيها من تلك الطرق و لا يتهيأ لها الخروج إذا همت بالرجوع فجاءت الحيتان يوم السبت جارية على أمان الله لها فدخلت في الأخاديد و حصلت في الحياض و الغدران فلما كانت عشية اليوم همت بالرجوع منها إلى اللجج لتأمن صائدها فرامت الرجوع فلم تقدروا فبقيت ليلتها في مكان يتهيأ أخذها بلا اصطياد لاسترسالها فيه و عجزها عن الامتناع لمنع المكان لها فكانوا يأخذونها يوم الأحد و يقولون ما اصطدنا في السبت و إنما اصطدنا في الأحد و كذب أعداء الله بل كانوا آخذين لها بأخاديدهم التي عملوها يوم السبت حتى كثر من ذلك مالهم و ثراؤهم و تنعموا بالنساء و غيرهن لاتساع أيديهم به فكانوا في المدينة نيفا و ثمانين ألفا فعل هذا منهم سبعون ألفا و أنكر عليهم الباقون كما نص الله تعالى وَ سْئَلْهُمْ عَنِ الْقَرْيَةِ الَّتِي كانَتْ حاضِرَةَ الْبَحْرِ إِذْ يَعْدُونَ فِي السَّبْتِ الآية و ذلك أن طائفة منهم وعظوهم و زجروهم عذاب الله و خوفوهم من انتقامه و شديد بأسه و حذروهم فأجابوهم عن وعظهم لِمَ تَعِظُونَ قَوْماً اللَّهُ مُهْلِكُهُمْ بذنوبهم هلاك الاصطلام أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذاباً شَدِيداً فأجابوا القائلين هذا لهم مَعْذِرَةً إِلى رَبِّكُمْ هذا القول منا لهم معذرة إلى ربكم إذ كلفنا الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر فنحن ننهى عن المنكر ليعلم ربنا مخالفتنا لهم و كراهتنا لفعلهم قالوا وَ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ و نعظهم أيضا لعلهم تنجع فيهم المواعظ فيتقوا هذه الموبقة و يحذروا عقوبتها قال الله تعالى فَلَمَّا عَتَوْا حادوا و أعرضوا و تكبروا عن قبولهم الزجر عَنْ ما نُهُوا عَنْهُ قُلْنا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خاسِئِينَ مبعدين عن الخير مقصين قال فلما نظر العشرة آلاف و النيف أن السبعين ألفا لا يقبلون مواعظهم و لا يحفلون بتخويفهم إياهم و تحذيرهم لهم اعتزلوهم إلى قرية أخرى قريبة من قريتهم و قالوا إنا نكره أن ينزل بهم عذاب الله و نحن في خلالهم فأمسوا ليلة فمسخهم الله كلهم قردة و بقي باب المدينة مغلقا لا يخرج منهم أحد و لا يدخل عليهم أحد و تسامع بذلك أهل القرى فقصدوهم و تسنموا حيطان البلد فاطلعوا عليهم فإذا كلهم رجالهم و نساؤهم قردة يموج بعضهم في بعض يعرف هؤلاء الناظرون معارفهم و قراباتهم و خلطاءهم يقول المطلع لبعضهم أنت فلان أنت فلان فتدمع عينه و يومئ برأسه أن نعم فما زالوا كذلك ثلاثة أيام ثم بعث الله عليهم مطرا و ريحا فجرفتهم إلى البحر و ما بقي مسخ بعد ثلاثة أيام و أما الذين ترون من هذه المصورات بصورها فإنما هي أشباهها لا هي بأعيانها و لا من نسلها ثم قال علي بن الحسين ع إن الله مسخ هؤلاء لاصطيادهم السمك فكيف ترى عند الله عز و جل حال من قتل أولاد رسول الله و هتك حرمته إن الله تعالى و إن لم يمسخهم في الدنيا فإن المعد لهم من عذاب الآخرة أضعاف عذاب المسخ ثم قال ع أما إن هؤلاء الذين اعتدوا في السبت لو كانوا حين هموا بقبيح فعالهم سألوا ربهم بجاه محمد و آله الطيبين أن يعصمهم من ذلك لعصمهم و كذلك الناهون لهم لو سألوا الله عز و جل أن يعصمهم بجاه محمد و آله الطيبين لعصمهم و لكن الله عز و جل لم يلهمهم ذلك و لم يوفقهم له فجرت معلومات الله فيهم على ما كان سطر في اللوح المحفوظ
بيان قال الطبرسي قدس الله روحه في قوله تعالى وَ لَقَدْ عَلِمْتُمُ الَّذِينَ اعْتَدَوْا مِنْكُمْ فِي السَّبْتِ أي الذين جاوزوا ما أمروا به من ترك الصيد يوم السبت و كانت الحيتان تجتمع في يوم السبت لأمنها فحبسوها في السبت و أخذوها في الأحد فاعتدوا في السبت أي ظلموا و تجاوزوا ما حد لهم لأن صيدها هو حبسها. و روي عن الحسن أنهم اصطادوا يوم السبت مستحلين بعد ما نهوا عنه فَقُلْنا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خاسِئِينَ هذا إخبار عن سرعة مسخه إياهم لا أن هناك أمرا و معناه جعلناهم قردة كقوله فَقالَ لَها وَ لِلْأَرْضِ ائْتِيا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً. قال ابن عباس فمسخهم الله عقوبة لهم و كانوا يتعاوون و بقوا ثلاثة أيام لم يأكلوا و لم يشربوا و لم يتناسلوا ثم أهلكهم الله تعالى و جاءت ريح فهبت بهم فألقتهم في الماء و ما مسخ الله أمة إلا أهلكها فهذه القردة و الخنازير ليست من نسل أولئك و لكن مسخ أولئك على صورة هؤلاء يدل عليه إجماع المسلمين على أنه ليس في القردة و الخنازير من هو من أولاد آدم و لو كانت من أولاد الممسوخين لكانت من بني آدم و قال مجاهد لم يمسخوا قردة و إنما هو مثل ضربه الله كما قال كَمَثَلِ الْحِمارِ يَحْمِلُ أَسْفاراً و حكي عنه أيضا أنه قال مسخت قلوبهم فجعلت كقلوب القردة لا تقبل وعظا و لا تتقي زجرا و هذان القولان يخالفان الظاهر الذي أكثر المفسرين عليه من غير ضرورة تدعو إليه. و قوله خاسِئِينَ أي مبعدين عن الخير و قيل أذلاء صاغرين مطرودين و قال رحمه الله في قوله تعالى وَ سْئَلْهُمْ عَنِ الْقَرْيَةِ الَّتِي كانَتْ حاضِرَةَ الْبَحْرِ أي مجاورة البحر و قريبة منه و هي أبلة عن ابن عباس و قيل هي مدين عنه أيضا و قيل الطبرية عن الزهري إِذْ يَعْدُونَ فِي السَّبْتِ أي يظلمون فيه بصيد السمك و يتجاوزون الحد في أمر السبت إِذْ تَأْتِيهِمْ حِيتانُهُمْ يَوْمَ سَبْتِهِمْ شُرَّعاً أي ظاهرة على وجه الماء عن ابن عباس و قيل متتابعة عن الضحاك و قيل رافعة رءوسها قال الحسن كانت تشرع إلى أبوابهم مثل الكباش البيض لأنها كانت آمنة يومئذ وَ يَوْمَ لا يَسْبِتُونَ لا تَأْتِيهِمْ أي و يوم لا يكون السبت كانت تغوص في الماء و اختلف في أنهم كيف اصطادوا فقيل إنهم ألقوا الشبكة في الماء يوم السبت حتى كان يقع فيها السمك ثم كانوا لا يخرجون الشبكة من الماء إلا يوم الأحد و هذا تسبب محظور و في رواية عكرمة عن ابن عباس اتخذوا الحياض فكانوا يسوقون الحيتان إليها و لا يمكنها الخروج منها فيأخذونها يوم الأحد و قيل إنهم اصطادوها و تناولوها باليد في يوم السبت كَذلِكَ نَبْلُوهُمْ أي مثل ذلك الاختبار الشديد نختبرهم بِما كانُوا يَفْسُقُونَ أي بفسقهم و عصيانهم و على المعنى الآخر لا تأتيهم الحيتان مثل ذلك الإتيان الذي كان منها يوم السبت ثم استأنف فقال نَبْلُوهُمْ. وَ إِذْ قالَتْ أُمَّةٌ أي جماعة مِنْهُمْ أي من بني إسرائيل الذين لم يصطادوا و كانوا ثلاث فرق فرقة قانصة و فرقة ساكتة و فرقة واعظة فقال الساكتون للواعظين الناهين لِمَ تَعِظُونَ قَوْماً اللَّهُ مُهْلِكُهُمْ أي يهلكهم الله و لم يقولوا ذلك كراهية لوعظهم و لكن لإياسهم أن يقبل هؤلاء القوم الوعظ فإن الأمر بالمعروف إنما يجب عند عدم اليأس عن القبول عن الجبائي و معناه ما ينفع الوعظ ممن لا يقبل و الله مهلكهم في الدنيا بمعصيتهم أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذاباً شَدِيداً في الآخرة قالُوا أي قال الواعظون في جوابهم
مَعْذِرَةً إِلى رَبِّكُمْ معناه موعظتنا إياهم معذرة إلى الله و تأدية لفرضه في النهي عن المنكر لئلا يقول لنا لم لم تعظوهم وَ لَعَلَّهُمْ بالوعظ يَتَّقُونَ و يرجعون فَلَمَّا نَسُوا ما ذُكِّرُوا بِهِ أي فلما ترك أهل القرية ما ذكرهم الواعظون به و لم ينتهوا عن ارتكاب المعصية بصيد السمك أَنْجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ أي خلصنا الذين ينهون عن المعصية وَ أَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُوا أنفسهم بِعَذابٍ بَئِيسٍ أي شديد بِما كانُوا يَفْسُقُونَ أي بفسقهم و ذلك العذاب لحقهم قبل أن مسخوا قردة عن الجبائي و لم يذكر حال الفرقة الثالثة هل كانت من الناجية أو من الهالكة. و روي عن ابن عباس فيهم ثلاثة أقوال أحدها أنه نجت الفرقتان و هلكت الثالثة و به قال السدي و الثاني أنه هلكت الفرقتان و نجت الفرقة الناهية و به قال ابن زيد و روي ذلك عن أبي عبد الله ع و الثالث التوقف فيه روي عن عكرمة قال دخلت على ابن عباس و بين يديه المصحف و هو يبكي و يقرأ هذه الآية ثم قال قد علمت أن الله تعالى أهلك الذين أخذوا الحيتان و أنجى الذين نهوهم و لم أدر ما صنع بالذين لم ينهوهم و لم يواقعوا المعصية و هذا حالنا و اختاره الجبائي و قال الحسن إنه نجا الفرقة الثالثة لأنه ليس شيء أبلغ في الأمر بالمعروف و الوعظ من ذكر الوعيد و هم قد ذكروا الوعيد فقالوا اللَّهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذاباً شَدِيداً و قال قتل المؤمن أعظم و الله من أكل الحيتان فَلَمَّا عَتَوْا عَنْ ما نُهُوا عَنْهُ أي عن ترك ما نهوا عنه يعني لم يتركوا ما نهوا عنه و تمردوا في الفساد و الجرأة على المعصية و أبوا أن يرجعوا عنها قُلْنا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً أي جعلناهم قردة خاسِئِينَ مبعدين مطرودين و إنما ذكر كن ليدل على أنه سبحانه لا يمتنع عليه شيء و أجاز الزجاج أن يكون قيل لهم ذلك بكلام سمعوه فيكون ذلك أبلغ في الآية النازلة بهم و حكي ذلك عن أبي الهذيل قال قتادة صاروا قردة لها أذناب تعاووا بعد أن كانوا رجالا و نساء و قيل إنهم بقوا ثلاثة أيام ينظر إليهم الناس ثم هلكوا و لم يتناسلوا عن ابن عباس قال و لم يمكث مسخ فوق ثلاثة أيام و قيل عاشوا سبعة أيام ثم ماتوا عن مقاتل و قيل إنهم توالدوا عن الحسن و ليس بالوجه لأن من المعلوم أن القردة ليست من أولاد آدم كما أن الكلاب ليست منهم
و وردت الرواية عن ابن مسعود قال قال رسول الله ص إن الله تعالى لم يمسخ شيئا فجعل له نسلا و عقبا
القصة قيل كانت هذه القصة في زمن داود ع. و عن ابن عباس قال أمروا باليوم الذي أمرتم به يوم الجمعة فتركوه و اختاروا يوم السبت فابتلوا به و حرم عليهم فيه الصيد و أمروا بتعظيمه فكانت الحيتان تأتيهم يوم السبت شرعا بيضا سمانا حتى لا يرى الماء من كثرتها فمكثوا كذلك ما شاء الله لا يصيدون ثم أتاهم الشيطان و قال إنما نهيتم عن أخذها يوم السبت فاتخذوا الحياض و الشبكات فكانوا يسوقون الحيتان إليها يوم الجمعة ثم يأخذونها يوم الأحد و عن ابن زيد قال أخذ رجل منهم حوتا و ربط في ذنبه خيطا و شده إلى الساحل ثم أخذه يوم الأحد و شواه فلاموه على ذلك فلما لم يأته العذاب أخذوا ذلك و أكلوه و باعوه و كانوا نحوا من اثني عشر ألفا فصار الناس ثلاث فرق على ما تقدم ذكره فاعتزلتهم الفرقة الناهية و لم تساكنهم فأصبحوا يوما و لم يخرج من العاصية أحد فنظروا فإذا هم قردة ففتحوا الباب فدخلوا و كانت القردة تعرفهم و هم لا يعرفونها فجعلت تبكي فإذا قالوا لهم أ لم ننهكم قالت برءوسها أن نعم قال قتادة صارت الشبان قردة و الشيوخ خنازير
14- كا، ]الكافي[ عدة من أصحابنا عن سهل بن زياد عن ابن محبوب عن ابن رئاب عن أبي عبيدة الحذاء عن أبي عبد الله ع في قول الله عز و جل لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرائِيلَ عَلى لِسانِ داوُدَ وَ عِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ قال الخنازير على لسان داود ع و القردة على لسان عيسى ابن مريم ع
شي، ]تفسير العياشي[ عن أبي عبيدة مثله
15- فس، ]تفسير القمي[ أبي عن هارون بن مسلم عن مسعدة بن صدقة قال سألته عن قوم من الشيعة يدخلون في أعمال السلطان و يعملون لهم و يجبون لهم و يوالونهم قال ليس هم من الشيعة و لكنهم من أولئك ثم قرأ أبو عبد الله ع هذه الآية لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرائِيلَ عَلى لِسانِ داوُدَ وَ عِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ إلى قوله وَ لكِنَّ كَثِيراً مِنْهُمْ فاسِقُونَ قال الخنازير على لسان داود و القردة على لسان عيسى
بيان اعلم أن تلك الروايات اتفقت على خلاف ما هو المشهور بين المفسرين و المؤرخين من كون المسخ الذي كان في زمان داود ع بأنهم صاروا قردة و إنما مسخ أصحاب المائدة خنازير و قد دل على الجزء الأول قوله تعالى كُونُوا قِرَدَةً خاسِئِينَ و الحمل على سهو النساخ مع اتفاق التفسيرين و الكافي و القصص عليه بعيد و الحمل على غلط الرواة أيضا لا يخلو من بعد و يمكن توجيهه بوجهين الأول أن لا يكون هذا الخبر إشارة إلى قصة أصحاب السبت بل إلى مسخ آخر وقع في زمان داود ع و لكن خبر القصص يأبى عنه إلا بتكلف بعيد الثاني أنه يمكن أن يكون مسخهم في الزمانين بالصنفين معا و يكون المقصود في الآية جعل بعضهم قردة و يكون التخصيص في الخبر لعدم توهم التخصيص في الآية مع كون الفرد الآخر مذكورا فيها و في الروايات المشهورة فلا حاجة إلى ذكره و يؤيده أن علي بن إبراهيم ذكر في الموضعين الصنفين معا. و قال البيضاوي قيل أهل أبلة لما اعتدوا في السبت لعنهم الله على لسان داود فمسخهم قردة و خنازير و أصحاب المائدة لما كفروا دعا عليهم عيسى و لعنهم فأصبحوا خنازير و كانوا خمسة آلاف رجل انتهى و قال الثعلبي في أصحاب السبت قال قتادة صار الشبان قرودا و الشيوخ خنازير و ما نجا إلا الذين نهوا. ثم اعلم أن الوجهين جاريان في خبري العياشي أعني رواية ابن نباتة و هارون بن عبد العزيز بأن يكونا إشارتين إلى قصة أخرى و إن كان متعلقها تلك القرية التي وقعت فيها عقوبة السبت أو بأن يكونوا مسخوا بتلك الأصناف جميعا بتلك الأسباب كلها. و قال الطبرسي رحمه الله قيل في معناه أقوال. أحدها أن معناه لعنوا على لسان داود فصاروا قردة و على لسان عيسى فصاروا خنازير
و قال أبو جعفر الباقر ع أما داود فإنه لعن أهل أبلة لما اعتدوا في سبتهم و كان اعتداؤهم في زمانه فقال اللهم ألبسهم اللعنة مثل الرداء و مثل المنطقة على الحقوين فمسخهم الله قردة و أما عيسى ع فإنه لعن الذين أنزلت عليهم المائدة ثم كفروا بعد ذلك
و ثانيها ما قاله ابن عباس إنه يريد في الزبور و في الإنجيل و معنى هذا أن الله تعالى لعن في الزبور من يكفر من بني إسرائيل و في الإنجيل كذلك. و ثالثها أن يكون عيسى و داود ع أعلما أن محمدا نبي مبعوث و لعنا من يكفر به انتهى. و الأبلة بضم الهمزة و الباء المشددة موضع البصرة الآن و هي إحدى الجنات الأربعة