الآيات النمل وَ حُشِرَ لِسُلَيْمانَ جُنُودُهُ مِنَ الْجِنِّ وَ الْإِنْسِ وَ الطَّيْرِ فَهُمْ يُوزَعُونَ حَتَّى إِذا أَتَوْا عَلى وادِ النَّمْلِ قالَتْ نَمْلَةٌ يا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَساكِنَكُمْ لا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمانُ وَ جُنُودُهُ وَ هُمْ لا يَشْعُرُونَ فَتَبَسَّمَ ضاحِكاً مِنْ قَوْلِها وَ قالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَ عَلى والِدَيَّ وَ أَنْ أَعْمَلَ صالِحاً تَرْضاهُ وَ أَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبادِكَ الصَّالِحِينَ تفسير قال الطبرسي رحمه الله عَلى وادِ النَّمْلِ هو واد بالطائف و قيل بالشام قالَتْ نَمْلَةٌ أي صاحت بصوت خلق الله لها و لما كان الصوت مفهوما لسليمان ع عبر عنه بالقول و قيل كانت رئيسة النمل لا يَحْطِمَنَّكُمْ أي لا يكسرنكم سُلَيْمانُ وَ جُنُودُهُ وَ هُمْ لا يَشْعُرُونَ بحطمكم و وطئكم فإنهم لو علموا بمكانكم لم يطئوكم و هذا يدل على أن سليمان و جنوده كانوا ركبانا و مشاة على الأرض و لم تحملهم الريح لأن الريح لو حملتهم بين السماء و الأرض لما خافت النملة أن يطئوها بأرجلهم و لعل هذه القصة كانت قبل تسخير الله الريح لسليمان ع فإن قيل كيف عرفت النملة سليمان و جنوده حتى قالت هذه المقالة قلنا إذا كانت مأمورة بطاعته فلا بد أن يخلق الله لها من الفهم ما تعرف به أمور طاعته و لا يمتنع أن يكون لها من الفهم ما تستدرك به ذلك و قد علمنا أنها تشق ما تجمع من الحبوب بنصفين مخافة أن تصيبه الندى فينبت إلا الكزبرة فإنها تكسرها بأربع لأنها تنبت إذا قطعت بنصفين فمن هداها إلى هذا فإنه يهديها إلى تمييز ما يحطمها مما لا يحطمها و قيل إن ذلك كان منها على سبيل المعجز الخارق للعادة لسليمان عليه السلام قال ابن عباس فوقف سليمان ع بجنوده حتى دخل النمل مساكنه فتبسم ضاحكا من قولها و سبب ضحكه التعجب لأنه رأى ما لا عهد له به و قيل إنه تبسم بظهور عدله حتى عرفه النمل و قيل إن الريح أطارت كلامها إليه من ثلاثة أميال حتى سمع ذلك فانتهى إليها و هي تأمر النمل بالمبادرة فتبسم من حذرها رَبِّ أَوْزِعْنِي أي ألهمني. أقول قال الرازي في تفسيره رأيت في بعض الكتب أن تلك النملة إنما أمرت غيرها بالدخول لأنها خافت أنها إذا رأت سليمان على جلالته فربما وقعت في كفران نعمة الله و هو المراد بقوله لا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمانُ فأمرتها بالدخول في مساكنها لئلا ترى تلك النعم فلا تقع في كفران نعم الله
1- فس، ]تفسير القمي[ وَ حُشِرَ لِسُلَيْمانَ جُنُودُهُ مِنَ الْجِنِّ وَ الْإِنْسِ وَ الطَّيْرِ قعد على كرسيه و حملته الريح على وادي النمل و هو واد ينبت الذهب و الفضة و قد وكل الله به النمل و هو قول الصادق ع إن لله واديا ينبت الذهب و الفضة قد حماه الله بأضعف خلقه و هو النمل لو رامته البخاتي ما قدرت عليه فلما انتهى سليمان إلى وادي النمل فقالت نملة يا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَساكِنَكُمْ لا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمانُ وَ جُنُودُهُ وَ هُمْ لا يَشْعُرُونَ فَتَبَسَّمَ ضاحِكاً مِنْ قَوْلِها وَ قالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَ عَلى والِدَيَّ إلى قوله فِي عِبادِكَ الصَّالِحِينَ
و في رواية أبي الجارود عن أبي جعفر ع في قوله فَهُمْ يُوزَعُونَ قال يحبس أولهم على آخرهم
بيان قال البيضاوي يُوزَعُونَ أي يحبسون بحبس أولهم على آخرهم ليتلاحقوا
2- ن، ]عيون أخبار الرضا عليه السلام[ ع، ]علل الشرائع[ عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب القرشي عن منصور بن عبد الله الأصفهاني عن علي بن مهرويه القزويني عن داود بن سليمان الغازي قال سمعت علي بن موسى الرضا ع يقول عن أبيه موسى بن جعفر عن أبيه جعفر بن محمد ع في قوله عز و جل فَتَبَسَّمَ ضاحِكاً مِنْ قَوْلِها قال لما قالت النملة يا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَساكِنَكُمْ لا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمانُ وَ جُنُودُهُ حملت الريح صوت النملة إلى سليمان و هو مار في الهواء و الريح قد حملته فوقف و قال علي بالنملة فلما أتي بها قال سليمان يا أيتها النملة أ ما علمت أني نبي الله و أني لا أظلم أحدا قالت النملة بلى قال سليمان فلم حذرتنيهم ظلمي و قلت يا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَساكِنَكُمْ قالت النملة خشيت أن ينظروا إلى زينتك فيفتتنوا بها فيبعدوا عن الله تعالى ذكره ثم قالت النملة أنت أكبر أم أبوك داود قال سليمان ع بل أبي داود قالت النملة فلم زيد في حروف اسمك حرف على حروف اسم أبيك داود قال سليمان ما لي بهذا علم قالت النملة لأن أباك داود داوى جرحه بود فسمي داود و أنت يا سليمان أرجو أن تلحق بأبيك ثم قالت النملة هل تدري لم سخرت لك الريح من بين سائر المملكة قال سليمان ما لي بهذا علم قالت النملة يعني عز و جل بذلك لو سخرت لك جميع المملكة كما سخرت لك هذه الريح لكان زوالها من يدك كزوال الريح فحينئذ تبسم ضاحِكاً مِنْ قَوْلِها
بيان قال الثعلبي في تفسيره رأيت في بعض الكتب و ذكر نحوه و فيه فقالت النملة هل علمت لم سمي أبوك داود فقال لا قالت لأنه داوى جرحه بود هل تدري لم سميت سليمان قال لا قالت لأنك سليم ركنت إلى ما أوتيت لسلامة صدرك و آن لك أن تلحق بأبيك. أقول التعليل الذي ذكرته النملة يحتمل وجوها من التأويل. الأول و هو الذي ارتضيته أن المعنى أن أباك لما ارتكب ترك الأولى و صار قلبه مجروحا بذلك فداواه بود الله تعالى و محبته فلذا سمي داود اشتقاقا من الدواء بالود و أنت لما لم ترتكب بعد و أنت سليم منه سميت سليمان فخصوص العلتين للتسميتين صارتا علة لزيادة اسمك على اسم أبيك. ثم لما كان كلامها موهما لكونه من جهة السلامة أفضل من أبيه استدركت ذلك بأن ما صدر عنه لم يصر سببا لنقصه بل صار سببا لكمال محبته و تمام مودته و أرجو أن تلحق أنت أيضا بأبيك في ذلك ليكمل محبتك. الثاني أن المعنى أن أصل الاسم كان داوى جرحه بود و هو أكثر من اسمك و إنما صار بكثرة الاستعمال داود ثم دعا له و رجاه بقوله أرجو أن تلحق بأبيك أي في الكمال و الفضل. الثالث ما ذكره بعض المعاصرين و هو أن المراد أن هذا الاسم مشتمل على سليم أو مأخوذ منه و السليم قد يستعمل في الجريح كاللديغ تفؤلا بصحته و سلامته أو أنت سليم من المداواة التي حصلت لأبيك فلهذا سميت سليمان فالحرف الزائد للدلالة على وجود الجرح و كما أن الجرح زائد في البدن أو النفس عن أصل الخلقة كان في الاسم حرف زائد للدلالة على ذلك و فيه معنى لطيف و هو أن هذه الزيادة في الاسم الدالة على الزيادة في المسمى ليست مما يزيد به الاسم و المسمى كمالا بل قد تكون الزيادة لغير ذلك. الرابع ما يفهم مما عنون الصدوق الباب الذي أورد الخبر فيه به حيث قال باب العلة التي من أجلها زيد في حروف اسم سليمان حرف من حروف اسم أبيه داود فلعله رحمه الله حمل الخبر على أن المعنى أنك لما كنت سليما أريد أن يشتق لك اسم يشتمل على السلامة و لما كان أبوك داود داوى جرحه بالود و صار كاملا بذلك أراد الله تعالى أن يكون في اسمك حرف من حروف اسمه لتلحق به في الكمال فزيد فيه الألف و ما يلزمه لتمام التركيب و صحته من النون فصار سليمان و إلا لكان السليم كافيا للدلالة على السلامة فلذا زيد حروف اسمك على حروف اسم أبيك و لو كان في الخبر من حروف اسم أبيك كما رأينا في بعض النسخ كان ألصق بهذا المعنى و قوله أرجو أن تلحق بأبيك أي لتلك الزيادة فيدل ضمنا و كناية على أنه إنما زيد لذلك و لا يخفى بعده
3- يه، ]من لا يحضر الفقيه[ بإسناده إلى حفص بن غياث عن أبي عبد الله ع أنه قال إن سليمان بن داود ع خرج ذات يوم مع أصحابه ليستسقي فوجد نملة قد رفعت قائمة من قوائمها إلى السماء و هي تقول اللهم أنا خلق من خلقك لا غنى بنا عن رزقك فلا تهلكنا بذنوب بني آدم فقال سليمان ع لأصحابه ارجعوا لقد سقيتم بغيركم
أقول روى البرسي في مشارق الأنوار أن سليمان ع كان سماطه كل يوم سبعة أكرار فخرجت دابة من دواب البحر يوما و قالت يا سليمان أضفني اليوم فأمر أن يجمع لها مقدار سماطه شهرا فلما اجتمع ذلك على ساحل البحر و صار كالجبل العظيم أخرجت الحوت رأسها و ابتلعته و قالت يا سليمان أين تمام قوتي اليوم هذا بعض قوتي فعجب سليمان ع فقال لها هل في البحر دابة مثلك فقالت ألف أمة فقال سليمان سبحان الله الملك العظيم. و روى غيره أن سليمان ع رأى عصفورا يقول لعصفورة لم تمنعين نفسك مني و لو شئت أخذت قبة سليمان بمنقاري فألقيتها في البحر فتبسم سليمان ع من كلامه ثم دعاهما و قال للعصفور أ تطيق أن تفعل ذلك فقال لا يا رسول الله و لكن المرء قد يزين نفسه و يعظمها عند زوجته و المحب لا يلام على ما يقول فقال سليمان ع للعصفورة لم تمنعينه من نفسك و هو يحبك فقالت يا نبي الله إنه ليس محبا و لكنه مدع لأنه يحب معي غيري فأثر كلام العصفورة في قلب سليمان و بكى بكاء شديدا و احتجب عن الناس أربعين يوما يدعو الله أن يفرغ قلبه لمحبته و أن لا يخالطها بمحبة غيره. و روي أنه ع سمع يوما عصفورا يقول لزوجته ادني مني حتى أجامعك لعل الله يرزقنا ولدا يذكر الله فإنا كبرنا فتعجب سليمان من كلامه و قال هذه النية خير من مملكتي. و قال البيضاوي حكي أنه مر ببلبل يتصوت و يترقص فقال يقول إذا أكلت نصف تمرة فعلى الدنيا العفاء و صاحت فاختة فقال إنها تقول ليت الخلق لم يخلقوا. و قال الزمخشري روي أن قتادة دخل الكوفة و التف عليه الناس فقال سلوا عما شئتم و كان أبو حنيفة حاضرا و هو غلام حدث فقال سلوه عن نملة سليمان أ كانت ذكرا أم أنثى فسألوه فأفحم فقال أبو حنيفة كانت أنثى بدليل قوله تعالى قالَتْ نَمْلَةٌ و ذلك أن النملة مثل الحمامة و الشاة في وقوعها على الذكر و الأنثى فيميز بينهما بعلامة نحو قولهم حمامة ذكر و حمامة أنثى انتهى. و قال ابن الحاجب في بعض تصانيفه أن تأنيث مثل الشاة و النملة و الحمامة من الحيوانات تأنيث لفظي و لذلك كان قول من زعم أن النملة في قوله تعالى قالَتْ نَمْلَةٌ أنثى لورود تاء التأنيث في قالت وهما لجواز أن يكون مذكرا في الحقيقة و ورود تاء التأنيث كورودها في فعل المؤنث اللفظي و لذا قيل إفحام قتادة خير من جواب أبي حنيفة. أقول هذا هو الحق و قد ارتضاه الرضي رضي الله عنه و غيره و الحمد لله الذي فضح من أراد أن يدعي رتبة أمير المؤمنين ع بهذه البضاعة من العلم و هذا الناصبي الآخر الذي أراد أعوانه إثبات علو شأنه بأنه تكلم في بدء شبابه بمثل ذلك. و قال الثعلبي في تفسيره قال مقاتل كان سليمان ع جالسا إذ مر به طائر يطوف فقال لجلسائه هل تدرون ما يقول هذا الطائر الذي مر بنا قالوا أنت أعلم فقال سليمان إنه قال لي السلام عليك أيها الملك المتسلط على بني إسرائيل أعطاك الله سبحانه و تعالى الكرامة و أظهرك على عدوك إني منطلق إلى فروخي ثم أمر بك الثانية و إنه سيرجع إلينا الثانية فانظروا إلى رجوعه قال فنظر القوم طويلا إذ مر بهم فقال السلام عليك أيها الملك إن شئت أن تأذن لي كيما أكتسب على فروخي حتى يشبوا ثم آتيك فافعل بي ما شئت فأخبرهم سليمان بما قال و أذن له. و عن كعب قال صاح ورشان عند سليمان فقال أ تدرون ما تقول قالوا لا قال فإنها تقول لدوا للموت و ابنوا للخراب و صاحت فاختة فقال تقول ليت الخلق
لم يخلقوا و صاح طاوس عنده فقال أ تدرون ما يقول قالوا لا قال فإنه يقول كما تدين تدان و صاح هدهد عنده فقال إنه يقول من لا يرحم لا يرحم و صاح صرد عنده فقال تقول استغفروا الله يا مذنبين و صاح طوطي فقال يقول كل حي ميت و كل جديد بال و صاح خطاف فقال يقول قدموا خيرا تجدوه و هدرت حمامة فقال تقول سبحان ربي الأعلى ملء سماواته و أرضه و صاح قمري فقال يقول سبحان ربي الأعلى قال و الغراب يدعو على العشار و الحدا يقول كُلُّ شَيْءٍ هالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ و القطا يقول من سكت سلم و الببغاء و هو طائر أخضر يقول ويل لمن الدنيا همه و الضفدع يقول سبحان ربي القدوس و الباز يقول سبحان ربي و بحمده و الضفدعة تقول سبحان المذكور بكل مكان.
و روي عن مكحول أنه صاح دراج عند سليمان بن داود ع فقال أ تدرون ما يقول قالوا لا قال فإنه يقول الرَّحْمنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوى
4- دعوات الراوندي، ذكروا أن سليمان ع كان جالسا على شاطئ بحر فبصر بنملة تحمل حبة قمح تذهب بها نحو البحر فجعل سليمان ينظر إليها حتى بلغت الماء فإذا بضفدعة قد أخرجت رأسها من الماء ففتحت فاها فدخلت النملة فاها و غاصت الضفدعة في البحر ساعة طويلة و سليمان يتفكر في ذلك متعجبا ثم إنها خرجت من الماء و فتحت فاها فخرجت النملة من فيها و لم يكن معها الحبة فدعاها سليمان ع و سألها عن حالها و شأنها و أين كانت فقالت يا نبي الله إن في قعر هذا البحر الذي تراه صخرة مجوفة و في جوفها دودة عمياء و قد خلقها الله تعالى هنالك فلا تقدر أن تخرج منها لطلب معاشها و قد وكلني الله برزقها فأنا أحمل رزقها و سخر الله هذه الضفدعة لتحملني فلا يضرني الماء في فيها و تضع فاها على ثقب الصخرة و أدخلها ثم إذا أوصلت رزقها إليها خرجت من ثقب الصخرة إلى فيها فتخرجني من البحر قال سليمان ع و هل سمعت لها من تسبيحة قالت نعم تقول يا من لا ينساني في جوف هذه الصخرة تحت هذه اللجة برزقك لا تنس عبادك المؤمنين برحمتك