الآيات الكهف أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحابَ الْكَهْفِ وَ الرَّقِيمِ كانُوا مِنْ آياتِنا عَجَباً إِذْ أَوَى الْفِتْيَةُ إِلَى الْكَهْفِ فَقالُوا رَبَّنا آتِنا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً وَ هَيِّئْ لَنا مِنْ أَمْرِنا رَشَداً فَضَرَبْنا عَلَى آذانِهِمْ فِي الْكَهْفِ سِنِينَ عَدَداً ثُمَّ بَعَثْناهُمْ لِنَعْلَمَ أَيُّ الْحِزْبَيْنِ أَحْصى لِما لَبِثُوا أَمَداً نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ نَبَأَهُمْ بِالْحَقِّ إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَ زِدْناهُمْ هُدىً وَ رَبَطْنا عَلى قُلُوبِهِمْ إِذْ قامُوا فَقالُوا رَبُّنا رَبُّ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ لَنْ نَدْعُوَا مِنْ دُونِهِ إِلهاً لَقَدْ قُلْنا إِذاً شَطَطاً هؤُلاءِ قَوْمُنَا اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً لَوْ لا يَأْتُونَ عَلَيْهِمْ بِسُلْطانٍ بَيِّنٍ فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللَّهِ كَذِباً وَ إِذِ اعْتَزَلْتُمُوهُمْ وَ ما يَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ فَأْوُوا إِلَى الْكَهْفِ يَنْشُرْ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ رَحْمَتِهِ وَ يُهَيِّئْ لَكُمْ مِنْ أَمْرِكُمْ مِرفَقاً وَ تَرَى الشَّمْسَ إِذا طَلَعَتْ تَتَزاوَرُ عَنْ كَهْفِهِمْ ذاتَ الْيَمِينِ وَ إِذا غَرَبَتْ تَقْرِضُهُمْ ذاتَ الشِّمالِ وَ هُمْ فِي فَجْوَةٍ مِنْهُ ذلِكَ مِنْ آياتِ اللَّهِ مَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ وَ مَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ وَلِيًّا مُرْشِداً وَ تَحْسَبُهُمْ أَيْقاظاً وَ هُمْ رُقُودٌ وَ نُقَلِّبُهُمْ ذاتَ الْيَمِينِ وَ ذاتَ الشِّمالِ وَ كَلْبُهُمْ باسِطٌ ذِراعَيْهِ بِالْوَصِيدِ لَوِ اطَّلَعْتَ عَلَيْهِمْ لَوَلَّيْتَ مِنْهُمْ فِراراً وَ لَمُلِئْتَ مِنْهُمْ رُعْباً وَ كَذلِكَ بَعَثْناهُمْ لِيَتَسائَلُوا بَيْنَهُمْ قالَ قائِلٌ مِنْهُمْ كَمْ لَبِثْتُمْ قالُوا لَبِثْنا يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قالُوا رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِما لَبِثْتُمْ فَابْعَثُوا أَحَدَكُمْ بِوَرِقِكُمْ هذِهِ إِلَى الْمَدِينَةِ فَلْيَنْظُرْ أَيُّها أَزْكى طَعاماً فَلْيَأْتِكُمْ بِرِزْقٍ مِنْهُ وَ لْيَتَلَطَّفْ وَ لا يُشْعِرَنَّ بِكُمْ أَحَداً إِنَّهُمْ إِنْ يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ يَرْجُمُوكُمْ أَوْ يُعِيدُوكُمْ فِي مِلَّتِهِمْ وَ لَنْ تُفْلِحُوا إِذاً أَبَداً وَ كَذلِكَ أَعْثَرْنا عَلَيْهِمْ لِيَعْلَمُوا أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَ أَنَّ السَّاعَةَ لا رَيْبَ فِيها إِذْ يَتَنازَعُونَ بَيْنَهُمْ أَمْرَهُمْ فَقالُوا ابْنُوا عَلَيْهِمْ بُنْياناً رَبُّهُمْ أَعْلَمُ بِهِمْ قالَ الَّذِينَ غَلَبُوا عَلى أَمْرِهِمْ لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِمْ مَسْجِداً سَيَقُولُونَ ثَلاثَةٌ رابِعُهُمْ كَلْبُهُمْ وَ يَقُولُونَ خَمْسَةٌ سادِسُهُمْ كَلْبُهُمْ رَجْماً بِالْغَيْبِ وَ يَقُولُونَ سَبْعَةٌ وَ ثامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ قُلْ رَبِّي أَعْلَمُ بِعِدَّتِهِمْ ما يَعْلَمُهُمْ إِلَّا قَلِيلٌ فَلا تُمارِ فِيهِمْ إِلَّا مِراءً ظاهِراً وَ لا تَسْتَفْتِ فِيهِمْ مِنْهُمْ أَحَداً وَ لا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فاعِلٌ ذلِكَ غَداً إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللَّهُ وَ اذْكُرْ رَبَّكَ إِذا نَسِيتَ وَ قُلْ عَسى أَنْ يَهْدِيَنِ رَبِّي لِأَقْرَبَ مِنْ هذا رَشَداً وَ لَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ ثَلاثَ مِائَةٍ سِنِينَ وَ ازْدَادُوا تِسْعاً قُلِ اللَّهُ أَعْلَمُ بِما لَبِثُوا لَهُ غَيْبُ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ أَبْصِرْ بِهِ وَ أَسْمِعْ ما لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِيٍّ وَ لا يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَداً تفسير قال المفسرون اختلف في معنى الرقيم فقيل إنه كان اسم الوادي الذي كان فيه الكهف و قيل هو اسم الجبل و قيل هو القرية التي خرجوا منها و قيل هو لوح من حجارة كتبوا فيه قصتهم ثم وضعوه على باب الكهف و قيل جعل ذلك اللوح في خزائن الملوك لأنه من عجائب الأمور و قيل الرقيم اسم كلبهم و قيل الرقيم كتاب و لذلك الكتاب خبر و لم يخبر الله عما فيه و قيل إن أصحاب الرقيم هم الثلاثة الذين دخلوا في غار فانسد عليهم كما سيأتي شرحه وَ هَيِّئْ لَنا مِنْ أَمْرِنا أي من الأمر الذي نحن عليه من مفارقة الكفار رَشَداً نصير بسببه راشدين مهتدين أو اجعل أمرنا كله رشدا كقولك رأيت منك أسدا فَضَرَبْنا عَلَى آذانِهِمْ أي ضربنا عليها حجابا يمنع السماع أي أنمناهم إنامة لا ينبههم فيها الأصوات فحذف المفعول ثُمَّ بَعَثْناهُمْ أيقظناهم لِنَعْلَمَ ليتعلق علمنا تعلقا حاليا مطابقا لتعلقه أولا تعلقا استقباليا أَيُّ الْحِزْبَيْنِ من المؤمنين و الكافرين من قوم أصحاب الكهف حين وقع بينهم التنازع في مدة لبثهم و قيل يعني بالحزبين أصحاب الكهف لما استيقظوا اختلفوا في مقدار لبثهم إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ قالوا أي شبان و سيأتي في الخبر تفسيره وَ رَبَطْنا عَلى قُلُوبِهِمْ أي قويناها و شددنا عليها بالألطاف و الخواطر المقوية للإيمان حتى وطنوا أنفسهم على إظهار الحق و الثبات على الدين و الصبر على المشاق إِذْ قامُوا بين يدي ملكهم لَقَدْ قُلْنا إِذاً شَطَطاً
و الله قد قلنا قولا ذا شطط أي ذا بعد عن الحق مفرط في الظلم عَلَيْهِمْ أي على عبادتهم بِسُلْطانٍ بَيِّنٍ أي ببرهان ساطع ظاهر وَ إِذِ اعْتَزَلْتُمُوهُمْ هذا خطاب بعضهم لبعض و قال ابن عباس هذا قول تمليخا مِنْ أَمْرِكُمْ مِرفَقاً أي ما ترفقون و تنتفعون به تَتَزاوَرُ عَنْ كَهْفِهِمْ تميل عنه و لا يقع شعاعها عليهم فيؤذيهم لأن الكهف كان جنوبيا أو لأن الله زورها عنهم و الزور الميل ذاتَ الْيَمِينِ أي جهة اليمين تَقْرِضُهُمْ أي تعدل عنهم و تتركهم وَ هُمْ فِي فَجْوَةٍ مِنْهُ أي في متسع من الكهف يعني في وسطه بحيث ينالهم روح الهواء و لا يؤذيهم كرب الغار و لا حر الشمس و ذلك أن باب الكهف كان في مقابلة بنات نعش و أقرب المشارق و المغارب إلى محاذاته مشرق رأس السرطان و مغربه و أن الشمس إذا كان مدارها مداره تطلع مائلة عنه مقابلة لجانبه الأيمن و هو الذي يلي المغرب و تغرب محاذية لجانبه الأيسر فيقع شعاعها على جنبيه و يحلل عفونته و يعدل هواه و لا يقع عليهم فيؤذي أجسادهم و يبلى ثيابهم و قيل بل الله صرف عنهم الشمس بقدرته وَلِيًّا مُرْشِداً من يليه و يرشده وَ تَحْسَبُهُمْ أَيْقاظاً لانفتاح عيونهم أو لكثرة تقلبهم وَ هُمْ رُقُودٌ أي نيام و نقلبهم كيلا تأكل الأرض ما يليها من أبدانهم وَ كَلْبُهُمْ أي كلب الراعي الذي تبعهم و قيل إنهم مروا بكلب فتبعهم فطردوه فعاد ففعلوا ذلك مرارا فقال لهم ما تريدون مني لا تخشوا خيانتي فأنا أحب أولياء الله فنوموا حتى أحرسكم و قيل كان كلب صيدهم بِالْوَصِيدِ بفناء الكهف و قيل الوصيد الباب و قيل العتبة وَ لَمُلِئْتَ مِنْهُمْ رُعْباً خوفا يملأ صدرك لما ألبسهم الله من الهيبة أو لعظم أجرامهم و انفتاح عيونهم و قيل لوحشة مكانهم. و قال الطبرسي روى سعيد بن جبير عن ابن عباس قال غزوت مع معاوية نحو الروم فمروا بالكهف الذي فيه أصحاب الكهف فقال معاوية لو كشف لنا عن هؤلاء فنظرنا إليهم فقلت له ليس هذا لك فقد منع ذلك من هو خير منك قال الله لَوِ اطَّلَعْتَ الآية فقال معاوية لا أنتهي حتى أعلم علمهم فبعث رجالا فلما دخلوا الكهف أرسل الله عليهم ريحا أخرجتهم. وَ كَذلِكَ بَعَثْناهُمْ أي و كما أنمناهم آية بعثناهم آية على كمال قدرتنا لِيَتَسائَلُوا بَيْنَهُمْ ليسأل بعضهم بعضا فيتعرفوا حالهم و ما صنع الله بهم فيزدادوا يقينا. قال المفسرون إنهم دخلوا الكهف غدوة و بعثهم الله في آخر النهار فلذلك قالوا يَوْماً فلما رأوا الشمس قالوا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قالُوا رَبُّكُمْ قال ابن عباس القائل هو تمليخا رئيسهم بِوَرِقِكُمْ الورق الدراهم فَلْيَنْظُرْ أَيُّها أي أي أهلها أَزْكى طَعاماً أحل و أطيب أو أكثر و أرخص وَ لْيَتَلَطَّفْ و ليتكلف اللطف في المعاملة حتى لا يغبن أو في التخفي حتى لا يعرف يَرْجُمُوكُمْ يقتلوكم بالرجم أو يؤذوكم أو يشتموكم أَعْثَرْنا عَلَيْهِمْ أي أطلعنا عليهم لِيَعْلَمُوا أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ بالبعث حَقٌّ لأن نومهم و انتباههم كحال من يموت ثم يبعث إِذْ يَتَنازَعُونَ أي فعلنا ذلك حين تنازعوا في البعث فمنهم من أنكره و منهم من قال ببعث الأرواح دون الأجساد و منهم من أثبت البعث فيهما و قيل إن معناه إذ يتنازعون في قدر مكثهم و في عددهم و فيما يفعل بهم بعد أن اطلعوا عليهم فسقطوا ميتين فقال بعضهم ماتوا و قال بعضهم ناموا نومهم أول مرة و قالت طائفة نبني عليهم بنيانا يسكنه الناس و يتخذونه قرية و قال آخرون لنتخذن عليهم مسجدا يصلى فيه. و قوله رَبُّهُمْ أَعْلَمُ بِهِمْ اعتراض إما من الله ردا على الخائضين في أمرهم من أولئك المتنازعين أو من المتنازعين فيهم على عهد الرسول أو من المتنازعين للرد إلى الله بعد ما تذاكروا أمرهم و تناقلوا الكلام في أنسابهم و أحوالهم فلم يتحقق لهم ذلك سَيَقُولُونَ أي الخائضون في قصتهم في عهد الرسول من أهل الكتاب و المؤمنين ثَلاثَةٌ رابِعُهُمْ كَلْبُهُمْ قيل هو قول اليهود و قيل قول السيد من نصارى نجران وَ يَقُولُونَ خَمْسَةٌ قالته النصارى أو العاقب رَجْماً بِالْغَيْبِ يرمون رميا بالخبر الخفي الذي لا مطلع لهم عليه أو ظنا بالغيب وَ يَقُولُونَ سَبْعَةٌ قاله المسلمون و استدل على هذا باتباعه بقوله قُلْ رَبِّي و اتباع الأولين بقوله رَجْماً بِالْغَيْبِ. ما يَعْلَمُهُمْ إِلَّا قَلِيلٌ من الناس قال ابن عباس أنا من ذلك القليل هم سبعة و ثامنهم كلبهم فَلا تُمارِ فِيهِمْ إِلَّا مِراءً ظاهِراً فلا تجادل في شأن الفتية إلا جدالا ظاهرا
غير متعمق و هو أن تقص عليهم ما في القرآن من غير تجهيل لهم أو إلا مراء يشهده الناس و يحضرونه وَ لا تَسْتَفْتِ و لا تسأل أحدا منهم عن قصتهم سؤال مسترشد. و اختلف في قوله وَ لَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ فقيل إنه إخبار عن الواقع و قيل إنه حكاية لكلام أهل الكتاب بقرينة قوله قُلِ اللَّهُ أَعْلَمُ. أَبْصِرْ بِهِ وَ أَسْمِعْ أي ما أبصره و ما أسمعه فلا يخفى عليه شيء مِنْ وَلِيٍّ أي من يتولى أمورهم
1- ص، ]قصص الأنبياء عليهم السلام[ ابن بابويه عن محمد بن يوسف بن علي عن الحسن بن علي بن نضر الطرسوسي عن أبي الحسن بن قرعة القاضي بالبصرة عن زياد بن عبد الله البكائي عن محمد بن إسحاق عن إسحاق بن يسار عن عكرمة عن ابن عباس قال لما كان في عهد خلافة عمر أتاه قوم من أحبار اليهود فسألوه عن أقفال السماوات ما هي و عن مفاتيح السماوات ما هي و عن قبر سار بصاحبه ما هو و عمن أنذر قومه ليس من الجن و لا من الإنس و عن خمسة أشياء مشت على وجه الأرض لن يخلقوا في الأرحام و ما يقول الدراج في صياحه و ما يقول الديك و الفرس و الحمار و الضفدع و القنبر فنكس عمر رأسه و قال يا أبا الحسن ما أرى جوابهم إلا عندك فقال لهم علي ع إن لي عليكم شريطة إذا أنا أخبرتكم بما في التوراة دخلتهم في ديننا قالوا نعم فقال ع أما أقفال السماوات هو الشرك بالله فإن العبد و الأمة إذا كانا مشركين ما يرفع لهما إلى الله سبحانه عمل فقالوا ما مفاتيحها فقال علي ع شهادة أن لا إله إلا الله و أن محمدا عبده و رسوله فقالوا أخبرنا عن قبر سار بصاحبه قال ذاك الحوت حين ابتلع يونس ع فدار به في البحار السبعة فقالوا أخبرنا عمن أنذر قومه لا من الجن و لا من الإنس قال تلك نملة سليمان إذا قالت يا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَساكِنَكُمْ لا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمانُ وَ جُنُودُهُ قالوا فأخبرنا عن خمسة أشياء مشت على الأرض ما خلقوا في الأرحام قال ذاك آدم و حواء و ناقة صالح و كبش إبراهيم و عصا موسى قالوا فأخبرنا ما تقول هذه الحيوانات قال الدراج يقول الرَّحْمنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوى و الديك يقول اذكروا الله يا غافلين و الفرس يقول إذا مشى المؤمنون إلى الكافرين اللهم انصر عبادك المؤمنين على عبادك الكافرين و الحمار يلعن العشار و ينهق في عين الشيطان و الضفدع يقول سبحان ربي المعبود المسبح في لجج البحار و القنبر يقول اللهم العن مبغضي محمد و آل محمد قال و كانت الأحبار ثلاثة فوثب اثنان و قالا أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له و أن محمدا عبده و رسوله قال فوقف الحبر الآخر و قال يا علي لقد وقع في قلبي ما وقع في قلوب أصحابي و لكن بقيت خصلة أسألك عنها فقال علي ع سل قال أخبرني عن قوم كانوا في أول الزمان فماتوا ثلاث مائة و تسع سنين ثم أحياهم الله ما كان قصتهم فابتدأ علي ع و أراد أن يقرأ سورة الكهف فقال الحبر ما أكثر ما سمعنا قرآنكم فإن كنت عالما بهم أخبرنا بقصة هؤلاء و بأسمائهم و عددهم و اسم كلبهم و اسم كهفهم و اسم ملكهم و اسم مدينتهم فقال علي ع لا حول و لا قوة إلا بالله العلي العظيم يا أخا اليهود حدثني محمد ص أنه كان بأرض الروم مدينة يقال لها أقسوس و كان لها ملك صالح فمات ملكهم فاختلفت كلمتهم فسمع بهم ملك من ملوك فارس يقال له دقيانوس فأقبل في مائة ألف حتى دخل مدينة أقسوس فاتخذها دار مملكته و اتخذ فيها قصرا طوله فرسخ في عرض فرسخ و اتخذ في ذلك القصر مجلسا طوله ألف ذراع في عرض مثل ذلك من الرخام الممرد و اتخذ في ذلك المجلس أربعة آلاف أسطوانة من ذهب و اتخذ ألف قنديل من ذهب لها سلاسل من اللجين تسرج بأطيب الأدهان و اتخذ في شرقي المجلس ثمانين كوة و لغربيه كذلك و كانت الشمس إذا طلعت طلعت في المجلس كيفما دارت و اتخذ فيه سريرا من ذهب طوله ثمانون ذراعا في عرض أربعين ذراعا له قوائم من فضة مرصعة بالجواهر و علاه بالنمارق و اتخذ من يمين السرير ثمانين كرسيا من الذهب مرصعة بالزبرجد الأخضر فأجلس عليها بطارقته و اتخذ من يسار السرير ثمانين كرسيا من الفضة مرصعة بالياقوت الأحمر فأجلس عليها هراقلته ثم علا السرير فوضع التاج على رأسه فوثب اليهودي فقال مم كان تاجه قال من الذهب المشبك له سبعة أركان على كل ركن لؤلؤة بيضاء تضيء كضوء المصباح في الليلة الظلماء و اتخذ خمسين غلاما
من أولاد الهراقلة فقرطقهم بقراطق الديباج الأحمر و سرولهم بسراويلات الحرير الأخضر و توجهم و دملجهم و خلخلهم و أعطاهم أعمدة من الذهب و وقفهم على رأسه و اتخذ ستة غلمة وزراءه فأقام ثلاثة عن يمينه و ثلاثة عن يساره فقال اليهودي ما كان أسماء الثلاثة و الثلاثة فقال علي ع الذين عن يمينه أسماؤهم تمليخا و مكسلمينا و ميشيلينا و أما الذين عن يساره فأسماؤهم مرنوس و ديرنوس و شاذريوس و كان يستشيرهم في جميع أموره و كان يجلس في كل يوم في صحن داره و البطارقة عن يمينه و الهراقلة عن يساره و يدخل ثلاثة غلمة في يد أحدهم جام من ذهب مملوء من المسك المسحوق و في يد الآخر جام من فضة مملوء من ماء الورد و في يد الآخر طائر أبيض له منقار أحمر فإذا نظر الملك إلى ذلك الطائر صفر به فيطير الطائر حتى يقع في جام ماء الورد فيتمرغ فيه ثم يقع على جام المسك فيحمل ما في الجام بريشه و جناحه ثم يصفر به الثانية فيطير الطائر على تاج الملك فينفذ ما في ريشه و جناحه على رأس الملك فلما نظر الملك إلى ذلك عتا و تجبر فادعى الربوبية من دون الله و دعا إلى ذلك وجوه قومه فكل من أطاعه على ذلك أعطاه و حباه و كساه و كل من لم يبايعه قتله فاستجابوا له رأسا و اتخذ لهم عيدا في كل سنة مرة فبينا هم ذات يوم في عيد و البطارقة عن يمينه و الهراقلة عن يساره إذ أتاه بطريق فأخبره أن عساكر الفرس قد غشيه فاغتم لذلك حتى سقط التاج عن رأسه فنظر إليه أحد الثلاثة الذين كانوا عن يمينه يقال له تمليخا و كان غلاما فقال في نفسه لو كان دقيانوس إلها كما يزعم إذا ما كان يغتم و لا يفزع و ما كان يبول و لا يتغوط و ما كان ينام و ليس هذه من فعل الإله قال و كان الفتية الستة كل يوم عند أحدهم و كانوا ذلك اليوم عند تمليخا فاتخذ لهم من طيب الطعام ثم قال لهم يا إخوتاه قد وقع في قلبي شيء منعني الطعام و الشراب و المنام قالوا و ما ذاك يا تمليخا قال أطلت فكري في هذه السماء فقلت من رفع سقفها محفوظة بلا عمد و لا علاقة من فوقها و من أجرى فيها شمسا و قمرا آيتان مبصرتان و من زينها بالنجوم ثم أطلت الفكر في الأرض فقلت من سطحها على ظهر اليم الزاخر و من حبسها بالجبال أن تميد على كل شيء و أطلت فكري في نفسي من أخرجني جنينا من بطن أمي و من غذاني و من رباني إن لها صانعا و مدبرا غير دقيوس الملك و ما هو إلا ملك الملوك و جبار السماوات فانكبت الفتية على رجليه يقبلونها و قالوا بك هدانا الله من الضلالة إلى الهدى فأشر علينا قال فوثب تمليخا فباع تمرا من حائط له بثلاثة آلاف درهم و صرها في ردنه و ركبوا خيولهم و خرجوا من المدينة
فلما ساروا ثلاثة أميال قال لهم تمليخا يا إخوتاه جاءت مسكنة الآخرة و ذهب ملك الدنيا انزلوا عن خيولكم و امشوا على أرجلكم لعل الله أن يجعل لكم من أمركم فرجا و مخرجا فنزلوا عن خيولهم و مشوا على أرجلهم سبعة فراسخ في ذلك اليوم فجعلت أرجلهم تقطر دما قال فاستقبلهم راع فقالوا يا أيها الراعي هل من شربة لبن أو ماء فقال الراعي عندي ما تحبون و لكن أرى وجوهكم وجوه الملوك و ما أظنكم إلا هرابا من دقيوس الملك قالوا يا أيها الراعي لا يحل لنا الكذب أ فينجينا منك الصدق فأخبروه بقصتهم فانكب الراعي على أرجلهم يقبلها و يقول يا قوم لقد وقع في قلبي ما وقع في قلوبكم و لكن أمهلوني حتى أرد الأغنام على أربابها و ألحق بكم فتوقفوا له فرد الأغنام و أقبل يسعى يتبعه الكلب له قال فوثب اليهودي فقال يا علي ما كان اسم الكلب و ما لونه فقال علي ع لا حول و لا قوة إلا بالله العلي العظيم أما لون الكلب فكان أبلقا بسواد و أما اسم الكلب فقطمير فلما نظر الفتية إلى الكلب قال بعضهم إنا نخاف أن يفضحنا بنباحه فألحوا عليه بالحجارة فأنطق الله تعالى جل ذكره الكلب ذروني حتى أحرسكم من عدوكم فلم يزل الراعي يسير بهم حتى علاهم جبلا فانحط بهم على كهف يقال له الوصيد فإذا بفناء الكهف عيون و أشجار مثمرة فأكلوا من الثمر و شربوا من الماء و جنهم الليل فَأْوُوا إِلَى الْكَهْفِ و ربض الكلب على باب الكهف و مد يديه عليه فأوحى الله تعالى عز و علا إلى ملك الموت بقبض أرواحهم و وكل الله بكل رجل ملكين يقلبانه من ذات اليمين إلى ذات الشمال و من ذات الشمال إلى اليمين فأوحى الله تعالى عز و علا إلى خزان الشمس فكانت تزاور عن كهفهم ذات اليمين و تقرضهم ذات الشمال فلما رجع دقيوس من عيده سأل عن الفتية فأخبر أنهم خرجوا هرابا فركب في ثمانين ألف حصان فلم يزل يقفو أثرهم حتى علا فانحط إلى كهفهم فلما نظر إليهم إذا هم نيام فقال الملك لو أردت أن أعاقبهم بشيء لما عاقبتهم بأكثر مما عاقبوا به أنفسهم و لكن ايتوني بالبناءين فسد باب الكهف بالكلس و الحجارة و قال لأصحابه قولوا لهم يقولوا لإلههم الذي في السماء لينجيهم و أن يخرجهم من هذا الموضع قال علي ع يا أخا اليهود فمكثوا ثلاث مائة سنة و تسع سنين فلما أراد الله أن يحييهم أمر إسرافيل الملك أن ينفخ فيهم الروح فنفخ فقاموا من رقدتهم فلما أن بزغت الشمس قال بعضهم قد غفلنا في هذه الليلة عن عبادة إله السماء فقاموا فإذا العين قد غارت و إذا الأشجار قد يبست فقال بعضهم إن أمورنا لعجب مثل تلك العين الغزيرة قد غارت و الأشجار قد يبست في ليلة واحدة و مسهم الجوع فقالوا ابعثوا بِوَرِقِكُمْ هذِهِ إِلَى الْمَدِينَةِ فَلْيَنْظُرْ أَيُّها أَزْكى طَعاماً فَلْيَأْتِكُمْ بِرِزْقٍ مِنْهُ وَ لْيَتَلَطَّفْ وَ لا يُشْعِرَنَّ بِكُمْ أَحَداً قال تمليخا لا يذهب في حوائجكم غيري و لكن ادفع أيها الراعي ثيابك إلي قال فدفع الراعي ثيابه و مضى يؤم المدينة فجعل يرى مواضع لا يعرفها و طريقا هو ينكرها حتى أتى باب المدينة و إذا عليه علم أخضر مكتوب عليه لا إله إلا الله عيسى رسول الله قال فجعل ينظر إلى العلم و جعل يمسح عينيه و يقول أراني نائما ثم دخل المدينة حتى أتى السوق فأتى رجلا خبازا فقال أيها الخباز ما اسم مدينتكم هذه قال أقسوس قال و ما اسم ملككم قال عبد الرحمن قال ادفع إلي بهذه الورق طعاما فجعل الخباز يتعجب من ثقل الدراهم و من كبرها قال فوثب اليهودي و قال يا علي و ما كان وزن كل درهم منها قال وزن كل درهم عشرة دراهم و ثلثي درهم فقال الخباز يا هذا أنت أصبت كنزا فقال تمليخا ما هذا إلا ثمن تمر بعتها منذ ثلاث و خرجت من هذه
المدينة و تركت الناس يعبدون دقيوس الملك قال فأخذ الخباز بيد تمليخا و أدخله على الملك فقال ما شأن هذا الفتى قال الخباز هذا رجل أصاب كنزا فقال الملك يا فتى لا تخف فإن نبينا عيسى ع أمرنا أن لا نأخذ من الكنز إلا خمسها فأعطني خمسها و امض سالما فقال تمليخا انظر أيها الملك في أمري ما أصبت كنزا أنا رجل من أهل هذه المدينة فقال الملك أنت من أهلها قال نعم قال فهل تعرف بها أحدا قال نعم قال ما اسمك قال اسمي تمليخا قال و ما هذه الأسماء أسماء أهل زماننا فقال الملك فهل لك في هذه المدينة دار قال نعم اركب أيها الملك معي قال فركب الملك و الناس معه فأتى بهم أرفع دار في المدينة قال تمليخا هذه الدار لي فقرع الباب فخرج إليهم شيخ و قد وقع حاجباه على عينيه من الكبر فقال ما شأنكم فقال الملك أتانا هذا الغلام بالعجائب يزعم أن هذه الدار داره فقال له الشيخ من أنت قال أنا تمليخا بن قسطيكين قال فانكب الشيخ على رجليه يقبلهما و يقول هو جدي و رب الكعبة فقال أيها الملك هؤلاء الستة الذين خرجوا هرابا من دقيوس الملك قال فنزل الملك عن فرسه و حمله على عاتقه و جعل الناس يقبلون يديه و رجليه فقال يا تمليخا ما فعل أصحابك فأخبر أنهم في الكهف و كان يومئذ بالمدينة ملك مسلم و ملك يهودي فركبوا في أصحابهم فلما صاروا قريبا من الكهف قال لهم تمليخا إني أخاف أن تسمع أصحابي أصوات حوافر الخيول فيظنون أن دقيوس الملك قد جاء في طلبهم و لكن أمهلوني حتى أتقدم فأخبرهم فوقف الناس فأقبل تمليخا حتى دخل الكهف فلما نظروا إليه اعتنقوه و قالوا الحمد لله الذي نجاك من دقيوس قال تمليخا دعوني عنكم و عن دقيوسكم قال كَمْ لَبِثْتُمْ قالُوا لَبِثْنا يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قال تمليخا بل لبثتم ثلاث مائة و تسع سنين و قد مات دقيوس و انقرض قرن بعد قرن و بعث الله نبيا يقال له المسيح عيسى ابن مريم ع و رفعه الله إليه و قد أقبل إلينا الملك و الناس معه قالوا يا تمليخا أ تريد أن تجعلنا فتنة للعالمين قال تمليخا فما تريدون قالوا ادع الله جل ذكره و ندعوه معك حتى يقبض أرواحنا فرفعوا أيديهم فأمر الله تعالى بقبض أرواحهم و طمس الله باب الكهف على الناس فأقبل الملكان يطوفان على باب الكهف سبعة أيام لا يجدان للكهف بابا فقال الملك المسلم ماتوا على ديننا أبني على باب الكهف مسجدا و قال اليهودي لا بل ماتوا على ديني أبني على باب الكهف كنيسة فاقتتلا فغلب المسلم و بنى مسجدا عليه يا يهودي أ يوافق هذا ما في توراتكم قال ما زدت حرفا و لا نقصت و أنا أشهد أن لا إله إلا الله و أن محمدا عبده و رسوله
بيان هذا مختصر مما رواه الثعلبي في عرائسه. و اللجين مصغرا الفضة و النمرقة بضم النون و الراء و بكسرهما الوسادة قوله كيفما دارت أقول وجدت في بعض الكتب هكذا و اتخذ لشرقي المجلس مائتي كوة و لغربيه كذلك فكانت الشمس من حين تطلع إلى حين تغيب تدور في المجلس كيفما دارت و لعله أصوب و البطريق القائد من قواد الروم و هو معرب و الجمع البطارقة و الهرقل بكسر الهاء و القاف ملك الروم. و قال الجزري القرطق قباء معرب كرته و قد تضم طاؤه و قال الفيروزآبادي القرطق كجندب معرب كرته و قرطقته فتقرطق ألبسته إياه فلبسه انتهى و الدملج و الدملوج المعضد. قوله ع و اتخذ ستة غلمة أقول في بعض الكتب و اصطفى ستة أغلمة من أولاد العلماء فجعلهم وزراء و فيه فأسماء الذين عن يمينه يمليخا و مكسلمينا و مخسمينا و الذين عن يساره مرطوش و كشطونش و ساذنوش
2- ص، ]قصص الأنبياء عليهم السلام[ الصدوق عن أبيه عن سعد عن ابن عيسى عن القاسم بن يحيى عن جده الحسن بن راشد عن جابر عن أبي جعفر ع قال صلى النبي ص ذات ليلة ثم توجه إلى البقيع فدعا أبا بكر و عمر و عثمان و عليا فقال امضوا حتى تأتوا أصحاب الكهف و تقرءوهم مني السلام و تقدم أنت يا أبا بكر فإنك أسن القوم ثم أنت يا عمر ثم أنت يا عثمان فإن أجابوا واحدا منكم و إلا تقدم أنت يا علي كن آخرهم ثم أمر الريح فحملتهم حتى وضعتهم على باب الكهف فتقدم أبو بكر فسلم فلم يردوا فتنحى فتقدم عمر فسلم فلم يردوا عليه و تقدم عثمان و سلم فلم يردوا عليه و تقدم علي و قال السلام عليكم و رحمة الله و بركاته أهل الكهف الذين آمنوا بربهم و زادهم هدى و ربط على قلوبهم أنا رسول رسول الله إليكم فقالوا مرحبا برسول الله و برسوله و عليك السلام يا وصي رسول الله و رحمة الله و بركاته قال فكيف علمتم أني وصي النبي فقالوا إنه ضرب على آذاننا ألا نكلم إلا نبيا أو وصي نبي فكيف تركت رسول الله صلى الله عليه و آله و كيف حشمه و كيف حاله و بالغوا في السؤال و قالوا خبر أصحابك هؤلاء أنا لا نكلم إلا نبيا أو وصي نبي فقال لهم أ سمعتم ما يقولون قالوا نعم قال فاشهدوا ثم حولوا وجوههم قبل المدينة فحملتهم الريح حتى وضعتهم بين يدي رسول الله فأخبروه بالذي كان فقال لهم النبي ص قد رأيتم و سمعتم فاشهدوا قالوا نعم فانصرف النبي إلى منزله و قال لهم احفظوا شهادتكم
أقول رواه الثعلبي في تفسيره بتغيير ما و سيأتي بأسانيد في معجزات النبي و أمير المؤمنين صلوات الله و سلامه عليهما
3- ما، ]الأمالي للشيخ الطوسي[ ابن بشران عن الحسن بن صفوان عن عبد الله بن محمد عن أبي خيثمة عن يعقوب بن إبراهيم بن سعد عن أبيه عن صالح بن كيسان عن نافع أن عبد الله بن عمر قال قال رسول الله ص بينما ثلاثة رهط يتماشون أخذهم المطر فأووا إلى غار في جبل فبينما هم فيه انحطت صخرة فأطبقت عليهم فقال بعضهم لبعض انظروا أفضل أعمال عملتموها فسلوه بها لعله يفرج عنكم قال أحدهم اللهم إنه كان لي والدان كبيران و كانت لي امرأة و أولاد صغار فكنت أرعى عليهم فإذا أرحت عليهم غنمي بدأت بوالدي فسقيتهما فلم آت حتى نام أبواي فطيبت الإناء ثم حلبت ثم قمت بحلابي عند رأس أبوي و الصبية ينضاعون عند رجلي أكره أن أبدأ بهم قبل أبوي و أكره أن أوقظهما من نومهما فلم أزل كذلك حتى أضاء الفجر اللهم إن كنت تعلم أني فعلت ذلك ابتغاء وجهك فافرج عنا فرجة نرى منها السماء ففرج لهم فرجة فرأوا منها السماء و قال الآخر اللهم إنه كانت لي بنت عم فأحببتها حبا كانت أعز الناس إلي فسألتها نفسها فقالت لا حتى تأتيني بمائة دينار فسعيت حتى جمعت مائة دينار فأتيتها بها فلما كنت بين رجليها قالت اتق الله و لا تفتح الخاتم إلا بحقه فقمت عنها اللهم إن كنت تعلم أني فعلت ذلك ابتغاء وجهك فافرج عنا فيها فرجة ففرج الله لهم فيها فرجة و قال الثالث اللهم إني كنت استأجرت أجيرا بفرق ذرة فلما قضى عمله عرضت عليه فأبى أن يأخذها و رغب عنه فلم أزل أعتمل به حتى جمعت منه بقرا و رعاتها فجاءني و قال اتق الله و أعطني حقي و لا تظلمني فقلت له اذهب إلى تلك البقر و رعاتها فخذها فذهب و استاقها اللهم إن كنت تعلم أني فعلت ذلك ابتغاء وجهك فافرج عنا ما بقي منها ففرج الله عنهم فخرجوا يتماشون
بيان قال الجوهري أراح إبله أي ردها إلى المراح و أرحت على الرجل حقه إذا رددته عليه انتهى و انضاع الفرخ صاح و تلوى عند الجوع و في النهاية الفرق بالتحريك مكيال يسع ستة عشر رطلا انتهى و في بعض النسخ يفرق بصيغة الفعل و لعله تصحيف
4- فس، ]تفسير القمي[ أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحابَ الْكَهْفِ وَ الرَّقِيمِ كانُوا مِنْ آياتِنا عَجَباً يقول قد آتيناك من الآيات ما هو أعجب منه و هم فتية كانوا في الفترة بين عيسى ابن مريم ع و محمد ص و أما الرقيم فهما لوحان من نحاس مرقوم أي مكتوب فيهما أمر الفتية و أمر إسلامهم و ما أراد منهم دقيانوس الملك و كيف كان أمرهم و حالهم
قال علي بن إبراهيم فحدثني أبي عن ابن أبي عمير عن أبي بصير عن أبي عبد الله ع قال كان سبب نزول سورة الكهف أن قريشا بعثوا ثلاثة نفر إلى نجران النضر بن حارث بن كلدة و عقبة بن أبي معيط و العاص بن وائل السهمي ليتعلموا من اليهود و النصارى مسائل يسألونها رسول الله ص فخرجوا إلى نجران إلى علماء اليهود فسألوهم فقالوا اسألوه عن ثلاث مسائل فإن أجابكم فيها على ما عندنا فهو صادق ثم سلوه عن مسألة واحدة فإن ادعى علمها فهو كاذب قالوا و ما هذه المسائل قالوا اسألوه عن فتية كانوا في الزمن الأول فخرجوا و غابوا و ناموا كم بقوا في نومهم حتى انتبهوا و كم كان عددهم و أي شيء كان معهم من غيرهم و ما كان قصتهم و اسألوه عن موسى حين أمره الله أن يتبع العالم و يتعلم منه من هو و كيف تبعه و ما كان قصته معه و اسألوه عن طائف طاف من مغرب الشمس و مطلعها حتى بلغ سد يأجوج و مأجوج من هو و كيف كان قصته ثم أملوا عليهم أخبار هذه الثلاث المسائل و قالوا لهم إن أجابكم بما قد أملينا عليكم فهو صادق و إن أخبركم بخلاف ذلك فلا تصدقوه قالوا فما المسألة الرابعة قالوا اسألوه متى تقوم الساعة فإن ادعى علمها فهو كاذب فإن قيام الساعة لا يعلمه إلا الله تبارك و تعالى فرجعوا إلى مكة و اجتمعوا إلى أبي طالب فقالوا يا أبا طالب إن ابن أخيك يزعم أن خبر السماء يأتيه و نحن نسأله عن مسائل فإن أجابنا عنها علمنا أنه صادق و إن لم يخبرنا علمنا أنه كاذب فقال أبو طالب سلوه عما بدا لكم فسألوه عن الثلاث المسائل فقال رسول الله ص غدا أخبركم و لم يستثن فاحتبس الوحي عنه أربعين يوما حتى اغتم النبي و شك أصحابه الذين كانوا آمنوا به و فرحت قريش و استهزءوا و آذوا و حزن أبو طالب فلما أن كان بعد أربعين يوما نزل عليه جبرئيل بسورة الكهف فقال رسول الله يا جبرئيل لقد أبطأت فقال إنا لا نقدر أن ننزل إلا بإذن الله فأنزل أَمْ حَسِبْتَ يا محمد أَنَّ أَصْحابَ الْكَهْفِ وَ الرَّقِيمِ كانُوا مِنْ آياتِنا عَجَباً ثم قص قصتهم فقال إِذْ أَوَى الْفِتْيَةُ إِلَى الْكَهْفِ فَقالُوا رَبَّنا آتِنا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً وَ هَيِّئْ لَنا مِنْ أَمْرِنا رَشَداً
فقال الصادق ع إن أصحاب الكهف و الرقيم كانوا في زمن ملك جبار عات و كان يدعو أهل مملكته إلى عبادة الأصنام فمن لم يجبه قتله و كان هؤلاء قوما مؤمنين يعبدون الله عز و جل و وكل الملك بباب المدينة حرسا و لم يدع أحدا يخرج حتى يسجد الأصنام و خرج هؤلاء بعلة الصيد و ذلك أنهم مروا براع في طريقهم فدعوه إلى أمرهم فلم يجبهم و كان مع الراعي كلب فأجابهم الكلب و خرج معهم فقال الصادق ع فلا يدخل الجنة من البهائم إلا ثلاثة حمار بلعم بن باعوراء و ذئب يوسف و كلب أصحاب الكهف فخرج أصحاب الكهف من المدينة بعلة الصيد هربا من دين ذلك الملك فلما أمسوا دخلوا ذلك الكهف و الكلب معهم فألقى الله عليهم النعاس كما قال تبارك و تعالى فَضَرَبْنا عَلَى آذانِهِمْ فِي الْكَهْفِ سِنِينَ عَدَداً فناموا حتى أهلك الله ذلك الملك و أهل مملكته و ذهب ذلك الزمان و جاء زمان آخر و قوم آخرون ثم انتبهوا فقال بعضهم لبعض كم نمنا هاهنا فنظروا إلى الشمس قد ارتفعت فقالوا نمنا يوما أو بعض يوم ثم قالوا لواحد منهم خذ هذا الورق و ادخل المدينة متنكرا لا يعرفوك فاشتر لنا طعاما فإنهم إن علموا بنا و عرفونا قتلونا أو ردونا في دينهم فجاء ذلك الرجل فرأى المدينة بخلاف الذي عهدها و رأى قوما بخلاف أولئك لم يعرفهم و لم يعرفوا لغته و لم يعرف لغتهم فقالوا له من أنت و من أين جئت فأخبرهم فخرج ملك تلك المدينة مع أصحابه و الرجل معهم حتى وقفوا على باب الكهف و أقبلوا يتطلعون فيه فقال بعضهم هؤلاء ثلاثة و رابِعُهُمْ كَلْبُهُمْ و قال بعضهم هم خمسة و سادِسُهُمْ كَلْبُهُمْ و قال بعضهم هم سَبْعَةٌ وَ ثامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ و حجبهم الله بحجاب من الرعب فلم يكن أحد يقدم بالدخول عليهم غير صاحبهم و إنه لما دخل عليهم وجدهم خائفين أن يكونوا أصحاب دقيانوس شعروا بهم فأخبرهم صاحبهم أنهم كانوا نائمين هذا الزمن الطويل و أنهم آية للناس فبكوا و سألوا الله تعالى أن يعيدهم إلى مضاجعهم نائمين كما كانوا ثم قال الملك ينبغي أن نبني هاهنا مسجدا و نزوره فإن هؤلاء قوم مؤمنون فلهم في كل سنة نقلتين ينامون ستة أشهر على جنوبهم اليمنى و ستة أشهر على جنوبهم اليسرى و الكلب معهم قد بسط ذراعيه بفناء الكهف و ذلك قوله نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ نَبَأَهُمْ بِالْحَقِّ أي خبرهم إلى قوله بِالْوَصِيدِ أي بالفناء وَ كَذلِكَ بَعَثْناهُمْ أي أنبهناهم إلى قوله وَ كَذلِكَ أَعْثَرْنا عَلَيْهِمْ و هم الذين ذهبوا إلى باب الكهف إلى قوله سَبْعَةٌ وَ ثامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ فقال الله لنبيه ص قُلْ لهم رَبِّي أَعْلَمُ بِعِدَّتِهِمْ ما يَعْلَمُهُمْ إِلَّا قَلِيلٌ ثم انقطع خبرهم فقال فَلا تُمارِ فِيهِمْ إلى قوله إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللَّهُ أخبره أنه إنما حبس الوحي أربعين صباحا لأنه قال لقريش غدا أخبركم بجواب مسائلكم و لم يستثن فقال الله وَ لا تَقُولَنَّ إلى قوله رَشَداً ثم عطف على الخبر الأول الذي حكي عنهم أنهم يقولون ثَلاثَةٌ رابِعُهُمْ كَلْبُهُمْ فقال وَ لَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ ثَلاثَ مِائَةٍ سِنِينَ وَ ازْدَادُوا تِسْعاً و هو حكاية عنهم و لفظه خبر و الدليل على أنه حكاية عنهم قوله قُلِ اللَّهُ أَعْلَمُ بِما لَبِثُوا
و في رواية أبي الجارود عن أبي جعفر ع في قوله لَنْ نَدْعُوَا مِنْ دُونِهِ إِلهاً لَقَدْ قُلْنا إِذاً شَطَطاً يعني جورا على الله إن قلنا إن له شريكا و قوله لَوْ لا يَأْتُونَ عَلَيْهِمْ بِسُلْطانٍ بَيِّنٍ يعني بحجة بينة أن معه شريكا و قوله وَ تَحْسَبُهُمْ أَيْقاظاً وَ هُمْ رُقُودٌ يقول ترى أعينهم مفتوحة وَ هُمْ رُقُودٌ يعني نيام وَ نُقَلِّبُهُمْ ذاتَ الْيَمِينِ وَ ذاتَ الشِّمالِ في كل عام مرتين لئلا تأكلهم الأرض و قوله فَلْيَنْظُرْ أَيُّها أَزْكى طَعاماً يقول أيها أطيب طعاما و قوله وَ كَذلِكَ أَعْثَرْنا عَلَيْهِمْ يعني أطلعنا على الفتية لِيَعْلَمُوا أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ في البعث وَ أَنَّ السَّاعَةَ لا رَيْبَ فِيها يعني لا شك فيها بأنها كائنة و قوله رَجْماً بِالْغَيْبِ يعني ظنا بالغيب ما يستفتونهم و قوله فَلا تُمارِ فِيهِمْ إِلَّا مِراءً ظاهِراً يقول حسبك ما قصصنا عليك من أمرهم وَ لا تَسْتَفْتِ فِيهِمْ مِنْهُمْ أَحَداً يقول لا تسأل عن أصحاب الكهف أحدا من أهل الكتاب
5- ص، ]قصص الأنبياء عليهم السلام[ بالإسناد إلى الصدوق بإسناده إلى ابن أورمة عن الحسن بن محمد الحضرمي عن عبد الله بن يحيى الكاهلي عن أبي عبد الله ع و ذكر أصحاب الكهف فقال لو كلفكم قومكم ما كلفهم قومهم فافعلوا فعلهم فقيل له و ما كلفهم قومهم قال كلفوهم الشرك بالله فأظهروه لهم و أسروا الإيمان حتى جاءهم الفرج و قال إن أصحاب الكهف كذبوا فآجرهم و صدقوا فآجرهم الله و قال كانوا صيارفة كلام و لم يكونوا صيارفة الدراهم و قال خرج أصحاب الكهف على غير ميعاد فلما صاروا في الصحراء أخذ هذا على هذا و هذا على هذا العهد و الميثاق ثم قال أظهروا أمركم فأظهروه فإذا هم على أمر واحد و قال إن أصحاب الكهف أسروا الإيمان و أظهروا الكفر فكانوا على إظهارهم الكفر أعظم أجرا منهم على إسرارهم الإيمان و قال ما بلغت تقية أحد ما بلغت تقية أصحاب الكهف و إن كانوا ليشدون الزنانير و يشهدون الأعياد فأعطاهم الله أجرهم مرتين
شي، ]تفسير العياشي[ عن الكاهلي مثله بيان قوله صيارفة كلام أي كانوا يميزون كلام الحق من الباطل
6- ص، ]قصص الأنبياء عليهم السلام[ بالإسناد إلى ابن أورمة عن الحسن بن علي عن إبراهيم بن محمد عن محمد بن مروان عن الفضيل بن يسار عن أبي جعفر ع قال إن أصحاب الكهف كذبوا الملك فأجروا و صدقوا فأجروا
7- ص، ]قصص الأنبياء عليهم السلام[ بالإسناد عن ابن أورمة عن البزنطي عن بعض أصحابنا عن أبي عبد الله ع في قوله تعالى أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحابَ الْكَهْفِ وَ الرَّقِيمِ قال هم قوم فقدوا فكتب ملك ذلك الزمان أسماءهم و أسماء آبائهم و عشائرهم في صحف من رصاص
شي، ]تفسير العياشي[ عن محمد عن أحمد بن علي عنه ع مثله
8- ص، ]قصص الأنبياء عليهم السلام[ الصدوق عن أبيه عن سعد عن إبراهيم بن مهزيار عن أخيه عن أبان بن عثمان عن أبي جميلة عن جابر بن يزيد عن عبد الرحمن بن الحارث البرادي عن ابن أبي أوفى قال سمعت رسول الله ص يقول خرج ثلاثة نفر يسيحون في الأرض فبينما هم يعبدون الله في كهف في قلة جبل حتى بدت صخرة من أعلى الجبل حتى التقت باب الكهف فقال بعضهم يا عباد الله و الله لا ينجيكم منها و بقيتم فيه إلا أن تصدقوا عن الله فهلموا ما عملتم خالصا لله فقال أحدهم اللهم إن كنت تعلم أني طلبت جيدة لحسنها و جمالها و أعطيت فيها مالا ضخما حتى إذا قدرت عليها و جلست منها مجلس الرجل من المرأة ذكرت النار فقمت عنها فرقا منك فارفع عنا هذه الصخرة قال فانصدعت حتى نظروا إلى الضوء ثم قال آخر اللهم إن كنت تعلم أني استأجرت قوما كل رجل منهم بنصف درهم فلما فرغوا أعطيتهم أجورهم فقال رجل لقد عملت عمل رجلين و الله لا آخذ إلا درهما ثم ذهب و ترك ما له عندي فبذرت بذلك النصف الدرهم في الأرض فأخرج الله به رزقا و جاء صاحب النصف الدرهم فأراده فدفعت إليه عشرة آلاف درهم حقه فإن كنت تعلم أنما فعلت ذلك مخافة منك فارفع عنا هذه الصخرة قال فانفرجت حتى نظر بعضهم إلى بعض ثم قال الآخر اللهم إن كنت تعلم أن أبي و أمي كانا نائمين فأتيتهما بقصعة من لبن فخفت أن أضعه فيقع فيه هامة و كرهت أن أنبههما من نومهما فيشق ذلك عليهما فلم أزل بذلك حتى استيقظا فشربا اللهم إن كنت تعلم أني فعلت ذلك ابتغاء لوجهك فارفع عنا هذه الصخرة فانفرجت حتى سهل الله لهم المخرج ثم قال رسول الله ص من صدق الله نجا
-9 شي، ]تفسير العياشي[ عن أبي بصير عن أبي عبد الله ع قال إن أصحاب الكهف أسروا الإيمان و أظهروا الكفر فآجرهم الله مرتين
10- شي، ]تفسير العياشي[ عن سليمان بن جعفر الهذلي قال قال لي جعفر بن محمد ع يا سليمان من الفتى قال قلت جعلت فداك الفتى عندنا الشاب قال لي أ ما علمت أن أصحاب الكهف كانوا كلهم كهولا فسماهم الله فتية بإيمانهم يا سليمان من آمن بالله و اتقى فهو الفتى
11- شي، ]تفسير العياشي[ عن أبي بكر الحضرمي عن أبي عبد الله ع قال خرج أصحاب الكهف على غير معرفة و لا ميعاد فلما صاروا في الصحراء أخذ بعضهم على بعض العهود و المواثيق فأخذ هذا على هذا و هذا على هذا ثم قالوا أظهروا أمركم فأظهروه فإذا هم على أمر واحد
12- شي، ]تفسير العياشي[ عن درست عن أبي عبد الله ع أنه ذكر أصحاب الكهف فقال كانوا صيارفة كلام و لم يكونوا صيارفة دراهم
13- شي، ]تفسير العياشي[ عن محمد بن سنان عن البطيخي عن أبي جعفر ع في قوله لَوِ اطَّلَعْتَ عَلَيْهِمْ لَوَلَّيْتَ مِنْهُمْ فِراراً وَ لَمُلِئْتَ مِنْهُمْ رُعْباً قال إن ذلك لم يعن به النبي ص إنما عنى به المؤمنين بعضهم لبعض لكنه حالهم التي هم عليها
14- كا، ]الكافي[ محمد بن يحيى عن أحمد بن محمد عن الحسن بن علي عن درست الواسطي قال قال أبو عبد الله ع ما بلغت تقية أحد تقية أصحاب الكهف إن كانوا ليشهدون الأعياد و يشدون الزنانير فأعطاهم الله أجرهم مرتين
شي، ]تفسير العياشي[ عن درست مثله
-15 كا، ]الكافي[ علي بن إبراهيم عن أبيه عن صالح بن السندي عن جعفر بن بشير عن خالد بن عمارة عن سدير الصيرفي قال قلت لأبي جعفر ع حديث بلغني عن الحسن البصري فإن كان حقا ف إِنَّا لِلَّهِ وَ إِنَّا إِلَيْهِ راجِعُونَ قال و ما هو قلت بلغني أن الحسن البصري كان يقول لو غلا دماغه من حر الشمس ما استظل بحائط صيرفي و لو تفرث كبده عطشا لم يستسق من دار صيرفي ماء و هو عملي و تجارتي و عليه نبت لحمي و دمي و منه حجي و عمرتي فجلس ثم قال كذب الحسن خذ سواء و أعط سواء فإذا حضرت الصلاة دع ما بيدك و انهض إلى الصلاة أ ما علمت أن أصحاب الكهف كانوا صيارفة
بيان لعله ع إنما ذكر ذلك إلزاما عليهم حيث ظنوا أنهم كانوا صيارفة الدراهم لئلا ينافي ما سبق و الصدوق رحمه الله قال في الفقيه بعد إيراد الخبر يعني صيارفة الكلام و لم يعن صيارفة الدراهم و لعله رحمه الله ذهب عليه أن هذا المعنى لا يناسب هذا المقام و قد يوجه الخبر على ما حمله عليه بوجوه. الأول أن أصحاب الكهف كانوا صيارفة الكلام يميزون بين الحق و الباطل فينبغي أن تكون أيضا كذلك فلم تنقل هذا الكلام عن الحسن مع أن قوله ليس بحجة و مع ذلك ظاهر الفساد لأن الاستظلال بظل الكافر و الاستسقاء من داره جائز و الصيرفي لا يكون شرا منه و أيضا بيع الصرف من الأمور الضرورية التي تجب كفاية. الثاني أن يقرأ يعني و لم يعن على بناء المجهول فالمراد أن الحسن وهم في تأويل ما روي في ذم الصيارفة فإن المعني بها صيارفة الكلام قال ابن الأثير في حديث الخولاني من طلب صرف الحديث يبتغي به إقبال وجوه الناس إليه أراد بصرف الحديث ما يتكلفه الإنسان من الزيادة فيه على قدر الحاجة و إنما كره ذلك لما يدخله من الرياء و التصنع لما تخالطه من الكذب انتهى. أقول و على هذا يمكن أن يقرأ على بناء المعلوم أيضا بأن يكون الضميران راجعين إلى الرسول ص. الثالث أن يكون المعنى أن أصحاب الكهف كانوا صيارفة الكلام كما يقال فلان يحسن صرف الكلام أي تفضيل بعضه على بعض فأصل الصرف و التمييز ليس بحرام بل هو من الكلام و إنما الحرام ما يصدر عن بعض الصيارفة من الغش و الرباء و غيرهما. الرابع أن يكون ذكره ع ذلك بعد رد قول الحسن أمرا بالتقية بأن أصحاب الكهف كانوا صيارفة كلام يصرفونه عن ظاهره في مقام التقية و عليه يمكن أن يحمل خبر الكاهلي. تتمة قال الثعلبي في تفسيره قال محمد بن إسحاق مرج أهل الإنجيل و كثرت فيهم الخطايا حتى عبدوا الأصنام و ذبحوا للطواغيت و فيهم بقايا على دين المسيح ع متمسكين بعبادة الله عز و جل و توحيده حتى ظهر فيهم ملك يقال له دقيانوس كان ينزل قرى الروم و لا يترك في قرية ينزلها أحدا إلا فتنه أن يعبد الأصنام و يذبح للطواغيت حتى نزل مدينة أصحاب الكهف و هي أفسوس فلما نزلها كبر ذلك على أهل الإيمان و هربوا في كل وجه فبعث الشرط يتبعونهم فيقدمهم إلى الجامع الذي يذبح فيه للطواغيت فيخيرهم بين القتل و بين عبادة الأصنام و الذبح للطواغيت فمنهم من يرغب في الحياة و منهم من يأبى أن يعبد غير الله تعالى فيقتل فلما رأى ذلك أهل الشدة في الإيمان بالله عز و جل جعلوا يسلمون أنفسهم للعذاب و القتل فيقتلون و يقطعون ثم يربط ما قطع من أجسادهم على سور المدينة من نواحيها كلها و على كل باب من أبوابها
حتى عظمت الفتنة فلما رأى ذلك الفتية حزنوا حزنا شديدا فقاموا و صاموا و اشتغلوا بالدعاء و التسبيح لله عز و جل و كانوا من أشراف الروم و كانوا ثمانية نفر فبكوا و تضرعوا و جعلوا يقولون رَبُّنا رَبُّ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ لَنْ نَدْعُوَا مِنْ دُونِهِ إِلهاً لَقَدْ قُلْنا إِذاً شَطَطاً اكشف عن عبادك المؤمنين هذه الفتنة فبينا هم على ذلك إذ أدركهم الشرط و كانوا قد دخلوا في مصلى لهم فوجدوهم سجودا على وجوههم يبكون و يتضرعون إلى الله عز و جل و يسألونه أن ينجيهم من دقيانوس و فئته فلما رأوهم رفعوا أمرهم إلى دقيانوس و قالوا هؤلاء الفتية من أهل بيتك يسخرون منك و يعصون أمرك فلما سمع ذلك أتى بهم تفيض أعينهم من الدمع معفرة وجوههم في التراب فقال لهم اختاروا إما أن تذبحوا لآلهتنا و إما أن أقتلكم فقال مكسلمينا و كان أكبرهم إن لنا إلها ملأ السماوات و الأرض عظمته لن ندعو من دونه إلها أبدا اصنع بنا ما بدا لك و كذا قال أصحابه فأمر بهم فنزع منهم لبوسهم و كان عليهم من لبوس عظمائهم و قال إني سأؤخركم لأني أراكم شبانا فلا أحب أن أهلككم حتى أجعل لكم أجلا تذكرون فيه و تراجعون عقولكم ثم أمر بحلية كانت عليهم من ذهب و فضة فنزعت منهم ثم أخرجوا و انطلق دقيانوس إلى مدينة أخرى قريبا منهم فلما رأى الفتية ذلك ائتمروا بينهم أن يأخذ كل رجل نفقة من بيت أبيه فيتصدقوا بها و يتزودوا مما بقي ثم ينطلقوا إلى كهف قريب من المدينة في جبل يقال له ينجلوس فيعبدون الله حتى إذا جاء دقيانوس أتوه فيصنع بهم ما شاء ففعلوا ذلك و اتبعهم كلب كان لهم فاشتغلوا فيه بالصلاة و الصيام و التسبيح و التكبير و التحميد و كانوا كلما نفدت نفقتهم يذهب يمليخا و كان أجملهم و أجلدهم و يضع ثيابا كان عليه و يأخذ ثيابا كثياب المساكين الذين يستطعمون فينطلق إلى المدينة فيشتري طعاما و يتسمع و يتجسس لهم الأخبار فلبثوا بذلك ما لبثوا ثم قدم الجبار إلى المدينة فأمر العظماء فذبحوا للطواغيت و كان يمليخا بالمدينة يشتري لأصحابه طعامهم و شرابهم فرجع إلى أصحابه و هو يبكي و معه طعام قليل فلما أخبرهم فزعوا و وقعوا سجودا يتضرعون إلى الله تعالى فقال يمليخا يا إخوتاه ارفعوا رءوسكم فأطعموا منه و توكلوا على ربكم فرفعوا رءوسهم و أعينهم تفيض من الدمع حزنا و خوفا على أنفسهم فطعموا منه و ذلك مع غروب الشمس ثم جلسوا يتحدثون و يتدارسون و يذكر بعضهم بعضا فبينا هم على ذلك إذ ضرب الله على آذانهم في الكهف و كلبهم باسط ذراعيه بباب الكهف فأصابه ما أصابهم و نفقتهم عند رءوسهم فلما كان من الغد تفقدهم دقيانوس فأرسل إلى آبائهم فسألهم عنهم فقالوا له أما نحن فلم نعصك فلم تقتلنا بقوم مردة قد ذهبوا بأموالنا فأهلكوها في أسواق المدينة ثم انطلقوا فارتقوا إلى جبل يدعى ينجلوس فأمر بالكهف أن يسد عليهم و قال دعوهم كما هم في الكهف يموتوا جوعا و عطشا. ثم إن رجلين مؤمنين كانا في بيت الملك يكتمان إيمانهما اسمهما يندروس و روياس ائتمرا أن يكتبا شأن الفتية و أنسابهم و أسماءهم و خبرهم في لوح من رصاص ثم يجعلانه في تابوت من نحاس ثم يجعلان التابوت في البنيان و قالا لعل الله يظهر على هؤلاء الفتية قوما مؤمنين قبل يوم القيامة فيعلم من فتح عليهم حين يقرأ هذا الكتاب ففعلا ثم بنيا عليه فبقي دقيانوس ما بقي ثم مات و قومه و قرون بعده كثيرة و خلفت الملوك بعد الملوك. و قال عبيد بن عمير كانوا فتيانا مطوقين مسورين ذوي ذوائب و كان معهم كلب صيدهم فخرجوا في عيد لهم عظيم في زي و موكب و أخرجوا معهم آلهتهم و قد قذف الله في قلوبهم الإيمان و كان أحدهم وزير الملك فآمنوا و أخفى كل منهم إيمانه من أصحابه فتفرقوا و عزم كل منهم على أن يخرج من بين القوم فاجتمعوا تحت شجرة فأظهروا أمرهم فإذا هم على أمر واحد فانطلقوا إلى الكهف ففقدهم قومهم فطلبوهم فأعمى الله عليهم أخبارهم فكتبوا أسماءهم و أنسابهم في لوح فلان و فلان و فلان أبناء ملوكنا فقدناهم في شهر كذا من سنة كذا في مملكة فلان بن فلان و وضعوا اللوح في خزانة الملك.
و قال وهب جاء حواري عيسى ع إلى مدينة أصحاب الكهف فأراد أن يدخلها فقيل له إن على بابها صنما لا يدخلها أحد إلا سجد له فكره أن يدخلها فأتى حماما قريبا من تلك المدينة فكان يؤاجر نفسه من الحمامي و يعمل فيه و رأى صاحب الحمام في حمامه البركة و جعل يقوم عليه و علقه فتية من أهل المدينة فجعل يخبرهم خبر السماء و الأرض و خبر الآخرة حتى آمنوا به و صدقوه و كانوا على مثل حاله و كان يشترط على صاحب الحمام أن الليل لا يحول بيني و بينه أحد و لا بين الصلاة و كان على ذلك حتى أتى ابن الملك بامرأة فدخل بها الحمام فعيره الحواري و قال له أنت ابن الملك تدخل مع هذه فاستحيا فذهب فرجع مرة أخرى فقال له مثل ذلك فسبه و انتهره و لم يلتفت حتى دخلا معا و ماتا جميعا في الحمام فأتى الملك فقيل له قتل صاحب الحمام ابنك فالتمس فلم يقدر عليه فقال من كان يصحبه فسمي الفتية فالتمسوا فخرجوا من المدينة فمروا بصاحب لهم في زرع و هو على مثل إيمانهم فذكروا له أنهم التمسوا فانطلق معهم و معه كلب حتى آواهم الليل إلى الكهف فدخلوا و قالوا نبيت هاهنا و نصبح إن شاء الله فترون رأيكم فضرب الله على آذانهم فخرج الملك في أصحابه يتبعونهم حتى وجدوهم قد دخلوا الكهف و كلما أراد الرجل منهم دخوله أرعب فلم يطق أحد دخوله و قال قائل أ ليس لو كنت قدرت عليهم قتلتهم قال بلى قال فابن عليهم باب الكهف و اتركهم فيه يموتوا عطشا و جوعا ففعل. قال وهب و صبروا بعد ما سد عليهم باب الكهف زمانا بعد زمان ثم إن راعيا أدركه المطر عند الكهف فقال لو فتحت هذا الكهف فأدخلته غنمي من المطر فلم يزل يعالجه حتى فتح و رد الله إليهم أرواحهم من الغد حين أصبحوا. و قال محمد بن إسحاق ثم ملك أهل تلك البلاد رجل صالح يقال له تندوسيس
فلما ملك بقي في ملكه ثمانيا و ثلاثين سنة فتحزب الناس في ملكه أحزابا منهم من يؤمن بالله و يعلم أن الساعة حق و منهم من يكذب بها و كبر ذلك على الملك و بكى إلى الله عز و جل و تضرع إليه و حزن حزنا شديدا فلما فشا ذلك في ملكه دخل بيته و أغلقه عليه و لبس مسحا و جعل تحته رمادا و جعل يتضرع إلى الله ليله و نهاره و يبكي مما يرى فيه الناس فأحيا الله الفتية فجلسوا فرحين مسفرة وجوههم طيبة أنفسهم فسلم بعضهم على بعض كأنما استيقظوا من ساعتهم التي كانوا يستيقظون لها إذا أصبحوا من ليلتهم ثم قاموا إلى الصلاة فصلوا فلما قضوا صلاتهم قال بعضهم لبعض كَمْ لَبِثْتُمْ قالُوا لَبِثْنا يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قالُوا رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِما لَبِثْتُمْ و كل ذلك في أنفسهم يسير فقال لهم يمليخا افتقدتم و التمستم بالمدينة و هو يريد أن يؤتى بكم اليوم فتذبحون للطواغيت أو يقتلكم فما شاء الله بعد ذلك فعل فقال لهم مكسملينا يا إخوتاه اعلموا أنكم ملاقو الله و لا تكفروا بعد إيمانكم إذا دعاكم غدا ثم قالوا ليمليخا انطلق إلى المدينة فتسمع ما يقال لنا بها اليوم و ما الذي نذكر به عند دقيانوس و تلطف و لا يشعرن بنا أحد و ابتع لنا طعاما فأتنا به و زدنا على الطعام الذي جئتنا به أمس فإنه كان قليلا فقد أصبحنا جياعا. فانطلق يمليخا في الثياب التي كان يتنكر فيها فلما أتى باب المدينة رأى فوق ظهر الباب علامة تكون لأهل الإيمان فعجب من ذلك فتحول إلى باب آخر فرأى مثل ذلك و رأى ناسا كثيرا محدثين لم يكن رآهم قبل ذلك فجعل يمشي و يعجب ثم دخل المدينة فسمع الناس يحلفون باسم عيسى ابن مريم فزاده فرقا فقال في نفسه لعل هذه المدينة ليست بالمدينة التي أعرف ثم لقي فتى من أهلها فقال له ما اسم هذه المدينة يا فتى فقال أفسوس فقال في نفسه لعل بي مسا أو أمرا أذهب عقلي و الله يحق لي أن أسرع الخروج منها قبل أن أخزي أو يصيبني شر فدنا من الذين يبيعون الطعام فأخرج الورقة التي كانت معه فأعطاها رجلا منهم فقال يا عبد الله بعني بهذا الورق طعاما فأخذها الرجل فنظر إلى ضرب الورق و نقشها فتعجب منها ثم طرحها إلى رجل من أصحابه فنظر إليها ثم جعلوا يتطارحونها من رجل إلى رجل و يتعجبون منها ثم جعلوا يتسارون بينهم و يقول بعضهم لبعض إن هذا الرجل قد أصاب كنزا خبيئا في الأرض منذ زمان و دهر طويل فلما رآهم يتسارون فرق فرقا شديدا و جعل يرتعد و يظن أنهم عرفوه و إنما يريدون أن يذهبوا به إلى ملكهم دقيانوس و جعل ناس آخر يأتونه فيتعرفونه فقالوا له من أنت يا فتى و ما شأنك و الله لقد وجدت كنزا من كنوز الأولين و أنت تريد أن تخفيه منا فشاركنا فيه نخف عليك ما وجدت فإنك إن لم تفعل نأت بك السلطان فنسلمك إليه فيقتلك فقال في نفسه قد وقعت في كل شيء أحذر منه. ثم قالوا يا فتى إنك لا تستطيع أن تكتم ما وجدت فجعل يمليخا ما يدري ما يقول لهم و ما يرجع إليهم و فرق حتى لا يحير جوابا فأخذوا كساءه فطووا في عنقه ثم جعلوا يقودونه في سكك المدينة ملبيا حتى سمع به من فيها فقيل أخذ رجل عنده كنز و اجتمع عليه أهل المدينة صغيرهم و كبيرهم فجعلوا ينظرون إليه و يقولون و الله ما هذا الفتى من أهل هذه المدينة و ما نعرفه و كان يمليخا ينتظر أن يأتي أبوه و إخوته فيخلصوه منهم و يخاف أن يذهبوا به إلى دقيانوس حتى ذهبوا به إلى رأسي المدينة أربوس و أسلطيوس و كانا رجلين صالحين فقال أحدهما أين الكنز الذي وجدت هذا الورق يشهد عليك أنك وجدت كنزا فقال ما وجدت كنزا و لكن هذا الورق ورق آبائي و نقش هذه المدينة و ضربها و لكن و الله ما أدري ما شأني و ما أقول لكما فقال أحدهما ممن أنت فقال أما ما أرى فكنت أرى أني من أهل المدينة قالوا فمن أبوك و من يعرفك بها فأنبأهم باسم أبيه فلم يجدوا له أحدا يعرفه و لا أباه فقال له أحدهما أ تظن أنا نرسلك و نصدقك و نقش هذا الورق و ضربها أكثر من ثلاثمائة سنة و أنت غلام شاب تظن أنك تأفكنا و تسخر بنا فقال يمليخا أنبئوني عن شيء أسألكم عنه قالوا سل
قال ما فعل الملك دقيانوس قالا له ليس نعرف اليوم ملكا يسمى دقيانوس على وجه الأرض و لم يكن إلا ملك قد هلك منذ زمان و دهر طويل و هلكت بعده قرون كثيرة فقال يمليخا و الله ما هو بمصدقي أحد من الناس بما أقول لقد كنا فتية و إن الملك أكرهنا على عبادة الأوثان و الذبح للطواغيت فهربنا منه عشية أمس فنمنا فلما انتبهنا خرجت لأشتري لأصحابي و أتجسس الأخبار فإذا أنا كما ترون فانطلقوا معي إلى الكهف الذي في جبل ينجلوس أريكم أصحابي. فلما سمع أربوس ذلك قال يا قوم هذه آية من آيات الله عز و جل جعلها لكم على يدي هذا الفتى فانطلقوا جميعا معه نحو أصحاب الكهف فلما رأى الفتية أن يمليخا قد احتبس عليهم بطعامهم ظنوا أنه قد أخذه دقيانوس فبينا هم يظنون و يتخوفون إذ سمعوا الأصوات و ظنوا أنهم رسل دقيانوس فقاموا إلى الصلاة و سلم بعضهم إلى بعض و قالوا انطلقوا بنا نأت أخانا يمليخا فإنه الآن بين يدي الجبار فلم يروا إلا أربوس و أصحابه وقوفا على باب الكهف و سبقهم يمليخا فدخل عليهم يبكي و قص عليهم النبأ كله فعرفوا عند ذلك أنهم كانوا نياما بأمر الله ذلك الزمان كله و إنما أوقظوا ليكونوا آية للناس و تصديقا للبعث. ثم دخل أربوس فرأى تابوتا من نحاس مختوما بخاتم من فضة ففتح التابوت فوجدوا فيه لوحين من رصاص مكتوب فيهما إن مكسملينا و مجسملينا و يمليخا و مرطونس و كسوطونس و بيورس و بكرنوس و بطينوس كانوا فتية هربوا من ملكهم دقيانوس الجبار مخافة أن يفتنهم عن دينهم فدخلوا هذا الكهف فلما أخبر بمكانهم أمر بالكهف فسد عليهم بالحجارة و إنا كتبنا شأنهم و خبرهم ليعلمه من بعدهم إن عثر عليهم فلما رأوه عجبوا و حمدوا الله الذي أراهم آية البعث ثم دخلوا عليهم فوجدوهم جلوسا مشرقة وجوههم لم تبل ثيابهم فخر أربوس و أصحابه سجدا. فبعث أربوس بريدا إلى ملكهم الصالح تندوسيس أن اعجل لعلك تنظر إلى آية من آيات الله أظهرها الله في ملكك و جعلها آية للعالمين ليكون نورا و ضياء و تصديقا للبعث فاعجل على فتية بعثهم الله و قد كان توفاهم أكثر من ثلاث مائة سنة فلما أتى الملك الخبر قام و رجع إليه عقله و ذهب عنه همه و قال أحمدك الله رب السماوات و الأرض و أعبدك و أسبح لك تطولت علي و رحمتني برحمتك فلم تطفئ النور الذي كنت جعلت لآبائي فأتاهم مع أهل مدينته. فلما رأى الفتية تندوسيس فرحوا به و خروا سجدا على وجوههم و قام الملك قدامهم ثم اعتنقهم و بكى و هم جلوس بين يديه على الأرض يسبحون الله عز و جل و يحمدونه ثم قالوا للملك نستودعك الله و نقرأ عليك السلام حفظك الله و حفظ ملكك و نعيذك بالله من شر الجن و الإنس فبينا الملك قائم إذ رجعوا إلى مضاجعهم فناموا و توفى الله أنفسهم و قام الملك إليهم فجعل ثيابه عليهم و أمر أن يجعلوا لكل رجل منهم تابوتا من ذهب فلما أمسوا و نام أتوه في المنام فقالوا إنا لم نخلق من ذهب و لا فضة و لكنا خلقنا من تراب و إلى التراب نصير فاتركنا كما كنا في الكهف على التراب حتى يبعثنا الله عز و جل منه فأمر الملك حينئذ بتوابيت من ساج فجعلوا فيها و حجبهم الله تعالى حين خرجوا من عندهم بالرعب فلم يقدر أحد على أن يدخل عليهم و أمر الملك فجعل على باب الكهف مسجدا يصلى فيه و جعل لهم عيدا عظيما و أمر أن يؤتى كل سنة