الآيات الكهف وَ يَسْئَلُونَكَ عَنْ ذِي الْقَرْنَيْنِ قُلْ سَأَتْلُوا عَلَيْكُمْ مِنْهُ ذِكْراً إِنَّا مَكَّنَّا لَهُ فِي الْأَرْضِ وَ آتَيْناهُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ سَبَباً فَأَتْبَعَ سَبَباً حَتَّى إِذا بَلَغَ مَغْرِبَ الشَّمْسِ وَجَدَها تَغْرُبُ فِي عَيْنٍ حَمِئَةٍ وَ وَجَدَ عِنْدَها قَوْماً قُلْنا يا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِمَّا أَنْ تُعَذِّبَ وَ إِمَّا أَنْ تَتَّخِذَ فِيهِمْ حُسْناً قالَ أَمَّا مَنْ ظَلَمَ فَسَوْفَ نُعَذِّبُهُ ثُمَّ يُرَدُّ إِلى رَبِّهِ فَيُعَذِّبُهُ عَذاباً نُكْراً وَ أَمَّا مَنْ آمَنَ وَ عَمِلَ صالِحاً فَلَهُ جَزاءً الْحُسْنى وَ سَنَقُولُ لَهُ مِنْ أَمْرِنا يُسْراً ثُمَّ أَتْبَعَ سَبَباً حَتَّى إِذا بَلَغَ مَطْلِعَ الشَّمْسِ وَجَدَها تَطْلُعُ عَلى قَوْمٍ لَمْ نَجْعَلْ لَهُمْ مِنْ دُونِها سِتْراً كَذلِكَ وَ قَدْ أَحَطْنا بِما لَدَيْهِ خُبْراً ثُمَّ أَتْبَعَ سَبَباً حَتَّى إِذا بَلَغَ بَيْنَ السَّدَّيْنِ وَجَدَ مِنْ دُونِهِما قَوْماً لا يَكادُونَ يَفْقَهُونَ قَوْلًا قالُوا يا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِنَّ يَأْجُوجَ وَ مَأْجُوجَ مُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجاً عَلى أَنْ تَجْعَلَ بَيْنَنا وَ بَيْنَهُمْ سَدًّا قالَ ما مَكَّنِّي فِيهِ رَبِّي خَيْرٌ فَأَعِينُونِي بِقُوَّةٍ أَجْعَلْ بَيْنَكُمْ وَ بَيْنَهُمْ رَدْماً آتُونِي زُبَرَ الْحَدِيدِ حَتَّى إِذا ساوى بَيْنَ الصَّدَفَيْنِ قالَ انْفُخُوا حَتَّى إِذا جَعَلَهُ ناراً قالَ آتُونِي أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْراً فَمَا اسْطاعُوا أَنْ يَظْهَرُوهُ وَ مَا اسْتَطاعُوا لَهُ نَقْباً قالَ هذا رَحْمَةٌ مِنْ رَبِّي فَإِذا جاءَ وَعْدُ رَبِّي جَعَلَهُ دَكَّاءَ وَ كانَ وَعْدُ رَبِّي حَقًّا تفسير قال الطبرسي رحمه الله في قوله تعالى إِنَّا مَكَّنَّا لَهُ فِي الْأَرْضِ أي بسطنا يده في الأرض و ملكناه حتى استولى عليها
و روي عن علي ع أنه قال سخر الله له السحاب فحمله عليها و مد له في الأسباب و بسط له النور فكان الليل و النهار عليه سواء فهذا معنى تمكينه في الأرض
وَ آتَيْناهُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ سَبَباً أي و أعطيناه من كل شيء علما و قدرة و آلة يتسبب بها إلى إرادته فَأَتْبَعَ سَبَباً أي فأتبع طريقا و أخذ في سلوكه أو فأتبع سببا من الأسباب التي أوتيها في المسير إلى المغرب حَتَّى إِذا بَلَغَ مَغْرِبَ الشَّمْسِ أي آخر العمارة من جانب المغرب و بلغ قوما لم يكن وراءهم أحد إلى موضع غروب الشمس وَجَدَها تَغْرُبُ أي كأنها تغرب فِي عَيْنٍ حَمِئَةٍ و إن كانت تغرب وراءها لأن الشمس لا تزايل الفلك و لا تدخل عين الماء و لكن لما بلغ ذلك الموضع تراءى له كان الشمس تغرب في عين كما أن من كان في البحر يراها كأنها تغرب في الماء و من كان في البر يراها كأنها تغرب في الأرض الملساء و العين الحمئة هي ذات الحمإ و هي الطين الأسود المنتن و الحامية الحارة و عن كعب قال أجدها في التوراة تغرب في ماء و طين إِمَّا أَنْ تُعَذِّبَ أي بالقتل من أقام منهم على الشرك وَ إِمَّا أَنْ تَتَّخِذَ فِيهِمْ حُسْناً أي تأسرهم و تمسكهم بعد الأسر لتعلمهم الهدى و قيل معناه و إما أن تعفو عنهم و استدل من ذهب إلى أنه كان نبيا بهذا و قيل ألهمه و لم يوح إليه أَمَّا مَنْ ظَلَمَ أي أشرك فَسَوْفَ نُعَذِّبُهُ أي نقتله إذا لم يسلم نُكْراً أي منكرا غير معهود في النار فَلَهُ جَزاءً الْحُسْنى أي له المثوبة الحسنى جزاء وَ سَنَقُولُ لَهُ مِنْ أَمْرِنا يُسْراً أي قولا جميلا و سنأمره بما يتيسر عليه ثُمَّ أَتْبَعَ سَبَباً أي طريقا آخر من الأرض يوصله إلى مطلع الشمس حَتَّى إِذا بَلَغَ مَطْلِعَ الشَّمْسِ أي ابتداء المعمورة من جانب المشرق كَذلِكَ قال البيضاوي أي أمر ذي القرنين كما وصفناه في رفعة المكان و بسطة الملك أو أمره فيهم كأمره في أهل المغرب من التخيير و الاختيار وَ قَدْ أَحَطْنا بِما لَدَيْهِ من الجنود و الآلات و العدد و الأسباب خُبْراً أي علما تعلق بظواهره و خفاياه و المراد أن كثرة ذلك بلغت مبلغا لا يحيط به إلا علم اللطيف الخبير ثُمَّ أَتْبَعَ سَبَباً يعني طريقا ثالثا معترضا بين المشرق و المغرب آخذا من الجنوب إلى الشمال حَتَّى إِذا بَلَغَ بَيْنَ السَّدَّيْنِ بين الجبلين المبني عليهما سده و هما جبلا أرمنية و آذربيجان و قيل جبلان في أواخر الشمال في منقطع أرض الترك من ورائهما يأجوج و مأجوج لا يَكادُونَ يَفْقَهُونَ قَوْلًا لغرابة لغتهم و قلة فطنتهم قالُوا يا ذَا الْقَرْنَيْنِ أي قال مترجمهم و في مصحف ابن مسعود قال الذين من دونهم فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجاً أي جعلا نخرجه من أموالنا قالَ ما مَكَّنِّي فِيهِ رَبِّي خَيْرٌ أي ما جعلني فيه مكينا من المال و الملك خير مما تبذلون لي من الخراج و لا حاجة بي إليه فَأَعِينُونِي بِقُوَّةٍ أي بفعلة أو بما أتقوى به من الآلات رَدْماً أي حاجزا
حصينا و هو أكبر من السد زُبَرَ الْحَدِيدِ أي قطعه بَيْنَ الصَّدَفَيْنِ أي بين جانبي الجبلين بتنضيدها قالَ انْفُخُوا أي قال للعملة انفخوا في الأكوار و الحديد حَتَّى إِذا جَعَلَهُ أي جعل المنفوخ فيه ناراً أي كالنار بالإحماء قالَ آتُونِي أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْراً أي آتوني قطرا أي نحاسا مذابا أفرغ عليه قطرا فحذف الأول لدلالة الثاني عليه فَمَا اسْطاعُوا بحذف التاء حذرا من تلاقي متقاربين أَنْ يَظْهَرُوهُ أي أن يعلوه بالصعود لارتفاعه و انملاسه وَ مَا اسْتَطاعُوا لَهُ نَقْباً لثخنه و صلابته قيل حفر للأساس حتى بلغ الماء و جعله من الصخرة و النحاس المذاب و البنيان من زبر الحديد بينهما الحطب و الفحم حتى ساوى أعلى الجبلين ثم وضع المنافخ حتى صارت كالنار فصب النحاس المذاب عليها فاختلط و التصق بعضها ببعض و صار جبلا صلدا و قيل بناه من الصخور مرتبطا بعضها ببعض بكلاليب من حديد و نحاس مذاب في تجاويفها قالَ هذا السد أو الإقدار على تسويته رَحْمَةٌ مِنْ رَبِّي على عباده فَإِذا جاءَ وَعْدُ رَبِّي وقت وعده بخروج يأجوج و مأجوج أو بقيام الساعة بأن شارف يوم القيامة جَعَلَهُ دَكَّاءَ مدكوكا مسويا بالأرض. و قال الطبرسي رحمه الله قيل إن هذا السد وراء بحر الروم بين جبلين هناك يلي مؤخرهما البحر المحيط و قيل إنه وراء دربند و خزران من ناحية أرمنية و آذربيجان و قيل إن مقدار ارتفاع السد مائتا ذراع و عرض الحائط نحو من خمسين ذراعا و جاء في الحديث أنهم يدأبون في حفره نهارهم حتى إذا أمسوا و كادوا يبصرون شعاع الشمس قالوا نرجع غدا و نفتحه و لا يستثنون فيعودون من الغد و قد استوى كما كان حتى إذا جاء وعد الله قالوا غدا نفتح و نخرج إن شاء الله فيعودون إليه و هو كهيئته حين تركوه بالأمس فيخرقونه فيخرجون على الناس فينشفون المياه و تتحصن الناس في حصونهم منهم فيرمون سهامهم إلى السماء فترجع و فيها كهيئة الدماء فيقولون قد قهرنا أهل الأرض و علونا أهل السماء فيبعث الله عليهم نغفا في أقفائهم فتدخل في آذانهم فيهلكون بها فقال النبي ص و الذي نفس محمد بيده إن دواب الأرض لتسمن و تشكر من لحومهم شكرا و في تفسير الكلبي أن الخضر و إلياس يجتمعان كل ليلة على ذلك السد يحجبان يأجوج و مأجوج عن الخروج
1- ص، ]قصص الأنبياء عليهم السلام[ كان اسم ذي القرنين عياشا و كان أول الملوك بعد نوح ع ملك ما بين المشرق و المغرب
2- ع، ]علل الشرائع[ لي، ]الأمالي للصدوق[ محمد بن هارون الزنجاني عن معاذ بن المثنى العنبري عن عبد الله بن أسماء عن جويرية عن سفيان عن منصور عن أبي وائل عن وهب قال وجدت في بعض كتب الله عز و جل أن ذا القرنين لما فرغ من عمل السد انطلق على وجهه فبينا هو يسير و جنوده إذ مر على شيخ يصلي فوقف عليه بجنوده حتى انصرف من صلاته فقال له ذو القرنين كيف لم يروعك ما حضرك من جنودي قال كنت أناجي من هو أكثر جنودا منك و أعز سلطانا و أشد قوة و لو صرفت وجهي إليك لم أدرك حاجتي قبله فقال له ذو القرنين هل لك في أن تنطلق معي فأواسيك بنفسي و أستعين بك على بعض أمري قال نعم إن ضمنت لي أربع خصال نعيما لا يزول و صحة لا سقم فيها و شبابا لا هرم فيه و حياة لا موت فيها فقال له ذو القرنين و أي مخلوق يقدر على هذه الخصال فقال الشيخ فإني مع من يقدر عليها و يملكها و إياك ثم مر برجل عالم فقال لذي القرنين أخبرني عن شيئين منذ خلقهما الله عز و جل قائمين و عن شيئين جاريين و شيئين مختلفين و شيئين متباغضين فقال له ذو القرنين أما الشيئان القائمان فالسماوات و الأرض و أما الشيئان الجاريان فالشمس و القمر و أما الشيئان المختلفان فالليل و النهار و أما الشيئان المتباغضان فالموت و الحياة فقال انطلق فإنك عالم فانطلق ذو القرنين يسير في البلاد حتى مر بشيخ يقلب جماجم الموتى فوقف عليه بجنوده فقال له أخبرني أيها الشيخ لأي شيء تقلب هذه الجماجم قال لأعرف الشريف من الوضيع و الغني من الفقير فما عرفت و إني لأقلبها منذ عشرين سنة فانطلق ذو القرنين و تركه فقال ما عنيت بهذا أحدا غيري فبينا هو يسير إذا وقع إلى الأمة العالمة من قوم موسى الذين يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَ بِهِ يَعْدِلُونَ فلما رآهم قال لهم أيها القوم أخبروني بخبركم فإني قد درت الأرض شرقها و غربها و برها و بحرها و سهلها و جبلها و نورها و ظلمتها فلم ألق مثلكم فأخبروني ما بال قبور موتاكم على أبواب بيوتكم قالوا فعلنا ذلك لئلا ننسى الموت و لا يخرج ذكره من قلوبنا قال فما بال بيوتكم ليس عليها أبواب قالوا ليس فينا لص و لا ظنين و ليس فينا إلا أمين قال فما بالكم ليس عليكم أمراء قالوا لا نتظالم قال فما بالكم ليس بينكم حكام قالوا لا نختصم قال فما بالكم ليس فيكم ملوك قالوا لا نتكاثر قال فما بالكم لا تتفاضلون و لا تتفاوتون قالوا من قبل أنا متواسون متراحمون قال فما بالكم لا تتنازعون و لا تختلفون قالوا من قبل ألفة قلوبنا و صلاح ذات بيننا قال فما بالكم لا تستبون و لا تقتلون قالوا من قبل أنا غلبنا طبائعنا بالعزم و سسنا أنفسنا بالحلم قال فما بالكم كلمتكم واحدة و طريقتكم مستقيمة قالوا من قبل أنا لا نتكاذب و لا نتخادع و لا يغتاب بعضنا بعضا قال فأخبروني لم ليس فيكم مسكين و لا فقير قالوا من قبل أنا نقسم بالسوية قال فما بالكم ليس فيكم فظ و لا غليظ قالوا من قبل الذل و التواضع قال فلم جعلكم الله عز و جل أطول الناس أعمارا قالوا من قبل أنا نتعاطى الحق و نحكم بالعدل قال فما بالكم لا تقحطون قالوا من قبل أنا لا نغفل عن الاستغفار قال فما بالكم لا تحزنون قالوا من قبل أنا وطنا أنفسنا على البلاء فعزينا أنفسنا قال فما بالكم لا يصيبكم الآفات قالوا من قبل أنا لا نتوكل على غير الله عز و جل و لا نستمطر بالأنواء و النجوم قال فحدثوني أيها القوم هكذا وجدتم آباءكم يفعلون قالوا وجدنا آباءنا يرحمون مسكينهم و يواسون فقيرهم و يعفون عمن ظلمهم و يحسنون إلى من أساء إليهم و يستغفرون لمسيئهم و يصلون أرحامهم و يؤدون أمانتهم و يصدقون و لا يكذبون فأصلح الله لهم بذلك أمرهم فأقام عندهم ذو القرنين حتى قبض و كان له خمسمائة عام
3- ل، ]الخصال[ الطالقاني عن عبد العزيز بن يحيى البصري عن محمد بن عطية عن عبد الله بن عمرو بن سعيد البصري عن هشام بن جعفر عن حماد عن عبد الله بن سليمان و كان قارئا للكتب قال قرأت في بعض كتب الله عز و جل أن ذا القرنين لما فرغ من عمل السد انطلق على وجهه فبينا هو يسير و جنوده إذ مر برجل عالم فقال لذي القرنين أخبرني عن شيئين منذ خلقهما الله عز و جل قائمين و ساق الحديث إلى قوله انطلق فإنك عالم ثم قال و الحديث طويل أخذنا منه موضع الحاجة
بيان الظنين المتهم و قوله لا تستبون غير مهموز من السبي يقال سباه و استباه بمعنى
4- فس، ]تفسير القمي[ جعفر بن أحمد عن عبد الله بن موسى عن الحسن بن علي بن أبي حمزة عن أبيه عن أبي بصير عن أبي عبد الله ع قال سألته عن قول الله تعالى يَسْئَلُونَكَ عَنْ ذِي الْقَرْنَيْنِ قُلْ سَأَتْلُوا عَلَيْكُمْ مِنْهُ ذِكْراً قال إن ذا القرنين بعثه الله تعالى إلى قومه فضرب على قرنه الأيمن فأماته الله خمسمائة عام ثم بعثه الله إليهم بعد ذلك فضرب على قرنه الأيسر فأماته الله خمسمائة عام ثم بعثه إليهم بعد ذلك فملكه مشارق الأرض و مغاربها من حيث تطلع الشمس إلى حيث تغرب فهو قوله حَتَّى إِذا بَلَغَ مَغْرِبَ الشَّمْسِ وَجَدَها تَغْرُبُ فِي عَيْنٍ حَمِئَةٍ إلى قوله عَذاباً نُكْراً قال في النار فجعل ذو القرنين بينهم بابا من نحاس و حديد و زفت و قطران فحال بينهم و بين الخروج ثم قال أبو عبد الله ع ليس منهم رجل يموت حتى يولد له من صلبه ألف ذكر ثم قال هم أكثر خلق خلقوا بعد الملائكة
5- و سئل أمير المؤمنين ع عن ذي القرنين أ نبيا كان أم ملكا فقال لا نبيا و لا ملكا بل عبدا أحب الله فأحبه و نصح لله فنصح له فبعثه إلى قومه فضربوه على قرنه الأيمن فغاب عنهم ما شاء الله أن يغيب ثم بعثه الثانية فضربوه على قرنه الأيسر فغاب عنهم ما شاء الله أن يغيب ثم بعثه الله الثالثة فمكن الله له في الأرض و فيكم مثله يعني نفسه ف بَلَغَ مَغْرِبَ الشَّمْسِ ف وَجَدَها تَغْرُبُ فِي عَيْنٍ حَمِئَةٍ وَ وَجَدَ عِنْدَها قَوْماً قُلْنا يا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِمَّا أَنْ تُعَذِّبَ وَ إِمَّا أَنْ تَتَّخِذَ فِيهِمْ حُسْناً قالَ ذو القرنين أَمَّا مَنْ ظَلَمَ فَسَوْفَ نُعَذِّبُهُ ثُمَّ يُرَدُّ إِلى رَبِّهِ فَيُعَذِّبُهُ عَذاباً نُكْراً إلى قوله ثُمَّ أَتْبَعَ سَبَباً أي دليلا حَتَّى إِذا بَلَغَ مَطْلِعَ الشَّمْسِ وَجَدَها تَطْلُعُ عَلى قَوْمٍ لَمْ نَجْعَلْ لَهُمْ مِنْ دُونِها سِتْراً قال لم يعلموا صنعة ثياب ثُمَّ أَتْبَعَ سَبَباً أي دليلا حَتَّى إِذا بَلَغَ بَيْنَ السَّدَّيْنِ وَجَدَ مِنْ دُونِهِما قَوْماً لا يَكادُونَ يَفْقَهُونَ قَوْلًا قالُوا يا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِنَّ يَأْجُوجَ وَ مَأْجُوجَ مُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجاً عَلى أَنْ تَجْعَلَ بَيْنَنا وَ بَيْنَهُمْ سَدًّا فقال ذو القرنين ما مَكَّنِّي فِيهِ رَبِّي خَيْرٌ فَأَعِينُونِي بِقُوَّةٍ أَجْعَلْ بَيْنَكُمْ وَ بَيْنَهُمْ رَدْماً آتُونِي زُبَرَ الْحَدِيدِ فأمرهم أن يأتوه بالحديد فأتوا به فوضعه بين الصدفين يعني بين الجبلين حتى سوى بينهما ثم أمرهم أن يأتوا بالنار فأتوا بها فنفخوا تحت الحديد حتى صار مثل النار ثم صب عليه القطر و هو الصفر حتى سده و هو قوله حَتَّى إِذا ساوى بَيْنَ الصَّدَفَيْنِ قالَ انْفُخُوا حَتَّى إِذا جَعَلَهُ ناراً إلى قوله نَقْباً فقال ذو القرنين هذا رَحْمَةٌ مِنْ رَبِّي فَإِذا جاءَ وَعْدُ رَبِّي جَعَلَهُ دَكَّاءَ وَ كانَ وَعْدُ رَبِّي حَقًّا قال إذا كان قبل يوم القيامة في آخر الزمان انهدم ذلك السد و خرج يأجوج و مأجوج إلى الدنيا و أكلوا الناس و هو قوله حَتَّى إِذا فُتِحَتْ يَأْجُوجُ وَ مَأْجُوجُ وَ هُمْ مِنْ كُلِّ حَدَبٍ يَنْسِلُونَ قال فسار ذو القرنين إلى ناحية المغرب فكان إذا مر بقرية زأر فيها كما يزأر الأسد المغضب فينبعث في القرية ظلمات و رعد و برق و صواعق يهلك من ناواه و خالفه فلم يبلغ مغرب الشمس حتى دان له أهل المشرق و المغرب فقال أمير المؤمنين ع و ذلك قول الله عز و جل إِنَّا مَكَّنَّا لَهُ فِي الْأَرْضِ وَ آتَيْناهُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ سَبَباً أي دليلا فقيل له إن لله في أرضه عينا يقال لها عين الحياة لا يشرب منها ذو روح إلا لم يمت حتى الصيحة فدعا ذو القرنين الخضر و كان أفضل أصحابه عنده و دعا ثلاثمائة و ستين رجلا و دفع إلى كل واحد منهم سمكة و قال لهم اذهبوا إلى موضع كذا و كذا فإن هناك ثلاثمائة و ستين عينا فليغسل كل واحد منكم سمكته في عين غير عين صاحبه فذهبوا يغسلون و قعد الخضر يغسل فانسابت السمكة منه في العين و بقي الخضر متعجبا مما رأى و قال في نفسه ما أقول لذي القرنين ثم نزع ثيابه يطلب السمكة فشرب من مائها و اغتمس فيه و لم يقدر على السمكة فرجعوا إلى ذي القرنين فأمر ذو القرنين بقبض السمك من أصحابه فلما انتهوا إلى الخضر لم يجدوا معه شيئا فدعاه و قال له ما حال السمكة فأخبره الخبر فقال له فصنعت ما ذا قال اغتمست فيها فجعلت أغوص و أطلبها فلم أجدها قال فشربت من مائها قال نعم قال فطلب ذو القرنين العين فلم يجدها فقال للخضر كنت أنت صاحبها
بيان الزأر و الزئير صوت الأسد من صدره يقال زأر كضرب و منع و سمع
6- شي، ]تفسير العياشي[ ج، ]الإحتجاج[ عن الأصبغ قال قام ابن الكواء إلى علي ع و هو على المنبر فقال يا أمير المؤمنين أخبرني عن ذي القرنين أ نبيا كان أم ملكا و أخبرني عن قرنيه أم من ذهب كان أم من فضة فقال له علي ع لم يكن نبيا و لا ملكا و لم يكن قرناه من ذهب و لا من فضة و لكنه كان عبدا أحب الله فأحبه و نصح لله فنصح الله له و إنما سمي ذو القرنين لأنه دعا قومه إلى الله عز و جل فضربوه على قرنه فغاب عنهم حينا ثم عاد إليهم فضربوه بالسيف على قرنه الآخر و فيكم مثله
ع، ]علل الشرائع[ أبي عن محمد العطار عن ابن أبان عن ابن أورمة عن القاسم بن عروة عن بريد العجلي عن الأصبغ مثله ك، ]إكمال الدين[ العطار عن أبيه
7- فس، ]تفسير القمي[ حَتَّى إِذا فُتِحَتْ يَأْجُوجُ وَ مَأْجُوجُ وَ هُمْ مِنْ كُلِّ حَدَبٍ يَنْسِلُونَ قال إذا كان آخر الزمان خرج يأجوج و مأجوج إلى الدنيا و يأكلون الناس
8- لي، ]الأمالي للصدوق[ ماجيلويه عن محمد العطار عن الأشعري عن عيسى بن محمد عن علي بن مهزيار عن عبد الله بن عمر عن عبد الله بن حماد عن أبي عبد الله الصادق جعفر بن محمد ع قال إن ذا القرنين لما انتهى إلى السد جاوزه فدخل في الظلمات فإذا هو بملك قائم على جبل طوله خمسمائة ذراع فقال له الملك يا ذا القرنين أ ما كان خلفك مسلك فقال له ذو القرنين من أنت قال أنا ملك من ملائكة الرحمن موكل بهذا الجبل فليس من جبل خلقه الله عز و جل إلا و له عرق إلى هذا الجبل فإذا أراد الله عز و جل أن يزلزل مدينة أوحى إلي فزلزلتها
شي، ]تفسير العياشي[ عن جميل عنه ع مثله يب، ]تهذيب الأحكام[ محمد بن علي بن محبوب عن ابن معروف عن ابن مهزيار عن الحسين بن سعيد عن عبد الله بن عمرو عن حماد بن عثمان عن جميل عنه ع مثله
9- ل، ]الخصال[ ابن الوليد عن الصفار عن البرقي عن ابن محبوب عن هشام بن سالم عمن ذكره عن أبي جعفر ع قال إن الله تبارك و تعالى لم يبعث أنبياء ملوكا في الأرض إلا أربعة بعد نوح ذو القرنين و اسمه عياش و داود و سليمان و يوسف ع فأما عياش فملك ما بين المشرق و المغرب و أما داود فملك ما بين الشامات إلى بلاد إصطخر و كذلك ملك سليمان و أما يوسف فملك مصر و براريها لم يجاوزها إلى غيرها
شي، ]تفسير العياشي[ عن الثمالي عنه ع مثله قال الصدوق رحمه الله جاء هذا الخبر هكذا و الصحيح الذي أعتقده في ذي القرنين أنه لم يكن نبيا و إنما كان عبدا صالحا أحب الله فأحبه الله و نصح لله فنصحه الله قال أمير المؤمنين ع و فيكم مثله و ذو القرنين ملك مبعوث و ليس برسول و لا نبي كما كان طالوت قال الله عز و جل وَ قالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ اللَّهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طالُوتَ مَلِكاً و قد يجوز أن يذكر في جملة الأنبياء من ليس بنبي كما يجوز أن يذكر في جملة الملائكة من ليس بملك قال الله جل ثناؤه وَ إِذْ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ كانَ مِنَ الْجِنِّ
10- ل، ]الخصال[ ابن البرقي عن أبيه عن جده أحمد عن أبيه محمد بن خالد رفعه إلى أبي عبد الله ع قال ملك الأرض كلها أربعة مؤمنان و كافران فأما المؤمنان فسليمان بن داود و ذو القرنين و الكافران نمرود و بختنصر و اسم ذو القرنين عبد الله بن ضحاك بن معد
11- ع، ]علل الشرائع[ المفيد عن ابن قولويه عن أبيه عن سعد عن الأشعري عن محمد بن الحسين عن محمد بن سليمان عن الثمالي عن الباقر ع قال أول اثنين تصافحا على وجه الأرض ذو القرنين و إبراهيم الخليل استقبله إبراهيم فصافحه و أول شجرة نبتت على وجه الأرض النخلة
12- ير، ]بصائر الدرجات[ أحمد بن محمد عن ابن سنان عن أبي خالد و أبي سلام عن سورة عن أبي جعفر ع قال إن ذا القرنين قد خير السحابين و اختار الذلول و ذخر لصاحبكم الصعب قال قلت و ما الصعب قال ما كان من سحاب فيه رعد و صاعقة أو برق فصاحبكم يركبه أما إنه سيركب السحاب و يرقى في الأسباب أسباب السماوات السبع و الأرضين السبع خمس عوامر و اثنتان خرابان
13- ير، ]بصائر الدرجات[ محمد بن هارون عن سهل بن زياد أبي يحيى قال قال أبو عبد الله ع إن الله خير ذا القرنين السحابين الذلول و الصعب فاختار الذلول و هو ما ليس فيه برق و لا رعد و لو اختار الصعب لم يكن له ذلك لأن الله ادخره للقائم ع
14- سن، ]المحاسن[ ابن يزيد عن إبراهيم بن أبي سماك عن رجل عن أبي عبد الله ع في قول الله فلما بَلَغَ مَطْلِعَ الشَّمْسِ وَجَدَها تَطْلُعُ عَلى قَوْمٍ لَمْ نَجْعَلْ لَهُمْ مِنْ دُونِها سِتْراً قال لم يعلموا صنعة البناء
15- ك، ]إكمال الدين[ الطالقاني عن الجلودي عن محمد بن عطية عن عبد الله بن عمر بن سعيد البصري عن هشام بن جعفر بن حماد عن عبد الله بن سليمان و كان قارئا للكتب قال قرأت في بعض كتب الله عز و جل أن ذا القرنين كان رجلا من أهل الإسكندرية و أمه عجوز من عجائزهم ليس لها ولد غيره يقال له إسكندروس و كان له أدب و خلق و عفة من وقت ما كان فيه غلاما إلى أن بلغ رجلا و كان رأى في المنام كأنه دنا من الشمس حتى أخذ بقرنيها شرقها و غربها فلما قص رؤياه على قومه سموه ذا القرنين فلما رأى هذه الرؤيا بعدت همته و علا صوته و عز في قومه و كان أول ما أجمع عليه أمره أن قال أسلمت لله عز و جل ثم دعا قومه إلى الإسلام فأسلموا هيبة له ثم أمرهم أن يبنوا له مسجدا فأجابوه إلى ذلك فأمر أن يجعل طوله أربعمائة ذراع و عرضه مائتي ذراع و عرض حائطه اثنين و عشرين ذراعا و علوه إلى السماء مائة ذراع فقالوا له يا ذا القرنين كيف لك بخشب يبلغ ما بين الحائطين فقال لهم إذا فرغتم من بنيان الحائطين فاكبسوه بالتراب حتى يستوي الكبس مع حيطان المسجد فإذا فرغتم من ذلك فرضتم على كل رجل من المؤمنين على قدره من الذهب و الفضة ثم قطعتموه مثل قلامة الظفر و خلطتموه مع ذلك الكبس و عملتم له خشبا من نحاس و صفائح تذيبون ذلك و أنتم متمكنون من العمل كيف شئتم على أرض مستوية فإذا فرغتم من ذلك دعوتم المساكين لنقل ذلك التراب فيسارعون فيه من أجل ما فيه من الذهب و الفضة فبنوا المسجد و أخرج المساكين ذلك التراب و قد استقل السقف بما فيه و استغنى المساكين فجندهم أربعة أجناد في كل جند عشرة آلاف ثم نشرهم في البلاد و حدث نفسه بالسير فاجتمع إليه قومه فقالوا له يا ذا القرنين ننشدك بالله لا تؤثر علينا بنفسك غيرنا فنحن أحق برؤيتك و فينا كان مسقط رأسك و بيننا نشأت و ربيت و هذه أموالنا و أنفسنا و أنت الحاكم فيها و هذه أمك عجوز كبيرة و هي أعظم خلق الله عليك حقا فليس ينبغي عليك أن تعصيها و لا تخالفها فقال لهم و الله إن القول لقولكم و إن الرأي لرأيكم و لكني بمنزلة المأخوذ بقلبه و سمعه و بصره يقاد و يدفع من خلفه لا يدري أين يؤخذ به و لا ما يراد به و لكن هلموا معشر قومي فادخلوا هذا المسجد و أسلموا عن آخركم و لا تخالفوا علي فتهلكوا
ثم دعا دهقان الإسكندرية فقال له اعمر مسجدي و عز عني أمي فلما رأى الدهقان جزع أمه و طول بكائها احتال ليعزيها بما أصاب الناس قبلها و بعدها من المصائب و البلاء فصنع عيدا عظيما ثم أذن مؤذنه أيها الناس إن الدهقان يؤذنكم أن تحضروا يوم كذا و كذا فلما كان ذلك اليوم أذن مؤذنه أسرعوا و احذروا أن يحضر هذا العيد إلا رجل قد عري من البلاء و المصائب فاحتبس الناس كلهم و قالوا ليس فينا أحد عري من البلاء و المصائب ما منا أحد إلا و قد أصيبت ببلاء أو بموت حميم فسمعت أم ذي القرنين فأعجبها و لم تدر ما أراد الدهقان ثم إن الدهقان بعث مناديا ينادي فقال أيها الناس إن الدهقان قد أمركم أن تحضروا يوم كذا و كذا و لا يحضر إلا رجل قد ابتلي و أصيب و فجع و لا يحضره أحد عري من البلاء فإنه لا خير فيمن لا يصيبه البلاء فلما فعل ذلك قال الناس هذا رجل قد بخل ثم ندم و استحيا فتدارك أمره و محا عيبه فلما اجتمعوا خطبهم ثم قال إني لم أجمعكم لما دعوتكم له و لكني جمعتكم لأكلمكم في ذي القرنين و فيما فجعنا به من فقده و فراقه فاذكروا آدم إن الله عز و جل خلقه بيده و نفخ فيه من روحه و أسجد له ملائكته و أسكنه جنته و أكرمه بكرامة لم يكرم بها أحدا ثم ابتلاه بأعظم بلية كانت في الدنيا و ذلك الخروج من الجنة و هي المصيبة التي لا جبر لها ثم ابتلى إبراهيم من بعده بالحريق و ابتلى ابنه بالذبح و يعقوب بالحزن و البكاء و يوسف بالرق و أيوب بالسقم و يحيى بالذبح و زكريا بالقتل و عيسى بالأسر و خلقا من خلق الله كثيرا لا يحصيهم إلا الله عز و جل فلما فرغ من هذا الكلام قال لهم انطلقوا و عزوا أم الإسكندروس لننظر كيف صبرها فإنها أعظم مصيبة في ابنها فلما دخلوا عليها قالوا لها هل حضرت الجمع اليوم و سمعت الكلام قالت لهم ما غاب عني من أمركم شيء و لا سقط عني من كلامكم شيء و ما كان فيكم أحد أعظم مصيبة بالإسكندروس مني و لقد صبرني الله و أرضاني و ربط على قلبي و إني لأرجو أن يكون أجري على قدر ذلك و أرجو لكم من الأجر بقدر ما رزيتم به من فقد أخيكم و أن تؤجروا على قدر ما نويتم في أمه و أرجو أن يغفر الله لي و لكم و يرحمني و إياكم فلما رأوا حسن عزائها و صبرها انصرفوا عنها و تركوها و انطلق ذو القرنين يسير على وجهه حتى أمعن في البلاد يؤم المغرب و جنوده يومئذ المساكين فأوحى الله جل جلاله إليه يا ذا القرنين أنت حجتي على جميع الخلائق ما بين الخافقين من مطلع الشمس إلى مغربها و حجتي عليهم و هذا تأويل رؤياك فقال ذو القرنين إلهي إنك ندبتني لأمر عظيم لا يقدر قدره غيرك فأخبرني عن هذه الأمة بأية قوم أكاثرهم و بأي عدد أغلبهم و بأية حيلة أكيدهم و بأي صبر أقاسيهم و بأي لسان أكلمهم و كيف لي بأن أعرف لغاتهم و بأي سمع أعي قولهم و بأي بصر أنفذهم و بأية حجة أخاصمهم و بأي قلب أغفل عنهم و بأية حكمة أدبر أمورهم و بأي حلم أصابرهم و بأي قسط أعدل فيهم و بأية معرفة أفصل بينهم و بأي علم أتقن أمورهم و بأي عقل أحصيهم و بأي جند أقاتلهم فإنه ليس عندي مما ذكرت شيء يا رب فقوني عليهم فإنك الرب الرحيم لا تكلف نفسا إلا وسعها و لا تحملها إلا طاقتها فأوحى الله جل جلاله إليه أني سأطوقك ما حملتك و أشرح لك صدرك فتسمع كل شيء و أشرح لك فهمك فتفقه كل شيء و أطلق لسانك بكل شيء و أحصي لك فلا يفوتك شيء و أحفظ عليك فلا يعزب عنك شيء و أشد ظهرك فلا يهولك شيء
و ألبسك الهيبة فلا يروعك شيء و أسدد لك رأيك فتصيب كل شيء و أسخر لك جسدك فتحس كل شيء و أسخر لك النور و الظلمة و اجعلهما جندين من جندك النور يهديك و الظلمة تحوطك و تحوش عليك الأمم من ورائك فانطلق ذو القرنين برسالة ربه عز و جل و أيده الله بما وعده فمر بمغرب الشمس فلا يمر بأمة من الأمم إلا دعاهم إلى الله عز و جل فإن أجابوه قبل منهم و إن لم يجيبوه أغشاهم الظلمة فأظلمت مدائنهم و قراهم و حصونهم و بيوتهم و منازلهم و أغشت أبصارهم و دخلت في أفواههم و آنافهم و أجوافهم فلا يزالوا فيها متحيرين حتى يستجيب الله عز و جل و يعجوا إليه حَتَّى إِذا بَلَغَ مَغْرِبَ الشَّمْسِ وجد عندها الأمة التي ذكرها الله عز و جل في كتابه ففعل بهم ما كان فعله بمن مر به قبلهم حتى فرغ مما بينه و بين المغرب و وجد جمعا و عددا لا يحصيه إلا الله عز و جل و قوة و بأسا لا يطيقه إلا الله و ألسنة مختلفة و أهواء متشتتة و قلوبا متفرقة ثم مشى على الظلمة ثمانية أيام و ثمان ليال و أصحابه ينظرونه حتى انتهى إلى الجبل الذي هو محيط بالأرض كلها فإذا بملك من الملائكة قابض على الجبل و هو يقول سبحان ربي من الآن إلى منتهى الدهر سبحان ربي من أول الدنيا إلى آخرها سبحان ربي من موضع كفي إلى عرش ربي سبحان ربي من منتهى الظلمة إلى النور فلما سمع ذو القرنين خر ساجدا فلم يرفع رأسه حتى قواه الله عز و جل و أعانه على النظر إلى ذلك الملك فقال له الملك كيف قويت يا ابن آدم على أن تبلغ إلى هذا الموضع و لم يبلغه أحد من ولد آدم قبلك قال ذو القرنين قواني على ذلك الذي قواك على قبض هذا الجبل و هو محيط بالأرض كلها قال له الملك صدقت و لو لا هذا الجبل لانكفأت الأرض بأهلها و ليس على وجه الأرض جبل أعظم منه و هو أول جبل أسسه الله عز و جل فرأسه ملصق بالسماء الدنيا و أسفله في الأرض السابعة السفلى و هو محيط بها كالحلقة و ليس على وجه الأرض مدينة إلا و لها عرق إلى هذا الجبل فإذا أراد الله عز و جل أن يزلزل مدينة فأوحى إلي فحركت العرق الذي يليها فزلزلتها فلما أراد ذو القرنين الرجوع قال للملك أوصني قال الملك لا يهمنك رزق غد و لا تؤخر عمل اليوم لغد و لا تحزن على ما فاتك و عليك بالرفق و لا تكن جبارا متكبرا ثم إن ذا القرنين رجع إلى أصحابه ثم عطف بهم نحو المشرق يستقري ما بينه و بين المشرق من الأمم فيفعل بهم ما فعل بأمم المغرب قبلهم حتى إذا فرغ ما بين المشرق و المغرب عطف نحو الروم الذي ذكره الله عز و جل في كتابه فإذا هو بأمة لا يَكادُونَ يَفْقَهُونَ قَوْلًا و إذا ما بينه و بين الروم مشحون من أمة يقال لها يأجوج و مأجوج أشباه البهائم يأكلون و يشربون و يتوالدون هم ذكور و إناث و فيهم مشابه من الناس الوجوه و الأجساد و الخلقة و لكنهم قد نقصوا في الأبدان نقصا شديدا و هم في طول الغلمان ليس منهم أنثى و لا ذكر يجاوز طوله خمسة أشبار و هم على مقدار واحد في الخلق و الصور عراة حفاة لا يغزلون و لا يلبسون و لا يحتذون عليهم وبر كوبر الإبل يواريهم و يسترهم من الحر و البرد و لكل واحد منهم أذنان أحدهما ذات شعر و الأخرى ذات وبر ظاهرهما و باطنهما و لهم مخالب في موضع الأظفار و أضراس و أنياب كأضراس السباع و أنيابها و إذا نام أحدهم افترش إحدى أذنيه و التحف الأخرى فتسعه لحافا و هم يرزقون تنين البحر كل عام يقذفه عليهم السحاب فيعيشون به عيشا خصبا و يصلحون عليه و يستمطرونه في إبانه كما يستمطر الناس المطر في إبان المطر فإذا قذفوا به أخصبوا و سمنوا و توالدوا و كثروا فأكلوا منه حولا كاملا إلى مثله من العام المقبل و لا
يأكلون معه شيئا غيره و هم لا يحصي عددهم إلا الله عز و جل الذي خلقهم و إذا أخطأهم التنين قحطوا و أجدبوا و جاعوا و انقطع النسل و الولد و هم يتسافدون كما تتسافد البهائم على ظهر الطريق و حيث ما التقوا فإذا أخطأهم التنين جاعوا و ساحوا في البلاد فلا يدعون شيئا أتوا عليه إلا أفسدوه و أكلوه فهم أشد فسادا فيما أتوا عليه من الأرض من الجراد و البرد و الآفات كلها و إذا أقبلوا من أرض إلى أرض جلا أهلها عنها و خلوها و ليس يغلبون و لا يدفعون حتى لا يجد أحد من خلق الله موضعا لقدمه و لا يخلو للإنسان قدر مجلسه و لا يدري أحد من خلق الله كم من أولهم إلى آخرهم و لا يستطيع شيء من خلق الله أن ينظر إليهم و لا يدنو منهم نجاسة و قذرا و سوء حلية فبهذا غلبوا و لهم حس و حنين إذا أقبلوا إلى الأرض يسمع حسهم من مسيرة مائة فرسخ لكثرتهم كما يسمع حس الريح البعيدة أو حس المطر البعيد و لهم همهمة إذا وقعوا في البلاد كهمهمة النحل إلا أنه أشد و أعلى صوتا يملأ الأرض حتى لا يكاد أحد يسمع من أجل ذلك الهمهمة شيئا و إذا أقبلوا إلى الأرض حاشوا وحوشها و سباعها حتى لا يبقى فيها شيء منها و ذلك لأنهم يملئون ما بين أقطارها و لا يتخلف وراءهم من ساكن الأرض شيء فيه روح إلا اجتلبوه من قبل أنهم أكثر من كل شيء و أمرهم عجب من العجب و ليس منهم أحد إلا و قد عرف متى يموت و ذلك من قبل أنه لا يموت منهم ذكر حتى يولد له ألف ولد و لا يموت منهم أنثى حتى تلد ألف ولد فبذلك عرفوا آجالهم فإذا ولدوا الألف برزوا للموت و تركوا طلب ما كانوا فيه من المعيشة و الحياة فتلك قصتهم من يوم خلقهم الله تعالى إلى يوم يفنيهم ثم إنهم أجفلوا في زمان ذي القرنين يدورون أرضا أرضا من الأرضين و أمة أمة من الأمم و هم إذا توجهوا الوجه لم يعدلوا عنه أبدا و لا ينصرفوا يمينا و شمالا و لا يلتفتوا فلما أحست تلك الأمم بهم و سمعوا همهمتهم استغاثوا بذي القرنين و ذو القرنين يومئذ نازل في ناحيتهم و اجتمعوا إليه فقالوا يا ذا القرنين إنه قد بلغنا ما آتاك الله من الملك و السلطان و ما ألبسك الله من الهيبة و ما أيدك به من جنود أهل الأرض و من النور و الظلمة و إنا جيران يأجوج و مأجوج و ليس بيننا و بينهم سوى هذه الجبال و ليس لهم إلينا طريق إلا من هذين الصدفين لو مالوا علينا أجلونا من بلادنا لكثرتهم حتى لا يكون لنا فيها قرار و هم خلق من خلق الله كثير فيهم مشابه من الإنس و هم أشباه البهائم يأكلون العشب و يفرسون الدواب و الوحوش كما تفترسها السباع و يأكلون حشرات الأرض كلها من الحيات و العقارب و كل ذي روح مما خلق الله عز و جل و ليس لله عز و جل خلق ينمو نماهم و زيادتهم و لا نشك أنهم يملئون الأرض و يجلون أهلها منها و يفسدون و نحن نخشى كل وقت أن يطلع علينا أوائلهم من هذين الجبلين و قد آتاك الله من الحيلة و القوة ما لم يؤت أحدا من العالمين فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجاً عَلى أَنْ تَجْعَلَ بَيْنَنا وَ بَيْنَهُمْ سَدًّا قالَ ما مَكَّنِّي فِيهِ رَبِّي خَيْرٌ فَأَعِينُونِي بِقُوَّةٍ أَجْعَلْ بَيْنَكُمْ وَ بَيْنَهُمْ رَدْماً آتُونِي زُبَرَ الْحَدِيدِ قالوا و من أين لنا من الحديد و النحاس ما يسع هذا العمل الذي تريد أن تعمل قال إني سأدلكم على معدن الحديد و النحاس فضرب لهم في جبلين حتى فتقهما و استخرج منهما معدنين من الحديد و النحاس قالوا بأي قوة نقطع الحديد و النحاس فاستخرج لهم معدنا آخر من تحت الأرض يقال له السامور و هو أشد شيء بياضا و ليس شيء منه يوضع على شيء إلا ذاب تحته فصنع لهم منه أداة يعملون بها و به قطع سليمان بن داود ع أساطين بيت المقدس و صخوره جاءت به الشياطين من تلك المعادن فجمعوا من ذلك ما اكتفوا به فأوقدوا على الحديد حتى صنعوا منه زبرا مثل الصخور فجعل حجارته
من حديد ثم أذاب النحاس فجعله كالطين لتلك الحجارة ثم بنى و قاس ما بين الصدفين فوجده ثلاثة أميال فحفر له أساسا حتى كاد يبلغ الماء و جعل عرضه ميلا و جعل حشوه زبر الحديد و أذاب النحاس فجعله خلال الحديد فجعل طبقة من نحاس و أخرى من حديد حتى ساوى الردم بطول الصدفين فصار كأنه برد حبرة من صفرة النحاس و حمرته و سواد الحديد فيأجوج و مأجوج ينتابونه في كل سنة مرة و ذلك أنهم يسيحون في بلادهم حتى إذا وقعوا إلى الردم حبسهم فرجعوا يسيحون في بلادهم فلا يزالون كذلك حتى تقرب الساعة و يجيء أشراطها فإذا جاء أشراطها و هو قيام القائم عجل الله فرجه فتحه الله عز و جل لهم و ذلك قوله عز و جل حَتَّى إِذا فُتِحَتْ يَأْجُوجُ وَ مَأْجُوجُ وَ هُمْ مِنْ كُلِّ حَدَبٍ يَنْسِلُونَ فلما فرغ ذو القرنين من عمل السد انطلق على وجهه فبينا هو يسير و جنوده إذ مر على شخص يصلي فوقف عليه حتى انصرف من صلاته فقال له ذو القرنين كيف لم يرعك ما حضرك من الجنود قال كنت أناجي من هو أكثر جنودا منك و أعز سلطانا و أشد قوة و لو صرفت وجهي إليك لم أدرك حاجتي قبله فقال له ذو القرنين هل لك أن تنطلق معي فأواسيك بنفسي و أستعين بك على بعض أموري قال نعم إن ضمنت لي أربع خصال نعيما لا يزول و صحة لا سقم فيها و شبابا لا هرم معه و حياة لا موت معها فقال له ذو القرنين و أي مخلوق يقدر على هذه الخصال قال فإني مع من يقدر على هذه الخصال و يملكها و إياك ثم مر برجل عالم فقال لذي القرنين أخبرني عن شيئين منذ خلقهما الله عز و جل قائمين و عن شيئين جاريين و شيئين مختلفين و شيئين متباغضين فقال ذو القرنين أما الشيئان القائمان فالسماء و الأرض و أما الشيئان الجاريان فالشمس و القمر و أما الشيئان المختلفان فالليل و النهار و أما الشيئان المتباغضان فالموت و الحياة فقال انطلق فإنك عالم فانطلق ذو القرنين يسير في البلاد حتى مر بشيخ يقلب جماجم الموتى فوقف عليه بجنوده فقال أخبرني أيها الشيخ لأي شيء تقلب هذه الجماجم قال لأعرف الشريف من الوضيع فما عرفت و إني لأقلبها عشرين سنة فانطلق ذو القرنين و تركه و قال ما أراك عنيت بهذا أحدا غيري فبينا هو يسير إذ وقع إلى الأمة العالمة الذين منهم قوم موسى الذين يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَ بِهِ يَعْدِلُونَ فوجد أمة مقسطة عادلة يقسمون بالسوية و يحكمون بالعدل و يتواسون و يتراحمون حالهم واحدة و كلمتهم واحدة و قلوبهم مؤتلفة و طريقتهم مستقيمة و سيرتهم جميلة و قبور موتاهم في أفنيتهم و على أبواب دورهم ليس لبيوتهم أبواب و ليس عليهم أمراء و ليس بينهم قضاة و ليس فيهم أغنياء و لا ملوك و لا أشراف و لا يتفاوتون و لا يتفاضلون و لا يختلفون و لا يتنازعون و لا يستبون و لا يقتتلون و لا تصيبهم الآفات فلما رأى ذلك من أمرهم ملأ منهم عجبا فقال لهم أيها القوم أخبروني خبركم فإني قد درت في الأرض شرقها و غربها و برها و بحرها و سهلها و جبلها و نورها و ظلمتها فلم أر مثلكم فأخبروني ما بال قبوركم على أبواب أفنيتكم قالوا فعلنا ذلك عمدا لئلا ننسى الموت و لا يخرج ذكره من قلوبنا قال فما بال بيوتكم ليس عليها أبواب قالوا ليس فينا لص و لا خائن و ليس فينا إلا أمين قال فما بالكم ليس عليكم أمراء قالوا إنا لا نتظالم قال فما بالكم ليس عليكم حكام قالوا إنا لا نختصم قال فما بالكم ليس فيكم ملوك قالوا لأنا لا نتكاثر قال فما بالكم ليس فيكم أشراف قالوا لأنا لا نتنافس قال فما بالكم لا تتفاضلون و لا تتفاوتون قالوا من قبل أنا متواسون متراحمون قال فما بالكم لا تنازعون و لا تختصمون قالوا من قبل ألفة قلوبنا و صلاح ذات بيننا قال فما بالكم لا تستبون و لا تقتتلون قالوا من قبل أنا غلبنا طبائعنا بالعزم و سننا أنفسنا بالحلم قال فما بالكم كلمتكم واحدة و طريقتكم مستقيمة قالوا من قبل أنا لا نتكاذب و لا نتخادع و لا يغتاب بعضنا بعضا قال فأخبروني لم ليس فيكم فقير و لا مسكين قالوا من قبل أنا نقسم بالسوية قال فما بالكم ليس
فيكم فظ و لا غليظ قالوا من قبل الذل و التواضع قال فلم جعلكم الله أطول الناس أعمارا قالوا من قبل أنا نتعاطى الحق و نحكم بالعدل قال فما بالكم لا تقحطون قالوا من قبل أنا لا نغفل عن الاستغفار قال فما بالكم لا تحزنون قالوا من قبل أنا وطنا أنفسنا على البلاء و حرصنا عليه فعزينا أنفسنا قال فما بالكم لا تصيبكم الآفات قالوا من قبل أنا لا نتوكل على غير الله و لا نستمطر بالأنواء و النجوم و قال حدثوني أيها القوم أ هكذا وجدتم آباءكم يفعلون قالوا وجدنا آباءنا يرحمون مسكينهم و يواسون فقيرهم و يعفون عمن ظلمهم و يحسنون إلى من أساء إليهم و يستغفرون لمسيئهم و يصلون أرحامهم و يؤدون أماناتهم و يصدقون و لا يكذبون فأصلح الله عز و جل لهم بذلك أمرهم فأقام عندهم ذو القرنين حتى قبض و لم يكن له فيهم عمر و كان قد بلغ السن فأدركه الكبر و كان عدة ما سار في البلاد من يوم بعثه الله عز و جل إلى يوم قبض خمسمائة عام
بيان قوله ما رزيتم من الرزيئة بالهمزة بمعنى المصيبة و يقال أمعن الفرس أي تباعد و في الأمر أبعد و الضب في حجره غاب في أقصاها ذكره الفيروزآبادي و قال طوقني الله أداء حقه قواني عليه و حاش الإبل جمعها و قال الجوهري أجفل القوم أي هربوا مسرعين و أجفلت الريح أي أسرعت و انجفل القوم أي انقلعوا كلهم و مضوا انتهى و التنافس الرغبة في الشيء و الانفراد به
16- ك، ]إكمال الدين[ أحمد بن محمد البزاز عن محمد بن يعقوب بن يوسف عن أحمد بن عبد الجبار عن يونس بن بكير عن محمد بن إسحاق عن بشار المديني عن عمرو بن ثابت عن سماك بن حرب عن رجل من بني أسد قال سأل رجل عليا ع أ رأيت ذا القرنين كيف استطاع أن يبلغ المشرق و المغرب قال سخر الله له السحاب و مد له في الأسباب و بسط له النور فكان الليل و النهار عليه سواء
17- ص، ]قصص الأنبياء عليهم السلام[ بالإسناد إلى الصدوق عن أبيه عن سعد عن ابن عيسى عن علي بن النعمان عن هارون بن خارجة عن أبي بصير عن أبي جعفر ع قال إن ذا القرنين لم يكن نبيا لكنه كان عبدا صالحا أحب الله فأحبه الله و ناصح الله فناصحه الله أمر قومه بتقوى الله فضربوه على قرنه فغاب عنهم زمانا ثم رجع إليهم فضربوه على قرنه الآخر و فيكم من هو على سنته و إنه خير السحاب الصعب و السحاب الذلول فاختار الذلول فركب الذلول و كان إذا انتهى إلى قوم كان رسول نفسه إليهم لكيلا يكذب الرسل
ك، ]إكمال الدين[ أبي عن سعد إلى قوله من هو على سنته شي، ]تفسير العياشي[ عن أبي بصير مثله
18- ص، ]قصص الأنبياء عليهم السلام[ بالإسناد إلى الصدوق عن ابن الوليد عن الصفار عن ابن هاشم عن عمرو بن عثمان عن رجل عن خلاد عن سماك بن حرب بن حبيب قال أتى رجل عليا ع فقال يا أمير المؤمنين أخبرني عن ذي القرنين فقال له علي ع سخرت له السحاب و قربت له الأسباب و بسط له في النور فقال ع كان يبصر بالليل كما يبصر بالنهار
19- ك، ]إكمال الدين[ عن المظفر العلوي عن ابن العياشي عن أبيه عن محمد بن عيسى عن عمرو بن شمر عن جابر الجعفي عن جابر بن عبد الله قال سمعت رسول الله ص يقول إن ذا القرنين كان عبدا صالحا جعله الله حجة على عباده فدعا قومه إلى الله عز و جل و أمرهم بتقواه فضربوه على قرنه فغاب عنهم زمانا حتى قيل مات أو هلك بأي واد سلك ثم ظهر و رجع إلى قومه فضربوه على قرنه الآخر ألا و فيكم من هو على سنته و إن الله عز و جل مكن له في الأرض و آتاه من كل شيء سببا و بلغ المشرق و المغرب و إن الله تبارك و تعالى سيجري سنته في القائم من ولدي و يبلغه شرق الأرض و غربها حتى لا يبقى سهل و لا موضع من سهل و لا جبل وطئه ذو القرنين إلا وطئه و يظهر الله له كنوز الأرض و معادنها و ينصره بالرعب يملأ الأرض قسطا و عدلا كما ملئت جورا و ظلما
20- ص، ]قصص الأنبياء عليهم السلام[ بالإسناد عن الصدوق بإسناده إلى محمد بن أورمة عن محمد بن خالد عمن ذكره عن أبي جعفر ع قال حج ذو القرنين في ستمائة ألف فارس فلما دخل الحرم شيعه بعض أصحابه إلى البيت فلما انصرف فقال رأيت رجلا ما رأيت رجلا أكثر نورا و وجها منه قالوا ذاك إبراهيم خليل الرحمن ع قال أسرجوا فتسرجوا ستمائة ألف دابة في مقدار ما يسرج دابة واحدة قال ثم قال ذو القرنين لا بل نمشي إلى خليل الرحمن فمشى و مشى معه و أصحابه حتى التقيا قال إبراهيم ع بم قطعت الدهر قال بإحدى عشرة كلمة سبحان من هو باق لا يفنى سبحان من هو عالم لا ينسى سبحان من هو حافظ لا يسقط سبحان من هو بصير لا يرتاب سبحان من هو قيوم لا ينام سبحان من هو ملك لا يرام سبحان من هو عزيز لا يضام سبحان من هو محتجب لا يرى سبحان من هو واسع لا يتكلف سبحان من هو قائم لا يلهو سبحان من هو دائم لا يسهو
-21 سن، ]المحاسن[ اليقطيني عن الدهقان عن درست عن إبراهيم بن عبد الحميد عن أبي الحسن موسى ع قال ملك ذو القرنين و هو ابن اثني عشر و مكث في ملكه ثلاثين سنة
بيان يمكن الجمع بينه و بين ما مر بحمله على ملكه قبل غيبته أو بأن يكون المراد مدة استيلائه على جميع الأرض و استقرار دولته
22- ص، ]قصص الأنبياء عليهم السلام[ بالإسناد إلى الصدوق عن ماجيلويه عن عمه عن الكوفي عن شريف بن سابق عن أسود بن رزين القاضي قال دخلت على أبي الحسن الأول ع و لم يكن رآني قط فقال من أهل السد أنت فقلت من أهل الباب فقال الثانية من أهل السد أنت قلت من أهل الباب قال من أهل السد قلت نعم قال ذاك السد الذي عمله ذو القرنين
أقول أوردنا بعض أخباره في باب أحوال خضر ع
23- ص، ]قصص الأنبياء عليهم السلام[ الصدوق عن عبد الله بن حامد عن محمد بن جعفر عن عبد الله بن أحمد بن إبراهيم عن عمرو بن حصين الباهلي عن عمر بن مسلم عن عبد الرحمن بن زياد عن مسلم بن يسار قال قال أبو عقبة الأنصاري كنت في خدمة رسول الله ص فجاء نفر من اليهود فقالوا استأذن لنا على محمد ص فأخبرته فدخلوا عليه فقالوا أخبرنا عما جئنا نسألك عنه قال جئتموني تسألونني عن ذي القرنين قالوا نعم فقال كان غلاما من أهل الروم ناصحا لله عز و جل فأحبه الله و ملك الأرض فسار حتى أتى مغرب الشمس ثم سار إلى مطلعها ثم سار إلى خيل يأجوج و مأجوج فبنى فيها السد قالوا نشهد أن هذا شأنه و أنه لفي التوراة
24- شي، ]تفسير العياشي[ عن أبي الطفيل قال سمعت عليا ع يقول إن ذا القرنين لم يكن نبيا و لا رسولا كان عبدا أحب الله فأحبه و ناصح الله فنصحه دعا قومه فضربوه على أحد قرنيه فقتلوه ثم بعثه الله فضربوه على قرنه الآخر فقتلوه
25- شي، ]تفسير العياشي[ عن بريد بن معاوية عن أبي جعفر و أبي عبد الله ع جميعا قال لهما ما منزلتكم و من تشبهون ممن مضى قالا صاحب موسى و ذو القرنين كانا عالمين و لم يكونا نبيين
26- شي، ]تفسير العياشي[ عن ابن الورقاء قال سألت أمير المؤمنين ع عن ذي القرنين ما كان قرناه فقال لعلك تحسب كان قرنه ذهبا أو فضة أو كان نبيا بل كان عبدا صالحا بعثه الله إلى أناس فدعاهم إلى الله و إلى الخير فقام رجل منهم فضرب قرنه الأيسر فمات ثم بعثه فأحياه و بعثه إلى أناس فقام رجل فضرب قرنه الأيمن فمات فسماه ذا القرنين
27- شي، ]تفسير العياشي[ عن ابن هشام عن أبيه عمن حدثه عن بعض آل محمد ع قال إن ذا القرنين كان عبدا صالحا طويت له الأسباب و مكن له في البلاد و كان قد وصف له عين الحياة و قيل له من يشرب منها شربة لم يمت حتى يسمع الصوت و إنه خرج في طلبها حتى أتى موضعها و كان في ذلك الموضع ثلاثمائة و ستين عينا و كان الخضر على مقدمته و كان من أشد أصحابه عنده فدعاه فأعطاه و أعطى قوما من أصحابه كل رجل منهم حوتا مملحا فقال انطلقوا إلى هذه المواضع فليغسل كل رجل منكم حوته عند عين و لا يغسل معه أحد فانطلقوا يلزم كل رجل منهم عينا فغسل فيها حوته و إن الخضر انتهى إلى عين من تلك العيون فلما غمس الحوت و وجد الحوت ريح الماء حيي فانساب في الماء فلما رأى ذلك الخضر رمى بثيابه و سقط و جعل يرتمس في الماء و يشرب و يجتهد أن يصيبه فلما رأى ذلك رجع فرجع أصحابه و أمر ذو القرنين بقبض السمك فقال انظروافقد تخلفت سمكة فقالوا الخضر صاحبها قال فدعاه فقال ما خلف سمكك قال فأخبره الخضر فقال له فصنعت ما ذا قال سقطت عليها فجعلت أغوص فأطلبها فلم أجدها فقال فشربت من الماء قال نعم قال فطلب ذو القرنين العين فلم يجدها فقال للخضر أنت صاحبها
28- شي، ]تفسير العياشي[ عن حارث بن حبيب قال أتى رجل عليا ع فقال له أمير المؤمنين أخبرني عن ذي القرنين فقال له سخر له السحاب و قربت له الأسباب و بسط له في النور فقال له الرجل كيف بسط له في النور فقال علي ع كان يبصر بالليل كما يبصر بالنهار ثم قال علي ع للرجل أزيدك فيه فسكت
29- شي، ]تفسير العياشي[ عن الأصبغ بن نباتة عن أمير المؤمنين ع قال سئل عن ذي القرنين قال كان عبدا صالحا و اسمه عياش اختاره الله و ابتعثه إلى قرن من القرون الأولى في ناحية المغرب و ذلك بعد طوفان نوح فضربوه على قرن رأسه الأيمن فمات منها ثم أحياه الله بعد مائة عام ثم بعثه إلى قرن من القرون الأولى في ناحية المشرق فكذبوه فضربوه ضربة على قرنه الأيسر فمات منها ثم أحياه الله بعد مائة عام و عوضه من الضربتين اللتين على رأسه قرنين في موضع الضربتين أجوفين و جعل عز ملكه و آية نبوته في قرنيه ثم رفعه الله إلى السماء الدنيا فكشط له عن الأرض كلها جبالها و سهولها و فجاجها حتى أبصر ما بين المشرق و المغرب و آتاه الله من كل شيء علما يعرف به الحق و الباطل و أيده في قرنيه بكسف من السماء فيه ظلمات و رعد و برق ثم أهبط إلى الأرض و أوحى إليه أن سر في ناحية غرب الأرض و شرقها فقد طويت لك البلاد و ذللت لك العباد فأرهبتهم منك فسار ذو القرنين إلى ناحية المغرب فكان إذا مر بقرية زأر فيها كما يزأر الأسد المغضب فيبعث من قرنيه ظلمات و رعد و برق و صواعق تهلك من ناواه و خالفه فلم يبلغ مغرب الشمس حتى دان له أهل المشرق و المغرب قال و ذلك قول الله إِنَّا مَكَّنَّا لَهُ فِي الْأَرْضِ وَ آتَيْناهُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ سَبَباً فسار حَتَّى إِذا بَلَغَ مَغْرِبَ الشَّمْسِ وَجَدَها تَغْرُبُ فِي عَيْنٍ حَمِئَةٍ إلى قوله أَمَّا مَنْ ظَلَمَ و لم يؤمن بربه فَسَوْفَ نُعَذِّبُهُ في الدنيا بعذاب الدنيا ثُمَّ يُرَدُّ إِلى رَبِّهِ في مرجعه فَيُعَذِّبُهُ عَذاباً نُكْراً إلى قوله وَ سَنَقُولُ لَهُ مِنْ أَمْرِنا يُسْراً ثُمَّ أَتْبَعَ سَبَباً ذو القرنين من الشمس سببا ثم قال أمير المؤمنين إن ذا القرنين لما انتهى مع الشمس إلى العين الحامية وجد الشمس تغرب فيها و معها سبعون ألف ملك يجرونها بسلاسل الحديد و الكلاليب يجرونها من قعر البحر في قطر الأرض الأيمن كما يجري السفينة على ظهر الماء فلما انتهى معها إلى مطلع الشمس سببا وَجَدَها تَطْلُعُ عَلى قَوْمٍ إلى بِما لَدَيْهِ خُبْراً فقال أمير المؤمنين ع إن ذا القرنين ورد على قوم قد أحرقتهم الشمس و غيرت أجسادهم و ألوانهم حتى صيرتهم كالظلمة ثم أتبع ذو القرنين سببا في ناحية الظلمة حَتَّى إِذا بَلَغَ بَيْنَ السَّدَّيْنِ وَجَدَ مِنْ دُونِهِما قَوْماً لا يَكادُونَ يَفْقَهُونَ قَوْلًا قالُوا يا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِنَّ يَأْجُوجَ وَ مَأْجُوجَ خلف هذين الجبلين و هم يفسدون في الأرض إذا كان إبان زروعنا و ثمارنا خرجوا علينا من هذين السدين فرعوا في ثمارنا و زروعنا حتى لا يبقون منها شيئا فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجاً نؤديه إليك في كل عام عَلى أَنْ تَجْعَلَ بَيْنَنا وَ بَيْنَهُمْ سَدًّا إلى قوله زُبَرَ الْحَدِيدِ قال فاحتفر له جبل حديد فقلعوا له أمثال اللبن فطرح بعضه على بعض فيما بين الصدفين و كان ذو القرنين هو أول من بنى ردما على الأرض ثم جمع عليه الحطب و ألهب فيه النار و وضع عليه المنافيخ فنفخوا عليه فلما ذاب قال آتوني بقطر و هو المس الأحمر قال فاحتفروا له جبلا من مس فطرحوه على الحديد فذاب معه و اختلط به قال فَمَا اسْطاعُوا أَنْ يَظْهَرُوهُ وَ مَا اسْتَطاعُوا لَهُ نَقْباً يعني يأجوج و مأجوج قالَ هذا رَحْمَةٌ مِنْ رَبِّي فَإِذا جاءَ وَعْدُ رَبِّي جَعَلَهُ دَكَّاءَ وَ كانَ وَعْدُ رَبِّي حَقًّا
إلى هاهنا رواية علي بن الحسين و رواية محمد بن نصر
و زاد جبرئيل بن أحمد في حديثه بأسانيد عن الأصبغ بن نباتة عن علي بن أبي طالب ع وَ تَرَكْنا بَعْضَهُمْ يَوْمَئِذٍ يَمُوجُ فِي بَعْضٍ يعني يوم القيامة و كان ذو القرنين عبدا صالحا و كان من الله بمكان نصح الله فنصح له و أحب الله فأحبه و كان قد سبب له في البلاد و مكن له فيها حتى ملك ما بين المشرق و المغرب و كان له خليل من الملائكة يقال له رقائيل ينزل إليه فيحدثه و يناجيه فبينا هو ذات يوم عنده إذ قال له ذو القرنين يا رقائيل كيف عبادة أهل السماء و أين هي من عبادة أهل الأرض قال رقائيل يا ذا القرنين و ما عبادة أهل الأرض فقال أما عبادة أهل السماء ما في السماوات موضع قدم إلا و عليه ملك قائم لا يقعد أبدا أو راكع لا يسجد أبدا أو ساجد لا يرفع رأسه أبدا فبكى ذو القرنين بكاء شديدا فقال يا رقائيل إني أحب أن أعيش حتى أبلغ من عبادة ربي و حق طاعته ما هو أهله قال رقائيل يا ذا القرنين إن لله في الأرض عينا تدعى عين الحياة فيها عزيمة من الله أنه من يشرب منها لم يمت حتى يكون هو الذي يسأل الله الموت فإن ظفرت بها تعش ما شئت قال و أين ذلك العين و هل تعرفها قال لا غير أنا نتحدث في السماء أن لله في الأرض ظلمة لم يطأها إنس و لا جان فقال ذو القرنين و أين تلك الظلمة قال رقائيل ما أدري ثم صعد رقائيل فدخل ذا القرنين حزن طويل من قول رقائيل و مما أخبره عن العين و الظلمة و لم يخبره بعلم ينتفع به منهما فجمع ذو القرنين فقهاء أهل مملكته و علماءهم و أهل دراسة الكتب و آثار النبوة فلما اجتمعوا عنده قال ذو القرنين يا معشر الفقهاء و أهل الكتب و آثار النبوة هل وجدتم فيما قرأتم من كتب الله و في كتب من كان قبلكم من الملوك أن لله عينا تدعى عين الحياة فيها من الله عزيمة أنه من يشرب منها لم يمت حتى يكون هو الذي يسأل الله الموت قالوا لا يا أيها الملك قال فهل وجدتم فيما قرأتم من الكتب أن لله في الأرض ظلمة لم يطأها إنس و لا جان قالوا لا أيها الملك فحزن عليه ذو القرنين حزنا شديدا و بكى إذ لم يخبر عن العين و الظلمة بما يحب و كان فيمن حضرة غلام من الغلمان من أولاد الأوصياء أوصياء الأنبياء و كان ساكتا لا يتكلم حتى إذا آيس ذو القرنين منهم قال له الغلام أيها الملك إنك تسأل هؤلاء عن أمر ليس لهم به علم و علم ما تريد عندي ففرح ذو القرنين فرحا شديدا حتى نزل عن فراشه و قال له ادن مني فدنا منه فقال أخبرني قال نعم أيها الملك إني وجدت في كتاب آدم الذي كتب يوم سمي له ما في الأرض من عين أو شجر فوجدت فيه أن لله عينا تدعى عين الحياة فيها من أمر الله عزيمة أنه من يشرب منها لم يمت حتى يكون هو الذي يسأل الله الموت بظلمة لم يطأها إنس و لا جان ففرح ذو القرنين و قال ادن مني يا أيها الغلام تدري أين موضعها قال نعم وجدت في كتاب آدم أنها على قرن الشمس يعني مطلعها ففرح ذو القرنين و بعث إلى أهل مملكته فجمع أشرافهم و فقهاءهم و علماءهم و أهل الحكم منهم فاجتمع إليه ألف حكيم و عالم و فقيه فلما اجتمعوا عليه تهيأ للمسير و تأهب له بأعد العدة و أقوى القوة فسار بهم يريد مطلع الشمس يخوض البحار و يقطع الجبال و الفيافي و الأرضين و المفاوز فسار اثنتي عشرة سنة حتى انتهى إلى طرف الظلمة فإذا هي ليست بظلمة ليل و لا دخان و لكنها هواء يفور سد ما بين الأفقين فنزل بطرفها
و عسكر عليها و جمع علماء أهل عسكره و فقهاءهم و أهل الفضل منهم فقال يا معشر الفقهاء و العلماء إني أريد أن أسلك هذه الظلمة فخروا له سجدا فقالوا أيها الملك إنك لتطلب أمرا ما طلبه و لا سلكه أحد كان قبلك من النبيين و المرسلين و لا من الملوك قال إنه لا بد لي من طلبها قالوا أيها الملك إنا لو نعلم أنك إذا سلكتها ظفرت بحاجتك منها بغير عنت عليك لأمرنا و لكنا نخاف أن يعلق بك منها أمر يكون فيه هلاك ملكك و زوال سلطانك و فساد من الأرض فقال لا بد من أن أسلكها فخروا سجدا لله و قالوا إنا نتبرأ إليك مما يريد ذو القرنين فقال ذو القرنين يا معشر العلماء أخبروني بأبصر الدواب قالوا الخيل الإناث البكارة أبصر الدواب فانتخب من عسكره فأصاب ستة آلاف فرس إناثا أبكارا و انتخب من أهل العلم و الفضل و الحكمة ستة آلاف رجل فدفع إلى كل رجل فرسا و ولى فسحر و هو الخضر على ألفي فرس فجعلهم على مقدمته و أمرهم أن يدخلوا الظلمة و سار ذو القرنين في أربعة آلاف و أمر أهل عسكره أن يلزموا معسكره اثنتي عشرة سنة فإن رجع هو إليهم إلى ذلك الوقت و إلا تفرقوا في البلاد و لحقوا ببلادهم أو حيث شاءوا فقال الخضر أيها الملك إنا نسلك في الظلمة لا يرى بعضنا بعضا كيف نصنع بالضلال إذا أصابنا فأعطاه ذو القرنين خرزة حمراء كأنها مشعلة لها ضوء فقال خذ هذه الخرزة فإذا أصابكم الضلال فارم بها إلى الأرض فإنها تصيح فإذا صاحت رجع أهل الضلال إلى صوتها فأخذها الخضر و مضى في الظلمة و كان الخضر يرتحل و ينزل ذو القرنين فبينا الخضر يسير ذات يوم إذ عرض له واد في الظلمة فقال لأصحابه قفوا في هذا الموضع لا يتحركن أحد منكم عن موضعه و نزل عن فرسه فتناول الخرزة فرمى بها في الوادي فأبطأت عنه بالإجابة حتى خاف أن لا يجيبه ثم أجابته فخرج إلى صوتها فإذا هي على جانب العين و إذا ماؤها أشد بياضا من اللبن و أصفى من الياقوت و أحلى من العسل فشرب منه ثم خلع ثيابه فاغتسل منها ثم لبس ثيابه ثم رمى بالخرزة نحو أصحابه فأجابته فخرج إلى أصحابه و ركب و أمرهم بالمسير فساروا و مر ذو القرنين بعده فأخطأ الوادي فسلكوا تلك الظلمة أربعين يوما و أربعين ليلة ثم خرجوا بضوء ليس بضوء نهار و لا شمس و لا قمر و لكنه نور فخرجوا إلى أرض حمراء رملة خشخاشة فركة كأن حصاها اللؤلؤ فإذا هو بقصر مبني على طول فرسخ فجاء ذو القرنين إلى الباب فعسكر عليه ثم توجه بوجهه وحده إلى القصر فإذا طائر و إذا حديدة طويلة قد وضع طرفاها على جانبي القصر و الطير أسود معلق في تلك الحديدة بين السماء و الأرض كأنه الخطاف أو صورة الخطاف أو شبيه بالخطاف أو هو خطاف فلما سمع الطائر خشخشة ذي القرنين قال من هذا قال أنا ذو القرنين فقال الطائر يا ذا القرنين أ ما كفاك ما وراءك حتى وصلت إلى حد بابي هذا ففرق ذو القرنين فرقا شديدا فقال يا ذا القرنين لا تخف و أخبرني قال سل قال هل كثر في الأرض بنيان الآجر و الجص قال نعم قال فانتفض الطير و امتلأ حتى ملأ من الحديدة ثلثها ففرق ذو القرنين فقال لا تخف و أخبرني قال سل قال هل كثرت المعازف قال نعم قال فانتفض الطير و امتلأ حتى ملأ من الحديدة ثلثيها ففرق ذو القرنين فقال لا تخف و أخبرني قال سل قال هل ارتكب الناس شهادة الزور في الأرض قال نعم فانتفض انتفاضة و انتفخ فسد ما بين جداري القصر قال فامتلأ ذو القرنين عند ذلك فرقا منه فقال له لا تخف و أخبرني قال
سل قال هل ترك الناس شهادة أن لا إله إلا الله قال لا فانضم ثلثه ثم قال يا ذا القرنين لا تخف و أخبرني قال سل قال هل ترك الناس الصلاة المفروضة قال لا قال فانضم ثلث آخر ثم قال يا ذا القرنين لا تخف و أخبرني قال سل قال هل ترك الناس الغسل من الجنابة قال لا قال فانضم حتى عاد إلى حاله الأول فإذا هو بدرجة مدرجة إلى أعلى القصر فقال الطير يا ذا القرنين اسلك هذه الدرجة فسلكها و هو خائف لا يدري ما يهجم عليه حتى استوى على ظهرها فإذا هو بسطح ممدود مد البصر و إذا رجل شاب أبيض مضيء الوجه عليه ثياب بيض حتى كأنه رجل أو في صورة رجل أو شبيه بالرجل أو هو رجل و إذا هو رافع رأسه إلى السماء ينظر إليها واضع يده على فيه فلما سمع خشخشة ذي القرنين قال من هذا قال أنا ذو القرنين قال يا ذا القرنين أ ما كفاك ما وراءك حتى وصلت إلي قال ذو القرنين ما لي أراك واضعا يدك على فيك قال يا ذا القرنين أنا صاحب الصور و إن الساعة قد اقتربت و أنا أنتظر أن أومر بالنفخ فأنفخ ثم ضرب بيده فتناول حجرا فرمى به إلى ذي القرنين كأنه حجر أو شبه حجر أو هو حجر فقال يا ذا القرنين خذها فإن جاع جعت و إن شبع شبعت فارجع فرجع ذو القرنين بذلك الحجر حتى خرج به إلى أصحابه فأخبرهم بالطير و ما سأله عنه و ما قال له و ما كان من أمره و أخبرهم بصاحب السطح و ما قال له و ما أعطاه ثم قال لهم إنه أعطاني هذا الحجر و قال لي إن جاع جعت و إن شبع شبعت قال أخبروني بأمر هذا الحجر فوضع في إحدى الكفين فوضع حجر مثله في الكفة الأخرى ثم رفع الميزان فإذا الحجر الذي جاء به أرجح بمثل الآخر فوضعوا آخر فمال به حتى وضعوا ألف حجر كلها مثله ثم رفعوا الميزان فمال بها و لم يستمل به الألف حجر فقالوا يا أيها الملك لا علم لنا بهذا فقال له الخضر أيها الملك إنك تسأل هؤلاء عما لا علم لهم به و قد أوتيت علم
هذا الحجر فقال ذو القرنين فأخبرنا به و بينه لنا فتناول الخضر الميزان فوضع الحجر الذي جاء به ذو القرنين في كفة الميزان ثم وضع حجرا آخر في كفة أخرى ثم وضع كفة تراب على حجر ذي القرنين يزيده ثقلا ثم رفع الميزان فاعتدل و عجبوا و خروا سجدا لله تعالى و قالوا أيها الملك هذا أمر لم يبلغه علمنا و إنا لنعلم أن الخضر ليس بساحر فكيف هذا و قد وضعنا معه ألف حجر كلها مثله فمال بها و هذا قد اعتدل به و زاده ترابا قال ذو القرنين بين يا خضر لنا أمر هذا الحجر قال الخضر أيها الملك إن أمر الله نافذ في عباده و سلطانه قاهر و حكمه فاصل و إن الله ابتلى عباده بعضهم ببعض و ابتلى العالم بالعالم و الجاهل بالجاهل و العالم بالجاهل و الجاهل بالعالم و إنه ابتلاني بك و ابتلاك بي فقال ذو القرنين يرحمك الله يا خضر إنما تقول ابتلاني بك حين جعلت أعلم مني و جعلت تحت يدي أخبرني يرحمك الله عن أمر هذا الحجر فقال الخضر أيها الملك إن هذا الحجر مثل ضربه لك صاحب الصور يقول إن مثل بني آدم مثل هذا الحجر الذي وضع و وضع معه ألف حجر فمال بها ثم إذا وضع عليه التراب شبع و عاد حجرا مثله فيقول كذلك مثلك أعطاك الله من الملك ما أعطاك فلم ترض به حتى طلبت أمرا لم يطلبه أبدا من كان قبلك و دخلت مدخلا لم يدخله إنس و لا جان يقول كذلك ابن آدم و لا يشبع حتى يحثى عليه التراب قال فبكى ذو القرنين بكاء شديدا و قال صدقت يا خضر يضرب لي هذا المثل لا جرم أني لا أطلب أثرا في البلاد بعد مسلكي هذا ثم انصرف راجعا في الظلمة فبينا هم يسيرون إذا سمعوا خشخشة تحت سنابك خيلهم فقالوا أيها الملك ما هذا فقال خذوا منه فمن أخذ منه ندم و من تركه ندم فأخذ بعض و ترك بعض فلما خرجوا من الظلمة إذا هم بالزبرجد فندم الآخذ و التارك و رجع ذو القرنين إلى دومة الجندل و كان بها منزله فلم يزل بها حتى قبضه الله إليه قال و كان ص إذا حدث بهذا الحديث قال رحم الله أخي ذا القرنين ما كان مخطئا إذ سلك ما سلك و طلب ما طلب و لو ظفر بوادي الزبرجد في مذهبه لما ترك فيه شيئا إلا أخرجه إلى الناس لأنه كان راغبا و لكنه ظفر به بعد ما رجع فقد زهد
30- جبرئيل بن أحمد عن موسى بن جعفر رفعه إلى أبي عبد الله ع قال إن ذا القرنين عمل صندوقا من قوارير ثم حمل في مسيره ما شاء الله ثم ركب البحر فلما انتهى إلى موضع منه قال لأصحابه دلوني فإذا حركت الحبل فأخرجوني فإن لم أحرك الحبل فأرسلوني إلى آخره فأرسلوه في البحر و أرسلوا الحبل مسيرة أربعين يوما فإذا ضارب يضرب حيث الصندوق و يقول يا ذا القرنين أين تريد قال أريد أن أنظر إلى ملك ربي في البحر كما رأيته في البر فقال يا ذا القرنين إن هذا الموضع الذي أنت فيه مر فيه نوح زمان الطوفان فسقط منه قدوم فهو يهوي في قعر البحر إلى الساعة لم يبلغ قعره فلما سمع ذو القرنين ذلك حرك الحبل و خرج
بيان قال الفيروزآبادي الخشخشة صوت السلاح و كل شيء يابس إذا حل بعضه ببعض و الدخول في الشيء انتهى و قوله ع فركة أي كانت لينة بحيث كان يمكن فركها باليد
31- شي، ]تفسير العياشي[ عن جابر عن أبي جعفر ع قال قال أمير المؤمنين ع تغرب الشمس في عين حامية في بحر دون المدينة التي مما يلي المغرب يعني جابلقا
بيان قرأ ابن عامر و حمزة و الكسائي و أبو بكر حامية أي حارة و قرأ الباقون حَمِئَةٍ أي ذات حمئة و طين أسود و أولت بأن المراد أنه بلغ ساحل البحر المحيط فرآها كذلك إذ لم يكن في مطمح نظره غير الماء و لذا قال تعالى وَجَدَها تَغْرُبُ و لم يقل كانت تغرب
32- شي، ]تفسير العياشي[ عن أبي بصير عن أبي جعفر ع في قول الله لَمْ نَجْعَلْ لَهُمْ مِنْ دُونِها سِتْراً كذلك قال لم يعلموا صنعة البيوت
إيضاح قال الرازي فيه قولان الأول أنه شاطئ بحر لا جبل و لا شيء يمنع من وقوع شعاع الشمس عليهم فلهذا إذا طلعت الشمس دخلوا في أسراب واغلة في الأرض أو غاصوا في الماء فيكون عند طلوع الشمس يتعذر عليهم التصرف في المعاش و عند غروبها يشتغلون بتحصيل مهمات المعاش و حالهم بالضد من أحوال سائر الخلق. و القول الثاني أن معناه لا ثياب لهم و يكونون كسائر الحيوانات عراة أبدا و في كتب الهيئة أن حال أكثر أهل الزنج كذلك و حال كل من سكن البلاد القريبة من خط الإستواء كذلك و ذكر في بعض كتب التفسير أن بعضهم قال سافرت حتى جاوزت الصين فسألت عن هؤلاء القوم فقيل بينك و بينهم مسيرة يوم و ليلة فبلغتهم و إذا أحدهم يفرش إحدى أذنيه و يلبس الأخرى فلما قرب طلوع الشمس سمعت صوتا كهيئة الصلصلة فغشي علي ثم أفقت فلما طلعت الشمس إذا هي فوق الماء كهيئة الزيت فأدخلوني سربا لهم فلما ارتفع النهار جعلوا يصطادون السمك و يطرحون في الشمس فينضج
33- شي، ]تفسير العياشي[ عن جابر عن أبي عبد الله ع قال اجعل بيننا و بينهم سدا فَمَا اسْطاعُوا أَنْ يَظْهَرُوهُ وَ مَا اسْتَطاعُوا لَهُ نَقْباً قال هو السد التقية
34- شي، ]تفسير العياشي[ عن المفضل قال سألت الصادق ع عن قوله أَجْعَلْ بَيْنَكُمْ وَ بَيْنَهُمْ رَدْماً قال التقية فَمَا اسْطاعُوا أَنْ يَظْهَرُوهُ وَ مَا اسْتَطاعُوا لَهُ نَقْباً قال ما استطاعوا له نقبا إذا عمل بالتقية لم يقدروا في ذلك على حيلة و هو الحصن الحصين و صار بينك و بين أعداء الله سدا لا يستطيعون له نقبا قال و سألته عن قوله فَإِذا جاءَ وَعْدُ رَبِّي جَعَلَهُ دَكَّاءَ قال رفع التقية عند قيام القائم فينتقم من أعداء الله
بيان كأن هذا كلام على سبيل التمثيل و التشبيه أي جعل الله التقية لكم سدا لرفع ضرر المخالفين عنكم إلى قيام القائم ع و رفع التقية كما أن ذا القرنين وضع السد لرفع فتنة يأجوج و مأجوج إلى أن يأذن الله لرفعها. تكملة قال الرازي اختلف الناس في أن ذا القرنين من هو و ذكروا أقوالا الأول أنه الإسكندر بن فيلقوس اليوناني قالوا و الدليل عليه أن القرآن دل على أن الرجل المسمى بذي القرنين بلغ ملكه إلى أقصى المغرب بدليل قوله حَتَّى إِذا بَلَغَ مَغْرِبَ الشَّمْسِ وَجَدَها تَغْرُبُ فِي عَيْنٍ حَمِئَةٍ و أيضا بلغ ملكه أقصى المشرق بدليل قوله حَتَّى إِذا بَلَغَ مَطْلِعَ الشَّمْسِ و أيضا بلغ ملكه أقصى الشمال بدليل أن يأجوج و مأجوج قوم من الترك و يسكنون في أقصى الشمال و بدليل أن السد المذكور في القرآن يقال في كتب التواريخ إنه في أقصى الشمال فهذا المسمى بذي القرنين في القرآن قد دل القرآن على أن ملكه بلغ أقصى المشرق و المغرب و الشمال و هذا هو تمام القدر المعمور من الأرض و مثل ذلك الملك البسيط لا شك أنه على خلاف العادة و ما كان كذلك وجب أن يبقى ذكره مخلدا على وجه الدهر و أن لا يبقى مخفيا مستترا و الملك الذي اشتهر في كتب التواريخ أنه بلغ ملكه إلى هذا القدر ليس إلا الإسكندر و ذلك لأنه لما مات أبوه جمع ملك الروم بعد أن كانوا طوائف ثم قصد ملوك المغرب و قهرهم و أمعن حتى انتهى إلى البحر الأخضر ثم عاد إلى مصر و بنى الإسكندرية و سماها باسم نفسه ثم دخل الشام و قصد بني إسرائيل و ورد بيت المقدس و ذبح في مذبحه ثم انعطف إلى أرمنية و باب الأبواب و دانت له العبرانيون و القبط و البربر و توجه بعد ذلك إلى دارا بن دارا و هزمه مرات إلى أن قتله صاحب حرسه و استولى الإسكندر على ملوك الفرس و قصد الهند و الصين و غزا الأمم البعيدة و رجع إلى خراسان و بنى المدن الكثيرة و رجع إلى العراق و مرض بشهرذور و مات بها فلما ثبت بالقرآن أن ذا القرنين كان رجلا ملك الأرض بالكلية أو ما يقرب منها و ثبت بعلم التواريخ أن الذي هذا شأنه ما كان إلا الإسكندر وجب القطع بأن المراد بذي القرنين هو الإسكندر بن فيلقوس اليوناني. ثم ذكروا في تسمية ذي القرنين بهذا الاسم وجوها الأول أنه لقب بهذا اللقب لأجل بلوغه قرني الشمس أي مطلعها و مغربها كما لقب أردشير بطول اليدين لنفوذ أمره حيث أراده و الثاني أن الفرس قالوا إن دارا الأكبر كان تزوج بابنة فيلقوس فلما قرب منها وجد منها رائحة منكرة فردها إلى أبيها و كانت قد حملت منه بالإسكندر فولدت الإسكندر بعد عودها إلى أبيها فيلقس فبقي الإسكندر عند فيلقس و أظهر أنه ابنه و هو في الحقيقة ابن دارا الأكبر قالوا و الدليل على ذلك أن الإسكندر لما أدرك دارا بن دارا و به رمق وضع رأسه في حجره و قال لدارا يا أخي أخبرني عمن فعل هذا لأنتقم لك منه فهذا ما قاله الفرس قالوا فعلى هذا التقدير فالإسكندر أبوه دارا الأكبر و أمه بنت فيلقس فهذا إنما تولد من أصلين مختلفين الفرس و الروم و هذا الذي قاله الفرس و إنما ذكروه لأنهم أرادوا أن يجعلوه من نسل ملوك العجم حتى لا يكون ملك مثله من نسب غير نسب ملوك العجم و هو في الحقيقة كذب و إنما قال الإسكندر لدارا يا أخي على سبيل التواضع و أكرم دارا بذلك الخطاب. و القول الثاني قال أبو الريحان البيروني المنجم في كتابه الذي سماه بالآثار الباقية من القرون الخالية قيل إن ذا القرنين هو أبو كرب شمر بن عمير بن أفريقش الحميري و هو الذي بلغ ملكه مشارق الأرض و مغاربها و هو الذي افتخر به أحد الشعراء من حمير حيث قال قد كان ذو القرنين قبلي مسلما. ملكا علا في الأرض غير معبد. بلغ المشارق و المغارب يبتغي. أسباب ملك من كريم سيد. ثم قال أبو الريحان و يشبه أن يكون هذا القول أقرب لأن الأذواء كانوا من اليمن و هم الذين لا تخلو أساميهم من ذي كذي المنار و ذي نواس و ذي النون و ذي يزن. و الثالث أنه كان عبدا صالحا ملكه الله الأرض و أعطاه العلم و الحكمة و ألبسه الهيبة و إن كنا لا نعرف من هو ثم ذكروا في تسميته بذي القرنين وجوها الأول
سأل ابن الكواء عليا ع عن ذي القرنين و قال أ ملك أو نبي قال لا ملك و لا نبي كان عبدا صالحا ضرب على قرنه الأيمن فمات ثم بعثه الله فضرب على قرنه الأيسر فمات فبعثه الله فسمي ذا القرنين و فيكم مثله
الثاني سمي بذي القرنين لأنه انقرض في وقته قرنان من الناس الثالث قيل كانت صفحتا رأسه من نحاس الرابع كان على رأسه ما يشبه القرنين الخامس كان لتاجه قرنان السادس
عن النبي ص أنه سمي ذا القرنين لأنه طاف قرني الدنيا يعني شرقها و غربها
السابع كان له قرنان أي ضفيرتان الثامن أن الله تعالى سخر له النور و الظلمة فإذا سرى يهديه النور من أمامه و يمتد الظلمة من ورائه التاسع يجوز أن يلقب بذلك لشجاعته كما سمي الشجاع بالقرن لأنه يقطع أقرانه العاشر أنه رأى في المنام كأنه صعد الفلك و تعلق بطرفي الشمس و قرنيها أي جانبيها فسمي لهذا السبب بذي القرنين الحادي عشر سمي بذلك لأنه دخل النور و الظلمة. و القول الرابع أن ذا القرنين ملك من الملائكة عن عمر و أنه سمع رجلا يقول يا ذا القرنين فقال اللهم اغفر أ ما رضيتم أن تسموا بأسماء الأنبياء حتى سميتم بأسماء الملائكة فهذا جملة ما قيل في هذا الباب و القول الأول أظهر لأجل الدليل الذي ذكرناه و هو أن مثل هذا الملك العظيم يجب أن يكون معلوم الحال و هذا الملك العظيم هو الإسكندر فوجب أن يكون المراد بذي القرنين هو إلا أن فيه إشكالا قويا و هو أنه كان تلميذا لأرسطاطاليس الحكيم و كان على مذهبه فتعظيم الله إياه يوجب الحكم بأن مذهب أرسطاطاليس حق و صدق و ذلك مما لا سبيل إليه. المسألة الثانية اختلفوا في أن ذا القرنين هل كان من الأنبياء أم لا منهم من قال إنه كان من الأنبياء و احتجوا عليه بوجوه الأول قوله إِنَّا مَكَّنَّا لَهُ فِي الْأَرْضِ و الأولى حمله على التمكين في الدين و التمكين الكامل في الدين هو النبوة. و الثاني قوله وَ آتَيْناهُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ سَبَباً و من جملة الأشياء النبوة فمقتضى العموم في قوله وَ آتَيْناهُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ سَبَباً هو أنه تعالى آتاه من النبوة سببا. و الثالث قوله تعالى قُلْنا يا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِمَّا أَنْ تُعَذِّبَ وَ إِمَّا أَنْ تَتَّخِذَ فِيهِمْ حُسْناً و الذي يتكلم الله معه لا بد و أن يكون نبيا و منهم من قال إنه كان عبدا صالحا و ما كان نبيا انتهى. أقول الظاهر من الأخبار أنه غير الإسكندر و أنه كان في زمن إبراهيم ع و أنه أول الملوك بعد نوح ع و أما استدلاله فلا يخفى ضعفه بعد ما قد عرفت
مع أن الملوك المتقدمة لم يضبط أحوالهم بحيث لا يشذ عنهم أحد و أيضا الظاهر من كلام أهل الكتاب الذين عليهم يعولون في التواريخ عدم الاتحاد ثم الظاهر مما ذكرنا من الأخبار و غيرهما مما أورده الكليني و غيره أنه لم يكن نبيا و لكنه كان عبدا صالحا مؤيدا من عنده تعالى. و أما يأجوج و مأجوج فقد ذكر الشيخ الطبرسي أن فسادهم أنهم كانوا يخرجون فيقتلونهم و يأكلون لحومهم و دوابهم و قيل كانوا يخرجون أيام الربيع فلا يدعون شيئا أخضر إلا أكلوه و لا يابسا إلا احتملوه عن الكلبي و قيل أرادوا أنهم سيفسدون في المستقبل عند خروجهم
و ورد في الخبر عن حذيفة قال سألت رسول الله ص عن يأجوج و مأجوج فقال يأجوج أمة و مأجوج أمة كل أمة أربعمائة أمة لا يموت الرجل منهم حتى ينظر إلى ألف ذكر من صلبه كل قد حمل السلاح قلت يا رسول الله صفهم لنا قال هم ثلاثة أصناف صنف منهم أمثال الأرز قلت يا رسول الله و ما الأرز قال شجر بالشام طويل و صنف منهم طولهم و عرضهم سواء و هؤلاء الذين لا يقوم لهم جبل و لا حديد و صنف منهم يفترش أحدهم إحدى أذنيه و يلتحف بالأخرى و لا يمرون بفيل و لا وحش و لا جمل و لا خنزير إلا أكلوه و من مات منهم أكلوه مقدمتهم بالشام و ساقتهم بخراسان يشربون أنهار المشرق و بحيرة طبرية
قال وهب و مقاتل إنهم من ولد يافث بن نوح أبي الترك و قال السدي الترك سرية من يأجوج و مأجوج خرجت تغير فجاء ذو القرنين فضرب السد فبقيت خارجه و قال قتادة إن ذا القرنين بنى السد على إحدى و عشرين قبيلة و بقيت منهم قبيلة دون السد فهم الترك و قال كعب هم نادرة من ولد آدم و ذلك أن آدم احتلم ذات يوم و امتزجت نطفته بالتراب فخلق الله من ذلك الماء و التراب يأجوج و مأجوج فهم متصلون بنا من جهة الأب دون الأم و هذا بعيد انتهى. أقول سيأتي بيان أحوالهم في كتاب الغيبة إن شاء الله تعالى ثم اعلم أنا إنما أوردنا قصة ذي القرنين بعد قصص إبراهيم ع تبعا للصدوق رحمه الله و لما مر من أنه كان في زمنه ع و ذهب بعض المؤرخين إلى أنه كان متقدما على إبراهيم ع. غريبة قال الثعلبي في العرائس يحكى أن الواثق بالله رأى في المنام كأن السد مفتوح فوجه سلاما الترجمان في خمسين رجلا و أعطاه ديته خمسة آلاف دينار و أعطى كل رجل من الخمسين ألف درهم و رزق سنة و أعطاه مائتي بغل لحمل الزاد و الماء فتوجه من سرمنرأى بكتاب من الواثق إلى إسحاق بن إسماعيل صاحب أرمينية و كان بتفليس و كتب له إسحاق إلى صاحب السرير ملك الأردن و كتب له ملك الأردن إلى طلخيذ فيلاذ شاه ملك الخور فأقام عنده حتى وجه خمسين رجلا أدلاء فساروا خمسة و عشرين يوما حتى انتهوا إلى أرض سوداء منتنة الريح و كانوا قد حملوا خلا يشمونه من الرائحة الكريهة فساروا فيها سبعة و عشرين يوما فمات هاهنا قوم. ثم ساروا في مدن خربة عشرين يوما فسألوا عن تلك المدن فقالوا إنها قد ظهرت يأجوج و مأجوج فخربوها ثم ساروا إلى حصون بالقرب من الجبل يتكلمون بالعربية و الفارسية يقرءون القرآن لهم كتاتيب و مساجد فقالوا من القوم قالوا رسل أمير المؤمنين فقالوا من أمير المؤمنين قالوا بالعراق فتعجبوا و قالوا شيخ أو شاب و زعموا أنه لم يبلغهم خبره ثم ساروا إلى جبل أملس ليس عليه خضرة و إذا جبل مقطوع بواد عرضه مائة و خمسون ذراعا فإذا عضادتان مبنيتان مقابلتا الجبل من جنبتي الوادي كل عضادة خمسة و عشرون ذراعا الظاهر من تحتها عشرة أذرع مبنية بلبن من حديد مركبة بنحاس في سمك خمسين ذراعا و إذا دروند من حديد طرفاه على عضادتين طوله مائة و عشرون ذراعا قد ركبت طرفاه العضادتين على كل واحدة مقدار عشرة أذرع في عرض خمسة أذرع و فوق ذلك الدروند بني بذلك اللبن من الحديد المنصب في النحاس إلى رأس الجبل و ارتفاعه مد البصر و فوق ذلك شرف من حديد في طرف كل شرفه قرنان مبني بعضها إلى بعض كل واحد إلى صاحبه و إذا باب مصراعان منصوبان من حديد عرض كل باب خمسون ذراعا في ارتفاع خمسين ذراعا قائمتاهما في دورهما على قدر الدروند و على الباب قفل طوله سبعة أذرع في غلظ ذراع و ارتفاع القفل من الأرض خمسة و خمسون ذراعا و فوق القفل مقدار خمسة أذرع غلق و على الغلق مفتاح طوله ذراع و نصف و له اثنتا عشرة دندانجة كل واحدة كدسجدة منجل من أعظم ما يكون و معلق في سلسلة طولها ثمانية أذرع في استدارة أربعة أشبار و الحلقة التي في السلسلة مثل حلقة المنجنيق و عتبة الباب عشرة أذرع في وسطه مائة ذراع سوى ما تحت العضادتين و الظاهر منها خمسة أذرع هذا كله بذراع السواد و رئيس تلك الحصون يركب في كل جمعة في عشرة فوارس مع كل فارس مرزبة من حديد كل واحد منها خمسون منا فيضرب القفل بالمرزبات في كل يوم ثلاث ضربات يسمع من وراء الباب الصوت و يعلمون أن هناك حفظة و يعلم هؤلاء أن أولئك لم يحدثوا في الباب حدثا و إذا ضربوا أصغوا إليها بآذانهم يسمعون من داخل دويا و بالقرب من هذا الجبل حصن عظيم كبير عشرة فراسخ
في عشرة فراسخ تكسيرها مائة فرسخ و مع الباب حصنان يكون كل واحد منهما مائتي ذراع في مائتي ذراع و على باب هذين الحصنين صخرتان و بين الحصنين عين ماء عذب و في أحد الحصنين آلة البناء التي بني بها السد من قدور الحديد و مغارف من حديد مثل قدر الصابون و هناك بعض اللبن من الحديد قد التصق بعضه ببعض من الصدأ و اللبنة ذراع و نصف في طول شبر و سألنا هل رأوا هناك أحدا من يأجوج و مأجوج فذكروا أنهم رأوا عدة منهم فوق الشرف فهبت ريح سوداء فألقتهم إلى جانبهم و كان مقدار الرجل في رأي العين شبرا و نصفا. قال فلما انصرفنا أخذتنا الأدلاء على نواحي خراسان فعدلنا إليها فوقعنا إلى القرب من سمرقند على سبع فراسخ و كان أصحاب الحصن قد زودونا الطعام ثم سرنا إلى عبد الله بن طاهر فوصلنا بمائة ألف درهم و وصل كل رجل كان معي خمسمائة درهم و أجرى على كل فارس خمسة دراهم و على كل راجل ثلاثة دراهم كل يوم حتى صرنا إلى الري و رجعنا إلى سرمنرأى بعد ثمانية و عشرين شهرا