الآيات القصص إِنَّ قارُونَ كانَ مِنْ قَوْمِ مُوسى فَبَغى عَلَيْهِمْ وَ آتَيْناهُ مِنَ الْكُنُوزِ ما إِنَّ مَفاتِحَهُ لَتَنُوأُ بِالْعُصْبَةِ أُولِي الْقُوَّةِ إِذْ قالَ لَهُ قَوْمُهُ لا تَفْرَحْ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ وَ ابْتَغِ فِيما آتاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَ لا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيا وَ أَحْسِنْ كَما أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَ لا تَبْغِ الْفَسادَ فِي الْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ قالَ إِنَّما أُوتِيتُهُ عَلى عِلْمٍ عِنْدِي أَ وَ لَمْ يَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ قَدْ أَهْلَكَ مِنْ قَبْلِهِ مِنَ الْقُرُونِ مَنْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُ قُوَّةً وَ أَكْثَرُ جَمْعاً وَ لا يُسْئَلُ عَنْ ذُنُوبِهِمُ الْمُجْرِمُونَ فَخَرَجَ عَلى قَوْمِهِ فِي زِينَتِهِ قالَ الَّذِينَ يُرِيدُونَ الْحَياةَ الدُّنْيا يا لَيْتَ لَنا مِثْلَ ما أُوتِيَ قارُونُ إِنَّهُ لَذُو حَظٍّ عَظِيمٍ وَ قالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَيْلَكُمْ ثَوابُ اللَّهِ خَيْرٌ لِمَنْ آمَنَ وَ عَمِلَ صالِحاً وَ لا يُلَقَّاها إِلَّا الصَّابِرُونَ فَخَسَفْنا بِهِ وَ بِدارِهِ الْأَرْضَ فَما كانَ لَهُ مِنْ فِئَةٍ يَنْصُرُونَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَ ما كانَ مِنَ المُنْتَصِرِينَ وَ أَصْبَحَ الَّذِينَ تَمَنَّوْا مَكانَهُ بِالْأَمْسِ يَقُولُونَ وَيْكَأَنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ وَ يَقْدِرُ لَوْ لا أَنْ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْنا لَخَسَفَ بِنا وَيْكَأَنَّهُ لا يُفْلِحُ الْكافِرُونَ تفسير لا تَفْرَحْ أي لا تأشر و لا تمرح و لا تتكبر بسبب كنوزك وَ لا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيا أي لا تترك أن تحصل بها آخرتك أو أن تأخذ منها ما يكفيك.
1- فس، ]تفسير القمي[ قال علي بن إبراهيم في قوله إِنَّ قارُونَ كانَ مِنْ قَوْمِ مُوسى فَبَغى عَلَيْهِمْ وَ آتَيْناهُ مِنَ الْكُنُوزِ ما إِنَّ مَفاتِحَهُ لَتَنُوأُ بِالْعُصْبَةِ أُولِي الْقُوَّةِ و العصبة ما بين العشرة إلى خمسة عشر قال كان يحمل مفاتيح خزائنه العصبة أولي القوة فقال قارون كما حكى الله إِنَّما أُوتِيتُهُ عَلى عِلْمٍ عِنْدِي يعني ماله و كان يعمل الكيمياء فقال الله أَ وَ لَمْ يَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ قَدْ أَهْلَكَ مِنْ قَبْلِهِ مِنَ الْقُرُونِ مَنْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُ قُوَّةً وَ أَكْثَرُ جَمْعاً وَ لا يُسْئَلُ عَنْ ذُنُوبِهِمُ الْمُجْرِمُونَ أي لا يسأل من كان قبلهم عن ذنوب هؤلاء فَخَرَجَ عَلى قَوْمِهِ فِي زِينَتِهِ قال في الثياب المصبغات يجرها بالأرض ف قالَ الَّذِينَ يُرِيدُونَ الْحَياةَ الدُّنْيا يا لَيْتَ لَنا مِثْلَ ما أُوتِيَ قارُونُ إِنَّهُ لَذُو حَظٍّ عَظِيمٍ فقال لهم الخاص من أصحاب موسى ع وَيْلَكُمْ ثَوابُ اللَّهِ خَيْرٌ لِمَنْ آمَنَ وَ عَمِلَ صالِحاً وَ لا يُلَقَّاها إِلَّا الصَّابِرُونَ فَخَسَفْنا بِهِ وَ بِدارِهِ الْأَرْضَ فَما كانَ لَهُ مِنْ فِئَةٍ يَنْصُرُونَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَ ما كانَ مِنَ المُنْتَصِرِينَ وَ أَصْبَحَ الَّذِينَ تَمَنَّوْا مَكانَهُ بِالْأَمْسِ يَقُولُونَ وَيْكَأَنَّ اللَّهَ قال هي لغة سريانية يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ وَ يَقْدِرُ لَوْ لا أَنْ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْنا لَخَسَفَ بِنا وَيْكَأَنَّهُ لا يُفْلِحُ الْكافِرُونَ و كان سبب هلاك قارون أنه لما أخرج موسى بني إسرائيل من مصر و أنزلهم البادية أنزل الله عليهم المن و السلوى و انفجر لهم من الحجر اثنتا عشرة عينا بطروا و قالوا لَنْ نَصْبِرَ عَلى طَعامٍ واحِدٍ فَادْعُ لَنا رَبَّكَ يُخْرِجْ لَنا مِمَّا تُنْبِتُ الْأَرْضُ مِنْ بَقْلِها وَ قِثَّائِها وَ فُومِها وَ عَدَسِها وَ بَصَلِها قالَ لهم موسى أَ تَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنى بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ اهْبِطُوا مِصْراً فَإِنَّ لَكُمْ ما سَأَلْتُمْ فقالوا كما حكى الله إِنَّ فِيها قَوْماً جَبَّارِينَ وَ إِنَّا لَنْ نَدْخُلَها حَتَّى يَخْرُجُوا مِنْها ثم قالوا لموسى فَاذْهَبْ أَنْتَ وَ رَبُّكَ فَقاتِلا إِنَّا هاهُنا قاعِدُونَ ففرض الله عليهم دخولها و حرمها عَلَيْهِمْ أَرْبَعِينَ سَنَةً يَتِيهُونَ فِي الْأَرْضِ فكانوا يقومون من أول الليل و يأخذون في قراءة التوراة و الدعاء و البكاء و كان قارون منهم و كان يقرأ التوراة و لم يكن فيهم أحسن صوتا منه و كان يسمى المنون لحسن قراءته و قد كان يعمل الكيمياء فلما طال الأمر على بني إسرائيل في التيه و التوبة و كان قارون قد امتنع أن يدخل معهم في التوبة و كان موسى يحبه فدخل إليه موسى فقال له يا قارون قومك في التوبة و أنت قاعد هاهنا ادخل معهم و إلا نزل بك العذاب فاستهان به و استهزأ بقوله فخرج موسى من عنده مغتما فجلس في فناء قصره و عليه جبة شعر و نعلان من جلد حمار شراكهما من خيوط شعر بيده العصا فأمر قارون أن يصب عليه رماد قد خلط بالماء فصب عليه فغضب موسى غضبا شديدا و كان في كتفه شعرات كان إذا غضب خرجت
من ثيابه و قطر منها الدم فقال موسى يا رب إن لم تغضب لي فلست لك بنبي فأوحى الله إليه قد أمرت السماوات و الأرض أن تطعك فمرهما بما شئت و قد كان قارون أمر أن يغلق باب القصر فأقبل موسى فأومأ إلى الأبواب فانفرجت و دخل عليه فلما نظر إليه قارون علم أنه قد أوتي بالعذاب فقال يا موسى أسألك بالرحم التي بيني و بينك فقال له موسى يا ابن لاوي لا تردني من كلامك يا أرض خذيه فدخل القصر بما فيه في الأرض و دخل قارون في الأرض إلى الركبة فبكى و حلفه بالرحم فقال له موسى يا ابن لاوي لا تردني من كلامك يا أرض خذيه فابتلعته بقصره و خزائنه و هذا ما قال موسى لقارون يوم أهلكه الله فعيره الله بما قاله لقارون فعلم موسى أن الله قد عيره بذلك فقال يا رب إن قارون دعاني بغيرك و لو دعاني بك لأجبته فقال الله يا ابن لاوي لا تردني من كلامك فقال موسى يا رب لو علمت أن ذلك لك رضا لأجبته فقال الله تعالى يا موسى و عزتي و جلالي و جودي و مجدي و علو مكاني لو أن قارون كما دعاك دعاني لأجبته و لكنه لما دعاك وكلته إليك يا ابن عمران لا تجزع من الموت فإني كتبت الموت على كل نفس و قد مهدت لك مهادا لو قد وردت عليه لقرت عيناك فخرج موسى إلى جبل طور سيناء مع وصيه فصعد موسى الجبل فنظر إلى رجل قد أقبل و معه مكتل و مسحاة فقال له موسى ما تريد قال إن رجلا من أولياء الله قد توفي فأنا أحفر له قبرا فقال له موسى أ فلا أعينك عليه قال بلى قال فحفرا القبر فلما فرغا أراد الرجل أن ينزل إلى القبر فقال له موسى ما تريد قال أدخل القبر فانظر كيف مضجعه فقال موسى أنا أكفيك فدخله موسى فاضطجع فيه فقبض ملك الموت روحه و انضم عليه الجبل
بيان قوله تعالى كانَ مِنْ قَوْمِ مُوسى قيل كان ابن عمه يصهر بن قاهث و موسى ابن عمران بن قاهث و قيل كان ابن خالته قال الطبرسي و روي ذلك عن أبي عبد الله ع و قيل كان عم موسى و قال الطبرسي رحمه الله ناء بحمله ينوء نوءا إذا نهض به مع ثقله عليه و المفاتح هنا الخزائن في قول أكثر المفسرين و قيل هي المفاتيح التي تفتح بها الأبواب و روى الأعمش عن خثيمة قال كانت من جلود كل مفتاح مثل الإصبع و اختلف في معنى العصبة فقيل ما بين عشرة إلى خمسة عشر و قيل ما بين عشرة إلى أربعين و قيل أربعون رجلا و قيل ما بين الثلاثة إلى العشرة و قيل إنهم الجماعة يتعصب بعضهم لبعض قوله إِنَّما أُوتِيتُهُ عَلى عِلْمٍ قال البيضاوي أي فضلت به على الناس و استوجبت به التفوق عليهم بالجاه و المال و على علم في موضع الحال و هو علم التوراة و كان أعلمهم و قيل هو علم الكيمياء و قيل علم التجارة و الدهقنة و سائر المكاسب و قيل علمه بكنوز يوسف. وَ لا يُسْئَلُ عَنْ ذُنُوبِهِمُ الْمُجْرِمُونَ سؤال استعلام فإنه تعالى مطلع عليها أو معاتبة فإنهم يعذبون بها بغتة قوله وَيْكَأَنَّ اللَّهَ قال البغوي قال الفراء ويكأن كلمة تقرير و عن الحسن أنه كلمة ابتداء و قيل هو تنبيه بمنزلة ألا و قال قطرب ويك بمعنى ويلك و أن منصوب بإضمار اعلم و قال البيضاوي عند البصريين مركب من وي للتعجب و كأن للتشبيه و المعنى ما أشبه الأمر أن الله يبسط. قوله لا تردني من كلامك أي لا تقصدني بسبب كلامك أي لا تكلمني و في بعض النسخ بالزاي المعجمة و في بعضها لا يردني كلامك
2- فس، ]تفسير القمي[ أبي عن ابن أبي عمير عن جميل عن أبي عبد الله ع في خبر يونس قال فدخل الحوت في بحر القلزم ثم خرج إلى بحر مصر ثم دخل إلى بحر طبرستان ثم خرج في دجلة الغوراء قال ثم مرت به تحت الأرض حتى لحقت بقارون و كان قارون هلك في أيام موسى و وكل الله به ملكا يدخله في الأرض كل يوم قامة رجل و كان يونس في بطن الحوت يسبح الله و يستغفره فسمع قارون صوته فقال للملك الموكل به أنظرني فإني أسمع كلام آدمي فأوحى الله إلى الملك الموكل به أنظره فأنظره ثم قال قارون من أنت قال يونس أنا المذنب الخاطئ يونس بن متى قال فما فعل شديد الغضب لله موسى بن عمران قال هيهات هلك قال فما فعل الرءوف الرحيم على قومه هارون بن عمران قال هلك قال فما فعلت كلثم بنت عمران التي كانت سميت لي قال هيهات ما بقي من آل عمران أحد فقال قارون وا أسفاه على آل عمران فشكر الله له ذلك فأمر الله الملك الموكل به أن يرفع عنه العذاب أيام الدنيا فرفع عنه الخبر
3- ص، ]قصص الأنبياء عليهم السلام[ أمر موسى ع قارون أن يعلق في ردائه خيوطا خضرا فلم يطعه و استكبر و قال إنما يفعل ذلك الأرباب بعبيدهم كيما يتميزوا و خرج على موسى في زينته على بغلة شهباء و معه أربعة آلاف مقاتل و ثلاث مائة وصيفة عليهن الحلي و قال لموسى أنا خير منك فلما رأى ذلك موسى ع قال لقارون أبرز بنا فادع علي و أدعو عليك و كان ابن عم لموسى ع فأمر الأرض فأخذت قارون إلى ركبتيه فقال أنشدك الله و الرحم يا موسى فابتلعته الأرض و خسف به و بداره
4- ص، ]قصص الأنبياء عليهم السلام[ عن محمد بن السائب عن أبي صالح عن ابن عباس رضي الله عنه قال كان قارون ابن عم موسى ع و كانت في زمان موسى امرأة بغي لها جمال و هيئة فقال لها قارون أعطيك مائة ألف درهم و تجيئين غدا إلى موسى و هو جالس عند بني إسرائيل يتلو عليهم التوراة فتقولين يا معشر بني إسرائيل إن موسى دعاني إلى نفسه فأخذت منه مائة ألف درهم فلما أصبحت جاءت المرأة البغي فقامت على رءوسهم و كان قارون حضر في زينته فقالت المرأة يا موسى إن قارون أعطاني مائة ألف درهم على أن أقول بين بني إسرائيل على رءوس الأشهاد أنك دعوتني إلى نفسك و معاذ الله أن تكون دعوتني لقد أكرمك الله عن ذلك فقال موسى للأرض خذيه فأخذته و ابتلعته و إنه ليتجلجل ما بلغ و لله الحمد
بيان التجلجل السووخ في الأرض قال الثعلبي كان قارون أعلم بني إسرائيل بعد موسى و هارون و أفضلهم و أجملهم و لم يكن فيهم أقرأ للتوراة منه و لكنه نافق كما نافق السامري فبغى على قومه و اختلف في معنى هذا البغي فقال ابن عباس كان فرعون قد ملك قارون على بني إسرائيل حين كان بمصر و عن المسيب بن شريك أنه كان عاملا على بني إسرائيل و كان يظلمهم و قيل زاد عليهم في الثياب شبرا و قيل بغى عليهم بالكبر و قيل بكثرة ماله و كان أغنى أهل زمانه و أثراهم. و اختلف في مبلغ عدة العصبة في هذا الموضع فقال مجاهد ما بين العشرة إلى خمسة عشر و قال قتادة ما بين العشرة إلى أربعين و قال عكرمة منهم من يقول أربعون و منهم من يقول سبعون و قال الضحاك ما بين الثلاثة إلى العشرة و قيل هم ستون و روي عن خثيمة قال وجدت في الإنجيل أن مفاتيح خزائن قارون وقر ستين بغلا غراء محجلة ما يزيد منها مفتاح على إصبع لكل مفتاح منها كنز و يقال كان أينما يذهب تحمل معه و كانت من حديد فلما ثقلت عليه جعلها من خشب فثقلت عليه فجعلها من جلود البقر على طول الأصابع فكانت تحمل معه على أربعين بغلا و كان أول طغيانه أنه تكبر و استطال على الناس بكثرة الأموال فكان يخرج في زينته و يختال كما قال تعالى فَخَرَجَ عَلى قَوْمِهِ فِي زِينَتِهِ قال مجاهد خرج على براذين بيض عليها سروج الأرجوان و عليهم المعصفرات و قال عبد الرحمن خرج في سبعين ألفا عليهم المعصفرات و قال مقاتل على بغلة شهباء عليها سرج من الذهب عليها الأرجوان و معه أربعة آلاف فارس عليهم و على دوابهم الأرجوان و معه ثلاثة آلاف جارية بيض عليهن الحلي و الثياب الحمر على البغال الشهب فتمنى أهل الجهالة مثل الذي أوتيه كما حكى الله فوعظهم أهل العلم بالله أن اتقوا الله فإن ثواب الله خَيْرٌ لِمَنْ آمَنَ وَ عَمِلَ صالِحاً. قال ثم إن الله أوحى إلى نبيه موسى أن يأمر قومه أن يعلقوا في أرديتهم خيوطا أربعة في كل طرف خيطا أخضر لونه لون السماء فدعا موسى بني إسرائيل و قال لهم إن الله تعالى يأمركم أن تعلقوا في أرديتكم خيوطا خضرا كلون السماء لكي تذكروا ربكم إذا رأيتموها و إنه تعالى ينزل من السماء كلامه عليكم فاستكبر قارون و قال إنما تفعل هذه الأرباب بعبيدهم لكي يتميزوا من غيرهم و لما قطع موسى ع ببني إسرائيل البحر جعل الحبورة و هي رئاسة المذبح و بيت القربان لهارون فكان بنو إسرائيل يأتون بهديتهم و يدفعونه إلى هارون فيضعه على المذبح فتنزل نار من السماء فتأكله فوجد قارون في نفسه من ذلك و أتى موسى و قال يا موسى لك الرسالة و لهارون الحبورة و لست في شيء من ذلك و أنا أقرأ للتوراة منكما لا صبر لي على هذا فقال موسى و الله ما أنا جعلتها في هارون بل الله تعالى جعلها له فقال قارون و الله لا أصدقك في ذلك حتى تريني بيانه قال فجمع موسى ع رؤساء بني إسرائيل و قال هاتوا عصيكم فجاءوا بها فحزمها و ألقاها في قبته التي كان يعبد الله تعالى فيها و جعلوا يحرسون عصيهم حتى أصبحوا فأصبحت عصا هارون ع قد اهتز لها ورق أخضر و كانت من ورق شجر اللوز فقال موسى يا قارون ترى هذا فقال قارون و الله ما هذا بأعجب مما تصنع من السحر
فذهب قارون مغاضبا و اعتزل موسى بأتباعه و جعل موسى يداريه للقرابة التي بينهما و هو يؤذيه في كل وقت و لا يزيد كل يوم إلا كبرا و مخالفة و معاداة لموسى ع حتى بنى دارا و جعل بابها من الذهب و ضرب على جدرانها صفائح الذهب و كان الملأ من بني إسرائيل يغدون إليه و يروحون فيطعمهم الطعام و يحدثونه و يضاحكونه. قال ابن عباس ثم إن الله سبحانه و تعالى أنزل الزكاة على موسى ع فلما أوجب الله سبحانه الزكاة عليهم أبى قارون فصالحه عن كل ألف دينار على دينار و عن كل ألف درهم على درهم و عن كل ألف شاة على شاة و عن كل ألف شيء شيئا ثم رجع إلى بيته فحسبه فوجده كثيرا فلم تسمح بذلك نفسه فجمع بني إسرائيل و قال لهم يا بني إسرائيل إن موسى قد أمركم بكل شيء فأطعتموه و هو الآن يريد أن يأخذ أموالكم فقالوا له أنت كبيرنا و سيدنا فمرنا بما شئت فقال آمركم أن تجيئوا بفلانة البغي فنجعل لها جعلا على أن تقذفه بنفسها فإذا فعلت ذلك خرج عليه بنو إسرائيل و رفضوه فاسترحنا منه فأتوا بها فجعل لها قارون ألف درهم و قيل ألف دينار و قيل طستا من ذهب و قيل حكمها و قال لها إني أمولك و أخلطك بنسائي على أن تقذفي موسى بنفسك غدا إذا حضر بنو إسرائيل فلما أن كان الغد جمع قارون بني إسرائيل ثم أتى موسى فقال له إن بني إسرائيل قد اجتمعوا ينتظرون خروجك لتأمرهم و تنهاهم و تبين لهم أعلام دينهم و أحكام شريعتهم فخرج إليهم موسى و هم في براح من الأرض فقام فيهم خطيبا و وعظهم فيما قال يا بني إسرائيل من سرق قطعنا يده و من افترى جلدناه ثمانين و من زنا و ليست له امرأة جلدناه مائة و من زنا و له امرأة رجمناه حتى يموت فقال له قارون و إن كنت أنت قال و إن كنت أنا قال قارون فإن بني إسرائيل يزعمون أنك فجرت بفلانة قال أنا قال نعم قال ادعوها فإن قالت فهو كما قالت فلما أن جاءت قال لها موسى يا فلانة إنما أنا فعلت لك ما يقول هؤلاء و عظم عليها و سألها بالذي فلق البحر لبني إسرائيل و أنزل التوراة على موسى إلا صدقت فلما ناشدها تداركها الله بالتوفيق و قالت في نفسها لئن أحدث اليوم توبة أفضل من أن أوذي رسول الله فقالت لا كذبوا و لكن جعل لي قارون جعلا على أن أقذفك بنفسي فلما تكلمت بهذا الكلام سقط في يده قارون و نكس رأسه و سكت الملأ و عرف أنه وقع في مهلكة و خر موسى ساجدا يبكي و يقول يا رب إن عدوك قد آذاني و أراد فضيحتي و شيني اللهم فإن كنت رسولك فاغضب لي و سلطني عليه فأوحى الله سبحانه أن ارفع رأسك و مر الأرض بما شئت تطعك فقال موسى يا بني إسرائيل إن الله تعالى قد بعثني إلى قارون كما بعثني إلى فرعون فمن كان معه فليثبت مكانه و من كان معي فليعتزل فاعتزلوا قارون و لم يبق معه إلا رجلان ثم قال موسى ع يا أرض خذيهم فأخذتهم إلى كعابهم ثم قال يا أرض خذيهم فأخذتهم إلى ركبهم ثم قال يا أرض خذيهم فأخذتهم إلى حقوهم ثم قال يا أرض خذيهم فأخذتهم إلى أعناقهم و قارون و أصحابه في كل ذلك يتضرعون إلى موسى ع و يناشده قارون الله و الرحم حتى روي في بعض الأخبار أنه ناشده سبعين مرة و موسى في جميع ذلك لا يلتفت إليه لشدة غضبه ثم قال يا أرض خذيهم فانطبقت عليهم الأرض فأوحى الله سبحانه إلى موسى يا موسى ما أفظك استغاثوا بك سبعين مرة فلم ترحمهم و لم تغثهم أما و عزتي و جلالي لو إياي دعوني مرة واحدة لوجدوني قريبا مجيبا. قال قتادة ذكر لنا أنه يخسف به كل يوم قامة و أنه يتجلجل فيها و لا يبلغ قعرها إلى يوم القيامة فلما خسف الله تعالى بقارون و صاحبيه أصبحت بنو إسرائيل يتناجون فيما بينهم أن موسى إنما دعا على قارون ليستبد بداره و كنوزه و أمواله فدعا الله تعالى موسى ع حتى خسف بداره و أمواله الأرض و أوحى الله تعالى إلى موسى أني لا أعبد الأرض لأحد بعدك أبدا فذلك قوله تعالى فَخَسَفْنا بِهِ وَ بِدارِهِ الْأَرْضَ فَما كانَ لَهُ مِنْ فِئَةٍ يَنْصُرُونَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَ ما كانَ مِنَ المُنْتَصِرِينَ
5- عدة، ]عدة الداعي[ روى محمد بن خالد في كتابه عن النبي ص قال لما صار يونس إلى البحر الذي فيه قارون قال قارون للملك الموكل به ما هذا الدوي و الهول الذي أسمعه قال له الملك هذا يونس الذي حبسه الله في بطن الحوت فجالت به البحار السبعة حتى صارت به إلى هذا البحر فهذا الدوي و الهول لمكانه قال أ فتأذن لي في كلامه فقال قد أذنت لك فقال له قارون يا يونس أ لا تبت إلى ربك فقال له يونس أ لا تبت أنت إلى ربك فقال له قارون إن توبتي جعلت إلى موسى و قد تبت إلى موسى و لم يقبل مني و أنت لو تبت إلى الله لوجدته عند أول قدم ترجع بها إليه