الآيات البقرة وَ إِذْ نَجَّيْناكُمْ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذابِ يُذَبِّحُونَ أَبْناءَكُمْ وَ يَسْتَحْيُونَ نِساءَكُمْ وَ فِي ذلِكُمْ بَلاءٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ وَ إِذْ فَرَقْنا بِكُمُ الْبَحْرَ فَأَنْجَيْناكُمْ وَ أَغْرَقْنا آلَ فِرْعَوْنَ وَ أَنْتُمْ تَنْظُرُونَ الأعراف ثُمَّ بَعَثْنا مِنْ بَعْدِهِمْ مُوسى بِآياتِنا إِلى فِرْعَوْنَ وَ مَلَائِهِ فَظَلَمُوا بِها فَانْظُرْ كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ وَ قالَ مُوسى يا فِرْعَوْنُ إِنِّي رَسُولٌ مِنْ رَبِّ الْعالَمِينَ حَقِيقٌ عَلى أَنْ لا أَقُولَ عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ قَدْ جِئْتُكُمْ بِبَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ فَأَرْسِلْ مَعِيَ بَنِي إِسْرائِيلَ قالَ إِنْ كُنْتَ جِئْتَ بِآيَةٍ فَأْتِ بِها إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ فَأَلْقى عَصاهُ فَإِذا هِيَ ثُعْبانٌ مُبِينٌ وَ نَزَعَ يَدَهُ فَإِذا هِيَ بَيْضاءُ لِلنَّاظِرِينَ قالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِ فِرْعَوْنَ إِنَّ هذا لَساحِرٌ عَلِيمٌ يُرِيدُ أَنْ يُخْرِجَكُمْ مِنْ أَرْضِكُمْ فَما ذا تَأْمُرُونَ قالُوا أَرْجِهْ وَ أَخاهُ وَ أَرْسِلْ فِي الْمَدائِنِ حاشِرِينَ يَأْتُوكَ بِكُلِّ ساحِرٍ عَلِيمٍ وَ جاءَ السَّحَرَةُ فِرْعَوْنَ قالُوا إِنَّ لَنا لَأَجْراً إِنْ كُنَّا نَحْنُ الْغالِبِينَ قالَ نَعَمْ وَ إِنَّكُمْ لَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ قالُوا يا مُوسى إِمَّا أَنْ تُلْقِيَ وَ إِمَّا أَنْ نَكُونَ نَحْنُ الْمُلْقِينَ قالَ أَلْقُوا فَلَمَّا أَلْقَوْا سَحَرُوا أَعْيُنَ النَّاسِ وَ اسْتَرْهَبُوهُمْ وَ جاؤُ بِسِحْرٍ عَظِيمٍ وَ أَوْحَيْنا إِلى مُوسى أَنْ أَلْقِ عَصاكَ فَإِذا هِيَ تَلْقَفُ ما يَأْفِكُونَ فَوَقَعَ الْحَقُّ وَ بَطَلَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ فَغُلِبُوا هُنالِكَ وَ انْقَلَبُوا صاغِرِينَ وَ أُلْقِيَ السَّحَرَةُ ساجِدِينَ قالُوا آمَنَّا بِرَبِّ الْعالَمِينَ رَبِّ مُوسى وَ هارُونَ قالَ فِرْعَوْنُ آمَنْتُمْ بِهِ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ إِنَّ هذا لَمَكْرٌ مَكَرْتُمُوهُ فِي الْمَدِينَةِ لِتُخْرِجُوا مِنْها أَهْلَها فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ لَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَ أَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلافٍ ثُمَّ لَأُصَلِّبَنَّكُمْ أَجْمَعِينَ قالُوا إِنَّا إِلى رَبِّنا مُنْقَلِبُونَ وَ ما تَنْقِمُ مِنَّا إِلَّا أَنْ آمَنَّا بِآياتِ رَبِّنا لَمَّا جاءَتْنا رَبَّنا أَفْرِغْ عَلَيْنا صَبْراً وَ تَوَفَّنا مُسْلِمِينَ وَ قالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِ فِرْعَوْنَ أَ تَذَرُ مُوسى وَ قَوْمَهُ لِيُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَ يَذَرَكَ وَ آلِهَتَكَ قالَ سَنُقَتِّلُ أَبْناءَهُمْ وَ نَسْتَحْيِي نِساءَهُمْ وَ إِنَّا فَوْقَهُمْ قاهِرُونَ قالَ مُوسى لِقَوْمِهِ اسْتَعِينُوا بِاللَّهِ وَ اصْبِرُوا إِنَّ الْأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُها مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ وَ الْعاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ قالُوا أُوذِينا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَأْتِيَنا وَ مِنْ بَعْدِ ما جِئْتَنا قالَ عَسى رَبُّكُمْ أَنْ يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ وَ يَسْتَخْلِفَكُمْ فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ وَ لَقَدْ أَخَذْنا آلَ فِرْعَوْنَ بِالسِّنِينَ وَ نَقْصٍ مِنَ الثَّمَراتِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ فَإِذا جاءَتْهُمُ الْحَسَنَةُ قالُوا لَنا هذِهِ وَ إِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَطَّيَّرُوا بِمُوسى وَ مَنْ مَعَهُ أَلا إِنَّما طائِرُهُمْ عِنْدَ اللَّهِ وَ لكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ وَ قالُوا مَهْما تَأْتِنا بِهِ مِنْ آيَةٍ لِتَسْحَرَنا بِها فَما نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ فَأَرْسَلْنا عَلَيْهِمُ الطُّوفانَ وَ الْجَرادَ وَ الْقُمَّلَ وَ الضَّفادِعَ وَ الدَّمَ آياتٍ مُفَصَّلاتٍ فَاسْتَكْبَرُوا وَ كانُوا قَوْماً مُجْرِمِينَ وَ لَمَّا وَقَعَ عَلَيْهِمُ الرِّجْزُ قالُوا يا مُوسَى ادْعُ لَنا رَبَّكَ بِما عَهِدَ عِنْدَكَ لَئِنْ كَشَفْتَ عَنَّا الرِّجْزَ لَنُؤْمِنَنَّ لَكَ وَ لَنُرْسِلَنَّ مَعَكَ بَنِي إِسْرائِيلَ فَلَمَّا كَشَفْنا عَنْهُمُ الرِّجْزَ إِلى أَجَلٍ هُمْ بالِغُوهُ إِذا هُمْ يَنْكُثُونَ فَانْتَقَمْنا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْناهُمْ فِي الْيَمِّ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُوا بِآياتِنا وَ كانُوا عَنْها غافِلِينَ وَ أَوْرَثْنَا الْقَوْمَ الَّذِينَ كانُوا يُسْتَضْعَفُونَ مَشارِقَ الْأَرْضِ وَ مَغارِبَهَا الَّتِي بارَكْنا فِيها وَ تَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ الْحُسْنى عَلى بَنِي إِسْرائِيلَ بِما صَبَرُوا وَ دَمَّرْنا ما كانَ يَصْنَعُ فِرْعَوْنُ وَ قَوْمُهُ وَ ما كانُوا يَعْرِشُونَ الأنفال كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ وَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَفَرُوا بِآياتِ اللَّهِ فَأَخَذَهُمُ اللَّهُ بِذُنُوبِهِمْ إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ شَدِيدُ الْعِقابِ و قال تعالى كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ وَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَذَّبُوا بِآياتِ رَبِّهِمْ فَأَهْلَكْناهُمْ بِذُنُوبِهِمْ وَ أَغْرَقْنا آلَ فِرْعَوْنَ وَ كُلٌّ كانُوا ظالِمِينَ يونس ثُمَّ بَعَثْنا مِنْ بَعْدِهِمْ مُوسى وَ هارُونَ إِلى فِرْعَوْنَ وَ مَلَائِهِ بِآياتِنا فَاسْتَكْبَرُوا وَ كانُوا قَوْماً مُجْرِمِينَ فَلَمَّا جاءَهُمُ الْحَقُّ مِنْ عِنْدِنا قالُوا إِنَّ هذا لَسِحْرٌ مُبِينٌ قالَ مُوسى أَ تَقُولُونَ لِلْحَقِّ لَمَّا جاءَكُمْ أَ سِحْرٌ هذا وَ لا يُفْلِحُ السَّاحِرُونَ قالُوا أَ جِئْتَنا لِتَلْفِتَنا عَمَّا وَجَدْنا عَلَيْهِ آباءَنا وَ تَكُونَ لَكُمَا الْكِبْرِياءُ فِي الْأَرْضِ وَ ما نَحْنُ لَكُما بِمُؤْمِنِينَ وَ قالَ فِرْعَوْنُ ائْتُونِي بِكُلِّ ساحِرٍ عَلِيمٍ فَلَمَّا جاءَ السَّحَرَةُ قالَ لَهُمْ مُوسى أَلْقُوا ما أَنْتُمْ مُلْقُونَ فَلَمَّا أَلْقَوْا قالَ مُوسى ما جِئْتُمْ بِهِ السِّحْرُ إِنَّ اللَّهَ سَيُبْطِلُهُ إِنَّ اللَّهَ لا يُصْلِحُ عَمَلَ الْمُفْسِدِينَ
وَ يُحِقُّ اللَّهُ الْحَقَّ بِكَلِماتِهِ وَ لَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ فَما آمَنَ لِمُوسى إِلَّا ذُرِّيَّةٌ مِنْ قَوْمِهِ عَلى خَوْفٍ مِنْ فِرْعَوْنَ وَ مَلَائِهِمْ أَنْ يَفْتِنَهُمْ وَ إِنَّ فِرْعَوْنَ لَعالٍ فِي الْأَرْضِ وَ إِنَّهُ لَمِنَ الْمُسْرِفِينَ وَ قالَ مُوسى يا قَوْمِ إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللَّهِ فَعَلَيْهِ تَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُسْلِمِينَ فَقالُوا عَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْنا رَبَّنا لا تَجْعَلْنا فِتْنَةً لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ وَ نَجِّنا بِرَحْمَتِكَ مِنَ الْقَوْمِ الْكافِرِينَ وَ أَوْحَيْنا إِلى مُوسى وَ أَخِيهِ أَنْ تَبَوَّءا لِقَوْمِكُما بِمِصْرَ بُيُوتاً وَ اجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ قِبْلَةً وَ أَقِيمُوا الصَّلاةَ وَ بَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ وَ قالَ مُوسى رَبَّنا إِنَّكَ آتَيْتَ فِرْعَوْنَ وَ مَلَأَهُ زِينَةً وَ أَمْوالًا فِي الْحَياةِ الدُّنْيا رَبَّنا لِيُضِلُّوا عَنْ سَبِيلِكَ رَبَّنَا اطْمِسْ عَلى أَمْوالِهِمْ وَ اشْدُدْ عَلى قُلُوبِهِمْ فَلا يُؤْمِنُوا حَتَّى يَرَوُا الْعَذابَ الْأَلِيمَ قالَ قَدْ أُجِيبَتْ دَعْوَتُكُما فَاسْتَقِيما وَ لا تَتَّبِعانِّ سَبِيلَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ وَ جاوَزْنا بِبَنِي إِسْرائِيلَ الْبَحْرَ فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ وَ جُنُودُهُ بَغْياً وَ عَدْواً حَتَّى إِذا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ قالَ آمَنْتُ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُوا إِسْرائِيلَ وَ أَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ آلْآنَ وَ قَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَ كُنْتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً وَ إِنَّ كَثِيراً مِنَ النَّاسِ عَنْ آياتِنا لَغافِلُونَ وَ لَقَدْ بَوَّأْنا بَنِي إِسْرائِيلَ مُبَوَّأَ صِدْقٍ وَ رَزَقْناهُمْ مِنَ الطَّيِّباتِ فَمَا اخْتَلَفُوا حَتَّى جاءَهُمُ الْعِلْمُ إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ فِيما كانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ هود وَ لَقَدْ أَرْسَلْنا مُوسى بِآياتِنا وَ سُلْطانٍ مُبِينٍ إِلى فِرْعَوْنَ وَ مَلَائِهِ فَاتَّبَعُوا أَمْرَ فِرْعَوْنَ وَ ما أَمْرُ فِرْعَوْنَ بِرَشِيدٍ يَقْدُمُ قَوْمَهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ فَأَوْرَدَهُمُ النَّارَ وَ بِئْسَ الْوِرْدُ الْمَوْرُودُ وَ أُتْبِعُوا فِي هذِهِ لَعْنَةً وَ يَوْمَ الْقِيامَةِ بِئْسَ الرِّفْدُ الْمَرْفُودُ الإسراء وَ لَقَدْ آتَيْنا مُوسى تِسْعَ آياتٍ بَيِّناتٍ فَسْئَلْ بَنِي إِسْرائِيلَ إِذْ جاءَهُمْ فَقالَ لَهُ فِرْعَوْنُ إِنِّي لَأَظُنُّكَ يا مُوسى مَسْحُوراً قالَ لَقَدْ عَلِمْتَ ما أَنْزَلَ هؤُلاءِ إِلَّا رَبُّ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ بَصائِرَ وَ إِنِّي لَأَظُنُّكَ يا فِرْعَوْنُ مَثْبُوراً فَأَرادَ أَنْ يَسْتَفِزَّهُمْ مِنَ الْأَرْضِ فَأَغْرَقْناهُ وَ مَنْ مَعَهُ جَمِيعاً وَ قُلْنا مِنْ بَعْدِهِ لِبَنِي إِسْرائِيلَ اسْكُنُوا الْأَرْضَ فَإِذا جاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ جِئْنا بِكُمْ لَفِيفاً طه وَ هَلْ أَتاكَ حَدِيثُ مُوسى إِذْ رَأى ناراً فَقالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آنَسْتُ ناراً لَعَلِّي آتِيكُمْ مِنْها بِقَبَسٍ أَوْ أَجِدُ عَلَى النَّارِ هُدىً فَلَمَّا أَتاها نُودِيَ يا مُوسى إِنِّي أَنَا رَبُّكَ فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ إِنَّكَ بِالْوادِ الْمُقَدَّسِ طُوىً وَ أَنَا اخْتَرْتُكَ فَاسْتَمِعْ لِما يُوحى
إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لا إِلهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي وَ أَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي إِنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ أَكادُ أُخْفِيها لِتُجْزى كُلُّ نَفْسٍ بِما تَسْعى فَلا يَصُدَّنَّكَ عَنْها مَنْ لا يُؤْمِنُ بِها وَ اتَّبَعَ هَواهُ فَتَرْدى وَ ما تِلْكَ بِيَمِينِكَ يا مُوسى قالَ هِيَ عَصايَ أَتَوَكَّؤُا عَلَيْها وَ أَهُشُّ بِها عَلى غَنَمِي وَ لِيَ فِيها مَآرِبُ أُخْرى قالَ أَلْقِها يا مُوسى فَأَلْقاها فَإِذا هِيَ حَيَّةٌ تَسْعى قالَ خُذْها وَ لا تَخَفْ سَنُعِيدُها سِيرَتَهَا الْأُولى وَ اضْمُمْ يَدَكَ إِلى جَناحِكَ تَخْرُجْ بَيْضاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ آيَةً أُخْرى لِنُرِيَكَ مِنْ آياتِنَا الْكُبْرى اذْهَبْ إِلى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغى قالَ رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي وَ يَسِّرْ لِي أَمْرِي وَ احْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسانِي يَفْقَهُوا قَوْلِي وَ اجْعَلْ لِي وَزِيراً مِنْ أَهْلِي هارُونَ أَخِي اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي وَ أَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي كَيْ نُسَبِّحَكَ كَثِيراً وَ نَذْكُرَكَ كَثِيراً إِنَّكَ كُنْتَ بِنا بَصِيراً قالَ قَدْ أُوتِيتَ سُؤْلَكَ يا مُوسى وَ لَقَدْ مَنَنَّا عَلَيْكَ مَرَّةً أُخْرى إِذْ أَوْحَيْنا إِلى أُمِّكَ ما يُوحى أَنِ اقْذِفِيهِ فِي التَّابُوتِ فَاقْذِفِيهِ فِي الْيَمِّ فَلْيُلْقِهِ الْيَمُّ بِالسَّاحِلِ يَأْخُذْهُ عَدُوٌّ لِي وَ عَدُوٌّ لَهُ وَ أَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِنِّي وَ لِتُصْنَعَ عَلى عَيْنِي إِذْ تَمْشِي أُخْتُكَ فَتَقُولُ هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلى مَنْ يَكْفُلُهُ فَرَجَعْناكَ إِلى أُمِّكَ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُها وَ لا تَحْزَنَ وَ قَتَلْتَ نَفْساً فَنَجَّيْناكَ مِنَ الْغَمِّ وَ فَتَنَّاكَ فُتُوناً فَلَبِثْتَ سِنِينَ فِي أَهْلِ مَدْيَنَ ثُمَّ جِئْتَ عَلى قَدَرٍ يا مُوسى وَ اصْطَنَعْتُكَ لِنَفْسِي اذْهَبْ أَنْتَ وَ أَخُوكَ بِآياتِي وَ لا تَنِيا فِي ذِكْرِي اذْهَبا إِلى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغى فَقُولا لَهُ قَوْلًا لَيِّناً لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشى قالا رَبَّنا إِنَّنا نَخافُ أَنْ يَفْرُطَ عَلَيْنا أَوْ أَنْ يَطْغى قالَ لا تَخافا إِنَّنِي مَعَكُما أَسْمَعُ وَ أَرى فَأْتِياهُ فَقُولا إِنَّا رَسُولا رَبِّكَ فَأَرْسِلْ مَعَنا بَنِي إِسْرائِيلَ وَ لا تُعَذِّبْهُمْ قَدْ جِئْناكَ بِآيَةٍ مِنْ رَبِّكَ وَ السَّلامُ عَلى مَنِ اتَّبَعَ الْهُدى إِنَّا قَدْ أُوحِيَ إِلَيْنا أَنَّ الْعَذابَ عَلى مَنْ كَذَّبَ وَ تَوَلَّى قالَ فَمَنْ رَبُّكُما يا مُوسى قالَ رَبُّنَا الَّذِي أَعْطى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدى قالَ فَما بالُ الْقُرُونِ الْأُولى قالَ عِلْمُها عِنْدَ رَبِّي فِي كِتابٍ لا يَضِلُّ رَبِّي وَ لا يَنْسى الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ مَهْداً وَ سَلَكَ لَكُمْ فِيها سُبُلًا وَ أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَخْرَجْنا بِهِ أَزْواجاً مِنْ نَباتٍ شَتَّى كُلُوا وَ ارْعَوْا أَنْعامَكُمْ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِأُولِي النُّهى مِنْها خَلَقْناكُمْ وَ فِيها نُعِيدُكُمْ وَ مِنْها نُخْرِجُكُمْ تارَةً أُخْرى وَ لَقَدْ أَرَيْناهُ آياتِنا كُلَّها فَكَذَّبَ وَ أَبى قالَ أَ جِئْتَنا لِتُخْرِجَنا مِنْ أَرْضِنا بِسِحْرِكَ يا مُوسى
فَلَنَأْتِيَنَّكَ بِسِحْرٍ مِثْلِهِ فَاجْعَلْ بَيْنَنا وَ بَيْنَكَ مَوْعِداً لا نُخْلِفُهُ نَحْنُ وَ لا أَنْتَ مَكاناً سُوىً قالَ مَوْعِدُكُمْ يَوْمُ الزِّينَةِ وَ أَنْ يُحْشَرَ النَّاسُ ضُحًى فَتَوَلَّى فِرْعَوْنُ فَجَمَعَ كَيْدَهُ ثُمَّ أَتى قالَ لَهُمْ مُوسى وَيْلَكُمْ لا تَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ كَذِباً فَيُسْحِتَكُمْ بِعَذابٍ وَ قَدْ خابَ مَنِ افْتَرى فَتَنازَعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ وَ أَسَرُّوا النَّجْوى قالُوا إِنْ هذانِ لَساحِرانِ يُرِيدانِ أَنْ يُخْرِجاكُمْ مِنْ أَرْضِكُمْ بِسِحْرِهِما وَ يَذْهَبا بِطَرِيقَتِكُمُ الْمُثْلى فَأَجْمِعُوا كَيْدَكُمْ ثُمَّ ائْتُوا صَفًّا وَ قَدْ أَفْلَحَ الْيَوْمَ مَنِ اسْتَعْلى قالُوا يا مُوسى إِمَّا أَنْ تُلْقِيَ وَ إِمَّا أَنْ نَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَلْقى قالَ بَلْ أَلْقُوا فَإِذا حِبالُهُمْ وَ عِصِيُّهُمْ يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِنْ سِحْرِهِمْ أَنَّها تَسْعى فَأَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً مُوسى قُلْنا لا تَخَفْ إِنَّكَ أَنْتَ الْأَعْلى وَ أَلْقِ ما فِي يَمِينِكَ تَلْقَفْ ما صَنَعُوا إِنَّما صَنَعُوا كَيْدُ ساحِرٍ وَ لا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتى فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سُجَّداً قالُوا آمَنَّا بِرَبِّ هارُونَ وَ مُوسى قالَ آمَنْتُمْ لَهُ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ الَّذِي عَلَّمَكُمُ السِّحْرَ فَلَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَ أَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلافٍ وَ لَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ وَ لَتَعْلَمُنَّ أَيُّنا أَشَدُّ عَذاباً وَ أَبْقى قالُوا لَنْ نُؤْثِرَكَ عَلى ما جاءَنا مِنَ الْبَيِّناتِ وَ الَّذِي فَطَرَنا فَاقْضِ ما أَنْتَ قاضٍ إِنَّما تَقْضِي هذِهِ الْحَياةَ الدُّنْيا إِنَّا آمَنَّا بِرَبِّنا لِيَغْفِرَ لَنا خَطايانا وَ ما أَكْرَهْتَنا عَلَيْهِ مِنَ السِّحْرِ وَ اللَّهُ خَيْرٌ وَ أَبْقى إِنَّهُ مَنْ يَأْتِ رَبَّهُ مُجْرِماً فَإِنَّ لَهُ جَهَنَّمَ لا يَمُوتُ فِيها وَ لا يَحْيى وَ مَنْ يَأْتِهِ مُؤْمِناً قَدْ عَمِلَ الصَّالِحاتِ فَأُولئِكَ لَهُمُ الدَّرَجاتُ الْعُلى جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها وَ ذلِكَ جَزاءُ مَنْ تَزَكَّى وَ لَقَدْ أَوْحَيْنا إِلى مُوسى أَنْ أَسْرِ بِعِبادِي فَاضْرِبْ لَهُمْ طَرِيقاً فِي الْبَحْرِ يَبَساً لا تَخافُ دَرَكاً وَ لا تَخْشى فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ بِجُنُودِهِ فَغَشِيَهُمْ مِنَ الْيَمِّ ما غَشِيَهُمْ وَ أَضَلَّ فِرْعَوْنُ قَوْمَهُ وَ ما هَدى المؤمنين ثُمَّ أَرْسَلْنا مُوسى وَ أَخاهُ هارُونَ بِآياتِنا وَ سُلْطانٍ مُبِينٍ إِلى فِرْعَوْنَ وَ مَلَائِهِ فَاسْتَكْبَرُوا وَ كانُوا قَوْماً عالِينَ فَقالُوا أَ نُؤْمِنُ لِبَشَرَيْنِ مِثْلِنا وَ قَوْمُهُما لَنا عابِدُونَ فَكَذَّبُوهُما فَكانُوا مِنَ الْمُهْلَكِينَ وَ لَقَدْ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ الشعراء وَ إِذْ نادى رَبُّكَ مُوسى أَنِ ائْتِ الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ قَوْمَ فِرْعَوْنَ أَ لا يَتَّقُونَ قالَ رَبِّ إِنِّي أَخافُ أَنْ يُكَذِّبُونِ وَ يَضِيقُ صَدْرِي وَ لا يَنْطَلِقُ لِسانِي فَأَرْسِلْ إِلى هارُونَ وَ لَهُمْ عَلَيَّ ذَنْبٌ فَأَخافُ أَنْ يَقْتُلُونِ قالَ كَلَّا فَاذْهَبا بِآياتِنا إِنَّا مَعَكُمْ مُسْتَمِعُونَ
فَأْتِيا فِرْعَوْنَ فَقُولا إِنَّا رَسُولُ رَبِّ الْعالَمِينَ أَنْ أَرْسِلْ مَعَنا بَنِي إِسْرائِيلَ قالَ أَ لَمْ نُرَبِّكَ فِينا وَلِيداً وَ لَبِثْتَ فِينا مِنْ عُمُرِكَ سِنِينَ وَ فَعَلْتَ فَعْلَتَكَ الَّتِي فَعَلْتَ وَ أَنْتَ مِنَ الْكافِرِينَ قالَ فَعَلْتُها إِذاً وَ أَنَا مِنَ الضَّالِّينَ فَفَرَرْتُ مِنْكُمْ لَمَّا خِفْتُكُمْ فَوَهَبَ لِي رَبِّي حُكْماً وَ جَعَلَنِي مِنَ الْمُرْسَلِينَ وَ تِلْكَ نِعْمَةٌ تَمُنُّها عَلَيَّ أَنْ عَبَّدْتَ بَنِي إِسْرائِيلَ قالَ فِرْعَوْنُ وَ ما رَبُّ الْعالَمِينَ قالَ رَبُّ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ وَ ما بَيْنَهُمَا إِنْ كُنْتُمْ مُوقِنِينَ قالَ لِمَنْ حَوْلَهُ أَ لا تَسْتَمِعُونَ قالَ رَبُّكُمْ وَ رَبُّ آبائِكُمُ الْأَوَّلِينَ قالَ إِنَّ رَسُولَكُمُ الَّذِي أُرْسِلَ إِلَيْكُمْ لَمَجْنُونٌ قالَ رَبُّ الْمَشْرِقِ وَ الْمَغْرِبِ وَ ما بَيْنَهُما إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ قالَ لَئِنِ اتَّخَذْتَ إِلهَاً غَيْرِي لَأَجْعَلَنَّكَ مِنَ الْمَسْجُونِينَ قالَ أَ وَ لَوْ جِئْتُكَ بِشَيْءٍ مُبِينٍ قالَ فَأْتِ بِهِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ فَأَلْقى عَصاهُ فَإِذا هِيَ ثُعْبانٌ مُبِينٌ وَ نَزَعَ يَدَهُ فَإِذا هِيَ بَيْضاءُ لِلنَّاظِرِينَ قالَ لِلْمَلَإِ حَوْلَهُ إِنَّ هذا لَساحِرٌ عَلِيمٌ يُرِيدُ أَنْ يُخْرِجَكُمْ مِنْ أَرْضِكُمْ بِسِحْرِهِ فَما ذا تَأْمُرُونَ قالُوا أَرْجِهْ وَ أَخاهُ وَ ابْعَثْ فِي الْمَدائِنِ حاشِرِينَ يَأْتُوكَ بِكُلِّ سَحَّارٍ عَلِيمٍ فَجُمِعَ السَّحَرَةُ لِمِيقاتِ يَوْمٍ مَعْلُومٍ وَ قِيلَ لِلنَّاسِ هَلْ أَنْتُمْ مُجْتَمِعُونَ لَعَلَّنا نَتَّبِعُ السَّحَرَةَ إِنْ كانُوا هُمُ الْغالِبِينَ فَلَمَّا جاءَ السَّحَرَةُ قالُوا لِفِرْعَوْنَ أَ إِنَّ لَنا لَأَجْراً إِنْ كُنَّا نَحْنُ الْغالِبِينَ قالَ نَعَمْ وَ إِنَّكُمْ إِذاً لَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ قالَ لَهُمْ مُوسى أَلْقُوا ما أَنْتُمْ مُلْقُونَ فَأَلْقَوْا حِبالَهُمْ وَ عِصِيَّهُمْ وَ قالُوا بِعِزَّةِ فِرْعَوْنَ إِنَّا لَنَحْنُ الْغالِبُونَ فَأَلْقى مُوسى عَصاهُ فَإِذا هِيَ تَلْقَفُ ما يَأْفِكُونَ فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ ساجِدِينَ قالُوا آمَنَّا بِرَبِّ الْعالَمِينَ رَبِّ مُوسى وَ هارُونَ قالَ آمَنْتُمْ لَهُ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ الَّذِي عَلَّمَكُمُ السِّحْرَ فَلَسَوْفَ تَعْلَمُونَ لَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَ أَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلافٍ وَ لَأُصَلِّبَنَّكُمْ أَجْمَعِينَ قالُوا لا ضَيْرَ إِنَّا إِلى رَبِّنا مُنْقَلِبُونَ إِنَّا نَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لَنا رَبُّنا خَطايانا أَنْ كُنَّا أَوَّلَ الْمُؤْمِنِينَ وَ أَوْحَيْنا إِلى مُوسى أَنْ أَسْرِ بِعِبادِي إِنَّكُمْ مُتَّبَعُونَ فَأَرْسَلَ فِرْعَوْنُ فِي الْمَدائِنِ حاشِرِينَ إِنَّ هؤُلاءِ لَشِرْذِمَةٌ قَلِيلُونَ وَ إِنَّهُمْ لَنا لَغائِظُونَ وَ إِنَّا لَجَمِيعٌ حاذِرُونَ فَأَخْرَجْناهُمْ مِنْ جَنَّاتٍ وَ عُيُونٍ وَ كُنُوزٍ وَ مَقامٍ كَرِيمٍ كَذلِكَ وَ أَوْرَثْناها بَنِي إِسْرائِيلَ فَأَتْبَعُوهُمْ مُشْرِقِينَ فَلَمَّا تَراءَا الْجَمْعانِ قالَ أَصْحابُ مُوسى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ قالَ كَلَّا إِنَّ مَعِي رَبِّي سَيَهْدِينِ فَأَوْحَيْنا إِلى مُوسى أَنِ اضْرِبْ بِعَصاكَ الْبَحْرَ فَانْفَلَقَ فَكانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ وَ أَزْلَفْنا ثَمَّ الْآخَرِينَ وَ أَنْجَيْنا مُوسى وَ مَنْ مَعَهُ أَجْمَعِينَ ثُمَّ أَغْرَقْنَا الْآخَرِينَ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً وَ ما كانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ وَ إِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ
النمل إِذْ قالَ مُوسى لِأَهْلِهِ إِنِّي آنَسْتُ ناراً سَآتِيكُمْ مِنْها بِخَبَرٍ أَوْ آتِيكُمْ بِشِهابٍ قَبَسٍ لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ فَلَمَّا جاءَها نُودِيَ أَنْ بُورِكَ مَنْ فِي النَّارِ وَ مَنْ حَوْلَها وَ سُبْحانَ اللَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ يا مُوسى إِنَّهُ أَنَا اللَّهُ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ وَ أَلْقِ عَصاكَ فَلَمَّا رَآها تَهْتَزُّ كَأَنَّها جَانٌّ وَلَّى مُدْبِراً وَ لَمْ يُعَقِّبْ يا مُوسى لا تَخَفْ إِنِّي لا يَخافُ لَدَيَّ الْمُرْسَلُونَ إِلَّا مَنْ ظَلَمَ ثُمَّ بَدَّلَ حُسْناً بَعْدَ سُوءٍ فَإِنِّي غَفُورٌ رَحِيمٌ وَ أَدْخِلْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ تَخْرُجْ بَيْضاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ فِي تِسْعِ آياتٍ إِلى فِرْعَوْنَ وَ قَوْمِهِ إِنَّهُمْ كانُوا قَوْماً فاسِقِينَ فَلَمَّا جاءَتْهُمْ آياتُنا مُبْصِرَةً قالُوا هذا سِحْرٌ مُبِينٌ وَ جَحَدُوا بِها وَ اسْتَيْقَنَتْها أَنْفُسُهُمْ ظُلْماً وَ عُلُوًّا فَانْظُرْ كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ القصص فَلَمَّا جاءَهُمْ مُوسى بِآياتِنا بَيِّناتٍ قالُوا ما هذا إِلَّا سِحْرٌ مُفْتَرىً وَ ما سَمِعْنا بِهذا فِي آبائِنَا الْأَوَّلِينَ وَ قالَ مُوسى رَبِّي أَعْلَمُ بِمَنْ جاءَ بِالْهُدى مِنْ عِنْدِهِ وَ مَنْ تَكُونُ لَهُ عاقِبَةُ الدَّارِ إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ وَ قالَ فِرْعَوْنُ يا أَيُّهَا الْمَلَأُ ما عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرِي فَأَوْقِدْ لِي يا هامانُ عَلَى الطِّينِ فَاجْعَلْ لِي صَرْحاً لَعَلِّي أَطَّلِعُ إِلى إِلهِ مُوسى وَ إِنِّي لَأَظُنُّهُ مِنَ الْكاذِبِينَ وَ اسْتَكْبَرَ هُوَ وَ جُنُودُهُ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَ ظَنُّوا أَنَّهُمْ إِلَيْنا لا يُرْجَعُونَ فَأَخَذْناهُ وَ جُنُودَهُ فَنَبَذْناهُمْ فِي الْيَمِّ فَانْظُرْ كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الظَّالِمِينَ وَ جَعَلْناهُمْ أَئِمَّةً يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ وَ يَوْمَ الْقِيامَةِ لا يُنْصَرُونَ وَ أَتْبَعْناهُمْ فِي هذِهِ الدُّنْيا لَعْنَةً وَ يَوْمَ الْقِيامَةِ هُمْ مِنَ الْمَقْبُوحِينَ و قال تعالى القصص أَ وَ لَمْ يَكْفُرُوا بِما أُوتِيَ مُوسى مِنْ قَبْلُ قالُوا سِحْرانِ تَظاهَرا وَ قالُوا إِنَّا بِكُلٍّ كافِرُونَ ص كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَ عادٌ وَ فِرْعَوْنُ ذُو الْأَوْتادِ المؤمن وَ قالَ فِرْعَوْنُ يا هامانُ ابْنِ لِي صَرْحاً لَعَلِّي أَبْلُغُ الْأَسْبابَ أَسْبابَ السَّماواتِ فَأَطَّلِعَ إِلى إِلهِ مُوسى وَ إِنِّي لَأَظُنُّهُ كاذِباً وَ كَذلِكَ زُيِّنَ لِفِرْعَوْنَ سُوءُ عَمَلِهِ وَ صُدَّ عَنِ السَّبِيلِ وَ ما كَيْدُ فِرْعَوْنَ إِلَّا فِي تَبابٍ الزخرف وَ لَقَدْ أَرْسَلْنا مُوسى بِآياتِنا إِلى فِرْعَوْنَ وَ مَلَائِهِ فَقالَ إِنِّي رَسُولُ رَبِّ الْعالَمِينَ فَلَمَّا جاءَهُمْ بِآياتِنا إِذا هُمْ مِنْها يَضْحَكُونَ وَ ما نُرِيهِمْ مِنْ آيَةٍ إِلَّا هِيَ أَكْبَرُ مِنْ أُخْتِها وَ أَخَذْناهُمْ بِالْعَذابِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ وَ قالُوا يا أَيُّهَا السَّاحِرُ ادْعُ لَنا رَبَّكَ بِما عَهِدَ عِنْدَكَ إِنَّنا لَمُهْتَدُونَ فَلَمَّا كَشَفْنا عَنْهُمُ الْعَذابَ إِذا هُمْ يَنْكُثُونَ وَ نادى فِرْعَوْنُ فِي قَوْمِهِ قالَ يا قَوْمِ أَ لَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَ هذِهِ الْأَنْهارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي أَ فَلا تُبْصِرُونَ أَمْ أَنَا خَيْرٌ مِنْ هذَا الَّذِي هُوَ مَهِينٌ وَ لا يَكادُ يُبِينُ فَلَوْ لا أُلْقِيَ عَلَيْهِ أَسْوِرَةٌ مِنْ ذَهَبٍ أَوْ جاءَ مَعَهُ الْمَلائِكَةُ مُقْتَرِنِينَ فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطاعُوهُ إِنَّهُمْ كانُوا قَوْماً فاسِقِينَ فَلَمَّا آسَفُونا انْتَقَمْنا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْناهُمْ أَجْمَعِينَ فَجَعَلْناهُمْ سَلَفاً وَ مَثَلًا لِلْآخِرِينَ
الدخان وَ لَقَدْ فَتَنَّا قَبْلَهُمْ قَوْمَ فِرْعَوْنَ وَ جاءَهُمْ رَسُولٌ كَرِيمٌ أَنْ أَدُّوا إِلَيَّ عِبادَ اللَّهِ إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ وَ أَنْ لا تَعْلُوا عَلَى اللَّهِ إِنِّي آتِيكُمْ بِسُلْطانٍ مُبِينٍ وَ إِنِّي عُذْتُ بِرَبِّي وَ رَبِّكُمْ أَنْ تَرْجُمُونِ وَ إِنْ لَمْ تُؤْمِنُوا لِي فَاعْتَزِلُونِ فَدَعا رَبَّهُ أَنَّ هؤُلاءِ قَوْمٌ مُجْرِمُونَ فَأَسْرِ بِعِبادِي لَيْلًا إِنَّكُمْ مُتَّبَعُونَ وَ اتْرُكِ الْبَحْرَ رَهْواً إِنَّهُمْ جُنْدٌ مُغْرَقُونَ كَمْ تَرَكُوا مِنْ جَنَّاتٍ وَ عُيُونٍ وَ زُرُوعٍ وَ مَقامٍ كَرِيمٍ وَ نَعْمَةٍ كانُوا فِيها فاكِهِينَ كَذلِكَ وَ أَوْرَثْناها قَوْماً آخَرِينَ فَما بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّماءُ وَ الْأَرْضُ وَ ما كانُوا مُنْظَرِينَ وَ لَقَدْ نَجَّيْنا بَنِي إِسْرائِيلَ مِنَ الْعَذابِ الْمُهِينِ مِنْ فِرْعَوْنَ إِنَّهُ كانَ عالِياً مِنَ الْمُسْرِفِينَ وَ لَقَدِ اخْتَرْناهُمْ عَلى عِلْمٍ عَلَى الْعالَمِينَ وَ آتَيْناهُمْ مِنَ الْآياتِ ما فِيهِ بَلؤُا مُبِينٌ الذاريات وَ فِي مُوسى إِذْ أَرْسَلْناهُ إِلى فِرْعَوْنَ بِسُلْطانٍ مُبِينٍ فَتَوَلَّى بِرُكْنِهِ وَ قالَ ساحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ فَأَخَذْناهُ وَ جُنُودَهُ فَنَبَذْناهُمْ فِي الْيَمِّ وَ هُوَ مُلِيمٌ القمر وَ لَقَدْ جاءَ آلَ فِرْعَوْنَ النُّذُرُ كَذَّبُوا بِآياتِنا كُلِّها فَأَخَذْناهُمْ أَخْذَ عَزِيزٍ مُقْتَدِرٍ الصف وَ إِذْ قالَ مُوسى لِقَوْمِهِ يا قَوْمِ لِمَ تُؤْذُونَنِي وَ قَدْ تَعْلَمُونَ أَنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ فَلَمَّا زاغُوا أَزاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ وَ اللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفاسِقِينَ المزمل إِنَّا أَرْسَلْنا إِلَيْكُمْ رَسُولًا شاهِداً عَلَيْكُمْ كَما أَرْسَلْنا إِلى فِرْعَوْنَ رَسُولًا فَعَصى فِرْعَوْنُ الرَّسُولَ فَأَخَذْناهُ أَخْذاً وَبِيلًا النازعات هَلْ أَتاكَ حَدِيثُ مُوسى إِذْ ناداهُ رَبُّهُ بِالْوادِ الْمُقَدَّسِ طُوىً اذْهَبْ إِلى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغى فَقُلْ هَلْ لَكَ إِلى أَنْ تَزَكَّى وَ أَهْدِيَكَ إِلى رَبِّكَ فَتَخْشى فَأَراهُ الْآيَةَ الْكُبْرى فَكَذَّبَ وَ عَصى ثُمَّ أَدْبَرَ يَسْعى فَحَشَرَ فَنادى فَقالَ أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلى فَأَخَذَهُ اللَّهُ نَكالَ الْآخِرَةِ وَ الْأُولى إِنَّ فِي ذلِكَ لَعِبْرَةً لِمَنْ يَخْشى الفجر وَ فِرْعَوْنَ ذِي الْأَوْتادِ تفسير قال الطبرسي طيب الله رمسه مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ أي من قومه و أهل دينه يَسُومُونَكُمْ أي يكلفونكم و يذيقونكم سُوءَ الْعَذابِ و اختلفوا في هذا العذاب فقال قوم ما ذكر بعده و قيل ما كان يكلفونهم من الأعمال الشاقة فمنها أنهم جعلوهم أصنافا فصنف يخدمونهم و صنف يحرسون لهم و من لا يصلح منهم للعمل ضربوا الجزية عليهم و كانوا مع ذلك يذبحون أبناءهم و يستحيون نساءهم أي يدعونهن أحياء ليستعبدن و ينكحن على وجه الاسترقاق و هذا أشد من الذبح وَ فِي ذلِكُمْ أي و في سومكم العذاب و ذبح الأبناء بَلاءٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ أي ابتلاء عظيم من ربكم لما خلا بينكم و بينه و قيل أي و في نجاتكم نعمة عظيمة من الله و كان السبب في قتل الأبناء أن فرعون رأى في منامه أن نارا أقبلت من بيت المقدس حتى اشتملت على بيوت مصر فأحرقتها و أحرقت القبط و تركت بني إسرائيل فهاله ذلك و دعا السحرة و الكهنة و القافة فسألهم عن رؤياه فقالوا له إنه يولد في بني إسرائيل غلام يكون على يده هلاكك و ذهاب ملكك و تبديل دينك فأمر فرعون بقتل كل غلام يولد في بني إسرائيل و جمع القوابل من أهل مملكته فقال لهن لا يسقط على أيديكن غلام من بني إسرائيل إلا قتل و لا جارية إلا تركت و وكل بهن فكن يفعلن ذلك فأسرع الموت في مشيخة بني إسرائيل فدخل رءوس القبط على فرعون فقالوا له إن الموت وقع على بني إسرائيل فتذبح صغارهم و يموت كبارهم فيوشك أن يقع العمل علينا فأمر فرعون أن يذبحوا سنة و يتركوا سنة فولد هارون في السنة التي لا يذبحون فيها فترك و ولد موسى في السنة التي يذبحون فيها. و اذكروا إِذْ فَرَقْنا بِكُمُ الْبَحْرَ أي فرقنا بين الماءين حتى مررتم فيه و كنتم فرقا بينهما تمرون في طريق يبس و قيل فرقنا البحر بدخولكم إياه فوقع بين كل فرقتين
من البحر طائفة منكم يسلكون طريقا يابسا فوقع الفرق بكم وَ أَغْرَقْنا آلَ فِرْعَوْنَ لم يذكر فرعون لظهوره و ذكره في مواضع و يجوز أن يريد بآل فرعون نفسه وَ أَنْتُمْ تَنْظُرُونَ أي تشاهدون أنهم يغرقون و جملة القصة ما ذكره ابن عباس أن الله تعالى أوحي إلى موسى أن أسر ببني إسرائيل من مصر فسرى موسى ببني إسرائيل ليلا فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ في ألف ألف حصان سوى الإناث و كان موسى في ستمائة ألف و عشرين ألفا فلما عاينهم فرعون قال إِنَّ هؤُلاءِ لَشِرْذِمَةٌ قَلِيلُونَ إلى قوله حاذِرُونَ فسرى موسى ببني إسرائيل حتى هجموا على البحر فالتفتوا فإذا هم برهج دواب فرعون فقالوا يا موسى أُوذِينا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَأْتِيَنا وَ مِنْ بَعْدِ ما جِئْتَنا هذا البحر أمامنا و هذا فرعون قد رهقنا بمن معه فقال موسى عَسى رَبُّكُمْ أَنْ يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ وَ يَسْتَخْلِفَكُمْ فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ فقال له يوشع بن نون بم أمرت قال أمرت أن أضرب بعصاي البحر قال اضرب و كان الله أوحى إلى البحر أن أطع موسى إذا ضربك قال فبات البحر له أفكل أي رعدة لا يدري في أي جوانبه يضربه فضرب بعصاه البحر فانفلق و ظهر اثنا عشر طريقا فكان لكل سبط منهم طريق يأخذون فيه فقالوا إنا لا نسلك طريقا نديا فأرسل الله ريح الصبا حتى جففت الطريق كما قال فَاضْرِبْ لَهُمْ طَرِيقاً فِي الْبَحْرِ يَبَساً فجروا فلما أخذوا في الطريق قال بعضهم لبعض ما لنا لا نرى أصحابنا فقالوا لموسى أين أصحابنا فقال في طريق مثل طريقكم فقالوا لا نرضى حتى نراهم فقال موسى ع اللهم أعني على أخلاقهم السيئة فأوحى الله إليه أن قل بعصاك هكذا و هكذا يمينا و شمالا فأشار بعصاه يمينا و شمالا فظهر كالكو ينظر منها بعضهم إلى بعض فلما انتهى فرعون إلى ساحل البحر و كان على فرس حصان أدهم فهاب دخول الماء تمثل له جبرئيل على فرس أنثى وديق و تقحم البحر فلما رآها الحصان تقحم خلفها ثم تقحم قوم فرعون و ميكائيل يسوقهم فلما خرج آخر من كان مع موسى من البحر و دخل آخر من كان مع فرعون البحر أطبق الله عليهم الماء فغرقوا جميعا و نجا موسى و من معه. وَ مَلَائِهِ أي أشراف قومه و ذوي الأمر منهم فَظَلَمُوا بِها أي ظلموا أنفسهم بجحدها و قيل فظلموا بها بوضعها غير مواضعها فجعلوا بدل الإيمان بها الكفر و الجحود قال وهب و كان اسم فرعون الوليد بن مصعب و هو فرعون يوسف و كان بين اليوم الذي دخل يوسف مصر و اليوم الذي دخلها موسى رسولا أربعمائة عام حَقِيقٌ عَلى أَنْ لا أَقُولَ عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ أي حقيق على ترك القول على الله إلا الحق و قال الفراء على بمعنى الباء أي حقيق بأن لا أقول و قيل أي حريص على أن لا أقول بِبَيِّنَةٍ أي بحجة و معجزة فَأَرْسِلْ مَعِيَ بَنِي إِسْرائِيلَ أي فأطلق بني إسرائيل عن عقال التسخير و خلهم يرجعوا إلى الأرض المقدسة فَإِذا هِيَ ثُعْبانٌ مُبِينٌ أي حية عظيمة بين ظاهر أنه ثعبان بحيث لا يشتبه على الناس و لم يكن مما يخيل أنه حية و ليس بحية و قيل إن العصا لما صارت حية أخذت قبة فرعون بين فكيها و كان ما بينهما ثمانون ذراعا فتضرع فرعون إلى موسى بعد أن وثب من سريره و هرب منها و أحدث و هرب الناس و دخل فرعون البيت و صاح يا موسى خذها و أنا أؤمن بك فأخذها موسى فعادت عصا عن ابن عباس و السدي و قيل كان طولها ثمانين ذراعا وَ نَزَعَ يَدَهُ قيل إن فرعون قال له هل معك آية أخرى قال نعم فأدخل يده في جيبه و قيل تحت إبطه ثم نزعها أي أخرجها منه و أظهرها فَإِذا هِيَ بَيْضاءُ أي لونها أبيض نوري و لها
شعاع يغلب نور الشمس و كان موسى آدم فيما يروى ثم أعاد اليد إلى كمه فعادت إلى لونها الأول عن ابن عباس و السدي و اختلف في عصاه فقيل أعطاه ملك حين توجه إلى مدين و قيل إن عصا آدم كانت من آس الجنة حين أهبط فكانت تدور بين أولاده حتى انتهت النوبة إلى شعيب و كانت ميراثا مع أربعين عصا كانت لآبائه فلما استأجر شعيب موسى أمره بدخول بيت فيه العصي و قال له خذ عصا من تلك العصي فوقع تلك العصا بيد موسى فاسترده شعيب و قال خذ غيرها حتى فعل ذلك ثلاث مرات في كل مرة تقع يده عليها دون غيرها فتركها في يده في المرة الرابعة فلما خرج من عنده متوجها إلى مصر و رأى نارا و أتى الشجرة فناداه الله تعالى أَنْ يا مُوسى إِنِّي أَنَا اللَّهُ و أمره بإلقائها فألقاها فصارت حية فولى هاربا فناداه الله سبحانه خُذْها وَ لا تَخَفْ فأدخل يده بين لحييها فعادت عصا فلما أتى فرعون ألقاها بين يديه على ما تقدم بيانه و قيل كان الأنبياء يأخذون العصا تجنبا من الخيلاء. قالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِ فِرْعَوْنَ لمن دونهم من الحاضرين إِنَّ هذا لَساحِرٌ عَلِيمٌ بالسحر يُرِيدُ أَنْ يُخْرِجَكُمْ مِنْ أَرْضِكُمْ أي يريد أن يستميل بقلوب بني إسرائيل إلى نفسه و يتقوى بهم فيغلبكم بهم و يخرجوكم من بلدتكم فَما ذا تَأْمُرُونَ قيل إن هذا قول الأشراف بعضهم لبعض على سبيل المشورة و يحتمل أن يكون قالوا ذلك لفرعون و إنما قالوا تأمرون بلفظ الجمع على خطاب الملوك و يحتمل أيضا أن يكون قول فرعون لقومه فتقديره قال فرعون لهم فما ذا تأمرون قالُوا أي لفرعون أَرْجِهْ وَ أَخاهُ أي أخره و أخاه هارون و لا تعجل بالحكم فيهما بشيء فتكون عجلتك حجة عليك و قيل أخره أي احبسه و الأول أصح وَ أَرْسِلْ فِي الْمَدائِنِ التي حولك حاشِرِينَ أي جامعين للسحرة يحشرون من يعلمونه منهم عن مجاهد و السدي و قيل هم أصحاب الشرط أرسلهم في حشر السحرة و كانوا اثنين و سبعين رجلا عن ابن عباس وَ جاءَ السَّحَرَةُ فِرْعَوْنَ و كانوا خمسة عشر ألفا و قيل ثمانين ألفا و قيل سبعين ألفا و قيل بضعا و ثلاثين ألفا و قيل كانوا اثنين و سبعين اثنان من القبط و هما رئيسا القوم و سبعون من بني إسرائيل
و قيل كانوا سبعين وَ إِنَّكُمْ لَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ أي و إنكم مع حصول الأجر لكم لمن المقربين إلى المنازل الجليلة. قالُوا يا مُوسى أي قالت السحرة لموسى إِمَّا أَنْ تُلْقِيَ ما معك من العصا أولا وَ إِمَّا أَنْ نَكُونَ نَحْنُ الْمُلْقِينَ لما معنا من العصي و الحبال أولا قالَ أَلْقُوا هذا أمر تهديد و تقريع سَحَرُوا أَعْيُنَ النَّاسِ أي احتالوا في تحريك العصي و الحبال بما جعلوا فيها من الزيبق حتى تحركت بحرارة الشمس و غير ذلك من الحيل و أنواع التمويه و التلبيس و خيل إلى الناس أنها تتحرك على ما تتحرك الحية وَ اسْتَرْهَبُوهُمْ أي استدعوا رهبتهم حتى رهبهم الناس فَإِذا هِيَ تَلْقَفُ ما يَأْفِكُونَ أي فألقاها فصارت ثعبانا فإذا هي تبتلع ما يكذبون فيه أنها حيات فَوَقَعَ الْحَقُّ أي ظهر لأنهم لما رأوا تلك الآيات الباهرة علموا أنه أمر سماوي لا يقدر عليه غير الله تعالى فمنها قلب العصا حية و منها أكلها حبالهم و عصيهم مع كثرتها و منها فناء حبالهم و عصيهم في بطنه إما بالتفرق و إما بالفناء عند من جوزه و منها عودها عصا كما كانت من غير زيادة و لا نقصان و كل من هذه الأمور يعلم كل عاقل أنه لا يدخل تحت مقدور البشر فاعترفوا بالتوحيد و النبوة و صار إسلامهم حجة على فرعون و قومه فَغُلِبُوا هُنالِكَ أي قهر فرعون و قومه عند ذلك المجمع و بهت فرعون و خلى سبيل موسى و من تبعه وَ انْقَلَبُوا صاغِرِينَ أي انصرفوا أذلاء مقهورين وَ أُلْقِيَ السَّحَرَةُ ساجِدِينَ ألهمهم الله ذلك. و قيل إن موسى و هارون سجدا لله شكرا له على ظهور الحق فاقتدوا بهما فسجدوا معهما و إنما قال ألقي على ما لم يسم فاعله للإشارة إلى أنه ألقاهم ما رأوا من عظيم الآيات حيث لم يتمالكوا أنفسهم عند ذلك أن وقعوا ساجدين رَبِّ مُوسى وَ هارُونَ خصوهما لأنهما دعوا إلى الإيمان و لتفضيلها أو لئلا يتوهم متوهم أنهم سجدوا لفرعون لأنه كان يدعي أنه رب العالمين إِنَّ هذا لَمَكْرٌ أراد به التلبيس على الناس و إيهامهم أن إيمان السحرة لم يكن عن علم و لكن لتواطؤ منهم ليذهبوا بأموالكم و ملككم فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ عاقبة أمركم لَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَ أَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلافٍ أي من كل شق طرفا قال الحسن هو أن يقطع اليد اليمنى مع الرجل اليسرى و قال غيره
و كذلك اليد اليسرى مع الرجل اليمنى قيل أول من قطع الرجل و صلب فرعون صلبهم في جذوع النخل على شاطئ نهر مصر إِنَّا إِلى رَبِّنا مُنْقَلِبُونَ راجعون إلى ربنا بالتوحيد و الإخلاص و الانقلاب إلى الله هو الانقلاب إلى جزائه و غرضهم التسلي في الصبر على الشدة لما فيه من المثوبة مع مقابلة وعيده بوعيد أشد منه و هو عقاب الله وَ ما تَنْقِمُ مِنَّا أي و ما تطعن علينا و ما تكره منا إلا إيماننا بالله و تصديقنا بآياته التي جاءتنا رَبَّنا أَفْرِغْ عَلَيْنا صَبْراً أي أصبب علينا الصبر عند القطع و الصلب حتى لا نرجع كفارا وَ تَوَفَّنا مُسْلِمِينَ أي وفقنا للثبات على الإسلام إلى وقت الوفاة قالوا فصلبهم فرعون من يومه فكانوا أول النهار كفارا سحرة و آخر النهار شهداء بررة و قيل أيضا إنه لم يصل إليهم و عصمهم الله منه. وَ قالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِ فِرْعَوْنَ لما أسلم السحرة أَ تَذَرُ مُوسى وَ قَوْمَهُ أي أ تتركهم أحياء ليظهروا خلافك و يدعوا الناس إلى مخالفتك ليغلبوا عليك فيفسد به ملكك و روي عن ابن عباس أنه لما آمن السحرة أسلم من بني إسرائيل ستة مائة ألف نفس و اتبعوه قالَ مُوسى لِقَوْمِهِ قال ابن عباس كان فرعون يقتل أبناء بني إسرائيل فلما كان من أمر موسى ما كان أمر بإعادة القتل عليهم فشكا ذلك بنو إسرائيل إلى موسى فعند ذلك قال اسْتَعِينُوا بِاللَّهِ في دفع بلاء فرعون عنكم وَ اصْبِرُوا على دينكم يُورِثُها مَنْ يَشاءُ أي ينقلها إلى من يشاء نقل المواريث وَ الْعاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ أي تمسكوا بالتقوى فإن حسن العاقبة في الدارين للمتقين قالُوا أي بنو إسرائيل لموسى أُوذِينا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَأْتِيَنا أي عذبنا فرعون بقتل الأبناء و استخدام النساء قبل أن تأتينا بالرسالة وَ مِنْ بَعْدِ ما جِئْتَنا أيضا و يتوعدنا و يأخذ أموالنا و يكلفنا الأعمال الشاقة فلم ننتفع بمجيئك و هذا يدل على أنه جرى فيهم القتل و التعذيب مرتين قال الحسن كان فرعون يأخذ الجزية قبل مجيئ موسى و بعده من بني إسرائيل و هذا كان استبطاء منهم لما وعدهم موسى من النجاة فجدد لهم ع الوعد قالَ عَسى رَبُّكُمْ أَنْ يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ و عسى من الله موجب وَ يَسْتَخْلِفَكُمْ فِي الْأَرْضِ أي يملككم ما كانوا يملكونه في الأرض من بعدهم فَيَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ شكرا لما منحكم.
وَ لَقَدْ أَخَذْنا آلَ فِرْعَوْنَ بِالسِّنِينَ اللام للقسم أي عاقبنا قوم فرعون بالجدوب و القحط فَإِذا جاءَتْهُمُ الْحَسَنَةُ يعني الخصب و النعمة و السعة في الرزق و السلامة و العافية قالُوا لَنا هذِهِ أي إنا نستحق ذلك على العادة الجارية لنا و لم يعلموا أنه من عند الله تعالى فيشكروه وَ إِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ أي جوع و بلاء و قحط المطر و ضيق الرزق و هلاك الثمر و المواشي يَطَّيَّرُوا أي يتطيروا و يتشأموا بِمُوسى وَ مَنْ مَعَهُ و قالوا ما رأينا شرا حتى رأيناكم أَلا إِنَّما طائِرُهُمْ عِنْدَ اللَّهِ معناه ألا إن الشؤم الذي يلحقهم هو الذي وعدوا به من العقاب عند الله يفعل بهم في الآخرة لا ما ينالهم في الدنيا أو أن الله هو الذي يأتي بطائر البركة و طائر الشؤم من الخير و الشر و النفع و الضر فلو عقلوا لطلبوا الخير و السلامة من الشر من قبله و قيل أي ما تشأموا به محفوظ عليهم حتى يجازيهم الله به يوم القيامة وَ قالُوا أي قوم فرعون لموسى مَهْما تَأْتِنا بِهِ مِنْ آيَةٍ أي أي شيء تأتينا به من المعجزات لِتَسْحَرَنا بِها أي لتموه علينا بها حتى تنقلنا عن دين فرعون فَأَرْسَلْنا عَلَيْهِمُ الطُّوفانَ قال ابن عباس و ابن جبير و قتادة و محمد بن إسحاق و رواه علي بن إبراهيم بإسناده عن أبي جعفر و أبي عبد الله ع دخل حديث بعضهم في بعض قالوا لما آمنت السحرة و رجع فرعون مغلوبا و أبى هو و قومه إلا الإقامة على الكفر قال هامان لفرعون إن الناس قد آمنوا بموسى فانظر من دخل في دينه فاحبسه فحبس كل من آمن به من بني إسرائيل فتابع الله عليهم بالآيات و أخذهم بالسنين و نقص الثمرات ثم بعث عليهم الطوفان فخرب دورهم و مساكنهم حتى خرجوا إلى البرية و ضربوا الخيام و امتلأت بيوت القبط ماء و لم يدخل بيوت بني إسرائيل من الماء قطرة و أقام الماء على وجه أرضيهم لا يقدرون على أن يحرثوا فقالوا لموسى ادْعُ لَنا رَبَّكَ أن يكشف عنا المطر فنؤمن لك و نرسل معك بني إسرائيل فدعا ربه فكشف عنهم الطوفان فلم يؤمنوا و قال هامان لفرعون لئن خليت بني إسرائيل غلبك موسى و أزال ملكك و أنبت الله لهم في تلك السنة من الكلأ و الزرع و الثمر ما أعشبت به بلادهم و أخصبت فقالوا ما كان هذا الماء إلا نعمة علينا و خصبا فأنزل الله عليهم في السنة الثانية عن علي بن إبراهيم و في الشهر الثاني عن غيره من المفسرين الجراد فجردت زروعهم و أشجارهم حتى كانت تجرد شعورهم و لحاهم و تأكل الأبواب و الثياب و الأمتعة و كانت لا تدخل بيوت بني إسرائيل و لا يصيبهم من ذلك شيء فعجوا و ضجوا و جزع فرعون من ذلك جزعا شديدا و قال يا مُوسَى ادْعُ لَنا رَبَّكَ أن يكف عنا الجراد حتى أخلي عن بني إسرائيل فدعا موسى ربه فكف عنهم الجراد بعد ما أقام عليهم سبعة أيام من السبت إلى السبت. و قيل إن موسى ع برز إلى الفضاء فأشار بعصاه نحو المشرق و المغرب فرجعت الجراد من حيث جاءت حتى كأن لم يكن قط و لم يدع هامان فرعون أن يخلي عن بني إسرائيل فأنزل الله عليهم في السنة الثالثة في رواية علي بن إبراهيم و في الشهر الثالث عن غيره من المفسرين القمل و هو الجراد الصغار الذي لا أجنحة له و هو شر ما يكون و أخبثه فأتى على زروعهم كلها و اجتثها من أصلها فذهب زروعهم و لحس الأرض كلها. و قيل أمر موسى ع أن يمشي إلى كثيب أعفر بقرية من قرى مصر تدعى عين الشمس فأتاه فضربه بعصاه فانثال عليهم قملا فكان يدخل بين ثوب أحدهم فيعضه و كان يأكل أحدهم الطعام فيمتلئ قملا قال ابن جبير القمل السوس الذي يخرج من الحبوب فكان الرجل يخرج عشرة أجربة إلى الرحى فلا يرد منها ثلاثة أقفزة فلم يصابوا ببلاء كان أشد عليهم من القمل و أخذت أشعارهم و أبشارهم و أشفار عيونهم و حواجبهم و لزمت جلودهم كأنها الجدري عليهم و منعتهم النور و القرار فصرخوا و صاحوا فقال فرعون لموسى ادع لنا ربك لئن كشف عنا القمل لأكفن عن بني إسرائيل فدعا موسى ع حتى
ذهب القمل بعد ما أقام عندهم سبعة أيام من السبت إلى السبت فنكثوا فأنزل الله عليهم في السنة الرابعة و قيل في الشهر الرابع الضفادع فكانت تكون في طعامهم و شرابهم و امتلأت منها بيوتهم و أبنيتهم فلا يكشف أحدهم ثوبا و لا إناء و لا طعاما و لا شرابا إلا وجد فيه الضفادع و كانت تثب في قدورهم فتفسد عليهم ما فيها و كان الرجل يجلس إلى ذقنه من الضفادع و يهم أن يتكلم فيثب الضفدع في فيه و يفتح فاه لأكلته فيسبق الضفدع أكلته إلى فيه فلقوا منها أذى شديدا فلما رأوا ذلك بكوا و شكوا إلى موسى و قالوا هذه المرة نتوب و لا نعود فادع الله أن يذهب عنا الضفادع فإنا نؤمن بك و نرسل معك بني إسرائيل فأخذ عهودهم و مواثيقهم ثم دعا ربه فكشف عنهم الضفادع بعد ما أقام عليهم سبعا من السبت إلى السبت ثم نقضوا العهد و عادوا لكفرهم فلما كانت السنة الخامسة أرسل الله عليهم الدم فسال ماء النيل عليهم دما فكان القبطي يراه دما و الإسرائيلي يراه ماء فإذا شربه الإسرائيلي كان ماء و إذا شربه القبطي كان دما و كان القبطي يقول للإسرائيلي خذ الماء في فيك و صبه في في فكان إذا صبه في فم القبطي تحول دما و إن فرعون اعتراه العطش حتى أنه ليضطر إلى مضغ الأشجار الرطبة فإذا مضغها يصير ماؤها في فيه دما فمكثوا في ذلك سبعة أيام لا يأكلون إلا الدم و لا يشربون إلا الدم. قال زيد بن أسلم الدم الذي سلط عليهم كان الرعاف فأتوا موسى فقالوا ادع لنا ربك يكشف عنا هذا الدم فنؤمن لك و نرسل معك بني إسرائيل فلما دفع الله عنهم الدم لم يؤمنوا و لم يخلوا عن بني إسرائيل وَ لَمَّا وَقَعَ عَلَيْهِمُ الرِّجْزُ أي العذاب و هو ما نزل بهم من الطوفان و غيره و قيل هو الطاعون أصابهم فمات من القبط سبعون ألف إنسان و هو العذاب السادس عن ابن جبير و مثله
ما روي عن أبي عبد الله ع أنه أصابهم ثلج أحمر فماتوا فيه و جزعوا
قالُوا أي فرعون و قومه يا مُوسَى ادْعُ لَنا رَبَّكَ بِما عَهِدَ عِنْدَكَ أي بما تقدم إليك أن تدعوه به فإنه يجيبك كما أجابك في آياتك أو بما عهد إليك أنا لو آمنا لرفع عنا العذاب أو بما عهد عندك من النبوة فالباء للقسم إِلى أَجَلٍ هُمْ بالِغُوهُ يعني الأجل الذي غرقهم الله فيه إِذا هُمْ يَنْكُثُونَ أي ينقضون العهد فَانْتَقَمْنا مِنْهُمْ أي فجازيناهم على سوء صنيعهم فِي الْيَمِّ أي البحر وَ كانُوا عَنْها غافِلِينَ أي عن نزول العذاب بهم أو المعنى أنا عاقبناهم بتكذيبهم و تعرضهم لأسباب الغفلة و عملهم عمل الغافل عنها. وَ أَوْرَثْنَا الْقَوْمَ الَّذِينَ كانُوا يُسْتَضْعَفُونَ يعني بني إسرائيل فإن القبط كانوا يستضعفونهم فأورثهم الله بأن مكنهم و حكم لهم بالتصرف بعد إهلاك فرعون و قومه فكأنهم ورثوا منهم مَشارِقَ الْأَرْضِ وَ مَغارِبَهَا التي كانوا فيها يعني جهات الشرق و الغرب منها يريد به ملك فرعون من أدناه إلى أقصاه و قيل هي أرض الشام و مصر و قيل هي أرض الشام شرقها و غربها و قيل أرض مصر قال الزجاج كان من بني إسرائيل داود و سليمان ملكوا الأرض الَّتِي بارَكْنا فِيها بإخراج الزروع و الثمار و سائر صنوف النبات و الأشجار و العيون و الأنهار و ضروب المنافع وَ تَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ الْحُسْنى عَلى بَنِي إِسْرائِيلَ أي صح كلام ربك بإنجاز الوعد بإهلاك عدوهم و استخلافهم في الأرض و قيل وعد الجنة بِما صَبَرُوا على أذى فرعون و قومه وَ دَمَّرْنا ما كانَ يَصْنَعُ فِرْعَوْنُ وَ قَوْمُهُ أي أهلكنا ما كانوا يبنون من الأبنية و القصور و الديار وَ ما كانُوا يَعْرِشُونَ من الأشجار و الأعناب و الثمار أو يسقفون من القصور و البيوت. فَلَمَّا جاءَهُمُ الْحَقُّ مِنْ عِنْدِنا أي ما أتى به من المعجزات و البراهين أَ تَقُولُونَ لِلْحَقِّ لَمَّا جاءَكُمْ أي أنه لسحر فاستأنف إنكارا و قال أَ سِحْرٌ هذا وَ لا يُفْلِحُ السَّاحِرُونَ أي لا يظفرون بحجة لِتَلْفِتَنا أي لتصرفنا وَ تَكُونَ لَكُمَا الْكِبْرِياءُ أي الملك و العظمة و السلطان فِي الْأَرْضِ أي في أرض مصر أو الأعم بِكُلِّ ساحِرٍ إنما فعل ذلك للجهل بأن ما أتى به موسى ع من عند الله و ليس بسحر و بعد ذلك علم فعاند و قيل علم أنه ليس بسحر و لكنه ظن أن السحر يقاربه مقاربة تشبيه وَ يُحِقُّ اللَّهُ الْحَقَّ أي يظهره و يثبته و ينصر أهله بِكَلِماتِهِ أي بمواعيده و قيل بكلامه الذي يتبين به معاني الآيات التي آتاها نبيه و قيل بما سبق من حكمه في اللوح المحفوظ بأن ذلك سيكون إِلَّا ذُرِّيَّةٌ مِنْ قَوْمِهِ أي أولاد من قوم فرعون أو من قوم موسى و هم بنو إسرائيل الذين كانوا بمصر و اختلف من قال بالأول فقيل إنهم قوم كانت أمهاتهم من بني إسرائيل و آباؤهم من القبط فاتبعوا أمهاتهم و أخوالهم عن ابن عباس و قيل إنهم ناس يسير من قوم فرعون منهم امرأة فرعون و مؤمن آل فرعون و جاريته و امرأة هي ماشطة امرأة فرعون و قيل إنهم بعض أولاد القبط لم يستجب آباؤهم موسى ع و اختلف من قال بالثاني فقيل هم جماعة من بني إسرائيل أخذهم فرعون بتعلم السحر و جعلهم من أصحابه فآمنوا بموسى و قيل أراد مؤمني بني إسرائيل و كانوا ستمائة ألف و كان يعقوب دخل مصر منهم باثنين و سبعين إنسانا فتوالدوا حتى بلغوا ستمائة ألف و إنما سماهم ذرية على وجه التصغير لضعفهم عن ابن عباس في رواية أخرى و قال مجاهد أراد بهم أولاد الذين أرسل إليهم موسى ع من بني إسرائيل لطول الزمان هلك الآباء و بقي الأبناء عَلى خَوْفٍ مِنْ فِرْعَوْنَ يعني آمنوا و هم خائفون من معرة فرعون وَ مَلَائِهِمْ أي رؤسائهم أَنْ يَفْتِنَهُمْ أي يصرفهم عن الدين بأن يمتحنهم بمحنة لا يملكنهم الصبر عليها فينصرفون عن الدين لَعالٍ فِي الْأَرْضِ أي مستكبر طاغ وَ إِنَّهُ لَمِنَ الْمُسْرِفِينَ أي المجاوزين الحد في العصيان لا تَجْعَلْنا فِتْنَةً أي لا تمكن الظالمين من ظلمنا بما يحملنا على إظهار الانصراف عن ديننا أو لا تظهرهم علينا فيفتتن بنا الكفار و يقولوا لو كانوا على الحق لما ظهرنا عليهم.
و روى زرارة و محمد بن مسلم عن أبي جعفر و أبي عبد الله ع أن معناه لا تسلطهم علينا فتفتنهم بنا
أَنْ تَبَوَّءا لِقَوْمِكُما أي اتخذا لمن آمن بكما بِمِصْرَ بُيُوتاً يسكنونها و يأوون إليها وَ اجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ سيأتي تفسيره زِينَةً من الحلي و الثياب و قيل الزينة الجمال و صحة البدن و طول القامة و حسن الصورة و أموالا يتعظمون بها في الحياة الدنيا رَبَّنا لِيُضِلُّوا اللام للعاقبة و قيل معناه لئلا يضلوا فحذفت لا رَبَّنَا اطْمِسْ المراد بالطمس على الأموال تغييرها عن جهتها إلى جهة لا ينتفع بها قال عامة أهل التفسير صارت جميع أموالهم حجارة حتى السكر و الفانيذ وَ اشْدُدْ عَلى قُلُوبِهِمْ أي ثبتهم على المقام ببلدهم بعد إهلاك أموالهم فيكون ذلك أشد عليهم و قيل أي أمتهم و أهلكهم بعد سلب أموالهم و قيل إنه عبارة عن الخذلان و الطبع فَلا يُؤْمِنُوا يحتمل النصب و الجزم فأما النصب فعلى جواب صيغة الأمر بالفاء أو بالعطف على ليضلوا و ما بينهما اعتراض و أما الجزم فعلى وجه الدعاء عليهم و قيل إن معناه فلا يؤمنون إيمان اختيار أصلا قَدْ أُجِيبَتْ دَعْوَتُكُما قال ابن جريح مكث فرعون بعد هذا الدعاء أربعين سنة و روي ذلك عن أبي عبد الله ع فَاسْتَقِيما أي فاثبتا على ما أمرتما به من دعاء الناس إلى الإيمان بَغْياً وَ عَدْواً أي ليبغوا عليهم و يظلموهم قالَ آمَنْتُ كان ذلك إيمان إلجاء لا يستحق به الثواب فلم ينفعه آلْآنَ أي قيل له الآن آمنت حين لم ينفع الإيمان و قد عصيت بترك الإيمان في حال ينفعك فهلا آمنت قبل ذلك وَ كُنْتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ في الأرض و القائل جبرئيل أو هو الله تعالى فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ قال أكثر المفسرين معناه لما أغرق الله تعالى فرعون و قومه أنكر بعض بني إسرائيل غرق فرعون و قالوا هو أعظم شأنا من أن يغرق فأخرجه الله حتى رأوه فذلك قوله فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ أي نلقيك على نجوة من الأرض و هي المكان المرتفع بجسدك من غير روح و ذلك أنه طفا عريانا و قيل معناه نخلصك من البحر و أنت ميت و البدن الدرع قال ابن عباس كانت عليه درع من ذهب يعرف بها فالمعنى نرفعك فوق الماء بدرعك المشهورة ليعرفوك بها لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً أي نكالا مُبَوَّأَ صِدْقٍ أي مكناهم مكانا محمودا و هو بيت المقدس و الشام و قال الحسن يريد به مصر و ذلك أن موسى عبر ببني إسرائيل البحر ثانيا و رجع إلى مصر و تبوأ مساكن آل فرعون فَمَا اخْتَلَفُوا حَتَّى جاءَهُمُ الْعِلْمُ أي اليهود ما اختلفوا في تصديق محمد ص حتى جاءهم العلم و هو القرآن أو العلم بحقيته أو ما اختلف بنو إسرائيل إلا بعد ما جاءهم الحق على يد موسى و هارون فإنهم كانوا مطبقين على الكفر قبل مجيئ موسى فلما جاءهم آمن به بعضهم و ثبت على الكفر بعضهم فصاروا مختلفين. بِرَشِيدٍ أي مرشد يَقْدُمُ قَوْمَهُ أي يمشي بين يدي قومه يَوْمَ الْقِيامَةِ على قدميه حتى يهجم بهم إلى النار وَ بِئْسَ الْوِرْدُ الْمَوْرُودُ أي بئس الماء الذي يردونه عطاشا لإحياء نفوسهم النار و إنما أطلق سبحانه على النار اسم الورد المورود ليطابق ما يرد عليه أهل الجنة من الأنهار و العيون بِئْسَ الرِّفْدُ الْمَرْفُودُ أي بئس العطاء المعطى النار و اللعنة. تِسْعَ آياتٍ اختلف فيها فقيل هي يد موسى و عصاه و لسانه و البحر و الطوفان و الجراد و القمل و الضفادع و الدم و قيل الطوفان و الجراد و القمل و الضفادع و الدم و البحر و العصا و الطمسة و الحجر و قيل بدل الطمسة اليد و قيل بدل البحر و الطمسة و الحجر اليد و السنين و نقص الثمرات و قال الحسن مثل ذلك إلا أنه جعل الأخذ بالسنين و نقص الثمرات آية واحدة و جعل التاسعة تَلْقَفُ العصا ما يَأْفِكُونَ و قيل إنها تسع آيات في الأحكام فَسْئَلْ بَنِي إِسْرائِيلَ أمر للنبي ص أن يسأل بني إسرائيل لتكون الحجة عليهم أبلغ و قيل إن المعنى فاسأل أيها السامع. مَسْحُوراً أي معطى علم السحر أو ساحرا فوضع المفعول موضع الفاعل و قيل أي أنك سحرت فأنت تحمل نفسك على ما تقوله للسحر الذي بك قالَ موسى لَقَدْ عَلِمْتَ ما أَنْزَلَ هؤُلاءِ أي هذه الآيات إِلَّا رَبُّ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ الذي خلقهن بَصائِرَ.
و روي أن عليا ع قال في عَلِمْتَ و الله ما علم عدو الله و لكن موسى هو الذي علم فقال لقد علمت
وَ إِنِّي لَأَظُنُّكَ أي لأعلمك يا فِرْعَوْنُ مَثْبُوراً أي هالكا و قيل ملعونا و قيل مخبولا لا عقل لك و قيل بعيدا عن الخير فَأَرادَ أي فرعون أَنْ يَسْتَفِزَّهُمْ أي يزعج موسى و من معه مِنَ الْأَرْضِ أي من أرض مصر و فلسطين و الأردن بالنفي عنها و قيل بأن يقتلهم وَ قُلْنا مِنْ بَعْدِهِ أي من بعد هلاك فرعون اسْكُنُوا الْأَرْضَ أي أرض مصر و الشام فَإِذا جاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ أي يوم القيامة أي وعد الكرة الآخرة و قيل أراد نزول عيسى جِئْنا بِكُمْ لَفِيفاً أي من في القبور إلى الموقف للحساب و الجزاء مختلطين التف بعضكم ببعض لا تتعارفون و لا ينحاز أحد منكم إلى قبيلته و قيل لفيفا أي جميعا. وَ هَلْ أَتاكَ هذا ابتداء و إخبار من الله على وجه التحقيق إذ لم يبلغه فيقول هل سمعت بخبر فلان و قيل استفهام تقرير بمعنى الخبر أي و قد أتاك إِذْ رَأى ناراً قال ابن عباس كان موسى رجلا غيورا لا يصحب الرفقة لئلا ترى امرأته. فلما قضى الأجل و فارق مدين خرج و معه غنم له و كان أهله على أتان و على ظهرها جوالق له فيها أثاث البيت فأضل الطريق في ليلة مظلمة سوداء و تفرقت ماشيته و لم تنقدح زنده و امرأته في الطلق و رأى نارا من بعيد كانت عند الله نورا و عند موسى نارا فَقالَ عند ذلك لِأَهْلِهِ و هي بنت شعيب كان تزوجها بمدين امْكُثُوا أي الزموا مكانكم بِقَبَسٍ أي بشعلة أقتبسها من معظم النار تصطلون بها أَوْ أَجِدُ عَلَى النَّارِ هُدىً أي هاديا يدلني على الطريق أو علامة أستدل بها عليه لأن النار لا تخلو من أهل لها و ناس عندها فَلَمَّا أَتاها قال ابن عباس لما توجه نحو النار فإذا النار في شجرة عناب فوقف متعجبا من حسن ضوء تلك النار و شدة خضرة تلك الشجرة فسمع النداء من الشجرة يا مُوسى إِنِّي أَنَا رَبُّكَ قال وهب نودي من الشجرة يا موسى فأجاب سريعا لا يدري من دعاه فقال إني أسمع صوتك و لا أرى مكانك فقال أنا فوقك و معك و أمامك و خلفك و أقرب إليك من نفسك فعلم أن ذلك لا ينبغي إلا لربه عز و جل و أيقن به و إنما علم موسى ع أن هذا النداء من قبل الله سبحانه لمعجز
أظهره الله تعالى كما قال في موضع آخر إِنِّي أَنَا اللَّهُ رَبُّ الْعالَمِينَ وَ أَنْ أَلْقِ عَصاكَ إلى آخره. و قيل إنه لما رأى شجرة خضراء من أسفلها إلى أعلاها يتوقد فيها نار بيضاء و سمع تسبيح الملائكة و رأى نورا عظيما لم تكن الخضرة تطفئ النار و لا النار تحرق الخضرة تحير و علم أنه معجز خارق للعادة و إنه لأمر عظيم فألقيت عليه السكينة ثم نودي أَنَا رَبُّكَ فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ قد مر تفسيره إِنَّكَ بِالْوادِ الْمُقَدَّسِ أي المبارك أو المطهر طُوىً هو اسم الوادي و قيل سمي به لأنه قدس مرتين فكأنه طوى بالبركة مرتين. وَ أَنَا اخْتَرْتُكَ أي اصطفيتك بالرسالة فَاسْتَمِعْ لِما يُوحى إليك من كلامي و أصغ إليه وَ أَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي أي لأن تذكري فيها بالتسبيح و التعظيم أو لأن أذكرك بالمدح و الثناء و قيل معناه و صل لي و لا تصل لغيري و قيل أي أقم الصلاة متى ذكرت إن عليك صلاة كنت في وقتها أو لم تكن عن أكثر المفسرين و هو المروي عن أبي جعفر ع إِنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ يعني أن القيامة قائمة لا محالة أَكادُ أُخْفِيها أي أريد أن أخفيها عن عبادي لئلا تأتيهم إلا بغتة و روي عن ابن عباس أكاد أخفيها من نفسي و هي كذلك في قراءة أبي و روي ذلك عن الصادق ع و التقدير إذا كدت أخفيها من نفسي فكيف أظهرها لك و هذا شائع بين العرب و قال أبو عبيدة معنى أخفيها أظهرها و دخلت أكاد تأكيدا أي أوشك أن أقيمها بِما تَسْعى أي بما تعمل من خير و شر فَلا يَصُدَّنَّكَ عَنْها مَنْ لا يُؤْمِنُ بِها أي لا يصرفنك عن الصلاة من لا يؤمن بالساعة أو لا يمنعنك عن الإيمان بالساعة من لا يؤمن بها و قيل عن العبادة و دعاء الناس إليها و قيل عن هذه الخصال وَ اتَّبَعَ هَواهُ الهوى ميل النفس إلى الشيء فَتَرْدى أي فتهلك. وَ ما تِلْكَ بِيَمِينِكَ سأله عما في يده من العصا أَتَوَكَّؤُا عَلَيْها أي أعتمد عليها إذا مشيت وَ أَهُشُّ بِها عَلى غَنَمِي أي و أخبط بها ورق الشجر لترعاه غنمي وَ لِيَ فِيها مَآرِبُ أُخْرى أي حاجات أخر قال ابن عباس كان يحمل عليها زاده و يركزها فيخرج منها الماء و يضرب بها الأرض فيخرج ما يأكل و كان يطرد بها السباع و إذا ظهر عدو حاربت و إذا أراد الاستقاء من بئر طالت و صارت شعبتاها كالدلو و كان يظهر عليها كالشمعة فيضيء له الليل و كانت تحرسه و تؤنسه و إذا طالت شجرة حناها بمحجنها فَإِذا هِيَ حَيَّةٌ تَسْعى أي تمشي بسرعة و قيل صارت حية صفراء لها عرف كعرف الفرس و جعلت تتورم حتى صارت ثعبانا و هي أكبر الحيات عن ابن عباس و قيل إنه ألقاها فحانت منه نظرة فإذا هي بأعظم ثعبان نظر إليه الناظرون يمر بالصخرة مثل الخلفة من الإبل فيلقمها و يطعن أنيابه في أصل الشجرة العظيمة فيجتثها و عيناه تتوقدان نارا و قد عاد المحجن عنقا فيه شعر مثل النيازك فلما عاين ذلك وَلَّى مُدْبِراً وَ لَمْ يُعَقِّبْ ثم ذكر ربه فوقف استحياء منه ثم نودي يا موسى ارجع إلى حيث كنت فرجع و هو شديد الخوف قالَ خُذْها بيمينك وَ لا تَخَفْ سَنُعِيدُها سِيرَتَهَا الْأُولى أي إلى الحالة الأولى عصا و على موسى يومئذ مدرعة من صوف قد خلها بخلال فلما أمره سبحانه بأخذها أدلى طرف المدرعة على يده فقال ما لك يا موسى أ رأيت لو أذن الله بما تحاذر أ كانت المدرعة تغني عنك شيئا قال لا و لكني ضعيف و من ضعف خلقت و كشف عن
يده ثم وضعها في فم الحية و إذا يده في الموضع الذي كان يضعها إذا توكأ عليها بين الشعبتين عن وهب قال و كانت العصا من عوسج و كان طولها عشرة أذرع على مقدار قامة موسى وَ اضْمُمْ يَدَكَ إِلى جَناحِكَ أي إلى ما تحت عضدك أو إلى جنبك و قيل أدخلها في جيبك كني عن الجيب بالجناح تَخْرُجْ بَيْضاءَ لها نور ساطع يضيء بالليل و النهار كضوء الشمس و القمر و أشد ضوءا. آيَةً أُخْرى قال البيضاوي أي معجزة ثانية و هي حال من ضمير تخرج كبيضاء أو من ضميرها أو مفعول بإضمار خذ أو دونك لِنُرِيَكَ مِنْ آياتِنَا الْكُبْرى متعلق بهذا المضمر أو بما دل عليه آية أو القصة أي دللنا بها أو فعلنا ذلك لنريك و الكبرى صفة آياتنا أو مفعول نريك و من آياتنا حال منها. رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي قال الطبرسي أي أوسع لي صدري حتى لا أضجر و لا أخاف و لا أغتم وَ يَسِّرْ لِي أَمْرِي أي سهل علي أداء ما كلفتني من الرسالة وَ احْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسانِي أي أطلق عن لساني العقدة التي فيه حتى يفهموا كلامي و كان في لسانه رتة لا يفصح معها بالحروف تشبه التمتمة و قيل إن سببها جمرة طرحها في فيه لما أخذ بلحية فرعون فأراد قتله فامتحن بإحضار الدرة و الجمرة فأراد موسى أخذ الدرة فضرب جبرئيل يده إلى الجمرة فوضعها في فيه فاحترق لسانه و قيل إنه انحل أكثر ما كان بلسانه إلا بقية منه بدلالة قوله وَ لا يَكادُ يُبِينُ و قيل استجاب الله دعاءه فأحل العقدة عن لسانه و قوله وَ لا يَكادُ يُبِينُ أي لا يأتي ببيان و حجة و إنما قالوا ذلك تمويها ليصرفوا الوجوه عنه وَ اجْعَلْ لِي وَزِيراً يؤازرني على المضي إلى فرعون و يعاضدني عليه مِنْ أَهْلِي ليكون أفصح هارُونَ أَخِي فكان أخاه لأبيه و أمه و كان بمصر اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي أي قو به ظهري وَ أَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي في النبوة ليكون أحرس على مؤازرتي كَيْ نُسَبِّحَكَ كَثِيراً أي ننزهك عما لا يليق بك وَ نَذْكُرَكَ كَثِيراً أي نحمدك و نثني عليك بما أوليتنا من نعمك إِنَّكَ كُنْتَ بِنا بَصِيراً بأحوالنا و أمورنا عالما قَدْ أُوتِيتَ سُؤْلَكَ.
قال الصادق ع حدثني أبي عن جدي عن أمير المؤمنين ع قال كن لما لا ترجو أرجى منك لما ترجو فإن موسى بن عمران خرج يقتبس لأهله نارا فكلمه الله تعالى فرجع نبيا و خرجت ملكة سبإ كافرة فأسلمت مع سليمان و خرج سحرة فرعون يطلبون العزة لفرعون فرجعوا مؤمنين
إِذْ أَوْحَيْنا إِلى أُمِّكَ قال البيضاوي بالإلهام أو في المنام أو على لسان نبي في وقتها أو ملك لا على وجه النبوة كما أوحي إلى مريم ع ما يُوحى ما لا يعلم إلا بالوحي أو مما ينبغي أن يوحى و لا يخل به لفرط الاهتمام به أَنِ اقْذِفِيهِ بأن اقذفيه أو أي اقذفيه لأن الوحي بمعنى القول و القذف يقال للإلقاء و للوضع فَلْيُلْقِهِ الْيَمُّ بِالسَّاحِلِ لما كان إلقاء البحر إياه إلى الساحل أمرا واجب الحصول لتعلق الإرادات به جعل البحر كأنه ذو تميز مطيع أمره بذلك و أخرج الجواب مخرج الأمر و الأولى أن يجعل الضمائر كلها لموسى. وَ لِتُصْنَعَ عَلى عَيْنِي قال الطبرسي أي لتربى و لتقضى بمرأى مني أن يجري أمرك على ما أريد بك من الرفاهية في غذائك و قيل لتربى و يطلب لك الرضاع على علم مني و معرفة لتصل إلى أمك و قيل لتربى بحياطتي و حفظي كما يقال في الدعاء بالحفظ عين الله عليك إِذْ تَمْشِي ظرف لألقيت أو لتصنع و ذلك أن أم موسى اتخذت تابوتا و جعلت فيه قطنا و وضعته فيه و ألقته في النيل فكان يشرع من النيل نهر كبير في باغ فرعون فبينا هو جالس على رأس البركة مع امرأته آسية إذا التابوت يجيء على رأس الماء فأمر بإخراجه فلما فتح رأسه إذا صبي من أحسن الناس وجها فأحبه فرعون بحيث لم يتمالك و جعل موسى يبكي و يطلب اللبن فأمر فرعون حتى أتته النساء اللواتي كن حول داره فلم يأخذ موسى من لبن واحدة منهن و كانت أخت موسى واقفة هناك إذ أمرتها أمها أن تتبع التابوت فقالت إني آتي بامرأة ترضعه و ذلك قوله تعالى هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلى مَنْ يَكْفُلُهُ فقالوا نعم فجاءت بالأم فقبل ثديها فذلك قوله تعالى فَرَجَعْناكَ إِلى أُمِّكَ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُها برؤيتك وَ لا تَحْزَنَ من خوف قتلك أو غرقك و ذلك أنها حملته إلى بيتها آمنة مطمئنة قد جعل لها فرعون أجرة على الرضاع وَ قَتَلْتَ نَفْساً أي القبطي الكافر الذي استغاثه عليه الإسرائيلي فَنَجَّيْناكَ مِنَ الْغَمِّ أي من غم القتل و كربه لأنه خاف أن يقتصوا منه بالقبطي وَ فَتَنَّاكَ فُتُوناً أي اختبرناك اختبارا حتى خلصت للاصطفاء بالرسالة أو خلصناك من محنة بعد محنة فَلَبِثْتَ سِنِينَ فِي أَهْلِ مَدْيَنَ أي حين كنت راعيا لشعيب عَلى قَدَرٍ أي في الوقت الذي قدر لإرسالك نبيا وَ اصْطَنَعْتُكَ لِنَفْسِي أي لوحيي و رسالتي أي اخترتك و اتخذتك صنيعتي و أخلصتك لتنصرف على إرادتي و محبتي بِآياتِي أي بحججي و دلالاتي و قيل بالآيات التسع وَ لا تَنِيا فِي ذِكْرِي أي و لا تضعفا و لا تفترا في رسالتي فَقُولا لَهُ قَوْلًا لَيِّناً أي ارفقا به في الدعاء و القول و لا تغلظا له أو كنياه و كنيته أبو الوليد و قيل أبو العباس و قيل أبو مرة و قيل القول اللين هو هَلْ لَكَ إِلى أَنْ تَزَكَّى وَ أَهْدِيَكَ إِلى رَبِّكَ فَتَخْشى و قيل هو أن موسى أتاه فقال له تسلم و تؤمن برب العالمين على أن لك شبابك و لا تهرم و تكون ملكا لا ينزع الملك منك حتى تموت و لا تنزع منك لذة الطعام و الشراب و الجماع حتى تموت فإذا مت دخلت الجنة فأعجبه ذلك و كان لا يقطع أمرا دون هامان و كان غائبا فلما قدم هامان أخبره بالذي دعاه إليه و أنه يريد أن يقبل منه فقال هامان قد كنت أرى أن لك عقلا و رأيا بينا أنت رب تريد أن تكون مربوبا و بينا أنت تعبد تريد أن تعبد فقلبه عن رأيه لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشى أي ادعواه على الرجاء و الطمع لا على اليأس من فلاحه أَنْ يَفْرُطَ عَلَيْنا أي يتقدم فينا بعذاب و يعجل علينا و يبادر إلى قتلنا قبل أن يتأمل حجتنا أَوْ أَنْ يَطْغى أي يتجاوز الحد في الإساءة بنا إِنَّنِي مَعَكُما بالنصرة و الحفظ أَسْمَعُ ما يسأله منكما فألهمكما جوابه وَ أَرى ما يقصدكما به فأدفعه عنكما. فَأَرْسِلْ مَعَنا بَنِي إِسْرائِيلَ أي أطلقهم و أعتقهم عن الاستعباد وَ لا تُعَذِّبْهُمْ
بالاستعمال في الأعمال الشاقة وَ السَّلامُ عَلى مَنِ اتَّبَعَ الْهُدى لم يرد به التحية بل معناه من اتبع الهدى سلم من عذاب الله فَمَنْ رَبُّكُما أي من أي جنس من الأجناس هو فبين موسى ع أنه تعالى ليس له جنس و إنما يعرف بأفعاله أَعْطى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ أي صورته التي قدرها له ثم هداه إلى مطعمه و مشربه و منكحه و غير ذلك أو مثل خلقه أي زوجه من جنسه ثم هداه لنكاحه أو أعطى خلقه كل شيء من النعم في الدنيا مما يأكلون و يشربون و ينتفعون به ثم هداهم إلى طرق معايشهم و إلى أمور دينهم ليتوصلوا بها إلى نعم الآخرة فَما بالُ الْقُرُونِ الْأُولى أي فما حال الأمم الماضية فإنها لم تقر بالله و ما تدعو إليه بل عبدت الأوثان و قيل لما دعاه موسى إلى البعث قال فما بالهم لم يبعثوا قال موسى ع عِلْمُها عِنْدَ رَبِّي أي أعمالهم محفوظة عند الله يجازيهم بها فِي كِتابٍ يعني اللوح أو ما يكتبه الملائكة لا يَضِلُّ رَبِّي أي لا يذهب عليه شيء وَ لا يَنْسى ما كان من أمرهم بل يجازيهم بأعمالهم مَهْداً أي فرشا وَ سَلَكَ لَكُمْ فِيها أي أدخل لأجلكم في الأرض طرقا تسلكونها أَزْواجاً أي أصنافا وَ لَقَدْ أَرَيْناهُ أي فرعون آياتِنا كُلَّها أي الآيات التسع فَكَذَّبَ بجميعها وَ أَبى أن يؤمن مَكاناً سُوىً أي تستوي مسافته على الفريقين. قالَ موسى مَوْعِدُكُمْ يَوْمُ الزِّينَةِ و كان يوم عيد يتزينون فيه و يزينون فيه الأسواق وَ أَنْ يُحْشَرَ النَّاسُ ضُحًى أي ضحى ذلك اليوم فَتَوَلَّى فِرْعَوْنُ أي انصرف على ذلك الوعد فَجَمَعَ كَيْدَهُ و ذلك جمعه السحرة ثُمَّ أَتى أي حضر الموعد قالَ لَهُمْ أي للسحرة مُوسى فوعظهم فقال وَيْلَكُمْ هي كلمة وعيد و تهديد أي ألزمكم الله الويل و العذاب لا تَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ كَذِباً بأن تنسبوا معجزتي إلى السحر و سحركم إلى أنه حق و فرعون إلى أنه معبود فَيُسْحِتَكُمْ أي يستأصلكم فَتَنازَعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ أي تشاور القوم و تفاوضوا في حديث موسى و فرعون و جعل كل منهم ينازع الكلام صاحبه و قيل تشاورت السحرة فيما هيئوه من الحبال و العصي و فيمن يبتدئ بالإلقاء وَ أَسَرُّوا النَّجْوى أي أخفوا كلامهم سرا من فرعون فقالوا إن غلبنا موسى اتبعناه و قيل إن موسى لما قال لهم وَيْلَكُمْ لا تَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ كَذِباً قال بعضهم لبعض ما هذا بقول ساحر و أسر بعضهم إلى بعضهم يتناجون
و قيل تناجوا مع فرعون و أسروا عن موسى و هارون. قولهم إِنْ هذانِ لَساحِرانِ قاله فرعون و جنوده للسحرة وَ يَذْهَبا بِطَرِيقَتِكُمُ الْمُثْلى هي تأنيث الأمثل و هو الأفضل و المعنى يريدان أن يصرفا وجوه الناس إليهما عن علي ع و قيل إن طريقتهم المثلى بنو إسرائيل كانوا أكثر القوم عددا و أموالا و قيل يذهبا بطريقتكم التي أنتم عليها في السيرة و الدين فَأَجْمِعُوا كَيْدَكُمْ أي لا تدعوا من كيدكم شيئا إلا جئتم به ثُمَّ ائْتُوا صَفًّا أي مصطفين مجتمعين وَ قَدْ أَفْلَحَ الْيَوْمَ مَنِ اسْتَعْلى أي قد سعد اليوم من غلب و علا قال بعضهم إن هذا من قول فرعون للسحرة و قال آخرون بل هو من قول بعض السحرة لبعض يُخَيَّلُ إِلَيْهِ أي إلى موسى أو إلى فرعون أَنَّها تَسْعى أي تسير و تعدو مثل سير الحيات و إنما قال يُخَيَّلُ إِلَيْهِ لأنها لم تكن تسعى حقيقة و إنما تحركت لأنهم جعلوا داخلها الزيبق فلما حميت الشمس طلب الزيبق الصعود فحركت الشمس ذلك فظن أنها تسعى. فَأَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ أي وجد في نفسه ما يجده الخائف يقال أوجس القلب فزعا أي أضمر و السبب في ذلك أنه خاف أن يلتبس على الناس أمرهم فيتوهموا أنهم فعلوا مثل ما فعله و يظنوا المساواة فيشكوا و قيل إنه خوف الطباع إذا رأى الإنسان أمرا فظيعا فإنه يحذره و يخافه في أول وهلة و قيل إنه خاف أن يتفرق الناس قبل إلقائه العصا و قبل أن يعلموا بطلان السحر فيبقوا في شبهة و قيل إنه خاف لأنه لم يدر أن العصا إذا انقلبت حية هل يظهر المزية لأنه لم يعلم أنها تتلقفها و كان ذلك موضع خوف لأنها لو انقلبت حية و لم تتلقف ما يأفكون ربما ادعوا المساواة لا سيما و الأهواء معهم و الدولة لهم فلما تلقف زالت الشبهة إِنَّكَ أَنْتَ الْأَعْلى عليهم بالظفر و الغلبة وَ أَلْقِ ما فِي يَمِينِكَ قالوا لما ألقى عصاه صارت حية و طافت حول الصفوف حتى رآها الناس كلهم ثم قصدت الحبال و العصي فابتلعتها كلها على كثرتها ثم أخذها موسى فعادت عصا كما كانت حَيْثُ أَتى أي حيث كان و أين أقبل إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ أي أستادكم و قد يعجز التلميذ عما يفعله الأستاد أو رئيسكم ما
عجزتم عن معارضته و لكنكم تركتم معارضته احتشاما و احتراما و إنما قال ذلك لإيهام العوام. فِي جُذُوعِ النَّخْلِ أي عليها أَيُّنا أَشَدُّ عَذاباً أنا على إيمانكم أم رب موسى على ترككم الإيمان به لَنْ نُؤْثِرَكَ أي أن نختارك عَلى ما جاءَنا مِنَ الْبَيِّناتِ أي المعجزات و الأدلة وَ الَّذِي فَطَرَنا أي و على الذي فطرنا أو الواو للقسم فَاقْضِ ما أَنْتَ قاضٍ أي فاصنع ما أنت صانعه أو فاحكم ما أنت حاكم فإنا لا نرجع عن الإيمان إِنَّما تَقْضِي هذِهِ الْحَياةَ الدُّنْيا أي إنما تصنع بسلطانك و تحكم في هذه الحياة الدنيا دون الآخرة فلا سلطان لك فيها و قيل معناه إنما تفنى و تذهب الحياة الدنيا خَطايانا من الشرك و المعاصي وَ ما أَكْرَهْتَنا عَلَيْهِ مِنَ السِّحْرِ إنما قالوا ذلك لأن الملوك كانوا يجبرونهم على تعليم السحر كيلا يخرج من أيديهم و قيل إن السحرة قالوا لفرعون أرنا موسى إذا نام فأراهم إياه فإذا هو نائم و عصاه تحرسه فقالوا ليس هذا بسحر إن الساحر إذا نام بطل سحره فأبى عليهم إلا أن يعملوا فذلك إكراههم وَ اللَّهُ خَيْرٌ لنا منك و ثوابه أبقى لنا من ثوابك أو خير ثوابا للمؤمنين و أبقى عقابا للعاصين منك و هاهنا انتهى الإخبار عن السحرة ثم قال تعالى إِنَّهُ مَنْ يَأْتِ رَبَّهُ مُجْرِماً و قيل إنه من قول السحرة. فَاضْرِبْ لَهُمْ قال البيضاوي فاجعل لهم من قولهم ضرب له في ماله سهما أو فاتخذ من ضرب اللبن إذا عمله يَبَساً أي يابسا مصدر وصف به لا تَخافُ دَرَكاً أي أمنا من أن يدرككم العدو فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ بِجُنُودِهِ أي فأتبعهم نفسه و معه جنوده فحذف المفعول الثاني و قيل فأتبعهم بمعنى فاتبعهم و يؤيده القراءة و الباء للتعدية و قيل الباء مزيدة فَغَشِيَهُمْ الضمير لجنوده أو له و لهم و فيه مبالغة و وجازة أي غشيهم ما سمعت قصته و لا يعرف كنهه إلا الله وَ أَضَلَّ فِرْعَوْنُ قَوْمَهُ وَ ما هَدى أي أضلهم في الدين و ما هداهم و هو تهكم به في قوله وَ ما أَهْدِيكُمْ إِلَّا سَبِيلَ الرَّشادِ أو أضلهم في البحر و ما نجا بِآياتِنا بالآيات التسع وَ سُلْطانٍ مُبِينٍ و حجة واضحة و يجوز أن يراد به العصا و إفرادها لأنها أولى المعجزات قَوْماً عالِينَ أي متكبرين وَ قَوْمُهُما يعني بني إسرائيل لَنا عابِدُونَ خادمون منقادون كالعباد. أَ لا يَتَّقُونَ استئناف أتبعه إرساله للإنذار تعجيبا له من إفراطهم في الظلم و اجترائهم عليه قالَ رَبِّ إِنِّي أَخافُ إلى قوله إِلى هارُونَ رتب استدعاء ضم أخيه إليه و اشتراكه له في الأمر على الأمور الثلاثة خوف التكذيب و ضيق القلب انفعالا عنه و ازدياد الحبسة في اللسان بانقباض الروح إلى باطن القلب عند ضيقه بحيث لا ينطلق فإنها إذا اجتمعت مست الحاجة إلى معين يقوي قلبه و ينوب منابه متى تعتريه حبسه حتى لا تختل دعوته و ليس ذلك تعللا منه و توقفا في تلقي الأمر بل طلب لما يكون معونة على امتثاله و تمهيد عذره وَ لَهُمْ عَلَيَّ ذَنْبٌ أي تبعة ذنب و المراد قتل القبطي و إنما سمى ذنبا على زعمهم فَأَخافُ أَنْ يَقْتُلُونِ به قبل أداء الرسالة و هو أيضا ليس تعللا و إنما هو استدفاع للبلية المتوقعة و قوله كَلَّا فَاذْهَبا بِآياتِنا إجابة له إلى الطلبتين بوعده للدفع اللازم ردعه عن الخوف و ضم أخيه إليه في الإرسال إِنَّا مَعَكُمْ يعني موسى و هارون و فرعون مُسْتَمِعُونَ سامعون لما يجري بينكما و بينه فأظهر كما عليه إِنَّا رَسُولُ رَبِّ الْعالَمِينَ أفرد الرسول لأنه مصدر وصف به أو لاتحادهما للأخوة أو لوحدة المرسل و المرسل به أو لأنه أراد أن كل واحد منا أَنْ أَرْسِلْ مَعَنا بَنِي إِسْرائِيلَ أي خلهم يذهبوا معنا إلى الشام قالَ أي فرعون لموسى بعد ما أتياه فقالا له ذلك أَ لَمْ نُرَبِّكَ فِينا أي في منازلنا وَلِيداً طفلا سمي به لقربه من الولادة وَ لَبِثْتَ فِينا مِنْ عُمُرِكَ سِنِينَ قيل لبث فيهم ثلاثين سنة ثم خرج إلى مدين عشر سنين ثم عاد إليهم يدعوهم إلى الله ثلاثين ثم بقي بعد الغرق خمسين. و قال الطبرسي أي أقمت سنين كثيرة عندنا و هي ثماني عشرة سنة عن ابن عباس و قيل ثلاثين سنة و قيل أربعين سنة وَ فَعَلْتَ فَعْلَتَكَ الَّتِي فَعَلْتَ يعني قتل القبطي
وَ أَنْتَ مِنَ الْكافِرِينَ لنعمتنا و حق تربيتنا و قيل معناه و أنت من الكافرين بإلهك إذ كنت معنا على ديننا الذي تعيبه و تقول إنه كفر قالَ موسى فَعَلْتُها إِذاً وَ أَنَا مِنَ الضَّالِّينَ أي من الجاهلين لم أعلم أنها تبلغ القتل و قيل من الناسين و قيل من الضالين عن طريق الصواب لأني ما تعمدته و إنما وقع مني خطأ و قيل من الضالين عن النبوة أي لم يوح إلي تحريم قتله حُكْماً أي نبوة و قيل هو العلم بما تدعو إليه الحكمة من التوراة و العلم بالحلال و الحرام و الأحكام وَ تِلْكَ نِعْمَةٌ تَمُنُّها عَلَيَّ أَنْ عَبَّدْتَ بَنِي إِسْرائِيلَ يقال عبده و أعبده إذا اتخذه عبدا و فيه أقوال أحدها أن فيه اعترافا بأن تربيته له كانت نعمة منه على موسى و إنكارا للنعمة في ترك استعباده و يكون ألف التوبيخ مضمرا فيه فكأنه قال أ تقول و تلك نعمة تمنها علي أن عبدت بني إسرائيل و لم تعبدني. و ثانيها أنه إنكار للمنة أصلا و معناه أ تمن بأن ربيتني مع استبعادك قومي هذه ليست بنعمة يريد أن اتخاذك بني إسرائيل الذين هم قومي عبدا أحبط نعمتك التي تمن بها علي. و ثالثها أن معناه أنك لو كنت لا تستعبد بني إسرائيل و لا تقتل أبناءهم لكانت أمي مستغنية عن قذفي في اليم فكأنك تمتن علي بما كان بلاؤك سببا له. و رابعها أن فيه بيان أنه ليس لفرعون عليه نعمة لأن الذي تولى تربيته أمه و غيرها من بني إسرائيل بأمر فرعون لما استعبدهم فمعناه أنك تمن علي بأن استعبدت بني إسرائيل حتى ربوني و حفظوني. قالُوا أَرْجِهْ وَ أَخاهُ قال البيضاوي أي أخر أمرهما و قيل احبسهما وَ ابْعَثْ فِي الْمَدائِنِ حاشِرِينَ شرطا يحشرون السحرة من ساعات يوم معين و هو وقت الضحى من يوم الزينة لِمِيقاتِ يَوْمٍ مَعْلُومٍ لما وقت به من ساعات يوم معين وَ قِيلَ لِلنَّاسِ هَلْ أَنْتُمْ مُجْتَمِعُونَ لَعَلَّنا نَتَّبِعُ السَّحَرَةَ إِنْ كانُوا هُمُ الْغالِبِينَ لعلنا نتبعهم في دينهم و الترجي لاعتبار الغلبة المقتضية للاتباع و مقصودهم أن لا يتبعوا موسى لا أن يتبعوا السحرة وَ قالُوا بِعِزَّةِ فِرْعَوْنَ أقسموا بعزته على أن الغلبة لهم لفرط اعتقادهم في أنفسهم و إتيانهم بأقصى ما يكون أن يؤتى به من السحر ما يَأْفِكُونَ ما يقلبونه عن وجهه بتمويههم و تزويرهم فيخيلون حبالهم و عصيهم أنها حيات تسعى أو إفكهم تسمية للمأفوك به مبالغة إِنَّكُمْ مُتَّبَعُونَ يتبعكم فرعون و جنوده و هو علة الأمر بالإسراء أي أسر بهم حتى إذا اتبعكم مصبحين كان لكم تقدم عليهم بحيث لا يدركونكم قبل وصولكم إلى البحر فَأَرْسَلَ فِرْعَوْنُ حين أخبر بسراهم فِي الْمَدائِنِ حاشِرِينَ العساكر ليتبعونهم إِنَّ هؤُلاءِ لَشِرْذِمَةٌ قَلِيلُونَ على إرادة القول و إنما استقلهم و كانوا ستمائة و سبعين ألفا بالإضافة إلى جنوده إذ روي أنه خرج فكانت مقدمته سبعمائة ألف و الشرذمة الطائفة القليلة و قليلون باعتبار أنهم أسباط كل سبط منهم قليل لَغائِظُونَ لفاعلون ما يغيظنا وَ إِنَّا لَجَمِيعٌ حاذِرُونَ و إنا لجمع من عادتنا الحذر و قيل الحاذر المؤدي للسلاح وَ مَقامٍ كَرِيمٍ يعني المنازل الحسنة و المجالس السنية كَذلِكَ مثل ذلك الإخراج أخرجنا فهو مصدر أو مثل ذلك المقام الذي كان لهم على أنه صفة مقام أو الأمر كذلك فيكون خبر المحذوف فَلَمَّا تَراءَا الْجَمْعانِ أي تقاربا بحيث يرى كل منهما الآخر إِنَّا لَمُدْرَكُونَ لملحقون قالَ كَلَّا لن يدركوكم فإن الله وعدكم الخلاص منهم إِنَّ مَعِي رَبِّي بالحفظ و النصرة سَيَهْدِينِ طريق النجاة منهم بِعَصاكَ الْبَحْرَ القلزم أو النيل فَانْفَلَقَ أي فضرب فانفلق و صار اثني عشر فرقا بينها مسالك كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ كالجبل المنيف الثابت في مقره وَ أَزْلَفْنا و قربنا ثَمَّ الْآخَرِينَ فرعون و قومه حتى دخلوا على أثرهم مداخلهم. إِذْ قالَ مُوسى قال الطبرسي أي اذكر قصة موسى إذ قال لِأَهْلِهِ و هي بنت شعيب إِنِّي آنَسْتُ أي أبصرت ناراً بِشِهابٍ قَبَسٍ أي بشعلة نار و الشهاب نور كالعمود من النار و كل نور يمتد مثل العمود يسمى شهابا و إنما قال لامرأته
آتِيكُمْ على لفظ خطاب الجمع لأنه أقامها مقام الجماعة في الأنس بها في الأمكنة الموحشة لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ أي لكي تستدفئوا بها و ذلك لأنهم كانوا قد أصابهم البرد و كانوا شاتين فَلَمَّا جاءَها أي جاء موسى إلى النار يعني التي ظنها نارا و هي نور أَنْ بُورِكَ مَنْ فِي النَّارِ وَ مَنْ حَوْلَها قال وهب لما رأى موسى النار وقف قريبا منها فرآها تخرج من فرع شجرة خضراء شديدة الخضرة لا تزداد النار إلا اشتعالا و لا تزداد الشجرة إلا خضرة و حسنا فلم تكن النار بحرارتها تحرق الشجرة و لا الشجرة برطوبتها تطفئ النار فعجب منها و أهوى إليها بضغث في يده ليقتبس منها فمالت إليه فخافها فتأخر عنها لم تزل تطمعه و يطمع فيها إلى أن نودي و المراد به نداء الوحي أَنْ بُورِكَ مَنْ فِي النَّارِ وَ مَنْ حَوْلَها أي بورك فيمن في النار و هم الملائكة و فيمن حولها يعني موسى ع و ذلك أن النور الذي رأى موسى كان فيه ملائكة لهم زجل بالتقديس و التسبيح و من حولها هو موسى لأنه كان بالقرب منها و لم يكن فيها فكأنه قال بارك الله على من في النار و عليك يا موسى و مخرجه الدعاء و المراد الخبر و قيل من في النار سلطانه و قدرته و برهانه فالبركة ترجع إلى اسم الله تعالى و تأويله تبارك من نور هذا النور و من حولها يعني موسى و الملائكة و قيل أي بورك من في طلب النار و هو موسى ع و من حولها الملائكة وَ سُبْحانَ اللَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ أي تنزيها له عما لا يليق بصفاته من أن يكون جسما يحتاج إلى جهة أو عرضا يحتاج إلى محل أو يكون ممن يتكلم بآلة إِنَّهُ أَنَا اللَّهُ أي إن الذي يكلمك هو الله الْعَزِيزُ أي القادر الذي لا يغالب الْحَكِيمُ في أفعاله المحكم لتدابيره. كَأَنَّها جَانٌّ الجان الحية التي ليست بعظيمة و إنما شبهها بالجان في خفة حركتها و اهتزازها مع أنها ثعبان عظيم و قيل الحالتان مختلفتان فصارت جانا في أول ما بعثه و ثعبانا حين لقي بها فرعون إِلَّا مَنْ ظَلَمَ الاستثناء منقطع فِي تِسْعِ آياتٍ أي مع تسع آيات أخر أنت مرسل بها إِلى فِرْعَوْنَ وَ قَوْمِهِ و قيل أي من تسع آيات فاسِقِينَ أي خارجين عن طاعة الله إلى أقبح وجوه الكفر مُبْصِرَةً أي واضحة بينة وَ اسْتَيْقَنَتْها أَنْفُسُهُمْ أي عرفوها و علموها يقينا بقلوبهم ظُلْماً على بني إسرائيل أو على أنفسهم وَ عُلُوًّا أي طلبا للعلو و الرفعة و تكبرا عن أن يؤمنوا بما جاء به موسى. إِلَّا سِحْرٌ مُفْتَرىً أي مختلق لم يبن على أصل صحيح وَ ما سَمِعْنا بِهذا فِي آبائِنَا الْأَوَّلِينَ إنما قالوا ذلك مع اشتهار قصة نوح و هود و صالح و غيرهم ممن دعوا إلى توحيد الله إما للفترة و الزمان الطويل أو لأن آباءهم ما صدقوا بشيء من ذلك رَبِّي أَعْلَمُ أي ربي يعلم أني جئت بهذه الآيات الدالة على الهدى من عنده فهو شاهد لي على ذلك إن كذبتموني و يعلم أن العاقبة الحميدة لنا و لأهل الحق فَأَوْقِدْ لِي يا هامانُ أي فأجج النار عَلَى الطِّينِ و اتخذ الآجر و قيل إنه أول من اتخذ الآجر و بنى به فَاجْعَلْ لِي صَرْحاً أي قصرا و بناء عاليا لَعَلِّي أَطَّلِعُ إِلى إِلهِ مُوسى أي أصعد إليه و أشرف عليه و أقف على حاله و هذا تلبيس منه و إيهام على العوام أن الذي يدعو إليه موسى يجري مجراه في الحاجة إلى المكان و الجهة وَ إِنِّي لَأَظُنُّهُ مِنَ الْكاذِبِينَ في ادعائه إلها غيري و أنه رسول إِلَيْنا لا يُرْجَعُونَ أي أنكروا البعث فِي الْيَمِّ أي النيل أو بحر من وراء مصر يقال له إساف وَ جَعَلْناهُمْ أَئِمَّةً أي حكمنا بأنهم كذلك وَ أَتْبَعْناهُمْ أي أردفناهم لعنة بعد لعنة و هي البعد عن الرحمة و الخيرات أو ألزمناهم اللعنة بأن أمرنا المؤمنين بلعنهم مِنَ الْمَقْبُوحِينَ أي من المهلكين أو من المشوهين في الخلقة بسواد الوجوه و زرقة الأعين. قالُوا سِحْرانِ قال البيضاوي يعنون موسى و هارون أو موسى و محمد ص بتقدير مضاف أو جعلهما سحرين مبالغة تَظاهَرا تعاونا بإظهار تلك الخوارق أو
بتوافق الكتابين وَ فِرْعَوْنُ ذُو الْأَوْتادِ قال الطبرسي فيه أقوال أحدها أنه كانت له ملاعب من أوتاد يلعب له عليها و الثاني أنه كان يعذب الناس بالأوتاد و الثالث أن معناه ذو البنيان و البنيان أوتاد الرابع أن المعنى ذو الجنود و الجموع الكثيرة بمعنى أنهم يشدون ملكه و يقوون أمره كما يقوي الوتد الشيء و العرب تقول هو في عز ثابت الأوتاد و الأصل فيه أن بيوتهم إنما تثبت بالأوتاد الخامس أنه إنما سمي ذا الأوتاد لكثرة جيوشه السائرة في الأرض و كثرة أوتاد خيامهم فعبر بكثرة الأوتاد عن كثرة الأجناد. ابْنِ لِي صَرْحاً أي قصرا مشيدا بالآجر و قيل مجلسا عاليا لَعَلِّي أَبْلُغُ الْأَسْبابَ أَسْبابَ السَّماواتِ أي لعلي أبلغ الطرق من سماء إلى سماء و قيل أبلغ أبواب طرق السماوات و قيل منازل السماوات و قيل أتسبب و أتوصل به إلى مرادي و إلى علم ما غاب عني ثم بين مراده فقال فَأَطَّلِعَ إِلى إِلهِ مُوسى فأنظر إليه فأراه أراد به التلبيس على الضعفة مع علمه باستحالة ذلك و قيل أراد فأصل إلى إله موسى فغلبه الجهل و اعتقد أن الله سبحانه في السماء و أنه يقدر على بلوغ السماء وَ كَذلِكَ أي و مثل ما زين لهؤلاء الكفار سوء أعمالهم زُيِّنَ لِفِرْعَوْنَ سُوءُ عَمَلِهِ أي قبيح عمله زينه له أصحابه أو الشيطان إِلَّا فِي تَبابٍ أي هلاك و خسار. إِذا هُمْ مِنْها يَضْحَكُونَ استهزاء و استخفافا وَ ما نُرِيهِمْ مِنْ آيَةٍ المراد بذلك ما ترادف عليهم من الطوفان و الجراد و القمل و الضفادع و الدم و الطمس و كان كل آية من تلك الآيات أكبر من التي قبلها و هي العذاب المذكور في قوله وَ أَخَذْناهُمْ بِالْعَذابِ فكانت عذابا لهم و معجزات لموسى وَ قالُوا يا أَيُّهَا السَّاحِرُ يعنون بذلك يا أيها العالم و كان الساحر عندهم عظيما يعظمونه و لم يكن صفة ذم و قيل إنما قالوا استهزاء به و قيل معناه يا أيها الذي غلبنا بسحره يقال ساحرته فسحرته أي غلبته بالسحر إِنَّنا لَمُهْتَدُونَ أي راجعون إلى ما تدعونا إليه متى كشف عنا العذاب تَجْرِي مِنْ تَحْتِي أي من تحت أمري و قيل إنها كانت تجري تحت قصره و هو مشرف عليها أَ فَلا تُبْصِرُونَ هذا الملك العظيم و قوتي و ضعف موسى مَهِينٌ أي ضعيف حقير يعني به موسى قال سيبويه و الخليل عطف أنا بأم على قوله أَ فَلا تُبْصِرُونَ لأن معنى أم أنا خير أم تبصرون لأنهم إذا قالوا أنت خير منه فقد صاروا بصراء عنده وَ لا يَكادُ يُبِينُ أي و لا يكاد يفصح بكلامه و حججه للعقدة التي في لسانه. و قال الحسن كانت العقدة زالت عن لسانه حين أرسله الله كما قال وَ احْلُلْ عُقْدَةً و قال تعالى قَدْ أُوتِيتَ سُؤْلَكَ و إنما عيره بما كان في لسانه قبل و قيل كان في لسانه لثغة فرفعه الله تعالى و بقي فيه ثقل فَلَوْ لا أُلْقِيَ عَلَيْهِ أَسْوِرَةٌ مِنْ ذَهَبٍ كانوا إذا سودوا رجلا سوروه بسوار من ذهب و طوقوه بطوق من ذهب مُقْتَرِنِينَ أي متتابعين يعينونه على أمره الذي بعث له و يشهدون له بصدقه و قيل متعاضدين متناصرين فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ أي استخف عقولهم فَأَطاعُوهُ فيما دعاهم إليه لأنه احتج عليهم بما ليس بدليل و هو قوله أَ لَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ و أمثاله فَلَمَّا آسَفُونا أي أغضبونا و غضب الله على العصاة إرادة عقابهم و قيل أي آسفوا رسلنا انْتَقَمْنا لأوليائنا مِنْهُمْ فَجَعَلْناهُمْ سَلَفاً أي متقدمين إلى النار وَ مَثَلًا أي عبرة و موعظة لِلْآخِرِينَ أي لمن جاء بعدهم يتعظون بهم. وَ لَقَدْ فَتَنَّا أي اختبرنا و شددنا عليهم التكليف رَسُولٌ كَرِيمٌ أي كريم الأفعال و الأخلاق أو عند الله أو شريف في قومه أَنْ أَدُّوا إِلَيَّ عِبادَ اللَّهِ أي أطلقوا بني إسرائيل
وَ أَنْ لا تَعْلُوا أي لا تتجبروا أَنْ تَرْجُمُونِ أي من أن ترموني بالحجارة و قيل أراد به الشتم كقولهم ساحر كذاب وَ إِنْ لَمْ تُؤْمِنُوا لِي فَاعْتَزِلُونِ أي إن لم تصدقوني فاتركوني لا معي و لا علي و قيل معناه فاعتزلوا أذاي فَأَسْرِ أي فقال الله مجيبا له أسر إِنَّكُمْ مُتَّبَعُونَ أي سيتبعكم فرعون بجنوده رَهْواً أي ساكنا على ما هو به إذا قطعته و عبرته ليغرق فرعون و قيل رَهْواً أي منفتحا منكشفا حتى يطمع فرعون في دخوله و قيل أي كما هو طريقا يابسا مُغْرَقُونَ سيغرقهم الله وَ نَعْمَةٍ أي تنعم و سعة في العيش كانُوا فِيها فاكِهِينَ أي بها ناعمين متمتعين كَذلِكَ قال الطبرسي أي كذلك أفعل بمن عصاني وَ أَوْرَثْناها قَوْماً آخَرِينَ أي بني إسرائيل فَما بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّماءُ وَ الْأَرْضُ أي لم يبك عليهم أهل السماء و الأرض أو المراد به المبالغة في وصف القوم بصغر القدر فإن العرب إذا أخبرت عن عظيم المصاب بالهالك قالت بكاه السماء و الأرض أو كناية عن أنه لم يكن لهم في الأرض عمل صالح يرفع منها إلى السماء. و قد روي عن ابن عباس أنه سئل عن هذه الآية فقيل و هل يبكيان على أحد قال نعم مصلاه في الأرض و مصعد عمله في السماء.
و روى زرارة بن أعين عن أبي عبد الله ع قال بكت السماء على يحيى بن زكريا و على الحسين بن علي ع أربعين صباحا و لم تبك إلا عليهما قلت فما بكاؤها قال كانت تطلع حمراء و تغيب حمراء.
وَ ما كانُوا مُنْظَرِينَ أي عوجلوا بالعقوبة و لم يمهلوا من العذاب. الْمُهِينِ قال البيضاوي من استعباد فرعون و قتله أبناءهم مِنْ فِرْعَوْنَ بدل من العذاب على حذف المضاف أو جعله عذابا لإفراطه في التعذيب أو حال من المهين بمعنى واقعا من جهته إِنَّهُ كانَ عالِياً متكبرا مِنَ الْمُسْرِفِينَ في العتو و الشرارة وَ لَقَدِ اخْتَرْناهُمْ أي بني إسرائيل عَلى عِلْمٍ عالمين بأنهم أحقاء بذلك أو مع علم منا بأنهم يزيغون في بعض الأحوال عَلَى الْعالَمِينَ لكثرة الأنبياء فيهم أو على عالمي زمانهم ما فِيهِ بَلؤُا مُبِينٌ نعمة جلية و اختبار ظاهر. فَتَوَلَّى بِرُكْنِهِ أي فأعرض عن الإيمان به كقوله وَ نَأى بِجانِبِهِ أو فتولى بما كان يتقوى به من جنوده وَ هُوَ مُلِيمٌ آت بما يلام عليه من الكفر و العناد و هو حال عن الضمير في أخذناه. فَلَمَّا زاغُوا أَزاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ قال الطبرسي أي فلما مالوا عن الحق و الاستقامة خلاهم و سوء اختيارهم و منعهم الألطاف التي بها يهدي قلوب المؤمنين و قيل أزاغ الله قلوبهم عما يحبون إلى ما يكرهون وَبِيلًا أي ثقيلا. هَلْ لَكَ إِلى أَنْ تَزَكَّى قال البيضاوي أي هل لك ميل إلى أن تتطهر من الكفر و الطغيان وَ أَهْدِيَكَ إِلى رَبِّكَ و أرشدك إلى معرفته فَتَخْشى بأداء الواجبات و ترك المحرمات ثُمَّ أَدْبَرَ عن الطاعة يَسْعى ساعيا في إبطال أمره أو أدبر بعد ما رأى الثعبان مرعوبا مسرعا في مشيه فَحَشَرَ فجمع السحرة أو جنوده فَنادى في المجمع بنفسه أو بمناد
-1 فس، ]تفسير القمي[ يُذَبِّحُونَ أَبْناءَكُمْ إن فرعون لما بلغه أن بني إسرائيل يقولون يولد فينا رجل يكون هلاك فرعون و أصحابه على يده كان يقتل أولادهم الذكور و يدع الإناث
2- فس، ]تفسير القمي[ في رواية أبي الجارود عن أبي جعفر ع في قوله تعالى وَ قالَ مُوسى إلى قوله لا تَجْعَلْنا فِتْنَةً لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ فإن قوم موسى استعبدهم آل فرعون و قالوا لو كان لهؤلاء على الله كرامة كما يقولون ما سلطنا عليهم قوله أَنْ تَبَوَّءا لِقَوْمِكُما بِمِصْرَ بُيُوتاً يعني بيت المقدس قوله رَبَّنا إِنَّكَ آتَيْتَ فِرْعَوْنَ وَ مَلَأَهُ زِينَةً أي ملكا لِيُضِلُّوا عَنْ سَبِيلِكَ أي يفتنوا الناس بالأموال و العطايا ليعبدوه و لا يعبدوك رَبَّنَا اطْمِسْ عَلى أَمْوالِهِمْ أي أهلكها قوله سَبِيلَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ أي طريق فرعون و أصحابه قوله مُبَوَّأَ صِدْقٍ قال ردهم إلى مصر و غرق فرعون
3- فس، ]تفسير القمي[ فِي هذِهِ لَعْنَةً يعني الهلاك و الغرق وَ يَوْمَ الْقِيامَةِ بِئْسَ الرِّفْدُ الْمَرْفُودُ أي رفدهم الله بالعذاب
4- فس، ]تفسير القمي[ وَ لَقَدْ آتَيْنا مُوسى تِسْعَ آياتٍ بَيِّناتٍ قال الطوفان و الجراد و القمل و الضفادع و الدم و الحجر و العصا و يده و البحر و يحكي قول موسى وَ إِنِّي لَأَظُنُّكَ يا فِرْعَوْنُ مَثْبُوراً أي هالكا تدعو بالثبور
و في رواية أبي الجارود عن أبي جعفر ع في قوله فَأَرادَ أَنْ يَسْتَفِزَّهُمْ مِنَ الْأَرْضِ أراد أن يخرجهم من الأرض و قد علم فرعون و قومه أن ما أنزل تلك الآيات إلا الله و قوله فَإِذا جاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ جِئْنا بِكُمْ لَفِيفاً يعني جميعا
و في رواية علي بن إبراهيم فَأَرادَ يعني فرعون أَنْ يَسْتَفِزَّهُمْ مِنَ الْأَرْضِ أي يخرجهم من مصر جِئْنا بِكُمْ لَفِيفاً أي من كل ناحية
6- فس، ]تفسير القمي[ وَ هَلْ أَتاكَ حَدِيثُ مُوسى يعني قد أتاك قوله فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ قال كانتا من جلد حمار ميت وَ أَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي قال إذا نسيتها ثم ذكرتها فصلها
و رواية أبي الجارود عن أبي جعفر ع في قوله آتِيكُمْ مِنْها بِقَبَسٍ يقول آتيكم بقبس من النار تَصْطَلُونَ من البرد و قوله أَوْ أَجِدُ عَلَى النَّارِ هُدىً كان قد أخطأ الطريق يقول أو أجد عند النار طريقا و قوله وَ أَهُشُّ بِها عَلى غَنَمِي يقول أخبط بها الشجر لغنمي وَ لِيَ فِيها مَآرِبُ أُخْرى فمن الفرق لم يستطع الكلام فجمع كلامه فقال وَ لِيَ فِيها مَآرِبُ أُخْرى يقول حوائج أخرى و قال علي بن إبراهيم في قوله إِنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ أَكادُ أُخْفِيها قال من نفسي هكذا نزلت قلت كيف يخفيها من نفسه قال جعلها من غير وقت قوله وَ فَتَنَّاكَ فُتُوناً أي اختبرناك اختبارا فِي أَهْلِ مَدْيَنَ أي عند شعيب قوله وَ اصْطَنَعْتُكَ لِنَفْسِي أي اخترتك وَ لا تَنِيا أي لا تضعفا اذْهَبا إِلى فِرْعَوْنَ ائتياه و اعلم أن الله قال لموسى ع حين أرسله إلى فرعون ائتياه فَقُولا لَهُ قَوْلًا لَيِّناً لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشى و قد علم أنه لا يتذكر و لا يخشى و لكن قال الله ليكون أحرص لموسى على الذهاب و آكد في الحجة على فرعون
7- فس، ]تفسير القمي[ في رواية أبي الجارود عن أبي جعفر ع في قوله لَشِرْذِمَةٌ قَلِيلُونَ يقول عصبة قليلة وَ إِنَّا لَجَمِيعٌ حاذِرُونَ يقول مؤدون في الأداة و هو الشاكي في السلاح و أما قوله وَ مَقامٍ كَرِيمٍ يقول مساكن حسنة و أما قوله فَأَتْبَعُوهُمْ مُشْرِقِينَ فعند طلوع الشمس و قوله مَعِي رَبِّي سَيَهْدِينِ يقول سيكفين
بيان قال الجزري يقال آدني عليه أي قوني و رجل مؤد تام السلاح كامل أداة الحرب و منه حديث الأسود بن زيد في قوله تعالى وَ إِنَّا لَجَمِيعٌ حاذِرُونَ قال مقوون مؤدون أي كاملون أداة الحرب
8- فس، ]تفسير القمي[ إِنِّي آنَسْتُ ناراً أي رأيت و ذلك لما خرج من مدين من عند شعيب قوله إِلَّا مَنْ ظَلَمَ معناه و لا من ظلم فوضع حرف مكان حرف
بيان على ما ذكره تكون إلا عاطفة قال البغوي في تفسيره قال بعض النحويين إلا هاهنا بمعنى و لا يعني لا يَخافُ لَدَيَّ الْمُرْسَلُونَ و لا من ظلم ثم بدل حسنا بعد سوء يقول لا يَخافُ لَدَيَّ الْمُرْسَلُونَ و لا المذنبون التائبون كقوله تعالى لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ يعني و لا الذين ظلموا منهم
9- فس، ]تفسير القمي[ ساحران تظاهرا قال موسى و هارون
10- فس، ]تفسير القمي[ قالُوا يا أَيُّهَا السَّاحِرُ أي يا أيها العالم قوله مِنْ هذَا الَّذِي هُوَ مَهِينٌ يعني موسى وَ لا يَكادُ يُبِينُ قال لم يبين الكلام فَلَوْ لا أُلْقِيَ عَلَيْهِ أي هلا ألقي عليه قوله مُقْتَرِنِينَ يعني مقارنين فَلَمَّا آسَفُونا أي عصونا لأنه لا يأسف عز و جل كأسف الناس
11- فس، ]تفسير القمي[ وَ لَقَدْ فَتَنَّا قَبْلَهُمْ قَوْمَ فِرْعَوْنَ أي اختبرناهم أَنْ أَدُّوا إِلَيَّ عِبادَ اللَّهِ أي ما فرض الله من الصلاة و الزكاة و الصوم و الحج و السنن و الأحكام و أوحى الله إليه أَنْ أَسْرِ بِعِبادِي ليلا إِنَّكُمْ مُتَّبَعُونَ أي يتبعكم فرعون و جنوده وَ اتْرُكِ الْبَحْرَ رَهْواً أي جانبا و خذ على الطريق قوله وَ مَقامٍ كَرِيمٍ أي حسن وَ نَعْمَةٍ كانُوا فِيها قال النعمة في الأبدان قوله فاكِهِينَ أي مفاكهين للنساء وَ أَوْرَثْناها قَوْماً آخَرِينَ يعني بني إسرائيل قوله عَلَى الْعالَمِينَ لفظه عام و معناه خاص و إنما اختارهم و فضلهم على عالمي زمانهم
بيان قوله أي ما فرض الله الظاهر أنه جعل عباد الله منادى و بين مفعول أدوا المقدر بالصلاة و غيرها و هو أحد الاحتمالين اللذين ذكرهما جماعة من المفسرين و احتمال كون المراد بالعباد العبادة بحذف التاء كإقام الصلاة بعيد و الرهو بهذا المعنى لم يعهد في اللغة و إن أتى بمعان قريبة منه كالمكان المرتفع و المنخفض و السكون و يمكن إرجاعه إلى ما مر في التفسير بتكلف و المفاكهة الممازحة
12- فس، ]تفسير القمي[ بِالْوادِ الْمُقَدَّسِ أي المطهر و أما طُوىً فاسم الوادي و قال علي بن إبراهيم في قوله فَحَشَرَ فَنادى يعني فرعون و النكال العقوبة و الآخرة هو قوله أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلى و الأولى قوله ما عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرِي فأهلكه الله بهذين القولين
13- فس، ]تفسير القمي[ وَ فِرْعَوْنَ ذِي الْأَوْتادِ عمل الأوتاد التي أراد أن يصعد بها إلى السماء
14- ص، ]قصص الأنبياء عليهم السلام[ الصدوق عن ابن الوليد عن الصفار عن ابن عيسى عن الحجال عن عبد الرحمن بن حماد عن حفص بن غياث عن أبي عبد الله ع قال إن فرعون بنى سبع مدائن فتحصن فيها من موسى فلما أمره الله أن يأتي فرعون جاءه و دخل المدينة فلما رأته الأسود بصبصت بأذنابها و لم يأن مدينة إلا انفتح له حتى انتهى إلى التي هو فيها فقعد على الباب و عليه مدرعة من صوف و معه عصاه فلما خرج الآذن قال له موسى ع إني رسول رب العالمين إليك فلم يلتفت فضرب بعصاه الباب فلم يبق بينه و بين فرعون باب إلا انفتح فدخل عليه و قال أنا رسول رب العالمين فقال ائتني بآية فألقى عصاه و كان لها شعبتان فوقعت إحدى الشعبتين في الأرض و الشعبة الأخرى في أعلى القبة فنظر فرعون إلى جوفها و هي تلتهب نارا و أهوت إليه فأحدث فرعون و صاح يا موسى خذها و لم يبق أحد من جلساء فرعون إلا هرب فلما أخذ موسى العصا و رجعت إلى فرعون نفسه هم بتصديقه فقام إليه هامان و قال بينا أنت إله تعبد إذ أنت تابع لعبد و اجتمع الملأ و قالوا هذا ساحر عليم فَجُمِعَ السَّحَرَةُ لِمِيقاتِ يَوْمٍ مَعْلُومٍ فلما ألقوا حبالهم و عصيهم ألقى موسى عصاه فالتقمتها كلها و كان في السحرة اثنان و سبعون شيخا خروا سجدا ثم قالوا لفرعون ما هذا سحر لو كان سحرا لبقيت حبالنا و عصينا ثم خرج موسى ع ببني إسرائيل يريد أن يقطع بهم البحر فأنجى الله موسى و من معه و غرق فرعون و من معه فلما صار موسى في البحر اتبعه فرعون و جنوده فتهيب فرعون أن يدخل البحر فمثل جبرئيل على ماديانة و كان فرعون على فحل فلما رأى قوم فرعون الماديانة اتبعوها فدخلوا البحر و غرقوا و أمر الله البحر فلفظ فرعون ميتا حتى لا يظن أنه غائب و هو حي ثم إن الله تعالى أمر موسى أن يرجع ببني إسرائيل إلى الشام فلما قطع البحر بهم مر عَلى قَوْمٍ يَعْكُفُونَ عَلى أَصْنامٍ لَهُمْ قالُوا يا مُوسَى اجْعَلْ لَنا إِلهاً كَما لَهُمْ آلِهَةٌ قالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ ثم ورث بنو إسرائيل ديارهم و أموالهم فكان الرجل يدور على دور كثيرة و يدور على النساء
15- فس، ]تفسير القمي[ وَ قالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِ فِرْعَوْنَ أَ تَذَرُ مُوسى وَ قَوْمَهُ لِيُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَ يَذَرَكَ وَ آلِهَتَكَ قال كان فرعون يعبد الأصنام ثم ادعى بعد ذلك الربوبية فقال فرعون سَنُقَتِّلُ أَبْناءَهُمْ وَ نَسْتَحْيِي نِساءَهُمْ وَ إِنَّا فَوْقَهُمْ قاهِرُونَ قوله قالُوا أُوذِينا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَأْتِيَنا وَ مِنْ بَعْدِ ما جِئْتَنا قال قال الذين آمنوا لموسى قد أوذينا قبل مجيئك يا موسى بقتل أولادنا و من بعد ما جئتنا لما حبسهم فرعون لإيمانهم بموسى فقال موسى عَسى رَبُّكُمْ أَنْ يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ وَ يَسْتَخْلِفَكُمْ فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ و معنى ينظر أي يرى كيف تعملون فوضع النظر مكان الرؤية و قوله وَ لَقَدْ أَخَذْنا آلَ فِرْعَوْنَ بِالسِّنِينَ وَ نَقْصٍ مِنَ الثَّمَراتِ يعني السنين الجدبة لما أنزل الله عليهم الطوفان و الجراد و القمل و الضفادع و الدم و أما قوله فَإِذا جاءَتْهُمُ الْحَسَنَةُ قالُوا لَنا هذِهِ قال الحسنة هاهنا الصحة و السلامة و الأمن و السعة وَ إِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ قال السيئة هاهنا الجوع و الخوف و المرض يَطَّيَّرُوا بِمُوسى وَ مَنْ مَعَهُ أي يتشأموا بموسى و من معه و أما قوله وَ قالُوا مَهْما تَأْتِنا بِهِ مِنْ آيَةٍ لِتَسْحَرَنا بِها فَما نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ إلى قوله فَاسْتَكْبَرُوا وَ كانُوا قَوْماً مُجْرِمِينَ فإنه لما سجد السحرة و آمن به الناس قال هامان لفرعون إن الناس قد آمنوا بموسى فانظر من دخل في دينه فاحبسه فحبس كل من آمن به من بني إسرائيل فجاء إليه موسى فقال له خل عن بني إسرائيل فلم يفعل فأنزل الله عليهم في تلك السنة الطوفان فخرب دورهم و مساكنهم حتى خرجوا إلى البرية و ضربوا فيها الخيام فقال فرعون لموسى ادع ربك حتى يكف عنا الطوفان حتى أخلي عن بني إسرائيل و أصحابك فدعا موسى ربه فكف عنهم الطوفان و هم فرعون أن يخلي عن بني إسرائيل فقال له هامان إن خليت عن بني إسرائيل غلبك موسى و أزال ملك فقبل منه و لم يخل عن بني إسرائيل فأنزل الله عليهم في السنة الثانية الجراد فجردت كل شيء كان لهم من النبت و الشجر حتى كانت تجرد شعرهم و لحيتهم فجزع فرعون من ذلك جزعا شديدا و قال يا موسى ادع ربك أن يكف الجراد عنا حتى أخلي عن بني إسرائيل و أصحابك فدعا موسى ربه فكف عنهم الجراد فلم يدعه هامان أن يخلي عن بني إسرائيل فأنزل الله عليهم في السنة الثالثة القمل فذهبت زروعهم و أصابتهم المجاعة فقال فرعون لموسى إن رفعت عنا القمل كففت عن بني إسرائيل فدعا موسى ربه حتى ذهب القمل و قال أول ما خلق الله القمل في ذلك الزمان فلم يخل عن بني إسرائيل فأرسل الله عليهم بعد ذلك الضفادع فكانت تكون في طعامهم و شرابهم و يقال إنها كانت تخرج من أدبارهم و آذانهم و آنافهم فجزعوا من ذلك جزعا شديدا فجاءوا إلى موسى فقالوا ادع الله أن يذهب عنا الضفادع فإنا نؤمن بك و نرسل معك بني إسرائيل فدعا موسى ربه فرفع الله عنهم ذلك فلما أبوا أن يخلوا عن بني إسرائيل حول الله ماء النيل دما فكان القبطي يراه دما و الإسرائيلي يراه ماء فإذا شربه الإسرائيلي كان ماء و إذا شربه القبطي كان دما فكان القبطي يقول للإسرائيلي خذ الماء في فمك و صبه في فمي فكان إذا صبه في فم القبطي تحول دما فجزعوا من ذلك جزعا شديدا فقالوا لموسى لئن رفع الله عنا الدم لنرسلن معك بني إسرائيل فلما رفع الله عنهم الدم غدروا و لم يخلوا عن بني إسرائيل فأرسل الله عليهم الرجز و هو الثلج و لم يروه قبل ذلك فماتوا فيه و جزعوا و أصابهم ما لم يعهدوه قبله ف قالُوا يا مُوسَى ادْعُ لَنا رَبَّكَ بِما عَهِدَ عِنْدَكَ لَئِنْ كَشَفْتَ عَنَّا الرِّجْزَ لَنُؤْمِنَنَّ لَكَ وَ لَنُرْسِلَنَّ مَعَكَ بَنِي إِسْرائِيلَ فدعا ربه فكشف عنهم الثلج فخلى عن بني إسرائيل فلما خلي عنهم اجتمعوا إلى موسى ع و خرج موسى من مصر و اجتمع عليه من كان هرب من فرعون و بلغ فرعون ذلك فقال له هامان قد نهيتك أن تخلي عن بني إسرائيل فقد اجتمعوا إليه فجزع فرعون و بعث في المدائن حاشرين و خرج في طلب موسى قوله وَ أَوْرَثْنَا الْقَوْمَ الَّذِينَ كانُوا يُسْتَضْعَفُونَ يعني بني إسرائيل لما أهلك الله فرعون ورثوا الأرض و ما كان لفرعون قوله وَ تَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ يعني الرحمة بموسى تمت لهم قوله وَ ما كانُوا يَعْرِشُونَ يعني المصانع و العريش و القصور
بيان قوله تعالى وَ آلِهَتَكَ قيل كان فرعون يستعبد الناس و يعبد الأصنام بنفسه و كان الناس يعبدونها تقربا إليه و قيل كان يعبد ما يستحسن من البقر و روي أنه كان يأمرهم أيضا بعبادة البقر و لذلك أخرج السامري لهم عجلا و قيل كانت لهم أصنام يعبدها قومه تقربا إليه و قرئ و إلهتك على فعالة روي عن علي ع و ابن عباس و ابن مسعود و أنس و علقمة و غيرهم فالإلهة بمعنى الربوبية أو العبادة. قوله تعالى فَأَرْسَلْنا عَلَيْهِمُ الطُّوفانَ اختلف فيه فقيل هو الماء الخارج عن العادة و قيل هو الموت الذريع و قيل هو الطاعون بلغة اليمن أرسل الله ذلك على أبكار آل فرعون في ليلة فلم يبق منهن إنسان و لا دابة و قيل هو الجدري و هم أول من عذبوا به فبقي في الأرض و قيل هو أمر من أمر الله طاف بهم. و اختلف في القمل أيضا فقيل هو صغار الجراد التي لا أجنحة لها و قيل صغار الذر و قيل شيء يشبه الحلم لا يأكل أكل الجراد خبيث الرائحة و قيل دواب سود صغار كالقردان و قيل هو السوس الذي يخرج من الحنطة و قيل قمل الناس. و أما الرجز فقيل هو العذاب و هو ما نزل بهم من الطوفان و غيره و قيل هو الطاعون مات به من القبط سبعون ألف إنسان. و قال الطبرسي رحمه الله
روي عن أبي عبد الله ع أنه أصابهم ثلج أحمر و لم يره قبل ذلك فماتوا فيه و جزعوا و أصابهم ما لم يعهدوه قبله
16- ص، ]قصص الأنبياء عليهم السلام[ فِي تِسْعِ آياتٍ موسى لما اجتمع رأي فرعون أن يكيد موسى فأول ما كاده به عمل الصرح فأمر هامان ببنائه حتى اجتمع فيه خمسون ألف بناء سوى من يطبخ الآجر و ينجر الخشب و الأبواب و يضرب المسامير حتى رفع بنيانا لم يكن مثله منذ خلق الله الدنيا و كان أساسه على جبل فزلزله الله تعالى فانهدم على عماله و أهله و كل من كان عمل فيه من القهارمة و العمال فقال فرعون لموسى ع إنك تزعم أن ربك عدل لا يجور أ فعدله الذي أمر فاعتزل الآن إلى عسكرك فإن الناس لحقوا بالجبال و الرمال فإذا اجتمعوا تسمعهم رسالة ربك فأوحى الله تعالى إلى موسى ع أخره و دعه فإنه يريد أن يجند لك الجنود فيقاتلك و اضرب بينك و بينه أجلا و أبرز إلى معسكرك يأمنوا بأمانك ثم ابنوا بنيانا وَ اجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ قِبْلَةً فضرب موسى بينه و بين فرعون أربعين ليلة فأوحى إلى موسى أنه يجمع لك الجموع فلا يهولنك شأنه فإني أكفيك كيده فخرج موسى ع من عند فرعون و العصا معه على حالها حية تتبعه و تنعق و تدور حوله و الناس ينظرون إليه متعجبين و قد ملئوا رعبا حتى دخل موسى عسكره و أخذ برأسها فإذا هي عصا و جمع قومه و بنوا مسجدا فلما مضى الأجل الذي كان بين موسى و فرعون أوحى الله تعالى إلى موسى ع أن اضرب بعصاك النيل و كانوا يشربون منه فضربه فتحول دما عبيطا فإذا ورده بنو إسرائيل استقوا ماء صافيا و إذا ورده آل فرعون اختضبت أيديهم و أسقيتهم بالدم فجهدهم العطش حتى أن المرأة من قوم فرعون تستقي من نساء بني إسرائيل فإذا سكبت الماء لفرعونية تحول دما فلبثوا في ذلك أربعين ليلة و أشرفوا على الموت و استغاث فرعون و آله بمضغ الرطبة فصير ماؤها مالحا فبعث فرعون إلى موسى ادع لنا ربك يعيد لنا هذا الماء صافيا فضرب موسى بالعصا النيل فصار ماء خالصا هذا قصة الدم و أما قصة الضفادع فإنه تعالى أوحى إلى موسى أن يقوم على شفير النيل حتى يخرج كل ضفدع خلقه الله تعالى من ذلك الماء فأقبلت تدب سراعا تؤم أبواب المدينة فدخلت فيها حتى ملأت كل شيء فلم يبق دار و لا بيت و لا إناء إلا امتلأت ضفادع و لا طعام و لا شراب إلا فيه ضفادع حتى غمهم ذلك و كادوا يموتون فطلب فرعون إلى موسى أن يدعو ربه ليكشف البلاء و اعتذر إليه من الخلف فأوحى الله تعالى إلى موسى أن أسعفه فأناف موسى بالعصا فلحق جميع الضفادع بالنيل
و أما قصة الجراد و القمل فإنه تعالى أوحى إلى موسى أن ينطلق إلى ناحية من الأرض و يشير بالعصا نحو المشرق و أخرى نحو المغرب فانبثق الجراد من الأفقين جميعا فجاء مثل الغمام الأسود و ذلك في زمان الحصاد فملأ كل شيء و عم الزرع فأكله و أكل خشب البيوت و أبوابها و مسامير الحديد و الأقفال و السلاسل و نكت موسى الأرض بالعصا فامتلأت قملا فصار وجه الأرض أسود و أحمر حتى ملئت ثيابهم و لحفهم و آنيتهم فتجيء متواصلة و تجيء من رأس الرجل و لحيته و تأكل كل شيء فلما رأوا الذي نزل من البلاء اجتمعوا إلى فرعون و قالوا ليس من بلاء إلا و يمكن الصبر عليه إلا الجوع فإنه بلاء فاضح لا صبر لأحد عليه ما أنت صانع فأرسل فرعون إلى موسى ع يخبره أنه لم يجتمع له أمره الذي أراد فأوحى الله تعالى إلى موسى أن لا يدع له حجة و أن ينظره فأشار بعصاه فانقشع الجراد و القمل من وجه الأرض و أما الطمس فإن موسى لما رأى آل فرعون لا يزيدون إلا كفرا دعا موسى عليهم فقال رَبَّنا إِنَّكَ آتَيْتَ فِرْعَوْنَ وَ مَلَأَهُ زِينَةً وَ أَمْوالًا فِي الْحَياةِ الدُّنْيا... رَبَّنَا اطْمِسْ عَلى أَمْوالِهِمْ فطمس الله أموالهم حجارة فلم يبق لهم شيئا مما خلق الله تعالى يملكونه لا حنطة و لا شعيرا و لا ثوبا و لا سلاحا و لا شيئا من الأشياء إلا صار حجارة و أما الطاعون فإنه أوحى الله تعالى إلى موسى ع أني مرسل على أبكار آل فرعون في هذه الليلة الطاعون فلا يبقى بآل فرعون من إنسان و لا دابة إلا قتله فبشر موسى قومه بذلك فانطلقت العيون إلى فرعون بالخبر فلما بلغه الخبر قال لقومه قولوا لبني إسرائيل إذا أمسيتم فقدموا أبكاركم و قدموا أنتم أبكاركم و أقرنوا كل بكرين في سلسلة فإن الموت يطرقهم ليلا فإذا وجدهم مختلطين لم يدر بأيهم يبطش ففعلوا فلما جنهم الليل أرسل الله تعالى الطاعون فلم يبق منهم إنسانا و لا دابة إلا قتله فأصبح أبكار آل فرعون جيفا و أبكار بني إسرائيل أحياء سالمين فمات منهم ثمانون ألفا سوى الدواب و كان لفرعون من أثاث الدنيا و زهرتها و زينتها و من الحلي و الحلل ما لا يعلمه إلا الله تعالى فأوحى الله جلت عظمته إلى موسى ع أني مورث بني إسرائيل ما في أيدي آل فرعون فقل ليستعيروا منهم الحلي و الزينة فإنهم لا يمتنعون من خوف البلاء و أعطى فرعون جميع زينة أهله و ولده و ما كان في خزائنه فأوحى الله تعالى إلى موسى بالمسير بجميع ذلك حتى كان من الغرق بفرعون و قومه ما كان
إيضاح قال الطبرسي رحمه الله في قوله تعالى وَ اجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ قِبْلَةً اختلف في ذلك فقيل لما دخل موسى مصر بعد ما أهلك الله فرعون أمروا باتخاذ مساجد يذكر فيها اسم الله و أن يجعلوا مساجدهم نحو القبلة أي الكعبة و كانت قبلتهم إلى الكعبة و قيل إن فرعون أمر بتخريب مساجد بني إسرائيل و منعهم من الصلاة فأمروا أن يتخذوا مساجد في بيوتهم يصلون فيها خوفا من فرعون و قيل معناه اجعلوا بيوتكم يقابل بعضها بعضا انتهى. أقول ما في القصص يحتمل كلا من الوجهين الأخيرين و أن يكون المعنى كون بيوتهم محاذية للكعبة و أناف على الشيء أشرف و المراد الإشارة بالعصا و انقشع تفرق
17- فس، ]تفسير القمي[ محمد بن جعفر عن جعفر بن محمد بن مالك عن عباد بن يعقوب عن محمد بن يعقوب عن جعفر الأحول عن منصور عن أبي إبراهيم ع قال لما خافت بنو إسرائيل جبابرتها أوحى الله إلى موسى و هارون ع أَنْ تَبَوَّءا لِقَوْمِكُما بِمِصْرَ بُيُوتاً وَ اجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ قِبْلَةً قال أمروا أن يصلوا في بيوتهم
18- فس، ]تفسير القمي[ في رواية أبي الجارود عن أبي جعفر ع في قوله وَ جاوَزْنا بِبَنِي إِسْرائِيلَ الْبَحْرَ فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ وَ جُنُودُهُ بَغْياً وَ عَدْواً إلى قوله وَ أَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ فإن بني إسرائيل قالوا يا موسى ادع الله أن يجعل لنا مما نحن فيه فرجا فدعا فأوحى الله إليه أن أسر بهم قال يا رب البحر أمامهم قال امض فإني آمره أن يعطيك و ينفرج لك فخرج موسى ببني إسرائيل و اتبعهم فرعون حتى إذا كاد أن يلحقهم و نظروا إليه قد أظلهم قال موسى للبحر انفرج لي قال ما كنت لأفعل و قال بنو إسرائيل لموسى ع غررتنا و أهلكتنا فليتك تركتنا يستعبدنا آل فرعون و لم نخرج الآن نقتل قتلة قالَ كَلَّا إِنَّ مَعِي رَبِّي سَيَهْدِينِ و اشتد على موسى ما كان يصنع به عامة قومه و قالوا يا موسى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ زعمت أن البحر ينفرج لنا حتى نمضي و نذهب و قد رهقنا فرعون و قومه هم هؤلاء نراهم قد دنوا منا فدعا موسى ربه فأوحى الله إليه أَنِ اضْرِبْ بِعَصاكَ الْبَحْرَ فضربه فانفلق البحر فمضى موسى و أصحابه حتى قطعوا البحر و أدركهم آل فرعون فلما نزلوا إلى البحر قالوا لفرعون ما تعجب مما ترى قال أنا فعلت فمروا و امضوا فيه فلما توسط فرعون و من معه أمر الله البحر فأطبق عليهم فغرقهم أجمعين فلما أدرك فرعون الغرق قال آمَنْتُ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُوا إِسْرائِيلَ وَ أَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ يقول الله عز و جل آلْآنَ وَ قَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَ كُنْتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ يقول كنت من العاصين فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ قال إن قوم فرعون ذهبوا أجمعين في البحر فلم ير منهم أحد هووا في البحر إلى النار و أما فرعون فنبذه الله وحده فألقاه بالساحل لينظروا إليه و ليعرفوه ليكون لمن خلفه آية و لئلا يشك أحد في هلاكه و إنهم كانوا اتخذوه ربا فأراهم الله إياه جيفة ملقاة بالساحل ليكون لمن خلفه عبرة و عظة يقول الله وَ إِنَّ كَثِيراً مِنَ النَّاسِ عَنْ آياتِنا لَغافِلُونَ
و قال علي بن إبراهيم و قال الصادق ع ما أتى جبرئيل رسول الله إلا كئيبا حزينا و لم يزل كذلك منذ أهلك الله فرعون فلما أمر الله بنزول هذه الآية آلْآنَ وَ قَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَ كُنْتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ نزل عليه و هو ضاحك مستبشر فقال له رسول الله ما أتيتني يا جبرئيل إلا و تبينت الحزن في وجهك حتى الساعة قال نعم يا محمد لما غرق الله فرعون قالَ آمَنْتُ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُوا إِسْرائِيلَ وَ أَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ فأخذت حمأة فوضعتها في فيه ثم قلت له آلْآنَ وَ قَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَ كُنْتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ و عملت ذلك من غير أمر الله خفت أن يلحقه الرحمة من الله و يعذبني على ما فعلت فلما كان الآن و أمرني الله أن أؤدي إليك ما قلته أنا لفرعون أمنت و علمت أن ذلك كان لله رضا قوله فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ فإن موسى ع أخبر بني إسرائيل إن الله قد غرق فرعون فلم يصدقوه فأمر الله البحر فلفظ به على ساحل البحر حتى رأوه ميتا
19- طب، ]طب الأئمة عليهم السلام[ عبد الله بن بسطام عن إبراهيم بن النضر من ولد ميثم التمار عن الأئمة ع أنهم وصفوا هذا الدواء لأوليائهم و هو الدواء الذي يسمى الشافية و ساق الحديث إلى أن قال نزل به جبرئيل ع على موسى بن عمران ع حين أراد فرعون أن يسم بني إسرائيل فجعل لهم عيدا في يوم الأحد و قد تهيأ فرعون و اتخذ لهم طعاما كثيرا و نصب موائد كثيرة و جعل السم في الأطعمة و خرج موسى ع ببني إسرائيل و هم ستمائة ألف فوقف لهم موسى ع عند المضيف فرد النساء و الولدان و أوصى بني إسرائيل فقال لا تأكلوا من طعامهم و لا تشربوا من شرابهم حتى أعود إليكم ثم أقبل على الناس يسقيهم من هذا الدواء مقدار ما تحمله رأس الإبرة و علم أنهم يخالفون أمره و يقعون في طعام فرعون ثم زحف و زحفوا معه فلما نظروا إلى نصب الموائد أسرعوا إلى الطعام و وضعوا أيديهم فيه و من قبل نادى فرعون موسى و هارون و يوشع بن نون و من كل خيار بني إسرائيل و وجههم إلى مائدة لهم خاصة و قال إني عزمت على نفسي أن لا يلي خدمتكم و بركم غيري أو كبراء أهل مملكتي فأكلوا حتى تملوا من الطعام و جعل فرعون يعيد السم مرة بعد أخرى فلما فرغوا من الطعام خرج موسى ع و أصحابه و قال لفرعون إنا تركنا النساء و الصبيان خلفنا و إنا ننتظرهم قال فرعون إذا يعاد لهم الطعام و نكرمهم كما أكرمنا من معك فتوافوا و أطعمهم كما أطعم أصحابهم و خرج موسى ع إلى العسكر فأقبل فرعون على أصحابه و قال لهم زعمتم أن موسى و هارون سحرا بنا و أريانا بالسحر أنهم يأكلون من طعامنا و لم يأكلوا من طعامنا شيئا و قد خرجا و ذهب السحر فأجمعوا من قدرتم عليه على الطعام الباقي يومهم هذا و من الغد لكيلا يتفانوا ففعلوا و قد كان أمر فرعون أن يتخذ لأصحابه خاصة طعام لا سم فيه فجمعهم عليه فمنهم من أكل و منهم من ترك فكل من طعم من طعامه تفسخ فهلك من أصحاب فرعون سبعون ألف ذكر و مائة و ستون ألف أنثى سوى الدواب و الكلاب و غير ذلك فتعجب هو و أصحابه
أقول سيأتي تمام الخبر مع وصف الدواء في كتاب السماء و العالم
20- فس، ]تفسير القمي[ أَ وَ مَنْ يُنَشَّؤُا فِي الْحِلْيَةِ أي ينشأ في الذهب وَ هُوَ فِي الْخِصامِ غَيْرُ مُبِينٍ قال إن موسى أعطاه الله من القوة أن رأى فرعون صورته على فرس من ذهب رطب عليه ثياب من ذهب رطب فقال فرعون أَ وَ مَنْ يُنَشَّؤُا فِي الْحِلْيَةِ أي ينشأ بالذهب وَ هُوَ فِي الْخِصامِ غَيْرُ مُبِينٍ قال لا يبين الكلام و لا يتبين من الناس و لو كان نبيا لكان خلاف الناس
بيان المشهور بين المفسرين أن المعنى أو اجعلوا مَنْ يُنَشَّؤُا فِي الْحِلْيَةِ أي في زينة النساء لله عز و جل يعني البنات وَ هُوَ فِي الْخِصامِ يعني المخاصمة غَيْرُ مُبِينٍ للحجة أي لا يمكنها أن تبين الحجة عند الخصومة لضعفها و سفهها و قيل معناه أو يعبدون من ينشأ في الحلية و لا يمكنه أن ينطق بحجته و يعجز عن الجواب و هم الأصنام فإنهم كانوا يحلونها بالحلي و إنما قال و هو حملا على لفظ من و أما ما ذكره علي بن إبراهيم فلا يخفى بعده عن سياق الآية لأنها محفوفة بالآيات المشتملة على ذكر من جعل لله البنات و لو كان خبرا فلعل في قرآنهم ع كانت بين الآيات المسوقة لذكر قصص موسى ع أو يكون القول مقدرا و تكون هاهنا معترضة لمشابهة قوله لقول هؤلاء في معارضة الحق و معاندة أهل الدين
21- فس، ]تفسير القمي[ أبي عن ابن فضال عن أبان بن عثمان عن أبي عبد الله ع قال لما بعث الله موسى إلى فرعون أتى بابه فاستأذن عليه و لم يؤذن له فضرب بعصاه الباب فاصطكت الأبواب مفتحة ثم دخل على فرعون فأخبره أنه رسول من رب العالمين و سأله أن يرسل معه بني إسرائيل فقال له فرعون كما حكى الله أَ لَمْ نُرَبِّكَ فِينا وَلِيداً وَ لَبِثْتَ فِينا مِنْ عُمُرِكَ سِنِينَ وَ فَعَلْتَ فَعْلَتَكَ الَّتِي فَعَلْتَ أي قتلت الرجل وَ أَنْتَ مِنَ الْكافِرِينَ يعني كفرت نعمتي فقال موسى كما حكى الله فَعَلْتُها إِذاً وَ أَنَا مِنَ الضَّالِّينَ فَفَرَرْتُ مِنْكُمْ إلى قوله أَنْ عَبَّدْتَ بَنِي إِسْرائِيلَ فقال فرعون وَ ما رَبُّ الْعالَمِينَ و إنما سأله عن كيفية الله فقال موسى رَبُّ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ وَ ما بَيْنَهُمَا إِنْ كُنْتُمْ مُوقِنِينَ فقال فرعون متعجبا لأصحابه أَ لا تَسْتَمِعُونَ أسأله عن الكيفية فيجيبني عن الخلق فقال موسى رَبُّكُمْ وَ رَبُّ آبائِكُمُ الْأَوَّلِينَ ثم قال لموسى لَئِنِ اتَّخَذْتَ إِلهَاً غَيْرِي لَأَجْعَلَنَّكَ مِنَ الْمَسْجُونِينَ قالَ موسى أَ وَ لَوْ جِئْتُكَ بِشَيْءٍ مُبِينٍ قالَ فرعون فَأْتِ بِهِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ فَأَلْقى عَصاهُ فَإِذا هِيَ ثُعْبانٌ مُبِينٌ فلم يبق أحد من جلساء فرعون إلا هرب و دخل فرعون من الرعب ما لم يملك نفسه فقال فرعون يا موسى أنشدك الله و الرضاع إلا ما كففتها عني فكفها ثم نَزَعَ يَدَهُ فَإِذا هِيَ بَيْضاءُ لِلنَّاظِرِينَ فلما أخذ موسى العصا رجعت إلى فرعون نفسه و هم بتصديقه فقام إليه هامان فقال له بينما أنت إله تعبد إذ صرت تابعا لعبد ثم قال فرعون للملإ الذي حوله إِنَّ هذا لَساحِرٌ عَلِيمٌ يُرِيدُ أَنْ يُخْرِجَكُمْ مِنْ أَرْضِكُمْ بِسِحْرِهِ فَما ذا تَأْمُرُونَ إلى قولهلِمِيقاتِ يَوْمٍ مَعْلُومٍ و كان فرعون و هامان قد تعلما السحر و إنما غلبا الناس بالسحر و ادعى فرعون الربوبية بالسحر فلما أصبح بعث في المدائن حاشرين مدائن مصر كلها و جمعوا ألف ساحر و اختاروا من الألف مائة و من المائة ثمانين فقال السحرة لفرعون قد علمت أنه ليس في الدنيا أسحر منا فإن غلبنا موسى فما يكون لنا عندك قال إِنَّكُمْ إِذاً لَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ عندي أشارككم في ملكي قالوا فإن غلبنا موسى و أبطل سحرنا علمنا أن ما جاء به ليس من قبل السحر و لا من قبل الحيلة آمنا به و صدقنا فقال فرعون إن غلبكم موسى صدقته أنا أيضا معكم و لكن أجمعوا كيدكم أي حيلتكم قال و كان موعدهم يوم عيد لهم فلما ارتفع النهار من ذلك اليوم و جمع فرعون الخلق و السحرة و كانت له قبة طولها في السماء ثمانون ذراعا و قد كانت لبست الحديد الفولاد و كانت إذا وقعت الشمس عليها لم يقدر أحد أن ينظر إليها من لمع الحديد و وهج الشمس و جاء فرعون و هامان و قعدا عليها ينظران و أقبل موسى ينظر إلى السماء فقالت السحرة لفرعون إنا نرى رجلا ينظر إلى السماء و لم يبلغ سحرنا السماء و ضمنت السحرة من في الأرض فقالوا لموسى إِمَّا أَنْ تُلْقِيَ وَ إِمَّا أَنْ نَكُونَ نَحْنُ الْمُلْقِينَ قالَ لَهُمْ مُوسى أَلْقُوا ما أَنْتُمْ مُلْقُونَ فَأَلْقَوْا حِبالَهُمْ وَ عِصِيَّهُمْ فأقبلت تضطرب مثل الحيات و هاجت فقالوا بِعِزَّةِ فِرْعَوْنَ إِنَّا لَنَحْنُ الْغالِبُونَ فَأَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً مُوسى فنودي لا تَخَفْ إِنَّكَ أَنْتَ الْأَعْلى وَ أَلْقِ ما فِي يَمِينِكَ تَلْقَفْ ما صَنَعُوا إِنَّما صَنَعُوا كَيْدُ ساحِرٍ وَ لا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتى فألقى موسى العصا فذابت في الأرض مثل الرصاص ثم طلع رأسها و فتحت فاها و وضعت شدقها العليا على رأس قبة فرعون ثم دارت و التقمت عصى السحرة و حبالها و غلب كلهم و انهزم الناس حين رأوها و عظمها و هولها مما لم تر العين و لا وصف الواصفون مثله قبل فقتل في الهزيمة من وطء الناس بعضهم بعضا عشرة آلاف رجل و امرأة و صبي و درأت على قبة فرعون قال فأحدث فرعون و هامان في ثيابهما و شاب رأسهما و غشي عليهما من الفزع و مر موسى في الهزيمة مع الناس فناداه الله خُذْها وَ لا تَخَفْ سَنُعِيدُها سِيرَتَهَا الْأُولى فرجع موسى و لف على يده عباءة كانت عليه ثم أدخل يده في فمها فإذا هي عصا كما كانت و كان كما قال الله فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ ساجِدِينَ لما رأوا ذلك قالُوا آمَنَّا بِرَبِّ الْعالَمِينَ رَبِّ مُوسى وَ هارُونَ
فغضب فرعون عند ذلك غضبا شديدا و قالَ آمَنْتُمْ لَهُ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ يعني موسى الَّذِي عَلَّمَكُمُ السِّحْرَ فَلَسَوْفَ تَعْلَمُونَ لَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَ أَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلافٍ ثم لَأُصَلِّبَنَّكُمْ أَجْمَعِينَ فقالوا له كما حكى الله عز و جل لا ضَيْرَ إِنَّا إِلى رَبِّنا مُنْقَلِبُونَ إِنَّا نَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لَنا رَبُّنا خَطايانا أَنْ كُنَّا أَوَّلَ الْمُؤْمِنِينَ فحبس فرعون من آمن بموسى في السجن حتى أنزل الله عَلَيْهِمُ الطُّوفانَ وَ الْجَرادَ وَ الْقُمَّلَ وَ الضَّفادِعَ وَ الدَّمَ فأطلق عنهم فأوحى الله إلى موسى أَنْ أَسْرِ بِعِبادِي إِنَّكُمْ مُتَّبَعُونَ فخرج موسى ببني إسرائيل ليقطع بهم البحر و جمع فرعون أصحابه و بعث في المدائن حاشرين و حشر الناس و قدم مقدمته في ستمائة ألف و ركب هو في ألف ألف و خرج كما حكى الله عز و جل فَأَخْرَجْناهُمْ مِنْ جَنَّاتٍ وَ عُيُونٍ وَ كُنُوزٍ وَ مَقامٍ كَرِيمٍ كَذلِكَ وَ أَوْرَثْناها بَنِي إِسْرائِيلَ فَأَتْبَعُوهُمْ مُشْرِقِينَ فلما قرب موسى من البحر و قرب فرعون من موسى قالَ أَصْحابُ مُوسى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ ف قالَ موسى كَلَّا إِنَّ مَعِي رَبِّي سَيَهْدِينِ أي سينجين فدنا موسى ع من البحر فقال له انفرق فقال له البحر استكبرت يا موسى أن أنفرق لك و لم أعص الله طرفة عين و قد كان فيكم المعاصي فقال له موسى فاحذر أن تعصي و قد علمت أن آدم أخرج من الجنة بمعصية و إنما لعن إبليس بمعصية فقال البحر عظيم ربي مطاع أمره و لا ينبغي لشيء أن يعصيه فقام يوشع بن نون فقال لموسى يا رسول الله ما أمرك ربك فقال بعبور البحر فأقحم يوشع فرسه الماء و أوحى الله إلى موسى أَنِ اضْرِبْ بِعَصاكَ الْبَحْرَ فضربه فَانْفَلَقَ فَكانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ أي كالجبل العظيم فضرب له في البحر اثنا عشر طريقا فأخذ كل سبط في طريق فكان الماء قد ارتفع و بقيت الأرض يابسة طلعت فيها الشمس فيبست كما حكى الله عز و جل فَاضْرِبْ لَهُمْ طَرِيقاً فِي الْبَحْرِ يَبَساً لا تَخافُ دَرَكاً وَ لا تَخْشى و دخل موسى و أصحابه البحر و كان أصحابه اثني عشر سبطا فضرب الله لهم في البحر اثني عشر طريقا فأخذ كل سبط في طريق و كان الماء قد ارتفع على رءوسهم مثل الجبال فجزعت الفرقة التي كانت مع موسى في طريقه فقالوا يا موسى أين إخواننا فقال لهم معكم في البحر فلم يصدقوه فأمر الله البحر فصارت طاقات حتى كان ينظر بعضهم إلى بعض و يتحدثون و أقبل فرعون و جنوده فلما انتهى إلى البحر قال لأصحابه أ لا تعلمون أني ربكم الأعلى قد فرج لي البحر فلم يجسر أحد أن يدخل البحر و امتنعت الخيل منه لهول الماء فتقحم فرعون حتى جاء إلى ساحل البحر فقال له منجمه لا تدخل البحر و عارضه فلم يقبل منه و أقبل على فرس حصان فامتنع الفرس أن يدخل الماء فعطف عليه جبرئيل و هو على ماديانة فتقدمه و دخل فنظر الفرس إلى الرمكة فطلبها و دخل البحر و اقتحم أصحابه خلفه فلما دخلوا كلهم حتى كان آخر من دخل من أصحابه و آخر من خرج من أصحاب موسى أمر الله الرياح فضربت البحر بعضه ببعض فأقبل الماء يقع عليهم مثل الجبال فقال فرعون عند ذلك آمَنْتُ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُوا إِسْرائِيلَ وَ أَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ فأخذ جبرئيل كفا من حمأة فدسها في فيه ثم قال آلْآنَ وَ قَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَ كُنْتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ
بيان قال الرازي في قوله وَ ما رَبُّ الْعالَمِينَ اعلم أن السؤال بما لطلب الحقيقة و تعريف حقيقة الشيء إما أن يكون بنفس تلك الحقيقة أو بشيء منها أو بأمر خارج عنها أو بما يتركب من الداخل و الخارج و الأول محال لأنه يلزم أن يكون المعرف معلوما قبل أن يكون معلوما و الثاني مستلزم لتركبه تعالى و هو محال فثبت أنه لا يمكن تعريفه تعالى إلا بلوازمه و آثاره و أظهر آثار واجب الوجود هو هذا العالم المحسوس و هو السماوات و الأرض و ما بينهما فلذا قال موسى ع رَبُّ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ وَ ما بَيْنَهُمَا. و أما قوله إِنْ كُنْتُمْ مُوقِنِينَ فمعناه إن كنتم موقنين باستناد هذه المحسوسات إلى موجود واجب الوجود فاعرفوا أنه لا يمكن تعريفه إلا بما ذكرته لأنكم لما سلمتم انتهاء هذه المحسوسات إلى واجب لذاته و ثبت أنه فرد مطلق و ثبت أن الفرد المطلق لا يمكن تعريفه إلا بآثاره و ثبت أن تلك الآثار لا بد و أن تكون أظهر آثاره و ما ذاك إلا السماوات و الأرض و ما بينهما فإن أيقنتم لزمكم أن تقطعوا بأنه لا جواب عن ذلك السؤال إلا هذا فقال فرعون على سبيل التعجب من جواب موسى أَ لا تَسْتَمِعُونَ أنا أطلب منه الماهية و هو يجيبني بالفاعلية و المؤثرية فأجاب موسى ع بأن قال رَبُّكُمْ وَ رَبُّ آبائِكُمُ الْأَوَّلِينَ و كأنه ع عدل عن التعريف السابق لأنه لا يمتنع أن يعتقد أحد أن السماوات و الأرضين واجبة لذواتها و لا يمكن أن يعتقد العاقل في نفسه و آبائه و أجداده كونهم واجبة لذواتهم لأن المشاهدة دلت على أنهم وجدوا بعد العدم و ما كان كذلك استحال أن يكون واجبا لذاته فقال فرعون إِنَّ رَسُولَكُمُ الَّذِي أُرْسِلَ إِلَيْكُمْ لَمَجْنُونٌ يعني المقصود من سؤال ما طلب خصوصية الحقيقة و التعريف بهذه الآثار الخارجة لا تفيد البتة تلك الخصوصية فهذا الذي يدعي الرسالة مجنون فقال موسى رَبُّ الْمَشْرِقِ وَ الْمَغْرِبِ وَ ما بَيْنَهُما إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ فعدل إلى طريق ثالث أوضح لأنه أراد بالمشرق طلوع الشمس و ظهور النهار و بالمغرب غروب الشمس و زوال النهار و الأمر ظاهر في أن هذا التدبير المستمر لا يتم إلا بتدبير مدبر فإن كنت من العقلاء عرفت أنه لا جواب عن سؤالك إلا ما ذكرته انتهى ملخص كلامه. أقول لعل الأظهر أنه لم يكن سؤاله عن طلب الماهية و الحقيقة بل على وجه الاستبعاد من وجود إله غيره فاستدل ع على وجوده تعالى بالسماوات و الأرض و ما بينهما ثم أظهر الاستبعاد عن كون السماوات و الأرض محتاجة إلى الصانع بل هي واجبة متحركة بذواتها كما هو مذهب الدهرية أو أنه كان يخيل أنه رب السماوات و الأرض فاستدل ع ثانيا بخلق أنفسهم فنسبه إلى الجنون سفها و مكابرة و معاندة كما كان دأب جميع كفرة الأمم حيث كانوا ينسبون أنبياءهم بعد إتمام الحجج عليهم إلى الجنون. ثم استدل ع بحركات الأفلاك و اختلاف الليل و النهار فلما رأى فرعون أنه يظهر الرب لقومه بآثاره عدل عن الاحتجاج إلى التهديد و الوعيد فقال موسى أَ وَ لَوْ جِئْتُكَ بِشَيْءٍ مُبِينٍ أي أ تفعل ذلك و لو جئتك بشيء يبين صدق دعواي يعني المعجزة قوله لا ضَيْرَ أي لا ضرر علينا في ذلك قوله أَنْ كُنَّا أي بأن كنا قوله مُشْرِقِينَ أي داخلين في وقت شروق الشمس و الحصان بالكسر الفرس الذكر الأصيل و يسمى كل ذكر من الخيل حصانا و الرمكة محركة الفرس و البرذونة تتخذ للنتاج
22- فس، ]تفسير القمي[ وَ قالَ فِرْعَوْنُ يا أَيُّهَا الْمَلَأُ ما عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرِي فَأَوْقِدْ لِي يا هامانُ عَلَى الطِّينِ فَاجْعَلْ لِي صَرْحاً لَعَلِّي أَطَّلِعُ إِلى إِلهِ مُوسى وَ إِنِّي لَأَظُنُّهُ مِنَ الْكاذِبِينَ قال فبنى هامان له في الهواء صرحا حتى بلغ مكانا في الهواء لم يقدر الإنسان أن يقوم عليه من الرياح القائمة في الهواء فقال لفرعون لا نقدر أن نزيد على هذا و بعث الله رياحا فرمت به فاتخذ فرعون عند ذلك التابوت و عمد إلى أربعة أنسر فأخذ فراخها و رباها حتى إذا بلغت و كبرت عمدوا إلى جوانب التابوت الأربعة فغرزوا في كل جانب منه خشبة و جعلوا على رأس كل خشبة لحما و جوعوا الأنسر و شدوا أرجلها بأصل الخشبة فنظرت الأنسر إلى اللحم فأهوت إليه و سفت بأجنحتها و ارتفعت بهما في الهواء و أقبلت يطير يومها فقال فرعون لهامان انظر إلى السماء هل بلغناها فنظر هامان فقال أرى السماء كما كنت أراها في الأرض في البعد فقال انظر إلى الأرض فقال لا أرى الأرض و لكن أرى البحار و الماء قال فلم يزل النسر ترتفع حتى غابت الشمس و غابت عنهما البحار و الماء فقال فرعون يا هامان انظر إلى السماء فنظر فقال أراها كما كنت أراها في الأرض فلما جنهما الليل نظر هامان إلى السماء فقال فرعون هل بلغناها فقال أرى الكواكب كما كنت أراها في الأرض و لست أرى من الأرض إلا الظلمة قال ثم جالت الرياح القائم في الهواء فأقبلت التابوت فلم يزل يهوي بهما حتى وقع على الأرض فكان فرعون أشد ما كان عتوا في ذلك الوقت
بيان فَأَوْقِدْ لِي أي النار عَلَى الطِّينِ أي اللبن ليصير آجرا و قيل أول من اتخذ الآجر فرعون فَاجْعَلْ لِي صَرْحاً أي قصرا عاليا و توهم الملعون أنه لو كان الله لكان جسما في السماء و قيل أراد أن يبني له رصدا يترصد منها أوضاع الكواكب فيرى هل فيها ما يدل على بعثة رسول و تبدل دولة قوله حتى غابت الشمس لعل المراد أثر الشمس لعدم الانعكاس أو جرم الشمس لغيبوبتها تحت الأرض
23- ل، ]الخصال[ ع، ]علل الشرائع[ ن، ]عيون أخبار الرضا عليه السلام[ سأل الشامي أمير المؤمنين ع عن ستة لم يركضوا في رحم فقال آدم و حواء و كبش إبراهيم و عصا موسى و ناقة صالح و الخفاش الذي عمله عيسى ابن مريم فطار بإذن الله عز و جل
24- ع، ]علل الشرائع[ ن، ]عيون أخبار الرضا عليه السلام[ و سأله عن أول شجرة غرست في الأرض فقال العوسجة و منها عصا موسى
25- ع، ]علل الشرائع[ ن، ]عيون أخبار الرضا عليه السلام[ ل، ]الخصال[ أبي عن سعد عن ابن عيسى عن ابن فضال عن أبي الحسن ع أنه قال احتبس القمر عن بني إسرائيل فأوحى الله جل جلاله إلى موسى ع أن أخرج عظام يوسف من مصر و وعده طلوع القمر إذا أخرج عظامه فسأل موسى عمن يعلم موضعه فقيل له هاهنا عجوز تعلم محله فبعث إليها فأتي بعجوز مقعده عمياء فقال لها أ تعرفين موضع قبر يوسف قالت نعم قال فأخبريني به قالت لا حتى تعطيني أربع خصال تطلق لي رجلي و تعيد إلي شبابي و تعيد إلي بصري و تجعلني معك في الجنة قال فكبر ذلك على موسى فأوحى الله جل جلاله إليه يا موسى أعطها ما سألت فإنك إنما تعطي علي ففعل فدلته عليه فاستخرجه من شاطئ النيل في صندوق مرمر فلما أخرجه طلع القمر فحمله إلى الشام فلذلك يحمل أهل الكتاب موتاهم إلى الشام
26- كا، ]الكافي[ محمد بن يحيى عن أحمد بن محمد عن الحسين بن سعيد عن النضر بن سويد عن محمد بن هشام عمن أخبره عن أبي عبد الله ع قال إن قوما ممن آمن بموسى ع قالوا لو أتينا عسكر فرعون فكنا فيه و نلنا من دنياه فإذا كان الذي نرجوه من ظهور موسى ع صرنا إليه ففعلوا فلما توجه موسى و من معه هاربين من فرعون ركبوا دوابهم و أسرعوا في السير ليلحقوا موسى و عسكره فيكونوا معهم فبعث الله ملكا فضرب وجوه دوابهم فردهم إلى عسكر فرعون فكانوا فيمن غرق مع فرعون
ين، ]كتاب حسين بن سعيد و النوادر[ النضر مثله
27- كا، ]الكافي[ عدة من أصحابنا عن أحمد بن محمد عن بكر بن محمد عن الجعفري عن أبي الحسن ع قال كان رجل من أصحاب موسى أبوه من أصحاب فرعون فلما لحقت خيل فرعون موسى تخلف عنهم ليعظ أباه فيلحقه بموسى فمضى أبوه و هو يراغمه حتى بلغا طرفا من البحر فغرقا جميعا فأتى موسى الخبر فقال هو في رحمة الله و لكن النقمة إذا نزلت لم يكن لها عمن قارب المذنب دفاع
28- ل، ]الخصال[ ابن الوليد عن الصفار عن ابن معروف عن ابن محبوب عن حنان بن سدير قال حدثني رجل من أصحاب أبي عبد الله ع قال سمعته يقول إن أشد الناس عذابا يوم القيامة لسبعة نفر أولهم ابن آدم الذي قتل أخاه و نمرود الذي حَاجَّ إِبْراهِيمَ فِي رَبِّهِ و اثنان في بني إسرائيل هودا قومهم و نصراهم و فرعون الذي قال أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلى و اثنان في هذه الأمة
29- ل، ]الخصال[ أبي عن سعد عن إبراهيم بن مهزيار عن أخيه علي عن عيسى بن محمد عن بعض أصحابنا عن عبد الله بن محمد عن أبي جميلة عن زرارة عن أبي جعفر ع قال أملى الله عز و جل لفرعون ما بين الكلمتين أربعين سنة ثم أخذه اللَّهُ نَكالَ الْآخِرَةِ وَ الْأُولى و كان بين أن قال الله عز و جل لموسى و هارون قَدْ أُجِيبَتْ دَعْوَتُكُما و بين أن عرفه الله الإجابة أربعين سنة ثم قال قال جبرئيل نازلت ربي في فرعون منازلة شديدا فقلت يا رب تدعه و قد قال أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلى فقال إنما يقول هذا عبد مثلك
بيان لعل المراد بالكلمتين قوله تعالى قَدْ أُجِيبَتْ دَعْوَتُكُما و أمره بإغراق فرعون أو قول فرعون ما عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرِي و قوله أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلى قال الطبرسي قدس سره نكال مصدر مؤكد لأن معنى أخذه الله نكل الله به نَكالَ الْآخِرَةِ وَ الْأُولى بأن أغرقه في الدنيا و يعذبه في الآخرة و قيل معناه فعاقبه الله بكلمته الآخرة و كلمته الأولى فالآخرة قوله أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلى و الأولى قوله ما عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرِي فنكل به نكال هاتين الكلمتين و جاء في التفسير أنه كان بين الكلمتين أربعون سنة و عن وهب عن ابن عباس قال قال موسى ع أمهلت فرعون أربعمائة سنة و هو يقول أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلى و يجحد رسلك و يكذب بآياتك فأوحى الله تعالى إليه أنه كان حسن الخلق سهل الحجاب فأحببت أن أكافيه
و روى أبو بصير عن أبي جعفر ع قال قال رسول الله ص قال جبرئيل قلت يا رب تدع فرعون و قد قال أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلى فقال إنما يقول هذا مثلك من يخاف الفوت انتهى
و قال الجزري فيه نازلت ربي في كذا أي راجعته و سألته مرة بعد مرة و هو مفاعلة من النزول عن الأمر أو من النزال في الحرب و هو تقابل القرنين
30- ب، ]قرب الإسناد[ ابن عيسى عن البزنطي عن الرضا ع قال ما غضب الله على بني إسرائيل إلا أدخلهم مصر و لا رضي عنهم إلا أخرجهم منها إلى غيرها و لقد أوحى الله تبارك و تعالى إلى موسى ع أن يخرج عظام يوسف منها فاستدل موسى على من يعرف القبر فدل على امرأة عمياء زمنة فسألها موسى أن تدله عليه فأبت إلا على خصلتين فيدعو الله فيذهب بزمانتها و يصيرها معه في الجنة في الدرجة التي هو فيها فأعظم ذلك موسى ع فأوحى الله إليه و ما يعظم عليك من هذا أعطها ما سألت ففعل فوعدته طلوع القمر فحبس الله القمر حتى جاء موسى لموعده فأخرجه من النيل في سفط مرمر فحمله موسى الخبر
31- شي، ]تفسير العياشي[ عن ابن أسباط عن الرضا ع قال قلت له إن أهل مصر يزعمون أن بلادهم مقدسة قال و كيف ذاك قلت جعلت فداك إنهم يزعمون أنه يحشر من ظهرهم سبعون ألفا يدخلون الجنة بغير حساب فقال لا لعمري ما ذاك كذاك و ما غضب الله على بني إسرائيل إلى آخر ما مر
-32 ب، ]قرب الإسناد[ السندي بن محمد عن صفوان الجمال عن الصادق ع قال قال رسول الله ص إن الله تبارك و تعالى أوحى إلى موسى أن يحمل عظام يوسف ع فسأل عن قبره فجاءه شيخ فقال إن كان أحد يعلم ففلانة فأرسل إليها فجاءت فقال أ تعلمين موضع قبر يوسف فقالت نعم قال فدليني عليه و لك الجنة قالت لا و الله لا أدلك عليه إلا أن تحكمني قال و لك الجنة قالت لا و الله لا أدلك عليه حتى تحكمني قال فأوحى الله تبارك و تعالى إليه ما يعظم عليك أن تحكمها قال فلك حكمك قالت أحكم عليك أن أكون معك في درجتك التي تكون فيها
33- دعوات الراوندي، عن أمير المؤمنين ع قال قال رسول الله ص إن موسى لما أمر أن يقطع البحر فانتهى إليه ضربت وجوه الدواب و رجعت فقال موسى يا رب ما لي قال يا موسى إنك عند قبر يوسف فاحمل عظامه و قد استوى القبر بالأرض فسأل موسى قومه هل يدري أحد منكم أين هو قالوا عجوز لعلها تعلم فقال لها هل تعلمين قالت نعم قال فدلينا عليه قالت لا و الله حتى تعطيني ما أسألك قال ذلك لك قالت فإني أسألك أن أكون معك في الدرجة التي تكون في الجنة قال سلي الجنة قالت لا و الله إلا أن أكون معك فجعل موسى يراد فأوحى الله أن أعطها ذلك فإنها لا تنقصك فأعطاها و دلته على القبر
أقول تمامه في كتاب الدعاء
34- ع، ]علل الشرائع[ ن، ]عيون أخبار الرضا عليه السلام[ ابن عبدوس عن ابن قتيبة عن حمدان بن سليمان عن إبراهيم بن محمد الهمداني قال قلت للرضا ع لأي علة أغرق الله فرعون و قد آمن به و أقر بتوحيده قال لأنه آمن عند رؤية البأس و الإيمان عند رؤية البأس غير مقبول و ذلك حكم الله تعالى ذكره في السلف و الخلف قال الله عز و جل فَلَمَّا رَأَوْا بَأْسَنا قالُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَحْدَهُ وَ كَفَرْنا بِما كُنَّا بِهِ مُشْرِكِينَ فَلَمْ يَكُ يَنْفَعُهُمْ إِيمانُهُمْ لَمَّا رَأَوْا بَأْسَنا و قال عز و جل يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آياتِ رَبِّكَ لا يَنْفَعُ نَفْساً إِيمانُها لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمانِها خَيْراً و هكذا فرعون لما أدركه الغرق قال آمَنْتُ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُوا إِسْرائِيلَ وَ أَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ فقيل له آلْآنَ وَ قَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَ كُنْتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً و قد كان فرعون من قرنه إلى قدمه في الحديد قد لبسه على بدنه فلما غرق ألقاه الله تعالى على نجوة من الأرض ببدنه ليكون لمن بعده علامة فيرونه مع تثقله بالحديد على مرتفع من الأرض و سبيل الثقيل أن يرسب و لا يرتفع فكان ذلك آية و علامة و لعلة أخرى أغرقه الله عز و جل و هي أنه استغاث بموسى لما أدركه الغرق و لم يستغث بالله فأوحى الله عز و جل إليه يا موسى لم تغث فرعون لأنك لم تخلقه و لو استغاث بي لأغثته
تحقيق قال الرازي فإن قيل ما السبب في عدم قبول توبته و الجواب أن العلماء ذكروا وجوها الأول أنه إنما آمن عند نزول العذاب و الإيمان في هذا الوقت غير مقبول لأنه تصير الحال حينئذ وقت الإلجاء و في هذه الحال لا تكون التوبة مقبولة. الثاني أنه لم يكن مخلصا في هذه الكلمة بل إنما تكلم بها توسلا إلى دفع تلك البلية الحاضرة. الثالث أن ذلك الإقرار كان مبنيا على محض التقليد أ لا ترى أنه قال لا إِلهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُوا إِسْرائِيلَ. الرابع أن أكثر اليهود كانت قلوبهم مائلة إلى التشبيه و التجسيم و لذا اشتغلوا بعبادة العجل لظنهم أنه تعالى حل في جسده فكأنه آمن بالإله الموصوف بالجسمية و كل من اعتقد ذلك كان كافرا. الخامس أنه أقر بالتوحيد فقط و لم يقر بنبوة موسى ع فلذا لم يقبل منه انتهى و الأول هو الأظهر كما دل عليه الخبر إذ التوبة لا يجب على الله قبوله عقلا إلا بما أوجب على نفسه من قبول توبة عباده تفضلا و قد أخبر في الآيات الكثيرة بعدم قبول التوبة عند رؤية البأس فلا إشكال في عدم قبول توبته عند معاينة العذاب.
35- ع، ]علل الشرائع[ ابن الوليد عن الصفار عن ابن أبي الخطاب عن ابن أسباط عن إسماعيل بن منصور عن رجل عن أبي عبد الله ع في قول فرعون ذَرُونِي أَقْتُلْ مُوسى من كان يمنعه قال منعته رشدته و لا يقتل الأنبياء و أولاد الأنبياء إلا أولاد الزنا
36- ص، ]قصص الأنبياء عليهم السلام[ بالإسناد إلى الصدوق عن ابن الوليد عن الصفار عن ابن عيسى عن الوشاء عن أبي جميلة عن محمد بن مروان عن العبد الصالح ع قال كان من قول موسى ع حين دخل على فرعون اللهم إني أدرأ بك في نحره و أستجير بك من شره و أستعين بك فحول الله ما كان في قلب فرعون من الأمن خوفا
37- ع، ]علل الشرائع[ علي بن عبد الله بن الأسواري عن مكي بن أحمد اليربوعي عن نوح بن الحسن عن أحمد بن محمد عن محمد بن إبراهيم عن أيوب بن سويد الرملي عن عمرو بن الحارث عن زيد بن أبي حبيب عن عبد الله بن عمر قال غار النيل على عهد فرعون فأتاه أهل مملكته فقالوا أيها الملك أجر لنا النيل قال إني لم أرض عنكم ثم ذهبوا فأتوه فقالوا أيها الملك تموت البهائم و هلكت و لئن لم تجر لنا النيل لنتخذن إلها غيرك قال أخرجوا إلى الصعيد فخرجوا فتنحى عنهم حيث لا يرونه و لا يسمعون كلامه فألصق خده بالأرض و أشار بالسبابة و قال اللهم إني خرجت إليك خروج العبد الذليل إلى سيده و إني أعلم أنك تعلم أنه لا يقدر على إجرائه أحد غيرك فأجره قال فجرى النيل جريا لم يجر مثله فأتاهم فقال لهم إني قد أجريت لكم النيل فخروا له سجدا و عرض له جبرئيل فقال أيها الملك أعني على عبد لي قال فما قصته قال عبد لي ملكته على عبيدي و خولته مفاتيحي فعاداني و أحب من عاداني و عادى من أحببت قال لبئس العبد عبدك لو كان لي عليه سبيل لأغرقته في بحر القلزم قال أيها الملك اكتب لي بذلك كتابا فدعا بكتاب و دواة فكتب ما جزاء العبد الذي يخالف سيده فأحب من عادى و عادى من أحب إلا أن يغرق في بحر القلزم قال يا أيها الملك اختمه لي قال فختمه ثم دفعه إليه فلما كان يوم البحر أتاه جبرئيل بالكتاب فقال له خذ هذا ما استحققت به على نفسك أو هذا ما حكمت به على نفسك
38- ل، ]الخصال[ ع، ]علل الشرائع[ ن، ]عيون أخبار الرضا عليه السلام[ سأل الشامي أمير المؤمنين ع عن يوم الأربعاء و التطير منه فقال ع آخر أربعاء في الشهر و هو المحاق و ساق الحديث إلى أن قال و يوم الأربعاء طلب فرعون موسى ليقتله و يوم الأربعاء أمر فرعون بذبح الغلمان و يوم الأربعاء أظل قوم فرعون أول العذاب
39- أقول قال في مجمع البيان، روي عن أبي جعفر ع في حديث طويل قال لما رجع موسى إلى امرأته قالت من أين جئت قال من عند رب تلك النار قال فغدا إلى فرعون فو الله لكأني أنظر إليه طويل الباع ذو شعر آدم عليه جبة من صوف عصاه في كفه مربوط حقوه بشريط نعله من جلد حمار شراكها من ليف فقيل لفرعون إن على الباب فتى يزعم أنه رسول رب العالمين فقال فرعون لصاحب الأسد خل سلاسلها و كان إذا غضب على أحد خلاها فقطعته فخلاها و قرع موسى الباب الأول و كانت تسعة أبواب فلما قرع الباب الأول انفتح له الأبواب التسعة فلما دخل جعلن يبصبصن تحت رجليه كأنهن جراء فقال فرعون لجلسائه رأيتم مثل هذا قط فلما أقبل إليه قالَ أَ لَمْ نُرَبِّكَ فِينا وَلِيداً إلى قوله وَ أَنَا مِنَ الضَّالِّينَ فقال فرعون لرجل من أصحابه قم فخذ بيده و قال للآخر اضرب عنقه فضرب جبرئيل بالسيف حتى قتل ستة من أصحابه فقال خلوا عنه قال فأخرج يده فَإِذا هِيَ بَيْضاءُ قد حال شعاعها بينه و بين وجهه و ألقى العصا فإذا هي حية فالتقمت الإيوان بلحييها فدعاه أن يا موسى أقلني إلى غد ثم كان من أمره ما كان
40- ع، ]علل الشرائع[ محمد بن جعفر بن نعيم بن شاذان النيسابوري عن عمه محمد بن شاذان عن الفضل بن شاذان عن ابن أبي عمير قال قلت لموسى بن جعفر ع أخبرني عن قول الله عز و جل لموسى اذْهَبا إِلى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغى فَقُولا لَهُ قَوْلًا لَيِّناً لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشى فقال أما قوله فَقُولا لَهُ قَوْلًا لَيِّناً أي كنياه و قولا له يا أبا مصعب و كان اسم فرعون أبا مصعب الوليد بن مصعب و أما قوله لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشى فإنما قال ليكون أحرص لموسى على الذهاب و قد علم الله عز و جل أن فرعون لا يتذكر و لا يخشى إلا عند رؤية البأس أ لا تسمع الله عز و جل يقول حَتَّى إِذا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ قالَ آمَنْتُ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُوا إِسْرائِيلَ وَ أَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ فلم يقبل الله إيمانه و قال آلْآنَ وَ قَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَ كُنْتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ
41- ختص، ]الإختصاص[ عن عبد الله بن جندب عن أبي الحسن الرضا ع قال كان على مقدمة فرعون ستمائة ألف و مائتي ألف و على ساقته ألف ألف قال و لما صار موسى في البحر أتبعه فرعون و جنوده قال فتهيب فرس فرعون أن يدخل البحر فتمثل له جبرئيل على ماديانة فلما رأى فرس فرعون الماديانة أتبعها فدخل البحر هو و أصحابه فغرقوا
-42 نوادر الراوندي، بإسناده عن موسى بن جعفر عن آبائه ع قال قال رسول الله ص دعا موسى و أمن هارون و أمنت الملائكة فقال الله سبحانه استقيما ف قَدْ أُجِيبَتْ دَعْوَتُكُما و من غزا في سبيلي استجبت له إلى يوم القيامة
43- مع، ]معاني الأخبار[ القطان عن السكري عن الجوهري عن ابن عمارة عن أبيه عن سفيان بن سعيد قال سمعت أبا عبد الله جعفر بن محمد الصادق ع و كان و الله صادقا كما سمي يقول يا سفيان عليك بالتقية فإنها سنة إبراهيم الخليل ع و إن الله عز و جل قال لموسى و هارون ع اذْهَبا إِلى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغى فَقُولا لَهُ قَوْلًا لَيِّناً لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشى يقول الله عز و جل كنياه و قولا له يا أبا مصعب و إن رسول الله كان إذا أراد سفرا ورى بغيره و قال ع أمرني ربي بمداراة الناس كما أمرني بأداء الفرائض و لقد أدبه الله عز و جل بالتقية فقال ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَ بَيْنَهُ عَداوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ وَ ما يُلَقَّاها إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَ ما يُلَقَّاها إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ يا سفيان من استعمل التقية في دين الله فقد تسنم الذروة العليا من العز إن عز المؤمن في حفظ لسانه و من لم يملك لسانه ندم قال سفيان فقلت له يا ابن رسول الله هل يجوز أن يطمع الله عز و جل عباده في كون ما لا يكون قال لا فقلت فكيف قال الله عز و جل لموسى و هارون ع لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشى و قد علم أن فرعون لا يتذكر و لا يخشى فقال إن فرعون قد تذكر و خشي و لكن عند رؤية البأس حيث لم ينفعه الإيمان أ لا تسمع الله عز و جل يقول حَتَّى إِذا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ قالَ آمَنْتُ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُوا إِسْرائِيلَ وَ أَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ فلم يقبل الله عز و جل إيمانه و قال آلْآنَ وَ قَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَ كُنْتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً يقول نلقيك على نجوة من الأرض لتكون لمن بعدك علامة و عبرة
-44 ع، ]علل الشرائع[ المكتب عن علي عن أبيه عن ابن أبي عمير عن أبان الأحمر قال سألت أبا عبد الله ع عن قول الله عز و جل وَ فِرْعَوْنَ ذِي الْأَوْتادِ لأي شيء سمي ذا الأوتاد قال لأنه كان إذا عذب رجلا بسطه على الأرض على وجهه و مد يديه و رجليه فأوتدها بأربعة أوتاد في الأرض و ربما بسطه على خشب منبسط فوتد رجليه و يديه بأربعة أوتاد ثم تركه على حالة حتى يموت فسماه الله عز و جل فرعون ذا الأوتاد لذلك
45- ل، ]الخصال[ أبي عن سعد عن ابن أبي الخطاب عن يزيد بن إسحاق شعر عن هارون الغنوي عن أبي عبد الله ع قال سألته عن التسع الآيات التي أوتي موسى ع فقال الجراد و القمل و الضفادع و الدم و الطوفان و البحر و الحجر و العصا و يده
46- ل، ]الخصال[ أبي عن سعد عن ابن عيسى عن ابن محبوب عن محمد بن النعمان عن سلام بن المستنير عن أبي جعفر ع في قول الله عز و جل وَ لَقَدْ آتَيْنا مُوسى تِسْعَ آياتٍ بَيِّناتٍ قال الطوفان و الجراد و القمل و الضفادع و الدم و الحجر و البحر و العصا و يده
47- مع، ]معاني الأخبار[ أبي عن سعد عن البرقي عن أبيه عن عبد الله بن سنان عن خلف بن حماد عن رجل عن أبي عبد الله ع في قوله تعالى أَدْخِلْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ تَخْرُجْ بَيْضاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ قال من غير برص الخبر
48- مل، ]كامل الزيارات[ محمد بن الحسن عن أبيه عن جده علي بن مهزيار عن الحسن بن سعيد عن علي بن الحكم عن عرفة عن ربعي قال قال أبو عبد الله ع شاطِئِ الْوادِ الْأَيْمَنِ الذي ذكره الله في كتابه هو الفرات و الْبُقْعَةِ الْمُبارَكَةِ هي كربلاء و الشَّجَرَةِ محمد ص
بيان لعل المراد أن الله تعالى أظهر نور محمد ص و هو الشجرة المباركة له هناك ثم كلمه
49- شي، ]تفسير العياشي[ عن عاصم المصري رفعه قال إن فرعون بنى سبع مدائن يتحصن فيها من موسى ع و جعل فيما بينها آجاما و غياضا و جعل فيها الأسد ليتحصن بها من موسى قال فلما بعث الله موسى إلى فرعون فدخل المدينة و رآه الأسد تبصبصت و ولت مدبرة قال ثم لم يأت مدينة إلا انفتح له بابها حتى انتهى إلى قصر فرعون الذي هو فيه قال فقعد على بابه و عليه مدرعة من صوف و معه عصاه فلما خرج الآذن قال له موسى استأذن لي على فرعون فلم يلتفت إليه قال فقال له موسى ع إِنِّي رَسُولُ رَبِّ الْعالَمِينَ قال فلم يلتفت إليه قال فمكث بذلك ما شاء الله يسأله أن يستأذن له قال فلما أكثر عليه قال له أ ما وجد رب العالمين من يرسله غيرك قال فغضب موسى فضرب الباب بعصاه فلم يبق بينه و بين فرعون باب إلا انفتح حتى نظر إليه فرعون و هو في مجلسه فقال أدخلوه قال فدخل عليه و هو في قبة له من بقعة كبيرة الارتفاع ثمانون ذراعا قال فَقالَ إِنِّي رَسُولُ رَبِّ الْعالَمِينَ إليك قال فقال فأت بآية إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ قال فَأَلْقى عَصاهُ و كان لها شعبتان قال فَإِذا هِيَ حَيَّةٌ قد وقع إحدى الشعبتين في الأرض و الشعبة الأخرى في أعلى القبة قال فنظر فرعون إلى جوفها و هو يلتهب نيرانا قال و أهوت إليه فأحدث و صاح يا موسى خذها
50- شي، ]تفسير العياشي[ عن يونس بن ظبيان قال قال إن موسى و هارون حين دخلا على فرعون لم يكن في جلسائه يومئذ ولد سفاح كانوا ولد نكاح كلهم و لو كان فيهم ولد سفاح لأمر بقتلهما ف قالُوا أَرْجِهْ وَ أَخاهُ و أمروه بالتأني و النظر ثم وضع يده على صدره قال و كذلك نحن لا ينزع إلينا إلا كل خبيث الولادة
بيان لعل قوله لا ينزع إلينا من نزع القوس كناية عن القصد بالشر
51- شي، ]تفسير العياشي[ عن محمد بن علي قال كانت عصا موسى لآدم فصارت إلى شعيب ثم صارت إلى موسى بن عمران و إنها لتروع و تَلْقَفُ ما يَأْفِكُونَ و تصنع ما تؤمر تفتح لها شعبتان إحداهما في الأرض و الأخرى في السقف و بينهما أربعون ذراعا تَلْقَفُ ما يَأْفِكُونَ بلسانها
52- شي، ]تفسير العياشي[ عن محمد بن قيس عن أبي عبد الله ع قال قلت ما الطوفان قال هو طوفان الماء و الطاعون
53- شي، ]تفسير العياشي[ عن سليمان عن الرضا ع في قوله لَئِنْ كَشَفْتَ عَنَّا الرِّجْزَ لَنُؤْمِنَنَّ لَكَ قال الرجز هو الثلج ثم قال خراسان بلاد رجز
54- م، ]تفسير الإمام عليه السلام[ قوله عز و جل وَ إِذْ فَرَقْنا بِكُمُ الْبَحْرَ فَأَنْجَيْناكُمْ وَ أَغْرَقْنا آلَ فِرْعَوْنَ وَ أَنْتُمْ تَنْظُرُونَ قال الإمام ع قال الله تعالى و اذكروا إذ جعلنا ماء البحر فرقا ينقطع بعضه من بعض فأنجيناكم هناك و أغرقنا فرعون و قومه و أنتم تنظرون إليهم و هم يغرقون و ذلك أن موسى لما انتهى إلى البحر أوحى الله عز و جل إليه قل لبني إسرائيل جددوا توحيدي و أمروا بقلوبكم ذكر محمد سيد عبيدي و إمائي و أعيدوا على أنفسكم الولاية لعلي أخي محمد و آله الطيبين و قولوا اللهم بجاههم جوزنا على متن هذا الماء فإن الماء يتحول لكم أرضا فقال لهم موسى ذلك فقالوا تورد علينا ما نكره و هل فررنا من فرعون إلا من خوف الموت و أنت تقتحم بنا هذا الماء الغمر بهذه الكلمات و ما يرينا ما يحدث من هذه علينا فقال لموسى كالب بن يوحنا و هو على دابة له و كان ذلك الخليج أربعة فراسخ يا نبي الله أمرك الله بهذا أن نقوله و ندخل الماء فقال نعم فقال و أنت تأمرني به قال نعم قال فوقف و جدد على نفسه من توحيد الله و نبوة محمد و ولاية علي و الطيبين من آلهما كما أمر به ثم قال اللهم بجاههم جوزني على متن هذا الماء ثم أقحم فرسه فركس على متن الماء و إذا الماء تحته كأرض لينة حتى بلغ آخر الخليج ثم عاد راكضا ثم قال لبني إسرائيل يا بني إسرائيل أطيعوا موسى فما هذا الدعاء إلا مفتاح أبواب الجنان و مغاليق أبواب النيران و مستنزل الأرزاق و جالب على عبيد الله و إمائه رضا المهيمن الخلاق فأبوا و قالوا نحن لا نسير إلا على الأرض فأوحى الله إِلى مُوسى أَنِ اضْرِبْ بِعَصاكَ الْبَحْرَ و قل اللهم بجاه محمد و آله الطيبين لما فلقته ففعل فانفلق و ظهرت الأرض إلى آخر الخليج فقال موسى أدخلوها قالوا الأرض وحلة نخاف أن نرسب فيها فقال الله يا موسى قل اللهم بجاه محمد و آله الطيبين جففها فقالها فأرسل الله عليها ريح الصبا فجفت و قال موسى أدخلوها قالوا يا نبي الله نحن اثنتا عشرة قبيلة بنو اثني عشر آباء و إن دخلنا رام كل فريق منا تقدم صاحبه فلا نأمن وقوع الشر بيننا فلو كان لكل فريق منا طريق على حدة لأمنا ما نخافه فأمر الله موسى أن يضرب البحر بعددهم اثنتي عشرة ضربة في اثني عشر موضعا إلى جانب ذلك الموضع و يقول اللهم بجاه محمد و آله الطيبين بين الأرض لنا و أمط الماء عنا فصار فيه تمام اثني عشر طريقا و جف قرار الأرض بريح الصبا فقال أدخلوها قالوا كل فريق منا يدخل سكة من هذه السكك لا يدري ما يحدث على الآخرين فقال الله عز و جل فاضرب كل طود من الماء بين هذه السكك فضرب و قال اللهم بجاه محمد و آله الطيبين لما جعلت هذا الماء طبقات واسعة يرى بعضهم بعضا منها فحدثت طبقات واسعة يرى بعضهم بعضا منها ثم دخلوها فلما بلغوا آخرها جاء فرعون و قومه فدخل بعضهم فلما دخل آخرهم و هموا بالخروج أولهم أمر الله تعالى البحر فانطبق عليهم فغرقوا و أصحاب موسى ينظرون إليهم فذلك قوله عز و جل وَ أَغْرَقْنا آلَ فِرْعَوْنَ وَ أَنْتُمْ تَنْظُرُونَ إليهم قال الله عز و جل لبني إسرائيل في عهد محمد ص فإذا كان الله تعالى فعل هذا كله بأسلافكم لكرامة محمد ص و دعاء موسى دعاء تقرب بهم إلى الله أ فلا تعقلون أن عليكم الإيمان بمحمد و آله إذ قد شاهدتموه الآن
55- شي، ]تفسير العياشي[ عن هشام بن سالم عن أبي عبد الله ع قال كان بين قوله قَدْ أُجِيبَتْ دَعْوَتُكُما و بين أن أخذ فرعون أربعون سنة
56- شي، ]تفسير العياشي[ عن ابن أبي عمير عن بعض أصحابنا يرفعه قال لما صار موسى في البحر أتبعه فرعون و جنوده قال فتهيب فرس فرعون أن يدخل البحر فتمثل له جبرئيل على رمكة فلما رأى فرس فرعون الرمكة أتبعها فدخل البحر هو و أصحابه فغرقوا
57- شي، ]تفسير العياشي[ عن الفضل بن أبي قرة قال سمعت أبا عبد الله ع يقول أوحى الله إلى إبراهيم أنه سيولد لك فقال لسارة فقالت أَ أَلِدُ وَ أَنَا عَجُوزٌ فأوحى الله إليه أنها ستلد و يعذب أولادها أربع مائة سنة بردها الكلام علي قال فلما طال على بني إسرائيل العذاب ضجوا و بكوا إلى الله أربعين صباحا فأوحى الله إلى موسى و هارون ع يخلصهم من فرعون فحط عنهم سبعين و مائة سنة قال و قال أبو عبد الله ع هكذا أنتم لو فعلتم لفرج الله عنا فأما إذ لم تكونوا فإن الأمر ينتهي إلى منتهاه
58- شي، ]تفسير العياشي[ عن سلام عن أبي جعفر ع في قوله وَ لَقَدْ آتَيْنا مُوسى تِسْعَ آياتٍ بَيِّناتٍ قال الطوفان و الجراد و القمل و الضفادع و الدم و الحجر و البحر و العصا و يده
59- شي، ]تفسير العياشي[ عن العباس عن أبي الحسن الرضا ع ذكر قول الله يا فِرْعَوْنُ يا عاصي
-60 نهج، ]نهج البلاغة[ فأوجس موسى خيفة على نفسه أشفق من غلبة الجهال و دول الضلال
61- نهج، ]نهج البلاغة[ قال أمير المؤمنين ع في الخطبة القاصعة إن الله سبحانه يختبر عباده المستكبرين في أنفسهم بأوليائه المستضعفين في أعينهم و لقد دخل موسى بن عمران و معه أخوه هارون ع على فرعون عليهما مدارع الصوف و بأيديهما العصي فشرطا له إن أسلم بقاء ملكه و دوام عزه فقال أ لا تعجبون من هذين يشرطان لي دوام العز و بقاء الملك و هما بما ترون من حال الفقر و الذل فهلا ألقي عليهما أساورة من ذهب إعظاما للذهب و جمعه و احتقارا للصوف و لبسه و لو أراد الله سبحانه بأنبيائه حيث بعثهم أن يفتح لهم كنوز الذهبان و معادن العقيان و مغارس الجنان و أن يحشر معهم طير السماء و وحوش الأرض لفعل و لو فعل لسقط البلاء و بطل الجزاء و اضمحل الإنباء و لما وجب للقابلين أجور المبتلين و لا استحق المؤمنون ثواب المحسنين
بيان الأساورة جمع للأسورة التي هي جمع السوار و الذهبان بالكسر و الضم جمع الذهب و العقيان بالكسر هو الذهب الخالص و قيل ما ينبت منه نباتا و البلاء الامتحان و اضمحل الإنباء أي سقط الوعد و الوعيد. قال الثعلبي قال العلماء بأخبار الماضين لما كلم الله موسى و بعثه إلى مصر خرج و لا علم له بالطريق و كان الله تعالى يهديه و يدله و ليس معه زاد و لا سلاح و لا حمولة و لا شيء غير عصاه و مدرعة صوف و قلنسوة من صوف و نعلين يظل صائما و يبيت قائما و يستعين بالصيد و بقول الأرض حتى ورد مصر و لما قرب مصر أوحى الله سبحانه إلى أخيه هارون يبشره بقدوم موسى و يخبره أنه قد جعله لموسى وزيرا و رسولا معه إلى فرعون و أمره أن يمر يوم السبت لغرة ذي الحجة متنكرا إلى شاطئ النيل ليلتقي في تلك الساعة بموسى قال فخرج هارون و أقبل موسى ع فالتقيا على شط النيل قبل طلوع الشمس فاتفق أنه كان يوم ورود الأسد الماء و كان لفرعون أسد تحرسه في غيضة محيطة بالمدينة من حولها و كانت ترد الماء غبا و كان فرعون إذ ذاك في مدينة حصينة عليها سبعون سورا في كل سور رساتيق و أنهار و مزارع و أرض واسعة في ربض كل سور سبعون ألف مقاتل و من وراء تلك المدينة غيضة تولى فرعون غرسها بنفسه و عمل فيها و سقاها بالنيل ثم أسكنها الأسد فنسلت و توالدت حتى كثرت ثم اتخذها جندا من جنوده تحرسه و جعل خلال تلك الغيضة طرقا تفضي من يسلكها إلى أبواب من أبواب المدينة معلومة ليس لتلك الأبواب طريق غيرها فمن أخطأ وقع في الغيضة فأكلته الأسد و كانت الأسود إذا وردت النيل ظلت عليها يومها كلها ثم تصدر مع الليل قال فالتقى موسى و هارون يوم ورودها فلما أبصرتهما الأسد مدت أعناقها و رءوسها إليهما و شخصت أبصارها نحوهما و قذف الله تعالى في قلوبها الرعب فانطلقت نحو الغيضة منهزمة هاربة على وجوهها تطأ بعضها بعضا حتى اندست في الغيضة و كان لها ساسة يسوسونها و ذادة يذودونها و يشلونها بالناس فلما أصابها ما أصابها خاف ساستها فرعون و لم يشعروا من أين أتوا فانطلق موسى و هارون ع في تلك المسبعة حتى وصلا إلى باب المدينة الأعظم الذي هو أقرب أبوابها إلى منزل فرعون و كان منه يدخل و منه يخرج و ذلك ليلة الإثنين بعد هلال ذي الحجة بيوم فأقاما عليه سبعة أيام فكلمهما واحد من الحراس و زبرهما و قال لهما هل تدريان لمن هذا الباب فقال موسى ع إن هذا الباب و الأرض كلها و ما فيها لرب العالمين و أهلها عبيد له فسمع ذلك الرجل قولا لم يسمع مثله قط و لم يظن أن أحدا من الناس يفصح بمثله فلما سمع ما سمع أسرع إلى كبرائه الذين فوقه فقال لهم سمعت اليوم قولا و عاينت عجبا من رجلين هو أعظم عندي و أفظع و أشنع مما أصابنا في الأسد و ما كانا ليقدما على ما أقدما عليه إلا بسحر عظيم و أخبرهم القصة فلا يزال ذلك يتداول بينهم حتى انتهى إلى فرعون. و قال السدي بإسناده سار موسى ع بأهله نحو مصر حتى أتاها ليلا فتضيف أمه و هي لا تعرفه و إنما أتاهم في ليلة كانوا يأكلون فيها الطفيشل و نزل في جانب الدار فجاء هارون فلما أبصر ضيفه سأل عنه أمه فأخبرته أنه ضيف فدعاه فأكل معه فلما أن قعد تحدثا فسأله هارون فقال من أنت فقال أنا موسى فقام كل واحد منهما إلى صاحبه فاعتنقه فلما أن تعارفا قال له موسى يا هارون انطلق معي إلى فرعون فإن الله عز و جل قد أرسلنا إليه فقال هارون سمعا و طاعة فقامت أمهما فصاحت و قالت أنشدكما الله أن تذهبا إلى فرعون فيقتلكما فأتيا و مضيا لأمر الله سبحانه فانطلقا إليه ليلا فأتيا الباب و التمسا الدخول عليه ليلا فقرعا الباب ففزع فرعون و فزع البواب و قال فرعون من هذا الذي يضرب بابي هذه الساعة فأشرف عليهما البواب فكلمهما فقال له موسى أنا رسول رب العالمين فأتى فرعون فأخبره و قال إن هاهنا إنسانا مجنونا يزعم أنه رسول رب العالمين. و قال محمد بن إسحاق بن يسار خرج موسى لما بعثه الله سبحانه حين قدم مصر على فرعون هو و أخوه هارون حتى وقفا على باب فرعون يلتمسان الإذن عليه و هما يقولان إِنَّا رَسُولُ رَبِّ الْعالَمِينَ فأذنوا بنا هذا الرجل فمكثا سنتين يغدوان إلى بابه و
يروحان لا يعلم بهما و لا يجترئ أحد على أن يخبره بشأنهما حتى دخل عليه بطال له يلعب عنده و يضحكه فقال له أيها الملك إن على بابك رجلا يقول قولا عجيبا يزعم أن له إلها غيرك فقال ببابي أدخلوه فدخل موسى و معه هارون ع على فرعون. قالوا فلما أذن فرعون لموسى و هارون دخلا عليه فلما وقفا عنده دعا موسى بدعاء و هو لا إله إلا الله الحليم الكريم لا إله إلا الله العلي العظيم سبحان الله رب السماوات السبع و رب الأرضين السبع و ما فيهن و ما بينهن و رب العرش العظيم وَ سَلامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ وَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ اللهم إني أدرؤك في نحره و أعوذ بك من شره و أستعينك عليه فاكفنيه بما شئت قال فتحول ما بقلب موسى من الخوف أمنا و كذلك من دعا بهذا الدعاء و هو خائف آمن الله خوفه و نفس كربته و هون عليه سكرات الموت. ثم قال فرعون لموسى من أنت قال أنا رسول رب العالمين فتأمله فرعون فعرفه فقال له أَ لَمْ نُرَبِّكَ فِينا وَلِيداً وَ لَبِثْتَ فِينا مِنْ عُمُرِكَ سِنِينَ وَ فَعَلْتَ فَعْلَتَكَ الَّتِي فَعَلْتَ وَ أَنْتَ مِنَ الْكافِرِينَ معناه على ديننا هذا الذي تعيبه فقال موسى فَعَلْتُها إِذاً وَ أَنَا مِنَ الضَّالِّينَ المخطئين و لم أرد بذلك القتل فَفَرَرْتُ مِنْكُمْ لَمَّا خِفْتُكُمْ فَوَهَبَ لِي رَبِّي حُكْماً أي نبوة وَ جَعَلَنِي مِنَ الْمُرْسَلِينَ ثم أقبل موسى ينكر عليه ما ذكر فقال وَ تِلْكَ نِعْمَةٌ تَمُنُّها عَلَيَّ أَنْ عَبَّدْتَ بَنِي إِسْرائِيلَ أي اتخذتهم عبيدا تنزع أبناءهم من أيديهم تسترق من شئت أي إنما صيرني إليك ذلك قالَ فِرْعَوْنُ وَ ما رَبُّ الْعالَمِينَ قالَ رَبُّ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ وَ ما بَيْنَهُمَا إِنْ كُنْتُمْ مُوقِنِينَ قالَ فرعون لِمَنْ حَوْلَهُ أَ لا تَسْتَمِعُونَ إنكارا لما قال قال موسى رَبُّكُمْ وَ رَبُّ آبائِكُمُ الْأَوَّلِينَ فقال فرعون إِنَّ رَسُولَكُمُ الَّذِي أُرْسِلَ إِلَيْكُمْ لَمَجْنُونٌ يعني ما هذا بكلام صحيح إذ يزعم أن لكم إلها غيري قال موسى رَبُّ الْمَشْرِقِ وَ الْمَغْرِبِ وَ ما بَيْنَهُما إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ فقال فرعون لموسى لَئِنِ اتَّخَذْتَ إِلهَاً غَيْرِي لَأَجْعَلَنَّكَ مِنَ الْمَسْجُونِينَ قالَ أَ وَ لَوْ جِئْتُكَ بِشَيْءٍ مُبِينٍ تعرف به صدقي و كذبك و حقي و باطلك قال فرعون فَأْتِ بِهِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ فَأَلْقى عَصاهُ فَإِذا هِيَ ثُعْبانٌ مُبِينٌ فاتحة فاها قد ملأت ما بين سماطي فرعون واضعة لحييها الأسفل في الأرض و الأعلى في سور القصر حتى رأى بعض من كان خارجا من مدينة مصر رأسها ثم توجهت نحو فرعون ليأخذه فارفض عنها الناس و ذعر عنها فرعون و وثب عن سريره و أحدث حتى قام به بطنه في يومه ذلك أربعين مرة و كان فيما يزعمون لا يسعل و لا يصدع و لا يصيبه آفة مما يصيب الناس و كان يقوم في أربعين يوما مرة و كان أكثر ما يأكل الموز لكيلا يكون له ثفل فيحتاج إلى القيام و كان هذه الأشياء مما زين له أن قال ما قال لأنه ليس له من الناس شبيه قالوا فلما قصدته الحية صاح يا موسى أنشدك بالله و حرمة الرضاع إلا أخذتها و كففتها عني و إني أؤمن بك و أرسل معك بني إسرائيل فأخذها موسى فعادت عصا كما كانت ثم نزع يده من جيبه فأخرجها بيضاء مثل الثلج لها شعاع كشعاع الشمس فقال له فرعون هذه يدك فلما قالها فرعون أدخلها موسى جيبه ثم أخرجها الثانية لها نور ساطع في السماء تكل منها الأبصار و قد أضاءت ما حولها يدخل نورها في البيوت و يرى من الكوى من وراء الحجب فلم يستطع فرعون النظر إليها ثم ردها موسى إلى جيبه ثم أخرجها فإذا هي على لونها الأول قالوا فهم فرعون بتصديقه فقام إليه هامان و جلس بين يديه فقال له بينا أنت إله تعبد إذ أنت تابع لعبد فقال
فرعون لموسى أمهلني اليوم إلى غد و أوحى الله تعالى إلى موسى أن قل لفرعون إنك إن آمنت بالله وحده عمرتك في ملكك و رددت شابا طريا فاستنظره فرعون فلما كان من الغد دخل عليه هامان فأخبره فرعون بما وعده موسى من ربه فقال له هامان و الله ما يعدل هذا عبادة هؤلاء لك يوما واحدا و نفخ في منخره ثم قال له هامان أنا أردك شابا فأتاه بالوسمة فخضبه بها فلما دخل عليه موسى فرآه على تلك الحالة هاله ذلك فأوحى الله تعالى لا يهولنك ما رأيت فإنه لم يلبث إلا قليلا حتى يعود إلى الحالة الأولى. و في بعض الروايات أن موسى و هارون لما انصرفا من عند فرعون أصابهما المطر في الطريق فأتيا على عجوز من أقرباء أمهما و وجه فرعون الطلب في أثرهما فلما دخل عليهما الليل ناما في دارها و جاءت الطلب إلى الباب و العجوز متنبهة فلما أحست بهم خافت عليهما فخرجت العصا من صير الباب و العجوز تنظر فقاتلتهم حتى قتلت منهم سبعة أنفس ثم عادت و دخلت الدار فلما انتبه موسى و هارون أخبرتهما بقصة الطلب و نكاية العصا منهم فآمنت بهما و صدقتهما. توضيح الغيضة موضع تنبت فيه الأشجار الكثيرة و ربض المدينة بالتحريك ما حولها و الاندساس الاختفاء و أشليت الكلب على الصيد أغريته و الطفيشل كسميدع نوع من المرق و الارفضاض التفرق و الطلب بالتحريك جمع طالب و الصير بالكسر شق الباب. ثم قال الثعلبي قالت العلماء بأخبار الأنبياء إن موسى و هارون ع وضع فرعون أمرهما و ما أتيا به من سلطان الله سبحانه على السحر و قال للملإ من حوله إِنْ هذانِ لَساحِرانِ يُرِيدانِ إلى قوله فَما ذا تَأْمُرُونَ أ أقتلهما فقال العبد الصالح خربيل مؤمن آل فرعون أَ تَقْتُلُونَ رَجُلًا أَنْ يَقُولَ رَبِّيَ اللَّهُ وَ قَدْ جاءَكُمْ بِالْبَيِّناتِ مِنْ رَبِّكُمْ إلى قوله فَمَنْ يَنْصُرُنا مِنْ بَأْسِ اللَّهِ إِنْ جاءَنا قالَ فِرْعَوْنُ ما أُرِيكُمْ إِلَّا ما أَرى وَ ما أَهْدِيكُمْ إِلَّا سَبِيلَ الرَّشادِ و قال الملأ من قوم فرعون أَرْجِهْ وَ أَخاهُ وَ ابْعَثْ فِي الْمَدائِنِ حاشِرِينَ يَأْتُوكَ بِكُلِّ سَحَّارٍ عَلِيمٍ و كانت لفرعون مدائن فيها السحرة عدة للأمر إذا حزبه. و قال ابن عباس قال فرعون لما رأى من سلطان الله في اليد و العصا إنا لا نغالب موسى إلا بمن هو مثله فأخذ غلمانا من بني إسرائيل فبعث بهم إلى قرية يقال لها الغرماء يعلمونهم السحر كما يعلم الصبيان الكتابة في الكتاب فعلموهم سحرا كثيرا و واعد فرعون موسى موعدا فبعث فرعون إلى السحرة فجاء بهم و معهم معلمهم فقالوا له ما ذا صنعت فقال قد علمتهم سحرا لا يطيقه سحره أهل الأرض إلا أن يكون أمر من السماء فإنه لا طاقة لهم به ثم بعث فرعون الشرطي في مملكته فلم يترك في سلطانه ساحرا إلا أتي به. و اختلفوا في عدد السحرة الذين جمعهم فرعون فقال مقاتل كانوا اثنين و سبعين ساحرا اثنان منهم من القبط و هما رأسا القوم و سبعون من بني إسرائيل و قال الكلبي كانوا سبعين ساحرا غير رئيسهم و كان الذي يعلمهم ذلك رجلين مجوسيين من أهل نينوى
و قال كعب كانوا اثني عشر ألفا و قال السدي كانوا بضعا و ثلاثين ألفا و قال عكرمة سبعين ألفا و قال محمد بن المنكدر ثمانين ألفا فاختار منهم سبعة آلاف ليس منهم إلا ساحر ماهر ثم اختار منهم سبعمائة ثم اختار من أولئك السبعمائة سبعين من كبرائهم و علمائهم قال مقاتل و كان رئيس السحرة أخوين بأقصى مدائن مصر فلما جاءهما رسول فرعون قالا لأمهما دلينا على قبر أبينا فدلتهما عليه فأتياه فصاحا باسمه فأجابهما فقالا إن الملك وجه إلينا أن نقدم عليه لأنه أتاه رجلان ليس معهما رجال و لا سلاح و لهما عز و منعة و قد ضاق الملك ذرعا من عزهما و معهما عصا إذا ألقياها لا يقوم لهما شيء تبلع الحديد و الخشب و الحجر فأجابهما أبوهما انظرا إذا هما ناما فإن قدرتما أن تسلا العصا فسلاها فإن الساحر لا يعمل سحره و هو نائم و إن عملت العصا و هما نائمان فذلك أمر رب العالمين و لا طاقة لكما بهما و لا للملك و لا لجميع أهل الدنيا فأتياهما في خفية و هما نائمان ليأخذا العصا فقصدتهما العصا. قالوا ثم واعدوه يوم الزينة و كان يوم سوق لهم عن سعيد بن جبير و قال ابن عباس كان يوم عاشوراء و وافق ذلك يوم السبت في أول يوم من السنة و هو يوم النيروز و كان يوم عيد لهم يجتمع إليه الناس من الآفاق قال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم و كان اجتماعهم للميقات بالإسكندرية و يقال بلغ ذنب الحية من وراء البحيرة يومئذ قالوا ثم قال السحرة لفرعون أَ إِنَّ لَنا لَأَجْراً إِنْ كُنَّا نَحْنُ الْغالِبِينَ قال فرعون وَ إِنَّكُمْ إِذاً لَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ عندي في المنزلة فلما اجتمع الناس جاء موسى و هو متكئ على عصاه و معه أخوه هارون حتى أتى الجمع و فرعون في مجلسه مع أشراف قومه فقال موسى ع للسحرة حين جاءهم وَيْلَكُمْ لا تَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ كَذِباً فَيُسْحِتَكُمْ بِعَذابٍ وَ قَدْ خابَ مَنِ افْتَرى فتناجى السحرة بينهم و قال بعضهم لبعض ما هذا بقول ساحر فذلك قوله تعالى فَتَنازَعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ وَ أَسَرُّوا النَّجْوى فقالت السحرة لنأتينك اليوم بسحر لم تر مثله وَ قالُوا بِعِزَّةِ فِرْعَوْنَ إِنَّا لَنَحْنُ الْغالِبُونَ و كانوا قد جاءوا بالعصي و الحبال تحملها ستون بعيرا فلما أبوا إلا الإصرار على السحر قالوا لموسى إِمَّا أَنْ تُلْقِيَ وَ إِمَّا أَنْ نَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَلْقى قالَ بَلْ أَلْقُوا أنتم فَأَلْقَوْا حِبالَهُمْ وَ عِصِيَّهُمْ فإذا هي حيات كأمثال الجبال قد ملأت الوادي يركب بعضها بعضا تسعى فذلك قوله تعالى يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِنْ سِحْرِهِمْ أَنَّها تَسْعى فَأَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً مُوسى و قال و الله إن كانت لعصيا في أيديهم و لقد عادت حيات و ما يعدون عصاي هذه أو كما حدث نفسه فأوحى الله تعالى إليه لا تَخَفْ إِنَّكَ أَنْتَ الْأَعْلى وَ أَلْقِ ما فِي يَمِينِكَ تَلْقَفْ ما صَنَعُوا إِنَّما صَنَعُوا كَيْدُ ساحِرٍ وَ لا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتى ففرج عن موسى و ألقى عصاه من يده فإذا هي ثعبان مبين كأعظم ما يكون أسود مدلهم على أربع قوائم قصار غلاظ شداد و هو أعظم و أطول من البختي و له ذنب يقوم عليه فيشرف فوق حيطان المدينة رأسه و عنقه و كاهله لا يضرب ذنبه على شيء إلا حطمه و قصمه و يكسر بقوائمه الصخور الصم الصلاب و يطحن كل شيء و يضرم حيطان البيوت بنفسه نارا و له عينان تلتهبان نارا و منخران تنفخان سموما و على مفرقة شعر كأمثال الرماح و صارت الشعبتان له فما سعته اثنا عشر ذراعا و فيه أنياب و أضراس و له فحيح و كشيش و صرير و صريف فاستعرضت ما ألقى السحرة من حبالهم و عصيهم و هي حيات في عين فرعون و أعين الناس تسعى تلقفها و تبتلعها واحدا واحدا حتى ما يرى بالوادي قليل و لا كثير مما ألقوا و انهزم الناس فزعين هاربين منقلبين فتزاحموا و تضاغطوا و وطئ بعضهم بعضا حتى مات منهم يومئذ في ذلك الزحام و مواطئ الأقدام خمسة و عشرون ألفا و
انهزم فرعون فيمن انهزم منخوبا مرعوبا عازبا عقله و قد استطلق بطنه في يومه ذلك عن أربعمائة جلسة ثم بعد ذلك إلى أربعين مرة في اليوم و الليلة على الدوام إلى أن هلك فلما انهزم الناس و عاين السحرة ما عاينوا و قالوا لو كان سحرا لما غلبنا و لما خفي علينا أمره و لئن كان سحرا فأين حبالنا و عصينا فألقوا سجدا و قالوا آمَنَّا بِرَبِّ الْعالَمِينَ رَبِّ مُوسى وَ هارُونَ و كان فيهم اثنان و سبعون شيخا قد انحنت ظهورهم من الكبر و كانوا علماء السحرة و كان رئيس جماعتهم أربعة نفر سابور و عادور و حطحط و مصفا و هم الذين آمنوا حين رأوا ما رأوا من سلطان الله تعالى ثم آمنت السحرة كلهم فلما رأى فرعون ذلك أسف و قال لهم متجلدا آمَنْتُمْ لَهُ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ الَّذِي عَلَّمَكُمُ السِّحْرَ فَلَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَ أَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلافٍ وَ لَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ وَ لَتَعْلَمُنَّ أَيُّنا أَشَدُّ عَذاباً وَ أَبْقى ف قالُوا لَنْ نُؤْثِرَكَ عَلى ما جاءَنا مِنَ الْبَيِّناتِ وَ الَّذِي فَطَرَنا فَاقْضِ ما أَنْتَ قاضٍ إلى قوله تعالى وَ اللَّهُ خَيْرٌ وَ أَبْقى فقطع أيديهم و أرجلهم من خلاف و صلبهم على جذوع النخل و هو أول من فعل ذلك فأصبحوا سحرة كفرة و أمسوا شهداء بررة و رجع فرعون مغلوبا معلولا ثم أبى إلا إقامة على الكفر و التمادي فيه فتابع الله تعالى عليه بالآيات و أخذه و قومه بالسنين إلى أن أهلكهم و خرج موسى ع راجعا إلى قومه و العصا على حالها حية تتبعه و تبصبص حوله و تلوذ به كما يلوذ الكلب الألوف بصاحبه و الناس ينظرون إليها ينخزلون و يتضاغطون حتى دخل موسى عسكر بني إسرائيل و أخذ برأسها فإذا هي عصاه كما كانت أول مرة و شتت الله على فرعون أمره و لم يجد على موسى سبيلا فاعتزل موسى في مدينته و لحق بقومه و عسكروا مجتمعين إلى أن صاروا ظاهرين ظافرين. بيان المدلهم المظلم و فحيح الأفعى صوتها من فيها و الكشيش صوتها من جلدها و المنخوب الجبان الذي لا فؤاد له. ثم قال الثعلبي فلما خاف فرعون على قومه أن يؤمنوا بموسى عزم على بناء صرح يقوي به سلطانه فقال يا هامانُ ابْنِ لِي صَرْحاً الآية فجمع العمال و الفعلة حتى اجتمع له خمسون ألف بناء سوى الأتباع و الأجراء ممن يطبخ الآجر و الجص و ينجر الخشب و الأبواب و يضرب المسامير فلم يزل يبني ذلك الصرح إلى أن فرغ منه في سبع سنين و ارتفع ارتفاعا لم يبلغه بنيان أحد من الخلق منذ خلق الله السماوات و الأرض فبعث الله عز و جل جبرئيل و ضرب بجناحه الصرح فقطعه ثلاث قطع وقعت قطعة منها في البحر و أخرى في الهند و أخرى في المغرب. و قال الضحاك بعثه الله وقت الغروب فقذف به على عسكر فرعون فقتل منهم ألف ألف رجل و قالوا و لم يبق أحد عمل فيه شيئا إلا أصابه موت أو حريق أو عاهة ثم إن فرعون بعد ذلك عزم على قتال موسى فأراه الله الآيات فلما لم يؤمن أوحى الله تعالى إلى موسى أن اجمع بني إسرائيل كل أربعة أهل أبيات في بيت ثم اذبحوا أولاد الضأن و اضربوا بدمائها على الأبواب فإني مرسل على أعدائكم عذابا و إني سامر الملائكة فلا يدخل بيتا على بابه دم و سامرها فتقتل أبكار آل فرعون من أنفسهم و أموالهم فتسلمون أنتم و يهلكون هم ثم أخبزوا خبزا فطيرا فإنه أسرع لكم ثم أسر بعبادي حتى تنتهي بهم إلى البحر فيأتيك أمري ففعلت ذلك بنو إسرائيل فقالت القبط لبني إسرائيل لم تعالجون هذا الدم على أبوابكم فقالوا إن الله سبحانه مرسل عذابا فنسلم
و تهلكون فقالت القبط فما يعرفكم ربكم إلا بهذه العلامات فقالوا هكذا أمرنا نبينا فأصبحوا و قد طعن أبكار آل فرعون و ماتوا كلهم في ليلة واحدة و كانوا سبعين ألفا و اشتغلوا بدفنهم و بما نالهم من الحزن على المصيبة و سرى موسى بقومه متوجهين إلى البحر و هم ستمائة ألف و عشرون ألفا لا يعد فيهم ابن سبعين سنة لكبره و لا ابن عشرين سنة لصغره و هم المقاتلة سوى الذرية و كان موسى ع على الساقة و هارون على المقدمة فلما فرغت القبط من دفن أبكارهم و بلغهم خروج بني إسرائيل قال فرعون هذا عمل موسى قتلوا أبكارنا من أنفسنا و أموالنا ثم خرجوا و لم يرضوا أن ساروا بأنفسهم حتى ذهبوا بأموالنا معهم فنادى في قومه كما قال الله سبحانه فَأَرْسَلَ فِرْعَوْنُ فِي الْمَدائِنِ حاشِرِينَ إِنَّ هؤُلاءِ لَشِرْذِمَةٌ قَلِيلُونَ وَ إِنَّهُمْ لَنا لَغائِظُونَ وَ إِنَّا لَجَمِيعٌ حاذِرُونَ ثم تبعهم فرعون بجنوده و على مقدمته هامان في ألف ألف و سبعمائة ألف كل رجل على حصان و على رأسه بيضة و بيده حربة. و قال ابن جريح أرسل فرعون في أثر موسى و قومه ألف ألف و خمسمائة ألف ملك مسور مع كل ملك ألف ثم خرج فرعون خلفهم في الدهم و كانوا مائة ألف رجل كل واحد منهم راكبا حصانا أدهم فكان في عسكر فرعون مائة ألف حصان أدهم و ذلك حين طلعت الشمس و أشرقت كما قال الله سبحانه فَأَتْبَعُوهُمْ مُشْرِقِينَ فلما تراءى الجمعان و رأت بنو إسرائيل غبار عسكر فرعون قالوا يا موسى أين ما وعدتنا من النصر و الظفر هذا البحر أمامنا إن دخلناه غرقنا و فرعون خلفنا إن أدركنا قتلنا و لقد أُوذِينا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَأْتِيَنا وَ مِنْ بَعْدِ ما جِئْتَنا فقال موسى اسْتَعِينُوا بِاللَّهِ وَ اصْبِرُوا إِنَّ الْأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُها مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ وَ الْعاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ و قال عَسى رَبُّكُمْ أَنْ يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ وَ يَسْتَخْلِفَكُمْ فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ. قالوا فلما انتهى موسى ع إلى البحر هاجت الريح ترمي بموج كالجبال
فقال له يوشع بن نون يا مكلم الله أين أمرت و قد غشينا فرعون و البحر أمامنا فقال موسى هاهنا فخاض يوشع الماء و جاز البحر ما يواري حافر دابته الماء و قال خربيل يا مكلم الله أين أمرت قال هاهنا فكبح فرسه بلجامه حتى طار الزبد من شدقيه ثم أقحمه البحر فرسب في الماء و ذهب القوم يصنعون مثل ذلك فلم يقدروا فأوحى الله سبحانه إلى موسى أَنِ اضْرِبْ بِعَصاكَ الْبَحْرَ فضرب فلم يطعه فأوحى الله إليه أن كنه فضرب موسى بعصاه ثانيا و قال انفلق أبا خالد فَانْفَلَقَ فَكانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ فإذا خربيل واقف على فرسه لم يبتل سرجه و لا لبده و ظهر في البحر اثنا عشر طريقا لاثني عشر سبطا لكل سبط طريق و أرسل الله الريح و الشمس على قعر البحر حتى صار يبسا. و عن عبد الله بن سلام أن موسى لما انتهى إلى البحر قال يا من كان قبل كل شيء و المكون لكل شيء و الكائن بعد كل شيء اجعل لنا مخرجا.
و عن عبد الله قال قال رسول الله ص إنه قال عند ذلك اللهم لك الحمد و إليك المشتكى و أنت المستعان و لا حول و لا قوة إلا بالله العلي العظيم
قالوا فخاضت بنو إسرائيل البحر كل سبط في طريق و عن جانبيهم الماء كالجبل الضخم لا يرى بعضهم بعضا فخافوا و قال كل سبط قد قتل إخواننا فأوحى الله سبحانه إلى جبال الماء أن تشبكي فصار الماء شبكات ينظر بعضهم إلى بعض و يسمع بعضهم كلام بعض حتى عبروا البحر سالمين و لما خرجت ساقة عسكر موسى من البحر وصلت مقدمة عسكر فرعون إليه و أراد موسى أن يعود البحر إلى حالة الأولى فأوحى الله سبحانه أن اتْرُكِ الْبَحْرَ رَهْواً إِنَّهُمْ جُنْدٌ مُغْرَقُونَ فلما وصل فرعون قال لقومه انظروا إلى البحر قد انفلق لهيبتي حتى أدرك أعدائي و عبيدي و لم تكن في خيل فرعون أنثى فجاء جبرئيل على فرس أنثى و عليه عمامة سوداء و تقدمهم و خاض البحر و ظن أصحاب فرعون أنه منهم فلما سمعت الخيول ريحها اقتحمت البحر في أثرها و جاء ميكائيل على فرس خلف القوم يشحذهم و يقول لهم ألحقوا بأصحابكم فلما أراد فرعون أن يسلك طريق البحر نهاه وزيره هامان و قال إني قد أتيت هذا الموضع مرارا و ما لي عهد بهذه الطرق و إني لا آمن أن يكون هذا مكرا من الرجل يكون فيه هلاكنا و هلاك أصحابنا فلم يطعه فرعون و ذهب حاملا على حصانه أن يدخل البحر فامتنع و نفر حتى جاء جبرئيل على رمكة بيضاء فخاض البحر فتبعها حصان فرعون فلما توافوا في البحر و هم أولهم بالخروج أمر الله البحر فالتطم عليهم فغرقهم أجمعين بمرأى من بني إسرائيل قالوا فلما سمعت بنو إسرائيل صوت التطام البحر قالوا لموسى ما هذه الوجبة فقال لهم إن الله سبحانه قد أهلك فرعون و كل من كان معه فقالوا إن فرعون لا يموت لأنه خلق خلق من لا يموت أ لم تر أنه كان يلبث كذا و كذا يوما لا يحتاج إلى شيء مما يحتاج إليه الإنسان فأمر الله سبحانه البحر فألقاه على نجوة من الأرض و عليه درعة حتى نظر إليه بنو إسرائيل. و يقال لو لم يخرجه الله تعالى ببدنه لشك فيه بعض الناس فبعث موسى جندين عظيمين من بني إسرائيل كل جند اثنا عشر ألفا إلى مدائن فرعون و هي يومئذ خالية من أهلها لم يبق منهم إلا النساء و الصبيان و الزمنى و المرضى و الهرمى و أمر على الجندين يوشع بن نون و كالب بن يوفنا فدخلوا بلاد فرعون فغنموا ما كان فيها من أموالهم و كنوزهم و حملوا من ذلك ما استقلت به الحمولة عنها و ما لم يطيقوا حملها باعوه من قوم آخرين فذلك قوله تعالى كَمْ تَرَكُوا مِنْ جَنَّاتٍ وَ عُيُونٍ وَ زُرُوعٍ وَ مَقامٍ كَرِيمٍ وَ نَعْمَةٍ كانُوا فِيها فاكِهِينَ كَذلِكَ وَ أَوْرَثْناها قَوْماً آخَرِينَ
ثم إن يوشع استخلف على قوم فرعون رجلا منهم و عاد إلى موسى بمن معه سالمين غانمين. تذنيب قال السيد المرتضى قدس سره فإن قيل كيف جاز لموسى أن يأمر السحرة بإلقاء الحبال و العصي و ذلك كفر و سحر و تلبيس و تمويه و الأمر بمثله لا يحسن قلنا لا بد من أن يكون في أمره ع بذلك شرط فكأنه قال ألقوا ما أنتم ملقون إن كنتم محقين و كان فيما تفعلونه حجة و حذف الشرط لدلالة الكلام عليه و اقتضاء الحال له و يمكن أن يكون على سبيل التحدي بأن يكون دعاهم إلى الإلقاء على وجه يساويه فيه و لا يخيلون فيما ألقوه السعي و التصرف من غير أن يكون له حقيقة لأن ذلك غير مساو لما ظهر على يده من انقلاب الجماد حية على الحقيقة دون التخييل و إذا كان ذلك ليس في مقدورهم فإنما تحداهم به ليظهر حجته. أقول يمكن أن يقال الأمر بالسحر إذا كان مشتملا على بيان بطلانه و ظهور المعجزة و عدم مبالاته بما صنعوا مع أن القوم لا ينتهون عنه بعدم أمره بل بنهيه أيضا ليس بقبيح فيمكن أن يكون مخصصا لعمومات النهي عن الأمر بالسحر إن كانت و لو كان لمحض دليل العقل فلا يحكم في خصوص تلك الصورة بشيء من القبح أو يقال إنه لم يكن المراد به الأمر حقيقة بل كان الغرض عدم خوفه و مبالاته بما سحروا به فيمكن إرجاعه إلى أمر التسوية و قيل إنه لم يأمر بالسحر بل بالإلقاء و هو أعم منه. ثم قال السيد فإن قيل فمن أي شيء خاف موسى ع أ و ليس خوفه يقتضي شكه في صحة ما أتى به قلنا إنما رأى من قوة التلبيس و التخييل ما أشفق عنده من وقوع الشبهة على من لم ينعم النظر فآمنه الله تعالى من ذلك و بين له أن حجته ستتضح للقوم بقوله تعالى لا تَخَفْ إِنَّكَ أَنْتَ الْأَعْلى. أقول قد مر خبر في علة ذلك الخوف في إلقاء إبراهيم ع في النار و قيل كان لا يلقي العصا إلا بوحي و لما أبطأ الوحي خاف تفرق بعض الناس قبل أن يؤمر بالإلقاء و قيل كان خوفه ابتداء على مقتضى الجبلة البشرية. ثم قال السيد رحمه الله فإن قيل فما معنى قوله رَبَّنا إِنَّكَ آتَيْتَ فِرْعَوْنَ وَ مَلَأَهُ الآية قلنا أما قوله لِيُضِلُّوا عَنْ سَبِيلِكَ ففيه وجوه أولها أنه أراد لئلا يضلوا فحذف و هذا له نظائر كثيرة في القرآن و كلام العرب فمن ذلك قوله أَنْ تَضِلَّ إِحْداهُما و إنما أراد لئلا تضل و قوله أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيامَةِ و قوله أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ و قال الشاعر
نزلتم منزل الأضياف منا. فعجلنا القرى أن تشتمونا.
و ثانيها أن اللام هاهنا هي لام العاقبة و ليست بلام الغرض كقوله لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَ حَزَناً. و ثالثها أن يكون مخرج الكلام مخرج النفي و الإنكار على من زعم أن الله تعالى فعل ذلك ليضلهم. و رابعها أن يكون أراد الاستفهام فحذف حرفه المختص به