1- م، ]تفسير الإمام عليه السلام[ ج، ]الإحتجاج[ بالإسناد إلى أبي محمد العسكري ع عن زين العابدين ع أنه قال كان أمير المؤمنين ع قاعدا ذات يوم فأقبل إليه رجل من اليونانيين المدعين للفلسفة و الطب فقال له يا أبا الحسن بلغني خبر صاحبك و أن به جنونا و جئت لأعالجه فلحقته و قد مضى لسبيله و فاتني ما أردت من ذلك و قد قيل لي إنك ابن عمه و صهره و أرى بك صفارا قد علاك و ساقين دقيقين ما أراهما يقلانك فأما الصفار فعندي دواؤه و أما الساقان الدقيقان فلا حيلة لي لتغليظهما و الوجه أن ترفق بنفسك في المشي تقلله و لا تكثره و فيما تحمله على ظهرك و تحتضنه بصدرك أن تقللهما و لا تكثرهما فإن ساقيك دقيقان لا يؤمن عند حمل ثقيل انقصافهما و أما الصفار فدواؤه عندي و هو هذا و أخرج دواء و قال هذا لا يؤذيك و لا يخيبك و لكنه يلزمك حمية من اللحم أربعين صباحا ثم يزل صفارك فقال له علي بن أبي طالبع قد ذكرت نفع هذا الدواء لصفاري فهل عرفت شيئا يزيد فيه فيضره فقال الرجل بلى حبة من هذا و أشار إلى دواء معه و قال إن تناوله الإنسان و به صفار أماته من ساعته و إن كان لا صفار به صار به صفار حتى يموت في يومه فقال علي بن أبي طالب ع فأرني هذا الضار فأعطاه إياه فقال له كم قدر هذا قال له قدر مثقالين سم ناقع قدر حبة منه يقتل رجلا فتناوله علي ع فقمحه و عرق عرقا خفيفا و جعل الرجل يرتعد و يقول في نفسه الآن أؤخذ بابن أبي طالب و يقال قتله و لا يقبل مني قولي إنه هو الجاني على نفسه فتبسم علي ع و قال يا عبد الله أصح ما كنت بدنا الآن لم يضرني ما زعمت أنه سم فغمض عينيك فغمض ثم قال افتح عينيك ففتح و نظر إلى وجه علي ع فإذا هو أبيض أحمر مشرب حمرة فارتعد الرجل لما رآه و تبسم علي ع و قال أين الصفار الذي زعمت أنه بي فقال و الله لكأنك لست من رأيت من قبل كنت مصفرا فأنت الآن مورد قال علي ع فزال عني الصفار بسمك الذي تزعم أنه قاتلي و أما ساقاي هاتان و مد رجليه و كشف عن ساقيه فإنك زعمت أني أحتاج إلى أن أرفق ببدني في حمل ما أحمل عليه لئلا ينقصف الساقان و أنا أريك أن طب الله عز و جل خلاف طبك و ضرب بيديه إلى أسطوانة خشب عظيمة و على رأسها سطح مجلسه الذي هو فيه و فوقه حجرتان إحداهما فوق الأخرى و حركها و احتملها فارتفع السطح و الحيطان و فوقهما الغرفتان فغشي على اليوناني فقال أمير المؤمنين ع صبوا عليه ماء فصبوا عليه ماء فأفاق و هو يقول و الله ما رأيت كاليوم عجبا فقال له علي ع هذه قوة الساقين الدقيقتين و احتمالها في طبك هذا يا يوناني فقال اليوناني أ مثلك كان محمد فقال علي ع و هل علمي إلا من علمه و عقلي إلا من عقله و قوتي إلا من قوته لقد أتاه ثقفي كان أطب العرب فقال له إن كان بك جنون داويتك فقال له محمد ص أ تحب أن أريك آية تعلم بها غناي عن طبك و حاجتك إلى طبي قال نعم قال أي آية تريد قال تدعو ذلك العذق و أشار إلى نخلة سحوق فدعاها فانقلع أصلها من الأرض و هي تخد الأرض حتى وقفت بين يديه فقال له أ كفاك قال لا قال فتريد ما ذا قال تأمرها أن ترجع إلى حيث جاءت منه و تستقر في مقرها الذي انقلعت منه فأمرها فرجعت و استقرت في مقرها
فقال اليوناني لأمير المؤمنين ع هذا الذي تذكره عن محمد ص غائب عني و أنا اقتصر منك على أقل من ذلك أنا أتباعد عنك فادعني و أنا لا أختار الإجابة فإن جئت بي إليك فهي آية فقال أمير المؤمنين ع هذا إنما يكون آية لك وحدك لأنك تعلم من نفسك أنك لم ترده و أني أزلت اختيارك من غير أن باشرت مني شيئا أو ممن أمرته بأن يباشرك أو ممن قصد إلى إجبارك و إن لم آمره إلا ما يكون من قدرة الله تعالى القاهرة و أنت يا يوناني يمكنك أن تدعي و يمكن غيرك أن يقول إني واطأتك على ذلك فاقترح إن كنت مقترحا ما هو آية لجميع العالمين قال له اليوناني إذا جعلت الاقتراح إلي فأنا أقترح أن تفصل أجزاء تلك النخلة و تفرقها و تباعد ما بينها ثم تجمعها و تعيدها كما كانت فقال علي ع هذه آية و أنت رسولي إليها يعني إلى النخلة فقل لها إن وصي محمد رسول الله ص يأمر أجزاءك أن تتفرق و تتباعد فذهب فقال لها فتفاصلت و تهافتت و تنثرت و تصاغرت أجزاؤها حتى لم ير لها عين و لا أثر حتى كأن لم يكن هناك نخلة قط فارتعدت فرائص اليوناني فقال يا وصي محمد قد أعطيتني اقتراحي الأول فأعطني الآخر فأمرها أن تجتمع و تعود كما كانت فقال أنت رسولي إليها فقل لها يا أجزاء النخلة إن وصي محمد رسول الله صلى الله عليه و آله يأمرك أن تجتمعي و كما كنت تعودي فنادى اليوناني فقال ذلك فارتفعت في الهواء كهيئة الهباء المنثور ثم جعلت تجتمع جزء جزء منها حتى تصور لها القضبان و الأوراق و أصول السعف و شماريخ الأعذاق ثم تألفت و تجمعت و استطالت و عرضت و استقر أصلها في مقرها و تمكن عليها ساقها و تركب على الساق قضبانها و على القضبان أوراقها و في أمكنتها أعذاقها و كانت في الابتداء شماريخها متجردة لبعدها من أوان الرطب و البسر و الخلال فقال اليوناني و أخرى أحب أن تخرج شماريخها خلالها و تقلبها من خضرة إلى صفرة و حمرة و ترطيب و بلوغ ليؤكل و تطعمني و من حضرك منها فقال علي ع أنت رسولي إليها بذلك فمرها به فقال لها اليوناني يأمرك أمير المؤمنين ع بكذا و كذا فأخلت و أبسرت و اصفرت و احمرت و ترطبت و ثقلت أعذاقها برطبها فقال اليوناني و أخرى أحبها يقرب من يدي أعذاقها أو تطول يدي لتنالها و أحب شيء إلي أن تنزل إلي إحداها و تطول يدي إلى الأخرى التي هي أختها فقال أمير المؤمنين ع مد اليد التي تريد أن تنالها و قل يا مقرب البعيد قرب يدي منها و اقبض الأخرى التي تريد أن تنزل العذق إليها و قل يا مسهل العسير سهل لي تناول ما يبعد عني منها ففعل ذلك و قاله فطالت يمناه فوصلت إلى العذق و انحطت الأعذاق الأخرى فسقطت على الأرض و قد طالت عراجينها ثم قال أمير المؤمنين ع إنك إن أكلت منها و لم تؤمن بمن أظهر لك عجائبها عجل الله عز و جل من العقوبة التي يبتليك بها ما يعتبر بها عقلاء خلقه و جهالهم فقال اليوناني إني إن كفرت بعد ما رأيت فقد بلغت في العناد و تناهيت في التعرض للهلاك أشهد أنك من خاصة الله صادق في جميع أقاويلك عن الله فأمرني بما تشاء أطعك قال علي آمرك أن تقر لله بالوحدانية و تشهد له بالجود و الحكمة و تنزهه عن العبث و الفساد و عن ظلم الإماء و العباد و تشهد أن محمدا الذي أنا وصيه
سيد الأنام و أفضل برية في دار السلام و تشهد أن عليا الذي أراك ما أراك و أولاك من النعم ما أولاك خير خلق الله بعد محمد رسول الله و أحق خلق الله بمقام محمد ص بعده و القيام بشرائعه و أحكامه و تشهد أن أولياءه أولياء الله و أن أعداءه أعداء الله و أن المؤمنين المشاركين لك فيما كلفتك المساعدين لك على ما به أمرتك خير أمة محمد ص و صفوة شيعة علي ع و آمرك أن تواسي إخوانك المطابقين لك على تصديق محمد ص و تصديقي و الانقياد له و لي مما رزقك الله و فضلك على من فضلك به منهم تسد فاقتهم و تجبر كسرهم و خلتهم و من كان منهم في درجتك في الإيمان ساويته في مالك بنفسك و من كان منهم فاضلا عليك في دينك آثرته بمالك على نفسك حتى يعلم الله منك أن دينه آثر عندك من مالك و أن أولياءه أكرم إليك من أهلك و عيالك و آمرك أن تصون دينك و علمنا الذي أودعناك و أسرارنا التي حملناك فلا تبد علومنا لمن يقابلها بالعناد و يقابلك من أجلها بالشتم و اللعن و التناول من العرض و البدن و لا تفش سرنا إلى من يشنع علينا عند الجاهلين بأحوالنا و يعرض أولياءنا لبوادر الجهال و آمرك أن تستعمل التقية في دينك فإن الله عز و جل يقول لا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكافِرِينَ أَوْلِياءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ وَ مَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللَّهِ فِي شَيْءٍ إِلَّا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقاةً و قد أذنت لك في تفضيل أعدائنا علينا إن ألجأك الخوف إليه و في إظهار البراءة منا إن حملك الوجل إليه و في ترك الصلوات المكتوبات إذا خشيت على حشاشتك الآفات و العاهات فإن تفضيلك أعداءنا علينا عند خوفك لا ينفعهم و لا يضرنا و إن إظهارك براءتك منا عند تقيتك لا يقدح فينا و لا ينقصنا و لئن تبرأ منا ساعة بلسانك و أنت موال لنا بجنانك لتبقي على نفسك روحها التي بها قوامها و مالها الذي به قيامها و جاهها الذي به تماسكها و تصون من عرف بذلك و عرفت به من أوليائنا إخواننا و أخواتنا من بعد ذلك بشهور و سنين إلى أن تنفرج تلك الكربة و تزول به تلك الغمة فإن ذلك أفضل من أن تتعرض للهلاك و تنقطع به عن عمل في الدين و صلاح إخوانك المؤمنين و إياك ثم إياك أن تترك التقية التي أمرتك بها فإنك شائط بدمك و دماء إخوانك معرض لنعمك و نعمهم للزوال مذل لهم في أيدي أعداء دين الله و قد أمرك الله بإعزازهم فإنك إن خالفت وصيتي كان ضررك على نفسك و إخوانك أشد من ضرر المناصب لنا الكافر بنا
بيان قوله و لا يخيبك في نسخ التفسير و لا يخيسك من خاس بالعهد أي نقض كناية عن عدم النفع و قال الجوهري قمحت السويق و غيره بالكسر إذا استففته و قال القصف الكسر و التقصف التكسر و قال السحوق من النخل الطويلة و قال الحشاشة بقية الروح في المريض و قال شاط فلان أي ذهب دمه هدرا و أشاطه بدمه و أشاط دمه أي عرضه للقتل