1- ج، ]الإحتجاج[ دخل أبو العلاء المعري الدهري على السيد المرتضى قدس الله سره فقال له أيها السيد ما قولك في الكل فقال السيد ما قولك في الجزء فقال ما قولك في الشعرى فقال ما قولك في التدوير قال ما قولك في عدم الانتهاء فقال ما قولك في التحيز و الناعورة فقال ما قولك في السبع فقال ما قولك في الزائد البري من السبع فقال ما قولك في الأربع فقال ما قولك في الواحد و الاثنين فقال ما قولك في المؤثر فقال ما قولك في المؤثرات فقال ما قولك في النحسين فقال ما قولك في السعدين فبهت أبو العلاء فقال السيد المرتضى رضي الله عنه عند ذلك ألا كل ملحد ملهد و قال أبو العلاء أخذته من كتاب الله عز و جل يا بُنَيَّ لا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ و قام و خرج فقال السيد رضي الله عنه قد غاب عنا الرجل و بعد هذا لا يرانا فسئل السيد رضي الله عنه عن شرح هذه الرموز و الإشارات فقال سألني عن الكل و عنده الكل قديم و يشير بذلك إلى عالم سماه العالم الكبير فقال لي ما قولك فيه أراد أنه قديم و أجبته عن ذلك و قلت له ما قولك في الجزء لأن عندهم الجزء محدث و هو المتولد عن العالم الكبير و هذا الجزء هو العالم الصغير عندهم و كان مرادي بذلك أنه إذا صح أن هذا العالم محدث فذلك الذي أشار إليه إن صح فهو محدث أيضا لأن هذا من جنسه على زعمه و الشيء الواحد و الجنس الواحد لا يكون بعضه قديما و بعضه محدثا فسكت لما سمع ما قلته و أما الشعرى أراد أنها ليست من الكواكب السيارة فقلت له ما قولك في التدوير أردت أن الفلك في التدوير و الدوران فالشعرى لا يقدح في ذلك و أما عدم الانتهاء أراد بذلك أن العالم لا ينتهي لأنه قديم فقلت له قد صح عندي التحيز و التدوير و كلاهما يدلان على الانتهاء و أما السبع أراد بذلك النجوم السيارة التي هي عندهم ذوات الأحكام فقلت له هذا باطل بالزائد البري الذي يحكم فيه بحكم لا يكون ذلك الحكم منوطا بهذه النجوم السيارة التي هي الزهرة و المشتري و المريخ و عطارد و الشمس و القمر و زحل و أما الأربع أراد بها الطبائع فقلت له ما قولك في الطبيعة الواحدة النارية يتولد منها دابة بجلدها تمس الأيدي ثم تطرح ذلك الجلد على النار فيحترق الزهومات و يبقى الجلد صحيحا لأن الدابة خلقها الله على طبيعة النار و النار لا تحرق النار و الثلج أيضا يتولد فيه الديدان و هو على طبيعة واحدة و الماء في البحر على طبيعتين تتولد عنه السموك و الضفادع و الحيات و السلاحف و غيرها و عنده لا يحصل الحيوان إلا بالأربع فهذا مناقض لهذا و أما المؤثر أراد به الزحل فقلت له ما قولك في المؤثر أردت بذلك أن المؤثرات كلهن عنده مؤثرات فالمؤثر القديم كيف يكون مؤثرا و أما النحسين أراد بهما أنهما من النجوم السيارة إذا اجتمعا يخرج من بينهما سعد فقلت له ما قولك في السعدين إذا اجتمعا خرج من بينهما نحس هذا حكم أبطله الله تعالى ليعلم الناظر أن الأحكام لا تتعلق بالمسخرات لأن الشاهد يشهد على أن العسل و السكر إذا اجتمعا لا يحصل منهما الحنظل و العلقم و الحنظل و العلقم إذا اجتمعا لا يحصل منهما الدبس و السكر هذا دليل على بطلان قولهم و أما قولي ألا كل ملحد ملهد أردت أن كل مشرك ظالم لأن في اللغة ألحد الرجل عن الدين إذا عدل عن الدين و ألهد إذا ظلم فعلم أبو العلاء ذلك و أخبرني عن علمه بذلك فقرأ يا بُنَيَّ لا تُشْرِكْ بِاللَّهِ الآية و قال إن المعري لما خرج من العراق سئل عن السيد المرتضى رضي الله عنه فقال
يا سائلي عنه لما جئت أسأله ألا هو الرجل العاري من العارلو جئته لرأيت الناس في رجل و الدهر في ساعة و الأرض في دار
بيان الناعورة الدولاب و استعير هنا للفلك الدوار
2- أقول قال السيد المرتضى رضي الله عنه في كتاب الفصول، اتفق للشيخ أبي عبد الله المفيد رحمة الله عليه اتفاق مع القاضي أبي بكر أحمد بن سيار في دار الشريف أبي عبد الله محمد بن محمد بن طاهر الموسوي رضي الله عنه و كان بالحضرة جمع كثير يزيد عددهم على مائة إنسان و فيهم أشراف من بني علي و بني العباس و من وجوه الناس و التجار حضروا في قضاء حق الشريف رحمه الله فجرى من جماعة من القوم خوض في ذكر النص على أمير المؤمنين ع و تكلم الشيخ أبو عبد الله أيده الله في ذلك بكلام يسير على ما اقتضته الحال فقال له القاضي أبو بكر بن سيار خبرني ما النص في الحقيقة و ما معنى هذه اللفظة فقال الشيخ أيده الله النص هو الإظهار و الإبانة من ذلك قولهم فلان قد نص قلوصه إذا أبانها بالسير و أبرزها من جملة الإبل و لذلك سمي المفرش العالي منصة لأن الجالس عليه يبين بالظهور من الجماعة فلما أظهره المفرش سمي منصة على ما ذكرناه و من ذلك أيضا قولهم قد نص فلان مذهبه إذا أظهره و أبانه و منه قول الشاعر
و جيد كجيد الريم ليس بفاحش إذا هي نصته و لا بمعطل
يريد إذا هي أظهرته و قد قيل نصبته و المعنى في هذا يرجع إلى الإظهار فأما هذه اللفظة فإنها قد جعلت مستعملة في الشريعة على المعنى الذي قدمت و متى أردت حد المعنى منها قلت حقيقة النص هو القول المنبئ عن المقول فيه على سبيل الإظهار فقال القاضي ما أحسن ما قلت و لقد أصبت فيما أوضحت و كشفت فخبرني الآن إذا كان النبي ص قد نص على إمامة أمير المؤمنين ع فقد أظهر فرض طاعته و إذا أظهره استحال أن يكون مخفيا فما بالنا لا نعلمه إن كان الأمر على ما ذكرت في حد النص و حقيقته فقال الشيخ أيده الله أما الإظهار من النبي ص فقد وقع و لم يك خافيا في حال ظهوره و كل من حضره فقد علمه و لم يرتب فيه و لا اشتبه عليه و أما سؤالك عن علة فقدك العلم به الآن و في هذا الزمان فإن كنت لا تعلمه على ما أخبرت به عن نفسك فذلك لدخول الشبهة عليك في طريقه لعدولك عن وجه النظر في الدليل المفضي بك إلى حقيقته و لو تأملت الحجة فيه بعين الإنصاف لعلمته و لو كنت حاضرا في وقت إظهار النبي له ص لما أخللت بعلمه و لكن العلة في ذهابك عن اليقين فيه ما وصفناه فقال و هل يجوز أن يظهر النبي ص شيئا في زمانه فيخفى عمن ينشأ بعد وفاته حتى لا يعلمه إلا بنظر ثاقب و استدلال عليه فقال الشيخ أيده الله تعالى نعم يجوز ذلك بل لا بد منه لمن غاب عن المقام في علم ما كان منه إلى النظر و الاستدلال و ليس يجوز أن يقع له به علم الاضطرار لأنه من جملة الغائبات غير أن الاستدلال في هذا الباب يختلف في الغموض و الظهور و الصعوبة و السهولة على حسب الأسباب المعترضات في طرفه و ربما عرى طريق ذلك من سبب فيعلم بيسير من الاستدلال على وجه يشبه الاضطرار إلا أن طريق النص حصل فيه من الشبهات للأسباب التي اعترضته ما يتعذر معها العلم به إلا بعد نظر ثاقب و طول زمان في الاستدلال فقال فإذا كان الأمر على ما وصفت فما أنكرت أن يكون النبي ص قد نص على نبي آخر معه في زمانه أو نبي يقوم من بعده مقامه و أظهر ذلك و شهره على حد ما أظهر به إمامة أمير المؤمنين ع فذهب عنا علم ذلك كما ذهب عنا علم النص و أسبابه فقال له الشيخ أيده الله أنكرت ذلك من قبل أن العلم حاصل لي و لكل مقر بالشرع و منكر له بكذب من ادعى ذلك على رسول الله ص و لو كان ذلك حقا لما عم الجميع على بطلانه و كذب مدعيه و مضيفه إلى النبي ص و لو تعرى بعض العقلاء من سامعي الأخبار عن علم ذلك لاحتجت في إفساده إلى تكلف دليل غير ما وصفت لكن الذي ذكرت يغنيني عن اعتماد غيره فإن كان النص على الإمامة نظيره فيجب أن يعم العلم ببطلانه جميع سامعي الأخبار حتى لا يختلف في اعتقاد ذلك اثنان و في تنازع الأمة فيه و اعتقاد جماعة صحته و العلم به و اعتقاد جماعة بطلانه دليل على فرق ما بينه و بين ما عارضت به ثم قال له الشيخ أدام الله حراسته أ لا أنصف القاضي من نفسه و التزم ما ألزمه خصومه فيما شاركهم فيه من نفي ما تفردوا به ففصل بينه و بين خصومه في قوله إن النبي ص قد نص على رجم الزاني و فعله و موضع قطع السارق و فعله و على صفة الطهارة و الصلاة و حدود الصوم و الحج و الزكاة و فعل ذلك و بينه و كرره و شهره ثم التنازع موجود في ذلك و إنما يعلم الحق فيه و ما عليه العمل من غيره بضرب من الاستدلال بل في قوله إن انشقاق القمر لرسول الله ص كان ظاهرا في حياته و مشهورا في عصره و زمانه و قد أنكر ذلك جماعة من المعتزلة و غيرهم من أهل الملل و الملحدة و زعموا أن ذلك من توليد أصحاب السير و مؤلفي المغازي و ناقلي الآثار و ليس يمكننا أن ندعي على من خالفنا فيما ذكرنا علم الاضطرار و إنما نعتمد على غلطهم في الاستدلال فما يؤمنه أن يكون النبي ص قد نص على نبي
من بعده و إن عرى من العلم بذلك على سبيل الاضطرار و بم يدفع أن يكون قد حصلت شبهات حالت بينه و بين العلم بذلك كما حصل لخصومه فيما عددناه و وصفناه و هذا ما لا فصل فيه فقال له ليس يشبه النص على أمير المؤمنين ع جميع ما ذكرت لأن فرض النص عندك فرض عام و ما وقع فيه الاختلاف فيما قدمت فروض خاصة و لو كانت في العموم كهو لما وقع فيها الاختلاف فقال الشيخ أيده الله فقد انتقض الآن جميع ما اعتمدته و بان فساده و احتجت في الاعتماد إلى غيره و ذلك أنك جعلت موجب العلم و سبب ارتفاع الخلاف ظهور الشيء في زمان ما و اشتهاره بين الملإ و لم تضم إلى ذلك غيره و لا شرطت فيه موصوفا سواه فلما نقضناه عليك و وضح عندك دماره عدلت إلى التعلق بعموم الفرض و خصوصه و لم يك هذا جاريا فيما سلف و الزيادة في الاعتلال انقطاع و الانتقال من اعتماد إلى اعتماد أيضا انقطاع على أنه ما الذي يؤمنك أن ينص على نبي يحفظ شرعه فيكون فرض العمل به خاصا في العبادة كما كان الفرض فيما عددناه خاصا فهل فيها من فصل يعقل فلم يأت بشيء تجب حكايته 3- قال و روى الشيخ أنه قال بعض الشيعة لبعض الناصبة في محاورته له في فضل آل محمد ع أ رأيت لو بعث الله نبيه ص أين ترى كان يحط رحله و ثقله قال فقال له الناصب كان يحطه في أهله و ولده قال فقال له الشيعي فإني قد حططت هواي حيث يحط رسول الله ص رحله و ثقله 4- و من كلام الشيخ أدام الله كفايته في إبطال إمامة أبي بكر من جهة الإجماع سأله المعروف بالكتبي فقال له ما الدليل على فساد إمامة أبي بكر فقال له الدلالة على ذلك كثيرة فأنا أذكر لك منها دليلا يقرب من فهمك و هو أن الأمة مجتمعة على أن الإمام لا يحتاج إلى إمام و قد أجمعت الأمة على أن أبا بكر قال على المنبر وليتكم و لست بخيركم فإن استقمت فاتبعوني و إن اعوججت فقوموني فاعترف بحاجته إلى رعيته و فقره إليهم في تدبيره و لا خلاف بين ذوي العقول أن من احتاج إلى رعيته فهو إلى الإمام أحوج و إذا ثبت حاجة أبي بكر إلى الإمام بطلت إمامته بالإجماع المنعقد على أن الإمام لا يحتاج إلى الإمام فلم يدر الكتبي بم يعترض و كان بالحضرة من المعتزلة رجل يعرف بعرزالة فقال ما أنكرت على من قال لك إن الأمة أيضا مجتمعة على أن القاضي لا يحتاج إلى قاض و الأمير لا يحتاج إلى أمير فيجب على هذا الأصل أن يوجب عصمة الأمراء أو يخرج من الإجماع فقال له الشيخ إن سكوت الأول أحسن من كلامك هذا و ما كنت أظن أنه يذهب عليك الخطأ في هذا الفصل أو تحمل نفسك عليه مع العلم بوهنه و ذلك أنه لا إجماع في ما ذكرت بل الإجماع في ضده لأن الأمة متفقة على أن القاضي الذي هو دون الإمام يحتاج إلى قاض هو الإمام و ذلك يسقط ما تعلقت به اللهم إلا أن تكون أشرت بالأمير و القاضي إلى نفس الإمام فهو كما وصفت غير محتاج إلى قاض يتقدمه أو أمير عليه و إنما استغنى عن ذلك لعصمته و كماله فأين موضوع إلزامك عافاك الله فلم يأت بشيء 5- و من كلام الشيخ أدام الله نعماءه أيضا سأله رجل من المعتزلة يعرف بأبي عمرو الشوطي فقال له أ ليس قد اجتمعت الأمة على أن أبا بكر و عمر كان ظاهرهما الإسلام فقال له الشيخ نعم قد أجمعوا على أنهما كانا على ظاهر الإسلام زمانا فأما أن يكونوا مجمعين على أنهما كانا في سائر أحوالهما على ظاهر الإسلام فليس
في هذا إجماع لاتفاق أنهما كانا على الشرك و لوجود طائفة كثيرة العدد تقول إنهما كانا بعد إظهارهما الإسلام على ظاهر كفر بجحد النص و أنه قد كان يظهر منهما النفاق في حياة النبي ص فقال الشوطي قد بطل ما أردت أن أورده على هذا السؤال بما أوردت و كنت أظن أنك تطلق القول على ما سألتك فقال له الشيخ قد سمعت ما عندي و قد علمت ما الذي أردت فلم أمكنك منه و لكني أنا أضطرك إلى الوقوع فيما ظننت أنك توقع خصمك فيه أ ليس الأمة مجتمعة على أنه من اعترف بالشك في دين الله عز و جل و الريب في نبوة رسول الله ص فقد اعترف بالكفر و أقر به فقال بلى فقال له الشيخ فإن الأمة مجتمعة لا خلاف بينها على أن عمر بن الخطاب قال ما شككت منذ أسلمت إلا يوم قاضى رسول الله ص أهل مكة فإني جئت إليه فقلت له يا رسول الله أ لست بنبي فقال بلى فقلت أ لسنا بالمؤمنين قال بلى فقلت له فعلام تعطي هذه الدنية من نفسك فقال إنها ليست بدنية و لكنها خير لك فقلت له أ فليس وعدتنا أنك تدخل مكة قال بلى قلت فما بالنا لا ندخلها قال وعدتك أن تدخلها العام قلت لا قال فستدخلها إن شاء الله تعالى فاعترف بشكه في دين الله عز و جل و نبوة رسوله و ذكر مواضع شكوكه و بين عن جهاتها و إذا كان الأمر على ما وصفناه فقد حصل الإجماع على كفره بعد إظهار الإيمان و اعترافه بموجب ذلك على نفسه ثم ادعى خصوم من الناصبة أنه تيقن بعد الشك و رجع إلى الإيمان بعد الكفر فأطرحنا قولهم لعدم البرهان منهم و اعتمدنا على الإجماع فيما ذكرناه فلم يأت بشيء أكثر من أن قال ما كنت أظن أن أحدا يدعي الإجماع على كفر عمر بن الخطاب حتى الآن فقال الشيخ فالآن قد علمت ذلك و تحققته و لعمري إن هذا مما لم يسبقني إلى استخراجه أحد فإن كان عندك شيء فأورده فلم يأت بشيء 6- و من كلام الشيخ أدام الله علوه أيضا حضر في دار الشريف أبي عبد الله محمد بن محمد بن طاهر رحمه الله و حضر رجل من المتفقهة يعرف بالورثاني و هو من فهمائهم فقال له الورثاني أ ليس من مذهبك أن رسول الله ص كان معصوما من الخطإ مبرأ من الزلل مأمونا عليه السهو و الغلط كاملا بنفسه غنيا عن رعيته فقال له الشيخ بلى كذلك كان رسول الله ص قال فما تصنع في قول الله عز و جل وَ شاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ أ ليس قد أمره الله تعالى بالاستعانة بهم في الرأي و أفقره إليهم فكيف يصح لك ما ادعيت مع ظاهر القرآن و ما فعله النبي ص فقال الشيخ إن رسول الله ص لم يشاور أصحابه لفقر منه إلى رأيهم و لا حاجة دعته إلى مشورتهم من حيث ظننت و توهمت بل لأمر آخر أنا نذكره لك بعد الإيضاح عما خبرتك به و ذلك أنا قد علمنا أن رسول الله ص كان معصوما من الكبائر و إن خالفت أنت في عصمته من الصغائر و كان أكمل الخلق باتفاق أهل الملة و أحسنهم رأيا و أوفرهم عقلا و أحكمهم تدبيرا و كانت المواد بينه و بين الله تعالى متصلة و الملائكة تتواتر عليه بالتوقيف عن الله سبحانه و التهذيب و الإنباء له عن المصالح و إذا كان بهذه الصفات لم يصح أن يدعوه داع إلى اقتباس الرأي من رعيته لأنه ليس أحد منهم إلا و هو دونه في سائر ما عددناه و إنما يستشير الحكيم غيره على طريق الاستفادة و الاستعانة برأيه إذا تيقن أنه أحسن رأيا منه و أجود تدبيرا و أكمل عقلا أو ظن ذلك فأما إذا أحاط علما بأنه دونه فيما وصفناه لم يكن لاستعانته في تدبيره برأيه معنى لأن الكامل لا يفتقر إلى الناقص فيما يحتاج فيه إلى الكمال كما
لا يفتقر العالم إلى الجاهل فيما يحتاج فيه إلى العلم و الآية ينبه متضمنها على ذلك أ لا ترى إلى قوله عز و جل وَ شاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فعلق وقوع الفعل بعزمه دون رأيهم و مشورتهم و لو كان إنما أمره بمشورتهم للاستضاءة برأيهم لقال له فإذا أشاروا عليك فاعمل و إذا اجتمع رأيهم على أمر فأمضه فكان تعلق فعله بالمشورة دون العزم الذي يختص به فلما جاء الذكر بما تلوناه سقط ما توهمته و أما وجه دعائه لهم إلى المشورة عليه صلوات الله عليه فإن الله عز و جل أمره بتألفهم بمشورتهم و تعلمهم ما يصنعونه عند عزماتهم ليتأدبوا بأدب الله عز و جل فاستشارهم لذلك لا لحاجة إلى رأيهم على أن هاهنا وجها آخر بينا و هو أن الله سبحانه أعلمه أن في أمته من يبتغي له الغوائل و يتربص به الدوائر و يسر خلافه و يبطن مقته و يسعى في هدم أمره و ينافقه في دينه و لم يعرفه أعيانهم و لا دله عليهم بأسمائهم فقال جل جلاله وَ مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُوا عَلَى النِّفاقِ لا تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ سَنُعَذِّبُهُمْ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ يُرَدُّونَ إِلى عَذابٍ عَظِيمٍ و قال جل اسمه وَ إِذا ما أُنْزِلَتْ سُورَةٌ نَظَرَ بَعْضُهُمْ إِلى بَعْضٍ هَلْ يَراكُمْ مِنْ أَحَدٍ ثُمَّ انْصَرَفُوا صَرَفَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَفْقَهُونَ و قال تبارك اسمه يَحْلِفُونَ لَكُمْ لِتَرْضَوْا عَنْهُمْ فَإِنْ تَرْضَوْا عَنْهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ لا يَرْضى عَنِ الْقَوْمِ الْفاسِقِينَ و قال تعالى وَ يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ إِنَّهُمْ لَمِنْكُمْ وَ ما هُمْ مِنْكُمْ وَ لكِنَّهُمْ قَوْمٌ يَفْرَقُونَ و قال عز و جل وَ إِذا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسامُهُمْ وَ إِنْ يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُسَنَّدَةٌ يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ قاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ و قال جل جلاله وَ لا يَأْتُونَ الصَّلاةَ إِلَّا وَ هُمْ كُسالى وَ لا يُنْفِقُونَ إِلَّا وَ هُمْ كارِهُونَ و قال تبارك و تعالى وَ إِذا قامُوا إِلَى الصَّلاةِ قامُوا كُسالى يُراؤُنَ النَّاسَ وَ لا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلًا و قال سبحانه بعد أن نبأه عنهم في الجملة وَ لَوْ نَشاءُ لَأَرَيْناكَهُمْ فَلَعَرَفْتَهُمْ بِسِيماهُمْ وَ لَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ فدل عليهم بمقالهم و جعل الطريق له إلى معرفتهم ما يظهر من نفاقهم في لحن قولهم ثم أمره بمشورتهم ليصل ما يظهر منهم إلى علم باطنهم فإن الناصح يبدو نصيحته في مشورته و الغاش المنافق يظهر ذلك في مقاله فاستشارهم ص لذلك و لأن الله جل جلاله جعل مشورتهم الطريق إلى معرفتهم أ لا ترى أنهم لما أشاروا ببدر عليه ص في الأسرى فصدرت مشورتهم عن نيات مشوبة في نصيحته كشف الله ذلك له و ذمهم عليه و أبان عن إدغالهم فيه فقال جل اسمه ما كانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيا وَ اللَّهُ يُرِيدُ الْآخِرَةَ وَ اللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ لَوْ لا كِتابٌ مِنَ اللَّهِ سَبَقَ لَمَسَّكُمْ فِيما أَخَذْتُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ فوجه التوبيخ إليهم و التعنيف على رأيهم و أبان لرسوله ص عن حالهم فيعلم أن المشورة لهم لم يكن للفقر إلى رأيهم و لكن كانت لما ذكرناه فقال الشيخ من القوم يعرف بالجراحي و كان حاضرا يا سبحان الله أ ترى أن أبا بكر و عمر كانا من أهل نفاق كلا ما نظنك أيدك الله تطلق هذا و ما رأينا ص استشار ببدر غيرهما فإن كانا هما من المنافقين فهذا ما لا نصبر عليه و لا نقوى على استماعهو إن لم يكونا من جملة أهل النفاق فاعتمد على الوجه الأول و هو أن النبي ص أراد أن يتألفهم بالمشورة و يعلمهم كيف يصنعون في أمورهم فقال له الشيخ أدام الله نعماءه ليس هذا من الحجاج أيها الشيخ في شيء و إنما هو في استكبار و استعظام معدول به عن الحجة و البرهان و لم نذكر إنسانا بعينه و إنما أتينا بمجمل من القول ففصله الشيخ و كان غنيا عن تفصيله
و صاح الورثاني و أعلى صوته بالصياح يقول الصحابة أجل قدرا من أن يكونوا من أهل النفاق و لا سيما الصديق و الفاروق و أخذ في كلام نحو هذا من كلام السوقة و العامة و أهل الشغب و الفتن فقال له الشيخ أيده الله دع عنك الضجيج و تخلص مما أوردته عليك من البرهان و احتل لنفسك و للقوم فقد بان الحق و زهق الباطل بأهون سعي وَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ 7- و من كلام الشيخ أدام الله تأييده أيضا سأله بعض أصحابه فقال له إن المعتزلة و الحشوية يدعون أن جلوس أبي بكر و عمر مع رسول الله ص في العريش كان أفضل من جهاد أمير المؤمنين ع بالسيف لأنهما كانا مع النبي ص في مستقره يدبران الأمر معه ص و لو لا أنهما أفضل الخلق عنده ما اختصهما بالجلوس معه فبأي شيء تدفع هذا فقال له الشيخ سبيل هذا القول أن يعكس و هذه القضية أن تقلب و ذلك أن النبي ص لو علم أنهما لو كانا من جملة المجاهدين بأنفسهما يبارزان الأقران و يقتلان الأبطال و يحصل لهما جهاد يستحقان به الثواب لما حال بينهما و بين هذه المنزلة التي هي أجل و أشرف و أعلى و أسنى من القعود على كل حال بنص الكتاب حيث يقول الله سبحانه لا يَسْتَوِي الْقاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ وَ الْمُجاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوالِهِمْ وَ أَنْفُسِهِمْ فَضَّلَ اللَّهُ الْمُجاهِدِينَ بِأَمْوالِهِمْ وَ أَنْفُسِهِمْ عَلَى الْقاعِدِينَ دَرَجَةً وَ كُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنى وَ فَضَّلَ اللَّهُ الْمُجاهِدِينَ عَلَى الْقاعِدِينَ أَجْراً عَظِيماً فلما رأينا الرسول ص قد منعهما هذه الفضيلة و أجلسهما معه علمنا أن ذلك لعلمه بأنهما لو تعرضا للقتال أو عرضا له لأفسدا إما بأن ينهزما أو يوليا الدبر كما صنعا يوم أحد و خيبر و حنين و كان يكون في ذلك عظيم الضرر على المسلمين و لا يؤمن وقوع الوهن فيهم بهزيمة شيخين من جملتهم أو كانا من فرط ما يلحقهما من الخوف و الجزع يصيران إلى أهل الشرك مستأمنين أو غير ذلك من الفساد الذي يعلمه الله تعالى و لعله لطف للأمة بأن أمر رسول الله ص بحبسهما عن القتال فأما ما توهموه من أنه حبسهما للاستعانة برأيهما فقد ثبت أنه كان كاملا و كانا ناقصين عن كماله و كان ص معصوما و كانا غير معصومين و كان مؤيدا بالملائكة و كانا غير مؤيدين و كان يوحى إليه و ينزل القرآن عليه و لم يكونا كذلك فأي فقر يحصل له مع ما وصفناه إليهما لو لا عمى القلوب و ضعف الرأي و قلة الدين و الذي يكشف لك عن صحة ما ذكرته آنفا في وجه إجلاسهما معه في العريش قول الله سبحانه إِنَّ اللَّهَ اشْتَرى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَ أَمْوالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَ يُقْتَلُونَ وَعْداً عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْراةِ وَ الْإِنْجِيلِ وَ الْقُرْآنِ فلا يخلو الرجلان من أن يكونا مؤمنين أو غير مؤمنين فقد اشترى الله عز و جل أنفسهما منهما بالجنة على شرط القتال المؤدي إلى القتل منهما لغيرهما أو قتل غيرهما لهما و لو كان ذلك كذلك لما حال النبي بينهما و بين الوفاء بشرط الله عليهما من القتال و في منعهما من ذلك دليل على أنهما بغير الصفة التي يعتقدها فيهما الجاهلون فقد وضح بما بيناه أن العريش وبال عليهما و دليل على نقصهما و أنه بالضد مما توهموه و المنة لله تعالى 8- و قال الشيخ أدام الله عزه قال أبو الحسن الخياط جاءني رجل من أصحاب الإمامة عن رئيس لهم زعم أنه أمره أن يسألني عن قول النبي ص لأبي بكر لا تَحْزَنْ أ طاعة خوف أبي بكر أم معصية قال فإن كان طاعة فقد نهاه عن الطاعة و إن كان معصية فقد عصى أبو بكر قال فقلت له دع الجواب اليوم و لكن ارجع إليه و اسأله عن قول الله تعالى
لموسى ع لا تَخَفْ أ يخلو خوف موسى ع من أن يكون طاعة أم معصية فإن يك طاعة فقد نهاه عن الطاعة و إن يك معصية فقد عصى موسى ع قال فمضى ثم عاد إلي فقلت له رجعت إليه قال نعم فقلت له ما قال قال قال لي لا تجلس إليه قال الشيخ أدام الله عزه و لست أدري صحة هذه الحكاية و لا أبعد أن يكون من تخرص الخياط و لو كان صادقا في قوله إن رئيسا من الشيعة أنفذ مسألة عن هذا السؤال لما قصر الرئيس عن إسقاط ما أورده من الاعتراض و يقوى في النفس أن الخياط أراد التقبيح على أهل الإمامة في تخرص هذه الحكاية غير أني أقول له و لأصحابه الفصل بين الأمرين واضح و ذلك أني لو خليت و ظاهر قوله تعالى لموسى ع وَ لا تَخَفْ و قوله تعالى لنبيه ص لا يَحْزُنْكَ قَوْلُهُمْ و ما أشبه هذا مما توجه إلى الأنبياء ع لقطعت على أنه نهى لهم عن قبيح يستحقون عليه الذم لأن في ظاهره حقيقة النهي من قوله لا تفعل كما أن في ظاهر خلافه و مقابله في الكلام حقيقة الأمر إذا قال له افعل لكنني عدلت عن الظاهر لدلالة عقلية أوجبت علي العدول كما يوجب الدلالة على المرور مع الظاهر عند عدم الدليل الصارف عنه و هي ما ثبت من عصمة الأنبياء ع التي ينبئ عن اجتنابهم الآثام و إذا كان الاتفاق حاصلا على أن أبا بكر لم يكن معصوما كعصمة الأنبياء ع وجب أن يجري كلام الله تعالى فيما ضمنه من قصته على ظاهر النهي و حقيقته و قبح الحال التي كان عليها فتوجه النهي إليه عن استدامتها إذ لا صارف يصرف عن ذلك من عصمته و لا خبر عن الله سبحانه فيه و لا عن رسوله ص فقد بطل ما أورده الخياط و هو في الحقيقة رئيس المعتزلة و بان و هي اعتماده و يكشف عن صحة ما ذكرناه ما تقدم به
مشايخنا رحمهم الله و هو أن الله سبحانه لم ينزل السكينة قط على نبيه ص في موطن كان معه فيه أحد من أهل الإيمان إلا عمهم بنزول السكينة و شملهم بها بذلك جاء القرآن قال الله سبحانه وَ يَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئاً وَ ضاقَتْ عَلَيْكُمُ الْأَرْضُ بِما رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ ثُمَّ أَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلى رَسُولِهِ وَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ و لما لم يكن مع النبي ص في الغار إلا أبو بكر أفرد الله سبحانه نبيه بالسكينة دونه و خصه بها و لم يشركه معه فقال عز اسمه فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَ أَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْها فلو كان الرجل مؤمنا لجرى مجرى المؤمنين في عموم السكينة لهم و لو لا أنه أحدث بحزنه في الغار منكرا لأجله توجه النهي إليه عن استدامته لما حرمه الله تعالى من السكينة ما تفضل به على غيره من المؤمنين الذين كانوا مع رسول الله ص في المواطن الأخر على ما جاء في القرآن و نطق به محكم الذكر بالبيان و هذا بين لمن تأمله. قال الشيخ أيده الله و قد حير هذا الكلام جماعة من الناصبة و ضيق صدورهم فتشعبوا و اختلفوا في الحيلة في التخلص منه فما اعتمد منهم أحد إلا على ما يدل على ضعف عقله و سخف رأيه و ضلاله عن الطريق فقال قوم منهم إن السكينة إنما نزلت على أبي بكر و اعتلوا في ذلك بأنه كان خائفا رعبا و رسول الله ص كان آمنا مطمئنا قالوا و الآمن غني عن السكينة و إنما يحتاج إليها الخائف الوجل. قال الشيخ أيده الله فيقال لهم قد جنيتم بجهلكم على أنفسكم بطعنكم في كتاب الله بهذا الضعيف الواهي من استدلالكم و ذلك أنه لو كان ما اعتللتم به صحيحا لوجب أن لا تكون السكينة نزلت على رسول الله ص في يوم بدر و لا في يوم حنين لأنه لم يك ص في هذين الموضعين خائفا و لا جزعا بل كان آمنا مطمئنا متيقنا بكون الفتح له و أن الله تعالى يظهره عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَ لَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ و فيما نطق به القرآن من تنزيل السكينة عليه ما يدمر على هذا الاعتلال. فإن قلتم إن النبي ص كان في هذين المقامين خائفا و إن لم يبد خوفه فلذلك نزلت السكينة عليه فيهما و حملتم أنفسكم على هذه الدعوى قلنا لكم و هذه كانت قصته ص في الغار فلم تدفعون ذلك. فإن قلتم إنه ص قد كان محتاجا إلى السكينة في كل حال لينتفي عنه الخوف و الجزع و لا يتعلقان به في شيء من الأحوال نقضتم ما سلف لكم من الاعتلال و شهدتم ببطلان مقالكم الذي قدمناه على أن نص التلاوة يدل على خلاف ما ذكرتموه و ذلك أن الله سبحانه قال فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَ أَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْها فأنبأ الله عز و جل خلقه أن الذي نزلت عليه السكينة هو المؤيد بالملائكة و إذا كانت الهاء التي في التأييد تدل على ما دلت عليه الهاء التي في نزول السكينة و كانت هاء الكناية من مبتدإ قوله إِلَّا تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إلى قوله وَ أَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْها عن مكني واحد و لم يجز أن تكون عن اثنين غيرين كما لا يجوز أن يقول القائل لقيت زيدا فأكرمته و كلمته فيكون الكلام لزيد بهاء الكناية و يكون الكرامة لعمرو أو خالد أو بكر و إذا كان المؤيد بالملائكة رسول الله ص باتفاق الأمة فقد ثبت أن الذي نزلت عليه السكينة هو خاصة دون صاحبه و هذا ما لا شبهة فيه.
و قال قوم منهم إن السكينة و إن اختص بها النبي ص فليس يدل ذلك على نقص الرجل لأن السكينة إنما يحتاج إليها الرئيس المتبوع دون التابع فيقال لهم هذا رد على الله سبحانه لأنه قد أنزلها على الأتباع المرءوسين ببدر و حنين و غيرهما من المقامات فيجب على ما أصلتموه أن يكون الله سبحانه فعل بهم ما لم يكن بهم الحاجة إليه و لو فعل ذلك لكان عابثا تعالى الله عما يقول المبطلون علوا كبيرا. قال الشيخ أدام الله عزه و هاهنا شبهة يمكن إيرادها هي أقوى مما تقدم غير أن القوم لم يهتدوا إليها و لا أظن أنها خطرت ببال أحد منهم و هو أن يقول قائل قد وجدنا الله سبحانه ذكر شيئين ثم عبر عن أحدهما بالكناية فكانت الكناية عنهما معا دون أن يختص بأحدهما و هو مثل قوله سبحانه وَ الَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَ الْفِضَّةَ وَ لا يُنْفِقُونَها فِي سَبِيلِ اللَّهِ فأورد لفظة الكناية عن الفضة خاصة و إنما أرادهما جميعا معا و قد قال الشاعر
نحن بما عندنا و أنت بما عندك راض و الأمر مختلف.
و إنما أراد نحن بما عندنا راضون و أنت راض بما عندك فذكر أحد الأمرين فاستغنى عن الآخر كذلك يقول سبحانه فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ و يريدهما جميعا دون أحدهما. و الجواب عن هذا و بالله التوفيق أن الاختصار بالكناية على أحد المذكورين دون عموم الجميع مجاز و استعارة و استعمله أهل اللسان في مواضع مخصوصة و جاء به القرآن في أماكن محصورة و قد ثبت أن الاستعارة ليست بأصل يجري في الكلام و لا يصح عليها القياس و ليس يجوز لنا أن نعدل عن ظواهر القرآن و حقيقة الكلام إلا بدليل يلجئ إلى ذلك و لا دليل في قوله تعالى فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ فنتعدى من أجله المكنى عنه إلى غيره. و شيء آخر و هو أن العرب إنما تستعمل ذلك إذا كان المعنى فيه معروفا و الالتباس عنه مرتفعا فتكتفي بلفظ الواحد عن الاثنين للاختصار و لأمانها من وقوع الشبهة فيه و الارتياب فأما إذا لم يكن الشيء معروفا و كان الالتباس عند إفراده متوهما لم يستعمل ذلك و من استعمله كان عندهم ملغزا معميا أ لا ترى أن الله سبحانه لما قال وَ الَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَ الْفِضَّةَ وَ لا يُنْفِقُونَها علم كل سامع للخطاب أنه أرادهما معا مع ما قدمه من كراهة كنزهما المانع من إنفاقهما فلما عم الشيئين بذكر ينتظمهما في ظاهر المقال بما يدل على معنى ما أخره من ذكر الإنفاق اكتفى بذكر أحدهما للاختصار و كذلك قوله تعالى وَ إِذا رَأَوْا تِجارَةً أَوْ لَهْواً انْفَضُّوا إِلَيْها و إنما اكتفى بالكناية عن أحدهما في ذكرهما معا لما قدمه في ذكرهما من دليل ما تضمنه الدلالة فقال تعالى وَ إِذا رَأَوْا تِجارَةً أَوْ لَهْواً انْفَضُّوا إِلَيْها فأوقع الرؤية على الشيئين جميعا و جعلهما سببا للاشتغال بما وقعت عليه منهما عن ذكر الله سبحانه و الصلاة و ليس يجوز أن يقع الالتباس في أنه أراد أحدهما مع ما قدم من الذكر إذ لو أراد ذلك لخلا الكلام من الفائدة المعقولة و كان العلم بذلك يجزي في الإشارة إليه و كذلك قوله سبحانه وَ اللَّهُ وَ رَسُولُهُ أَحَقُّ أَنْ يُرْضُوهُ لما تقدم ذكر الله تعالى على التفصيل و ذكر رسوله ص على البيان دل على أن الحق في الرضا لهما جميعا و إلا لم يكن ذكرهما جميعا معا يفيد شيئا على الحد الذي قدمناه و كذلك قول الشاعر و أنت بما عندك راض و الأمر مختلف لو لم يقدم قبله نحن بما عندنا لم يجز الاقتصار على الثاني لأنه لو حمل الأول على إسقاط المضمر من قوله راضون لخلا من الفائدة فلما كان سائر ما ذكرناه معلوما عند من عقل الخطاب جاز الاقتصار فيه على أحد المذكورين للإيجاز و الاختصار و ليس كذلك قوله تعالى فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ لأن الكلام يتم فيها و ينتظم في وقوع الكناية عن النبي ص خاصة دون الكائن معه في الغار و لا يفتقر إلى رد الهاء عليهما معا مع كونهما في الحقيقة كناية عن واحد في الذكر و ظاهر اللسان و لو أرادها للجميع لحصل
الالتباس و التعمية و الإلغاز لأنه كما يكون اللبس واقعا عند دليل الكلام على انتظامهما للجميع متى أريد بها الواحد مع عدم الفائدة لو لم يرجع على الجميع كذلك يكون التلبيس حاصلا إذا أريد بها الجميع عند عدم الدليل الموجب لذلك و كمال الفائدة مع الاقتصار على الواحد في المراد أ لا ترى أن قائلا لو قال لقيت زيدا و معه عمرو فخاطبت زيدا و ناظرته و أراد بذلك مناظرة الجميع لكان ملغزا معميا لأنه لم يكن في كلامه ما يفتقر إلى عموم الكناية عنهما و لو جعل هذا نظير الآيات التي تقدمت لكان جاهلا بفرق ما بينها و بينه مما شرحناه فتعلم أنه لا نسبة بين الأمرين. و شيء آخر و هو أنه سبحانه كنى بالهاء التالية للهاء التي في السكينة عن النبي ص خاصة فلم يجز أن يكون أراد بالأولة غير النبي ص لأنه لا يعقل في لسان القوم كناية عن مذكورين بلفظ واحد و كناية ترد فيها على النسق عن واحد من الاثنين و ليس لذلك نظير في القرآن و لا في الأشعار و لا في شيء من الكلام فلما كانت الهاء في قوله تعالى وَ أَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْها كناية عن النبي ص بالاتفاق ثبت أن التي قبلها من قوله فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ كناية عنه ص خاصة و بان مفارقة ذلك لجميع ما تقدم ذكره من الآي و الشعر الذي استشهد و الله الموفق للصواب 9- و من كلام الشيخ أدام الله عزه قال له رجل من أصحاب الحديث ممن يذهب إلى مذاهب الكرابيسي ما رأيت أجسر من الشيعة فيما يدعونه من المحال و ذلك أنهم زعموا أن قول الله عز و جل إِنَّما يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَ يُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً نزلت في علي و فاطمة و الحسن و الحسين ع مع ما في ظاهر الآية أنها نزلت في أزواج النبي ص و ذلك أنك إذا تأملت الآية من أولهاإلى آخرها وجدتها منتظمة لذكر الأزواج خاصة و لن تجد لمن ادعوها له ذكرا قال الشيخ أدام الله عزه أجسر الناس على ارتكاب الباطل و أبهتهم و أشدهم إنكارا للحق و أجهلهم من قام مقامك في هذا الاحتجاج و دفع ما عليه الإجماع و الاتفاق و ذلك أنه لا خلاف بين الأمة أن الآية من القرآن قد تأتي و أولها في شيء و آخرها في غيره و وسطها في معنى و أولها في سواه و ليس طريق الاتفاق في المعنى إحاطة وصف الكلام في الآتي فقد نقل الموافق و المخالف أن هذه الآية نزلت في بيت أم سلمة رضي الله عنها و رسول الله ص في البيت و معه علي و فاطمة و الحسن و الحسين ع و قد جللهم بعباء خيبرية و قال اللهم هؤلاء أهل بيتي فأنزل الله عز و جل عليه إِنَّما يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَ يُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً فتلاها رسول الله ص فقالت أم سلمة رضي الله عنها يا رسول الله أ لست من أهل بيتك فقال لها إنك إلى خير و لم يقل لها إنك من أهل بيتي حتى روى أصحاب الحديث أن عمر سئل عن هذه الآية قال سلوا عنها عائشة فقالت عائشة إنها نزلت في بيت أختي أم سلمة فسلوها عنها فإنها أعلم بها مني فلم يختلف أصحاب الحديث من الناصبة و أصحاب الحديث من الشيعة في خصوصها فيمن عددناه و حمل القرآن في التأويل على ما جاء به الأثر أولى من حمله على الظن و الترجيم مع أن الله سبحانه قد دل على صحة ذلك بمتضمن هذه الآية حيث يقول إِنَّما يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَ يُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً و إذهاب الرجس لا يكون إلا بالعصمة من الذنوب لأن الذنوب من أرجس الرجس و الخبر عن الإرادة هاهنا إنما هو خبر عن وقوع الفعل خاصة دون الإرادة التي يكون بها لفظ الأمر أمرا لا سيما على ما أذهب إليه
في وصف القديم بالإرادة و أفرق بين الخبر عن الإرادة هاهنا و الخبر عن الإرادة في قوله سبحانه يُرِيدُ اللَّهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ و قوله يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَ لا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ إذ لو جرت مجرى واحدا لم يكن لتخصيص أهل البيت بها معنى إذ الإرادة التي يقتضي الخبر و البيان يعم الخلق كلهم على وجهها في التفسير و معناها فلما خص الله تبارك و تعالى أهل البيت ع بإرادة إذهاب الرجس عنهم دل ما وصفناه من وقوع إذهابه عنهم و ذلك موجب للعصمة على ما ذكرناه و في الاتفاق على ارتفاع العصمة عن الأزواج دليل على بطلان مقال من زعم أنها فيهن مع أن من عرف شيئا من اللسان و أصله لم يرتكب هذا القول و لا توهم صحته و ذلك أنه لا خلاف بين أهل العربية أن جمع المذكر بالميم و جمع المؤنث بالنون و أن الفصل بينهما بهاتين العلامتين و لا يجوز في لغة القوم وضع علامة المؤنث على المذكر و لا وضع علامة المذكر على المؤنث و لا استعملوا ذلك في الحقيقة و لا المجاز و لما وجدنا الله سبحانه قد بدأ في هذه الآية بخطاب النساء و أورد علامة جمعهن من النون في خطابهن فقال يا نِساءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّساءِ إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ إلى قوله وَ أَطِعْنَ اللَّهَ وَ رَسُولَهُ ثم عدل بالكلام عنهن بعد هذا الفصل إلى جمع المذكر فقال إِنَّما يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَ يُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً فلما جاء بالميم و أسقط النون علمنا أنه لم يتوجه هذا القول إلى المذكور الأول بما بيناه من أصل العربية و حقيقتها ثم رجع بعد ذلك إلى الأزواج فقال وَ اذْكُرْنَ ما يُتْلى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آياتِ اللَّهِ وَ الْحِكْمَةِ إِنَّ اللَّهَ كانَ لَطِيفاً خَبِيراً فدل بذلك على إفراد من ذكرناه من آل محمد ع بما علقه عليهم من حكم الطهارة الموجبة للعصمة و جليل الفضيلة و ليس يمكنكم معشر المخالفين أن تدعوا أنه كان في الأزواج مذكورا رجل غير النساء أو ذكر ليس برجل فيصح التعلق منكم بتغليب المذكر على المؤنث إذ كان في الجمع ذكر و إذا لم يمكن ادعاء ذلك و بطل أن يتوجه إلى الأزواج فلا غير لهن توجهت إليه إلا من ذكرناه ممن جاء فيه الأثر على ما بيناه 10- و من كلام الشيخ أدام الله عزه أيضا في الدلالة على أن أمير المؤمنين صلوات الله عليه و تسليمه لم يبايع أبا بكر قال الشيخ قد اجتمعت الأمة على أن أمير المؤمنين ع تأخر عن بيعة أبي بكر فالمقلل يقول كان تأخره ثلاثة أيام و منهم من يقول تأخر حتى ماتت فاطمة ع ثم بايع بعد موتها و منهم من يقول تأخر أربعين يوما و منهم من يقول تأخر ستة أشهر و المحققون من أهل الإمامة يقولون لم يبايع ساعة قط فقد حصل الإجماع على تأخره عن البيعة ثم اختلفوا في بيعته بعد ذلك على ما قدمنا به الشرح فما يدل على أنه لم يبايع البتة أنه ليس يخلو تأخره من أن يكون هدى و تركه ضلالا أو يكون ضلالا و تركه هدى و صوابا أو يكون صوابا و تركه صوابا أو يكون خطأ و تركه خطأ فلو كان التأخر ضلالا و باطلا لكان أمير المؤمنين ع قد ضل بعد النبي ص بترك الهدى الذي كان يجب عليه المصير إليه و قد أجمعت الأمة على أن أمير المؤمنين ع لم يقع منه ضلال بعد النبي ص في طول زمان أبي بكر و أيام عمر و عثمان و صدرا من أيامه حتى خالفت الخوارج عند التحكيم و فارقت الأمة فبطل أن يكون تأخره عن بيعة أبي بكر ضلالا و إن كان تأخره هدى و صوابا و تركه خطأ و ضلالا فليس يجوز أن يعدل عن الصواب إلى الخطإ و لا عن الهدى إلى الضلال و لا سيما و الإجماع واقع على أنه لم يظهر منه ضلال في أيام الذي تقدموا و محال أن يكون التأخر خطأ و تركه خطأ للإجماع على بطلان ذلك أيضا و لما يوجبه القياس من فساد هذا المقال و ليس يصح أن يكون صوابا و تركه صوابا لأن الحق لا يكون في جهتين و لا على وصفين متضادين و لأن القوم المخالفين لنا في هذه المسألة مجمعون على أنه لم يكن إشكال في جواز الاختيار و
صحة إمامة أبي بكر و إنما الناس بين قائلين قائل من الشيعة يقول إن إمامة أبي بكر كانت فاسدة فلا يصح القول بها أبدا و قائل من الناصبة يقول إنها كانت صحيحة و لم يكن على أحد ريب في صوابها إذ جهة استحقاق الإمامة هو ظاهر العدالة و النسب و العلم و القدرة على القيام بالأمور و لم يكن هذه الأمور ملتبسة على أحد في أبي بكر عندهم و على ما يذهبون إليه فلا يصح مع ذلك أن يكون المتأخر عن بيعته مصيبا أبدا لأنه لا يكون متأخرا لفقد الدليل بل لا يكون متأخرا لشبهة و إنما يتأخر إذا ثبت أنه تأخر للعناد فثبت بما بيناه أن أمير المؤمنين ع لم يبايع أبا بكر على شيء من الوجود كما ذكرناه و قدمناه و قد كانت الناصبة غافلة عن هذا الاستخراج مع موافقتها على أن أمير المؤمنين ع تأخر عن البيعة وقتا ما و لو فطنت له لسبقت بالخلاف فيه عن الإجماع و ما أبعد أنهم سيرتكبون ذلك إذا وقفوا على هذا الكلام غير أن الإجماع السابق لمرتكب ذلك يحجه و يسقط قوله فيهون قصته و لا يحتاج معه إلى الإكثار 11- قال و أخبرني الشيخ أيده الله قال قال أبو القاسم الكعبي سمعت أبا الحسين الخياط يحتج في إبطال قول المرجئة في الشفاعة بقوله تعالى أَ فَمَنْ حَقَّ عَلَيْهِ كَلِمَةُ الْعَذابِ أَ فَأَنْتَ تُنْقِذُ مَنْ فِي النَّارِ قال و الشفاعة لا تكون إلا لمن استحق العقاب فيقال له ما كان أغفل أبا الحسين و أعظم رقدته أ ترى أن المرجئة إذا قالت إن النبي ص يشفع فيشفع فيمن يستحق العقاب قالوا إنه هو الذي ينقذ من في النار أم يقولون إن الله سبحانه هو الذي أنقذه بفضله و رحمته و جعل ذلك إكراما لنبيه ص فأين وجه الحجة فيما تلاه أ و ما علم أن من مذهب خصومه القول بالوقف في الأخبار و أنهم لا يقطعون بالظاهر على العموم و الاستيعاب فلو كان القول يتضمن نفي خروج أحد من النار لما كان ذلك ظاهرا و لا مقطوعا به عند القوم فكيف و نفس الكلام يدل على الخصوص دون العموم بقوله تعالى أَ فَمَنْ حَقَّ عَلَيْهِ كَلِمَةُ الْعَذابِ و إنما يعلم من المراد بذلك بدليل دون نفسه و قد حصل الإجماع على أنه توجه إلى الكفار و ليس أحد من أهل القبلة يدين بجواز الشفاعة للكفار فيكون ما تعلق به الخياط حجة عليه ثم قال أبو القاسم و كان أبو الحسين يعني الخياط يتلو في ذلك أيضا قوله عز و جل تَاللَّهِ إِنْ كُنَّا لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ إِذْ نُسَوِّيكُمْ بِرَبِّ الْعالَمِينَ وَ ما أَضَلَّنا إِلَّا الْمُجْرِمُونَ فَما لَنا مِنْ شافِعِينَ وَ لا صَدِيقٍ حَمِيمٍ قال الشيخ أدام الله عزه فيقال له ما رأيت أعجب منكم يا معشر المعتزلة تتكلمون في ما قد شارككم الناس فيه من العدل و التوحيد أحسن الكلام حتى إذا صرتم إلى اللام في الإمامة و الإرجاء صرتم فيهما عامة حشوية تخبطون خبط عشواء لا تدرون ما تأتون و ما تذرون و لكن لا أعجب من ذلك و أنتم إنما جودتم فيما عاونكم عليه غيركم و استفدتموه من سواكم و قصرتم فيما تفردتم به لا سيما في نصرة الباطل الذي لا يقدر على نصرته في الحقيقة قادر و لكن العجب منكم في ادعائكم الفضيلة و البينونة بها من سائر الناس و لو و الله حكى عنكم هذا الاستدلال مخالف لكم لارتبنا بحكايته و لكن لا ريب و شيوخكم يحكونه عن مشايخهم ثم لا يقنعون حتى
يوردوه على سبيل التبجح به و الاستحسان له و أنت أيها الرجل من غلوك فيه جعلته أحد الغرر و أنت و إن كنت أعجمي الأصل و المنشإ فأنت عربي اللسان صحيح الحس و ظاهر الآية في الكفار خاصة لا يخفى ذلك على الأنباط فضلا عن غيرهم حيث يقول الله عز و جل حاكيا عن الفرقة بعينها و هي تعني معبوداتها من دون الله تعالى و تخاطبها فيقول إِذْ نُسَوِّيكُمْ بِرَبِّ الْعالَمِينَ فيعترفون بالشرك بالله عز و جل ثم يقولون وَ ما أَضَلَّنا إِلَّا الْمُجْرِمُونَ و قبل ذلك يقسمون فيقولون تَاللَّهِ إِنْ كُنَّا لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ فهل يا أبا القاسم أصلحك الله تعرف أحدا من خصومك في الإرجاء و الشفاعة يذهب إلى جواز الشفاعة لعباد الأصنام المشركين بالله عز و جل و الكفار برسله ع حتى استحسنت استدلال شيخك بهذه الآية على المشبهة زعمت و المجبرة و من ذهب مذهبهم من العامة فإن ادعيت علم ذلك تجاهلت و إن زعمت أنه إذا بطلت الشفاعة للكفار فقد بطلت في الفساق أتيت بقياس طريف من القياس الذي حكي عن أبي حنيفة أنه قال البول في المسجد أحيانا أحسن من بعض القياس و كيف تزعم ذلك و أنت إنما حكيت مجرد القول في الآية و لم تذكر وجه الاستدلال منها و أن ما توهمت أن الحجة في ظاهرها غفلة عظيمة حصلت منك على أنه إنما يصح القياس على العلل و المعاني دون الصور و الألفاظ و الكفار إنما بطل قول من ادعى الشفاعة لهم أن لو ادعاها مدع بصريح القرآن لا غير فيجب أن لا تبطل الشفاعة لفساق الملة إلا بنص القرآن أيضا أو قول من الرسول ص يجري مجرى القرآن في الحجة و إذا عدم ذلك بطل القياس فيه مع أنا قد بينا أنك لم تقصد القياس و إنما تعلقت بظاهر القرآن و كشفنا عن غفلتك في التعلق به فليتأمل ذلك أصحابك و ليستحيوا لك منه على أنه قد روي عن الباقر محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب ع أنه قال في هذه الآية دليل على وجود الشفاعة قال و ذلك أن أهل النار لو لم يروا يوم القيامة الشافعين يشفعون لبعض من استحق العقاب فيشفعون
و يخرجون بشفاعتهم من النار أو يعفون منها بعد الاستحقاق لما تعاظمت حسراتهم و لا صدر عنهم هذا المقال لكنهم لما رأوا شافعا يشفع فيشفع و صديقا حميما يشفع لصديقه فيشفع عظمت حسرتهم عند ذلك و قالوا فَما لَنا مِنْ شافِعِينَ وَ لا صَدِيقٍ حَمِيمٍ فَلَوْ أَنَّ لَنا كَرَّةً فَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ و لعمري إن مثل هذا الكلام لا يرد إلا عن إمام هدى أو من أخذ من أئمة الهدى ع فأما ما حكاه أبو القاسم الكعبي فيليق بمقال الخياطين و نتيجة عقول السخفاء و الضعفاء في الدين 12- و من كلام الشيخ أدام الله عزه سئل في مجلس الشريف أبي الحسن أحمد بن القاسم العلوي المحمدي أدام الله عزه فقيل له ما الدليل على أن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ع كان أفضل الصحابة فقال الدليل على ذلك قول النبي ص اللهم ائتني بأحب خلقك إليك يأكل معي من هذا الطائر فجاء أمير المؤمنين ع و قد ثبت أن أحب الخلق إلى الله عز و جل أعظمهم ثوابا عند الله تعالى و إن أعظم الناس ثوابا لا يكون إلا لأنه أشرفهم أعمالا و أكثرهم عبادة لله تعالى و في ذلك برهان على فضل أمير المؤمنين ع على الخلق كلهم سوى الرسول عليه و آله السلام فقال له السائل ما الدليل على صحة هذا الخبر و ما أنكرت أن يكون غير معتمد لأنه إنما رواه أنس بن مالك وحده و أخبار الآحاد ليست بحجة فيما يقطع على الله عز و جل بصوابه فقال الشيخ أدام الله عزه هذا الخبر و إن كان من أخبار الآحاد على ما ذكرت من أن أنس بن مالك رواه وحده فإن الأمة بأجمعها قد تلقته بالقبول و لم يروا أن أحدا رده على أنس و لا أنكر صحته عند روايته فصار الإجماع عليه هو الحجة في صوابه و لم يخل ببرهانه كونه من أخبار الآحاد بما شرحناه مع أن التواتر قد ورد بأن أمير المؤمنين ع احتج به في مناقبه يوم الدار فقال أنشدكم الله هل فيكم أحد قال له رسول الله ص اللهم ائتني بأحب خلقك إليك يأكل معي من هذا الطائر فجاء أحد غيري قالوا اللهم لا قال اللهم اشهد فاعترف الجميع بصحته و لم يك أمير المؤمنين ع ليحتج بباطل لا سيما و هو في مقام المنازعة و التوصل بفضائله إلى أعلى الرتب التي هي الإمامة و الخلافة للرسول ص و إحاطة علمه بأن الحاضرين معه في الشورى يريدون الأمر دونه مع قول النبي ص علي مع الحق و الحق مع علي يدور حيثما دار و إذا كان الأمر على ما وصفناه دل على صحة الخبر حسبما بيناه فاعترض بعض المجبرة فقال إن احتجاج الشيعة برواية أنس من أطرف الأشياء و ذلك أنهم يعتقدون تفسيق أنس بل تكفيره فيقولون إنه كتم الشهادة في النص حتى دعا عليه أمير المؤمنين ع ببلاء لا يواريه الثياب فبرص على كبر السن و مات و هو أبرص فكيف يستشهد برواية الكافرين فقالت المعتزلة قد أسقط هذا الكلام الرجل و لم يجعل الحجة في الرواية أنسا و إنما جعلها الإجماع فهذا الذي أوردته هذيان و قد تقدم إبطاله فقال السائل هب أنا سلمنا صحة الخبر ما أنكرت أن لا يفيد ما ادعيت من فضل أمير المؤمنين ع على الجماعة و ذلك أن المعنى فيه اللهم ائتني بأحب خلقك
إليك يأكل معي يريد أحب الخلق إلى الله عز و جل في الأكل معه دون أن يكون أراد أحب الخلق إليه في نفسه لكثرة أعماله إذ قد يجوز أن يكون الله سبحانه يحب أن يأكل مع نبيه من غيره أفضل منه و يكون ذلك أحب إليه للمصلحة فقال الشيخ أدام الله عزه هذا الذي اعترضت به ساقط و ذلك أن محبة الله تعالى ليست ميل الطباع و إنما هي الثواب كما أن بغضه و غضبه ليسا باهتياج و إنما هما العقاب و لفظ أفعل في أحب و أبغض لا يتوجه إلا إلى معناهما من الثواب و العقاب و لا معنى على هذا الأصل لقول من زعم أن أحب الخلق إلى الله عز و جل يأكل مع رسول الله ص توجه إلى محبة الأكل و المبالغة في ذلك بلفظ أفعل لأنه يخرج اللفظ عما ذكرناه من الثواب إلى ميل الطباع و ذلك محال في صفة الله سبحانه و شيء آخر و هو أن ظاهر الخطاب يدل على ما ذكرناه دون ما عارضت به أن لو كانت المحبة على غير معنى الثواب لأنه ص قال اللهم ائتني بأحب خلقك إليك يأكل معي من هذا الطائر و قوله بأحب خلقك إليك كلام تام و بعده يأكل معي من هذا الطائر كلام مستأنف و لا يفتقر الأول إليه و لو كان أراد ما ذكرت لقال اللهم ائتني بأحب خلقك إليك في الأكل معي فلما كان اللفظ على خلاف هذا و كان على ما ذكرناه لم يجز العدول عن الظاهر إلى محتمل على المجاز و شيء آخر و هو أنه لو تساوى المعنيان في ظاهر الكلام لكان الواجب عليك تحميلهما اللفظ معا دون الاقتصار على أحدهما إلا بدليل لأنه لا يتنافى الجمع بينهما فيكون أراد بقوله أحب خلقك إليك في نفسه و للأكل معي و إذا كان الأمر على ما بيناه سقط اعتراضك فقال رجل من الزيدية كان حاضرا للسائل هذا الاعتراض ساقط على أصلك و أصلنا لأنا نقول جميعا إن الله تعالى لا يريد المباح و الأكل مع النبي ص مباح و ليس
بفرض و لا نفل فيكون الله يحبه فضلا عن أن يكون بعضه أحب إليه من بعض و هذا السائل من أصحاب أبي هاشم فلذلك أسقط الزيدي كلامه على أصله إذ كان يوافقه في الأصول على مذهب أبي هاشم فخلط السائل هنيئة ثم قال للشيخ أدام الله عزه فأنا أعترض باعتراض آخر و هو أن أقول ما أنكرت أن يكون هذا القول إنما أفاد أن عليا ع كان أفضل الخلق في يوم الطائر و لكن بم تدفع أن يكون قد فضله قوم من الصحابة عند الله تعالى بكثرة الأعمال و المعارف بعد ذلك و هذا الأمر لا يعلم بالعقل و ليس معك سمع في نفس الخبر يمنع من ذلك فدل على أنه ع أفضل من الصحابة كلهم إلى وقتنا هذا فإنا لم نسألك عن فضله عليهم وقتا بعينه فقال الشيخ أدام الله عزه هذا السؤال أوهن مما تقدم و الجواب عنه أيسر و ذلك أن الأمة مجمعة على إبطال قول من زعم أن أحدا اكتسب أعمالا زادت على الفضل الذي حصل لأمير المؤمنين ع على الجماعة من قبل أنهم بين قائلين فقائل يقول إن أمير المؤمنين ع كان أفضل من الكل في وقت الرسول ص لم يساوه أحد بعد ذلك و هم الشيعة الإمامية و الزيدية و جماعة من شيوخ المعتزلة و جماعة من أصحاب الحديث و قائل يقول إنه لم يبن لأمير المؤمنين ع في وقت من الأوقات فضل على سائر الصحابة يقطع به على الله تعالى و يجزم الشهادة بصحته و لا بان لأحد منهم فضل عليه و هم الواقفة في الأربعة من المعتزلة منهم أبو علي و أبو هاشم و أتباعهما و قائل يقول إن أبا بكر كان أفضل من أمير المؤمنين ع في وقت الرسول ص و بعده و هم جماعة من المعتزلة و بعض المرجئة و طوائف من أصحاب الحديث و قائل يقول إن أمير المؤمنين ع خرج عن فضله بحوادث كانت منه فساواه غيره و فضل عليه من أجل ذلك من لم يكن له فضل عليه و هم الخوارج و جميعه من المعتزلة منهم الأصم و الجاحظ و جماعة من أصحاب الحديث أنكروا قتال أهل القبلة و لم يقل أحد من الأمة أن أمير المؤمنين ع كان أفضل عند الله سبحانه من الصحابة كلهم و لم يخرج عن ولاية الله عز و جل و لا أحدث معصية الله تعالى ثم فضل عليه غيره بعمل زاد به ثوابه على ثوابه و لا جوز ذلك فيكون معتبرا فإذا بطل الاعتبار به للاتفاق على خلافه
سقط و كان الإجماع حجة يقوم مقام قول الله تعالى في صحة ما ذهبنا إليه فلم يأت بشيء و ذاكرني الشيخ أدام الله عزه هذه المسألة بعد ذلك فزادني فيها زيادة ألحقتها و هي أن قال إن الذي يسقط ما اعترض به السائل من تأويل قول النبي ص اللهم ائتني بأحب خلقك إليك على المحبة للأكل معه دون محبته في نفسه بإعظام ثوابه بعد الذي ذكرناه في إسقاطه أن الرواية جاءت عن أنس بن مالك أنه قال لما دعا رسول الله ص أن يأتيه الله تعالى بأحب الخلق إليه قلت اللهم اجعله رجلا من الأنصار ليكون لي الفضل بذلك فجاء علي ع فرددته و قلت له رسول الله على شغل فمضى ثم عاد ثانية فقال لي استأذن على رسول الله ص فقلت له إنه على شغل فجاء ثالثة فاستأذنت له و دخل فقال له النبي ص قد كنت سألت الله تعالى أن يأتيني بك دفعتين و لو أبطأت علي الثالثة لأقسمت على الله عز و جل أن يأتيني بك فلو لا أن النبي ص سأل الله عز و جل أن يأتيه بأحب خلقه إليه في نفسه و أعظمهم ثوابا عنده و كانت هذه من أجل الفضائل لما آثر أنس أن يختص بها قومه و لو لا أن أنسا فهم ذلك من معنى كلام الرسول ص لما دافع أمير المؤمنين ع عن الدخول ليكون ذلك الفضل لرجل من الأنصار فيحصل له جزء منه و شيء آخر و هو أنه لو احتمل معنى لا يقتضي الفضيلة لأمير المؤمنين ع لما احتج به أمير المؤمنين ع يوم الدار و لا جعله شاهدا على أنه أفضل من الجماعة و ذلك أنه لو لم يكن الأمر على ما وصفناه و كان محتملا لما ظنه المخالفون من أنه سأل ربه تعالى أن يأتيه بأحب الخلق إليه في الأكل معه لما أمن أمير المؤمنين ع من أن يتعلق بذلك بعض خصومه في الحال أو يشتبه ذلك على إنسان فلما احتج به ع على القوم و اعتمده في البرهان دل على أنه لم يك مفهوما منه إلا فضله و كان إعراض الجماعة أيضا عن دفاعه عن ذلك بتسليم ما ادعى دليلا على صحة ما ذكرناه و هذا بعينه يسقط قول من زعم أنه يجوز مع إطلاق النبي ص في أمير المؤمنين ع ما يقتضي
فضله عند الله تعالى على الكافة وجود من هو أفضل منه في المستقبل لأنه لو جاز ذلك لما عدل القوم عن الاعتماد عليه و لجعلوه شبهة في منعه مما ادعاه من القطع على نقصانهم عنه في الفضل و في عدول القوم عن ذلك دليل على أن القول مفيد بإطلاقه فضله ع و مؤمن من بلوغ أحد منزلته في الثواب بشيء من الأعمال و هذا بين لمن تدبره 13- و من حكايات الشيخ أدام الله عزه و كلامه حضر الشيخ مجلس أبي منصور بن المرزبان و كان بالحضرة جماعة من متكلمي المعتزلة فجرى كلام و خوض في شجاعة الإمام فقال أبو بكر بن صراما عندي أن أبا بكر الصديق كان من شجعان العرب و متقدميهم في الشجاعة فقال الشيخ أدام الله عزه من أين حصل ذلك عندك و بأي وجه عرفته فقال الدليل على ذلك أنه رأى قتال أهل الردة وحده في نفر معه و خالفه على رأيه في ذلك جمهور الصحابة و تقاعدوا عن نصرته فقال أما و الله لو منعوني عقالا لقاتلتهم و لم يستوحش من اعتزال القوم له و لا ضعف ذلك نفسه و لا منعه من التصميم على حربهم فلو لا أنه كان من الشجاعة على حد يقصر الشجعان عنه لما أظهر هذا القول عند خذلان القوم له فقال الشيخ أدام الله عزه ما أنكرت على من قال لك إنك لم تلجأ إلى معتمد عليه في هذا الباب و ذلك أن الشجاعة لا تعرف بالحس لصاحبها فقط و لا بادعائها و إنما هي شيء في الطبع يمده الاكتساب و الطريق إليها أحد الأمرين إما الخبر عنها من جهة علام الغيوب المطلع على الضمائر جلت عظمته فيعلم خلقه حال الشجاع و إن لم يبد منه فعل يستدل به عليها و الوجه الآخر أن يظهر منه أفعال يعلم بها حاله كمبارزة الأقران و مقاومة الشجعان و منازلة الأبطال و الصبر عند اللقاء و ترك الفرار عند تحقق القتال و لا يعلم ذلك أيضا بأول وهلة و لا بواحدة من الفعل حتى يتكرر ذلك على حد يتميز به صاحبه ممن حصل له ذلك اتفاقا أو على سبيل الهوج و لجهل بالتدبير و إذا كان الخبر عن الله سبحانه بشجاعة أبي بكر معدوما و كان هذا الفعل الدال على الشجاعة غير موجود للرجل فكيف يجوز لعاقل أن يدعي له الشجاعة بقول قاله ليس من دلالتها في شيء عند أحد من أهل النظر و التحصيل لا سيما و دلائل جنبه و هلعه و خوفه و ضعفه أظهر من أن يحتاج فيها إلى التأمل و ذلك أنه لم يبارز قط قرنا و لا قاوم بطلا و لا سفك بيده دما و قد شهد مع رسول الله ص مشاهده فكان لكل أحد من الصحابة أثر في الجهاد إلا له و فر في يوم أحد و انهزم في يوم خيبر و ولى الدبر يوم التقى الجمعان و أسلم رسول الله ص في هذه المواطن مع ما كتب الله عز و جل عليه من الجهاد فكيف تجتمع دلائل الجبن و دلائل الشجاعة لرجل واحد في وقت واحد لو لا أن العصبية تميل بالعبد إلى الهوى و قال رجل من طياب الشيعة كان حاضرا عافاك الله أي دليل هذا و كيف يعتمد عليه و أنت تعلم أن الإنسان قد يغضب فيقول لو سامني السلطان هذا الأمر ما قبلته و إن عندنا لشيخا ضعيف الجسم ظاهر الجبن يصلي بنا في مسجدنا فما يحدث أمر يضجره و ينكره إلا قال و الله لأصبرن على هذا أو لأجاهدن فيه و لو اجتمعت فيه ربيعة و مضر فقال ليس الدليل على الشجاعة ما ذكرت دون غيره و الذي اعتمدنا عليه يدل كما يدل الفعل و الخبر و وجه الدلالة فيه أن أبا بكر باتفاق لم يكن مئوف العقل و لا غبيا ناقصا بل كان بالإجماع من العقلاء و كان بالاتفاق جيد الآراء فلو لا أنه كان واثقا من نفسه عالما بصبره و شجاعته لما قال هذا القول بحضرة المهاجرين و الأنصار و هو لا يأمن أن يقيم القوم على خلافه فيخذلونه و يتأخرون عنه و يعجز هو لجبنه أن
لو كان الأمر على ما ادعيتموه عليه فيظهر منه الخلف في قوله و ليس يقع هذا من عاقل حكيم فلما ثبتت حكمة أبي بكر دل مقاله الذي حكيناه على شجاعته كما وصفناه فقال الشيخ أدام الله عزه ليس تسليمنا لعقل أبي بكر جودة رأيه تسليما لما ادعيت من شجاعته بما رويت عنه من القول و لا يوجب ذلك في عرف و لا عقل و لا سنة و لا كتاب و ذلك أنه و إن كان ما ذكرت من الحكمة فليس يمنع أن يأتي بهذا القول من جبنه و خوفه و هلعه ليشجع أصحابه و يحض المتأخرين عنه على نصرته و يحثهم على جهاد عدوه و يقوي عزمهم في معونته و يصرفهم عن رأيهم في خذلانه و هكذا تصنع الحكماء في تدبيراتهم فيظهرون من الصبر ما ليس عندهم و من الشجاعة ما ليس في طبائعهم حتى يمتحنوا الأمر و ينظروا عواقبه فإن استجاب المتأخرون عنهم و نصرهم الخاذلون لهم وكلوا الحرب إليهم و عقلوا الكلفة بهم و إن أقاموا على الخذلان و اتفقوا على ما ترك النصرة لهم و العدول عن معونتهم أظهروا من الرأي خلاف ما سلف و قالوا قد كانت الحال موجبة للقتال و كان عزمنا على ذلك تاما فلما رأينا أشياعنا و عامة أتباعنا يكرهون ذلك أوجبت الضرورة إعفاءهم مما يكرهون و التدبير لهم بما يؤثرون و هذا أمر قد جرت به عادات الرؤساء في كل زمان و لم يك تنقلهم من رأي إلى رأي مسقطا لأقدارهم عند الأنام فلا ينكر أن يكون أبو بكر إنما أظهر التصميم على الحرب لحث القوم على موافقته في ذلك و لم يبد لهم جزعه لئلا يزيد ذلك في فشلهم و يقوي به رأيهم و اعتمد على أنهم إن صاروا إلى أمره و نجع هذا التدبير في تمام غرضه فقد بلغ المراد و إن لم ينجع ذلك عدل عن الرأي الأول كما وصفناه من حال الرؤساء في تدبيراتهم على أن أبا بكر لم يقسم بالله تعالى في قتال أهل الردة بنفسه و إنما أقسم بأنصاره الذين اتبعوه على رأيه و ليس في يمينه بالله سبحانه لينفذن خالدا و أصحابه ليصلوا بالحرب دليل على شجاعته في نفسه و شيء آخر و هو أن أبا بكر قال هذا القول عند غضبه لمباينة القوم له و لا خلاف بين ذوي العقول أن الغضبان يعتريه عند غضبه من هيجان الطباع ما يفسد عليه رأيه حتى يقدم من القول على ما لا يفي به عند سكون نفسه و يعمل من الأعمال ما يندم عليه عند زوال الغضب عنه و لا يكون وقوع ذلك منه دليلا على فساد عقله و وجوب إخراجه عن جملة أهل التدبير و قد صرح بذلك الرجل في خطبته المشهورة عنه التي لا يختلف اثنان فيها و أصحابه خاصة يصولون بها و يجعلونها من مفاخره حيث يقول إن رسول الله ص خرج من الدنيا و ليس أحد يطالبه بضربة سوط فما فوقها و كان ص معصوما من الخطإ يأتيه الملائكة بالوحي فلا تكلفوني ما كنتم تكلفونه فإن لي شيطانا يعتريني عند غضبي فإذا رأيتموني مغضبا فاجتنبوني لا أوثر في أشعاركم و أبشاركم فقد أعذر هذا الرجل إلى القوم فيما يأتيه عند غضبه من قول و فعل و دلهم على الحال فيه فلذلك أمن من نكير المهاجرين و الأنصار عليه مقاله عند غضبه مع إحاطة العلم منهم بما لحقه في الحال من خلاف المخالفين عليه حتى بعثه على ذلك المقال فلم يأت بشيء 14- قال الشيخ أدام الله حراسته كان يختلف إلي حدث من أولاد الأنصار يتعلم الكلام فقال لي يوما اجتمعت البارحة مع الطبراني شيخ من الزيدية فقال لي أنتم يا معشر الإمامية حنبلية و أنتم تستهزءون بالحنبلية فقلت له و كيف ذلك فقال لأن الحنبلية تعتمد على المنامات و أنتم كذلك و الحنبلية تدعي المعجز لأكابرها و أنتم كذلك و الحنبلية ترى زيارة القبور و الاعتكاف عندها و أنتم كذلك فلم يكن عندي جواب أرتضيه فما الجواب
قال الشيخ أدام الله عزه فقلت له ارجع إليه و قل له قد عرضت ما ألقيته إلي على فلان فقال قل له إن كانت الإمامية حنبلية بما وصفت أيها الشيخ فالمسلمون بأجمعهم حنبلية و القرآن ناطق بصحة الحنبلية و صواب مذاهب أهلها و ذلك أن الله عز و جل يقول إِذْ قالَ يُوسُفُ لِأَبِيهِ يا أَبَتِ إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَباً وَ الشَّمْسَ وَ الْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي ساجِدِينَ قالَ يا بُنَيَّ لا تَقْصُصْ رُؤْياكَ عَلى إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُوا لَكَ كَيْداً إِنَّ الشَّيْطانَ لِلْإِنْسانِ عَدُوٌّ مُبِينٌ فأثبت الله جل اسمه المنام و جعل له تأويلا عرفه أولياءه ع و أثبته الأنبياء و دانت به خلفاؤهم و أتباعهم من المؤمنين و اعتمدوه في علم ما يكون و أجروه مجرى الخبر مع اليقظة و كالعيان له و قال سبحانه وَ دَخَلَ مَعَهُ السِّجْنَ فَتَيانِ قالَ أَحَدُهُما إِنِّي أَرانِي أَعْصِرُ خَمْراً وَ قالَ الْآخَرُ إِنِّي أَرانِي أَحْمِلُ فَوْقَ رَأْسِي خُبْزاً تَأْكُلُ الطَّيْرُ مِنْهُ نَبِّئْنا بِتَأْوِيلِهِ إِنَّا نَراكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ فنبأهما بتأويله و ذلك على تحقيق منه لحكم المنام و كان سؤالهما مع جهلهما بنبوته دليلا على أن المنامات حق عندهم و التأويل لأكثرها صحيح إذا وافق معناها و قال عز اسمه وَ قالَ الْمَلِكُ إِنِّي أَرى سَبْعَ بَقَراتٍ سِمانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجافٌ وَ سَبْعَ سُنْبُلاتٍ خُضْرٍ وَ أُخَرَ يابِساتٍ يا أَيُّهَا الْمَلَأُ أَفْتُونِي فِي رُءْيايَ إِنْ كُنْتُمْ لِلرُّءْيا تَعْبُرُونَ قالُوا أَضْغاثُ أَحْلامٍ وَ ما نَحْنُ بِتَأْوِيلِ الْأَحْلامِ بِعالِمِينَ ثم فسرها يوسف ع فكان الأمر كما قال و قال سبحانه في قصة إبراهيم و إسماعيل ع فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قالَ يا بُنَيَّ إِنِّي أَرى فِي الْمَنامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ ما ذا تَرى قالَ يا أَبَتِ افْعَلْ ما تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ فأثبتا ع الرؤيا و أوجبا الحكم بها و لم يقل إسماعيل لأبيه ع يا أبت لا تسفك دمي برؤيا رأيتها فإن الرؤيا قد تكون من حديث النفس و أخلاط البدن و غلبة الطباع بعضها على بعض كما ذهبت إليه المعتزلة فقول الإمامية في هذا الباب ما نطق به القرآن و قول هذا الشيخ هو قول الملإ من أصحاب الملك حين قالوا أَضْغاثُ أَحْلامٍ و مع ذلك فإنا لسنا نثبت الأحكام الدينية من جهة
المنامات و إنما نثبت من تأويلها ما جاء به الأثر عن ورثة الأنبياء ع فأما قولنا في المعجزات فهو كقول الله تبارك و تعالى وَ أَوْحَيْنا إِلى أُمِّ مُوسى أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَ لا تَخافِي وَ لا تَحْزَنِي إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَ جاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ فضمن هذا القول تصحيح المنام إذ كان الوحي إليها في المنام يعلمها بما كان قبل كونه و قال سبحانه في قصة مريم ع فَأَشارَتْ إِلَيْهِ قالُوا كَيْفَ نُكَلِّمُ مَنْ كانَ فِي الْمَهْدِ صَبِيًّا قالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتانِيَ الْكِتابَ وَ جَعَلَنِي نَبِيًّا وَ جَعَلَنِي مُبارَكاً أَيْنَ ما كُنْتُ وَ أَوْصانِي بِالصَّلاةِ وَ الزَّكاةِ ما دُمْتُ حَيًّا فكان نطق المسيح معجزا لمريم ع إذا كان شاهدا ببراءة ساحتها و أم موسى و مريم لم تكونا نبيتين و لا مرسلتين و لكنهما كانتا من عباد الله الصالحين فعلى مذهب هذا الشيخ كتاب الله تعالى يصحح الحنبلية و أما زيارة القبور فقد أجمع المسلمون على زيارة قبر النبي ص حتى أنه من حج و لم يزره فقد جفاه و ثلم حجه بذلك الفعل و قد قال رسول الله ص من سلم علي من عند قبري سمعته و من سلم علي من بعيد بلغته عليه سلام الله و رحمته و بركاته و قال ص للحسن ع من زارك بعد موتك أو زار أباك أو زار أخاك فله الجنة و قال له ع أيضا في حديث له أول مشروح في غير هذا الكتاب تزورك طائفة من أمتي يريدون به بري و صلتي فإذا كان يوم القيامة زرتها في الموقف فأخذت بأعضادها فأنجيتها من أهواله و شدائده و لا خلاف بين الأمة أن رسول الله ص لما فرغ من حجة الوداع لاذ بقبر قد درس فقعد عنده طويلا ثم استعبر فقيل له يا رسول الله ما هذا القبر فقال هذا قبر أمي آمنة بنت وهب سألت الله في زيارتها فأذن لي و قال ص قد كنت نهيتكم عن زيارة القبور ألا فزوروها و كنت نهيتكم عن ادخار لحوم الأضاحي ألا فادخروها و قد كان أمر ص في حياته بزيارة قبر حمزة ع و كان يلم به و بالشهداء و لم يزل فاطمة ع بعد وفاته ص تغدو إلى قبره و تروح و المسلمون يناوبون على زيارته و ملازمة قبره فإن كان ما تذهب إليه الإمامية من زيارة مشاهد الأئمة ع حنبلية و سخفا من العقل فالإسلام مبني على الحنبلية و رأس الحنبلية رسول الله ص و هذا قول متهافت جدا يدل على قلة دين قائله و ضعف رأيه و بصيرته ثم قلت له يجب أن تعلمه أن الذي حكيت عنه قد حرف القول و قبحه و لم يأت به على وجه و الذي نذهب إليه في الرؤيا أنها على أضرب فضرب منها يبشر الله به عباده و يحذرهم و ضرب تحزين من الشيطان و كذب يخطر ببال النائم و ضرب من غلبة الطباع بعضها على بعض و لسنا نعتمد على المنامات كما حكي لكنا نأنس بما يبشر به و نتخوف مما يحذر فيها من وصل إليه شيء من علمها عن ورثة الأنبياء ع ميز بين حق تأويلها و باطله و من لم يصل إليه شيء من ذلك كان على الرجاء و الخوف و هذا يسقط ما لعله سيتعلق به في منامات الأنبياء ع من أنها وحي لأن تلك مقطوع بصحتها و هذه مشكوك فيها مع أن منها أشياء قد اتفق ذوو العادات على معرفة تأويلها حتى لم يختلفوا فيه و وجدوه حسنا و هذا الشيخ لم يقصد بكلامه الإمامية لكنه قصد الأمة و نصر البراهمة و الملحدة مع أني أعجب من هذه الحكاية عنه و أنا أعرفه يميل إلى مذهب أبي هاشم و يعظمه و يختاره و أبو هاشم يقول في كتابه المسألة في الإمامة إن أبا بكر رأى في المنام كأن عليه ثوبا جديدا عليه رقمان ففسره على النبي ص فقال له إن صدقت رؤياك فستخبر بولد و تلي الخلافة سنتين فلم يرض شيخه أبو هاشم أن أثبت المنامات حتى أوجب له الخلافة و جعلها دلالة على الإمامة فيجب على قول هذا الشيخ
الزيدي عند نفسه أن يكون أبو هاشم رئيس المعتزلة عنده حنبليا بل يكون أبو بكر حنبليا بل رسول الله ص لأنه صحح المنام و أوجب به الأحكام و هذا من بهرج المقال 15- ثم قال رضي الله عنه و من حكايات الشيخ أيده الله قال حضرت مجمعا لقوم من الرؤساء و كان فيهم شيخ من أهل الري معتزلي يعظمونه لمحل سلفه و تعلقه بالدولة فسئلت عن شيء من الفقه فأفتيت فيه على المأثور عن الأئمة ع فقال ذلك الشيخ هذه الفتيا يخالف الإجماع فقلت له عافاك الله من تعني بالإجماع فقال الفقهاء المعروفين بالفتيا في الحلال و الحرام من فقهاء الأمصار فقلت هذا أيضا مجمل من القول فهل تدخل آل محمد ع في جملة هؤلاء الفقهاء أم تخرجهم من الإجماع فقال بل أجعلهم في صدر الفقهاء و لو صح عنهم ما تروونه لما خالفناه فقلت له هذا مذهب لا أعرفه لك و لا لمن أومأت إليه ممن جعلتهم الفقهاء لأن القوم بأجمعهم يرون الخلاف على أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ع و هو سيد أهل البيت في كثير مما قد صح عنه من الأحكام فكيف تستوحشون من خلاف ذريته و توجبون على أنفسكم قبول قولهم على كل حال فقال معاذ الله ما نذهب إلى هذا و لا يذهب إليه أحد من الفقهاء و هذه شناعة منك على القوم بحضرة هؤلاء الرؤساء فقلت له لم أحك إلا ما أقيم عليه البرهان و لا ذكرت إلا معروفا لا يمكن أحدا من أهل العلم دفعي عنه لما هو عليه من الاشتهار لكنك أنت تريد أن تتجمل بضد مذهبك عند هؤلاء الرؤساء ثم أقبلت على القوم فقلت لا خلاف عند شيوخ هذا الرجل و أئمته و فقهائه و سادته أن أمير المؤمنين ع قد يجوز عليه الخطأ في شيء يصيب فيه عمرو بن العاص زيادة على ما حكيت عنه من المقال فاستعظم القوم ذلك و أظهروا البراءة من معتقده و أنكره هو و زاد في الإنكار فقلت له أ ليس من مذهبك و مذهب هؤلاء الفقهاء أن عليا ع لم يكن معصوما كعصمة النبي ص قال بلى قلت فلم لا يجوز عليه الخطأ في شيء من الأحكام فسكت ثم قلت له أ ليس عندكم أن أمير المؤمنين ع قد كان يجتهد رأيه في كثير من الأحكام و أن عمرو بن العاص و أبا موسى الأشعري و المغيرة بن شعبة كانوا من أهل الاجتهاد قال بلى قلت له فما الذي يمنع من إصابة هؤلاء القوم ما يذهب على أمير المؤمنين ع من جهة الاجتهاد مع ارتفاع العصمة عنه و كون هؤلاء القوم من أهل الاجتهاد فقال ليس يمنع من ذلك مانع قلت له فقد أقررت بما أنكرت الآن و مع هذا فليس من أصلك أن كل أحد بعد النبي ص يؤخذ من قوله و يترك إلا ما انعقد عليه الإجماع قال بلى قلت له أ فليس هذا يسوغكم الخلاف على أمير المؤمنين ع في كثير من أحكامه التي لم يقع عليه الإجماع و بعد فليست لي حاجة إلى هذا التعسف و لا فقر فيما حكيت إلى هذا الاستدلال لأنه لا أحد من الفقهاء إلا و قد خالف أمير المؤمنين ع في بعض أحكامه و رغب عنها إلى غيرها و ليس فيهم أحد وافقه في جميع ما حكم به من الحلال و الحرام و إني لأعجب من إنكارك ما ذكرت و صاحبك الشافعي يخالف أمير المؤمنين ع في الميراث و المكاتب و يذهب إلى قول زيد فيهما و يروى عنه أنه كان لا يرى الوضوء من مس الذكر و يقول هو إن الوضوء منه واجب و إن عليا ع خالف الحكم فيه بضرب من الرأي و حكى الربيع عنه في كتابه المشهور أنه لا بأس بصلاة الجمعة و العيدين خلف كل أمين و غير مأمون و متغلب صلى علي بالناس و عثمان محصور فجعل الدلالة على جواز الصلاة خلف المتغلب على أمر الأمة صلاة الناس خلف علي في زمن حصر عثمان فصرح بأن عليا كان متغلبا و لا خلاف أن المتغلب على أمر الأمة فاسق ضال و قال لا بأس بالصلاة خلف الخوارج لأنهم متأولون و إن كانوا فاسقين فمن يكون هذا مذهبه و مقالة
إمامه و فقيهه يزعم معه أنه لو صح له عن أمير المؤمنين شيء أو عن ذريته لدان به لو لا أن الذاهب إلى هذا يريد التلبيس و ليس في فقهاء الأمصار سوى الشافعي إلا و قد شارك الشافعي في الطعن على أمير المؤمنين ع و تزييف كثير من قوله و الرد عليه في أحكامه حتى أنهم يصرحون بأن الذي يذكره أمير المؤمنين ع في الأحكام معتبر فإن أسنده إلى النبي ص قبلوه منه على ظاهر العدالة كما يقبلون من أبي موسى الأشعري و أبي هريرة و المغيرة بن شعبة ما يسندوه إلى النبي ص بل كما يقبلون من حمال في السوق على ظاهر العدالة ما يرويه مسندا إلى النبي ص فأما ما قال أمير المؤمنين ع من غير إسناد إلى رسول الله ص كان موقوفا على سيرهم و نظرهم و اجتهادهم فإن وضح صوابه فيه قالوا به من حيث النظر لا من حيث حكمه به و قوله و إن عثروا على خطيئة فيه اجتنبوه و ردوه عليه و على من اتبعه فيه فزعموا أن آراءهم هي العيار على قوله ع و هذا ما لا يذهب إليه من وجد في صدره جزء من مودته ع و حقه الواجب له و تعظيمه الذي فرضه الله تعالى و رسوله ص بل لا يذهب إلى هذا القول إلا من رد على رسول الله ص قوله علي مع الحق و الحق مع علي يدور حيثما دار و قوله ص أنا مدينة العلم و علي بابها و قوله ص علي أقضاكم و قول أمير المؤمنين ع ضرب رسول الله ص يده على صدري و قال اللهم اهد قلبه و ثبت لسانه فما شككت في قضاء بين اثنين فلما ورد عليه هذا الكلام تحير و قال هذه شناعات على الفقهاء و القوم لهم حجج على ما حكيت عنهم فقال له بعض الحاضرين نحن نبرأ إلى الله من هذا المقال و كل دائن به و قال له آخر إن كان مع القوم حجج على ما حكاه الشيخ فهي حجج على إبطال ما ادعيت أولا من ضد هذه الحكاية و نحن نعيذك بالله أن تذهب إلى هذا القول فإن كل شيء تظنه حجة عليه فهو كالحجة في إبطال نبوة النبي ص فسكت مستحييا مما جرى و تفرق الجمع
-16 قال الشيخ أدام الله عزه قال لي يوما بعض المعتزلة لو كان ما تدعونه من هذا الفقه الذي تضيفونه إلى جعفر بن محمد و أبيه و ابنه ع حقا و أنتم صادقون في الحكاية عنهم لوجب أن يقع لنا معشر مخالفيكم العلم الضروري بصحة ذلك حتى لا نشك فيه كما وقع لكم صحة الحكاية عن أبي حنيفة و مالك و الشافعي و داود و غيرهم من فقهاء الأمصار برواية أصحابهم عنهم فلما لم نعلم صحة ما تدعونه مع سماعنا لأخباركم و طول مجالستنا لكم دل على أنكم متخرصون في ذلك و بعد فما بال كل من عددنا من فقهاء الأمصار قد استفاض عنهم القول في الفتيا استفاضة منعت من الريب في مذاهبهم و أنتم أئمتكم أعظم قدرا من هؤلاء و أجل خطرا لا سيما مع ما تعتقدونه فيهم من العصمة و علو المنزلة و الفضل على جميع البرية و البينونة من الخلق بالمعجزة و ما اختصوا به من خلافة الرسول عليه و آله السلام و فرض الطاعة على الجن و الإنس و إِنَّ هذا لَشَيْءٌ عَجِيبٌ قال الشيخ أدام الله عزه فقلت له إن الجواب عن هذا السؤال قريب جدا غير أني أقلبه عليك فلا يمكنك الانفصال منه إلا بإخراج من ذكرت من جملة أهل العلم و نفي المعرفة عنهم و إسقاط مقال من زعمت أنهم كانوا من أصحاب الفتيا و العلم الضروري حاصل لكل من سمع الأخبار بضد ذلك و خلافه و إنهم ع كانوا من أجلة أهل الفتيا و ذلك أننا و إن كنا كاذبين على قولك فلا بد لهؤلاء القوم ع من مقال في الفتيا يتضمن بعض ما حكيناه عنهم فما بالنا معشر الشيعة بل ما بالكم معشر الناصبة لا تعلمون مذاهبهم على الحقيقة بالضرورة كما تعلمون مذاهب أهل الحجاز و أهل العراق و من ذكرت من فقهاء الأمصار فإن زعمت أنك تعلم لهم في الفتيا مذهبا بخلاف ما نحكيه عنهم علم اضطرار مع تديننا بكذبك في ذلك لم نجد فرقا بيننا و بينك إذ ادعينا أننا نعلم صحة ما نحكيه عنهم بالاضطرار و إنك و أصحابك تعلمون ذلك و لكنكم تكابرون العيان و هذا ما لا فصل فيه فقال إنما لم نعلم مذهبهم باضطرار لأنه مبثوث في مذاهب الفقهاء إذا كانوا ع يختارون ما اختاروا من قول الصحابة و التابعين فتفرق مجموع أخبارهم في مذاهب الفقهاء فقلت له فإن هذا بعينه موجود في مذهب مالك و أبي حنيفة و الشافعي و من عددت لأن هؤلاء تخيروا من أقوال الصحابة و التابعين فكان يجب أن لا نعلم مذاهبهم باضطرار على أنك إن قنعت بهذا الاعتلال فإنا نعتمد عليه في جوابك فنقول إننا إنما تعرينا من علم الاضطرار بمذاهبهم ع لأن الفقهاء تقسموا مذاهبهم المنصوصة عندنا فدانوا بها على سبيل الاختيار لأن قولهم متفرق في مقال الفقهاء فلذلك لم يقع العلم به باضطرار فقال فهب أن الأمر كما وصفت ما بالنا لا نعلم ما رويتم عنهم من خلاف جميع الفقهاء علم اضطرار فقلت له ليس شيء مما تومئ إليه إلا و قد قاله صحابي أو تابعي و إن اتفق من ذكرت من فقهاء الأمصار على خلافه الآن فلما قدمنا مما رضيته من الاعتلال لم يحصل علم الاضطرار مع أنك تقول لا محالة بأن قولهم ع في هذه الأبواب بخلاف ما عليه غيرهم فيها و هو ما أجمع عليه عندك فقهاء الأمصار من الصحابة و التابعين بإحسان فما بالنا لا نعلم ذلك من مقالهم علم اضطرار و ليس هو مما تحدثته مذاهب الفقهاء و لا اختلف فيه عندك من أهل الإسلام أحد فبأي شيء تعلقت في ذلك تعلقنا به في إسقاط سؤالك و الله الموفق للصواب فلم يأت شيء تجب حكايته و الحمد لله قال السيد رضي الله عنه و قلت للشيخ عقيب هذه الحكاية لي إن حمل هؤلاء القوم أنفسهم على أن يقولوا إن جعفر بن محمد و أباه محمد بن علي و ابنه موسى بن جعفر ع لم يكونوا من أهل الفتيا لكنهم كانوا من أهل الزهد و الصلاح قال يقال لهم هب أنا سامحناكم في هذه المكابرة و جوزناها لكم أ ليس من قولكم و قول كل مسلم و ذمي و عدو لعلي بن أبي طالب ع و ولي له أن أمير المؤمنين ع كان من أهل الفتيا فلا بد من أن يقولوا بلى فيقال لهم فما بالنا لا نعلم جميع مذاهبه في الفتيا كما نعلم جميع مذاهب من عددتموه من فقهاء الأمصار بل
من الصحابة كزيد و ابن مسعود و عمر بن الخطاب إن قالوا إنكم تعلمون ذلك باضطرار قلنا لهم و ذلك هو ما تحكونه أنتم عنه أو ما نحكيه نحن مما يوافق حكايتنا عن ذريته ع فإن قالوا هو ما نحكيه دونكم قلنا لهم و نحن على أصلكم في إنكار ذلك مكابرون و إن قالوا نعم قلنا لهم بل العلم حاصل لكم بما نحكيه عنه خاصة و أنتم في إنكار ذلك مكابرون و هذا ما لا فصل فيه و هو أيضا يسقط اعتلالهم في عدم العلم الضروري بمذاهب الذرية لما ذكروه من تقسيم الفقهاء لها لأن أمير المؤمنين ع قد سبق الفقهاء الذين أشاروا إليهم و كان مذهب علي ع متفردا فإن اعتلوا بأنه كان منقسما في قول الصحابة فهم أنفسهم ينكرون ذلك لروايتهم عنه الخلاف مع أنه يجب أن لا يعرف مذهب عمر و ابن مسعود لأنهما كانا منقسمين في مذاهب الصحابة و هذا فاسد من القول بين الاضمحلال قال الشيخ أدام الله عزه و هذا كلام صحيح و يؤيده علمنا بمذاهب المختارين من المعتزلة و الزيدية و الخوارج مع انبثاثها في أقوال الصحابة و التابعين و فقهاء الأمصار و قال الشيخ أدام الله حراسته و قد ذكرت الجواب عما تقدم من السؤال في هذا الباب في كتابي المعروف بتقرير الأحكام و وجوده هناك يغني عن تكراره هاهنا إذ هو في موضعه مستقصى عن البيان 17- ثم قال قال الشيخ أدام الله تأييده سألني أبو الحسن علي بن نصر الشاهد بعكبرا في مسجده و أنا متوجه إلى سرمنرأى فقال أ ليس قد ثبت عندنا أن أمير المؤمنين ع كان أعلم الصحابة كلها و أعرفها بمعالم الدين و كانوا يستفتونه و يتعلمون منه لفقرهم إليه و كان غنيا عنهم لا يرجع إلى أحد منهم في علم و لا يستفيد ع منهم فقلت نعم هذا قولنا و هو الواضح الذي لا خفاء به و لا يمكن عاقلا دفعه و لا يقدم أحد على إنكاره إلا أن يرتكب البهت و المكابرة فقال أبو الحسن فإن بعض أهل الخلاف قد احتج علي في دفع هذا بأن قال وردت الرواية عن علي ع أنه قال ما حدثني أحد بحديث إلا استحلفته عليه و لقد حدثني أبو بكر و صدق أبو بكر فلو كان يعلم ع جميع الدين و لا يفتقر إلى غيره لما احتاج إلى استحلاف من يحدثه و لا الاستظهار في يمينه ليصح عنده علم ما أخبر به و قد روي أيضا أنه صلوات الله عليه حكم في شيء فقال له شاب من القوم أخطأت يا أمير المؤمنين فقال ع صدقت أنت و أخطأت فما ذا يكون الجواب عن هذا الكلام و كيف الطريق إلى حله فقلت أول ما في هذا الكلام أن الأخبار لا تتقابل و يحكم ببعضها على بعض حتى تتساوى في الصفة فيكون الظاهر المستفيض مقابلا لمثله في الاستفاضة و المتواتر مقابلا لمثله في التواتر و الشاذ مقابلا لمثله في الشذوذ و ما ذكرناه عن مولانا أمير المؤمنين ع مستفيض قد تواتر به الخبر على التحقيق و ما ذكره هذا الرجل عنه ع من الحديثين فأحدهما شاذ وارد من طريق الآحاد غير مرضي الإسناد و الآخر ظاهر البطلان لانقطاع إسناده و عدم وجوده في نقل معروف من الثقات و ليس يجوز المقابلة في مثل هذه الأخبار بل الواجب إسقاط الظاهر منها الشاذ و إبطال المتواتر ما ضاده من الآحاد و الثاني أنه لما ذكره الخصم من الحديث الأول عن أمير المؤمنين غير وجه يلائم ما ذكرناه من فضل مولانا أمير المؤمنين صلوات الله عليه في العلم على سائر الأنام منها أنه صلوات الله عليه إنما كان يستحلف على الأخبار لئلا يجترئ مجترئ على الإضافة إلى رسول الله ص بسماع ما لم يسمعه منه و إنما ألقى إليه عنه فحصل عنده بالبلاغ و منها أنه ع كان يستحلف مع العلم بصدق المخبر ليتأكد خبره عند غيره من السامعين فلا يشك فيه و لا يرتاب و منها أنه ع استحلف فيما عرفه يقينا ليكون ذلك حجة له إذا حكم على أهل العناد و لا يقول منهم قائل عند حكمه بذلك قد حكم بالشاذ
و منها أن يكون استحلافه صلوات الله عليه للمخبر بما لا يتضمن حكما في الدين و يتضمن أدبا و موعظة و لفظة حكمة أو مدحة لإنسان أو مذمة فلا يجب إذا علم ذلك من غيره أن يكون فقيرا في علم الدين إليه و ناقصا في العلم عن رتبته على أن لفظ الحديث ما حدثني أحد بحديث إلا استحلفته فهذا يوجب بالضرورة أنه كان يستحلف على ما يعلم لأنه محال أن يكون كل من حدثه حدثه بما لا يعلم فإذا ثبت أنه قد استحلف على علم لأحد ما ذكرناه أو لغيره من العلل بطل ما اعتمده هذا الخصم و أما الحديث الثاني فظهور بطلانه أوضح من أن يخفى و ذلك أنه قال فيه إن شابا قال له ليس الحكم فيه ذلك فقال أمير المؤمنين ع على ما زعم الخصم أصبت أنت و أخطأت و هذا واضح السقوط على ما بيناه لأنه لا يخلو مولانا أمير المؤمنين ع أن يكون حكم بالخطإ مع علمه بأنه خطأ أو يكون حكم بالخطإ و هو يظن أنه صواب فإن كان حكم بالخطإ على أنه خطأ عاند في دين الله و ضل بإقدامه على تغيير حكم الله و هو صلوات الله عليه يجل عن هذه الرتبة و لا يعتقد مثل هذا فيه الخوارج فضلا عمن دونهم في عداوته من الناصبة و إن كان حكم بالخطإ و هو يظن أنه صواب فكيف زال ظنه عن ذلك فانتقل عنه بقول رجل واحد لا يعضده برهان فهذا ما لا يتوهم على أحد من أهل الأديان على أنه لو كان لهذا الحديث أصل أو كان معروفا عند أحد من أهل الآثار لكان الرجل مشهورا معروفا بالعين و النسب مشهور القبيلة و المكان و لكان أيضا الحكم الذي جرى فيه هذا الأمر مشهورا عند الفقهاء و مدونا عند أصحاب الأخبار و في عدم معرفة الرجل و تعين الحكم و عدمه من الأصول دليل على بطلانه كما بيناه على أن الأمة قد اتفقت عنه صلوات الله عليه أنه قال ضرب رسول الله ص بيده على صدري و قال اللهم اهد قلبه و ثبت لسانه فما شككت في قضاء بين اثنين و هذا مضاد لوقوع الخطإ منه في الأحكام و مانع لدخول الشك عليه في شيء منها و الارتياب و أجمعوا أن النبي
ص قال علي مع الحق و الحق مع علي يدور حيثما دار و ليس يجوز أن يكون من هذا وصفه يخطئ في الدين أو يشك في الأحكام و أجمعوا أن النبي ص قال علي أقضاكم و أقضى الناس ليس يجوز أن يخطئ في الأحكام و لا يكون غيره أعلم منه بشيء من الحكم فدل ذلك على بطلان ما اعترض به الخصم و كشف عن وهيه على البيان و بالله التوفيق و إياه لنستهدي إلى سبيل الرشاد 18- و قال السيد المرتضى رضي الله عنه و حضر الشيخ أبو عبد الله أدام الله عزه بمسجد الكوفة فاجتمع إليه من أهلها و غيرهم أكثر من خمسمائة إنسان فابتدر له رجل من الزيدية أراد الفتنة و الشناعة فقال بأي شيء استجزت إنكار إمامة زيد بن علي فقال له الشيخ إنك قد ظننت علي ظنا باطلا و قولي في زيد لا يخالفني عليه أحد من الزيدية فلا يجب أن يتصور مذهبي في ذلك بالخلاف فقال له الرجل و ما مذهبك في إمامة زيد بن علي فقال له الشيخ أنا أثبت من إمامة زيد رحمه الله ما تثبته الزيدية و أنفي عنه من ذلك ما تنفيه فأقول إن زيدا رحمة الله عليه كان إماما في العلم و الزهد و الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر و أنفي عنه الإمامة الموجبة لصاحبها العصمة و النص و المعجز و هذا ما لا يخالفني عليه أحد من الزيدية حيثما قدمت فلم يتمالك جميع من حضر من الزيدية أن شكروه و دعوا له و بطلت حيلة الرجل فيما أراد من التشنيع و الفتنة 19- و قال رضي الله عنه و من الحكايات قلت للشيخ أبي عبد الله أدام الله عزه إن المعتزلة و الحشوية يزعمون أن الذي نستعمله من المناظرة شيء يخالف أصول الإمامية و يخرج عن إجماعهم لأن القوم لا يرون المناظرة دينا و ينهون عنها و يرون عن أئمتهم تبديع فاعليها و ذم مستعمليها فهل معك رواية عن أهل البيت ع في صحتها لم تعتمد على حجج العقول و لا تلتفت إلى ما خالفها و إن كان عليه إجماع العصابة فقال أخطأت المعتزلة و الحشوية في ما ادعوه علينا من خلاف جماعة مذهبنا في استعمال المناظرة و أخطأ من ادعى ذلك من الإمامية أيضا و تجاهل لأن فقهاء الإمامية و رؤساءهم في علم الدين كانوا يستعملون المناظرة و يدينون بصحتها و تلقى ذلك عنهم الخلف و دانوا به و قد أشبعت القول في هذا الباب و ذكرت أسماء المعروفين بالنظر و كتبهم و مدائح الأئمة ع لهم في كتاب الكامل في علوم الدين و كتاب الأركان في دعائم الدين و أنا أروي لك في هذا الوقت حديثا من جملة ما أوردت في ذلك إن شاء الله
أخبرني أبو الحسن أحمد بن محمد بن الحسن بن الوليد عن أبيه عن سعد بن عبد الله عن أحمد بن محمد بن عيسى عن يونس بن عبد الرحمن مولى آل يقطين عن أبي جعفر محمد بن النعمان عن أبي عبد الله الصادق جعفر بن محمد ع قال قال لي خاصموهم و بينوا لهم الهدى الذي أنتم عليه و بينوا لهم ضلالتهم و باهلوهم في علي ع قلت فإني لا أزال أسمع المعتزلة يدعون على أسلافنا أنهم كانوا كلهم مشبهة و أسمع المشبهة من العامة يقولون مثل ذلك و أرى جماعة من أصحاب الحديث من الإمامية يطابقونهم على هذه الحكاية و يقولون إن نفي التشبيه إنما أخذناه من المعتزلة فأحب أن تروي لي حديثا يبطل ذلك فقال هذه الدعوى كالأولة و لم يكن في سلفنا رحمهم الله من تدين بالتشبيه من طريق المعنى و إنما خالف هشام و أصحابه جماعة أصحاب أبي عبد الله ع بقوله في الجسم و زعم أن الله تعالى جسم لا كالأجسام و قد روي أنه رجع عن هذا القول بعد ذلك و قد اختلفت الحكايات عنه و لم يصح منها إلا ما ذكرت و أما الرد على هشام و القول بنفي التشبيه فهو أكثر من أن يحصى من الرواية عن آل محمد ع