الآيات البقرة وَ إِذْ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ أَبى وَ اسْتَكْبَرَ وَ كانَ مِنَ الْكافِرِينَ الأعراف وَ لَقَدْ خَلَقْناكُمْ ثُمَّ صَوَّرْناكُمْ ثُمَّ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ لَمْ يَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ قالَ ما مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ قالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نارٍ وَ خَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ قالَ فَاهْبِطْ مِنْها فَما يَكُونُ لَكَ أَنْ تَتَكَبَّرَ فِيها فَاخْرُجْ إِنَّكَ مِنَ الصَّاغِرِينَ قالَ أَنْظِرْنِي إِلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ قالَ إِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ قالَ فَبِما أَغْوَيْتَنِي لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِراطَكَ الْمُسْتَقِيمَ ثُمَّ لَآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَ مِنْ خَلْفِهِمْ وَ عَنْ أَيْمانِهِمْ وَ عَنْ شَمائِلِهِمْ وَ لا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شاكِرِينَ قالَ اخْرُجْ مِنْها مَذْؤُماً مَدْحُوراً لَمَنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْكُمْ أَجْمَعِينَ الحجر وَ لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ مِنْ صَلْصالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ وَ الْجَانَّ خَلَقْناهُ مِنْ قَبْلُ مِنْ نارِ السَّمُومِ وَ إِذْ قالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي خالِقٌ بَشَراً مِنْ صَلْصالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ فَإِذا سَوَّيْتُهُ وَ نَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ ساجِدِينَ فَسَجَدَ الْمَلائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ إِلَّا إِبْلِيسَ أَبى أَنْ يَكُونَ مَعَ السَّاجِدِينَ قالَ يا إِبْلِيسُ ما لَكَ أَلَّا تَكُونَ مَعَ السَّاجِدِينَ قالَ لَمْ أَكُنْ لِأَسْجُدَ لِبَشَرٍ خَلَقْتَهُ مِنْ صَلْصالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ قالَ فَاخْرُجْ مِنْها فَإِنَّكَ رَجِيمٌ وَ إِنَّ عَلَيْكَ اللَّعْنَةَ إِلى يَوْمِ الدِّينِ قالَ رَبِّ فَأَنْظِرْنِي إِلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ قالَ فَإِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ إِلى يَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ قالَ رَبِّ بِما أَغْوَيْتَنِي لَأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ إِلَّا عِبادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ قالَ هذا صِراطٌ عَلَيَّ مُسْتَقِيمٌ إِنَّ عِبادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطانٌ إِلَّا مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغاوِينَ الأسرى وَ إِذْ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ قالَ أَ أَسْجُدُ لِمَنْ خَلَقْتَ طِيناً قالَ أَ رَأَيْتَكَ هذَا الَّذِي كَرَّمْتَ عَلَيَّ لَئِنْ أَخَّرْتَنِ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ لَأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ إِلَّا قَلِيلًا قالَ اذْهَبْ فَمَنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ فَإِنَّ جَهَنَّمَ جَزاؤُكُمْ جَزاءً مَوْفُوراً وَ اسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ وَ أَجْلِبْ عَلَيْهِمْ بِخَيْلِكَ وَ رَجِلِكَ وَ شارِكْهُمْ فِي الْأَمْوالِ وَ الْأَوْلادِ وَ عِدْهُمْ وَ ما يَعِدُهُمُ الشَّيْطانُ إِلَّا غُرُوراً إِنَّ عِبادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطانٌ وَ كَفى بِرَبِّكَ وَكِيلًا الكهف وَ إِذْ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ كانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ ص إِذْ قالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي خالِقٌ بَشَراً مِنْ طِينٍ فَإِذا سَوَّيْتُهُ وَ نَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ ساجِدِينَ فَسَجَدَ الْمَلائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ إِلَّا إِبْلِيسَ اسْتَكْبَرَ وَ كانَ مِنَ الْكافِرِينَ قالَ يا إِبْلِيسُ ما مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِما خَلَقْتُ بِيَدَيَّ أَسْتَكْبَرْتَ أَمْ كُنْتَ مِنَ الْعالِينَ قالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نارٍ وَ خَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ قالَ فَاخْرُجْ مِنْها فَإِنَّكَ رَجِيمٌ وَ إِنَّ عَلَيْكَ لَعْنَتِي إِلى يَوْمِ الدِّينِ قالَ رَبِّ فَأَنْظِرْنِي إِلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ قالَ فَإِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ إِلى يَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ قالَ فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ إِلَّا عِبادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ قالَ فَالْحَقُّ وَ الْحَقَّ أَقُولُ لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْكَ وَ مِمَّنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ أَجْمَعِينَ تفسير قال الطبرسي رحمه الله في قوله تعالى وَ إِذْ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ بعد ذكر ما سيأتي من الخلاف في معنى السجود و حقيقة إبليس و أن المأمورين هل كانوا كل الملائكة أو بعضهم و اختار الأول روي عن ابن عباس أن الملائكة كانت تقاتل الجن فسبي إبليس و كان صغيرا و كان مع الملائكة فتعبد معها بالأمر بالسجود لآدم فسجدوا و أبى إبليس فلذلك قال الله إِلَّا إِبْلِيسَ كانَ مِنَ الْجِنِّ. و روى مجاهد و طاوس عنه أيضا أنه كان إبليس قبل أن يرتكب المعصية ملكا من الملائكة اسمه عزازيل و كان من سكان الأرض و كان سكان الأرض من الملائكة يسمون الجن و لم يكن من الملائكة أشد اجتهادا و أكثر علما منه فلما تكبر على الله و أبى
للسجود لآدم و عصاه لعنه و جعله شيطانا و سماه إبليس و كان من الكافرين أي كان كافرا في الأصل أو كان في علمه تعالى منهم أو صار منهم. وَ لَقَدْ خَلَقْناكُمْ ثُمَّ صَوَّرْناكُمْ أي خلقنا أباكم و صورناه و قيل خلقنا آدم ثم صورناكم في ظهره و قيل إن الترتيب وقع في الأخبار أي ثم نخبركم أنا قلنا للملائكة اسجدوا ما مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ لا زائد أو المعنى ما دعاك إلى أن لا تسجد خَلَقْتَنِي مِنْ نارٍ قال ابن عباس أول من قاس إبليس فأخطأ القياس فمن قاس الدين بشيء من رأيه قرنه الله بإبليس و وجه دخول الشبهة على إبليس أنه ظن أن النار إذا كانت أشرف من الطين لم يجز أن يسجد الأشرف للأدون و هذا خطأ لأن ذلك تابع لما يعلم الله سبحانه من مصالح العباد و قد قيل أيضا إن الطين خير من النار لأنه أكثر منافع للخلق من حيث إن الأرض مستقر الخلق و فيها معايشهم و منها تخرج أنواع أرزاقهم و الخيرية أنما يراد بها كثرة المنافع فَاهْبِطْ أي انزل و انحدر مِنْها أي من السماء و قيل من الجنة و قيل انزل عما أنت عليه من الدرجة الرفيعة إلى الدرجة الدنية التي هي درجة العاصين فَما يَكُونُ لَكَ أَنْ تَتَكَبَّرَ عن أمر الله فِيها أي الجنة أو في السماء فإنها ليست بموضع المتكبرين فَاخْرُجْ من المكان الذي أنت فيه أو المنزلة التي أنت عليها إِنَّكَ مِنَ الصَّاغِرِينَ أي من الأذلاء بالمعصية و هذا الكلام أنما صدر من الله سبحانه على لسان بعض الملائكة و قيل إن إبليس رأى معجزة تدله على أن ذلك كلام الله قالَ أَنْظِرْنِي أي أخرني في الأجل إِلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ أي من قبورهم للجزاء قال الكلبي أراد الخبيث أن لا يذوق الموت في النفخة الأولى و أجيب بالإنظار إلى يوم الوقت المعلوم و هي النفخة الأولى ليذوق الموت بين النفختين و هو أربعون سنة فَبِما أَغْوَيْتَنِي أي بما خيبتني من رحمتك و جنتك أو امتحنتني بالسجود لآدم فغويت عنده أو حكمت بغوايتي أو أهلكتني بلعنك إياي و لا يبعد أن يكون إبليس اعتقد أن الله يغوي الخلق و يكون ذلك من جملة ما كان اعتقده من الشر لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ أي لأولاد آدم صِراطَكَ الْمُسْتَقِيمَ أي على طريقك المستوي لأصدهم عنه بالإغواء. ثُمَّ لَآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ الآية فيه أقوال أحدها أن المعنى من قبل دنياهم و آخرتهم و من جهة حسناتهم و سيئاتهم أي أزين لهم الدنيا و أشككهم في الآخرة و أثبطهم عن الحسنات و أحبب إليهم السيئات. و ثانيها أن معنى مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَ عَنْ أَيْمانِهِمْ من حيث يبصرون و مِنْ خَلْفِهِمْ وَ عَنْ شَمائِلِهِمْ من حيث لا يبصرون. و ثالثها ما روي عن أبي جعفر ع قال ثُمَّ لَآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ معناه أهون عليهم أمر الآخرة وَ مِنْ خَلْفِهِمْ آمرهم بجمع الأموال و البخل بها عن الحقوق لتبقى لورثتهم وَ عَنْ أَيْمانِهِمْ أفسد عليهم أمر دينهم بتزيين الضلالة و تحسين الشبهة وَ عَنْ شَمائِلِهِمْ بتحبيب اللذات إليهم و تغليب الشهوات على قلوبهم وَ لا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شاكِرِينَ إما أن يكون قال ذلك من جهة الملائكة بإخبار الله إياهم و إما عن ظن منه كما قال سبحانه وَ لَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ فإنه لما استزل آدم ظن أن ذريته أيضا سيجيبونه لكونهم أضعف منه مَذْؤُماً أي مذموما أو معيبا أو مهانا لعينا مَدْحُوراً أي مطرودا لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْكُمْ أي منك و من ذريتك و كفار بني آدم أَجْمَعِينَ. وَ لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ يعني آدم مِنْ صَلْصالٍ أي من طين يابس تسمع له عند النقر صلصلة أي صوت و قيل طين صلب يخالطه الكثيب و قيل منتن مِنْ حَمَإٍ أي
من طين متغير مَسْنُونٍ أي مصبوب كأنه أفرغ حتى صار صورة كما يصب الذهب و الفضة و قيل إنه الرطب و قيل مصور عن سيبويه قال أخذ منه سنة الوجه وَ الْجَانَّ أي إبليس أو هو أب الجن و قيل هم الجن نسل إبليس مِنْ قَبْلُ خلق آدم مِنْ نارِ السَّمُومِ أي من نار لها ريح حارة تقتل و قيل نار لا دخان لها و الصواعق تكون منها و قيل السموم النار الملتهبة و أصل آدم كان من تراب و ذلك قوله خَلَقَهُ مِنْ تُرابٍ ثم جعل التراب طينا و ذلك قوله وَ خَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ ثم ترك ذلك الطين حتى تغير و استرخى و ذلك قوله مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ ثم ترك حتى جف و ذلك قوله مِنْ صَلْصالٍ فهذه الأقوال لا تناقض فيها إذ هي إخبار عن حالاته المختلفة بَشَراً يعني آدم و سمي بشرا لأنه ظاهر الجلد لا يواريه شعر و لا صوف فَإِذا سَوَّيْتُهُ بإكمال خلقه. وَ نَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي قال البيضاوي أصل النفخ إجراء الريح في تجويف جسم آخر و لما كان الروح يتعلق أولا بالبخار اللطيف المنبعث من القلب و يفيض عليه القوة الحيوانية فيسري حاملا لها في تجاويف الشرايين إلى أعماق البدن جعل تعليقه بالبدن نفخا و إضافة الروح إلى نفسه للتشريف فَاخْرُجْ مِنْها أي من الجنة أو من السماء أو زمر الملائكة فَإِنَّكَ رَجِيمٌ مطرود من الخير و الكرامة أو شيطان يرجم بالشهب وَ إِنَّ عَلَيْكَ اللَّعْنَةَ هذا الطرد و الإبعاد إِلى يَوْمِ الدِّينِ فإنه منتهى أمد اللعن لأنه يناسب أيام التكليف و قيل إنما حد اللعن به لأنه أبعد غاية تضربها الناس أو لأنه يعذب فيه بما ينسى اللعن معه فيصير كالزائل إِلى يَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ المسمى فيه أجلك عند الله أو انقراض الناس كلهم و هو النفخة الأولى أو يوم القيامة رَبِّ بِما أَغْوَيْتَنِي الباء للقسم و ما مصدرية و جوابه لَأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ و المعنى أقسم بإغوائك إياي لأزينن لهم المعاصي في الدنيا التي هي دار الغرور و قيل للسببية و المعتزلة أولو الإغواء بالنسبة إلى الغي أو التسبب له بأمره إياه بالسجود أو بالإضلال عن طريق الجنة و اعتذروا عن إمهال الله تعالى له و هو سبب لزيادة غيه و تسليطه له على بني آدم بأن الله علم منه و ممن تبعه أنهم يموتون على الكفر أمهل أو لم يمهل و أن في إمهاله تعريضا لمن خالفه لاستحقاق مزيد الثواب. هذا صِراطٌ عَلَيَّ مُسْتَقِيمٌ قال الطبرسي فيه وجوه أحدها أنه على جهة التهديد له كما تقول لغيرك افعل ما شئت و طريقك على أي لا تفوتني و ثانيها معناه أن ما تذكره من أمر المخلصين و الغاوين طريق ممره على أي ممر من سلكه مستقيم لا عدول فيه عني و أجازي كلا من الفريقين بما عمل و ثالثها هذا دين مستقيم علي بيانه و الهداية إليه لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطانٌ أي قدرة على إكراههم على المعصية. إِلَّا مَنِ اتَّبَعَكَ لأنه إذا قبل منه صار عليه سلطان بعدوله عن الهدى إلى ما يدعوه إليه و قيل استثناء منقطع و المراد و لكن من اتبعك من الغاوين جعل لك على نفسه سلطانا. أَ أَسْجُدُ لِمَنْ خَلَقْتَ طِيناً استفهام إنكار هذَا الَّذِي كَرَّمْتَ أي فضلته عَلَيَّ يعني آدم على نبينا و آله و عليه السلام لَأَحْتَنِكَنَّ أي لأغوين ذُرِّيَّتَهُ و أقودنهم معي إلى المعاصي كما يقاد الدابة بحنكها إذا شد فيه حبل تجر به إِلَّا قَلِيلًا و هم المخلصون و قيل لأحتنكنهم أي لأستولين عليهم و قيل لأستأصلنهم بالإغواء من احتناك الجراد الزرع و هو أن يأكله و يستأصله وَ اسْتَفْزِزْ الاستفزاز الإزعاج و الاستنهاض على خفة و إسراع بِصَوْتِكَ أي أضلهم بدعائك و وسوستك من قولهم صوت فلان بفلان إذا دعاه و هذا تهديد في صورة الأمر و قيل بصوتك أي بالغناء و المزامير و الملاهي و قيل كل صوت يدعى به إلى الفساد فهو من صوت الشياطين وَ أَجْلِبْ عَلَيْهِمْ بِخَيْلِكَ وَ رَجِلِكَ الإجلاب السوق بجلبة و هي شدة الصوت أي أجمع عليهم ما قدرت عليه من مكايدك و أتباعك و ذريتك و أعوانك فالباء مزيدة و كل راكب أو ماش في معصية الله من الإنس و الجن
فهو من خيل إبليس و رجله و قيل هو من أجلب القوم و جلبوا أي صاحوا أي صح بخيلك و رجلك فاحشرهم عليهم بالإغواء وَ شارِكْهُمْ فِي الْأَمْوالِ وَ الْأَوْلادِ و هو كل مال أصيب من حرام و كل ولد زنا عن ابن عباس و قيل مشاركته في الأموال أنه أمرهم أن يجعلوها سائبة و بحيرة و نحو ذلك و في الأولاد أنه هودهم و نصرهم و مجسهم و قيل إن المراد بالأولاد تسميتهم عبد شمس و عبد الحارث و نحوهما و قيل قتل الموءودة من أولادهم وَ عِدْهُمْ و منهم البقاء و طول الأمل و أنهم لا يبعثون و كل هذا زجر و تهديد في صورة الأمر وَ كَفى بِرَبِّكَ وَكِيلًا أي حافظا لعباده من الشرك. كانَ مِنَ الْجِنِّ هذا دليل من قال إنه ليس من الملائكة و قال الآخرون أي كان من الذين يستترون عن الأبصار من الجن و هو الستر. لِما خَلَقْتُ بِيَدَيَّ أي توليت خلقه بنفسي من غير واسطة و ذكر اليدين لتحقيق الإضافة لخلقه إلى نفسه و قيل أي خلقته بقدرتي أَسْتَكْبَرْتَ أَمْ كُنْتَ مِنَ الْعالِينَ أي أ رفعت نفسك فوق قدرك و تعظمت عن امتثال أمري أم كنت من الذين تعلو أقدارهم عن السجود فتعاليت عنه
1- م، ]تفسير الإمام عليه السلام[ ج، ]الإحتجاج[ بالإسناد إلى أبي محمد العسكري ع في خبر طويل يذكر فيه أمر العقبة أن المنافقين قالوا لرسول الله ص أخبرنا عن علي ع أ هو أفضل أم ملائكة الله المقربون فقال رسول الله ص و هل شرفت ملائكة الله إلا بحبها لمحمد و علي و قبولها لولايتهما إنه لا أحد من محبي علي ع نظف قلبه من قذر الغش و الدغل و الغل و نجاسة الذنوب إلا لكان أطهر و أفضل من الملائكة و هل أمر الله الملائكة بالسجود لآدم إلا لما كانوا قد وضعوه في نفوسهم أنه لا يصير في الدنيا خلق بعدهم إذا رفعوا عنها إلا و هم يعنون أنفسهم أفضل منهم في الدين فضلا و أعلم بالله و بدينه علما فأراد الله أن يعرفهم أنهم قد أخطئوا في ظنونهم و اعتقاداتهم فخلق آدم و علمه الأسماء كلها ثم عرضها عليهم فعجزوا عن معرفتها فأمر آدم أن ينبئهم بها و عرفهم فضله في العلم عليهم ثم أخرج من صلب آدم ذرية منهم الأنبياء و الرسل و الخيار من عباد الله أفضلهم محمد ثم آل محمد و من الخيار الفاضلين منهم أصحاب محمد و خيار أمة محمد و عرف الملائكة بذلك أنهم أفضل من الملائكة إذا احتملوا ما حملوه من الأثقال و قاسوا ما هم فيه من تعرض أعوان الشياطين و مجاهدة النفوس و احتمال أذى ثقل العيال و الاجتهاد في طلب الحلال و معاناة مخاطرة الخوف من الأعداء من لصوص مخوفين و من سلاطين جوره قاهرين و صعوبة في المسالك في المضايق و المخاوف و الأجزاع و الجبال و التلال لتحصيل أقوات الأنفس و العيال من الطيب الحلال عرفهم الله عز و جل أن خيار المؤمنين يحتملون هذه البلايا و يتخلصون منها و يتحاربون الشياطين و يهزمونهم و يجاهدون أنفسهم بدفعها عن شهواتها و يغلبونها مع ما ركب فيهم من شهوة الفحولة و حب اللباس و الطعام و العز و الرئاسة و الفخر و الخيلاء و مقاساة العناء و البلاء من إبليس لعنه الله و عفاريته و خواطرهم و إغوائهم و استهوائهم و دفع ما يكيدونه من ألم الصبر على سماع الطعن من أعداء الله و سماع الملاهي و الشتم لأولياء الله و مع ما يقاسونه في أسفارهم لطلب أقواتهم و الهرب من أعداء دينهم أو الطلب لما يألمون معاملته من مخالفيهم في دينهم قال الله عز و جل يا ملائكتي و أنتم من جميع ذلك بمعزل لا شهوات الفحولة تزعجكم و لا شهوة الطعام تحفزكم و لا خوف من أعداء دينكم و دنياكم ينخب في قلوبكم و لا لإبليس في ملكوت سماواتي و أرضي شغل على إغواء ملائكتي الذين قد عصمتهم منهم يا ملائكتي فمن أطاعني منهم و سلم دينه من هذه الآفات و النكبات فقد احتمل في جنب محبتي ما لم تحتملوا و اكتسب من القربات إلى ما لم تكتسبوا فلما عرف الله ملائكته فضل خيار أمة محمد ص و شيعة علي و خلفائه ع عليهم و احتمالهم في جنب محبة ربهم ما لا يحتمله الملائكة أبان بني آدم الخيار المتقين بالفضل عليهم ثم قال فلذلك فاسجدوا لآدم لما كان مشتملا على أنوار هذه الخلائق الأفضلين و لم يكن سجودهم لآدم إنما كان آدم قبلة لهم يسجدون نحوه لله عز و جل و كان بذلك معظما مبجلا له و لا ينبغي لأحد أن يسجد لأحد من دون الله يخضع له خضوعه لله و يعظمه بالسجود له كتعظيمه لله و لو أمرت أحدا أن يسجد هكذا لغير الله لأمرت ضعفاء شيعتنا و سائر المكلفين من شيعتنا أن يسجدوا لمن توسط في علوم رسول الله ص و محض وداد خير خلق الله على بعد محمد رسول الله و احتمل المكاره و البلايا في التصريح بإظهار حقوق الله و لم ينكر علي حقا أرقبه عليه قد كان جهله أو أغفله الخبر
بيان المقاساة المكابدة و تحمل الشدة في الأمر و الأجزاع جمع الجزع بالكسر و قد يفتح و هو منعطف الوادي و وسطه أو مفتتحه أو مكان بالوادي لا شجر فيه و ربما كان رملا و العفريت الخبيث المنكر و النافذ في الأمر المبالغ فيه مع دهاء و حفزة أي دفعه من خلفه و النخب النزع و رجل نخب بكسر الخاء أي جبان لا فؤاد له ذكره الجوهري و قوله ع أرقبه عليه أي أرصده له و أنتظر رعايته منه أو من قولهم رقبة أي جعل الحبل في رقبته
2- ج، ]الإحتجاج[ في جواب مسائل الزنديق عن أبي عبد الله ع أنه سأل أ يصلح السجود لغير الله قال لا قال فيكف أمر الله الملائكة بالسجود فقال إن من سجد بأمر الله فقد سجد لله فكان سجوده لله إذ كان عن أمر الله ثم قال ع فأما إبليس فعبد خلقه ليعبده و يوحده و قد علم حين خلقه ما هو و إلى ما يصير فلم يزل يعبده مع ملائكته حتى امتحنه بسجود آدم فامتنع من ذلك حسدا و شقاوة غلبت عليه فلعنه عند ذلك و أخرجه عن صفوف الملائكة و أنزله إلى الأرض مدحورا فصار عدو آدم و ولده بذلك السبب و ما له من السلطنة على ولده إلا الوسوسة و الدعاء إلى غير السبيل و قد أقر مع معصيته لربه بربوبيته
3- ص، ]قصص الأنبياء عليهم السلام[ بالإسناد عن الصدوق عن ابن المتوكل و ماجيلويه معا عن محمد العطار عن أحمد بن محمد عن الحسين بن سيف عن أخيه عن أبيه عن أبي بصير قال قلت لأبي عبد الله ع سجدت الملائكة لآدم ع و وضعوا جباههم على الأرض قال نعم تكرمة من الله تعالى
4- ف، ]تحف العقول[ عن أبي الحسن الثالث ع قال إن السجود من الملائكة لآدم لم يكن لآدم و إنما كان ذلك طاعة لله و محبة منهم لآدم
5- ج، ]الإحتجاج[ عن موسى بن جعفر عن آبائه ع أن يهوديا سأل أمير المؤمنين ع عن معجزات النبي في مقابلة معجزات الأنبياء فقال هذا آدم أسجد الله له ملائكته فهل فعل بمحمد شيئا من هذا فقال علي ع لقد كان ذلك و لكن أسجد الله لآدم ملائكته فإن سجودهم لم يكن سجود طاعة إنهم عبدوا آدم من دون الله عز و جل و لكن اعترافا لآدم بالفضيلة و رحمة من الله له و محمد ص أعطي ما هو أفضل من هذا إن الله جل و علا صلى عليه في جبروته و الملائكة بأجمعها و تعبد المؤمنون بالصلاة عليه فهذه زيادة له يا يهودي
6- ن، ]عيون أخبار الرضا عليه السلام[ الحسن بن محمد بن سعيد الهاشمي عن فرات بن إبراهيم عن محمد بن أحمد بن علي الهمداني عن العباس بن عبد الله البخاري عن محمد بن القاسم بن إبراهيم عن أبي الصلت الهروي عن الرضا عن آبائه عن أمير المؤمنين ع قال قال رسول الله ص إن الله فضل أنبياءه المرسلين على ملائكته المقربين و فضلني على جميع النبيين و المرسلين و الفضل بعدي لك يا علي و للأئمة من بعدك و ساق الحديث إلى أن قال ثم إن الله تبارك و تعالى خلق آدم فأودعنا صلبه و أمر الملائكة بالسجود له تعظيما لنا و إكراما و كان سجودهم لله عز و جل عبودية و لآدم إكراما و طاعة لكوننا في صلبه فكيف لا نكون أفضل من الملائكة و قد سجدوا لآدم كلهم أجمعون الخبر
تحقيق اعلم أن المسلمين قد أجمعوا على أن ذلك السجود لم يكن سجود عبادة لأنها لغير الله تعالى توجب الشرك ثم اختلفوا على ثلاثة أقوال. الأول أن ذلك السجود كان لله تعالى و آدم على نبينا و آله و عليه السلام كان قبلة و هو قول أبي علي الجبائي و أبي القاسم البلخي و جماعة. و الثاني أن السجود في أصل اللغة هو الانقياد و الخضوع قال الشاعر
ترى الأكم فيها سجدا للحوافر
أي الجبال الصغار و التلال كانت مذللة لحوافر الخيول و منه قوله تعالى وَ النَّجْمُ وَ الشَّجَرُ يَسْجُدانِ و أورد عليه بأن المتبادر من السجود وضع الجبهة على الأرض فيجب الحمل عليه ما لم يدل دليل على خلافه و يؤيده قوله تعالى فَقَعُوا لَهُ ساجِدِينَ و يدل عليه صريحا بعض الأخبار المتقدمة. و الثالث أن السجود كان تعظيما لآدم على نبينا و آله و عليه السلام و تكرمة له و هو في الحقيقة عبادة لله تعالى لكونه بأمره و هو مختار جماعة من المفسرين و هو الأظهر من مجموع الأخبار التي أوردناها و إن كان الخبر الأول يؤيد الوجه الأول. ثم اعلم أنه قد ظهر مما أوردنا من الأخبار أن السجود لا يجوز لغير الله ما لم يكن عن أمره و أن المسجود له لا يكون معبودا مطلقا بل قد يكون السجود تحية لا عبادة و إن لم يجز إيقاعه إلا بأمره تعالى و أن أمره سبحانه للملائكة بالسجود لآدم على نبينا و آله و عليه السلام يدل على أفضليته و تقدمه عليهم لا كما زعمه الجبائي و غيره من أنه لا يدل على أفضلية آدم ع
7- فس، ]تفسير القمي[ خلق الله آدم فبقي أربعين سنة مصورا و كان يمر به إبليس اللعين فيقول لأمر ما خلقت فقال العالم ع فقال إبليس لئن أمرني الله بالسجود لهذا لعصيته قال ثم نفخ فيه فلما بلغت فيه الروح إلى دماغه عطس فقال الحمد لله فقال الله له يرحمك الله قال الصادق عليه السلام فسبقت له من الله الرحمة ثم قال الله تبارك و تعالى للملائكة اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا له فأخرج إبليس ما كان في قلبه من الحسد فأبى أن يسجد فقال الله عز و جل ما مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ ف قالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نارٍ وَ خَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ قال الصادق ع فأول من قاس إبليس و استكبر و الاستكبار هو أول معصية عصى الله بها قال فقال إبليس يا رب أعفني من السجود لآدم و أنا أعبدك عبادة لم يعبدكها ملك مقرب و لا نبي مرسل فقال الله لا حاجة لي إلى عبادتك إنما أريد أن أعبد من حيث أريد لا من حيث تريد فأبى أن يسجد فقال الله تبارك و تعالى فَاخْرُجْ مِنْها فَإِنَّكَ رَجِيمٌ وَ إِنَّ عَلَيْكَ لَعْنَتِي إِلى يَوْمِ الدِّينِ قال إبليس يا رب فكيف و أنت العدل الذي لا تجور فثواب عملي بطل قال لا و لكن سلني من أمر الدنيا ما شئت ثوابا لعملك أعطك فأول ما سأل البقاء إلى يوم الدين فقال الله قد أعطيتك قال سلطني على ولد آدم قال سلطتك قال أجرني فيهم مجرى الدم في العروق قال قد أجريتك قال لا يولد لهم واحد إلا ولد لي اثنان و أراهم و لا يروني و أتصور لهم في كل صورة شئت فقال قد أعطيتك قال يا رب زدني قال قد جعلت لك و لذريتك صدورهم أوطانا قال رب حسبي قال إبليس عند ذلك فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ إِلَّا عِبادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ ثُمَّ لَآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَ مِنْ خَلْفِهِمْ وَ عَنْ أَيْمانِهِمْ وَ عَنْ شَمائِلِهِمْ وَ لا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شاكِرِينَ
-8 فس، ]تفسير القمي[ أبي عن ابن أبي عمير عن جميل عن زرارة عن أبي عبد الله ع قال لما أعطى الله تبارك و تعالى إبليس ما أعطاه من القوة قال آدم يا رب سلطت إبليس على ولدي و أجريته فيهم مجرى الدم في العروق و أعطيته ما أعطيته فما لي ولدي فقال لك و لولدك السيئة بواحدة و الحسنة بعشرة أمثالها قال يا رب زدني قال التوبة مبسوطة إلى أن تبلغ النفس الحلقوم قال يا رب زدني قال أغفر و لا أبالي قال حسبي قال قلت جعلت فداك بما ذا استوجب إبليس من الله أن أعطاه ما أعطاه فقال بشيء كان منه شكره الله عليه قلت و ما كان منه جعلت فداك قال ركعتين ركعهما في السماء في أربعة آلاف سنة
9- كتاب فضائل الشيعة للصدوق رحمه الله بإسناده عن أبي سعيد الخدري قال كنا جلوسا مع رسول الله ص إذ أقبل إليه رجل فقال يا رسول الله أخبرني عن قول الله عز و جل لإبليس أَسْتَكْبَرْتَ أَمْ كُنْتَ مِنَ الْعالِينَ فمن هم يا رسول الله الذين هم أعلى من الملائكة فقال رسول الله ص أنا و علي و فاطمة و الحسن و الحسين كنا في سرادق العرش نسبح الله و تسبح الملائكة بتسبيحنا قبل أن خلق الله عز و جل آدم بألفي عام فلما خلق الله عز و جل آدم أمر الملائكة أن يسجدوا له و لم يأمرنا بالسجود فسجدت الْمَلائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ إِلَّا إِبْلِيسَ فإنه أبى أن يسجد فقال الله تبارك و تعالى أَسْتَكْبَرْتَ أَمْ كُنْتَ مِنَ الْعالِينَ أي من هؤلاء الخمس المكتوب أسماؤهم في سرادق العرش الخبر
10- ل، ]الخصال[ أبي و ابن الوليد معا عن سعد و الحميري معا عن ابن عيسى و البرقي و ابن أبي الخطاب جميعا عن ابن محبوب عن محمد بن إسحاق عن أبي جعفر محمد بن علي عن آبائه عن علي ع عن رسول الله ص قال إنما كان لبث آدم و حواء في الجنة حتى أخرجا منها سبع ساعات من أيام الدنيا حتى أهبطهما الله من يومهما ذلك
11- ع، ]علل الشرائع[ بالإسناد إلى وهب قال لما أسجد الله عز و جل الملائكة لآدم ع و أبى إبليس أن يسجد قال له ربه عز و جل فَاخْرُجْ مِنْها فَإِنَّكَ رَجِيمٌ وَ إِنَّ عَلَيْكَ لَعْنَتِي إِلى يَوْمِ الدِّينِ ثم قال عز و جل لآدم يا آدم انطلق إلى هؤلاء من الملائكة فقل السلام عليكم و رحمة الله و بركاته فسلم عليهم فقالوا و عليك السلام و رحمة الله و بركاته فلما رجع إلى ربه عز و جل قال له ربه تبارك و تعالى هذه تحيتك و تحية ذريتك من بعدك فيما بينهم إلى يوم القيامة
12- ع، ]علل الشرائع[ ابن الوليد عن الصفار عن إبراهيم بن هاشم عن عثمان عن الحسن بن بشار عن أبي عبد الله ع قال سألته عن جنة آدم فقال جنة من جنان الدنيا يطلع عليها الشمس و القمر و لو كانت من جنان الخلد ما خرج منها أبدا
13- فس، ]تفسير القمي[ أبي رفعه قال سئل الصادق ع عن جنة آدم أ من جنان الدنيا كانت أم من جنان الآخرة فقال كانت من جنان الدنيا تطلع فيها الشمس و القمر و لو كانت من جنان الآخرة ما خرج منها أبدا
تبيان اختلف في جنة آدم ع هل كانت في الأرض أم في السماء و على الثاني هل هي الجنة التي هي دار الثواب أم غيرها فذهب أكثر المفسرين و أكثر المعتزلة إلى أنها جنة الخلد و قال أبو هاشم هي جنة من جنان السماء غير جنة الخلد و قال أبو مسلم الأصفهاني و أبو القاسم البلخي و طائفة هي بستان من بساتين الدنيا في الأرض كما يدل عليه هذان الخبران و إن أمكن اتحادهما و احتج الأولون بأن الظاهر أن الألف و اللام للعهد و المعهود المعلوم بين المسلمين هي جنة الخلد و بأن المتبادر منها جنة الخلد حتى صار كالعلم لها فوجب الحمل عليها و جوابهما ظاهر و احتجت الطائفة الثانية بأن قوله تعالى اهْبِطُوا يدل على الإهباط من السماء إلى الأرض و ليست بجنة الخلد كما سيذكر فلزم المطلوب و أجيب بأن الانتقال من أرض إلى أخرى قد يسمى هبوطا كما في قوله تعالى اهْبِطُوا مِصْراً لكن الظاهر من آخر الآية كون الهبوط من غير الأرض
و يؤيده ما سيأتي في حديث الشامي أنه سأل أمير المؤمنين ع عن أكرم واد على وجه الأرض فقال له واد يقال له سرنديب سقط فيه آدم من السماء
و احتج القائلون بأنها من بساتين الأرض بوجوه. الأول أنها لو كانت دار الخلد لما خرج آدم منها لقوله وَ ما هُمْ مِنْها بِمُخْرَجِينَ. الثاني أن جنة الخلد لا يفنى نعيمها لقوله تعالى أُكُلُها دائِمٌ وَ ظِلُّها و لقوله تعالى وَ أَمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا فَفِي الْجَنَّةِ خالِدِينَ فِيها الآية. و أجيب عنهما بأن عدم الخروج أنما يكون إذا استقروا فيها للثواب و قد ذكروا وجوها أخر ذكروها في التفاسير و الكتب الكلامية و لا نطيل الكلام بذكرها و هذان الخبران و إن كانا يدلان على المذهب الأخير لكن يعارضهما ظواهر بعض الأخبار كقول أمير المؤمنين ع فيما أوردنا في الباب السابق و وعده المرد إلى جنته و خبر الشامي و غيرهما مما سيأتي فالجزم بأحد المذاهب لا يخلو من إشكال و الله تعالى يعلم
14- ص، ]قصص الأنبياء عليهم السلام[ بالإسناد إلى الصدوق عن أبيه عن سعد عن ابن يزيد عن ابن أبي عمير عن جميل بن دراج قال سألت أبا عبد الله ع أ كان إبليس من الملائكة أم من الجن قال كانت الملائكة ترى أنه منها و كان الله يعلم أنه ليس منها فلما أمر بالسجود كان منه الذي كان
إيضاح اعلم أن العلماء اختلفوا في أنه هل كان إبليس من الملائكة أم لا فذهب أكثر المتكلمين لا سيما المعتزلة و كثير من أصحابنا كالشيخ المفيد قدس سره إلى أنه لم يكن من الملائكة بل كان من الجن قال و قد جاءت الأخبار به متواترة عن أئمة الهدى سلام الله عليهم و هو مذهب الإمامية و ذهب جماعة من المتكلمين و كثير من فقهاء الجمهور إلى أنه منهم و اختاره شيخ الطائفة رحمه الله في التبيان قال و هو المروي عن أبي عبد الله ع و الظاهر في تفاسيرنا ثم اختلفت الطائفة الأخيرة فقيل إنه كان خازنا للجنان و قيل كان له سلطان سماء الدنيا و سلطان الأرض و قيل كان يسوس ما بين السماء و الأرض و الحق ما اختاره المفيد رحمه الله و سنورد الأخبار في ذلك في كتاب السماء و العالم
14- ص، ]قصص الأنبياء عليهم السلام[ بالإسناد عن ابن أبي عمير عن هشام بن سالم عن الصادق ع قال أمر إبليس بالسجود لآدم فقال يا رب و عزتك إن أعفيتني من السجود لآدم لأعبدنك عبادة ما عبدك أحد قط مثلها قال الله جل جلاله إني أحب أن أطاع من حيث أريد و قال إن إبليس رن أربع رنات أولهن يوم لعن و يوم أهبط إلى الأرض و حيث بعث محمد ص على فترة من الرسل و حين أنزلت أم الكتاب و نخر نخرتين حين أكل آدم من الشجرة و حين أهبط من الجنة و قال في قوله تعالى فَبَدَتْ لَهُما سَوْآتُهُما كانت سوآتهما لا ترى فصارت ترى بارزة و قال الشجرة التي نهي عنها آدم هي السنبلة
توضيح الرنة الصوت يقال رنت المرأة ترن رنينا و أرنت أيضا أي صاحت و النخير صوت بالأنف
15- ك، ]إكمال الدين[ ابن المتوكل عن الأسدي عن البرمكي عن جعفر بن عبد الله عن الحسن بن سعيد عن محمد بن زياد عن أيمن بن محرز عن الصادق ع أن الله تبارك و تعالى علم آدم ع أسماء حجج الله كلها ثم عرضهم و هم أرواح على الملائكة فَقالَ أَنْبِئُونِي بِأَسْماءِ هؤُلاءِ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ أنكم أحق بالخلافة في الأرض لتسبيحكم و تقديسكم من آدم قالُوا سُبْحانَكَ لا عِلْمَ لَنا إِلَّا ما عَلَّمْتَنا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ قالَ الله تبارك و تعالى يا آدَمُ أَنْبِئْهُمْ بِأَسْمائِهِمْ فَلَمَّا أَنْبَأَهُمْ بِأَسْمائِهِمْ وقفوا على عظيم منزلتهم عند الله تعالى ذكره فعلموا أنهم أحق بأن يكونوا خلفاء الله في أرضه و حججه على بريته ثم غيبهم عن أبصارهم و استعبدهم بولايتهم و محبتهم و قالَ لهم أَ لَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ وَ أَعْلَمُ ما تُبْدُونَ وَ ما كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ
و حدثنا بذلك القطان عن السكري عن الجوهري عن ابن عمارة عن أبيه عن الصادق ع
-16 فس، ]تفسير القمي[ وَ عَلَّمَ آدَمَ الْأَسْماءَ كُلَّها قال أسماء الجبال و البحار و الأودية و النبات و الحيوان
بيان قال الشيخ أمين الدين الطبرسي رحمه الله وَ عَلَّمَ آدَمَ الْأَسْماءَ أي علمه معاني الأسماء إذ الأسماء بلا معان لا فائدة فيها و لا وجه لإشادة الفضيلة بها و قد نبه الله الملائكة على ما فيها من لطيف الحكمة فأقروا عند ما سئلوا عن ذكرها و الإخبار عنها أنه لا علم لهم بها قال الله تعالى يا آدَمُ أَنْبِئْهُمْ بِأَسْمائِهِمْ عن قتادة و قيل إنه سبحانه علمه جميع الأسماء و الصناعات و عمارة الأرضين و الأطعمة و الأودية و استخراج المعادن و غرس الأشجار و منافعها و جميع ما يتعلق بعمارة الدين و الدنيا عن ابن عباس و مجاهد و سعيد بن جبير و عن أكثر المتأخرين و قيل إنه علمه أسماء الأشياء كلها ما خلق و ما لم يخلق بجميع اللغات التي يتكلم بها ولده بعده عن أبي علي الجبائي و علي بن عيسى و غيرهما قالوا فأخذ عنه ولده اللغات فلما تفرقوا تكلم كل قوم بلسان ألفوه و اعتادوه و تطاول الزمان على ما خالف ذلك فنسوه و يجوز أن يكونوا عالمين بجميع تلك اللغات إلى زمن نوح على نبينا و آله و عليه السلام فلما أهلك الله الناس إلا نوحا و من تبعه كانوا هم العارفين بتلك اللغات فلما كثروا و تفرقوا اختار كل قوم منهم لغة تكلموا بها و تركوا ما سواه و نسوه و قد روي عن الصادق ع أنه سئل عن هذه الآية فقال الأرضين و الجبال و الشعاب و الأودية ثم نظر إلى بساط تحته فقال و هذا البساط مما علمه و قيل إنه علمه أسماء الملائكة و أسماء ذريته عن الربيع و قيل إنه علمه ألقاب الأشياء و معانيها و خواصها و هو أن الفرس يصلح لما ذا و الحمار يصلح لما ذا و هذا أبلغ لأن معاني الأشياء و خواصها لا تتغير بتغير الأزمنة و الأوقات و ألقاب الأشياء تتغير على طول الزمان انتهى. أقول الأظهر الحمل على المعنى الأعم و ما ذكر في خبر ابن محرز بيان لبعض أفراد المسميات و أشرفها و أرفعها
17- سن، ]المحاسن[ الحسن بن علي بن يقطين عن الحسين بن مياح عن أبيه عن أبي عبد الله ع قال إن إبليس قاس نفسه بآدم فقال خَلَقْتَنِي مِنْ نارٍ وَ خَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ فلو قاس الجوهر الذي خلق الله منه آدم بالنار كان ذلك أكثر نورا و ضياء من النار
18- شي، ]تفسير العياشي[ عن أبي العباس عن أبي عبد الله ع قال سألته عن قول الله وَ عَلَّمَ آدَمَ الْأَسْماءَ كُلَّها ما ذا علمه قال الأرضين و الجبال و الشعاب و الأودية ثم نظر إلى بساط تحته فقال و هذا البساط مما علمه
19- شي، ]تفسير العياشي[ عن الفضل بن عباس عن أبي عبد الله ع قال سألته عن قول الله عز و جل وَ عَلَّمَ آدَمَ الْأَسْماءَ كُلَّها ما هي قال أسماء الأودية و النبات و الشجر و الجبال من الأرض
20- شي، ]تفسير العياشي[ عن داود بن سرحان العطار قال كنت عند أبي عبد الله ع فدعا بالخوان فتغدينا ثم جاءوا بالطشت و الدست سنانه فقلت جعلت فداك قوله وَ عَلَّمَ آدَمَ الْأَسْماءَ كُلَّها الطست و الدست سنانه منه فقال الفجاج و الأودية و أهوى بيده كذا و كذا
-21 شي، ]تفسير العياشي[ عن حريز عمن أخبره عن أبي عبد الله ع قال لما أن خلق الله آدم أمر الملائكة أن يسجدوا له فقالت الملائكة في أنفسها ما كنا نظن أن الله خلق خلقا أكرم عليه منا فنحن جيرانه و نحن أقرب خلقه إليه فقال الله أَ لَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي... أَعْلَمُ ما تُبْدُونَ وَ ما كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ فيما أبدوا من أمر بني الجان و كتموا ما في أنفسهم فلاذت الملائكة الذين قالوا ما قالوا بالعرش
22- شي، ]تفسير العياشي[ عن جميل بن دراج قال سألت أبا عبد الله ع عن إبليس أ كان من الملائكة أو كان يلي شيئا من أمر السماء فقال لم يكن من الملائكة و كانت الملائكة ترى أنه منها و كان الله يعلم أنه ليس منها و لم يكن يلي شيئا من أمر السماء و لا كرامة فأتيت الطيار فأخبرته بما سمعت فأنكر و قال كيف لا يكون من الملائكة و الله يقول للملائكة اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ فدخل عليه الطيار فسأله و أنا عنده فقال له جعلت فداك قول الله عز و جل يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا في غير مكان في مخاطبة المؤمنين أ يدخل في هذه المنافقون فقال نعم يدخلون في هذه المنافقون و الضلال و كل من أقر بالدعوة الظاهرة
بيان حاصله أن الله تعالى إنما أدخله في لفظ الملائكة لأنه كان مخلوطا بهم و كونه ظاهرا منهم و إنما وجه الخطاب في الأمر بالسجود إلى هؤلاء الحاضرين و كان من بينهم فشمله الأمر أو المراد أنه خاطبهم بيا أيها الملائكة مثلا و كان إبليس أيضا مأمورا لكونه ظاهرا منهم و مظهرا لصفاتهم كما أن خطاب يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا يشمل المنافقين لكونهم ظاهرا من المؤمنين و أما ظن الملائكة فيحتمل أن يكون المراد أنهم ظنوا أنه منهم في الطاعة و عدم العصيان لأنه يبعد أن لا يعلم الملائكة أنه ليس منهم مع أنهم رفعوه إلى السماء و أهلكوا قومه فيكون من قبيل قولهم ع سلمان منا أهل البيت على أنه يحتمل أن يكون الملائكة ظنوا أنه كان ملكا جعله الله حاكما على الجان و يحتمل أن يكون هذا الظن من بعض الملائكة الذين لم يكونوا بين جماعة منهم قتلوا الجان و رفعوا إبليس
23- شي، ]تفسير العياشي[ عن أبي بصير قال قال أبو عبد الله ع إن أول كفر كفر بالله حيث خلق الله آدم كفر إبليس حيث رد على الله أمره و أول الحسد حيث حسد ابن آدم أخاه و أول الحرص حرص آدم نهي عن الشجرة فأكل منها فأخرجه حرصه من الجنة
24- شي، ]تفسير العياشي[ عن بدر بن خليل الأسدي عن رجل من أهل الشام قال قال أمير المؤمنين ع أول بقعة عبد الله عليها ظهر الكوفة لما أمر الله الملائكة أن يسجدوا لآدم سجدوا على ظهر الكوفة
25- م، ]تفسير الإمام عليه السلام[ قوله عز و جل وَ إِذْ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ أَبى وَ اسْتَكْبَرَ وَ كانَ مِنَ الْكافِرِينَ قال الإمام ع قال الله تعالى كان خلق الله لكم ما في الأرض جميعا إذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم في ذلك الوقت خلق لكم قال ع و لما امتحن الحسين ع و من معه بالعسكر الذين قتلوه و حملوا رأسه قال لعسكره أنتم في حل من بيعتي فالحقوا بعشائركم و مواليكم و قال لأهل بيته قد جعلتكم في حل من مفارقتي فإنكم لا تطيقونهم لتضاعف أعدادهم و قواهم و ما المقصود غيري فدعوني و القوم فإن الله عز و جل يعينني و لا يخليني من حسن نظره كعاداته في أسلافنا الطيبين فأما عسكره ففارقوه و أما أهله الأدنون من أقربائه فأبوا و قالوا لا نفارقك و يحزننا ما يحزنك و يصيبنا ما يصيبك و أنا أقرب ما نكون إلى الله إذا كنا معك فقال لهم فإن كنتم قد وطنتم أنفسكم على ما وطنت نفسي عليه فاعلموا أن الله إنما يهب المنازل الشريفة لعباده باحتمال المكاره و أن الله و إن كان خصني مع من مضى من أهلي الذين أنا آخرهم بقاء في الدنيا من الكرامات بما يسهل علي معها احتمال المكروهات فإن لكم شطر ذلك من كرامات الله تعالى و اعلموا أن الدنيا حلوها و مرها حلم و الانتباه في الآخرة و الفائز من فاز فيها و الشقي من شقي فيها أو لا أحدثكم بأول أمرنا و أمركم معاشر أوليائنا و محبينا و المتعصبين لنا ليسهل عليكم احتمال ما أنتم له مقرون قالوا بلى يا ابن رسول الله قال إن الله تعالى لما خلق آدم و سواه و علمه أسماء كل شيء و عرضهم على الملائكة جعل محمدا و عليا و فاطمة و الحسن و الحسين أشباحا خمسة في ظهر آدم و كانت أنوارهم تضيء في الآفاق من السماوات و الحجب و الجنان و الكرسي و العرش فأمر الله الملائكة بالسجدة لآدم تعظيما له إنه قد فضله بأن جعله وعاء لتلك الأشباح التي قد عم أنوارها في الآفاق فسجدوا إلا إبليس أبى أن يتواضع لجلال عظمة الله و أن يتواضع لأنوارنا أهل البيت و قد تواضعت لها الملائكة كلها فاستكبر و ترفع و كان بآبائه ذلك و تكبره من الكافرين
قال علي بن الحسين صلوات الله عليهما حدثني أبي عن أبيه عن رسول الله ص قال قال يا عباد الله إن آدم لما رأى النور ساطعا من صلبه إذ كان الله قد نقل أشباحنا من ذروة العرش إلى ظهره رأى النور و لم يتبين الأشباح فقال يا رب ما هذه الأنوار قال الله عز و جل أنوار أشباح نقلتهم من أشرف بقاع عرشي إلى ظهرك و لذلك أمرت الملائكة بالسجود لك إذ كنت وعاء لتلك الأشباح فقال آدم يا رب لو بينتها لي فقال الله تعالى انظر يا آدم إلى ذروة العرش فنظر آدم و وقع نور أشباحنا من ظهر آدم على ذروة العرش فانطبع فيه صور أنوار أشباحنا كما ينطبع وجه الإنسان في المرآة الصافية فرأى أشباحنا فقال ما هذه الأشباح يا رب فقال الله يا آدم هذه الأشباح أفضل خلائقي و برياتي هذا محمد و أنا الحميد و المحمود في أفعالي شققت له اسما من اسمي و هذا علي و أنا العلي العظيم شققت له اسما من اسمي و هذه فاطمة و أنا فاطر السماوات و الأرض فاطم أعدائي عن رحمتي يوم فصل قضائي و فاطم أوليائي عما يعتريهم و يشينهم فشققت لها اسما من اسمي و هذا الحسن و هذا الحسين و أنا المحسن المجمل شققت لهما اسما من اسمي هؤلاء خيار خليقتي و كرام بريتي بهم آخذ و بهم أعطي و بهم أعاقب و بهم أثيب فتوسل إلي بهم يا آدم و إذا دهتك داهية فاجعلهم إلي شفعاءك فإني آليت على نفسي قسما حقا لا أخيب بهم آملا و لا أرد بهم سائلا فلذلك حين نزلت منه الخطيئة دعا الله عز و جل بهم فتاب عليه و غفر له
26- أقول قال السيد بن طاوس في سعد السعود رأيت في صحف إدريس على نبينا و آله ع في ذكر سؤال إبليس و جواب الله له قالَ رَبِّ فَأَنْظِرْنِي إِلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ قال لا و لكنك من المنظرين إلى يوم الوقت المعلوم فإنه يوم قضيت و حتمت أن أطهر الأرض ذلك اليوم من الكفر و الشرك و المعاصي و أنتخب لذلك الوقت عبادا لي امتحنت قلوبهم للإيمان و حشوتها بالورع و الإخلاص و اليقين و التقوى و الخشوع و الصدق و الحلم و الصبر و الوقار و الزهد في الدنيا و الرغبة فيما عندي يدينون بالحق و به يعدلون أولئك أوليائي حقا اخترت لهم نبيا مصطفى و أمينا مرتضى فجعلته لهم نبيا و رسولا و جعلتهم له أولياء و أنصارا تلك أمة اخترتها للنبي المصطفى و أميني المرتضى ذلك وقت حجبته في علم غيبي و لا بد أنه واقع أبيدك يومئذ و خيلك و رجلك و جنودك أجمعين فاذهب فإنك من المنظرين إلى يوم الوقت المعلوم ثم قال الله لآدم قم فانظر إلى هؤلاء الملائكة الذين قبالك فإنهم من الذين سجدوا لك فقل السلام عليكم و رحمة الله و بركاته فأتاهم فسلم عليهم كما أمره الله فقالوا و عليك السلام يا آدم و رحمة الله و بركاته فقال الله هذه تحيتك يا آدم و تحية ذريتك فيما بينهم إلى يوم القيامة ثم ذكر شرح خلق ذرية آدم و شهادة من تكلف منهم بالربوبية و الوحدانية لله جل جلاله ثم قال و نظر آدم إلى طائفة من ذريته يتلألأ نورهم يسعى قال آدم ما هؤلاء قال هؤلاء الأنبياء من ذريتك قال كم هم يا رب قال هم مائة ألف نبي و أربعة و عشرون ألف نبي المرسلون منهم ثلاثمائة و خمسة عشر نبيا مرسلا قال يا رب فما بال نور هذا الأخير ساطعا على نورهم جميعا قال لفضله عليهم جميعا قال و من هذا النبي يا رب و ما اسمه قال هذا محمد نبيي و رسولي و أميني و نجيبي و نجيي و خيرتي و صفوتي و خالصتي و حبيبي و خليلي و أكرم خلقي علي و أحبهم إلي و آثرهم عندي و أقربهم مني و أعرفهم لي و أرجحهم حلما و علما و إيمانا و يقينا و صدقا و برا و عفافا و عبادة و خشوعا و ورعا و سلما و إسلاما أخذت له ميثاق حملة عرشي فما دونهم من خلائقي في السماوات و الأرض بالإيمان به و الإقرار بنبوته فآمن به يا آدم تزد مني قربة و منزلة و فضلا و نورا و وقارا قال آدم آمنت بالله و برسوله محمد قال الله قد أوجبت لك يا آدم و قد زدتك فضلا و كرامة أنت يا آدم أول الأنبياء و المرسلين و ابنك محمد خاتم الأنبياء و الرسل و أول من تنشق الأرض عنه يوم القيامة و أول من يكسى و يحمل إلى الموقف و أول شافع و أول مشفع و أول قارع لأبواب الجنان و أول من يفتح له و أول من يدخل الجنة قد كنيتك به فأنت أبو محمد فقال آدم الحمد لله الذي جعل من ذريتي من فضله بهذه الفضائل و سبقني إلى الجنة و لا أحسده ثم ذكر مشاهدة آدم لمن أخرج الله جل جلاله من ظهره من جوهر ذريته إلى يوم القيامة و اختياره للمطيعين و إعراضه ع عن العصاة له سبحانه و ذكر خلق حواء من ضلع آدم ع
27- فس، ]تفسير القمي[ ثُمَّ لَآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ الآية أما بين أيديهم فهو من قبل الآخرة لأخبرنهم أنه لا جنة و لا نار و لا نشور و أما خلفهم يقول من قبل دنياهم آمرهم بجمع الأموال و آمرهم أن لا يصلوا في أموالهم رحما و لا يعطوا منه حقا و آمرهم أن لا ينفقوا على ذراريهم و أخوفهم على الضيعة و أما عن أيمانهم يقول من قبل دينهم فإن كانوا على ضلالة زينتها لهم و إن كانوا على الهدى أخرجهم منه و أما عن شمائلهم يقول من قبل اللذات و الشهوات يقول الله وَ لَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ قوله اخْرُجْ مِنْها مَذْؤُماً مَدْحُوراً فالمذءوم المعيب و المحدور المقصي أي ملقى في جهنم
28- فس، ]تفسير القمي[ مِنْ صَلْصالٍ قال الماء المتصلصل بالطين مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ قال حمأ متغير وَ الْجَانَّ قال أبو إبليس
29- فس، ]تفسير القمي[ محمد بن أحمد بن ثابت عن القاسم بن إسماعيل الهاشمي عن محمد بن سيار عن الحسين بن المختار عن أبي بصير عن أبي عبد الله ع قال لو أن الله خلق الخلق كلهم بيده لم يحتج في آدم أنه خلقه بيده فيقول ما مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِما خَلَقْتُ بِيَدَيَّ أ فترى الله يبعث الأشياء بيده
بيان أ فترى الله أنما ذكر ذلك لئلا يحمل اليد على الحقيقة أو المعنى أنه لو كان خلقه تعالى الأشياء بالجوارح لكان خلق الجميع بها فلا وجه للاختصاص
-30 فس، ]تفسير القمي[ أبي عن سعيد بن أبي سعيد عن إسحاق بن جرير قال قال أبو عبد الله ع أي شيء يقول أصحابك في قول إبليس خَلَقْتَنِي مِنْ نارٍ وَ خَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ قلت جعلت فداك قد قال ذلك و ذكره الله في كتابه قال كذب يا إسحاق ما خلقه الله إلا من طين ثم قال قال الله الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ مِنَ الشَّجَرِ الْأَخْضَرِ ناراً فَإِذا أَنْتُمْ مِنْهُ تُوقِدُونَ خلقه الله من ذلك النار من تلك الشجرة و الشجرة أصلها من طين
31- فس، ]تفسير القمي[ أحمد بن إدريس عن أحمد بن محمد عن محمد بن يونس عن رجل عن أبي عبد الله ع في قول الله تبارك و تعالى إِلى يَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ قال يوم الوقت المعلوم يوم يذبحه رسول الله ص على الصخرة التي في بيت المقدس
قال علي بن إبراهيم فقال الله الْحَقَّ أي إنك تفعل ذلك و الحق أقوله لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْكَ وَ مِمَّنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ أَجْمَعِينَ
بيان قال البيضاوي في قوله تعالى فَالْحَقُّ وَ الْحَقَّ أَقُولُ أي فأحق الحق و أقوله و قيل إن الحق اسم الله و نصبه بحذف حرف القسم و جوابه لَأَمْلَأَنَّ و ما بينهما اعتراض و قرأ عاصم و حمزة برفع الأول على الابتداء أي الحق يميني أو قسمي أو الخبر أي أنا الحق انتهى. أقول ما ذكره علي بن إبراهيم يصح على القراءتين فلا تغفل