الآيات الكهف وَ إِذْ قالَ مُوسى لِفَتاهُ إلى قوله تعالى صَبْراً
1- فس، ]تفسير القمي[ لما أخبر رسول الله ص قريشا بخبر أصحاب الكهف قالوا أخبرنا عن العالم الذي أمر الله موسى أن يتبعه و ما قصته فأنزل الله عز و جل وَ إِذْ قالَ مُوسى لِفَتاهُ لا أَبْرَحُ حَتَّى أَبْلُغَ مَجْمَعَ الْبَحْرَيْنِ أَوْ أَمْضِيَ حُقُباً قال و كان سبب ذلك أنه لما كَلَّمَ اللَّهُ مُوسى تَكْلِيماً و أنزل الله عليه الألواح و فيها كما قال الله وَ كَتَبْنا لَهُ فِي الْأَلْواحِ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مَوْعِظَةً وَ تَفْصِيلًا لِكُلِّ شَيْءٍ و رجع موسى إلى بني إسرائيل فصعد المنبر فأخبرهم أن الله قد أنزل عليه التوراة و كلمه قال في نفسه ما خلق الله خلقا أعلم مني فأوحى الله إلى جبرئيل أدرك موسى فقد هلك و أعلمه أن عند ملتقى البحرين عند الصخرة رجل أعلم منك فصر إليه و تعلم من علمه فنزل جبرئيل على موسى ع و أخبره فذل موسى في نفسه و علم أنه أخطأ و دخله الرعب و قال لوصيه يوشع إن الله قد أمرني أن أتبع رجلا عند ملتقى البحرين و أتعلم منه فتزود يوشع حوتا مملوحا و خرجا فلما خرجا و بلغا ذلك المكان وجدا رجلا مستلقيا على قفاه فلم يعرفاه فأخرج وصي موسى الحوت و غسله بالماء و وضعه على الصخرة و مضيا و نسيا الحوت و كان ذلك الماء ماء الحيوان فحيي الحوت و دخل في الماء فمضى موسى ع و يوشع معه حتى عييا فقال لوصيه آتِنا غَداءَنا لَقَدْ لَقِينا مِنْ سَفَرِنا هذا نَصَباً أي عناء فذكر وصيه السمكة فقال لموسى إني نَسِيتُ الْحُوتَ على الصخرة فقال موسى ذلك الرجل الذي رأيناه عند الصخرة هو الذي نريده فرجعا عَلى آثارِهِما قَصَصاً إلى عند الرجل و هو في الصلاة فقعد موسى حتى فرغ عن الصلاة فسلم عليهما فحدثني محمد بن علي بن بلال عن يونس قال اختلف يونس و هشام بن إبراهيم في العالم الذي أتاه موسى ع أيهما كان أعلم و هل يجوز أن يكون على موسى حجة في وقته و هو حجة الله على خلقه فقال قاسم الصيقل فكتبوا إلى أبي الحسن الرضا ع يسألونه عن ذلك فكتب في الجواب أتى موسى العالم فأصابه في جزيرة من جزائر البحر إما جالسا و إما متكئا فسلم عليه موسى فأنكر السلام إذ كان بأرض ليس بها سلام فقال من أنت قال أنا موسى بن عمران قال أنت موسى بن عمران الذي كلمه الله تكليما قال نعم قال فما حاجتك قال جئت لتعلمني مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْداً قال إني وكلت بأمر لا تطيقه و وكلت بأمر لا أطيقه ثم حدثه العالم بما يصيب آل محمد من البلاء حتى اشتد بكاؤهما ثم حدثه عن فضل آل محمد حتى جعل موسى يقول يا ليتني كنت من آل محمد و حتى ذكر فلانا و فلانا و مبعث رسول الله ص إلى قومه و ما يلقى منهم و من تكذيبهم إياه و ذكر له تأويل هذه الآية وَ نُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَ أَبْصارَهُمْ كَما لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ حين أخذ الميثاق عليهم فقال موسى هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلى أَنْ تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْداً فقال الخضر إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْراً وَ كَيْفَ تَصْبِرُ عَلى ما لَمْ تُحِطْ بِهِ خُبْراً فقال موسى سَتَجِدُنِي إِنْ شاءَ اللَّهُ صابِراً وَ لا أَعْصِي لَكَ أَمْراً قال الخضر فَإِنِ اتَّبَعْتَنِي فَلا تَسْئَلْنِي عَنْ شَيْءٍ حَتَّى أُحْدِثَ لَكَ مِنْهُ ذِكْراً يقول لا تسألني عن شيء أفعله و لا تنكره علي حتى أخبرك أنا بخبره قال نعم فمروا ثلاثتهم حتى انتهوا إلى ساحل البحر و قد شحنت سفينة و هي تريد أن تعبر فقال أرباب السفينة نحمل هؤلاء الثلاثة نفر فإنهم قوم صالحون فحملوهم فلما جنحت السفينة في البحر قام الخضر إلى جوانب السفينة فكسرها و حشاها بالخرق و الطين فغضب موسى ع غضبا شديدا و قال للخضر أَ خَرَقْتَها لِتُغْرِقَ أَهْلَها لَقَدْ جِئْتَ شَيْئاً إِمْراً فقال له الخضر أَ لَمْ أَقُلْ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْراً
قال موسى لا تُؤاخِذْنِي بِما نَسِيتُ وَ لا تُرْهِقْنِي مِنْ أَمْرِي عُسْراً فخرجوا من السفينة فنظر الخضر إلى غلام يلعب بين الصبيان حسن الوجه كأنه قطعة قمر و في أذنيه درتان فتأمله الخضر ثم أخذه و قتله فوثب موسى إلى الخضر و جلد به الأرض فقال أَ قَتَلْتَ نَفْساً زَكِيَّةً بِغَيْرِ نَفْسٍ لَقَدْ جِئْتَ شَيْئاً نُكْراً فقال الخضر له أَ لَمْ أَقُلْ لَكَ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْراً قال موسى إِنْ سَأَلْتُكَ عَنْ شَيْءٍ بَعْدَها فَلا تُصاحِبْنِي قَدْ بَلَغْتَ مِنْ لَدُنِّي عُذْراً فَانْطَلَقا حَتَّى إِذا أَتَيا بالعشي قرية تسمى الناصرة و إليها تنسب النصارى و لم يضيفوا أحدا قط و لم يطعموا غريبا فاستطعموهم فلم يطعموهم و لم يضيفوهم فنظر الخضر ع إلى حائط قد زال لينهدم فوضع الخضر يده عليه و قال قم بإذن الله فقام فقال موسى ع لم ينبغ أن تقيم الجدار حتى يطعمونا و يؤونا و هو قوله لَوْ شِئْتَ لَاتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْراً فقال له الخضر ع هذا فِراقُ بَيْنِي وَ بَيْنِكَ سَأُنَبِّئُكَ بِتَأْوِيلِ ما لَمْ تَسْتَطِعْ عَلَيْهِ صَبْراً أَمَّا السَّفِينَةُ التي فعلت بها ما فعلت فَكانَتْ لقوم لِمَساكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ فَأَرَدْتُ أَنْ أَعِيبَها و كان وراء السفينة ملك يأخذ كل سفينة صالحة غصبا كذا نزلت و إذا كانت السفينة معيوبة لم يأخذ منها شيئا وَ أَمَّا الْغُلامُ فَكانَ أَبَواهُ مُؤْمِنَيْنِ و طبع كافرا كذا نزلت فنظرت إلى جبينه و عليه مكتوب طبع كافرا فَخَشِينا أَنْ يُرْهِقَهُما طُغْياناً وَ كُفْراً فَأَرَدْنا أَنْ يُبْدِلَهُما رَبُّهُما خَيْراً مِنْهُ زَكاةً وَ أَقْرَبَ رُحْماً فأبدل الله والديه بنتا ولدت سبعين نبيا وَ أَمَّا الْجِدارُ الذي أقمته فَكانَ لِغُلامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ وَ كانَ تَحْتَهُ كَنْزٌ لَهُما وَ كانَ أَبُوهُما صالِحاً فَأَرادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغا أَشُدَّهُما إلى قوله ذلِكَ تَأْوِيلُ ما لَمْ تَسْطِعْ عَلَيْهِ صَبْراً
بيان قال الطبرسي رحمه الله في قوله تعالى وَ إِذْ قالَ مُوسى لِفَتاهُ أكثر المفسرين على أنه موسى بن عمران و فتاه يوشع بن نون و سماه فتاه لأنه صحبه و لازمه سفرا و حضرا للتعلم منه و قيل لأنه كان يخدمه و قال محمد بن إسحاق يقول أهل الكتاب أن موسى الذي طلب الخضر هو موسى بن ميشا بن يوسف و كان نبيا في بني إسرائيل قبل موسى بن عمران إلا أن الذي عليه الجمهور أنه موسى بن عمران لا أَبْرَحُ حَتَّى أَبْلُغَ مَجْمَعَ الْبَحْرَيْنِ معناه لا أزال أمضي و أمشي فلا أسلك طريقا آخر حتى أبلغ ملتقى البحرين بحر فارس و بحر الروم و قال محمد بن كعب هو طنجة و روي عنه إفريقية. أقول قال البيضاوي و قيل البحران موسى و خضر ع فإن موسى كان بحر علم الظاهر و خضر كان بحر علم الباطن و قال في قوله أَوْ أَمْضِيَ حُقُباً أو أسير زمانا طويلا و المعنى حتى يقع إما بلوغ المجمع أو مضي الحقب أو حتى أبلغ إلى أن أمضي زمانا أتيقن معه فوات المجمع و الحقب الدهر و قيل ثمانون سنة و قيل سبعون. و روي أن موسى خطب الناس بعد هلاك القبط و دخوله المصر خطبة بليغة فأعجب بها فقيل له هل تعلم أحدا أعلم منك فقال لا فأوحى الله إليه بلى عبدنا الخضر و هو بمجمع البحرين و كان الخضر في أيام أفريدون و كان على مقدمة ذي القرنين الأكبر و بقي إلى أيام موسى و قيل إن موسى سأل ربه أي عبادك أحب إليك فقال الذي يذكرني و لا ينساني قال فأي عبادك أقضى قال الذي يقضي بالحق و لا يتبع الهوى قال فأي عبادك أعلم قال الذي يبتغي علم الناس إلى علمه عسى أن يصيب كلمة تدله على هدى أو ترده عن ردى قال إن كان في عبادك أعلم مني فادللني عليه قال أعلم منك الخضر قال أين أطلبه قال على الساحل عند الصخرة قال كيف لي به قال تأخذ حوتا في مكتلك فحيث فقدته فهو هناك فقال لفتاه إذا فقدت الحوت فأخبرني فذهبا يمشيان فَلَمَّا بَلَغا مَجْمَعَ بَيْنِهِما أي مجمع البحرين و بينهما ظرف أضيف إليه على الاتساع أو بمعنى الوصل نَسِيا حُوتَهُما نسي موسى أن يطلبه و يتعرف حاله و يوشع أن يذكر له ما رأى من حياته و وقوعه في البحر. و روي أن موسى رقد فاضطرب الحوت المشوي و وثب في البحر معجزة لموسى أو الخضر و قيل توضأ يوشع من عين الحياة فانتضح الماء عليه فعاش و وثب في الماء و قيل نسيا تفقد أمره و ما يكون منه أمارة على الظفر بالمطلوب فَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ سَرَباً فاتخذ الحوت طريقه في البحر مسلكا من قوله وَ سارِبٌ بِالنَّهارِ و قيل أمسك الله جريه الماء على الحوت فصار كالطاق عليه فَلَمَّا جاوَزا مجمع البحرين قالَ لِفَتاهُ آتِنا غَداءَنا ما نتغدى به لَقَدْ لَقِينا مِنْ سَفَرِنا هذا نَصَباً قيل لم ينصب حتى جاوز الموعد فلما جاوزه و سار الليلة و الغد إلى الظهر ألقي عليه الجوع و النصب و قيل لم يعي موسى في سفر غيره و يؤيده التقييد باسم الإشارة قالَ أَ رَأَيْتَ ما دهاني إِذْ أَوَيْنا إِلَى الصَّخْرَةِ يعني الصخرة التي رقد عندها موسى و قيل هي الصخرة التي دون نهر الزيت فَإِنِّي نَسِيتُ الْحُوتَ فقدته أو نسيت ذكره بما رأيت منه وَ ما أَنْسانِيهُ إِلَّا الشَّيْطانُ أَنْ أَذْكُرَهُ أي و ما أنساني ذكره إلا الشيطان و لعله نسي ذلك لانجذاب شراشره إلى جناب القدس و إنما نسبه إلى الشيطان هضما لنفسه أو لأن عدم احتمال القوة للجانبين
و اشتغالها بأحدهما عن الآخر يعد من نقصان وَ اتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ عَجَباً سبيلا عجبا و هو كونه كالسرب أو اتخاذا عجبا و المفعول الثاني هو الظرف و قيل هو مصدر فعله المضمر أي قال يوشع في آخر كلامه أو موسى في جوابه عجبا تعجبا في تلك الحال و قيل الفعل لموسى أي اتخذ موسى سبيل الحوت في البحر عجبا قالَ ذلِكَ أي أمر الحوت ما كُنَّا نَبْغِ نطلب لأنه أمارة المطلوب فَارْتَدَّا عَلى آثارِهِما فرجعا في الطريق الذي جاءا فيه قَصَصاً أي يتبعان آثارهما اتباعا أو مقتصين حتى أتيا الصخرة فَوَجَدا عَبْداً مِنْ عِبادِنا الجمهور على أنه الخضر و اسمه بليا بن ملكان و قيل اليسع و قيل إلياس آتَيْناهُ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنا هي الوحي و النبوة وَ عَلَّمْناهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْماً مما يختص بنا و لا يعلم إلا بتوفيقنا و هو علم الغيوب مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْداً علما ذا رشد و لا ينافي نبوته و كونه صاحب شريعة أن يتعلم من غيره ما لم يكن شرطا في أبواب الدين فإن الرسول ينبغي أن يكون أعلم ممن أرسل إليه فيما بعث به من أصول الدين و فروعه لا مطلقا وَ كَيْفَ تَصْبِرُ عَلى ما لَمْ تُحِطْ بِهِ خُبْراً أي كيف تصبر و أنت نبي على ما أتولى من أمور ظواهرها مناكير و بواطنها لم يحط بها خبرك حَتَّى إِذا رَكِبا فِي السَّفِينَةِ خَرَقَها أخذ الخضر فأسا فخرق السفينة بأن قلع لوحين من ألواحها لَقَدْ جِئْتَ شَيْئاً إِمْراً أتيت أمرا عظيما من أمر الأمر إذا عظم قالَ لا تُؤاخِذْنِي بِما نَسِيتُ بالذي نسيته أو بشيء نسيته يعني وصيته بأن لا يعترض عليه أو بنسياني إياها و هو اعتذار بالنسيان أخرجه في معرض النهي عن المؤاخذة مع قيام المانع لها و قيل أراد بالنسيان الترك أي لا تؤاخذني بما تركت من وصيتك أول مرة و قيل إنه من معاريض الكلام و المراد شيء آخر نسيه وَ لا تُرْهِقْنِي مِنْ أَمْرِي عُسْراً و لا تغشني عسرا من أمري بالمضايقة و المؤاخذة على المنسي فإن ذلك يعسر علي متابعتك فَانْطَلَقا أي بعد ما خرجا من السفينة حَتَّى إِذا لَقِيا غُلاماً فَقَتَلَهُ قيل فتل عنقه و قيل ضرب برأسه الحائط و قيل أضجعه فذبحه و الفاء للدلالة على أنه لما لقيه قتله من غير ترو و استكشاف حال و لذلك قال أَ قَتَلْتَ نَفْساً زَكِيَّةً بِغَيْرِ نَفْسٍ أي طاهرة من الذنوب شَيْئاً نُكْراً أي منكرا قَدْ بَلَغْتَ مِنْ لَدُنِّي عُذْراً أي قد وجدت عذرا من قبلي لما خالفتك ثلاث مرات.
و عن رسول الله ص رحم الله أخي موسى استحيا فقال ذلك لو لبث مع صاحبه لأبصر أعجب الأعاجيب
قوله أَهْلَ قَرْيَةٍ قرية أنطاكية و قيل أبلة بصرة و قيل باجروان أرمينة و أضافه و ضيفه أنزله يُرِيدُ أَنْ يَنْقَضَّ يداني أن يسقط فاستعيرت الإرادة للمشارفة فَأَقامَهُ بعمارته أو بعمود عمده به و قيل مسحه بيده فقام و قيل نقضه و بناه قالَ لَوْ شِئْتَ لَاتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْراً تحريصا على أخذ الجعل لينتعشا به أو تعريض بأنه فضول لما في لو من النفي كأنه لما رأى الحرمان و مساس الحاجة و اشتغاله بما لا يعنيه لم يتمالك نفسه فَكانَتْ لِمَساكِينَ لمحاويج و هو دليل على أن المسكين يطلق على من يملك شيئا إذا لم يكفه و قيل سموا مساكين لعجزهم عن دفع الملك أو لزمانتهم فإنها كانت لعشرة إخوة خمسة زمنى و خمسة يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ فَأَرَدْتُ أَنْ أَعِيبَها أجعلها ذات عيب وَ كانَ وَراءَهُمْ مَلِكٌ قدامهم أو خلفهم و كان رجوعهم عليه و قرئ كل سفينة صالحة غصبا. أَنْ يُرْهِقَهُما أن يغشاهما طُغْياناً وَ كُفْراً لنعمتهما بعقوبة فيلحقهما شرا أو يقرن بإيمانهما طغيانه و كفره فيجتمع في بيت واحد مؤمنان و طاغ كافر أو يعديهما بعلته فيرتدا بإضلاله أو بممالاته على طغيانه و كفره حبا أَنْ يُبْدِلَهُما رَبُّهُما أن يرزقهما بدله ولدا خَيْراً مِنْهُ زَكاةً طهارة من الذنوب و الأخلاف الرديئة وَ أَقْرَبَ رُحْماً رحمة و عطفا على والديه قيل ولدت لهما جارية فتزوجها نبي فولدت نبيا هدى الله به أمة من الأمم لِغُلامَيْنِ يَتِيمَيْنِ قيل اسمهما أصرم و صريم وَ كانَ تَحْتَهُ كَنْزٌ لَهُما من ذهب أو فضة روي ذلك مرفوعا و قيل من كتب العلم و قيل كان لوحا من ذهب مكتوب فيه عجب لمن يؤمن بالقدر كيف يحزن و عجب لمن يؤمن بالرزق كيف يتعب و عجب لمن يؤمن بالموت كيف يفرح و عجب لمن يؤمن بالحساب كيف يغفل و عجب لمن يعرف الدنيا و تقلبها بأهلها كيف يطمئن إليها لا إله إلا الله محمد رسول الله انتهى. قوله ع إما جالسا و إما متكئا أي قد و قد أو إشارة إلى اختلاف الرواية بين المخالفين و كون الترديد من الراوي بعيد قوله حين أخذ الميثاق تأويل لقوله أول مرة قوله و طبع كافرا قال الطبرسي رحمه الله روي عن أبي و ابن عباس أنهما كانا يقرءان و أما الغلام فكان كافرا و أبواه مؤمنين روي ذلك عن أبي عبد الله ع
2- فس، ]تفسير القمي[ أبي عن محمد بن أبي عمير عن معاوية بن عمار عن أبي عبد الله ع أنه قال كان ذلك الكنز لوحا من ذهب فيه مكتوب بسم الله لا إله إلا الله محمد رسول الله ص عجبت لمن يعلم أن الموت حق كيف يفرح عجبت لمن يؤمن بالقدر كيف يفرق عجبت لمن يذكر النار كيف يضحك عجبت لمن يرى الدنيا و تصرف أهلها حالا بعد حال كيف يطمئن إليها
3- و في رواية أبي الجارود عن أبي جعفر ع في قوله وَ إِذْ قالَ مُوسى لِفَتاهُ و هو يوشع بن نون و قوله لا أَبْرَحُ يقول لا أزال حَتَّى أَبْلُغَ مَجْمَعَ الْبَحْرَيْنِ أَوْ أَمْضِيَ حُقُباً و الحقب ثمانون سنة و قوله لَقَدْ جِئْتَ شَيْئاً إِمْراً هو المنكر و كان موسى ينكر الظلم فأعظم ما رأى
4- ع، ]علل الشرائع[ القطان عن السكري عن الجوهري عن ابن عمارة عن أبيه عن جعفر بن محمد ع أنه قال إن الخضر كان نبيا مرسلا بعثه الله تبارك و تعالى إلى قومه فدعاهم إلى توحيده و الإقرار بأنبيائه و رسله و كتبه و كانت آيته أنه كان لا يجلس على خشبة يابسة و لا أرض بيضاء إلا أزهرت خضراء و إنما سمي خضرا لذلك و كان اسمه تاليا بن ملكان بن عابر بن أرفخشد بن سام بن نوح ع و إن موسى لما كلمه الله تكليما و أنزل عليه التوراة و كتب لَهُ فِي الْأَلْواحِ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مَوْعِظَةً وَ تَفْصِيلًا لِكُلِّ شَيْءٍ و جعل آيته في يده و عصاه و في الطوفان و الجراد و القمل و الضفادع و الدم و فلق البحر و غرق الله عز و جل فرعون و جنوده عملت البشرية فيه حتى قال في نفسه ما أرى أن الله عز و جل خلق خلقا أعلم مني فأوحى الله عز و جل إلى جبرئيل يا جبرئيل أدرك عبدي موسى قبل أن يهلك و قل له إن عند ملتقى البحرين رجلا عابدا فاتبعه و تعلم منه فهبط جبرئيل على موسى بما أمره به ربه عز و جل فعلم موسى ع أن ذلك لما حدثت به نفسه فمضى هو و فتاه يوشع بن نون حتى انتهيا إلى ملتقى البحرين فوجدا هناك الخضر ع يتعبد الله عز و جل كما قال الله عز و جل فَوَجَدا عَبْداً مِنْ عِبادِنا آتَيْناهُ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنا وَ عَلَّمْناهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْماً قالَ لَهُ مُوسى هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلى أَنْ تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْداً قالَ له الخضر إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْراً لأني وكلت بعلم لا تطيقه و وكلت أنت بعلم لا أطيقه قال موسى بل أستطيع معك صبرا فقال له الخضر إن القياس لا مجال له في علم الله و أمره وَ كَيْفَ تَصْبِرُ عَلى ما لَمْ تُحِطْ بِهِ خُبْراً قالَ موسى سَتَجِدُنِي إِنْ شاءَ اللَّهُ صابِراً وَ لا أَعْصِي لَكَ أَمْراً فلما استثنى المشية قبله قالَ فَإِنِ اتَّبَعْتَنِي فَلا تَسْئَلْنِي عَنْ شَيْءٍ حَتَّى أُحْدِثَ لَكَ مِنْهُ ذِكْراً فقال موسى ع لك ذلك علي فَانْطَلَقا حَتَّى إِذا رَكِبا فِي السَّفِينَةِ خَرَقَها الخضر ع فقال له موسى ع أَ خَرَقْتَها لِتُغْرِقَ أَهْلَها لَقَدْ جِئْتَ شَيْئاً إِمْراً قالَ أَ لَمْ أَقُلْ لك إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْراً قالَ موسى لا تُؤاخِذْنِي بِما نَسِيتُ أي بما تركت من أمرك وَ لا تُرْهِقْنِي مِنْ أَمْرِي عُسْراً فَانْطَلَقا حَتَّى إِذا لَقِيا غُلاماً فَقَتَلَهُ الخضر ع فغضب موسى و أخذ بتلبيبه و قالَ له أَ قَتَلْتَ نَفْساً زَكِيَّةً بِغَيْرِ نَفْسٍ لَقَدْ جِئْتَ شَيْئاً نُكْراً قال له الخضر إن العقول لا تحكم على أمر الله تعالى ذكره بل أمر الله يحكم عليها فسلم لما ترى مني و اصبر عليه فقد كنت علمت إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْراً قالَ موسى إِنْ سَأَلْتُكَ عَنْ شَيْءٍ بَعْدَها فَلا تُصاحِبْنِي قَدْ بَلَغْتَ مِنْ لَدُنِّي عُذْراً فَانْطَلَقا حَتَّى إِذا أَتَيا أَهْلَ قَرْيَةٍ و هي الناصرة و إليها تنسب النصارى اسْتَطْعَما أَهْلَها فَأَبَوْا أَنْ يُضَيِّفُوهُما فَوَجَدا فِيها جِداراً يُرِيدُ أَنْ يَنْقَضَّ فوضع الخضر ع يده عليه فَأَقامَهُ فقال له موسى لَوْ شِئْتَ لَاتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْراً قالَ له الخضر هذا فِراقُ بَيْنِي وَ بَيْنِكَ سَأُنَبِّئُكَ بِتَأْوِيلِ ما لَمْ تَسْتَطِعْ عَلَيْهِ صَبْراً فقال أَمَّا السَّفِينَةُ فَكانَتْ لِمَساكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ فَأَرَدْتُ أَنْ أَعِيبَها وَ كانَ وَراءَهُمْ مَلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ صالحة غَصْباً فأردت بما فعلت أن تبقى لهم و لا يغصبهم الملك عليها فنسب الإبانة في هذا الفعل إلى نفسه لعلة ذكر التعييب لأنه أراد أن يعيبها عند الملك إذا شاهدها فلا يغصب المساكين عليها و أراد الله عز و جل صلاحهم بما أمره به من ذلك
ثم قال وَ أَمَّا الْغُلامُ فَكانَ أَبَواهُ مُؤْمِنَيْنِ و طلع كافرا و علم الله تعالى ذكره أنه إن بقي كفر أبواه و افتتنا به و ضلا بإضلاله إياهما فأمرني الله تعالى ذكره بقتله و أراد بذلك نقلهم إلى محل كرامته في العاقبة فاشترك بالإبانة بقوله فَخَشِينا أَنْ يُرْهِقَهُما طُغْياناً وَ كُفْراً فَأَرَدْنا أَنْ يُبْدِلَهُما رَبُّهُما خَيْراً مِنْهُ زَكاةً وَ أَقْرَبَ رُحْماً و إنما اشترك في الإبانة لأنه خشي و الله لا يخشى لأنه لا يفوته شيء و لا يمتنع عليه أحد أراده و إنما خشي الخضر من أن يحال بينه و بين ما أمر فيه فلا يدرك ثواب الإمضاء فيه و وقع في نفسه أن الله تعالى ذكره جعله سببا لرحمة أبوي الغلام فعمل فيه وسط الأمر من البشرية مثل ما كان عمل في موسى ع لأنه صار في الوقت مخبرا و كليم الله موسى ع مخبرا و لم يكن ذلك باستحقاق للخضر ع للرتبة على موسى ع و هو أفضل من الخضر بل كان لاستحقاق موسى للتبيين ثم قال وَ أَمَّا الْجِدارُ فَكانَ لِغُلامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ وَ كانَ تَحْتَهُ كَنْزٌ لَهُما وَ كانَ أَبُوهُما صالِحاً و لم يكن ذلك الكنز بذهب و لا فضة و لكن كان لوحا من ذهب فيه مكتوب عجب لمن أيقن بالموت كيف يفرح عجب لمن أيقن بالقدر كيف يحزن عجب لمن أيقن أن البعث حق كيف يظلم عجب لمن يرى الدنيا و تصرف أهلها حالا بعد حال كيف يطمئن إليها وَ كانَ أَبُوهُما صالِحاً كان بينهما و بين هذا الأب الصالح سبعون أبا فحفظهما الله بصلاحه ثم قال فَأَرادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغا أَشُدَّهُما وَ يَسْتَخْرِجا كَنزَهُما فتبرأ من الإبانة في آخر القصص و نسب الإرادة كلها إلى الله تعالى ذكره في ذلك لأنه لم يكن بقي شيء مما فعله فيخبر به بعد و يصير موسى ع به مخبرا و مصغيا إلى كلامه تابعا له فتجرد من الإبانة و الإرادة تجرد العبد المخلص ثم صار متصلا مما أتاه من نسبة الإبانة في أول القصة و من ادعاء الاشتراك في ثاني القصة فقال رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ وَ ما فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي ذلِكَ تَأْوِيلُ ما لَمْ تَسْطِعْ عَلَيْهِ صَبْراً ثم قال جعفر بن محمد ع إن أمر الله تعالى ذكره لا يحمل على المقاييس و من حمل أمر الله على المقاييس هلك و أهلك إن أول معصية ظهرت الإبانة من إبليس اللعين حين أمر الله تعالى ذكره ملائكته بالسجود لآدم فسجدوا و أبى إبليس اللعين أن يسجد فقال عز و جل ما مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ قالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نارٍ وَ خَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ فكان أول كفره قوله أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ ثم قياسه بقوله خَلَقْتَنِي مِنْ نارٍ وَ خَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ فطرده الله عز و جل عن جواره و لعنه و سماه رجيما و أقسم بعزته لا يقيس أحد في دينه إلا قرنه مع عدوه إبليس في أسفل درك من النار
قال الصدوق رحمه الله إن موسى ع مع كمال عقله و فضله و محله من الله تعالى ذكره لم يستدرك باستنباطه و استدلاله معنى أفعال الخضر ع حتى اشتبه عليه وجه الأمر فيه و سخط جميع ما كان يشاهده حتى أخبر بتأويله فرضي و لو لم يخبر بتأويله لما أدركه و لو بقي في الفكر عمره فإذا لم يجز لأنبياء الله و رسله صلوات الله عليهم القياس و الاستنباط و الاستخراج كان من دونهم من الأمم أولى بأن لا يجوز لهم ذلك. بيان التلبيب ما في موضع اللبب من الثياب و اللبب هو موضع القلادة من الصدر و المراد بالإبانة في المواضع إما طلب الامتياز و إظهار الفضل أو إظهار أصل الفعل و ربما يقرأ الأنانية في المواضع. قوله لعلة ذكر التعييب أي إنما لم ينسب الفعل إليه تعالى رعاية للأدب لأن نسبة التعييب إليه تعالى غير مناسب و أما ما يناسب أن ينسب إليه تعالى فهو إرادة صلاحهم بهذا التعييب قوله و إنما اشترك في الإبانة الغرض بيان أنه لم قال فخشينا و أردنا مع أنه كان الأنسب نسبة الخشية إلى نفسه و الإرادة إليه تعالى أو كان المناسب نسبة المصالح جميعا إليه تعالى و يمكن تقريره بوجهين الأول أنه لما أمره تعالى بقتل الغلام و أخبره بأنه سيقع منه كفر و لم يأمن البداء فيما أخبر به فلذا عبر عنه بالخشية و لما كان ذلك بإخباره تعالى فقد راعى الجهتين و نسب إلى نفسه لكون الخشية من جهته و نسب إلى الرب تعالى أيضا ليعلم أنه إنما علم ذلك بإخباره تعالى فخشية الحيلولة كناية عن احتمال البداء أو يقال إنه لما لم يأمن النسخ في الأمر بالقتل و على تقديره كان يتحقق طغيانه بوالديه و يحرم الخضر عن امتثال هذا الأمر فكأنه قال إنما بادرت إلى ذلك أو فعلت ذلك مبادرا لأني خشيت أن ينسخ هذا الأمر فيرهقهما طغيانا و لم أفز بثواب هذه الطاعة أو خشيت أن يحول مانع بيني و بينه و إن لم ينسخ فلم يتأت مني فعله و أكون محروما من ثوابه و أما نسبته إلى الرب فالوجه فيه ما ذكرنا أولا. و أما قوله فَأَرَدْنا فلما لم يكن فيه هذه النكتة نسبة إلى البشرية أي إنما عبر عن الإرادة كذلك لأنه عمل فيه البشرية في وسط الكلام إذ التعبير عن الخشية لم يكن من البشرية و في آخر الكلام نسب الإبدال إلى الرب و إنما كان عمل البشرية في التعبير عن الإرادة في وسط الكلام. الثاني أن يكون الاشتراك في الخشية و الإرادة كلتيهما منسوبا إلى البشرية فيكون قوله لأنه خشي تعليلا لأحد جزئي الاشتراك أعني نسبة الخشية إلى نفسه و قوله فعمل فيه تعليل لنسبة الخشية إلى الرب و نسبة الإرادة إلى نفسه
معا فالمراد بوسط الأمر حينئذ مجموع هذا الكلام إذ في أول الكلام نسب التعييب إلى نفسه رعاية للأدب و في آخر الكلام خص الإرادة به تعالى و في هذا الكلام اشترك معه تعالى في الأمرين مع أنه كان الأنسب تخصيص الأول بنفسه و الثاني به تعالى و على الوجهين يكون وسط الأمر منصوبا على الظرفية بتقدير في و يحتمل أن يكون فاعلا لقوله عمل أي عمل فيه أمر وسط من البشرية لأنه لم ينسب الإرادة إلى نفسه بل جعلها مشتركة بين الرب تعالى و بينه و لكنه بعيد. قوله ع للتبيين أي لأن يتبين له أنه لا يعلم كل شيء و أنه جاهل لا يعلم شيئا إلا بتعليم الله تعالى و أنه يمكن أن يكون في البشر من هو أعلم منه أو المعنى أنه كان الغرض تعليم موسى لا كون الخضر حجة عليه و أفضل منه و كون موسى ع رعية له بل كان واسطة كالملك. قوله ع بذهب و لا فضة أي لم يكن المقصود كونه ذهبا و فضة بل كان الغرض إيصال العلم المنقوش فيه إليهما فلا ينافي كون اللوح من ذهب قوله و تصرف أهلها أي تغيرهم قوله متصلا لعله ضمن معنى الإعراض أو الانفصال أي صار متصلا به تعالى معرضا أو منفصلا مما أتاه أولا و الظاهر أنه كان متنصلا من قولهم تنصل إليه أي انتفى من ذنبه و اعتذر فصحف. ثم اعلم أنه يظهر من هذا الكلام أنه كان منه ع غفلة في أول الأمر أيضا مع أنه قد سبق في أول الكلام عذر ذلك و أنه إنما نسب إلى نفسه لمكان التعييب و يمكن توجيهه بأن الغفلة ليست من جهة نسبة التعييب إلى نفسه بل لعدم التصريح بأن هذا من أمره تعالى لأنه كان يظهر من كلامه ع أنه كان مستبدا بذلك فلذا اعتذر و رجع عنه.
5- ع، ]علل الشرائع[ سمعت أبا جعفر محمد بن عبد الله بن طيفور الدامغاني الواعظ بفرغانة يقول في خرق الخضر ع السفينة و قتل الغلام و إقامة الجدران تلك إشارات من الله تعالى لموسى ع و تعريضات إلى ما يريده من تذكيره لمنن سابقة لله عز و جل نبهه عليها و على مقدارها من الفضل ذكره بخرق السفينة أنه حفظه في الماء حين ألقته أمه في التابوت و ألقت التابوت في اليم و هو طفل ضعيف لا قوة له فأراد بذلك أن الذي حفظك في التابوت الملقى في اليم هو الذي يحفظهم في السفينة و أما قتل الغلام فإنه كان قد قتل رجلا في الله عز و جل و كانت تلك زلة عظيمة عند من لم يعلم أن موسى ع نبي فذكره بذلك منه عليه حين دفع عنه كيد من أراد قتله به و أما إقامة الجدار من غير أجر فإن الله عز و جل ذكره بذلك فضله فيما أتاه في ابنتي شعيب حين سقى لهما و هو جائع و لم يبتغ على ذلك أجرا مع حاجته إلى الطعام فنبهه الله عز و جل على ذلك ليكون شاكرا مسرورا و أما قول الخضر لموسى ع هذا فِراقُ بَيْنِي وَ بَيْنِكَ فإن ذلك كان من جهة موسى ع حيث قال إِنْ سَأَلْتُكَ عَنْ شَيْءٍ بَعْدَها فَلا تُصاحِبْنِي فموسى ع هو الذي حكم بالمفارقة لما قال له فلا تصاحبني و إن موسى ع اختار سبعين رجلا من قومه لميقات ربه فلم يصبروا بعد سماع كلام الله عز و جل حتى تجاوزوا الحد بقولهم لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً فأخذتهم الصاعقة بظلمهم فماتوا و لو اختارهم الله عز و جل لعصمهم و لما اختار من يعلم منه تجاوز الحد فإذا لم يصلح موسى ع للاختيار مع فضله و محله فكيف تصلح الأمة لاختيار الإمام بآرائها و كيف يصلحون لاستنباط الأحكام و استخراجها بعقولهم الناقصة و آرائهم المتفاوتة و هممهم المتباينة و إراداتهم المختلفة تعالى الله عن الرضا باختيارهم علوا كبيرا و أفعال أمير المؤمنين ع مثلها مثل أفاعيل الخضر و هي حكمة و صواب و إن جهل الناس وجه الحكمة و الصواب فيها
6- ع، ]علل الشرائع[ ابن وليد عن الصفار عن ابن عيسى عن الحسين بن سعيد عن الحسين بن علوان عن الأعمش عن عباية الأسدي قال كان عبد الله بن العباس جالسا على شفير زمزم يحدث الناس فلما فرغ من حديثه أتاه رجل فسلم عليه ثم قال يا عبد الله إني رجل من أهل الشام فقال أعوان كل ظالم إلا من عصم الله منكم سل عما بدا لك فقال يا عبد الله بن عباس إني جئتك أسألك عمن قتله علي بن أبي طالب من أهل لا إله إلا الله لم يكفروا بصلاة و لا بحج و لا بصوم شهر رمضان و لا بزكاة فقال له عبد الله ثكلتك أمك سل عما يعنيك و دع ما لا يعنيك فقال ما جئتك أضرب إليك من حمص للحج و لا للعمرة و لكني أتيتك لتشرح لي أمر علي بن أبي طالب و فعاله فقال له ويلك إن علم العالم صعب لا يحتمله و لا تقربه القلوب الصدئة أخبرك أن علي بن أبي طالب ع كان مثله في هذه الأمة كمثل موسى و العالم ع و ذلك أن الله تبارك و تعالى قال في كتابه يا مُوسى إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ بِرِسالاتِي وَ بِكَلامِي فَخُذْ ما آتَيْتُكَ وَ كُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ وَ كَتَبْنا لَهُ فِي الْأَلْواحِ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مَوْعِظَةً وَ تَفْصِيلًا لِكُلِّ شَيْءٍ فكان موسى يرى أن جميع الأشياء قد أثبتت له كما ترون أنتم أن علماءكم قد أثبتوا جميع الأشياء فلما انتهى موسى إلى ساحل البحر فلقي العالم فاستنطق بموسى ليضل علمه و لم يحسده كما حسدتم أنتم علي بن أبي طالب و أنكرتم فضله فقال له موسى ع هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلى أَنْ تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْداً فعلم العالم أن موسى لا يطيق بصحبته و لا يصبر على علمه فقال له إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْراً وَ كَيْفَ تَصْبِرُ عَلى ما لَمْ تُحِطْ بِهِ خُبْراً فقال له موسى سَتَجِدُنِي إِنْ شاءَ اللَّهُ صابِراً وَ لا أَعْصِي لَكَ أَمْراً فعلم العالم أن موسى لا يصبر على علمه فقال فَإِنِ اتَّبَعْتَنِي فَلا تَسْئَلْنِي عَنْ شَيْءٍ حَتَّى أُحْدِثَ لَكَ مِنْهُ ذِكْراً قال فركبا في السفينة فخرقها العالم و كان خرقها لله عز و جل رضا و سخطا لموسى و لقي الغلام فقتله فكان قتله لله عز و جل رضا و سخطا لموسى و أقام الجدار فكانت إقامته لله عز و جل رضا و سخطا لموسى كذلك كان علي بن أبي طالب ع لم يقتل إلا من كان قتله لله عز و جل رضا و لأهل الجهالة من الناس سخطا
بيان أضرب إليك أي أسافر إليك و حمص كورة بالشام و قال الجزري فيه إن هذه القلوب تصدأ كما يصدأ الحديد هو أن يركبها بمباشرة المعاصي و الآثام فيذهب بجلائه كما يعلو الصداء وجه المرآة و السيف و نحوهما قوله فاستنطق بموسى أي أنطقه الله بسبب موسى ليضل علم موسى أي يجعل علمه مفقودا مضمحلا و يقر بالجهل فلم يحسده موسى ع
7- لي، ]الأمالي للصدوق[ ابن البرقي عن أبيه عن جده عن الحسن بن علي بن فضال عن إبراهيم بن محمد الأشعري عن أبان بن عبد الملك عن الصادق جعفر بن محمد ع قال إن موسى بن عمران ع حين أراد أن يفارق الخضر ع قال له أوصني فكان مما أوصاه أن قال له إياك و اللجاجة أو أن تمشي في غير حاجة أو أن تضحك من غير عجب و اذكر خطيئتك و إياك و خطايا الناس
8- ل، ]الخصال[ أبي عن سعد عن الأصفهاني عن المنقري عن سفيان بن عيينة عن الزهري عن علي بن الحسين ع قال كان آخر ما أوصى به الخضر موسى بن عمران ع أن قال له لا تعيرن أحدا بذنب و إن أحب الأمور إلى الله عز و جل ثلاثة القصد في الجدة و العفو في المقدرة و الرفق بعباد الله و ما رفق أحد بأحد في الدنيا إلا رفق الله عز و جل به يوم القيامة و رأس الحكم مخافة الله تبارك و تعالى
9- ب، ]قرب الإسناد[ ابن عيسى عن البزنطي عن الرضا ع قال كان في الكنز الذي قال الله وَ كانَ تَحْتَهُ كَنْزٌ لَهُما لوح من ذهب فيه بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ محمد رسول الله عجبت لمن أيقن بالموت كيف يفرح و عجبت لمن أيقن بالقدر كيف يحزن و عجبت لمن رأى الدنيا و تقلبها بأهلها كيف يركن إليها و ينبغي لمن غفل عن الله ألا يتهم الله تبارك و تعالى في قضائه و لا يستبطئه في رزقه
شي، ]تفسير العياشي[ عن ابن أسباط عن الرضا ع مثله كا، ]الكافي[ الحسين بن محمد عن معلى بن محمد عن ابن أسباط مثله
10- ل، ]الخصال[ أبي عن سعد عن محمد بن عبد الحميد عن العلاء عن محمد عن أبي جعفر ع في قول الله عز و جل وَ كانَ تَحْتَهُ كَنْزٌ لَهُما قال و الله ما كان من ذهب و لا فضة و ما كان إلا لوحا فيه كلمات أربع إني أنا الله لا إله إلا أنا و محمد رسولي عجبت لمن أيقن بالموت كيف يفرح قلبه و عجبت لمن أيقن بالحساب كيف تضحك سنه و عجبت لمن أيقن بالقدر كيف يستبطئ الله في رزقه و عجبت لمن يرى النشأة الأولى كيف ينكر النشأة الآخرة
11- ن، ]عيون أخبار الرضا عليه السلام[ بالأسانيد الثلاثة عن الرضا عن آبائه عن الحسين بن علي ع أنه قال وجد لوح تحت حائط مدينة من المدائن فيه مكتوب أنا الله لا إله إلا أنا و محمد نبيي عجبت لمن أيقن بالموت كيف يفرح و عجبت لمن أيقن بالقدر كيف يحزن و عجبت لمن اختبر الدنيا كيف يطمئن إليها و عجبت لمن أيقن الحساب كيف يذنب
12- مع، ]معاني الأخبار[ ابن الوليد عن محمد العطار عن الأشعري عن الحسن بن علي رفعه إلى عمرو بن جميع رفعه إلى علي ع في قول الله عز و جل وَ كانَ تَحْتَهُ كَنْزٌ لَهُما قال كان ذلك الكنز لوحا من ذهب فيه مكتوب بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ لا إله إلا الله محمد رسول الله عجبت لمن يعلم أن الموت حق كيف يفرح عجبت لمن يؤمن بالقدر كيف يحزن عجبت لمن يذكر النار كيف يضحك عجبت لمن يرى الدنيا و تصرف أهلها حالا بعد حال كيف يطمئن إليها
13- كا، ]الكافي[ عدة من أصحابنا عن أحمد بن محمد بن خالد عن شريف بن سابق أو رجل عن شريف عن الفضل بن أبي قرة عن أبي عبد الله ع قال لما أقام العالم الجدار أوحى الله تبارك و تعالى إلى موسى ع أني مجازي الأبناء بسعي الآباء إن خيرا فخير و إن شرا فشر لا تزنوا فتزني نساؤكم و من وطئ فراش امرئ مسلم وطئ فراشه كما تدين تدان
14- فس، ]تفسير القمي[ أبي عن يوسف بن أبي حماد عن أبي عبد الله ع قال لما أسري برسول الله ص إلى السماء وجد ريحا مثل ريح المسك الأذفر فسأل جبرئيل عنها فأخبره أنها تخرج من بيت عذب فيه قوم في الله حتى ماتوا ثم قال له إن الخضر كان من أبناء الملوك فآمن بالله و تخلى في بيت في دار أبيه يعبد الله و لم يكن لأبيه ولد غيره فأشاروا على أبيه أن يزوجه فلعل الله أن يرزقه ولدا فيكون الملك فيه و في عقبه فخطب له امرأة بكرا و أدخلها عليه فلم يلتفت الخضر إليها فلما كان اليوم الثاني قال لها تكتمين علي أمري فقالت نعم قال لها إن سألك أبي هل كان مني إليك ما يكون من الرجال إلى النساء فقولي نعم فقالت أفعل فسألها الملك عن ذلك فقالت نعم و أشار عليه الناس أن يأمر النساء أن يفتشنها فأمر فكانت على حالتها فقالوا أيها الملك زوجت الغر من الغرة زوجه امرأة ثيبا فزوجه فلما أدخلت عليه سألها الخضر أن تكتم عليه أمره فقالت نعم فلما أن سألها الملك قالت أيها الملك إن ابنك امرأة فهل تلد المرأة من المرأة فغضب عليه فأمر بردم الباب عليه فردم فلما كان اليوم الثالث حركته رقة الآباء فأمر بفتح الباب ففتح فلم يجدوه فيه و أعطاه الله من القوة أن يتصور كيف شاء ثم كان على مقدمة ذي القرنين و شرب من الماء الذي من شرب منه بقي إلى الصيحة قال فخرج من مدينة أبيه رجلان في تجارة في البحر حتى وقعا إلى جزيرة من جزائر البحر فوجدا فيها الخضر قائما يصلي فلما انفتل دعاهما فسألهما عن خبرهما فأخبراه فقال لهما هل تكتمان علي أمري إن أنا رددتكما في يومكما هذا إلى منازلكما فقالا نعم فنوى أحدهما أن يكتم أمره و نوى الآخر إن رده إلى منزله أخبر أباه بخبره فدعا الخضر سحابة فقال لها احملي هذين إلى منازلهما فحملتهما السحابة حتى وضعتهما في بلدهما من يومهما فكتم أحدهما أمره و ذهب الآخر إلى الملك فأخبره بخبره فقال له الملك من يشهد لك بذلك قال فلان التاجر فدل على صاحبه فبعث الملك إليه فلما أحضروه أنكره و أنكر معرفة صاحبه فقال له الأول أيها الملك ابعث معي خيلا إلى هذه الجزيرة و احبس هذا حتى آتيك بابنك فبعث معه خيلا فلم يجدوه فأطلق عن الرجل الذي كتم عليه ثم إن القوم عملوا بالمعاصي فأهلكهم الله و جعل مدينتهم عاليها سافلها و ابتدرت الجارية التي كتمت عليه أمره و الرجل الذي كتم عليه كل واحد منهما ناحية من المدينة فلما أصبحا التقيا فأخبر كل واحد منهما صاحبه بخبره فقالا ما نجونا إلا بذلك فآمنا برب الخضر و حسن إيمانهما و تزوج بها الرجل و وقعا إلى مملكة ملك آخر و توصلت المرأة إلى بيت الملك و كانت تزين بنت الملك فبينا هي تمشطها يوما إذ سقط من يدها المشط فقالت لا حول و لا قوة إلا بالله فقالت لها بنت الملك ما هذه الكلمة فقالت لها إن لي إلها تجري الأمور كلها بحوله و قوته فقالت لها أ لك إله غير أبي فقالت نعم و هو إلهك و إله أبيك فدخلت بنت الملك إلى أبيها فأخبرت أباها بما سمعت من هذه المرأة فدعاها الملك فسألها عن خبرها فأخبرته فقال لها من على دينك قالت زوجي و ولدي فدعاهم الملك و أمرهم بالرجوع عن التوحيد فأبوا عليه فدعا بمرجل من ماء فسخنه و ألقاهم فيه و أدخلهم بيتا و هدم عليهم البيت فقال جبرئيل لرسول الله ص فهذه الرائحة التي تشمها من ذلك البيت
بيان قوله زوجت الغر من الغرة لعله بكسر الغين من الغرة بمعنى الغفلة و البعد عن فطنة الشر كما ورد في الخبر المؤمن غر كريم و منه الحديث عليكم بالأبكار فإنهن أغر غرة و المرجل كمنبر القدر من الحجارة و النحاس
15- مع، ]معاني الأخبار[ معنى الخضر أنه كان لا يجلس على خشبة يابسة و لا أرض بيضاء إلا اهتزت خضراء و كان اسمه تاليا بن ملكان بن عابر بن أرفخشد بن سام بن نوح
16- ك، ]إكمال الدين[ الطالقاني عن عبد العزيز بن يحيى عن محمد بن عطية عن عبد الله بن سعد عن هشام بن جعفر عن حماد عن عبد الله بن سليمان قال قرأت في بعض كتب الله عز و جل أن ذا القرنين كان عبدا صالحا جعله الله عز و جل حجة على عباده و لم يجعله نبيا فمكن الله له في الأرض و آتاه من كل شيء سببا فوصفت له عين الحياة و قيل له من شرب منها شربة لم يمت حتى يسمع الصيحة و إنه خرج في طلبها حتى انتهى إلى موضع فيه ثلاث مائة و ستون عينا و كان الخضر على مقدمته و كان من أحب الناس إليه فأعطاه حوتا مالحا و أعطى كل واحد من أصحابه حوتا مالحا و قال لهم ليغسل كل رجل منكم حوته عند كل عين فانطلقوا و انطلق الخضر ع إلى عين من تلك العيون فلما غمس الحوت في الماء حيي فانساب في الماء فلما رأى الخضر ع ذلك علم أنه قد ظفر بماء الحياة فرمى بثيابه و سقط في الماء فجعل يرتمس فيه و يشرب منه فرجع كل واحد منهم إلى ذي القرنين و معه حوته و رجع الخضر و ليس معه الحوت فسأله عن قصته فأخبره فقال له أ شربت من ذلك الماء قال نعم قال أنت صاحبها و أنت الذي خلقت لهذه العين فأبشر بطول البقاء في هذه الدنيا مع الغيبة عن الأبصار إلى النفخ في الصور
17- ك، ]إكمال الدين[ المظفر العلوي عن ابن العياشي عن أبيه عن جعفر بن أحمد عن ابن فضال عن الرضا ع قال إن الخضر شرب من ماء الحياة فهو حي لا يموت حتى ينفخ في الصور و إنه ليأتينا فيسلم علينا فنسمع صوته و لا نرى شخصه و إنه ليحضر حيث ذكر فمن ذكره منكم فليسلم عليه و إنه ليحضر المواسم فيقضي جميع المناسك و يقف بعرفة فيؤمن على دعاء المؤمنين و سيؤنس الله به وحشة قائمنا في غيبته و يصل به وحدته
18- ك، ]إكمال الدين[ بهذا الإسناد عن الرضا ع قال لما قبض رسول الله ص جاء الخضر فوقف على باب البيت و فيه علي و فاطمة و الحسن و الحسين ع و رسول الله ص قد سجي بثوب فقال السلام عليكم يا أهل البيت كُلُّ نَفْسٍ ذائِقَةُ الْمَوْتِ وَ إِنَّما تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ إن في الله خلفا من كل هالك و عزاء من كل مصيبة و دركا من كل فائت فتوكلوا عليه و ثقوا به و استغفروا الله لي و لكم فقال أمير المؤمنين ع هذا أخي الخضر جاء يعزيكم بنبيكم
أقول قد أوردنا بعض أخباره في باب أحوال ذي القرنين
19- ص، ]قصص الأنبياء عليهم السلام[ بالإسناد عن الصدوق عن أبيه عن سعد عن ابن عيسى عن الحسن بن علي عن المثنى عن أبي حمزة عن أبي جعفر ع قال إن ذا القرنين كان عبدا صالحا لم يكن له قرن من ذهب و لا فضة بعثه الله في قومه فضربوه على قرنه الأيمن فغاب عنهم ثم عاد إليهم فدعاهم فضربوه على قرنه الأيسر و فيكم مثله قالها ثلاث مرات و كان قد وصف له عين الحياة و قيل له من شرب منها شربة لم يمت حتى يسمع الصيحة و إنه خرج في طلبها حتى أتى موضعا كان فيه ثلاث مائة و ستون عينا و كان الخضر ع على مقدمته و كان من آثر أصحابه عنده فدعاه و أعطاه و أعطى قوما من أصحابه كل واحد منهم حوتا مملوحا ثم قال انطلقوا إلى هذه المواضع فليغسل كل رجل منكم حوته و إن الخضر انتهى إلى عين من تلك العيون فلما غمس الحوت و وجد ريح الماء حي و انساب في الماء فلما رأى ذلك الخضر رمى بثيابه و سقط في الماء فجعل يرتمس في الماء و يشرب رجاء أن يصيبها فلما رأى ذلك رجع و رجع أصحابه فأمر ذو القرنين بقبض السمك فقال انظروا فقد تخلف سمكة واحدة فقالوا الخضر صاحبها فدعاه فقال ما فعلت بسمكتك فأخبره الخبر فقال ما ذا صنعت قال سقطت فيها أغوص و أطلبها فلم أجدها قال فشربت من الماء قال نعم قال فطلب ذو القرنين العين فلم يجدها فقال للخضر أنت صاحبها و أنت الذي خلقت لهذه العين و كان اسم ذي القرنين عياشا و كان أول الملوك بعد نوح ملك ما بين المشرق و المغرب
20- كا، ]الكافي[ أحمد بن محمد و محمد بن يحيى عن محمد بن الحسين عن إبراهيم بن إسحاق الأحمر عن عبد الله بن حماد عن سيف التمار قال كنا مع أبي عبد الله ع جماعة من الشيعة في الحجر فقال علينا عين فالتفتنا يمنة و يسرة فلم نر أحدا فقلنا ليس علينا عين فقال و رب الكعبة و رب البيت ثلاث مرات لو كنت بين موسى و الخضر لأخبرتهما أني أعلم منهما و لأنبأتهما بما ليس في أيديهما لأن موسى و الخضر أعطيا علم ما كان و لم يعطيا علم ما يكون و ما هو كائن حتى تقوم الساعة و قد ورثناه من رسول الله ص وراثة
21- ص، ]قصص الأنبياء عليهم السلام[ الصدوق عن أبيه عن سعد عن ابن عيسى عن البزنطي عن أبي بصير عن أحدهما ص قال لما كان من أمر موسى الذي كان أعطي مكتلا فيه حوت مالح فقيل له هذا يدلك على صاحبك عند عين لا يصيب منها شيء إلا حي فانطلقا حتى بلغا الصخرة و جاوزا ثم قالَ لِفَتاهُ آتِنا غَداءَنا فقال الحوت اتخذ في البحر سربا فاقتصا الأثر حتى أتيا صاحبهما في جزيرة في كساء جالسا فسلم عليه و أجاب و تعجب و هو بأرض ليس بها سلام فقال من أنت قال موسى فقال ابن عمران الذي كلمه الله قال نعم قال فما جاء بك قال أتيتك على أن تعلمني قال إني وكلت بأمر لا تطيقه فحدثه عن آل محمد و عن بلائهم و عما يصيبهم حتى اشتد بكاؤهما و ذكر له فضل محمد و علي و فاطمة و الحسن و الحسين و ما أعطوا و ما ابتلوا به فجعل يقول يا ليتني من أمة محمد و إن العالم لما تبعه موسى خرق السفينة و قتل الغلام و أقام الجدار ثم بين له كلها و قال ما فعلته عن أمري يعني لو لا أمر ربي لم أصنعه و قال لو صبر موسى لأراه العالم سبعين أعجوبة و في رواية رحم الله موسى عجل على العالم أما إنه لو صبر لرأى منه من العجائب ما لم ير
22- ص، ]قصص الأنبياء عليهم السلام[ الصدوق عن محمد العطار عن الحسين بن إسحاق عن علي بن مهزيار و عن الحسين بن سعيد عن عثمان بن عيسى عن ابن مسكان عن سدير عن أبي جعفر ع قال لما لقي موسى العالم و كلمه و ساءله نظر إلى خطاف تصفر و ترتفع في الماء و تستفل في البحر فقال العالم لموسى أ تدري ما تقول هذه الخطاف و ما تقول قال تقول و رب السماوات و الأرض و رب البحر ما علمكما من علم الله إلا قدر ما أخذت بمنقاري من هذا البحر و أكثر و لما فارقه موسى قال له موسى أوصني فقال الخضر ألزم ما لا يضرك معه شيء كما لا ينفعك مع غيره شيء و إياك و اللجاجة و المشي إلى غير حاجة و الضحك في غير تعجب يا ابن عمران لا تعيرن أحدا بخطيئته و أبك على خطيئتك
أقول قد أوردناه بأسانيد في باب أن الأئمة ع أعلم من الأنبياء
23- ص، ]قصص الأنبياء عليهم السلام[ الصدوق عن أبيه عن محمد العطار عن ابن أبان عن ابن أورمة عن عبد الرحمن بن حماد عن يوسف بن حماد عن المفضل عن أبي عبد الله ع قال لما أسري برسول الله ص بينا هو على البراق و جبرئيل معه إذ نفخته رائحة مسك فقال يا جبرئيل ما هذا فقال كان في الزمان الأول ملك له أسوة حسنة في أهل مملكته و كان له ابن رغب عما هو فيه و تخلى في بيت يعبد الله فلما كبر سن الملك مشى إليه خيرة الناس و قالوا أحسنت الولاية علينا و كبرت سنك و لا خلفك إلا ابنك و هو راغب عما أنت فيه و إنه لم ينل من الدنيا فلو حملته على النساء حتى يصيب لذة الدنيا لعاد فاخطب كريمة له فزوجه جارية لها أدب و عقل فلما أتوا بها و حولوها إلى بيته أجلسوها و هو في صلاته فلما فرغ قال أيتها المرأة ليس النساء من شأني فإن كنت تحبين أن تقيمي معي و تصنعين كما أصنع كان لك من الثواب كذا و كذا قالت فأنا أقيم على ما تريد ثم إن أباه بعث إليها يسائلها هل حبلت فقالت إن ابنك ما كشف لي عن ثوب فأمر بردها إلى أهلها و غضب على ابنه و أغلق الباب عليه و وضع عليه الحرس فمكث ثلاثا ثم فتح عنه فلم يوجد في البيت أحد فهو الخضر عليه الصلاة و السلام
24- ك، ]إكمال الدين[ كان اسم الخضر خضرويه بن قابيل بن آدم و يقال خضرون أيضا و يقال خلعبا و إنه إنما سمي الخضر لأنه جلس على أرض بيضاء فاهتزت خضراء فسمي الخضر لذلك و هو أطول الآدميين عمرا و الصحيح أن اسمه إلياس بن ملكان بن عامر بن أرفخشد بن سام بن نوح
25- كا، ]الكافي[ العدة عن أحمد بن محمد عن أحمد بن أبي داود عن عبد الله بن أبان عن أبي عبد الله ع قال مسجد السهلة مناخ الراكب قيل و من الراكب قال الخضر ع
26- كا، ]الكافي[ محمد بن يحيى عن عمرو بن عثمان عن حسين بن بكر عن عبد الرحمن بن سعيد الخزاز عن أبي عبد الله ع قال مسجد السهلة مناخ الراكب
27- شي، ]تفسير العياشي[ عن أبي حمزة عن أبي جعفر ع قال كان وصي موسى بن عمران يوشع بن نون و هو فتاه الذي ذكره الله في كتابه
28- شي، ]تفسير العياشي[ عن هشام بن سالم عن أبي عبد الله ع قال كان موسى أعلم من الخضر
29- شي، ]تفسير العياشي[ عن حفص بن البختري عن أبي عبد الله ع في قول موسى لفتاه آتِنا غَداءَنا و قوله رَبِّ إِنِّي لِما أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ فقال إنما عنى الطعام فقال أبو عبد الله ع إن موسى لذو جوعات
30- شي، ]تفسير العياشي[ عن بريد عن أحدهما ع قال قلت له ما منزلتكم في الماضين أو بمن تشبهون منهم قال الخضر و ذو القرنين كانا عالمين و لم يكونا نبيين
كا، ]الكافي[ علي عن أبيه عن ابن أبي عمير عن ابن أذينة عن بريد مثله و فيه صاحب موسى و ذو القرنين
بيان لعل المراد أنه حين صادفه موسى ع لم يكن نبيا بل كان رعية لموسى ع و فيه بعد إشكال
31- شي، ]تفسير العياشي[ عن إسحاق بن عمار عن أبي عبد الله ع قال إنما مثل علي و مثلنا من بعده من هذه الأمة كمثل موسى النبي ع و العالم حين لقيه و استنطقه و سأله الصحبة فكان من أمرهما ما اقتصه الله لنبيه ص في كتابه و ذلك أن الله قال لموسى إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ بِرِسالاتِي وَ بِكَلامِي فَخُذْ ما آتَيْتُكَ وَ كُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ ثم قال وَ كَتَبْنا لَهُ فِي الْأَلْواحِ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مَوْعِظَةً وَ تَفْصِيلًا لِكُلِّ شَيْءٍ و قد كان عند العالم علم لم يكتب لموسى في الألواح و كان موسى يظن أن جميع الأشياء التي يحتاج إليها في تابوته و جميع العلم قد كتب له في الألواح كما يظن هؤلاء الذين يدعون أنهم فقهاء و علماء أنهم قد أثبتوا جميع العلم و الفقه في الدين مما تحتاج هذه الأمة إليه و صح لهم عن رسول الله ص و علموه و لفظوه و ليس كل علم رسول الله علموه و لا صار إليهم عن رسول الله ص و لا عرفوه و ذلك أن الشيء من الحلال و الحرام و الأحكام يرد عليهم فيسألون عنه و لا يكون عندهم فيه أثر عن رسول الله ص و يستحيون أن ينسبهم الناس إلى الجهل و يكرهون أن يسألوا فلم يجيبوا الناس فيطلبوا العلم من معدنه فلذلك استعملوا الرأي و القياس في دين الله و تركوا الآثار و دانوا الله بالبدع و قد قال رسول الله ص كل بدعة ضلالة فلو أنهم إذ سئلوا عن شيء من دين الله فلم يكن عندهم منه أثر عن رسول الله ردوه إلى الله و إلى الرسول و إلى أولي الأمر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم من آل محمد ع و الذي منعهم من طلب العلم منا العداوة و الحسد لنا و لا و الله ما حسد موسى العالم و موسى نبي الله يوحى إليه حيث لقيه و استنطقه و عرفه بالعلم و لم يحسده كما حسدتنا هذه الأمة بعد رسول الله ص على ما علمنا و ما ورثنا عن رسول الله ص و لم يرغبوا إلينا في علمنا كما رغب موسى إلى العالم و سأله الصحبة ليتعلم منه العلم و يرشده فلما أن سأل العالم ذلك علم العالم أن موسى لا يستطيع صحبته و لا يحتمل عليه و لا يصبر معه فعند ذلك قال العالم وَ كَيْفَ تَصْبِرُ عَلى ما لَمْ تُحِطْ بِهِ خُبْراً فقال له موسى و هو خاضع له يستعطفه على نفسه كي يقبله سَتَجِدُنِي إِنْ شاءَ اللَّهُ صابِراً وَ لا أَعْصِي لَكَ أَمْراً و قد كان العالم يعلم أن موسى لا يصبر على علمه فكذلك و الله يا إسحاق بن عمار حال قضاة هؤلاء و فقهائهم و جماعتهم اليوم لا يحتملون و الله علمنا و لا يقبلونه و لا يطيقونه و لا يأخذون به و لا يصبرون عليه كما لم يصبر موسى على علم العالم حين صحبه و رأى ما رأى من علمه و كان ذلك عند موسى مكروها و كان عند الله رضا و هو الحق و كذلك علمنا عند الجهلة مكروه لا يؤخذ و هو عند الله الحق
32- شي، ]تفسير العياشي[ عن زرارة و حمران و محمد بن مسلم عن أبي جعفر و أبي عبد الله ع قال إنه لما كان من أمر موسى ع الذي كان أعطي مكتل فيه حوت مملح و قيل له هذا يدلك على صاحبك عند عين مجمع البحرين لا يصيب منها شيء ميتا إلا حيي يقال له الحياة فانطلقا حتى بلغا الصخرة فانطلق الفتى يغسل الحوت في العين فاضطرب في يده حتى خدشه و انفلت منه و نسيه الفتى فلما جاوز الوقت الذي وقت فيه أعيا موسى و قال لفتاه آتِنا غَداءَنا لَقَدْ لَقِينا مِنْ سَفَرِنا هذا نَصَباً قالَ أَ رَأَيْتَ إلى قوله عَلى آثارِهِما قَصَصاً فلما أتاها وجد الحوت قد خر في البحر فاقتصا الأثر حتى أتيا صاحبهما في جزيرة من جزائر البحر إما متكئا و إما جالسا في كساء له فسلم عليه موسى فعجب من السلام و هو في أرض ليس فيها السلام فقال من أنت قال أنا موسى قال أنت موسى بن عمران الذي كلمه الله تكليما قال نعم قال فما حاجتك قال أَتَّبِعُكَ عَلى أَنْ تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْداً قال إني وكلت بأمر لا تطيقه و وكلت بأمر لا أطيقه و قد قال له إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْراً وَ كَيْفَ تَصْبِرُ عَلى ما لَمْ تُحِطْ بِهِ خُبْراً قالَ سَتَجِدُنِي إِنْ شاءَ اللَّهُ صابِراً وَ لا أَعْصِي لَكَ أَمْراً فحدثه عن آل محمد و عما يصيبهم حتى اشتد بكاؤهما ثم حدثه عن رسول الله ص و عن أمير المؤمنين ع و عن ولد فاطمة و ذكر له من فضلهم و ما أعطوا حتى جعل يقول يا ليتني من آل محمد و عن رجوع رسول الله ص إلى قومه و ما يلقى منهم و من تكذيبهم إياه و تلا هذه الآية وَ نُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَ أَبْصارَهُمْ كَما لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ فإنه أخذ عليهم الميثاق
بيان قوله و عن رجوع رسول الله ص أي بعد الهجرة أو في الرجعة
33- شي، ]تفسير العياشي[ عن عبد الرحمن بن سيابة عن أبي عبد الله ع قال إن موسى صعد المنبر و كان منبره ثلاث مراق فحدث نفسه أن الله لم يخلق خلقا أعلم منه فأتاه جبرئيل فقال له إنك قد ابتليت فانزل فإن في الأرض من هو أعلم منك فاطلبه فأرسل إلى يوشع أني قد ابتليت فاصنع لنا زادا و انطلق بنا فاشترى حوتا فخرج بآذربيجان ثم شواه ثم حمله في مكتل ثم انطلقا يمشيان في ساحل البحر و النبي إذا مر في مكان لم يعي أبدا حتى يجوز ذلك الوقت قال فبينما هما يمشيان حتى انتهيا إلى شيخ مستلقي معه عصاه موضوعة إلى جانبه و عليه كساء إذا قنع رأسه خرجت رجلاه و إذا غطى رجليه خرج رأسه قال فقام موسى يصلي و قال ليوشع احفظ علي قال فقطرت قطرة من السماء في المكتل فاضطرب الحوت ثم جعل يجر المكتل إلى البحر قال و هو قوله فَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ سَرَباً قال ثم إنه جاء طير فوقع على ساحل البحر ثم أدخل منقاره فقال يا موسى ما أخذت من علم ربك ما حمل ظهر منقاري من جميع البحر قال ثم قام فمشى فتبعه يوشع فقال موسى لما أعيا حيث جاز الوقت فيه آتِنا غَداءَنا لَقَدْ لَقِينا مِنْ سَفَرِنا هذا نَصَباً إلى قوله فِي الْبَحْرِ عَجَباً قال فرجع موسى يقتص أثره حتى انتهى إليه و هو على حاله مستلق فقال له موسى السلام عليك فقال و عليك السلام يا عالم بني إسرائيل قال ثم وثب فأخذ عصاه بيده قال فقال له موسى إني قد أمرت أن أَتَّبِعُكَ عَلى أَنْ تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْداً فقال كما قص عليكم إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْراً قال فانطلقا حتى انتهيا إلى معبر فلما نظر إليهم أهل المعبر فقالوا و الله لا نأخذ من هؤلاء أجرا اليوم نحملهم فلما ذهبت السفينة وسط الماء خرقها قال له موسى كما أخبرتم ثم قال أَ لَمْ أَقُلْ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْراً قالَ لا تُؤاخِذْنِي بِما نَسِيتُ وَ لا تُرْهِقْنِي مِنْ أَمْرِي عُسْراً قال و خرجا على ساحل البحر فإذا غلام يلعب مع غلمان عليه قميص حرير أخضر في أذنيه درتان فتوركه العالم فذبحه قال له موسى أَ قَتَلْتَ نَفْساً زَكِيَّةً بِغَيْرِ نَفْسٍ لَقَدْ جِئْتَ شَيْئاً نُكْراً قال فَانْطَلَقا حَتَّى إِذا أَتَيا أَهْلَ قَرْيَةٍ اسْتَطْعَما أَهْلَها فَأَبَوْا أَنْ يُضَيِّفُوهُما فَوَجَدا فِيها جِداراً يُرِيدُ أَنْ يَنْقَضَّ فَأَقامَهُ قالَ لَوْ شِئْتَ لَاتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْراً خبزا نأكله فقد جعنا قال و هي قرية على ساحل البحر يقال لها ناصرة و بها تسمى النصارى فلم يضيفوهما و لا يضيفون بعدهما أحدا حتى تقوم الساعة و كان مثل السفينة فيكم و فينا ترك الحسين البيعة لمعاوية و كان مثل الغلام فيكم قول الحسن بن علي ع لعبد الله بن علي لعنك الله من كافر فقال له قد قتلته يا أبا محمد و كان مثل الجدار فيكم علي و الحسن و الحسين
بيان تورك فلان الصبي جعله على وركه معتمدا عليها ذكره الفيروزآبادي و أما كون ترك الحسين ع البيعة لمعاوية شبيها بخرق السفينة لأنه ع بترك البيعة مهد لنفسه المقدسة الشهادة و بها انكسرت سفينة أهل البيت صلوات الله عليهم و كان فيها مصالح عظيمة منها ظهور كفر بني أمية و جورهم على الناس و خروج الخلق عن طاعتهم و منها ظهور حقية أهل البيت ع و إمامتهم إذ لو بايعه الحسين ع أيضا لظن أكثر الناس وجوب متابعة خلفاء الجور و عدم كونهم ع ولاة الأمر. و منها أن بسبب ذلك صار من بعده من الأئمة ع آمنين مطمئنين ينشرون العلوم بين الناس إلى غير ذلك من المصالح التي لا يعلمها غيرهم و لو كان ما ذكره المؤرخون من بيعته ع له أخيرا حقا كان المراد ترك البيعة ابتداء و لا يبعد أن يكون في الأصل يزيد بن معاوية فسقط الساقط الملعون هو و أبوه و أما ما تضمن من قول الحسن ع لعبد الله بن علي فيشكل توجيهه لأنه كان من السعداء الذين استشهدوا مع الحسين صلوات الله عليه على ما ذكره المفيد و غيره و القول بأنه ع علم أنه لو بقي بعد ذلك و لم يستشهد لكفر بعيد. و الظاهر أن يكون عبيد الله مصغرا بناء على ما ذكره ابن إدريس أنه لم يستشهد مع الحسين ع ردا على المفيد و ذكر صاحب المقاتل و غيره أنه صار إلى المختار فسأله أن يدعو إليه و يجعل الأمر له فلم يفعل فخرج و لحق بمصعب بن الزبير فقتل في الوقعة و هو لا يعرف. قوله فقال له أي أمير المؤمنين ع قد قتلته أي سيقتل بسبب لعنك أو هذا إخبار بأنه سيقتل كما قتل الخضر الغلام لكفره و أما مثل الجدار فلعل المراد أن الله تعالى كما حفظ العلم تحت الجدار للغلامين لصلاح أبيهما فكذلك حفظ العلم لصلاح علي و الحسن و الحسين ع في أولادهم إلى أن يظهره القائم ع للخلق أو حفظ الله علم الرسول ص بأمير المؤمنين للحسنين صلوات الله عليهم فأقام عليا ع للخلافة بعد أن أصابه ما أصابه من المخالفين و الله يعلم.
34- شي، ]تفسير العياشي[ عن عبد الله بن ميمون القداح عن أبي عبد الله عن أبيه ع قال بينما موسى قاعد في ملإ من بني إسرائيل إذ قال له رجل ما أرى أحدا أعلم بالله منك قال موسى ما أرى فأوحى الله إليه بلى عبدي الخضر فسأل السبيل إليه و كان له آية الحوت إن افتقده فكان من شأنه ما قص الله
35- شي، ]تفسير العياشي[ عن هشام بن سالم عن أبي عبد الله ع قال كان سليمان أعلم من آصف و كان موسى أعلم من الذي اتبعه
36- شي، ]تفسير العياشي[ عن ليث بن سليم عن أبي جعفر ع قال شكا موسى إلى ربه الجوع في ثلاثة مواضع آتِنا غَداءَنا لَقَدْ لَقِينا مِنْ سَفَرِنا هذا نَصَباً لَاتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْراً رَبِّ إِنِّي لِما أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ
37- شي، ]تفسير العياشي[ عن إسماعيل بن أبي زياد عن جعفر بن محمد عن أبيه عن جده عن ابن عباس قال ما وجدت للناس و لعلي بن أبي طالب شبها إلا موسى و صاحب السفينة تكلم موسى بجهل و تكلم صاحب السفينة بعلم و تكلم الناس بجهل و تكلم علي بعلم
38- شي، ]تفسير العياشي[ عن عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله ع أن نجدة الحروري كتب إلى ابن عباس يسأله عن سبي الذراري فكتب إليه أما الذراري فلم يكن رسول الله يقتلهم و كان الخضر يقتل كافرهم و يترك مؤمنهم فإن كنت تعلم ما يعلم الخضر فاقتلهم
39- شي، ]تفسير العياشي[ عن إسحاق بن عمار عن أبي عبد الله ع قال سمعته يقول بينما العالم يمشي مع موسى إذا بغلام يلعب قال فوكزه العالم فقتله فقال له موسى أَ قَتَلْتَ نَفْساً زَكِيَّةً بِغَيْرِ نَفْسٍ لَقَدْ جِئْتَ شَيْئاً نُكْراً قال فأدخل العالم يده فاقتلع كتفه فإذا عليه مكتوب كافر مطبوع
40- شي، ]تفسير العياشي[ عن حريز عن أبي عبد الله ع أنه كان يقرأ وَ كانَ وَراءَهُمْ مَلِكٌ يعني أمامهم يأخذ كل سفينة صالحة غصبا
بيان قال الطبرسي رحمه الله و يستعمل وراء بمعنى القدام أيضا على الاتساع لأنها جهة مقابلة لجهة فكان كل واحدة من الجهتين وراء الأخرى
41- شي، ]تفسير العياشي[ عن حريز عمن ذكره عن أحدهما أنه قرأ و كان أبواه مؤمنين و طبع كافرا
42- شي، ]تفسير العياشي[ عن أبي بصير عن أبي عبد الله ع في قوله فَخَشِينا خشي إن أدرك الغلام أن يدعو أبويه إلى الكفر فيجيبانه من فرط حبهما له
43- شي، ]تفسير العياشي[ عن عبد الله بن خالد رفعه قال كان في كتف الغلام الذي قتله العالم مكتوب كافر
44- شي، ]تفسير العياشي[ عن محمد بن عمر عن رجل عن أبي عبد الله ع قال إن الله ليحفظ ولد المؤمن إلى ألف سنة و إن الغلامين كان بينهما و بين أبويهما سبعمائة سنة
45- شي، ]تفسير العياشي[ عن عثمان عن رجل عن أبي عبد الله ع في قول الله فَأَرَدْنا أَنْ يُبْدِلَهُما رَبُّهُما خَيْراً مِنْهُ زَكاةً وَ أَقْرَبَ رُحْماً قال ولدت لهما جارية فولدت غلاما فكان نبيا
46- شي، ]تفسير العياشي[ عن الحسين بن سعيد اللحمي قال ولدت لرجل من أصحابنا جارية فدخل على أبي عبد الله ع فرآه متسخطا لها فقال له أبو عبد الله ع أ رأيت لو أن الله أوحى إليك أني أختار لك أو تختار لنفسك ما كنت تقول قال كنت أقول يا رب تختار لي قال فإن الله قد اختار لك ثم قال إن الغلام الذي قتله العالم حين كان مع موسى في قول الله فَأَرَدْنا أَنْ يُبْدِلَهُما رَبُّهُما خَيْراً مِنْهُ زَكاةً وَ أَقْرَبَ رُحْماً قال فأبدلهما جارية ولدت سبعين نبيا
47- شي، ]تفسير العياشي[ عن أبي يحيى الواسطي رفعه إلى أحدهما في قول الله وَ أَمَّا الْغُلامُ فَكانَ أَبَواهُ مُؤْمِنَيْنِ إلى قوله وَ أَقْرَبَ رُحْماً قال أبدلهما مكان الابن بنتا فولدت سبعين نبيا
48- شي، ]تفسير العياشي[ عن أبي بصير عن أبي جعفر ع قال كم من إنسان له حق لا يعلم به قال قلت و ما ذاك أصلحك الله قال إن صاحبي الجدار كان لهما كنز تحته أما إنه لم يكن ذهب و لا فضة قال قلت فأيهما كان أحق به فقال الأكبر كذلك نقول
-49 شي، ]تفسير العياشي[ عن إسحاق بن عمار قال سمعت أبا عبد الله ع يقول إن الله ليفلح بفلاح الرجل المؤمن ولده و ولد ولده و يحفظه في دويرته و دويرات حوله فلا يزالون في حفظ الله لكرامته على الله ثم ذكر الغلامين فقال وَ كانَ أَبُوهُما صالِحاً أ لم تر أن الله شكر صلاح أبويهما لهما
50- شي، ]تفسير العياشي[ عن محمد بن عمرو الكوفي عن رجل عن أبي عبد الله ع قال إن الغلامين كان بينهما و بين أبيهما سبعمائة سنة
51- شي، ]تفسير العياشي[ عن صفوان الجمال عن أبي عبد الله ع قال سألته عن قول الله وَ أَمَّا الْجِدارُ فَكانَ لِغُلامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ وَ كانَ تَحْتَهُ كَنْزٌ لَهُما فقال أما إنه ما كان ذهبا و لا فضة و إنما كان أربع كلمات إني أنا الله لا إله إلا أنا من أيقن بالموت لم يضحك سنه و من أقر بالحساب لم يفرح قلبه و من آمن بالقدر لم يخش إلا ربه
كا، ]الكافي[ عدة من أصحابنا عن أحمد بن محمد بن خالد عن أحمد بن محمد بن أبي نصر عن صفوان مثله
52- من رياض الجنان أخذه من أربعين السيد الحسين بن دحية بن خليفة الكلبي بإسناده عن عمار بن خالد عن إسحاق الأزرق عن عبد الملك بن سليمان قال وجد في ذخيرة أحد حواري المسيح رق فيه مكتوب بالقلم السرياني منقول من التوراة أنه لما تشاجر موسى و الخضر ع في قصة السفينة و الغلام و الجدار و رجع موسى إلى قومه سأله أخوه هارون ع عما استعلمه من الخضر ع و شاهده من عجائب البحر قال بينا أنا و الخضر على شاطئ البحر إذ سقط بين أيدينا طائر أخذ في منقاره قطرة و رمى بها نحو المشرق و أخذ ثانية و رماها في المغرب و أخذ ثالثة و رمى بها نحو السماء و رابعة رماها إلى الأرض ثم أخذ خامسة و عاد ألقاها في البحر فبهتنا لذلك فسألت الخضر ع عن ذلك فلم يجب و إذا نحن بصياد يصطاد فنظر إلينا و قال ما لي أراكما في فكر و تعجب من الطائر قلنا هو ذلك قال أنا رجل صياد قد علمت و أنتما نبيان ما تعلمان قلنا ما نعلم إلا ما علمنا الله قال هذا طائر في البحر يسمى مسلم لأنه إذا صاح يقول في صياحه مسلم فأشار برمي الماء من منقاره إلى السماء و الأرض و المشرق و المغرب إلى أنه يبعث نبي بعد كما تملك أمته المشرق و المغرب و يصعد إلى السماء و يدفن في الأرض و أما رميه الماء في البحر يقول إن علم العالم عند علمه مثل هذه القطرة و ورث علمه وصيه و ابن عمه فسكن ما كنا فيه من المشاجرة و استقل كل واحد منا علمه بعد أن كنا معجبين بأنفسنا ثم غاب الصياد عنا فعلمنا أنه ملك بعثه الله تعالى إلينا ليعرفنا حيث ادعينا الكمال
كنز، ]كنز جامع الفوائد و تأويل الآيات الظاهرة[ ذكر بعض أصحابنا من رواة الحديث في كتاب الأربعين رواية أسعد الإربلي عن عمار بن خالد مثله تذنيب قال السيد المرتضى قدس الله روحه فإن قيل كيف يجوز أن يتبع موسى ع غيره و يتعلم منه و عندكم أن النبي لا يجوز أن يفتقر إلى غيره و كيف يجوز أن يقول له إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْراً و الاستطاعة عندكم هي القدرة و قد كان موسى ع على مذهبكم قادرا على الصبر و كيف قال موسى ع سَتَجِدُنِي إِنْ شاءَ اللَّهُ صابِراً وَ لا أَعْصِي لَكَ أَمْراً فاستثنى المشية في الصبر و أطلق فيما ضمنه من طاعته و اجتناب معصيته و كيف قال لَقَدْ جِئْتَ شَيْئاً إِمْراً و شَيْئاً نُكْراً و ما أتى العالم منكرا على الحقيقة و ما معنى قوله لا تُؤاخِذْنِي بِما نَسِيتُ و عندكم أن النسيان لا يجوز على الأنبياء و لم نعت موسى ع النفس بأنها زكية و لم تكن كذلك على الحقيقة و لم قال فَخَشِينا فإن كان الذي خشيه الله تعالى على ما ظنه قوم فالخشية لا تجوز عليه تعالى و إن كان هو الخضر فكيف يستبيح دم الغلام لأجل الخشية و الخشية لا تقتضي علما و لا يقينا. قلنا أما العالم الذي نعته الله في هذه الآيات فلا يجوز إلا أن يكون نبيا فاضلا و قد قيل إنه الخضر ع و أنكر أبو علي ذلك و زعم أنه ليس بصحيح قال لأن الخضر يقال إنه كان نبيا من أنبياء بني إسرائيل الذين بعثوا بعد موسى ع و ليس يمتنع أن يكون الله تعالى قد أعلم هذا العالم ما لم يعلمه موسى ع و أرشد موسى ع إليه ليتعلم منه و إنما المنكر أن يحتاج النبي في العلم إلى بعض رعيته المبعوث إليهم و أما أن يفتقر إلى غيره ممن ليس له برعية فجائز و ما تعلمه من هذا العالم إلا كتعلمه من الملك الذي يهبط إليه بالوحي و ليس في هذا دلالة على أنه كان أفضل من موسى في العلم لأنه لا يمتنع أن يزيد موسى ع عليه في سائر العلوم التي هي أفضل و أشرف مما علمه. و أما نفي الاستطاعة فإنما أراد بها أن الصبر لا يخف عليك و أنه يثقل على طبيعتك كما يقول أحدنا لغيره إنك لا تستطيع أن تنظر إلي و كما يقول للمريض الذي يجهده الصوم و إن كان عليه قادرا إنك لا تستطيع الصيام و لا تطيقه و ربما عبر بالاستطاعة عن الفعل نفسه كما قال الله تعالى حكاية عن الحواريين هَلْ يَسْتَطِيعُ رَبُّكَ أَنْ يُنَزِّلَ عَلَيْنا مائِدَةً مِنَ السَّماءِ فكأنه على هذا الوجه قال له إنك لن تصبر و لن
يقع منك الصبر و إن كان إنما نفى القدرة على ما ظنه الجهال لكان العالم و هو في ذلك سواء فلا معنى لاختصاصه بنفي الاستطاعة و الذي يدل على أنه إنما نفى عنه الصبر لا الاستطاعة قول موسى ع في جوابه سَتَجِدُنِي إِنْ شاءَ اللَّهُ صابِراً و لم يقل ستجدني إن شاء الله مستطيعا و من حق الجواب أن يطابق الابتداء فدل جوابه على أن الاستطاعة في الابتداء هي عبارة عن الفعل نفسه. فأما قوله وَ لا أَعْصِي لَكَ أَمْراً فهو أيضا مشروط بالمشية و ليس بمطلق على ما ذكر في السؤال فكأنه قال ستجدني صابرا و لا أعصي لك أمرا إن شاء الله و إنما قدم الشرط على الأمرين جميعا و هذا ظاهر في الكلام فأما قوله لَقَدْ جِئْتَ شَيْئاً إِمْراً فقد قيل إنه أراد شيئا عجبا و قيل إنه أراد شيئا منكرا و قيل إن الإمر أيضا هو الداهية فكأنه قال جئت داهية و قد ذهب بعض أهل اللغة إلى أن الإمر مشتق من الكثرة من أمر القوم إذا كثروا و جعل عبارة عما كثر عجبه و إذا حملت هذه اللفظة على العجب فلا سؤال فيها و إن حملت على المنكر كان الجواب عنها و عن قوله لَقَدْ جِئْتَ شَيْئاً نُكْراً واحدا و في ذلك وجوه منها أن ظاهر ما أتيته المنكر و من يشاهده ينكره قبل أن يعرف علته. و منها أن يكون حذف الشرط فكأنه أراد إن كنت قتلته ظالما لقد جئت شيئا نكرا. و منها أنه أراد أنك أتيت أمرا بديعا غريبا فإنهم يقولون فيما يستغربونه و يجهلون علته أنه نكر و منكر و ليس يمكن أن يدفع خروج الكلام مخرج الاستفهام و التقرير دون القطع أ لا ترى إلى قوله أَ خَرَقْتَها لِتُغْرِقَ أَهْلَها و إلى قوله أَ قَتَلْتَ نَفْساً زَكِيَّةً بِغَيْرِ نَفْسٍ و معلوم أنه إن كان قصد بخرق السفينة إلى التغريق فقد أتى منكرا و كذلك إن كان قتل النفس على سبيل الظلم. فأما قوله لا تُؤاخِذْنِي بِما نَسِيتُ فقد ذكر فيه وجوه ثلاثة أحدها أنه أراد النسيان المعروف و ليس ذلك بعجب مع قصر المدة فإن الإنسان قد ينسى ما قرب زمانه لما يعرض له من شغل القلب و غير ذلك. و الوجه الثاني أنه أراد لا تؤاخذني بما تركت و يجري ذلك مجرى قوله تعالى وَ لَقَدْ عَهِدْنا إِلى آدَمَ مِنْ قَبْلُ فَنَسِيَ أي ترك و قد روي هذا الوجه عن ابن عباس عن أبي بن كعب
عن رسول الله ص قال قال موسى لا تُؤاخِذْنِي بِما نَسِيتُ يقول بما تركت من عهدك
و الوجه الثالث أنه أراد لا تؤاخذني بما فعلته مما يشبه النسيان فسماه نسيانا للمشابهة كما قال المؤذن لإخوة يوسف ع إِنَّكُمْ لَسارِقُونَ أي إنكم تشبهون السراق و كما يتأول الخبر الذي يرويه أبو هريرة عن النبي ص أنه قال كذب إبراهيم ثلاث كذبات في قوله سارة أختي و في قوله بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هذا و في قوله إِنِّي سَقِيمٌ و المراد بذلك إن كان هذا الخبر صحيحا أنه فعل ما ظاهره الكذب و إذا حملنا هذه اللفظة على غير النسيان الحقيقي فلا سؤال فيها و إذا حملناها على النسيان في الحقيقة كان الوجه فيها أن النبي إنما لا يجوز عليه النسيان فيما يؤديه أو في شرعه أو في أمر يقتضي التنفير عنه فأما فيما هو خارج عما ذكرناه فلا مانع من النسيان أ لا ترى أنه إذا نسي أو سها في مأكله أو مشربه على وجه لا يستمر و لا يتصل فينسب إلى أنه مغفل أن ذلك غير ممتنع. و أما وصف النفس بأنها زكية فقد قلنا إن ذلك خرج مخرج الاستفهام لا على سبيل الإخبار و إذا كان استفهاما فلا سؤال على هذا الموضع. و قد اختلف المفسرون في هذه النفس فقال أكثرهم إنه كان صبيا لم يبلغ الحلم و إن الخضر و موسى ع مرا بغلمان يلعبون فأخذ الخضر منهم غلاما فأضجعه و ذبحه بالسكين و من ذهب إلى هذا الوجه يجب أن يحمل قوله زكية على أنه من الزكاء الذي هو الزيادة و النماء لا من الطهارة في الدين من قولهم زكت الأرض يزكو إذا زاد ريعها و ذهب قوم إلى أنه كان رجلا بالغا كافرا و لم يكن يعلم موسى ع باستحقاقه للقتل فاستفهم عن حاله و من أجاب بهذا الجواب إذا سئل عن قوله تعالى حَتَّى إِذا لَقِيا غُلاماً يقول لا يمتنع تسمية الرجل بأنه غلام على مذهب العرب و إن كان بالغا. و أما قوله فَخَشِينا أَنْ يُرْهِقَهُما طُغْياناً وَ كُفْراً فالظاهر يشهد أن الخشية هي من العالم لا منه تعالى و الخشية هاهنا قيل إنها العلم كما قال الله تعالى وَ إِنِ امْرَأَةٌ خافَتْ مِنْ بَعْلِها نُشُوزاً أَوْ إِعْراضاً و قوله إِلَّا أَنْ يَخافا أَلَّا يُقِيما حُدُودَ اللَّهِ و قوله عز و جل وَ إِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً و كل ذلك بمعنى العلم و على هذا الوجه كان يقول إنني علمت بإعلام الله تعالى لي أن هذا الغلام متى بقي كفر أبواه و متى قتل بقيا على إيمانهما فصارت تبقيته مفسدة و وجب اخترامه و لا فرق بين أن يميته الله تعالى و بين أن يأمر بقتله و قد قيل إن الخشية هاهنا بمعنى الخوف الذي لا يكون معه يقين و لا قطع و هذا يطابق جواب من قال إن الغلام كان كافرا مستحقا للقتل بكفره و انضاف إلى استحقاقه ذلك بالكفر خشية إدخال أبويه في الكفر و تزيينه لهما و قال قوم إن الخشية هاهنا هي الكراهية يقول القائل فرقت بين الرجلين خشية أن يقتتلا أي كراهية لذلك و على هذا التأويل و الوجه الذي قلنا إنه بمعنى العلم لا يمتنع أن يضاف الخشية إلى الله تعالى. فإن قيل فما معنى قوله تعالى أَمَّا السَّفِينَةُ فَكانَتْ لِمَساكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ و السفينة البحرية تساوي المال الجزيل و كيف يسمى مالكها بأنه مسكين و المسكين عند قوم شر من الفقير و كيف قال وَ كانَ وَراءَهُمْ مَلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْباً و من كان وراءهم قد سلموا من شره و نجوا من مكروهه و إنما الحذر مما يستقبل. قلنا أما قوله لِمَساكِينَ ففيه غير وجه منها أنه لم يعن بوصفهم بالمسكنة الفقر و إنما أراد عدم الناصر و انقطاع الحيلة كما يقال لمن له عدو يظلمه و يتهضمه إنه مسكين و مستضعف و إن كان كثير المال واسع الحال و يجري هذا المجرى
ما روي عنه ع من قوله مسكين مسكين رجل لا زوجة له
و إنما أراد وصفه بالعجز و قلة الحيلة و إن كان ذا مال واسع. و وجه آخر و هو أن السفينة للبحري الذي لا يتعيش إلا بها و لا يقدر على التكسب إلا من جهتها كالدار التي يسكنها الفقير هو و عياله و لا يجد سواها فهو مضطر إليها و منقطع الحيلة إلا منها و إذا انضاف إلى ذلك أن يشاركه جماعة في السفينة حتى يكون له فيها الجزء اليسير كان أسوأ حالا و أظهر فقرا. و وجه آخر أن لفظة المساكين قد قرئت بتشديد السين و إذا صحت هذه الرواية فالمراد بها البخلاء و قد سقط السؤال. فأما قوله تعالى وَ كانَ وَراءَهُمْ مَلِكٌ فهذه اللفظة يعبر بها عن الأمام و الخلف معا فهي هاهنا بمعنى الأمام و يشهد بذلك قوله تعالى مِنْ وَرائِهِ جَهَنَّمُ يعني من قدامه و بين يديه و قال الشاعر
ليس على طول الحياة ندم. و من وراء المرء ما يعلم
و لا شبهة في أن المراد بجميع ذلك القدام و قال بعض أهل العربية إنما صلح أن يعبر بالوراء عن الأمام إذا كان الشيء المخبر عنه بالوراء يعلم أنه لا بد من بلوغه ثم سبقه و تخليفه. و وجه آخر أنه يجوز أن يريد أن ملكا ظالما كان خلفهم و في طريقهم عند رجوعهم على وجه لا انفكاك لهم منه و لا طريق لهم غير المرور به فخرق السفينة حتى لا يأخذها إذا عادوا عليه و يمكن أن يكون وراءهم على وجه الاتباع و الطلب و الله أعلم بمراده
53- مهج، ]مهج الدعوات[ روي أن الخضر و إلياس يجتمعان في كل موسم فيفترقان عن هذا الدعاء و هو بسم الله ما شاءَ اللَّهُ لا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ ما شاء الله كل نعمة فمن الله ما شاء الله الخير كله بيد الله عز و جل ما شاء الله لا يصرف السوء إلا الله
54- كا، ]الكافي[ علي بن إبراهيم عن محمد بن عيسى عن يونس عن رجل عن أبي عبد الله ع قال قال الخضر لموسى ع يا موسى إن أصلح يوميك الذي هو أمامك فانظر أي يوم هو و أعد له الجواب فإنك موقوف و مسئول و خذ موعظتك من الدهر فإن الدهر طويل قصير فاعمل كأنك ترى ثواب عملك ليكون أطمع لك في الأجر فإن ما هو آت من الدنيا كما قد ولى منها
بيان طويل أي دهر الموعظة و هو ما مضى من الدهور أو العمر من جهة الموعظة قصير أي دهر العمل أو من جهته و قوله فإن ما هو آت لعله تعليل لرؤية ثواب العمل و تعجيل حلول أوانه. أقول سيأتي في أبواب وفاة الرسول و وفاة أمير المؤمنين ص مجيء الخضر لتعزية أهل البيت ع و في أبواب أحوال أمير المؤمنين ع أيضا مجيؤه إليه ع. و أقول وجدت في كتاب مزار لبعض قدماء أصحابنا أنه روي عن علي بن إبراهيم عن أبيه قال حججت إلى بيت الله الحرام فوردنا عند نزولنا الكوفة فدخلنا مسجد السهلة فإذا نحن بشخص راكع ساجد فلما فرغ دعا بهذا الدعاء أنت الله لا إله إلا أنت إلى آخر الدعاء ثم نهض إلى زاوية المسجد فوقف هناك و صلى ركعتين و نحن معه فلما انفتل من الصلاة سبح ثم دعا فقال اللهم إلى آخر الدعاء ثم نهض فسألناه عن المكان فقال إن هذا الموضع بيت إبراهيم الخليل الذي كان يخرج منه إلى العمالقة ثم مضى إلى الزاوية الغربية فصلى ركعتين ثم رفع يديه و قال اللهم إلى آخر الدعاء ثم قام و مضى إلى الزاوية الشرقية فصلى ركعتين ثم بسط كفيه و قال اللهم إلى آخر الدعاء و عفر خديه على الأرض و قام فخرج فسألناه بم يعرف هذا المكان فقال إنه مقام الصالحين و الأنبياء و المرسلين قال فاتبعناه و إذا به قد دخل إلى مسجد صغير بين يدي السهلة فصلى فيه ركعتين بسكينة و وقار كما صلى أول مرة ثم بسط كفيه و قال إلهي إلى آخر الدعاء ثم بكى و عفر خديه و قال ارحم من أساء و اقترف و استكان و اعترف ثم قلب خده الأيسر و دعا ثم خرج فاتبعته و قلت له يا سيدي بم يعرف هذا المسجد فقال إنه مسجد زيد بن صوحان صاحب علي بن أبي طالب ع ثم غاب عنا و لم نره فقال لي صاحبي إنه الخضر ع
55- و روى الديلمي في كتاب أعلام الدين عن أبي أمامة أن رسول الله ص قال ذات يوم لأصحابه أ لا أحدثكم عن الخضر قالوا بلى يا رسول الله قال بينا هو يمشي في سوق من أسواق بني إسرائيل إذ بصر به مسكين فقال تصدق علي بارك الله فيك قال الخضر آمنت بالله ما يقضي الله يكون ما عندي من شيء أعطيكه قال المسكين بوجه الله لما تصدقت علي إني رأيت الخير في وجهك و رجوت الخير عندك قال الخضر آمنت بالله إنك سألتني بأمر عظيم ما عندي من شيء أعطيكه إلا أن تأخذني فتبيعني قال المسكين و هل يستقيم هذا قال الحق أقول لك إنك سألتني بأمر عظيم سألتني بوجه ربي عز و جل أما إني لا أخيبك في مسألتي بوجه ربي فبعني فقدمه إلى السوق فباعه بأربعمائة درهم فمكث عند المشتري زمانا لا يستعمله في شيء فقال الخضر ع إنما ابتعتني التماس خدمتي فمرني بعمل قال إني أكره أن أشق عليك إنك شيخ كبير قال لست تشق علي قال فقم فانقل هذه الحجارة قال و كان لا ينقلها دون ستة نفر في يوم فقام فنقل الحجارة في ساعته فقال له أحسنت و أجملت و أطقت ما لم يطقه أحد قال ثم عرض للرجل سفر فقال إني أحسبك أمينا فاخلفني في أهلي خلافة حسنة و إني أكره أن أشق عليك قال لست تشق علي قال فاضرب من اللبن شيئا حتى أرجع إليك قال فخرج الرجل لسفره و رجع و قد شيد بناءه فقال له الرجل أسألك بوجه الله ما حسبك و ما أمرك قال إنك سألتني بأمر عظيم بوجه الله عز و جل و وجه الله عز و جل أوقعني في العبودية و سأخبرك من أنا أنا الخضر الذي سمعت به سألني مسكين صدقة و لم يكن عندي شيء أعطيه فسألني بوجه الله عز و جل فأمكنته من رقبتي فباعني فأخبرك أنه من سأل بوجه الله عز و جل فرد سائله و هو قادر على ذلك وقف يوم القيامة ليس لوجهه جلد و لا لحم و لا دم إلا عظم يتقعقع قال الرجل شققت عليك و لم أعرفك قال لا بأس أبقيت و أحسنت قال بأبي أنت و أمي احكم في أهلي و مالي بما أراك الله عز و جل أم أخيرك فأخلي سبيلك قال أحب إلي أن تخلي سبيلي فأعبد الله على سبيله فقال الخضر ع الحمد لله الذي أوقعني في العبودية فأنجاني منها