الآيات البقرة وَ قُلْنا يا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَ زَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَ كُلا مِنْها رَغَداً حَيْثُ شِئْتُما وَ لا تَقْرَبا هذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونا مِنَ الظَّالِمِينَ فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطانُ عَنْها فَأَخْرَجَهُما مِمَّا كانا فِيهِ وَ قُلْنَا اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَ لَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَ مَتاعٌ إِلى حِينٍ فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِماتٍ فَتابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ قُلْنَا اهْبِطُوا مِنْها جَمِيعاً فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدىً فَمَنْ تَبِعَ هُدايَ فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَ لا هُمْ يَحْزَنُونَ الأعراف وَ يا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَ زَوْجُكَ الْجَنَّةَ فَكُلا مِنْ حَيْثُ شِئْتُما وَ لا تَقْرَبا هذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونا مِنَ الظَّالِمِينَ فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطانُ لِيُبْدِيَ لَهُما ما وُورِيَ عَنْهُما مِنْ سَوْآتِهِما وَ قالَ ما نَهاكُما رَبُّكُما عَنْ هذِهِ الشَّجَرَةِ إِلَّا أَنْ تَكُونا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونا مِنَ الْخالِدِينَ وَ قاسَمَهُما إِنِّي لَكُما لَمِنَ النَّاصِحِينَ فَدَلَّاهُما بِغُرُورٍ فَلَمَّا ذاقَا الشَّجَرَةَ بَدَتْ لَهُما سَوْآتُهُما وَ طَفِقا يَخْصِفانِ عَلَيْهِما مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ وَ ناداهُما رَبُّهُما أَ لَمْ أَنْهَكُما عَنْ تِلْكُمَا الشَّجَرَةِ وَ أَقُلْ لَكُما إِنَّ الشَّيْطانَ لَكُما عَدُوٌّ مُبِينٌ قالا رَبَّنا ظَلَمْنا أَنْفُسَنا وَ إِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنا وَ تَرْحَمْنا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخاسِرِينَ قالَ اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَ لَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَ مَتاعٌ إِلى حِينٍ قالَ فِيها تَحْيَوْنَ وَ فِيها تَمُوتُونَ وَ مِنْها تُخْرَجُونَ و قال تعالى يا بَنِي آدَمَ لا يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطانُ كَما أَخْرَجَ أَبَوَيْكُمْ مِنَ الْجَنَّةِ يَنْزِعُ عَنْهُما لِباسَهُما لِيُرِيَهُما سَوْآتِهِما طه وَ لَقَدْ عَهِدْنا إِلى آدَمَ مِنْ قَبْلُ فَنَسِيَ وَ لَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْماً وَ إِذْ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ أَبى فَقُلْنا يا آدَمُ إِنَّ هذا عَدُوٌّ لَكَ وَ لِزَوْجِكَ فَلا يُخْرِجَنَّكُما مِنَ الْجَنَّةِ فَتَشْقى إِنَّ لَكَ أَلَّا تَجُوعَ فِيها وَ لا تَعْرى وَ أَنَّكَ لا تَظْمَؤُا فِيها وَ لا تَضْحى فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ الشَّيْطانُ قالَ يا آدَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلى شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَ مُلْكٍ لا يَبْلى فَأَكَلا مِنْها فَبَدَتْ لَهُما سَوْآتُهُما وَ طَفِقا يَخْصِفانِ عَلَيْهِما مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ وَ عَصى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوى ثُمَّ اجْتَباهُ رَبُّهُ فَتابَ عَلَيْهِ وَ هَدى قالَ اهْبِطا مِنْها جَمِيعاً بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدىً فَمَنِ اتَّبَعَ هُدايَ فَلا يَضِلُّ وَ لا يَشْقى وَ مَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً تفسير قال الطبرسي رحمه الله اسْكُنْ أَنْتَ وَ زَوْجُكَ الْجَنَّةَ أي اتخذاها مسكنا و روي عن ابن عباس و ابن مسعود أنه لما أخرج إبليس من الجنة و لعن بقي آدم وحده فاستوحش إذ ليس معه من يسكن إليه فخلقت حواء ليسكن إليها و روي أن الله تعالى ألقى على آدم النوم و أخذ منه ضلعا فخلق منه حواء فاستيقظ آدم فإذا عند رأسه امرأة فسألها من أنت قالت امرأة قال لم خلقت قال لتسكن إلي فقالت الملائكة ما اسمها يا آدم فقال حواء قالوا و لم سميت حواء قال لأنها خلقت من حي فعندها قال الله اسْكُنْ أَنْتَ وَ زَوْجُكَ الْجَنَّةَ و قيل إنها خلقت قبل أن يسكن آدم الجنة ثم أدخلا معا الجنة. و في كتاب النبوة أن الله تعالى خلق آدم من الطين و خلق حواء من آدم فهمة الرجال الماء و الطين و همة النساء الرجال. قال أهل التحقيق ليس يمتنع أن يخلق الله حواء من جملة جسد آدم بعد أن لا يكون مما لا يتم الحي حيا إلا معه لأن ما هذه صفته لا يجوز أن ينقل إلى غيره أو يخلق منه حي آخر من حيث يؤدي إلى أن لا يمكن إيصال الثواب إلى مستحقه رَغَداً أي كثيرا واسعا لا عناء فيه وَ لا تَقْرَبا هذِهِ الشَّجَرَةَ أي لا تأكلا منها و هو المروي عن الباقر ع و كان هذا نهي تنزيه فَتَكُونا مِنَ الظَّالِمِينَ يجوز أن يقال لمن يبخس نفسه الثواب إنه ظالم لنفسه فَأَزَلَّهُمَا أي حملهما على الزلة عَنْها أي عن الجنة فَأَخْرَجَهُما مِمَّا كانا فِيهِ من النعمة و الدعة أو من الجنة أو من الطاعة و إنما
أخرج من الجنة لا على وجه العقوبة بل لأن المصلحة قد تغيرت بتناوله من الشجرة فاقتضت الحكمة إهباطه إلى الأرض و ابتلاءه و التكليف بالمشقة و سلبه ما ألبسه من ثياب الجنة لأن إنعامه بذلك كان على وجه التفضل و الامتنان فله أن يمنع ذلك تشديدا للبلوى و الامتحان كما له أن يفقر بعد الإغناء و يميت بعد الإحياء و يسقم بعد الصحة وَ قُلْنَا اهْبِطُوا الخطاب لآدم و حواء و إبليس و إن كان إبليس قد أخرج قبل ذلك لأنهم قد اجتمعوا في الهبوط و إن كانت أوقاتهم متفرقة و قيل أراد آدم و حواء و الحية و قيل أراد آدم و حواء و ذريتهما و قيل خاطب الاثنين خطاب الجمع بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ يعني آدم و ذريته و إبليس و ذريته مُسْتَقَرٌّ أي مقر و مقام و ثبوت وَ مَتاعٌ أي استمتاع إِلى حِينٍ أي إلى الموت أو إلى القيامة فَتَلَقَّى أي قبل و أخذ مِنْ رَبِّهِ كَلِماتٍ و أغنى قوله فَتَلَقَّى عن أن يقول فرغب إلى الله بهن أو سأله بحقهن لأن التلقي يفيد ذلك و اختلف في الكلمات فقيل هي قوله رَبَّنا ظَلَمْنا أَنْفُسَنا الآية و قيل هي قوله اللهم لا إله إلا أنت سبحانك و بحمدك رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي إنك خير الغافرين اللهم لا إله إلا أنت سبحانك و بحمدك رب إني ظلمت نفسي فتب علي إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ و هو المروي عن الباقر ع و قيل بل هي سبحان الله و الحمد لله و لا إله إلا الله و الله أكبر و قيل و هي رواية تختص بأهل البيت ع إن آدم رأى مكتوبا على العرش أسماء مكرمة معظمة فسأل عنها فقيل له هذه أسماء أجلة الخلق عند الله منزلة و الأسماء محمد و علي و فاطمة و الحسن و الحسين ع فتوسل آدم إلى ربه بهم في قبول توبته و رفع منزلته فَتابَ عَلَيْهِ أي تاب آدم فتاب الله عليه أي قبل توبته و قيل أي وفقه للتوبة و هداه إليها إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ أي كثير القبول للتوبة و إنما قال فَتابَ عَلَيْهِ و لم يقل عليهما لأنه اختصر و حذف للإيجاز و التغليب و قال الحسن لم يخلق الله آدم إلا للأرض و لو لم يعص لأخرجه إلى الأرض على غير تلك الحال و قال غيره يجوز أن يكون خلقه للأرض إن عصى و لغيرها إن لم يعص و هو الأقوى قُلْنَا اهْبِطُوا قيل الهبوط الأول من الجنة إلى السماء و هذا من السماء إلى الأرض و قيل إنما كرر للتأكيد و قيل لاختلاف الحالين فقد بين بالأول أن الإهباط أنما كان حال عداوة بعضهم لبعض و بهذا أن الإهباط للابتلاء و التكليف فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدىً أي بيان و دلالة و قيل أنبياء و رسل و على الأخير يكون الخطاب في اهبطوا لآدم و حواء و ذريتهما فَمَنْ تَبِعَ هُدايَ أي اقتدى برسلي فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ في القيامة من العقاب وَ لا هُمْ يَحْزَنُونَ على فوات الثواب. لِيُبْدِيَ لَهُما قال البيضاوي أي ليظهر لهما و اللام للعاقبة أو للغرض على أنه أراد أيضا بوسوسته أن يسوأهما بانكشاف عورتهما و لذلك عبر عنها بالسوءة ما وُورِيَ عَنْهُما مِنْ سَوْآتِهِما أي ما غطي عنهما من عوراتهما و كانا لا يريانها من أنفسهما و لا أحدهما من الآخر إِلَّا أَنْ تَكُونا إلا كراهة أن تكونا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونا مِنَ الْخالِدِينَ الذين لا يموتون أو يخلدون في الجنة و استدل به على فضل الملائكة على الأنبياء و جوابه أنه كان من المعلوم أن الحقائق لا تنقلب و إنما كان رغبتهما في أن يحصل لهما أيضا ما للملائكة من الكمالات الفطرية و الاستغناء عن الأطعمة و الأشربة و ذلك لا يدل على فضلهم مطلقا وَ قاسَمَهُما أي أقسم لهما و أخرجه على زنة المفاعلة للمبالغة و قيل أقسم لهما بالقبول و قيل أقسما عليه بالله إنه لَمِنَ النَّاصِحِينَ و أقسم لهما فجعل ذلك مقاسمة فَدَلَّاهُما فنزلهما إلى الأكل من الشجرة نبه به على أنه أهبطهما بذلك من درجة عالية إلى رتبة سافلة فإن التدلية و الإدلاء إرسال الشيء من أعلى إلى أسفل بِغُرُورٍ بما غرهما به من القسم فإنهما ظنا أن أحدا لا يحلف بالله كاذبا أو متلبسين بغرور. فَلَمَّا ذاقَا الشَّجَرَةَ قال الطبرسي أي ابتدءا بالأكل و نالا منها شيئا يسيرا على خوف شديد بَدَتْ لَهُما سَوْآتُهُما قال الكلبي فلما أكلا منها تهافت لباسهما عنهما فأبصر كل منهما سوءة صاحبه فاستحيا وَ طَفِقا يَخْصِفانِ عَلَيْهِما مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ أي أخذا
يجعلان ورقة على ورقة ليسترا سوآتهما و قيل جعلا يرقعان و يصلان عليهما من ورق الجنة و هو ورق التين حتى صار كهيئة الثوب و الخصف أصله الضم و الجمع و منه خصف النعل ظَلَمْنا أَنْفُسَنا أي بخسناها الثواب بترك المندوب إليه و قيل ظلمنا أنفسنا بالنزول إلى الأرض و مفارقة العيش الرغد وَ إِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنا أي و إن تستر علينا وَ تَرْحَمْنا أي و لم تتفضل علينا بنعمتك التي تتم بها ما فوتناه نفوسنا من الثواب لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخاسِرِينَ أي ممن خسر و لم يربح. كَما أَخْرَجَ أَبَوَيْكُمْ نسب الإخراج إليه لما كان بإغوائه لِباسَهُما قيل كان لباسهما الظفر عن ابن عباس أي كان شبه الظفر و على خلقته و قيل كان نورا عن وهب. وَ لَقَدْ عَهِدْنا إِلى آدَمَ مِنْ قَبْلُ أي أمرناه و أوصينا إليه أن لا يقرب الشجرة فَنَسِيَ أي فترك الأمر وَ لَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْماً ثابتا و قيل فنسي من النسيان وَ لَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْماً على الذنب لأنه لم يتعمد فَتَشْقى أي فتقع في تعب العمل و كد الاكتساب و النفقة على زوجتك و لذلك قال فَتَشْقى و لم يقل فتشقيا و قيل لأن أمرهما في السبب واحد فاستوى حكمهما و قيل ليستقيم رءوس الآي قال ابن جبير أهبط على آدم ثور أحمر فكان يحرث عليه و يرشح العرق عن جبينه فذلك هو الشقاوة إِنَّ لَكَ أَلَّا تَجُوعَ فِيها وَ لا تَعْرى أي في الجنة لسعة طعامها و ثيابها وَ أَنَّكَ لا تَظْمَؤُا فِيها وَ لا تَضْحى أي لا تعطش و لا يصيبك حر الشمس فإنه ليس في الجنة شمس و إنما فيها ضياء و نور و ظل ممدود عَلى شَجَرَةِ الْخُلْدِ أي من أكل منها لم يمت وَ مُلْكٍ لا يَبْلى جديد لا ينفى وَ عَصى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوى أي خالف ما أمره به ربه فخاب من ثوابه ثُمَّ اجْتَباهُ رَبُّهُ أي اختاره للرسالة فَتابَ عَلَيْهِ وَ هَدى أي قبل توبته و هداه إلى ذكره أو إلى الكلمات التي تلقاها منه قالَ اهْبِطا يعني آدم و حواء فَلا يَضِلُّ أي في الدنيا وَ لا يَشْقى أي في الآخرة
فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً أي عيشا ضيقا في الدنيا أو هو عذاب القبر أو طعام الضريع و الزقوم في جهنم
1- فس، ]تفسير القمي[ أحمد بن إدريس عن أحمد بن محمد عن ابن أبي عمير عن بعض أصحابه عن أبي عبد الله ع في قول الله فَبَدَتْ لَهُما سَوْآتُهُما قال كانت سوآتهما لا تبدو لهما فبدت يعني كانت من داخل
2- فس، ]تفسير القمي[ اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ يعني آدم و إبليس إِلى حِينٍ يعني إلى القيامة
3- فس، ]تفسير القمي[ فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً أي ضيقة
4- ع، ]علل الشرائع[ لي، ]الأمالي للصدوق[ ماجيلويه عن عمه عن البرقي عن علي بن الحسين البرقي عن عبد الله بن جبلة عن معاوية بن عمار عن الحسن بن عبد الله عن أبيه عن جده الحسن بن علي بن أبي طالب ع قال جاء نفر من اليهود إلى رسول الله ص فسألوه عن مسائل فكان فيما سألوه أخبرني عن الله لأي شيء وقت هذه الصلوات الخمس في خمس مواقيت على أمتك في ساعات الليل و النهار فأجاب ع إلى أن قال و أما صلاة العصر فهي الساعة التي أكل فيها آدم من الشجرة فأخرجه الله من الجنة فأمر الله ذريته بهذه الصلاة إلى يوم القيامة و اختارها لأمتي فهي من أحب الصلوات إلى الله عز و جل و أوصاني أن أحفظها من بين الصلوات و أما صلاة المغرب فهي الساعة التي تاب الله فيها على آدم و كان بين ما أكل من الشجرة و بين ما تاب الله عليه ثلاثمائة سنة من أيام الدنيا و في أيام الآخرة يوم كألف سنة من وقت صلاة العصر إلى العشاء فصلى آدم ثلاث ركعات ركعة لخطيئته ركعة لخطيئة حواء و ركعة لتوبته فافترض الله عز و جل هذه الثلاث الركعات على أمتي ثم قال فأخبرني لأي شيء توضأ هذه الجوارح الأربع و هي أنظف المواضع في الجسد قال النبي ص لما أن وسوس الشيطان إلى آدم و دنا آدم من الشجرة و نظر إليها ذهب ماء وجهه ثم قام و هو أول قدم مشت إلى الخطيئة ثم تناول بيده ثم مسها فأكل منها فطار الحلي و الحلل عن جسده ثم وضع يده على أم رأسه و بكى فلما تاب الله عز و جل عليه فرض الله عز و جل عليه و على ذريته الوضوء على هذه الجوارح الأربع و أمره أن يغسل الوجه لما نظر إلى الشجرة و أمره بغسل الساعدين إلى المرفقين لما تناول منها و أمره بمسح الرأس لما وضع يده على رأسه و أمره بمسح القدمين لما مشى إلى الخطيئة ثم قال أخبرني لأي شيء فرض الله عز و جل الصوم على أمتك بالنهار ثلاثين يوما و فرض على الأمم أكثر من ذلك قال النبي ص إن آدم لما أكل من الشجرة بقي في بطنه ثلاثين يوما و فرض الله على ذريته ثلاثين يوما الجوع و العطش و الذي يأكلونه تفضل من الله عز و جل عليهم و كذلك كان على آدم ففرض الله عز و جل على أمتي ذلك ثم تلا رسول الله ص هذه الآية كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيامُ كَما كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ أَيَّاماً مَعْدُوداتٍ
5- فس، ]تفسير القمي[ أبي رفعه قال سئل الصادق ع عن جنة آدم أ من جنان الدنيا كانت أم من جنان الآخرة فقال كانت من جنان الدنيا تطلع فيها الشمس و القمر و لو كانت من جنان الآخرة ما خرج منها أبدا قال فلما أسكنه الله الجنة أتى جهالة إلى الشجرة لأنه خلق خلقه لا تبقى إلا بالأمر و النهي و الغذاء و اللباس و الأكنان و التناكح و لا يدرك ما ينفعه مما يضره إلا بالتوقيف فجاءه إبليس فقال له إنكما إن أكلتما من هذه الشجرة التي نهاكما الله عنها صرتما ملكين و بقيتما في الجنة أبدا و إن لم تأكلا منها أخرجكما الله من الجنة و حلف لهما أنه لهما ناصح كما قال الله تعالى حكاية عنه ما نَهاكُما رَبُّكُما عَنْ هذِهِ الشَّجَرَةِ إِلَّا أَنْ تَكُونا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونا مِنَ الْخالِدِينَ وَ قاسَمَهُما إِنِّي لَكُما لَمِنَ النَّاصِحِينَ فقبل آدم قوله فأكلا من الشجرة و كان كما حكى الله بَدَتْ لَهُما سَوْآتُهُما و سقط عنهما ما ألبسهما الله تعالى من لباس الجنة و أقبلا يستتران من ورق الجنة وَ ناداهُما رَبُّهُما أَ لَمْ أَنْهَكُما عَنْ تِلْكُمَا الشَّجَرَةِ وَ أَقُلْ لَكُما إِنَّ الشَّيْطانَ لَكُما عَدُوٌّ مُبِينٌ فقالا كما حكى الله عز و جل عنهما رَبَّنا ظَلَمْنا أَنْفُسَنا وَ إِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنا وَ تَرْحَمْنا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخاسِرِينَ فقال الله لهما اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَ لَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَ مَتاعٌ إِلى حِينٍ قال إلى يوم القيامة قوله فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطانُ عَنْها فَأَخْرَجَهُما مِمَّا كانا فِيهِ وَ قُلْنَا اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَ لَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَ مَتاعٌ إِلى حِينٍ قال فهبط آدم على الصفا و إنما سميت الصفا لأن صفوة الله نزل عليها و نزلت حواء على المروة و إنما سميت المروة لأن المرأة نزلت عليها فبقي آدم أربعين صباحا ساجدا يبكي على الجنة فنزل عليه جبرءيل ع فقال يا آدم أ لم يخلقك الله بيده و نفخ فيك من روحه و أسجد لك ملائكته قال بلى قال و أمرك أن لا تأكل من الشجرة فلم عصيته قال يا جبرءيل إن إبليس حلف لي بالله أنه لي ناصح و ما ظننت أن خلقا يخلقه الله يحلف بالله كاذبا
بيان قوله ع لأنه خلق إما تعليل لأنه وكله الله تعالى إلى نفسه حتى قصد الشجرة أي كان خلق للدنيا لا للجنة أو لقبول وسوسة الشيطان أو للمرور جهالة إلى الشجرة حتى وسوس إليه الشيطان. قوله تعالى إِلَّا أَنْ تَكُونا مَلَكَيْنِ قال الشيخ الطبرسي و المعنى أنه أوهمهما أنهما إذا أكلا من هذه الشجرة تغيرت صورتهما إلى صورة الملك و إن الله تعالى قد حكم بذلك و بأن لا تبيد حياتهما إذا أكلا منها و روي عن يحيى بن أبي كثير أنه قرأ ملكين بكسر اللام قال الزجاج قوله هَلْ أَدُلُّكَ عَلى شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَ مُلْكٍ لا يَبْلى يدل على ملكين و أحسبه قد قرئ به و يحتمل أن يكون المراد بقوله إِلَّا أَنْ تَكُونا مَلَكَيْنِ أنه أوهمهما أن المنهي عن تناول الشجرة الملائكة خاصة و الخالدين دونهما فتكون كما يقول أحدنا لغيره ما نهيت عن كذا إلا أن تكون فلانا و إنما يريد أن المنهي أنما هو فلان دونك ذكره المرتضى قدس الله سره و روحه انتهى و الخبر يؤيد الأول
6- فس، ]تفسير القمي[ أبي عن ابن أبي عمير عن ابن مسكان عن أبي عبد الله ع قال إن موسى سأل ربه أن يجمع بينه و بين آدم ع فجمع فقال له موسى يا أبة أ لم يخلقك الله بيده و نفخ فيك من روحه و أسجد لك ملائكته و أمرك أن لا تأكل من الشجرة فلم عصيته قال يا موسى بكم وجدت خطيئتي قبل خلقي في التوراة قال بثلاثين سنة قال فهو ذلك قال الصادق ع فحج آدم موسى ع
بيان وجدان الخطيئة قبل الخلق إما في عالم الأرواح بأن يكون روح موسى ع اطلع على ذلك في اللوح أو المراد أنه وجد في التوراة أن تقدير خطيئة آدم ع كان قبل خلقه بثلاثين سنة و يدل على الأخير ما سيأتي في خبر مسعدة و قوله ع فحج أي غلب عليه في الحجة و هذا يرجع إلى القضاء و القدر و قد مر تحقيقهما
7- فس، ]تفسير القمي[ روي عن أبي عبد الله ع قال لما أخرج آدم من الجنة نزل عليه جبرءيل ع فقال يا آدم أ ليس الله خلقك بيده و نفخ فيك من روحه و أسجد لك ملائكته و زوجك حواء أمته و أسكنك الجنة و أباحها لك و نهاك مشافهة أن لا تأكل من هذه الشجرة فأكلت منها و عصيت الله فقال آدم ع يا جبرءيل إن إبليس حلف لي بالله أنه لي ناصح فما ظننت أن أحدا من خلق الله يحلف بالله كاذبا
-8 ن، ]عيون أخبار الرضا عليه السلام[ تميم القرشي عن أبيه عن حمدان بن سليمان عن علي بن محمد بن الجهم قال حضرت مجلس المأمون و عنده الرضا علي بن موسى ع فقال له المأمون يا ابن رسول الله أ ليس من قولك إن الأنبياء معصومون قال بلى قال فما معنى قول الله عز و جل وَ عَصى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوى فقال ع إن الله تبارك و تعالى قال لآدم ع اسْكُنْ أَنْتَ وَ زَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَ كُلا مِنْها رَغَداً حَيْثُ شِئْتُما وَ لا تَقْرَبا هذِهِ الشَّجَرَةَ و أشار لهما إلى شجرة الحنطة فَتَكُونا مِنَ الظَّالِمِينَ و لم يقل لهما لا تأكلا من هذه الشجرة و لا مما كان من جنسها فلم يقربا تلك الشجرة و إنما أكلا من غيرها لما أن وسوس الشيطان إليهما وَ قالَ ما نَهاكُما رَبُّكُما عَنْ هذِهِ الشَّجَرَةِ و إنما نهاكما أن تقربا غيرها و لم ينهكما عن الأكل منها إِلَّا أَنْ تَكُونا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونا مِنَ الْخالِدِينَ وَ قاسَمَهُما إِنِّي لَكُما لَمِنَ النَّاصِحِينَ و لم يكن آدم و حواء شاهدا قبل ذلك من يحلف بالله كاذبا فَدَلَّاهُما بِغُرُورٍ فأكلا منها ثقة بيمينه بالله و كان ذلك من آدم قبل النبوة و لم يكن ذلك بذنب كبير أستحق به دخول النار و إنما كان من الصغائر الموهوبة التي تجوز على الأنبياء قبل نزول الوحي عليهم فلما اجتباه الله تعالى و جعله نبيا كان معصوما لا يذنب صغيرة و لا كبيرة قال الله عز و جل وَ عَصى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوى ثُمَّ اجْتَباهُ رَبُّهُ فَتابَ عَلَيْهِ وَ هَدى و قال الله عز و جل إِنَّ اللَّهَ اصْطَفى آدَمَ وَ نُوحاً وَ آلَ إِبْراهِيمَ وَ آلَ عِمْرانَ عَلَى الْعالَمِينَ
9- مع، ]معاني الأخبار[ ن، ]عيون أخبار الرضا عليه السلام[ ابن عبدوس عن ابن قتيبة عن حمدان بن سليمان عن الهروي قال قلت للرضا ع يا ابن رسول الله أخبرني عن الشجرة التي أكل منها آدم و حواء ما كانت فقد اختلف الناس فيها فمنهم من يروي أنها الحنطة و منهم من يروي أنها العنب و منهم من يروي أنها شجرة الحسد فقال كل ذلك حق قلت فما معنى هذه الوجوه على اختلافها فقال يا أبا الصلت إن شجر الجنة تحمل أنواعا فكانت شجرة الحنطة و فيها عنب و ليست كشجر الدنيا و إن آدم ع لما أكرمه الله تعالى ذكره بإسجاد ملائكته له و بإدخاله الجنة قال في نفسه هل خلق الله بشرا أفضل مني فعلم الله عز و جل ما وقع في نفسه فناداه ارفع رأسك يا آدم فانظر إلى ساق عرشي فرفع آدم رأسه فنظر إلى ساق العرش فوجد عليه مكتوبا لا إله إلا الله محمد رسول الله علي بن أبي طالب أمير المؤمنين و زوجه فاطمة سيدة نساء العالمين و الحسن و الحسين سيدا شباب أهل الجنة فقال آدم ع يا رب من هؤلاء فقال عز و جل من ذريتك و هم خير منك و من جميع خلقي و لولاهم ما خلقتك و لا خلقت الجنة و النار و لا السماء و الأرض فإياك أن تنظر إليهم بعين الحسد فأخرجك عن جواري فنظر إليهم بعين الحسد و تمنى منزلتهم فتسلط الشيطان عليه حتى أكل من الشجرة التي نهي عنها و تسلط على حواء لنظرها إلى فاطمة ع بعين الحسد حتى أكلت من الشجرة كما أكل آدم فأخرجهما الله عز و جل عن جنته و أهبطهما عن جواره إلى الأرض
ص، ]قصص الأنبياء عليهم السلام[ بالإسناد إلى الصدوق عن ابن عبدوس إلى قوله و ليست كشجر الدنيا
بيان اعلم أنهم اختلفوا في الشجرة المنهية فقيل كانت السنبلة رووه عن ابن عباس و يدل عليه ما سيأتي و رواية ابن الجهم و قيل هي الكرمة رووه عن ابن مسعود و السدي و سيأتي ما يدل عليه و قيل هي شجرة الكافور و قال الشيخ في التبيان روي عن علي ع أنه قال شجرة الكافور و قيل هي التينة و قيل شجرة العلم علم الخير و الشر و قيل هي شجرة الخلد التي كانت تأكل منها الملائكة و هذه الرواية تجمع بين الروايات و أكثر الأقوال و سيأتي خبر آخر هو أجمع و أصرح في الجمع و المراد بالحسد الغبطة التي لم تكن تنبغي له ع و يؤيده قوله ع و تمنى منزلتهم
10- ع، ]علل الشرائع[ أبي عن سعد عن عبد الله بن محمد عن أبيه عن أحمد بن النضر عن عمر بن مصعب عن فرات بن أحنف عن أبي جعفر الباقر ع قال لو لا أن آدم أذنب ما أذنب مؤمن أبدا و لو لا أن الله عز و جل تاب على آدم ما تاب على مذنب أبدا
-11 ع، ]علل الشرائع[ ابن المتوكل عن السعدآبادي عن البرقي عن فضالة عن الحسين بن أبي العلاء عن أبي عبد الله ع قال لما هبط آدم من الجنة ظهرت فيه شامة سوداء في وجهه من قرنه إلى قدمه فطال حزنه و بكاؤه على ما ظهر به فأتاه جبرءيل ع فقال له ما يبكيك يا آدم قال لهذه الشامة التي ظهرت بي قال قم فصل فهذا وقت الأولى فقام فصلى فانحطت الشامة إلى صدره فجاءه في الصلاة الثانية فقال يا آدم قم فصل فهذه وقت الصلاة الثانية فقام فصلى فانحطت الشامة إلى سرته فجاء في الصلاة الثالثة فقال يا آدم قم فصل فهذه وقت الصلاة الثالثة فقام فصلى فانحطت الشامة إلى ركبتيه فجاءه في الصلاة الرابعة فقال يا آدم قم فصل فهذه وقت الصلاة الرابعة فقام فصلى فانحطت الشامة إلى رجليه فجاءه في الصلاة الخامسة فقال يا آدم قم فصل فهذا وقت الصلاة الخامسة فقام فصلى فخرج منها فحمد الله و أثنى عليه فقال جبرءيل يا آدم مثل ولدك في هذه الصلوات كمثلك في هذه الشامة من صلى من ولدك في كل يوم و ليلة خمس صلوات خرج من ذنوبه كما خرجت من هذه الشامة
12- ع، ]علل الشرائع[ أبي عن سعد عن البرقي عن أبيه عن محمد بن سنان عن إسماعيل بن جابر و عبد الكريم بن عمرو عن عبد الحميد بن أبي الديلم عن أبي عبد الله ع قال سمي الأبطح أبطح لأن آدم أمر أن ينبطح في بطحاء جمع فتبطح حتى انفجر الصبح ثم أمر أن يصعد جبل جمع و أمر إذا طلعت الشمس أن يعترف بذنبه ففعل ذلك آدم فأرسل الله عز و جل نارا من السماء فقبضت قربان آدم صلى الله عليه
13- ع، ]علل الشرائع[ ن، ]عيون أخبار الرضا عليه السلام[ سأل الشامي أمير المؤمنين ع لم صار الميراث للذكر مثل حظ الأنثيين قال من قبل السنبلة كان عليها ثلاث حبات فبادرت إليها حواء فأكلت منها حبة و أطعمت آدم حبتين فمن أجل ذلك ورث الذكر مثل حظ الأنثيين
14- ع، ]علل الشرائع[ الدقاق عن الأسدي عن النخعي عن النوفلي عن علي بن سالم عن أبيه قال سألت أبا عبد الله ع كيف صار الميراث لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ فقال لأن الحبات التي أكلها آدم و حواء في الجنة كانت ثمانية عشر أكل آدم منها اثنتي عشرة حبة و أكلت حواء ستا فلذلك صار الميراث لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ
بيان يمكن الجمع بينه و بين ما سبق بحمل ما تقدم على أول سنبلة أخذاه ثم أخذا كذلك حتى صارت ثمانية عشر أو المراد أنها كانت على كل شعبة منها ثلاث حبات و كانت الشعب ستة
15- ع، ]علل الشرائع[ أبي عن علي بن سليمان الرازي عن ابن أبي الخطاب عن محمد بن سنان عن إسماعيل بن جابر و عبد الكريم بن عمرو عن عبد الحميد بن أبي الديلم عن أبي عبد الله ع قال إن الله تبارك و تعالى لما أراد أن يتوب على آدم ع أرسل إليه جبرءيل فقال له السلام عليك يا آدم الصابر على بليته التائب عن خطيئته إن الله تبارك و تعالى بعثني إليك لأعلمك المناسك التي يريد أن يتوب عليك بها و أخذ جبرءيل بيده و انطلق به حتى أتى البيت فنزل عليه غمامة من السماء فقال له جبرءيل ع خط برجلك حيث أظلك هذا الغمام ثم انطلق به حتى أتى به مني فأراه موضع مسجد منى فخطه و خط الحرم بعد ما خط مكان البيت ثم انطلق به إلى عرفات فأقامه على العرف و قال له إذا غربت الشمس فاعترف بذنبك سبع مرات ففعل ذلك آدم و لذلك سمي المعرف لأن آدم اعترف عليه بذنبه فجعل ذلك سنة في ولده يعترفون بذنوبهم كما اعترف أبوهم و يسألون الله عز و جل التوبة كما سألها أبوهم آدم ع ثم أمره جبرءيل فأفاض من عرفات فمر على الجبال السبعة فأمره أن يكبر على كل جبل أربع تكبيرات ففعل ذلك آدم ثم انتهى به إلى جمع ثلث الليل فجمع فيها بين المغرب و بين صلاة العشاء الآخرة فلذلك سميت جمعا لأن آدم جمع فيها بين الصلاتين فهو وقت العتمة تلك الليل ثلث الليل في ذلك الموضع ثم أمره أن ينبطح في بطحاء جمع فتبطح حتى انفجر الصبح ثم أمره أن يصعد على الجبل جبل جمع و أمره إذا طلعت الشمس أن يعترف بذنبه سبع مرات و يسأل الله عز و جل التوبة و المغفرة سبع مرات ففعل ذلك آدم كما أمره جبرءيل و إنما جعل اعترافين ليكون سنة في ولده فمن لم يدرك عرفات و أدرك جمعا فقد وفى بحجه فأفاض آدم من جمع إلى منى فبلغ مني ضحى فأمره أن يصلي ركعتين في مسجد منى ثم أمره أن يقرب إلى الله عز و جل قربانا ليقبل الله منه و يعلم أن الله قد تاب عليه و يكون سنة في ولده بالقربان فقرب آدم ع قربانا فقبل الله منه قربانه و أرسل الله عز و جل نارا من السماء فقبضت قربان آدم فقال له جبرءيل إن الله تبارك و تعالى قد أحسن إليك إذ علمك المناسك التي تاب عليك بها و قبل قربانك فاحلق رأسك تواضعا لله عز و جل إذ قبل قربانك فحلق آدم رأسه تواضعا لله تبارك و تعالى ثم أخذ جبرءيل بيد آدم فانطلق به إلى البيت فعرض له إبليس عند الجمرة فقال له يا آدم أين تريد قال جبرءيل يا آدم ارمه بسبع حصيات و كبر مع كل حصاة تكبيرة ففعل آدم ذلك كما أمره جبرءيل فذهب إبليس ثم أخذ بيده في اليوم الثاني فانطلق به إلى الجمرة فعرض له إبليس فقال له جبرءيل ارمه بسبع حصيات و كبر مع كل حصاة تكبيرة ففعل آدم ذلك فذهب إبليس ثم عرض له عند الجمرة الثانية فقال له يا آدم أين تريد فقال له جبرءيل ارمه بسبع حصيات و كبر مع كل حصاة تكبيرة ففعل ذلك آدم فذهب إبليس ثم عرض له عند الجمرة الثالثة فقال له يا آدم أين تريد فقال له جبرءيل ارمه بسبع حصيات و كبر مع كل حصاة تكبيرة ففعل ذلك آدم فذهب إبليس ثم فعل ذلك به في اليوم الثالث و الرابع فذهب إبليس فقال له جبرءيل إنك لن تراه بعد مقامك هذا أبدا ثم انطلق به إلى البيت فأمره أن يطوف بالبيت سبع مرات ففعل ذلك آدم فقال له جبرءيل إن الله تبارك و تعالى قد غفر لك و قبل توبتك و حلت لك زوجتك
16- ص، ]قصص الأنبياء عليهم السلام[ بالإسناد عن الصدوق عن أبيه عن سعد عن ابن عيسى عن محمد بن سنان عن إسماعيل بن جابر عن عبد الحميد بن أبي الديلم عن أبي عبد الله ع قال هبط آدم ع على الصفا و لذلك سمي الصفا لأن المصطفى هبط عليه قال الله تعالى إِنَّ اللَّهَ اصْطَفى آدَمَ وَ نُوحاً و هبطت حواء على المروة و إنما سميت المروة لأن المرأة هبطت عليها و هما جبلان عن يمين الكعبة و شمالها فاعتزلها آدم حين فرق بينهما فكان يأتيها بالنهار فيتحدث عندها فإذا كان الليل خشي أن تغلبه نفسه فيرجع فمكث بذلك ما شاء الله ثم أرسل إليه جبرءيل ع فقال السلام عليك يا آدم و ساق الحديث كما مر
بيان بطحه كمنعه ألقاه على وجهه فانبطح و لعل المراد به هنا الاستلقاء و المراد بالبطحاء أرض المشعر لا الأبطح المشهور و سيأتي الكلام فيه
17- ع، ]علل الشرائع[ عن علي بن الحاتم عن حميد بن زياد عن عبيد الله بن أحمد عن علي بن الحسن الطاهري عن محمد بن زياد عن أبي خديجة قال سمعت أبا عبد الله ع يقول مر بأبي ع رجل و هو يطوف فضرب بيده على منكبه ثم قال أسألك عن خصال ثلاث لا يعرفهن غيرك و غير رجل آخر فسكت عنه حتى فرغ من طوافه ثم دخل الحجر فصلى ركعتين و أنا معه فلما فرغ نادى أين هذا السائل فجاء و جلس بين يديه فقال له سل فسأله عن ن وَ الْقَلَمِ وَ ما يَسْطُرُونَ فأجابه ثم قال حدثني عن الملائكة حين ردوا على الرب حيث غضب عليهم كيف رضي عنهم فقال إن الملائكة طافوا بالعرش سبع سنين يدعونه و يستغفرونه و يسألونه أن يرضى عنهم فرضي عنهم بعد سبع سنين فقال صدقت ثم قال حدثني عن رضى الرب عن آدم فقال إن آدم أنزل فنزل في الهند و سأل ربه عز و جل هذا البيت فأمره أن يأتيه فيطوف به أسبوعا و يأتي منى و عرفات فيقضي مناسكه كلها فجاء من الهند و كان موضع قدميه حيث يطأ عليه عمران و ما بين القدم إلى القدم صحاري ليس فيها شيء ثم جاء إلى البيت فطاب أسبوعا و أتى مناسكه فقضاها كما أمره الله فقبل الله منه التوبة و غفر له قال فجعل طواف آدم لما طافت الملائكة بالعرش سبع سنين فقال جبرءيل هنيئا لك يا آدم قد غفر لك لقد طفت بهذا البيت قبلك بثلاث آلاف سنة فقال آدم يا رب اغفر لي و لذريتي من بعدي فقال نعم من آمن منهم بي و برسلي فقال صدقت و مضى فقال أبي ع هذا جبرءيل أتاكم يعلمكم معالم دينكم
بيان لعل المراد بالرجل الآخر الصادق ع و قوله ع فجعل طواف آدم لما طافت الملائكة أي كانت العلة في جعل طواف آدم وسيلة لقبول توبته طواف الملائكة قبل ذلك و توسلهم بذلك إلى قبول التوبة و فيه إيماء إلى علة عدد السبع أيضا كما سيأتي و يمكن الجمع بين ما ورد في هذا الخبر من كون قبول توبتهم بعد سبع سنين و ما ورد في خبر الثمالي في الباب الأول من سبعة آلاف سنة بحمل هذا على أصل القبول و حمل ذلك على كماله ثم إن هذا الخبر يدل على أن الملائكة كانوا يظهرون لأئمتنا ع و ينافيه بعض الأخبار و سيأتي الجمع بينهما في كتاب الإمامة
18- ع، ]علل الشرائع[ علي بن عبد الله بن أحمد الأسواري عن مكي بن أحمد بن سعدويه البردعي عن نوح بن الحسن عن جميل بن سعد عن أحمد بن عبد الواحد بن سليمان العسقلاني عن القاسم بن جميل عن حماد بن سلمة عن عاصم بن أبي النجود عن زر بن حبيش قال سألت ابن مسعود عن أيام البيض ما سببها و كيف سمعت قال سمعت النبي ص يقول إن آدم لما عصى ربه عز و جل ناداه مناد من لدن العرش يا آدم اخرج من جواري فإنه لا يجاورني أحد عصاني فبكى و بكت الملائكة فبعث الله عز و جل إليه جبرءيل فأهبطه إلى الأرض مسودا فلما رأته الملائكة ضجت و بكت و انتحبت و قالت يا رب خلقا خلقته و نفخت فيه من روحك و أسجدت له ملائكتك بذنب واحد حولت بياضه سوادا فنادى مناد من السماء صم لربك اليوم فصام فوافق يوم الثالث عشر من الشهر فذهب ثلث السواد ثم نودي يوم الرابع عشر أن صم لربك اليوم فصام فذهب ثلث السواد ثم نودي في يوم خمسة عشر بالصيام فصام و قد ذهب السواد كله فسميت أيام البيض للذي رد الله عز و جل فيه على آدم من بياضه ثم نادى مناد من السماء يا آدم هذه الثلاثة أيام جعلتها لك و لولدك من صامها في كل شهر فإنما صام الدهر
قال جميل قال أحمد بن عبد الواحد و سمعت أحمد بن شيبان البرمكي يقول و زاد الحميدي في الحديث فجلس آدم ع جلسة القرفصاء و رأسه بين ركبتيه كئيبا حزينا فبعث تبارك و تعالى جبرئيل فقال يا آدم ما لي أراك كئيبا حزينا فقال لا أزال كئيبا حزينا حتى يأتي أمر الله فقال إني رسول الله إليك و هو يقرئك السلام و يقول يا آدم حياك الله و بياك قال أما حياك الله فأعرفه فما بياك قال أضحكك قال فسجد آدم فرفع رأسه إلى السماء و قال يا رب زدني جمالا فأصبح و له لحية سوداء كالحمم فضرب بيده إليها فقال يا رب ما هذه فقال هذه اللحية زينتك بها أنت و ذكور ولدك إلى اليوم القيامة
بيان قال الجوهري القرفصاء ضرب من القعود و يمد و يقصر و هو أن يجلس على ركبتيه منكبا و يلصق بطنه بفخذيه و يتأبط كفيه و هي جلسة الأعراب و قال الجزري هي جلسة المحتبي بيديه و قال فيه إن الملائكة قالت لآدم على نبينا و آله و عليه السلام حياك الله و بياك معنى حياك أبقاك من الحياة و قيل هو من استقبال المحيا و هو الوجه و قيل ملكك و فرحك و قيل سلام عليك و هو من التحية السلام و قال بياك قيل هو اتباع لحياك و قيل معناه أضحكك و قيل أجل لك ما تحب و قيل اعتمدك بالملك و قيل تعمدك بالتحية و قيل أصله بواء مهموزا فخفف و قلب أي أسكنك منزلا في الجنة و هيأك له انتهى و الحمم كصرد الفحم
19- مع، ]معاني الأخبار[ أحمد بن الهيثم عن ابن زكريا القطان عن ابن حبيب عن ابن بهلول عن أبيه عن محمد بن سنان عن المفضل قال قال أبو عبد الله ع إن الله تبارك و تعالى خلق الأرواح قبل الأجساد بألفي عام فجعل أعلاها و أشرفها أرواح محمد و علي و فاطمة و الحسن و الحسين و الأئمة بعدهم صلوات الله عليهم فعرضها على السماوات و الأرض و الجبال فغشيها نورهم فقال الله تبارك و تعالى للسماوات و الأرض و الجبال هؤلاء أحبائي و أوليائي و حججي على خلقي و أئمة بريتي ما خلقت خلقا هو أحب إلي منهم لهم و لمن تولاهم خلقت جنتي و لمن خالفهم و عاداهم خلقت ناري فمن ادعى منزلتهم مني و محلهم من عظمتي عذبته عذابا لا أعذبه أحدا من العالمين و جعلته و المشركين في أسفل درك من ناري و من أقر بولايتهم و لم يدع منزلتهم مني و مكانهم من عظمتي جعلته معهم في روضات جناتي و كان لهم فيها ما يشاءون عندي و أبحتهم كرامتي و أحللتهم جواري و شفعتهم في المذنبين من عبادي و إمائي فولايتهم أمانة عند خلقي فأيكم يحملها بأثقالها و يدعيها لنفسه دون خيراتي فأبت السماوات و الأرض و الجبال أن يحملنها و أشفقن من ادعاء منزلتها و تمني محلها من عظمة ربها فلما أسكن الله عز و جل آدم و زوجته الجنة قال لهما كُلا مِنْها رَغَداً حَيْثُ شِئْتُما وَ لا تَقْرَبا هذِهِ الشَّجَرَةَ يعني شجرة الحنطة فَتَكُونا مِنَ الظَّالِمِينَ فنظر إلى منزلة محمد و علي و فاطمة و الحسن و الحسين و الأئمة بعدهم فوجداها أشرف منازل أهل الجنة فقالا يا ربنا لمن هذه المنزلة فقال الله جل جلاله ارفعا رءوسكما إلى ساق عرشي فرفعا رءوسهما فوجدا اسم محمد و علي و فاطمة و الحسن و الحسين ع و الأئمة صلوات الله عليهم مكتوبة على ساق العرش بنور من نور الجبار جل جلاله فقالا يا ربنا ما أكرم أهل هذه المنزلة عليك و ما أحبهم إليك و ما أشرفهم لديك فقال الله جل جلاله لولاهم ما خلقتكما هؤلاء خزنة علمي و أمنائي على سري إياكما أن تنظرا إليهم بعين الحسد و تتمنيا منزلتهم عندي و محلهم من كرامتي فتدخلا بذلك في نهيي و عصياني فَتَكُونا مِنَ الظَّالِمِينَ قالا ربنا و من الظالمون قال المدعون لمنزلتهم بغير حق قالا ربنا فأرنا منازل ظالميهم في نارك حتى نراها كما رأينا منزلتهم في جنتك فأمر الله تبارك و تعالى النار فأبرزت جميع ما فيها من ألوان النكال و العذاب و قال الله عز و جل مكان الظالمين لهم المدعين لمنزلتهم في أسفل درك منها كُلَّما أَرادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْها أُعِيدُوا فِيها و كلما نضجت جلودهم بدلوا سواها لِيَذُوقُوا الْعَذابَ يا آدم و يا حواء لا تنظرا إلى أنواري و حججي بعين الحسد فأهبطكما عن جواري و أحل بكما هواني فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطانُ لِيُبْدِيَ لَهُما ما وُورِيَ عَنْهُما مِنْ سَوْآتِهِما وَ قالَ ما نَهاكُما رَبُّكُما عَنْ هذِهِ الشَّجَرَةِ إِلَّا أَنْ تَكُونا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونا مِنَ الْخالِدِينَ وَ قاسَمَهُما إِنِّي لَكُما لَمِنَ النَّاصِحِينَ فَدَلَّاهُما بِغُرُورٍ
و حملهما على تمني منزلتهم فنظرا إليهم بعين الحسد فخذلا حتى أكلا من شجرة الحنطة فعاد مكان ما أكلا شعيرا فأصل الحنطة كلها مما لم يأكلاه و أصل الشعير كله مما عاد مكان ما أكلاه فلما أكلا من الشجرة طار الحلي و الحلل عن أجسادهما و بقيا عريانين وَ طَفِقا يَخْصِفانِ عَلَيْهِما مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ وَ ناداهُما رَبُّهُما أَ لَمْ أَنْهَكُما عَنْ تِلْكُمَا الشَّجَرَةِ وَ أَقُلْ لَكُما إِنَّ الشَّيْطانَ لَكُما عَدُوٌّ مُبِينٌ ف قالا رَبَّنا ظَلَمْنا أَنْفُسَنا وَ إِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنا وَ تَرْحَمْنا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخاسِرِينَ قال اهبطا من جواري فلا يجاورني في جنتي من يعصيني فهبطا موكولين إلى أنفسهما في طلب المعاش فلما أراد الله عز و جل أن يتوب عليهما جاءهما جبرءيل فقال لهما إنكما إنما ظلمتما أنفسكما بتمني منزلة من فضل عليكما فجزاؤكما ما قد عوقبتما به من الهبوط من جوار الله عز و جل إلى أرضه فسلا ربكما بحق الأسماء التي رأيتموها على ساق العرش حتى يتوب عليكما فقالا اللهم إنا نسألك بحق الأكرمين عليك محمد و علي و فاطمة و الحسن و الحسين و الأئمة إلا تبت علينا و رحمتنا فتاب الله عليهما إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ فلم تزل أنبياء الله بعد ذلك يحفظون هذه الأمانة و يخبرون بها أوصياءهم و المخلصين من أممهم فيأبون حملها و يشفقون من ادعائها و حملها الإنسان الذي قد عرف فأصل كل ظلم منه إلى يوم القيامة و ذلك قول الله عز و جل إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمانَةَ عَلَى السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ وَ الْجِبالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَها وَ أَشْفَقْنَ مِنْها وَ حَمَلَهَا الْإِنْسانُ إِنَّهُ كانَ ظَلُوماً جَهُولًا
بيان لا يتوهم أن آدم ع صار بتمني منزلتهم من الظالمين المدعين لمنزلتهم على الحقيقة حتى يستحق بذلك أليم النكال فإن في عدة من الظالمين في هذا الخبر نوعا من التجوز فإن من تشبه بقوم فهو منهم و تشبهه ع بهم في التمني و مخالفة الأمر الندبي لا في ادعاء المنزلة و يظهر منها أن حمل الأمانة غير حفظها يرشدك إليه قوله ع فلم تزل أنبياء الله يحفظون هذه الأمانة إلى قوله فيأبون حملها فالمراد بحملها ادعاؤها بغير حق قال الزجاج كل من خان الأمانة فقد حملها و من لم يحمل الأمانة فقد أداها فآدم ع لم يكن من الحاملين للأمانة على ما ذهب إليه بعض المفسرين و فسروا الإنسان بآدم ع و المراد بالإنسان الذي عرف هو أبو بكر كما تدل عليه أخبار كثيرة و سيأتي تمام القول في ذلك مع الأخبار الواردة فيه في كتاب الإمامة إن شاء الله
20- شف، ]كشف اليقين[ محمد بن علي الكاتب الأصفهاني عن علي بن إبراهيم القاضي عن أبيه عن جده عن أبي أحمد الجرجاني عن عبد الله بن محمد الدهقان عن إسحاق بن إسرائيل عن حجاج عن ابن أبي نجيح عن مجاهد عن ابن عباس رضي الله عنه قال لما خلق الله تعالى آدم و نفخ فيه من روحه عطس فألهمه الله الحمد لله رب العالمين فقال له ربه يرحمك ربك فلما أسجد له الملائكة تداخله العجب فقال يا رب خلقت خلقا أحب إليك مني فلم يجب ثم قال الثانية فلم يجب ثم قال الثالثة فلم يجب ثم قال الله عز و جل له نعم و لولاهم ما خلقتك فقال يا رب فأرنيهم فأوحى الله عز و جل إلى ملائكة الحجب أن ارفعوا الحجب فلما رفعت إذا آدم بخمسة أشباح قدام العرش فقال يا رب من هؤلاء قال يا آدم هذا محمد نبيي و هذا علي أمير المؤمنين ابن عم نبيي و وصيه و هذه فاطمة ابنة نبيي و هذان الحسن و الحسين ابنا علي و ولدا نبيي ثم قال يا آدم هم ولدك ففرح بذلك فلما اقترف الخطيئة قال يا رب أسألك بحق محمد و علي و فاطمة و الحسن و الحسين لما غفرت لي فغفر الله له بهذا فهذا الذي قال الله عز و جل فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِماتٍ فَتابَ عَلَيْهِ فلما هبط إلى الأرض صاغ خاتما فنقش عليه محمد رسول الله و علي أمير المؤمنين و يكنى آدم بأبي محمد
21- مع، ]معاني الأخبار[ ماجيلويه عن عمه عن البرقي عن البزنطي عن أبان عن ابن سيابة عن أبي عبد الله ع قال لقد طاف آدم ع بالبيت مائة عام ما ينظر إلى حواء و لقد بكى على الجنة حتى صار على خديه مثل النهرين العجاجين العظيمين من الدموع ثم أتاه جبرئيل ع فقال حياك الله و بياك فلما أن قال له حياك الله تبلج وجهه فرحا و علم أن الله قد رضي عنه قال و بياك فضحك و بياك أضحكك قال و لقد قام على باب الكعبة ثيابه جلود الإبل و البقر فقال اللهم أقلني عثرتي و اغفر لي ذنبي و أعدني إلى الدار التي أخرجتني منها فقال الله عز و جل قد أقلتك عثرتك و غفرت لك ذنبك و سأعيدك إلى الدار التي أخرجتك منها
بيان قال الجزري في حديث الخيل إن مرت بنهر عجاج أي كثير الماء كأنه يعج من كثرته و صوت تدفقه. أقول لا يخفى أن هذا الخبر مما يدل على أن جنة آدم هي جنة الخلد و كذا خبر المفضل حيث قال فنظر إلى منزلة محمد و علي إذ الظاهر أنه رأى منازلهم في جنة الخلد إلا أن يقال كان جنته في الأرض الجنة التي تأوي إليها أرواح المؤمنين في البرزخ كما تدل عليه الأخبار و المراد بالعود العود إليها في البرزخ و كذا المراد برؤية المنازل رؤية منازلهم في تلك الجنة
22- مع، ]معاني الأخبار[ ل، ]الخصال[ حدثنا أبو الحسن علي بن الفضل بن العباس البغدادي قال قرأت على أحمد بن محمد بن محمد بن سليمان بن الحارث قلت حدثكم محمد بن علي بن خلف العطار قال حدثنا الحسين بن الأشقر قال حدثنا عمرو بن أبي المقدام عن أبيه عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال سألت النبي ص عن الكلمات التي تلقى آدم من ربه فتاب عليه قال سأله بحق محمد و علي و فاطمة و الحسن و الحسين إلا تبت علي فتاب عليه
-23 مع، ]معاني الأخبار[ ابن المتوكل عن محمد العطار عن الأشعري عن ابن معروف عن بكر بن محمد عن أبي سعيد المدائني يرفعه في قول الله عز و جل فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِماتٍ قال سأله بحق محمد و علي و فاطمة و الحسن و الحسين ع
ص، ]قصص الأنبياء عليهم السلام[ مرسلا مثله
24- مع، ]معاني الأخبار[ الدقاق عن حمزة العلوي عن الفزاري عن محمد بن الحسين الزيات عن الأزدي عن المفضل عن الصادق جعفر بن محمد ع قال سألته عن قول الله عز و جل وَ إِذِ ابْتَلى إِبْراهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِماتٍ ما هذه الكلمات قال هي الكلمات التي تلقاها آدم من ربه فتاب عليه و هو أنه قال يا رب أسألك بحق محمد و علي و فاطمة و الحسن و الحسين إلا تبت علي فتاب الله عليه إنه هو التواب الرحيم فقلت له يا ابن رسول الله فما يعني عز و جل بقوله فَأَتَمَّهُنَّ قال يعني أتمهن إلى القائم ع اثنا عشر إماما تسعة من ولد الحسين ع الخبر
بيان قال البيضاوي في قوله تعالى فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِماتٍ استقبلها بالأخذ و القبول و العمل بها حين علمها و قرأ ابن كثير بنصب آدم و رفع الكلمات على أنها استقبلته و بلغته و هي قوله رَبَّنا ظَلَمْنا أَنْفُسَنا الآية و قيل سبحانك اللهم و بحمدك و تبارك اسمك و تعالى جدك لا إله إلا أنت ظلمت نفسي فاغفر لي إنه لا يغفر الذنوب إلا أنت و عن ابن عباس قال يا رب أ لم تخلقني بيدك قال بلى قال يا رب أ لم تنفخ في الروح من روحك قال بلى قال أ لم تسكني جنتك قال بلى قال يا رب إن تبت و أصلحت أ راجعي أنت إلى الجنة قال نعم انتهى. أقول المعتمد ما ورد في الأخبار المعتبرة التي أوردتها في هذا الباب و الجمع بينها بالحمل على الجمع بينها و إن كانت العمدة ما دل عليه أكثرها و هو التوسل بأنوار الأئمة ع
-25 فس، ]تفسير القمي[ أبي عن ابن أبي عمير عن أبان بن عثمان عن أبي عبد الله ع قال إن آدم ع بقي على الصفا أربعين صباحا ساجدا يبكي على الجنة و على خروجه من جوار الله عز و جل فنزل عليه جبرئيل ع فقال يا آدم ما لك تبكي قال يا جبرئيل ما لي لا أبكي و قد أخرجني الله من جواره و أهبطني إلى الدنيا قال يا آدم تب إليه قال و كيف أتوب فأنزل الله عليه قبة من نور في موضع البيت فسطع نورها في جبال مكة فهو الحرم فأمر الله جبرئيل أن يضع عليه الأعلام قال قم يا آدم فخرج به يوم التروية و أمره أن يغتسل و يحرم و أخرج من الجنة أول يوم من ذي القعدة فلما كان يوم الثامن من ذي الحجة أخرجه جبرئيل ع إلى منى فبات بها فلما أصبح أخرجه إلى عرفات و قد كان علمه حين أخرجه من مكة الإحرام و أمره بالتلبية فلما زالت الشمس يوم العرفة قطع التلبية و أمره أن يغتسل فلما صلى العصر وقفه بعرفات و علمه الكلمات التي تلقى بها ربه و هو سبحانك اللهم و بحمدك لا إله إلا أنت عملت سوءا و ظلمت نفسي و اعترفت بذنبي فاغفر لي إنك أنت الغفور الرحيم سبحانك اللهم و بحمدك لا إله إلا أنت عملت سوءا و ظلمت نفسي و اعترفت بذنبي فاغفر لي إنك أنت خير الغافرين سبحانك اللهم و بحمدك لا إله إلا أنت عملت سوءا و ظلمت نفسي و اعترفت بذنبي فاغفر لي إنك التواب الرحيم فبقي إلى أن غابت الشمس رافعا يديه إلى السماء يتضرع و يبكي إلى الله فلما غابت الشمس رده إلى المشعر فبات بها فلما أصبح قام على المشعر الحرام فدعا الله تعالى بكلمات و تاب عليه ثم أفضى إلى منى و أمره جبرئيل ع أن يحلق الشعر الذي عليه فحلقه ثم رده إلى مكة فأتى به عند الجمرة الأولى فعرض إبليس له عندها فقال يا آدم أين تريد فأمره جبرئيل أن يرميه بسبع حصيات و أن يكبر مع كل حصاة تكبيرة ففعل ثم ذهب فعرض له إبليس عند الجمرة الثانية فأمره أن يرميه بسبع حصيات فرمى و كبر مع كل حصاة تكبيرة ثم مضى به فعرض له إبليس عند الجمرة الثالثة و أمره أن يرميه بسبع حصيات فرمى و كبر مع كل حصاة تكبيرة فذهب إبليس و قال له جبرئيل ع إنك لن تراه بعد هذا أبدا فانطلق به إلى البيت الحرام و أمره أن يطوف به سبع مرات ففعل فقال له إن الله قد قبل توبتك و حلت لك زوجتك فقال فلما قضى آدم حجه لقيته الملائكة بالأبطح فقالوا يا آدم بر حجك أما إنا قد حججنا قبلك هذا البيت بألفي عام
بيان لعل المراد بالأربعين ما يقرب منه تجوزا لئلا ينافي ما بعده
26- ص، ]قصص الأنبياء عليهم السلام[ الصدوق عن أبيه عن سعد عن ابن يزيد عن ابن أبي عمير عن هشام عن الصادق ع أنه قال في قوله تعالى فَبَدَتْ لَهُما سَوْآتُهُما كانت سوآتهما لا ترى فصارت ترى بارزة و قال الشجرة التي نهي عنها آدم هي السنبلة
27- و في رواية أخرى عنه ع أنه قال إن الشجرة التي نهي عنها آدم هي شجرة العنب
28- ص، ]قصص الأنبياء عليهم السلام[ بالإسناد إلى الصدوق عن ابن المتوكل عن الحميري عن ابن عيسى عن ابن محبوب عن العلاء عن محمد عن الباقر ع قال إن آدم لما بنى الكعبة و طاف بها فقال اللهم إن لكل عامل أجرا اللهم و إني قد عملت فقيل له سل يا آدم فقال اللهم اغفر لي ذنبي فقيل له قد غفر لك يا آدم فقال و لذريتي من بعدي فقيل له يا آدم من باء منهم بذنبه هاهنا كما بؤت غفرت له
بيان باء بذنبه اعترف به
29- ص، ]قصص الأنبياء عليهم السلام[ بالإسناد عن الصدوق عن علي عن أبيه عن ابن أبي عمير عن جميل بن صالح عن أبي عبد الله الصادق ع قال إن آدم لما طاف بالبيت فانتهى إلى الملتزم فقال جبرئيل ع أقر لربك بذنوبك في هذا المكان فوقف آدم فقال يا رب إن لكل عامل أجرا و لقد عملت فما أجري فأوحى الله تعالى إليه يا آدم من جاء من ذريتك إلى هذا المكان فأقر فيه بذنوبه غفرت له
30- ص، ]قصص الأنبياء عليهم السلام[ بهذا الإسناد عن ابن أبي عمير عن معاوية بن عمار عن أبي عبد الله ع قال لما أفاض آدم من عرفات تلقته الملائكة ع فقالوا له بر حجك يا آدم أما إنا قد حججنا هذا البيت قبلك بألفي عام
31- ص، ]قصص الأنبياء عليهم السلام[ إن آدم ع لما كثر ولده و ولد ولده كانوا يتحدثون عنده و هو ساكت فقالوا يا أبة ما لك لا تتكلم فقال يا بني إن الله جل جلاله لما أخرجني من جواره عهد إلي و قال أقل كلامك ترجع إلى جواري
32- ص، ]قصص الأنبياء عليهم السلام[ بالإسناد عن الصدوق بإسناده عن إبراهيم بن محرز عن أبي حمزة عن أبي جعفر عليه الصلاة و السلام قال إن آدم ع نزل بالهند فبنى الله تعالى له البيت و أمره أن يأتيه فيطوف به أسبوعا فيأتي منى و عرفات و يقضي مناسكه كما أمر الله ثم خطا من الهند فكان موضع قدميه حيث خطا عمران و ما بين القدم و القدم صحاري ليس فيها شيء ثم جاء إلى البيت فطاف به أسبوعا و قضى مناسكه فقضاها كما أمر الله فقبل الله منه توبته و غفر له فقال آدم ع يا رب و لذريتي من بعدي فقال نعم من آمن بي و برسلي
بيان المشهور في أخبار أهل البيت ع أن نزول آدم ع كان على الصفا و نزول حواء على المروة و هذا الخبر و أمثاله يخالفها و يمكن حملها على التقية إذ المشهور بين العامة أن آدم ع هبط على جبل في سرنديب يقال له نوذ و حواء هبطت في جدة و يمكن الجمع أيضا بأن يكون هبوطهما على الصفا و المروة بعد دخولهما مكة من قبيل اهْبِطُوا مِصْراً
33- ص، ]قصص الأنبياء عليهم السلام[ بالإسناد إلى الصدوق عن هاني بن محمد عن أبيه عن محمد بن أحمد بن بطة عن أبيه عن محمد بن عبد الوهاب عن أبي الحارث الفهري عن عبد الله بن إسماعيل عن عبد الرحمن بن أبي زيد بن أسلم عن أبيه عن جده عن عمر بن الخطاب قال قال رسول الله ص لما أكل آدم من الشجرة رفع رأسه إلى السماء فقال أسألك بحق محمد إلا رحمتني فأوحى الله إليه و من محمد فقال تبارك اسمك لما خلقتني رفعت رأسي إلى عرشك فإذا فيه مكتوب لا إله إلا الله محمد رسول الله فعلمت أنه ليس أحد أعظم عندك قدرا ممن جعلت اسمه مع اسمك فأوحى الله إليه يا آدم إنه لآخر النبيين من ذريتك فلو لا محمد ما خلقتك
34- ص، ]قصص الأنبياء عليهم السلام[ بالإسناد عن الصدوق عن أبيه عن سعد عن أحمد بن محمد عن الحسن بن علي الخزاز عن عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله ع قال قال آدم ع يا رب بحق محمد و علي و فاطمة و الحسن و الحسين إلا تبت علي فأوحى الله تعالى إليه يا آدم و ما علمك بمحمد فقال حين خلقتني رفعت رأسي فرأيت في العرش مكتوبا محمد رسول الله علي أمير المؤمنين ع
35- ص، ]قصص الأنبياء عليهم السلام[ بالإسناد إلى الصدوق عن ابن الوليد عن الصفار عن ابن عيسى عن البزنطي عن أبان بن عثمان عن محمد بن مسلم عن أبي جعفر ع قال الكلمات التي تلقى بهن آدم ربه فتاب عليه قال اللهم لا إله إلا أنت سبحانك و بحمدك إني عملت سوءا و ظلمت نفسي فاغفر لي إنك أنت التواب الرحيم لا إله إلا أنت سبحانك و بحمدك عملت سوءا و ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي إنك أَنْتَ خَيْرُ الْغافِرِينَ
-36 شي، ]تفسير العياشي[ عن عطاء عن أبي جعفر ع عن أبيه عن آبائه عن علي ع عن رسول الله ص قال إنما كان لبث آدم و حواء في الجنة حتى خرج منها سبع ساعات من أيام الدنيا حتى أكلا من الشجرة فأهبطهما الله إلى الأرض من يومهما ذلك قال فحاج آدم ربه فقال يا رب أ رأيتك قبل أن تخلقني كنت قدرت على هذا الذنب و كل ما صرت و أنا صائر إليه أو هذا شيء فعلته أنا من قبل لم تقدره علي غلبت علي شقوتي فكان ذلك مني و فعلي لا منك و لا من فعلك قال له يا آدم أنا خلقتك و علمتك أني أسكنك و زوجتك الجنة و بنعمتي و ما جعلت فيك من قوتي قويت بجوارحك على معصيتي و لم تغب عن عيني و لم يخل علمي من فعلك و لا مما أنت فاعله قال آدم يا رب الحجة لك علي يا رب فحين خلقتني و صورتني و نفخت في من روحي و أسجدت لك ملائكتي و نوهت باسمك في سماواتي و ابتدأتك بكرامتي و أسكنتك جنتي و لم أفعل ذلك إلا برضى مني عليك أبلوك بذلك من غير أن تكون عملت لي عملا تستوجب به عندي ما فعلت بك قال آدم يا رب الخير منك و الشر مني قال الله يا آدم أنا الله الكريم خلقت الخير قبل الشر و خلقت رحمتي قبل غضبي و قدمت بكرامتي قبل هواني و قدمت باحتجاجي قبل عذابي يا آدم أ لم أنهك عن الشجرة و أخبرك أن الشيطان عدو لك و لزوجتك و أحذركما قبل أن تصيرا إلى الجنة و أعلمكما أنكما إن أكلتما من الشجرة كنتما ظالمين لأنفسكما عاصيين لي يا آدم لا يجاورني في جنتي ظالم عاص لي قال فقال بلى يا رب الحجة لك علينا ظلمنا أنفسنا و عصينا و إلا تغفر لنا و ترحمنا نكن من الخاسرين قال فلما أقرا لربهما بذنبهما و أن الحجة من الله لهما تداركهما رحمة الرحمن الرحيم فتاب عليهما ربهما إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ قال الله يا آدم اهبط أنت و زوجك إلى الأرض فإذا أصلحتما أصلحتكما و إن عملتما لي قويتكما و إن تعرضتما لرضاي تسارعت إلى رضاكما و إن خفتما مني آمنتكما من سخطي قال فبكيا عند ذلك و قالا ربنا فأعنا على صلاح أنفسنا و على العمل بما يرضيك عنا قال الله لهما إذا عملتما سوءا فتوبا إلي منه أتب عليكما و أنا الله التواب الرحيم قال فأهبطنا برحمتك إلى أحب البقاع إليك قال فأوحى الله إلى جبرءيل أن أهبطهما إلى البلدة المباركة مكة قال فهبط بهما جبرءيل فألقى آدم على الصفا و ألقى حواء على المروة قال فلما ألقيا قاما على أرجلهما و رفعا رءوسهما إلى السماء و ضجا بأصواتهما بالبكاء إلى الله تعالى و خضعا بأعناقهما قال فهتف الله بهما ما يبكيكما بعد رضاي عنكما قال فقالا ربنا أبكتنا خطيئتنا و هي أخرجتنا عن جوار ربنا و قد خفي عنا تقديس ملائكتك لك ربنا و بدت لنا عوراتنا و اضطرنا ذنبنا إلى حرث الدنيا و مطعمها و مشربها و دخلتنا وحشة شديدة لتفريقك بيننا قال فرحمهما الرحمن الرحيم عند ذلك و أوحى إلى جبرءيل أنا الله الرحمن الرحيم و أني قد رحمت آدم و حواء لما شكيا إلي فاهبط عليهما بخيمة من خيام الجنة و عزهما عني بفراق الجنة و اجمع بينهما في الخيمة فإني قد رحمتهما لبكائهما و وحشتهما و وحدتهما و انصب لهما الخيمة على الترعة التي بين جبال مكة قال و الترعة مكان البيت و قواعده التي رفعتها الملائكة قبل ذلك فهبط جبرءيل على آدم بالخيمة على مقدار أركان البيت و قواعده فنصبها قال و أنزل جبرءيل آدم من الصفا و أنزل حواء من المروة و جمع بينهما في الخيمة قال و كان عمود الخيمة قضيب ياقوت أحمر فأضاء نوره و ضوؤه جبال مكة و ما حولها قال و امتد ضوء العمود فجعله الله حرما فهو مواضع الحرم اليوم كل ناحية من حيث بلغ ضوء العمود فجعله الله حرما لحرمة الخيمة و العمود لأنهما من الجنة قال و لذلك جعل الله الحسنات في الحرم مضاعفة و السيئات فيه مضاعفة قال و مدت أطناب الخيمة حولها
فمنتهى أوتادها ما حول المسجد الحرام قال و كانت أوتادها من غصون الجنة و أطنابها من ظفائر الأرجوان قال فأوحى الله إلى جبرءيل اهبط على الخيمة سبعين ألف ملك يحرسونها من مردة الجن و يؤنسون آدم و حواء و يطوفون حول الخيمة تعظيما للبيت و الخيمة قال فهبطت الملائكة فكانوا بحضرة الخيمة يحرسونها من مردة الشياطين و العتاة و يطوفون حول أركان البيت و الخيمة كل يوم و ليلة كما كانوا يطوفون في السماء حول البيت المعمور قال و أركان البيت الحرام في الأرض حيال البيت المعمور الذي في السماء قال ثم إن الله أوحى إلى جبرءيل بعد ذلك أن اهبط إلى آدم و حواء فنحهما عن مواضع قواعد بيتي فإني أريد أن أهبط في ظلال من ملائكتي إلى أرضي فأرفع أركان بيتي لملائكتي و لخلقي من ولد آدم قال فهبط جبرءيل على آدم و حواء فأخرجهما من الخيمة و نحاهما عن ترعة البيت الحرام و نحى الخيمة عن موضع الترعة قال و وضع آدم على الصفا و وضع حواء على المروة و رفع الخيمة إلى السماء فقال آدم و حواء يا جبرءيل بسخط من الله حولتنا و فرقت بيننا أم برضى تقديرا من الله علينا فقال لهما لم يكن ذلك سخطا من الله عليكما و لكن الله لا يُسْئَلُ عَمَّا يَفْعَلُ يا آدم إن السبعين ألف ملك الذين أنزلهم الله إلى الأرض ليؤنسوك و يطوفون حول أركان البيت و الخيمة سألوا الله أن يبني لهم مكان الخيمة بيتا على موضع الترعة المباركة حيال البيت المعمور فيطوفون حوله كما كانوا يطوفون في السماء حول البيت المعمور فأوحى الله إلي أن أنحيك و حواء و أرفع الخيمة إلى السماء فقال آدم رضينا بتقدير الله و نافذ أمره فينا فكان آدم على الصفا و حواء على المروة قال فدخل آدم لفراق حواء وحشة شديدة و حزن قال فهبط من الصفا يريد المروة شوقا إلى حواء و ليسلم عليها و كان فيما بين الصفا و المروة واد و كان آدم يرى المروة من فوق الصفا فلما انتهى إلى موضع الوادي غابت عنه المروة فسعى في الوادي حذرا لما لم ير المروة مخافة أن يكون قد ضل عن طريقه فلما أن جاز الوادي و ارتفع عنه نظر إلى المروة فمشى حتى انتهى إلى المروة فصعد عليها فسلم على حواء ثم أقبلا بوجههما نحو موضع الترعة ينظران هل رفع قواعد البيت و يسألان الله أن يردهما إلى مكانهما حتى هبط من المروة فرجع إلى الصفا فقام عليه و أقبل بوجهه نحو موضع الترعة فدعا الله ثم إنه اشتاق إلى حواء فهبط من الصفا يريد المروة ففعل مثل ما فعله في المرة الأولى ثم رجع إلى الصفا ففعل عليه مثل ما فعل في المرة الأولى ثم إنه هبط من الصفا إلى المروة ففعل مثل ما فعل في المرتين الأوليين ثم رجع إلى الصفا فقام عليه و دعا الله أن يجمع بينه و بين زوجته حواء قال فكان ذهاب آدم من الصفا إلى المروة ثلاث مرات و رجوعه ثلاث مرات فذلك ستة أشواط فلما أن دعيا الله و بكيا إليه و سألاه أن يجمع بينهما استجاب الله لهما من ساعتهما من يومهما ذلك مع زوال الشمس فأتاه جبرءيل و هو على الصفا واقف يدعو الله مقبلا بوجهه نحو الترعة فقال له جبرءيل ع انزل يا آدم من الصفا فالحق بحواء فنزل آدم من الصفا إلى المروة ففعل مثل ما فعل في الثلاث المرات حتى انتهى إلى المروة فصعد عليها و أخبر حواء بما أخبره جبرءيل ع ففرحا بذلك فرحا شديدا و حمدا الله و شكراه فلذلك جرت السنة بالسعي بين الصفا و المروة و لذلك قال الله إِنَّ الصَّفا وَ الْمَرْوَةَ مِنْ شَعائِرِ اللَّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلا جُناحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِما قال ثم إن جبرءيل أتاهما فأنزلهما من المروة و أخبرهما أن الجبار تبارك و تعالى قد هبط إلى الأرض فرفع قواعد البيت الحرام بحجر من الصفا و حجر من المروة و حجر من طور سيناء و حجر من جبل السلام و هو ظهر الكوفة فأوحى الله إلى جبرءيل أن ابنه و أتمه قال فاقتلع جبرءيل الأحجار الأربعة بأمر الله من مواضعهن بجناحيه فوضعهما حيث أمره الله في أركان البيت على قواعده التي قدرها الجبار و نصب أعلامها ثم أوحى الله إلى جبرءيل أن ابنه و أتممه بحجارة من أبي قبيس و اجعل له بابين باب شرقي و باب غربي قال فأتمه جبرءيل فلما انفرغ منه طافت الملائكة حوله
فلما نظر آدم و حواء إلى الملائكة يطوفون حول البيت انطلقا فطافا بالبيت سبعة أشواط ثم خرجا يطلبان ما يأكلان و ذلك من يومهما الذي هبط بهما فيه
بيان الترعة بالتاء المثناة من فوق و الراء المهملة الدرجة و الروضة في مكان مرتفع و لعل المراد هنا الدرجة لكون قواعد البيت مرتفعة و في بعض النسخ بالنون و الزاي المعجمة أي المكان الخالي عن الأشجار و الجبال تشبيها بنزعة الرأس و ظفائر الأرجوان في أكثر نسخ الحديث بالظاء و لعله تصحيف الضاد قال الجزري الضفر النسج و الضفائر الذوائب المضفورة و الضفير حبل مفتول من شعر انتهى و الأرجوان صبغ أحمر شديد الحمرة و كأنه معرب أرغوان و هبوطه تعالى كناية عن توجه أمره و اهتمامه بصدور ذلك الأمر كما قال تعالى هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمامِ وَ الْمَلائِكَةُ و الظلال ما أظلك من شيء و هاهنا كناية عن كثرة الملائكة و اجتماعهم أي أهبط أمري مع جم غفير من الملائكة و اليوم المذكور في آخر الخبر لعل المراد به اليوم من أيام الآخرة كما مر و قد سقط فيما عندنا من نسخ العياشي من أول الخبر شيء تركناه كما وجدناه
37- شي، ]تفسير العياشي[ عن محمد بن مسلم عن أبي جعفر ع قال قال الكلمات التي تلقاهن آدم من ربه فتاب عليه و هدى قال سبحانك اللهم و بحمدك إني عملت سوءا و ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي إنك أنت الغفور الرحيم اللهم إنه لا إله إلا أنت سبحانك و بحمدك إني عملت سوءا و ظلمت نفسي و اغفر لي إنك أَنْتَ خَيْرُ الْغافِرِينَ اللهم إنه لا إله إلا أنت سبحانك و بحمدك إني عملت سوءا و ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي إنك أنت الغفور الرحيم
38- و قال الحسن بن راشد إذا استيقظت من منامك فقل الكلمات التي تلقى بها آدم من ربه سبوح قدوس رب الملائكة و الروح سبقت رحمتك غضبك لا إله إلا أنت إني ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي و ارحمني إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ الغفور
39- شي، ]تفسير العياشي[ عن عبد الرحمن بن كثير عن أبي عبد الله ع قال إن الله تبارك و تعالى عرض على آدم في الميثاق ذريته فمر به النبي ص و هو متكئ على علي ع و فاطمة صلوات الله عليها تتلوهما و الحسن و الحسين ع يتلوان فاطمة فقال الله يا آدم إياك أن تنظر إليه بحسد أهبطك من جواري فلما أسكنه الله الجنة مثل له النبي و علي و فاطمة و الحسن و الحسين صلوات الله عليهم فنظر إليهم بحسد ثم عرضت عليه الولاية فأنكرها فرمته الجنة بأوراقها فلما تاب إلى الله من حسده و أقر بالولاية و دعا بحق الخمسة محمد و علي و فاطمة و الحسن و الحسين صلوات الله عليهم غفر الله له و ذلك قوله فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِماتٍ الآية
40- شي، ]تفسير العياشي[ عن محمد بن عيسى بن عبد الله العلوي عن أبيه عن جده عن علي ع قال الكلمات التي تلقاها آدم من ربه قال يا رب أسألك بحق محمد لما تبت علي قال و ما علمك بمحمد قال رأيته في سرادقك الأعظم مكتوبا و أنا في الجنة
41- شي، ]تفسير العياشي[ عن سلام بن المستنير عن أبي جعفر ع في قوله وَ لا تَقْرَبا هذِهِ الشَّجَرَةَ يعني لا تأكلا منها
42- شي، ]تفسير العياشي[ عن موسى بن محمد بن علي عن أخيه أبي الحسن الثالث ع قال الشجرة التي نهى الله آدم و زوجته أن يأكلا منها شجرة الحسد عهد إليهما أن لا ينظرا إلى من فضل الله عليه و على خلائقه بعين الحسد و لم يجد الله له عزما
43- شي، ]تفسير العياشي[ عن جميل بن دراج عن بعض أصحابنا عن أحدهما قال سألته كيف أخذ الله آدم بالنسيان فقال إنه لم ينس و كيف ينسى و هو يذكره و يقول له إبليس ما نَهاكُما رَبُّكُما عَنْ هذِهِ الشَّجَرَةِ إِلَّا أَنْ تَكُونا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونا مِنَ الْخالِدِينَ
بيان فالنسيان بمعنى الترك كما ورد في اللغة
-44 شي، ]تفسير العياشي[ عن مسعدة بن صدقة عن أبي عبد الله ع رفعه إلى النبي ص أن موسى سأل ربه أن يجمع بينه و بين أبيه آدم حيث عرج إلى السماء في أمر الصلاة ففعل فقال له موسى يا آدم أنت الذي خلقك الله بيده و نفخ فيك من روحه و أسجد لك ملائكته و أباح لك جنته و أسكنك جواره و كلمك قبلا ثم نهاك عن شجرة واحدة فلم تصبر عنها حتى أهبطت إلى الأرض بسببها فلم تستطع أن تضبط نفسك عنها حتى أغراك إبليس فأطعته فأنت الذي أخرجتنا من الجنة بمعصيتك فقال له آدم ارفق بأبيك أي بني فيما لقي في أمر هذه الشجرة يا بني إن عدوي أتاني من وجه المكر و الخديعة فحلف لي بالله أنه في مشورته على أنه لمن الناصحين و ذلك أنه قال لي منتصحا إني لشأنك يا آدم لمغموم قلت و كيف قال قد كنت آنست بك و بقربك مني و أنت تخرج مما أنت فيه إلى ما ستكرهه فقلت له و ما الحيلة فقال إن الحيلة هو ذا هو معك أ فلا أَدُلُّكَ عَلى شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَ مُلْكٍ لا يَبْلى فكلا منها أنت و زوجك فتصيرا معي في الجنة أبدا من الخالدين و حلف لي بالله كاذبا إنه لمن الناصحين و لم أظن يا موسى أن أحدا يحلف بالله كاذبا فوثقت بيمينه فهذا عذري فأخبرني يا بني هل تجد فيما أنزل الله إليك أن خطيئتي كائنة من قبل أن أخلق قال له موسى بدهر طويل قال رسول الله ص فحج آدم موسى قال ذلك ثلاثا
45- شي، ]تفسير العياشي[ عن عبد الله بن سنان قال سئل أبو عبد الله ع و أنا حاضر كم لبث آدم و زوجه في الجنة حتى أخرجهما منها خطيئتهما فقال إن الله تبارك و تعالى نفخ في آدم روحه بعد زوال الشمس من يوم الجمعة ثم برأ زوجته من أسفل أضلاعه ثم أسجد له ملائكته و أسكنه جنته من يومه ذلك فو الله ما استقر فيها إلا ست ساعات في يومه ذلك حتى عصى الله فأخرجهما الله منها بعد غروب الشمس و ما باتا فيها و صيرا بفناء الجنة حتى أصبحا ف بَدَتْ لَهُما سَوْآتُهُما وَ ناداهُما رَبُّهُما أَ لَمْ أَنْهَكُما عَنْ تِلْكُمَا الشَّجَرَةِ فاستحيا آدم من ربه و خضع و قال رَبَّنا ظَلَمْنا أَنْفُسَنا و اعترفنا بذنوبنا فاغفر لنا قال الله لهما اهبطا من سماواتي إلى الأرض فإنه لا يجاورني في جنتي عاص و لا في سماواتي ثم قال أبو عبد الله ع إن آدم لما أكل من الشجرة ذكر ما نهاه الله عنها فندم فذهب ليتنحى من الشجرة فأخذت الشجرة برأسه فجرته إليها و قالت له أ فلا كان فرار من قبل أن تأكل مني
بيان هذا الخبر مصرح بكون جنتهما في السماء
46- شي، ]تفسير العياشي[ عن بعض أصحابنا عن أبي عبد الله ع في قول الله فَبَدَتْ لَهُما سَوْآتُهُما قال كانت سوءاتهما لا تبدو لهما فبدت يعني كانت من داخل
47- م، ]تفسير الإمام عليه السلام[ قوله عز و جل وَ قُلْنا يا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَ زَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَ كُلا مِنْها رَغَداً حَيْثُ شِئْتُما وَ لا تَقْرَبا هذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونا مِنَ الظَّالِمِينَ فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطانُ عَنْها فَأَخْرَجَهُما مِمَّا كانا فِيهِ وَ قُلْنَا اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَ لَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَ مَتاعٌ إِلى حِينٍ فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِماتٍ فَتابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ قُلْنَا اهْبِطُوا مِنْها جَمِيعاً فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدىً فَمَنْ تَبِعَ هُدايَ فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَ لا هُمْ يَحْزَنُونَ وَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَ كَذَّبُوا بِآياتِنا أُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ قال الإمام ع و إن الله عز و جل لما لعن إبليس بآبائه و أكرم الملائكة لسجودها لآدم و طاعتهم لله عز و جل أمر بآدم و حواء إلى الجنة و قال يا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَ زَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَ كُلا من الجنة رَغَداً واسعا حَيْثُ شِئْتُما بلا تعب وَ لا تَقْرَبا هذِهِ الشَّجَرَةَ شجرة العلم شجرة علم محمد و آل محمد آثرهم الله تعالى به دون سائر خلقه فقال الله تعالى وَ لا تَقْرَبا هذِهِ الشَّجَرَةَ شجرة العلم فإنها لمحمد و آله خاصة دون غيرهم لا يتناول منها بأمر الله إلا هم و منها ما كان يتناوله النبي ص و علي و فاطمة و الحسن و الحسين صلوات الله عليهم أجمعين بعد إطعامهم المسكين و اليتيم و الأسير حتى لم يحسوا بعد بجوع و لا عطش و لا تعب و لا نصب و هي شجرة تميزت من بين أشجار الجنة أن سائر أشجار الجنة كان كل نوع منها يحمل نوعا من الثمار و المأكول و كانت هذه الشجرة و جنسها تحمل البر و العنب و التين و العناب و سائر أنواع الثمار و الفواكه و الأطعمة فلذلك اختلف الحاكون بذكر الشجرة فقال بعضهم هي برة و قال آخرون هي عنبة و قال آخرون هي تينة و قال آخرون هي عنابة و قال الله وَ لا تَقْرَبا هذِهِ الشَّجَرَةَ تلتمسان بذلك درجة محمد و آل محمد في فضلهم فإن الله عز و جل خصهم بهذه الدرجة دون غيرهم و هي الشجرة التي من تناول منها بإذن الله ألهم علم الأولين و الآخرين من غير تعلم و من تناول منها بغير إذن الله خاب من مراده و عصى ربه فَتَكُونا مِنَ الظَّالِمِينَ بمعصيتكما و التماسكما درجة قد أوثر بها غيركما إذا رمتما بغير حكم الله قال الله تعالى فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطانُ عَنْها عن الجنة بوسوسته و خديعته و إيهامه و غروره بأن بدأ بآدم فقال ما نَهاكُما رَبُّكُما عَنْ هذِهِ الشَّجَرَةِ إِلَّا أَنْ تَكُونا مَلَكَيْنِ إن تناولتما منها تعلمان الغيب و تقدران على ما يقدر عليه من خصه الله تعالى بالقدرة أَوْ تَكُونا مِنَ الْخالِدِينَ لا تموتان أبدا وَ قاسَمَهُما حلف لهما إِنِّي لَكُما لَمِنَ النَّاصِحِينَ و كان إبليس بين لحيي الحية أدخلته الجنة و كان آدم يظن أن الحية هي التي تخاطبه و لم يعلم أن إبليس قد اختبأ بين لحييها فرد آدم على الحية أيتها الحية هذا من غرور إبليس كيف يخوننا ربنا أم كيف تعظمين الله بالقسم به و أنت تنسبينه إلى الخيانة و سوء النظر و هو أكرم الأكرمين أم كيف أروم التوصل إلى ما منعني منه ربي و أتعاطاه بغير حكمة فلما أيس إبليس من قبول آدم منه عاد ثانية بين لحيي الحية فخاطب حواء من حيث يوهمها أن الحية هي التي تخاطبها و قال يا حواء أ رأيت هذه الشجرة التي كان الله عز و جل حرمها عليكما قد أحلها لكما بعد تحريمها لما عرف من حسن طاعتكما له و توقيركما إياه و ذلك أن الملائكة الموكلين
بالشجرة التي معها الحراب يدفعون عنها سائر حيوانات الجنة لا يدفعونكما عنها إن رمتما فاعلما بذلك أنه قد أحل لك و أبشري بأنك إن تناولتها قبل آدم كنت أنت المسلطة عليه الآمرة الناهية فوقه فقالت حواء سوف أجرب هذا فرامت الشجرة فأرادت الملائكة أن يدفعوها عنها بحرابها فأوحى الله إليها أنما تدفعون بحرابكم ما لا عقل له يزجر و أما ما جعلته ممكنا مميزا مختارا فكلوه إلى عقله الذي جعلته حجة عليه فإن أطاع استحق ثوابي و إن عصى و خالف أمري استحق عقابي و جزائي فتركوها و لم يتعرضوا لها بعد ما هموا بمنعها بحرابهم فظنت أن الله نهاهم عن منعها لأنه قد أحلها بعد ما حرمها فقالت صدقت الحية و ظنت أن المخاطب لها هي الحية فتناولت منها و لم تنكر من نفسها شيئا فقالت لآدم أ لم تعلم أن الشجرة المحرمة علينا قد أبيحت لنا تناولت منها و لم تمنعي أملاكها و لم أنكر شيئا من حالي فلذلك اغتر آدم و غلط فتناول فأصابهما ما قال الله تعالى في كتابه فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطانُ عَنْها بوسوسته و غروره فَأَخْرَجَهُما مِمَّا كانا فِيهِ من النعيم وَ قُلْنَا يا آدم و يا حواء و يا أيها الحية و يا إبليس اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ آدم و حواء و ولدهما عدو للحية و إبليس و الحية و أولادهما أعداؤكم وَ لَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ منزل و مقر للمعاش وَ مَتاعٌ منفعة إِلى حِينٍ الموت قال الله تعالى فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِماتٍ يقولها فقالها فَتابَ الله عَلَيْهِ بها إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ التواب القابل التوبات الرحيم بالتائبين قُلْنَا اهْبِطُوا مِنْها جَمِيعاً كان أمر في الأول أن يهبطا و في الثاني أمرهم أن يهبطوا جميعا لا يتقدم أحدهم الآخر و الهبوط أنما هو هبوط آدم و حواء من الجنة و هبوط الحية أيضا منها فإنها كانت من أحسن دوابها و هبوط إبليس من حواليها فإنه كان محرما عليه دخول الجنة فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدىً يأتيكم و أولادكم من بعدكم مني هدى يا آدم و يا إبليس فَمَنْ تَبِعَ هُدايَ فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَ لا هُمْ يَحْزَنُونَ لا خوف عليهم حين يخاف المخالفون و لا يحزنون إذا يحزنون قال فلما زالت من آدم الخطيئة اعتذر إلى ربه عز و جل و قال رب تب علي و اقبل معذرتي و أعدني إلى مرتبتي و ارفع لديك درجتي فلقد تبين نقص الخطيئة و ذلها في أعضائي و سائر بدني قال الله تعالى يا آدم أ ما تذكر أمري إياك أن تدعوني بمحمد و آله الطيبين عند شدائدك و دواهيك و في النوازل تبهظك قال آدم يا رب بلى قال الله عز و جل فبهم و بمحمد و علي و فاطمة و الحسن و الحسين صلوات الله عليهم خصوصا فادعني أجبك إلى ملتمسك و أزدك فوق مرادك فقال آدم يا رب يا إلهي و قد بلغ عندك من محلهم أنك بالتوسل إليك بهم تقبل توبتي و تغفر خطيئتي و أنا الذي أسجدت له ملائكتك و أبحته جنتك و زوجته حواء أمتك و أخدمته كرام ملائكتك قال الله تعالى يا آدم إنما أمرت الملائكة بتعظيمك بالسجود لك إذ كنت وعاء لهذه الأنوار و لو كنت سألتني بهم قبل خطيئتك أن أعصمك منها و أن أفطنك لدواعي عدوك إبليس حتى تحترز منها لكنت قد جعلت لك و لكن المعلوم في سابق علمي يجري موافقا لعلمي فالآن فادعني بهم لأجيبك فعند ذلك قال آدم اللهم بجاه محمد و آله الطيبين بجاه محمد و علي و فاطمة و الحسن و الحسين و الطيبين من آلهم لما تفضلت بقبول توبتي و غفران زلتي و إعادتي من كرامتك إلى مرتبتي قال الله عز و جل قد قبلت توبتك و أقبلت برضواني عليك و صرفت آلائي و نعمائي إليك و أعدتك إلى مرتبتك من كراماتي و وفرت نصيبك من رحماتي فذلك قوله عز و جل فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِماتٍ فَتابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ ثم قال الله تعالى للذين أهبطهم من آدم و حواء و إبليس و الحية وَ لَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ مقام فيها تعيشون و تحثكم لياليها و أيامها إلى السعي للآخرة فطوبى
لمن يروضها لدار البقاء وَ مَتاعٌ إِلى حِينٍ لكم في الأرض منفعة إلى حين موتكم لأن الله تعالى منها يخرج زروعكم و ثماركم و بها ينزهكم و ينعمكم و فيها أيضا بالبلايا يمتحنكم يلذذكم بنعيم الدنيا تارة لتذكروا نعيم الأخرى الخالص مما ينغص نعيم الدنيا و يبطله و يزهد فيه و يصغره و يحقره و يمتحنكم تارة ببلايا الدنيا التي قد تكون في خلالها الرحمات و في تضاعيفها النعم التي تدفع عن المبتلى بها مكاره ليحذركم بذلك عذاب الأبد الذي لا يشوبه عافية و لا يقع في تضاعيفه راحة و لا رحمة وَ قُلْنَا اهْبِطُوا قد فسر ثم قال الله عز و جل وَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَ كَذَّبُوا بِآياتِنا الدالات على صدق محمد على ما جاء به من أخبار القرون السالفة و على ما أداه إلى عباد الله من ذكر تفضيله لعلي ع و آله الطيبين خير الفاضلين و الفاضلات بعد محمد سيد البريات أُولئِكَ الدافعون لصدق محمد في أنبائه و المكذبون له في تصديقه لأوليائه علي سيد الأوصياء و المنتجبين من ذريته الطيبين الطاهرين
بيان تبهظك أي تثقل عليك من قولهم بهظه الحمل يبهظه بهظا أي أثقله و عجز عنه قوله ع يروضها من راض الدابة أي علمها و ذللها و لما شبه ع الأيام و الليالي بالمركب الذي يسرع بنا إلى الأجل نسب إليها الروض ترشيحا فمن سعى للآخرة فكأنما راض هذه الدابة للتوجه إلى الآخرة و تحصيل سعاداتها و نغص عيشه كدره. ثم اعلم أنه اختلف في كيفية وصول إبليس إلى آدم و حواء حتى وسوس إليهما و إبليس كان قد أخرج من الجنة حين أبى السجود و هما في الجنة فقيل إن آدم كان يخرج إلى باب الجنة و إبليس لم يكن ممنوعا من الدنو منه فكان يكلمه و كان هذا قبل أن يهبط إلى الأرض و بعد أن أخرج من الجنة و قيل إنه كلمهما من الأرض بكلام عرفاه و فهماه منه و قيل إنه دخل في فقم الحية و خاطبهما من فقمها و الفقم جانب الشدق قال صاحب الكامل إن إبليس أراد دخول الجنة فمنعته الخزنة فأتى كل دابة من دواب الأرض و عرض نفسه عليها أن تحمله حتى يدخل الجنة ليكلم آدم و زوجه فكل الدواب أبى عليه ذلك حتى أتى الحية و قال لها أمنعك من ابن آدم فأنت في ذمتي إن أنت أدخلتني فجعلته ما بين نابين من أنيابها ثم دخلت به و كانت كاسية على أربع قوائم من أحسن دابة خلقها الله تعالى كأنها بختية فأعراها الله و جعلها تمشي على بطنها انتهى و قيل راسلهما بالخطاب و ظاهر القرآن يدل على المشافهة و هذا الخبر يدل على الثالث
48- كا، ]الكافي[ علي بن محمد عن صالح بن أبي حماد عن الحسين بن يزيد عن الحسن بن علي بن أبي حمزة عن أبي إبراهيم عن أبي عبد الله ع قال إن الله عز و جل لما أصاب آدم و زوجته الحنطة أخرجهما من الجنة و أهبطهما إلى الأرض فأهبط آدم على الصفا و أهبطت حواء على المروة و إنما سمي صفا لأنه شق له من اسم آدم المصطفى و ذلك لقول الله عز و جل إِنَّ اللَّهَ اصْطَفى آدَمَ وَ نُوحاً و سميت المروة مروة لأنه شق لها من اسم المرأة فقال آدم ما فرق بيني و بينها إلا لأنها لا تحل لي و لو كانت تحل لي هبطت معي على الصفا و لكنها حرمت على من أجل ذلك و فرق بيني و بينها فمكث آدم معتزلا حواء فكان يأتيها نهارا فيتحدث عندها على المروة فإذا كان الليل و خاف أن تغلبه نفسه يرجع إلى الصفا فيبيت عليه و لم يكن لآدم أنس غيرها و لذلك سمين النساء من أجل أن حواء كانت أنسا لآدم لا يكلمه الله و لا يرسل إليه رسولا ثم إن الله عز و جل من عليه بالتوبة و تلقاه بكلمات فلما تكلم بها تاب الله عليه و بعث إليه جبرءيل ع فقال السلام عليك يا آدم التائب من خطيئته الصابر لبليته إن الله عز و جل أرسلني إليك لأعلمك المناسك التي تطهر بها فأخذ بيده فانطلق به إلى مكان البيت و أنزل الله عليه غمامة فأظلت مكان البيت و كانت الغمامة بحيال البيت المعمور فقال يا آدم خط برجلك حيث أظلت عليك هذه الغمامة فإنه سيخرج لك بيتا من مهاة يكون قبلتك و قبلة عقبك من بعدك ففعل آدم ع و أخرج الله له تحت الغمامة بيتا من مهاة و أنزل الله الحجر الأسود فكان أشد بياضا من اللبن و أضوأ من الشمس و إنما اسود لأن المشركين تمسحوا به فمن نجس المشركين اسود الحجر و أمره جبرءيل ع أن يستغفر الله من ذنبه عند جميع المشاعر و يخبره أن الله عز و جل قد غفر له و أمره أن يحمل حصيات الجمار من المزدلفة فلما بلغ موضع الجمار تعرض له إبليس فقال له يا آدم أين تريد فقال له جبرءيل لا تكلمه و ارمه بسبع حصيات و كبر مع كل حصاة ففعل آدم حتى فرغ من رمي الجمار و أمره أن يقرب القربان و هو الهدي قبل رمي الجمار و أمره أن يحلق رأسه تواضعا لله عز و جل ففعل آدم ذلك ثم أمره بزيارة البيت و أن يطوف به سبعا و أن يسعى بين الصفا و المروة أسبوعا يبدأ بالصفا و يختم بالمروة ثم يطوف بعد ذلك أسبوعا بالبيت و هو طواف النساء لا يحل لمحرم أن يباضع حتى يطوف طواف النساء ففعل آدم فقال له جبرءيل إن الله عز و جل قد غفر ذنبك و قبل توبتك و أحل لك زوجتك فانطلق آدم و قد غفر له ذنبه و قبلت منه توبته و حلت له زوجته
49- كا، ]الكافي[ الحسين بن محمد عن المعلى عن جعفر بن محمد بن عبيد الله عن محمد بن عيسى القمي عن محمد بن سليمان عن عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله ع في قوله و لقد عهدنا إلى آدم من قبل كلمات في محمد و علي و فاطمة و الحسن و الحسين و الأئمة من ذريتهم فنسي هكذا و الله أنزلت على محمد ص
50- كا، ]الكافي[ محمد بن يحيى و غيره عن أحمد بن محمد عن العباس بن معروف عن علي بن مهزيار عن الحسين بن سعيد عن إبراهيم بن أبي البلاد قال حدثني أبو بلال المكي قال رأيت أبا عبد الله ع طاف بالبيت ثم صلى فيما بين الباب و الحجر الأسود ركعتين فقلت له ما رأيت أحدا منكم صلى في هذا الموضع فقال هذا المكان الذي تيب على آدم فيه
51- كا، ]الكافي[ محمد بن يحيى عن أحمد بن محمد عن علي بن محمد العلوي قال سألت أبا جعفر ع عن آدم حيث حج مما حلق رأسه فقال نزل عليه جبرءيل ع بياقوتة من الجنة فأمرها على رأسه فتناثر شعره
52- أقول روى السيد في كتاب سعد السعود أنه رأى في صحف إدريس ع أمر الله الملائكة فحملت آدم و زوجته حواء على كرسي من نور و أدخلوهما الجنة فوضعا في وسط الفردوس من ناحية المشرق ثم ذكر حديث إقامة آدم ع خمس ساعات من نهار ذلك اليوم في الجنة و أكله من الشجرة و ذكر حديث إخراجه من الجنة و هبوط آدم بأرض الهند على جبل اسمه باسم على واد اسمه نهيل بين الدهنج و المندل بلدي الهند و هبطت حواء بجدة و معاينة الله جل جلاله لهما ثم قال الله لهما قد بتما ليلتكما هذه لا يعرف أحدكما مكان صاحبه و أنتما بعيني و حفظي أنا جامع بينكما في عافية و إن أفضل أوقات العباد الوقت الذي أدخلتك و زوجتك الجنة عند زوال الشمس فسبحتماني فيها فكتبتها صلاة و سميتها لذلك الأولى و كانت في أفضل الأيام يوم الجمعة ثم أهبطتكما إلى الأرض وقت العصر فسبحتماني فيها فكتبتها لكما أيضا صلاة و سميتها لذلك بصلاة العصر ثم غابت الشمس فصليت لي فيها فسميتها صلاة المغرب ثم جلست لي حين غاب الشفق فسميتها صلاة العشاء و قد فرضت عليك و على نسلك في كل يوم و ليلة خمسين ركعة فيها مائة سجدة فصلها يا آدم أكتب لك و لمن صلاها من نسلك ألفين و خمسمائة صلاة و هذا شهر نيسان المبارك فصمه لي فصام آدم ثلاثة أيام من شهر نيسان و ذكر حديث فطوره و حديث حج آدم ع إلى الكعبة و ما أمره الله به من بناء الكعبة و سؤال الملائكة أن يشركها معه و أنه قال الأمر إلى الله فشركها الله جل جلاله معه ثم قال و نادت الجبال يا آدم اجعل لنا في بناء قواعد بيت الله نصيبا فقال ما لي فيه من أمر الأمر إلى رب البيت يشرك فيه من أحب فأذن الله للجبال بذلك فابتدر كل جبل منها بحجارة منه و كان أول جبل شق بحجارة منه أبو قبيس لقربه منه ثم حراء ثم ثور ثم ثبير ثم ورقان ثم حمون ثم صبرار ثم أحد ثم طور سيناء ثم طور دينا ثم لبنان ثم جودي و أمر الله آدم أن يأخذ من كل جبل حجرا فيضعه في الأساس ففعل ثم ذكر شرح حج آدم ع و اجتماعه بحواء و قبول توبتهما و حديث هابيل و قابيل و أولاد آدم و أولادهم مائة و عشرين بطنا في سبعمائة سنة من عمره و حديث وصيته إلى شيث بعد قتل هابيل
تذنيب اعلم أن أعظم شبه المخطئة للأنبياء ع التي تمسكوا بها قصة آدم ع و استدلوا بما ورد فيها بوجوه. الأول أنه كان عاصيا لقوله تعالى وَ عَصى آدَمُ رَبَّهُ و العاصي لا بد أن يكون صاحب كبيرة لقوله تعالى وَ مَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَ رَسُولَهُ فَإِنَّ لَهُ نارَ جَهَنَّمَ و لأن العاصي اسم ذم فوجب أن لا يتناول إلا صاحب الكبيرة. و أجاب عنه السيد علم الهدى رضي الله عنه بأن المعصية مخالفة الأمر و الأمر من الحكيم تعالى يكون بالواجب و بالندب و ليس يمتنع أن يسمى تارك النفل عاصيا كما يسمى بذلك تارك الواجب و لهذا يقولون أمرت فلانا بكذا و كذا من الخير فعصاني و خالفني و إن لم يكن ما أمر به واجبا و اعترض عليه بأنه مجاز و الأصل في الإطلاق الحقيقة و أجيب بمنع كونه مجازا فيه و الأظهر أن يقال على تقدير تسليم كونه مجازا لا بد من أن يصار إليه عند معارضة الأدلة القطعية بل قد يرتكب المجاز عند معارضة دليل ظني أيضا. و أجاب المجوزون للذنب عليهم ع قبل النبوة بأن آدم ع لم يكن نبيا حين صدرت المعصية عنه ثم بعد ذلك صار نبيا و لا محذور فيه و أجيب أيضا بأن المعصية كانت عن آدم ع في الجنة لا في الأرض التي هي دار التكليف فلا يلزم صدور المعصية عنهم ع قبل النبوة و لا بعدها في دار التكليف و قد عرفت مما أوردنا في باب العصمة ضعفهما و عدم استقامتهما على أصول الإمامية مع أن الأخير لا ينطبق على شيء من المذاهب و قد ذكرنا هاهنا تأويل الخبرين اللذين يوهمانهما و أجيب أيضا بأن معصيته كانت من الصغائر المكفرة دون الكبائر و هو جواب أكثر المعتزلة و قد عرفت ضعفه. و أجيب أيضا بأنه لما نهي عن الأكل من الشجرة ظن أن النهي عن عين الشجرة لا عن نوعها و كان الله سبحانه أراد نهيه عن نوعها و لكنه لم يقل لهما لا تقربا هذه الشجرة و لا ما كان من جنسها و اللفظة قد يراد بها النوع
كما روي عن النبي ص أنه أشار إلى حرير و ذهب و قال هذان حرامان على رجال أمتي
و كان ظنه ذلك لأن إبليس حلف لهما بالله كاذبا إنه لهما لمن الناصحين و لم يكن شاهد قبل ذلك من يحلف بالله كذلك فأكل من شجرة أخرى من نوعها و كان ذلك من قبيل الخطاء في الاجتهاد و ليس من كبائر الذنوب التي يستحق بها دخول النار. و اعترض عليه بوجوه. أولها أن اسم الإشارة موضوع للأشخاص و الإشارة به إلى النوع مجاز فإذا حمل آدم على نبينا و آله و عليه السلام اللفظ على حقيقته فأي خطاء يلحقه و لما ذا أخرج من الجنة و أجيب عنه بأن اللفظ و إن كان موضوعا للشخص إلا أنه كان قد قرنه بما يدل على أن المراد به النوع. و ثانيها أنه سبحانه لو كلفه على الوجه المذكور من دون قرينة تدل على المراد لزم تكليف ما لا يطاق و مع القرينة يلزمه الإخلال بالنظر و التقصير في المعرفة و يلزمه الخطأ قصدا فلم يفد هذا الجواب إلا تغيير الخطيئة و كون الخطيئة على تقدير صغيرة أو ارتكابا لخلاف الأولى و على غيره كبيرة تعسف و أجيب بأنه ع لعله عرف القرينة في وقت الخطاب ثم غفل عنها و نسي لطول المدة أو غيره كما قال تعالى وَ لَقَدْ عَهِدْنا إِلى آدَمَ مِنْ قَبْلُ فَنَسِيَ و هذا مبني على سهوهم و هو منفي عنهم و قد وردت الأخبار بأن المراد بالنسيان الترك. و ثالثها أن الأنبياء ع لا يجوز عليهم الاجتهاد و العمل بالظن لتمكنهم من العلم و العمل بالظن مع التمكن من تحصيل العلم غير جائز عقلا و شرعا و يمكن الجواب بأنا لا نسلم أن آدم على نبينا و آله و ع كان وقت الخطاب نبيا كما يدل عليه الرواية فلا محذور في عمله بالظن حينئذ فإن تمكنه من العلم و اليقين ممنوع و فيه إشكال. الوجه الثاني أنه تعالى سماه غاويا بقوله فَغَوى و الغي خلاف الرشد لقوله تعالى قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ و الغاوي يكون صاحب كبيرة خصوصا إذا وقع تأكيدا للعاصي و أجاب السيد رحمه الله بأن معنى غوى أنه خاب لأنا نعلم أنه لو فعل ما ندب إليه من ترك التناول من الشجرة لاستحق الثواب العظيم فإذا خالف الأمر و لم يصر إلى ما ندب إليه فقد خاب لا محالة من حيث لم يصر إلى الثواب الذي كان يستحق بالامتناع و لا شبهة في أن لفظ غوى يحتمل الخيبة قال الشاعر. فمن يلق خيرا يحمد الناس أمره. و من يغو لا يعدم على الغي لائما.
انتهى و قال الجوهري الغي الضلال و الخيبة و قال خاب الرجل يخيب خيبة إذا لم ينل ما طلب و في المثل الهيبة خيبة و قال الجزري في حديث موسى و آدم على نبينا و آله و عليهما السلام لأغويت الناس أي خيبتهم يقال غوى الرجل إذا خاب و أغواه غيره و حينئذ لا يكون قوله تعالى فَغَوى تأكيدا للعصيان بل يكون المعنى ترك ما أمر به ندبا فحرم من الثواب الذي كان يستحقه لو فعله. و يمكن أن يجاب على تقدير كون الغواية بمعنى الضلال و ضد الرشاد بأن الرشد هو التوصل بشيء إلى شيء و سلوك طريقة موصلة إلى المطلوب فمن ارتكب ما يبعده عن مطلوبه كان ضالا غاويا و لو كان بمخالفة أمر ندبي أو ارتكاب نهي تنزيهي و لذا يقال لكل من بعد عن الطريق أنه ضل و لو سلم أن الغواية لا يستعمل حقيقة إلا فيما زعمه المستدل نقول لا بد من حمله في الآية على ما ذكرناه و لو على سبيل المجاز لدلائل العصمة و أجيب أيضا بأن غوى هاهنا بمعنى بشم من كثرة الأكل أي اتخم. و قال السيد رضي الله عنه في جواب المسائل التي وردت عليه من الري فإن قالوا ما المانع من أن يريد و عصى أي لم يفعل الواجب من الكف عن الشجرة و الواجب يستحق بالإخلال به حرمان الثواب كالفعل المندوب إليه فكيف رجحتم ما ذهبتم إليه على ما ذهبنا نحن قلنا الترجيح لقولنا ظاهر إذ الظاهر من قوله تعالى عَصى... فَغَوى أن الذي دخلته الفاء جزاء على المعصية و أنه كل الجزاء المستحق بالمعصية لأن الظاهر من قول القائل سرق فقطع و قذف فجلد ثمانين أن ذلك جميع الجزاء لا بعضه و كذلك إذا قال القائل من دخل داري فله درهم حملناه على أن الدرهم جميع جزائه و لا يستحق بالدخول سواه و من لم يفعل الواجب استحق الذم و العقاب و حرمان الثواب و من لم يفعل المندوب إليه فهو غير مستحق لشيء كان تركه للندب سببا فيه إلا حرمان الثواب فقط و بينا أن من لم يفعل الواجب ليس كذلك و إذا كان الظاهر يقتضي أن ما دخلته الفاء جميع الجزاء على ذلك السبب لم يلق إلا بما قلناه دون ما ذهبوا إليه و هذا واضح لمن تدبره
الوجه الثالث أنه ع تاب و التائب مذنب أما أنه تائب فلقوله تعالى فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِماتٍ فَتابَ عَلَيْهِ و أما أن التائب مذنب فلأن التائب هو النادم على فعل الذنب و النادم على فعل الذنب مخبر عن كونه فاعلا للذنب فإن كذب في ذلك الأخبار فهو مذنب بالكذب و إن صدق فيه فهو المطلوب و أجاب عنه السيد رضي الله عنه بأن التوبة عندنا و على أصولها غير موجبة لإسقاط العقاب و إنما يسقط الله تعالى العقاب عندنا تفضيلا و الذي توجبه التوبة هو استحقاق الثواب فقبولها على هذا الوجه هو ضمان الثواب عليها فمعنى قوله فَتابَ عَلَيْهِ أنه ضمن ثوابها و لا بد لمن ذهب إلى أن معصية آدم على نبينا و آله و عليه السلام صغيرة من هذا الوجه لأنه إذا قيل له كيف تقبل توبته و يغفر له و معصيته في الأصل وقعت مكفرة لا يستحق عليها شيئا من العقاب لم يكن له بد من الرجوع إلى ما ذكرناه و التوبة قد يحسن أن يقع ممن لم يعهد من نفسه قبيحا على سبيل الانقطاع إلى الله و الرجوع إليه و يكون وجه حسنها في هذا الموضع استحقاق الثواب بها أو كونها لطفا كما يحسن أن يقع ممن يقطع على أنه غير مستحق للعقاب و أن التوبة لا تؤثر في إسقاط شيء يستحقه من العقاب و لهذا جوزوا التوبة من الصغائر و إن لم تكن مؤثرة في إسقاط ذم و لا عقاب انتهى. و يدل على أن التوبة لا توجب إسقاط العقاب كثير من عبارات الأدعية المأثورة ثم إنا لو سلمنا أن التوبة مما يوجب إسقاط العقاب نحمل التوبة هاهنا على المجاز لما عرفت سابقا. الوجه الرابع أنه تعالى سماه ظالما بقوله فَتَكُونا مِنَ الظَّالِمِينَ و هو سمى نفسه ظالما في قوله رَبَّنا ظَلَمْنا أَنْفُسَنا و الظالم ملعون لقوله أَلا لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ و من استحق اللعن فهو صاحب الكبيرة. و أجاب السيد رحمه الله بأن معنى قولهما رَبَّنا ظَلَمْنا أَنْفُسَنا أنا نقصنا أنفسنا و بخسناها ما كنا نستحقه من الثواب بفعل ما أريد منا و حرمنا تلك الفائدة الجليلة من التعظيم و ذلك الثواب و إن لم يكن مستحقا قبل أن يفعل الطاعة التي يستحق بها فهو في حكم المستحق فيجوز أن يوصف من فوته نفسه بأنه ظالم لها كما يوصف بذلك من فوت نفسه المنافع المستحقة و هذا هو معنى قوله تعالى فَتَكُونا مِنَ الظَّالِمِينَ انتهى. و الظلم في الأصل وضع الشيء غير موضعه قال الجوهري و يقال من أشبه أباه فما ظلم و قيل أصل الظلم انتقاص الحق قال الله تعالى كِلْتَا الْجَنَّتَيْنِ آتَتْ أُكُلَها وَ لَمْ تَظْلِمْ مِنْهُ شَيْئاً أي لم تنقص و قال الجزري في حديث ابن زمل لزموا الطريق فلم يظلموه أي لم يعدلوا عنه يقال أخذ في طريق فما ظلم يمينا و شمالا فظهر أن الوصف بالظلم لا يستلزم ما ادعاه المستدل إذ لا شك في أن مخالفة أمره سبحانه وضع للشيء في غير موضعه و موجب لنقص الثواب و عدول عن الطريق المؤدي إلى المراد و أما ما استدل به على أن الظالم ملعون فباطل إذ وقع هذا في موضعين من القرآن أحدهما في الأعراف أَنْ لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ الَّذِينَ يَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَ يَبْغُونَها عِوَجاً وَ هُمْ بِالْآخِرَةِ كافِرُونَ و ثانيهما في هود و فيها كما ذكر إلا أن آخر الآية فيها هكذا وَ هُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ كافِرُونَ و على أي حال لا يدل على لعن مطلق الظالمين بل لا يدل على لعن صاحب الكبيرة أيضا من المسلمين على أن اللعن أيضا لا يدل على كون الفعل كبيرة لورود الأخبار بلعن صاحب الصغيرة بل من ارتكب النهي التنزيهي أيضا إذ اللعن الطرد و الإبعاد عن الرحمة و البعد عنها يحصل بترك المندوب و فعل المكروه أيضا لكن لما غلب استعماله في المشركين و الكفار لا يجوز استعماله في صلحاء المؤمنين قطعا و في فساقهم إشكال و الأولى الترك. الوجه الخامس أنه ارتكب المنهي عنه في قوله تعالى وَ لا تَقْرَبا هذِهِ الشَّجَرَةَ و قوله تعالى أَ لَمْ أَنْهَكُما و ارتكاب المنهي عنه كبيرة. و الجواب أن النهي كما يكون للتحريم يكون للتنزيه و لو ثبت أنه حقيقة في التحريم حملناه على المجاز لدلائل العصمة على أن شيوع استعماله في التنزيه يمنع من حمله على المعنى الحقيقي بلا قرينة و أما ما ادعاه من كون ارتكاب المنهي عنه كبيرة مطلقا فلا يخفى فساده.
الوجه السادس أنه أخرج من الجنة بسبب وسوسة الشيطان و إزلاله جزاء على ما أقدم عليه و ذلك يدل على كونه فاعلا للكبيرة و أجيب بأن ما ذكر أنما يكون عقوبة إذا كان على سبيل الاستخفاف و الإهانة و لعله كان على وجه المصلحة بأن يكون الله تعالى علم أن المصلحة تقتضي تبقية آدم في الجنة ما لم يتناول من الشجرة فإذا تناول منها تغيرت المصلحة و صار إخراجه عنها و تكليفه في دار غيرها هو المصلحة و كذا القول في سلب اللباس. الوجه السابع أنه لو لا مغفرة الله إياه لكان من الخاسرين لقوله وَ إِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنا وَ تَرْحَمْنا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخاسِرِينَ و ذلك يقتضي كونه صاحب كبيرة و الجواب أن الخسران ضد الربح و لا شك أن من نقص ثوابه فقد خسر فالخسران الذي كان يستعيذ منه هو نقص الثواب على تقدير عدم قبول التوبة. و إنما بسطنا الكلام في هذا المقام و نسينا ما عهدنا من العزم على الاختصار التام لأن شبهات المخالفين في هذا الباب قد تعلقت بقلوب الخاص و العام و عمدة ما تمسكوا به هو خطيئة آدم على نبينا و آله و عليه السلام و أيضا ما ذكرنا هاهنا أكثره يجري فيما نسبوا إلى سائر الأنبياء لهم التحية و الإكرام و على نبينا و آله و عليهم صلوات الله الملك العلام