الآيات هود وَ ما نُؤَخِّرُهُ إِلَّا لِأَجَلٍ مَعْدُودٍ يَوْمَ يَأْتِ لا تَكَلَّمُ نَفْسٌ إِلَّا بِإِذْنِهِ فَمِنْهُمْ شَقِيٌّ وَ سَعِيدٌ فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُوا فَفِي النَّارِ لَهُمْ فِيها زَفِيرٌ وَ شَهِيقٌ خالِدِينَ فِيها ما دامَتِ السَّماواتُ وَ الْأَرْضُ إِلَّا ما شاءَ رَبُّكَ إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِما يُرِيدُ وَ أَمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا فَفِي الْجَنَّةِ خالِدِينَ فِيها ما دامَتِ السَّماواتُ وَ الْأَرْضُ إِلَّا ما شاءَ رَبُّكَ عَطاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ مريم وَ أَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ إِذْ قُضِيَ الْأَمْرُ وَ هُمْ فِي غَفْلَةٍ وَ هُمْ لا يُؤْمِنُونَ تفسير قال الطبرسي رحمه الله في قوله تعالى خالِدِينَ فِيها ما دامَتِ السَّماواتُ وَ الْأَرْضُ إِلَّا ما شاءَ رَبُّكَ اختلف العلماء في تأويل هذا في الآيتين و هما من المواضع المشكلة في القرآن و الإشكال فيه من وجهين أحدهما تحديد الخلود بمدة دوام السماوات و الأرض و الآخر الاستثناء بقوله إِلَّا ما شاءَ رَبُّكَ فالأول فيه أقوال أحدها أن المراد ما دامت السماوات و الأرض مبدلتين أي ما دامت سماء الآخرة و أرضها و هما لا يفنيان إذا أعيدا بعد الإفناء و ثانيها أن المراد ما دامت سماوات الجنة و النار و أرضهما و كل ما علاك و أظلك فهو سماء كل ما استقر عليه قدمك فهو أرض و هذا مثل الأول أو قريب منه و ثالثها أن المراد ما دامت الآخرة و هي دائمة أبدا كما أن دوام السماء و الأرض في الدنيا قدر مدة بقائها و رابعها أنه لا يراد به السماء و الأرض بعينهما بل المراد التبعيد فإن للعرب ألفاظا للتبعيد في معنى التأبيد يقولون لا أفعل ذلك ما اختلف الليل و النهار و ما دامت السماوات و الأرض و ما ذر شارق و أشباه ذلك كثيرة ظنا منهم أن هذه الأشياء لا تتغير و يريدون بذلك التأبيد لا التوقيت فخاطبهم الله سبحانه بالمتعارف من كلامهم على قدر عقولهم و ما يعرفون. و أما الكلام في الاستثناء فقد اختلف فيه أقوال العلماء على وجوه أحدها أنه استثنى في الزيادة من العذاب لأهل العذاب و الزيادة من النعيم لأهل الجنة و التقدير إِلَّا ما شاءَ رَبُّكَ من الزيادة على هذا المقدار كما يقول الرجل لغيره لي عليك ألف دينار إلا الألفين اللذين أقرضتكهما وقت كذا فالألفان زيادة على الألف بغير شك لأن الكثير لا يستثنى من القليل فيكون على هذا إلا بمعنى سوى و ثانيها أن الاستثناء واقع على مقامهم في المحشر و الحساب لأنهم حينئذ ليسوا في جنة و لا نار و مدة كونهم في البرزخ الذي هو ما بين الموت و الحياة لأنه تعالى لو قال خالدين فيها أبدا و لم يستثن لظن ظان أنهم يكونون في النار أو الجنة من لدن نزول الآية أو من بعد انقطاع التكليف فحصل للاستثناء فائدة. و ثالثها أن الاستثناء الأول يتصل بقوله لَهُمْ فِيها زَفِيرٌ وَ شَهِيقٌ و تقديره إلا ما شاء ربك من أنواع العذاب على هذين الضربين و لا يتعلق الاستثناء بالخلود و في أهل الجنة يتصل بما دل عليه الكلام فكأنه قال لهم فيها نعيم إلا ما شاء ربك من أنواع النعيم و إنما دل عليه قوله عَطاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ. و رابعها أن يكون إلا بمعنى الواو أي و ما شاء ربك عن الفراء و قد ضعفه محققو النحويين. و خامسها أن المراد بالذين شقوا من أدخل النار من أهل التوحيد الذين
ضموا إلى إيمانهم و طاعاتهم ارتكاب المعاصي فقال سبحانه إنهم معاقبون في النار إلا ما شاء ربك من إخراجهم إلى الجنة و إيصال ثواب طاعاتهم إليهم. و يجوز أن يريد بالذين شقوا جميع الداخلين إلى جهنم ثم استثنى بقوله إِلَّا ما شاءَ رَبُّكَ أهل الطاعات منهم ممن قد استحق الثواب و لا بد أن يوصل إليه و تقديره إلا ما شاء ربك أن يخرجه بتوحيده من النار و يدخله الجنة و قد يكون ما بمعنى من و أما في أهل الجنة فهو استثناء من خلودهم أيضا لما ذكرناه لأن من ينقل إلى الجنة من النار و خلد فيها لا بد في الإخبار عنه بتأبيد خلوده أيضا من استثناء ما تقدم فكأنه قال خالدين فيها إلا ما شاء ربك من الوقت الذي أدخلهم فيه النار قبل أن ينقلهم إلى الجنة فما في قوله ما شاءَ رَبُّكَ هاهنا على بابه و الاستثناء من الزمان و الاستثناء في الأول عن الأعيان و الذين شقوا على هذا القول هم الذين سعدوا بأعيانهم و إنما أجري عليهم كل لفظ في الحال التي تليق به فإذا أدخلوا النار و عوقبوا فيها فهم من أهل الشقاوة و إذا نقلوا منها إلى الجنة فهم من أهل السعادة و هذا القول عن ابن عباس و جابر بن عبد الله و أبي سعيد الخدري و قتادة و السدي و الضحاك و جماعة من المفسرين و روى أبو روق عن الضحاك عن ابن عباس قال الَّذِينَ شَقُوا ليس فيهم كافر و إنما هم قوم من أهل التوحيد يدخلون النار بذنوبهم ثم يتفضل الله عليهم فيخرجهم من النار إلى الجنة فيكونون أشقياء في حال سعداء في حال أخرى و قال قتادة الله أعلم بثنياه ذكر لنا أن ناسا يصيبهم سفع من النار بذنوبهم ثم يدخلهم الله الجنة برحمته يسمون الجهنميين و هم الذين أنفذ فيهم الوعيد ثم أخرجهم الله بالشفاعة. و سادسها أن تعليق ذلك بالمشية على سبيل التأكيد للخلود و التبعيد للخروج لأن الله تعالى لا يشاء إلا تخليدهم على ما حكم به فكأنه تعليق لما لا يكون بما لا يكون لأنه لا يشاء أن يخرجهم منها. و سابعها ما قاله الحسن إن الله تعالى استثنى ثم عزم بقوله إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِما يُرِيدُ أنه أراد أن يخلدهم و قريب منه ما قاله الزجاج و غيره أنه استثناء تستثنيه العرب و تفعله كما تقول و الله لأضربن زيدا إلا أن أرى غير ذلك و أنت عازم على ضربه و المعنى في الاستثناء على هذا أني لو شئت أن أضربه لفعلت. و ثامنها ما قاله يحيى بن سلام البصري إنه يعني بقوله إِلَّا ما شاءَ رَبُّكَ ما سبقهم به الذين دخلوا قبلهم من الفريقين و احتج بقوله تعالى وَ سِيقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلى جَهَنَّمَ زُمَراً وَ سِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَراً قال إن الزمرة تدخل بعد الزمرة فلا بد أن يقع بينهما تفاوت في الدخول و الاستثناءان على هذا من الزمان. و تاسعها أن المعنى أنهم خالدون في النار دائمون فيها مدة كونهم في القبور ما دامت السماوات في الأرض و الدنيا و إذا فنيتا و عدمتا انقطع عقابهم إلى أن يبعثهم الله للحساب و قوله إِلَّا ما شاءَ رَبُّكَ استثناء وقع على ما يكون في الآخرة أورده الشيخ أبو جعفر قدس الله روحه و قال ذكره قوم من أصحابنا في التفسير. و عاشرها أن المراد إلا ما شاء ربك أن يتجاوز عنهم فلا يدخلهم النار فالاستثناء لأهل التوحيد عن أبي محلز قال هي جزاؤهم و إن شاء سبحانه تجاوز عنهم و الاستثناء على هذا يكون من الأعيان عَطاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ أي غير مقطوع. و في قوله وَ أَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ الخطاب للنبي ص أي خوف كفار قريش يوم يتحسر المسيء هلا أحسن العمل و المحسن هلا ازداد من العمل و هو يوم القيامة و قيل إنما يتحسر من يستحق العقاب فأما المؤمن فلا يتحسر.
و روى مسلم في الصحيح بالإسناد عن أبي سعيد الخدري قال قال رسول الله ص إذا دخل أهل الجنة الجنة و أهل النار النار قيل يا أهل الجنة فيشرفون و ينظرون و قيل يا أهل النار فيشرفون و ينظرون فيجاء بالموت كأنه كبش أملح فيقال لهم تعرفون الموت فيقولون هو هذا و كل قد عرفه قال فيقدم و يذبح ثم يقال يا أهل الجنة خلود فلا موت و يا أهل النار خلود فلا موت قال و ذلك قوله وَ أَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ الآية
و رواه أصحابنا عن أبي جعفر و أبي عبد الله ع ثم جاء في آخره فيفرح أهل الجنة فرحا لو كان أحد يومئذ ميتا لماتوا فرحا و يشهق أهل النار شهقة لو كان أحد ميتا لماتوا
إِذْ قُضِيَ الْأَمْرُ أي فرغ من الأمر و انقضت الآمال و أدخل قوم النار و قوم الجنة و قيل معناه انقضى أمر الدنيا فلا يرجع إليها لاستدراك الغاية و قيل معناه حكم بين الخلائق بالعدل و قيل قضي على أهل الجنة الخلود و قضي على أهل النار الخلود وَ هُمْ فِي غَفْلَةٍ في الدنيا عن ذلك وَ هُمْ لا يُؤْمِنُونَ أي لا يصدقون به.
1- مع، ]معاني الأخبار[ أبي عن سعد عن الأصفهاني عن المنقري عن حفص عن أبي عبد الله ع و ساق الحديث إلى أن قال و يوم الحسرة يوم يؤتى بالموت فيذبح
2- ين، ]كتاب حسين بن سعيد و النوادر[ النضر بن سويد عن درست عن أبي المغراء عن أبي بصير قال لا أعلمه ذكره إلا عن أبي جعفر ع قال إذا أدخل الله أهل الجنة الجنة و أهل النار النار جيء بالموت في صورة كبش حتى يوقف بين الجنة و النار قال ثم ينادي مناد يسمع أهل الدارين جميعا يا أهل الجنة يا أهل النار فإذا سمعوا الصوت أقبلوا قال فيقال لهم أ تدرون ما هذا هذا هو الموت الذي كنتم تخافون منه في الدنيا قال فيقول أهل الجنة اللهم لا تدخل الموت علينا قال و يقول أهل النار اللهم أدخل الموت علينا قال ثم يذبح كما تذبح الشاة قال ثم ينادي مناد لا موت أبدا أيقنوا بالخلود قال فيفرح أهل الجنة فرحا لو كان أحد يومئذ يموت من فرح لماتوا قال ثم قرأ هذه الآية أَ فَما نَحْنُ بِمَيِّتِينَ إِلَّا مَوْتَتَنَا الْأُولى وَ ما نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ إِنَّ هذا لَهُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ لِمِثْلِ هذا فَلْيَعْمَلِ الْعامِلُونَ قال و يشهق أهل النار شهقة لو كان أحد يموت من شهيق لماتوا و هو قول الله عز و جل وَ أَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ إِذْ قُضِيَ الْأَمْرُ
-3 ين، ]كتاب حسين بن سعيد و النوادر[ النضر بن سويد عن درست عن الأحول عن حمران قال قلت لأبي عبد الله ع إنه بلغنا أنه يأتي على جهنم حين يصطفق أبوابها فقال لا و الله إنه الخلود قلت خالِدِينَ فِيها ما دامَتِ السَّماواتُ وَ الْأَرْضُ إِلَّا ما شاءَ رَبُّكَ فقال هذه في الذين يخرجون من النار
بيان قوله حين يصطفق أبوابها يقال اصطفقت الأشجار اهتزت بالريح و هي كناية عن خلوها عن الناس
4- فس، ]تفسير القمي[ أبي عن ابن محبوب عن أبي ولاد الحناط عن أبي عبد الله ع قال سئل عن قوله وَ أَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ الآية قال ينادي مناد من عند الله و ذلك بعد ما صار أهل الجنة في الجنة و أهل النار في النار يا أهل الجنة و يا أهل النار هل تعرفون الموت في صورة من الصور فيقولون لا فيؤتى بالموت في صورة كبش أملح فيوقف بين الجنة و النار ثم ينادون جميعا أشرفوا و انظروا إلى الموت فيشرفون ثم يأمر الله به فيذبح ثم يقال يا أهل الجنة خلود فلا موت أبدا و يا أهل النار خلود فلا موت أبدا و هو قوله وَ أَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ إِذْ قُضِيَ الْأَمْرُ وَ هُمْ فِي غَفْلَةٍ أي قضي على أهل الجنة بالخلود فيها و قضي على أهل النار بالخلود فيها
-5 ع، ]علل الشرائع[ أبي عن سعد عن القاسم بن محمد عن سليمان بن داود الشاذكوني عن أحمد بن يونس عن أبي هاشم قال سألت أبا عبد الله ع عن الخلود في الجنة و النار فقال إنما خلد أهل النار في النار لأن نياتهم كانت في الدنيا لو خلدوا فيها أن يعصوا الله أبدا و إنما خلد أهل الجنة في الجنة لأن نياتهم كانت في الدنيا لو بقوا أن يطيعوا الله أبدا ما بقوا فالنيات تخلد هؤلاء و هؤلاء ثم تلا قوله تعالى قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ عَلى شاكِلَتِهِ قال على نيته
سن، ]المحاسن[ القاساني عن الأصبهاني عن المنقري عن أحمد بن يونس مثله
6- فس، ]تفسير القمي[ أبي عن علي بن مهزيار و الحسن بن محبوب عن النضر بن سويد عن درست عن أبي بصير عن أبي جعفر ع قال إذا دخل أهل الجنة الجنة و أهل النار النار جيء بالموت فيذبح ثم يقال خلود فلا موت أبدا
7- شي، ]تفسير العياشي[ عن مسعدة بن صدقة قال قص أبو عبد الله ع قصص أهل الميثاق من أهل الجنة و أهل النار فقال في صفات أهل الجنة فمنهم من لقي الله شهداء لرسله ثم من في صفتهم حتى بلغ من قوله ثم جاء الاستثناء من الله في الفريقين جميعا فقال الجاهل بعلم التفسير إن هذا الاستثناء من الله إنما هو لمن دخل الجنة و النار و ذلك أن الفريقين جميعا يخرجان منهما فيبقيان فليس فيهما أحد و كذبوا بل إنما عنى بالاستثناء أن ولد آدم كلهم و ولد الجان معهم على الأرض و السماوات يظلهم فهو ينقل المؤمنين حتى يخرجهم إلى ولاية الشياطين و هي النار فذلك الذي عنى الله في أهل الجنة و أهل النار ما دامَتِ السَّماواتُ وَ الْأَرْضُ يقول في الدنيا و الله تبارك و تعالى ليس بمخرج أهل الجنة منها أبدا و لا كل أهل النار منها أبدا و كيف يكون ذلك و قد قال الله في كتابه خالِدِينَ فِيها أَبَداً ليس فيها استثناء و كذلك قال أبو جعفر ع من دخل في ولاية آل محمد دخل الجنة و من دخل في ولاية عدوهم دخل النار و هذا الذي عنى الله من الاستثناء في الخروج من الجنة و النار و الدخول
بيان الظاهر أنه ع فسر الجنة و النار بما يوجبهما من الإيمان و الكفر مجازا أو بالجنة و النار الروحانيتين فإن المؤمن في الدنيا لقربه تعالى و كرامته و حبه و مناجاته و هداياته و معارفه في جنة و نعيم و الكافر لجهالته و ضلالته و بعده و حرمانه في عذاب أليم فعلى هذا يكون المراد بالأشقياء و السعداء من يكون ظاهر حاله ذلك فالشقي أبدا في الكفر و الجهل و العمى إلا أن يشاء الله هدايته فيهديه و يخرجه من نار الكفر إلى جنة الإيمان و كذا السعيد أبدا في الإيمان و الهداية و العلم إلا أن يشاء الله خذلانه بسوء أعماله فيخرج من جنة الإيمان إلى نار الكفر و إنما خص الخروج من الجنة بالبيان لأنه موضع الإشكال حقيقة و إن أمكن أن يكون سقط الآخر من النسخ
8- شي، ]تفسير العياشي[ عن زرارة قال سألت أبا جعفر ع في قول الله وَ أَمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا فَفِي الْجَنَّةِ إلى آخر الآيتين قال هاتان الآيتان في غير أهل الخلود من أهل الشقاوة و السعادة إن شاء الله يجعلهم خارجين و لا تزعم يا زرارة أني أزعم ذلك
9- شي، ]تفسير العياشي[ حمران قال سألت أبا جعفر ع جعلت فداك قول الله خالِدِينَ فِيها ما دامَتِ السَّماواتُ وَ الْأَرْضُ إِلَّا ما شاءَ رَبُّكَ لأهل النار أ فرأيت قوله لأهل الجنة خالِدِينَ فِيها ما دامَتِ السَّماواتُ وَ الْأَرْضُ إِلَّا ما شاءَ رَبُّكَ قال نعم إن شاء جعل لهم دنيا فردهم و ما شاء و سألته عن قول الله خالِدِينَ فِيها ما دامَتِ السَّماواتُ وَ الْأَرْضُ إِلَّا ما شاءَ رَبُّكَ فقال هذه في الذين يخرجون من النار
بيان الظاهر أن ما ذكره ع في استثناء أهل الجنة يرجع إلى ما ذكره الزجاج في الوجه السابع من الوجوه التي ذكرها الطبرسي رحمه الله و الحاصل أن الله تعالى إن شاء خلق لهم عالما آخر فردهم إليه لكنه لم يشأ
10- شي، ]تفسير العياشي[ عن أبي بصير عن أبي جعفر ع في قوله فَمِنْهُمْ شَقِيٌّ وَ سَعِيدٌ قال في ذكر أهل النار استثنى و ليس في ذكر أهل الجنة استثناء أما الذين سعدوا ففي الجنة خالدين فيها ما دامت السماوات و الأرض إلا ما شاء ربك عطاء غير مجدود و في رواية حماد عن حريز عن أبي عبد الله ع عَطاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ بالذال
بيان ظاهر خبر أبي بصير أن في مصحف أهل البيت ع لم يكن الاستثناء في حال أهل الجنة بل كان فيه خالدين فيها ما دامت السماوات و الأرض عطاء غير مجدود و إنما زيد في الخبر من النساخ و يظهر منه أنه كان في مصحفهم ع غير مجدود بالدالين المهملتين و لم ينقل في الشواذ لكن لا يختلف المعنى لأن الجد أيضا بمعنى القطع
11- ثو، ]ثواب الأعمال[ عن علي بن يقطين قال قال لي أبو الحسن ع إنه كان في بني إسرائيل رجل مؤمن و كان له جار كافر فكان الكافر يرفق بالمؤمن و يوليه المعروف في الدنيا فلما أن مات الكافر بنى الله له بيتا في النار من طين يقيه من حرها و يأتيه رزقه من غيرها و قيل له هذا لما كنت تدخل على المؤمن من جارك فلان بن فلان من الرفق و توليه من المعروف في الدنيا
12- كا، ]الكافي[ علي عن أبيه عن هارون بن مسلم عن مسعدة بن صدقة عن أبي عبد الله ع قال قال النبي ص و ساق الحديث في مراتب خلق الأشياء يغلب كل واحد منها الآخر حيث بغى و فخر إلى أن قال ثم إن الإنسان طغى و قال من أشد مني قوة فخلق الله له الموت و قهره و ذل الإنسان ثم إن الموت فخر في نفسه فقال الله عز و جل لا تفخر فإني ذابحك بين الفريقين أهل الجنة و أهل النار ثم لا أحييك أبدا فترجى أو تخاف الحديث
تذنيب اعلم أن خلود أهل الجنة في الجنة مما أجمعت عليه المسلمون و كذا خلود الكفار في النار و دوام تعذيبهم قال شارح المقاصد أجمع المسلمون على خلود أهل الجنة في الجنة و خلود الكفار في النار فإن قيل القوى الجسمانية متناهية فلا يعقل خلود الحياة و أيضا الرطوبة التي هي مادة الحياة تفنى بالحرارة سيما حرارة نار جهنم فيفضي إلى الفناء ضرورة و أيضا دوام الإحراق مع بقاء الحياة خروج عن قضية العقل قلنا هذه قواعد فلسفية غير مسلمة عند المليين و لا صحيحة عند القائلين بإسناد الحوادث إلى القادر المختار على تقدير تناهي القوى و زوال الحياة لجواز أن يخلق الله البدل فيدوم الثواب و العقاب قال الله تعالى كُلَّما نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْناهُمْ جُلُوداً غَيْرَها لِيَذُوقُوا الْعَذابَ هذا حكم الكافر المعاند و كذا من بالغ في الطلب و النظر و استفرغ المجهود و لم ينل المقصود خلافا للجاحظ و القسري حيث زعما أنه معذور إذ لا يليق بحكمة الحكيم أن يعذبه مع بذله الجهد و الطاقة من غير جرم و تقصير كيف و قد قال الله تعالى ما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ لَيْسَ عَلَى الْأَعْمى حَرَجٌ وَ لا عَلَى الْأَعْرَجِ حَرَجٌ وَ لا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ و لا شك أن عجز المتحير أشد و هذا الفرق خرق للإجماع و ترك للنصوص الواردة في هذا الباب هذا في حق الكفار عنادا أو اعتقادا و أما الكفار حكما كأطفال المشركين فكذلك عند الأكثرين لدخولهم في العمومات
و لما روي أن خديجة سألت النبي ص عن أطفالها الذين ماتوا في الجاهلية فقال هم في النار
و قالت المعتزلة و من تبعهم لا يعذبون بل هم خدم أهل الجنة على ما ورد في الحديث لأن تعذيب من لا جرم له ظلم و لقوله تعالى وَ لا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى وَ لا تُجْزَوْنَ إِلَّا ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ و نحو ذلك و قيل من علم الله منه الإيمان و الطاعة على تقدير البلوغ ففي الجنة و من علم منه الكفر و العصيان ففي النار انتهى. أقول قد عرفت أحوال أولاد الكفار سابقا و ستعرف حال من لم يتم عليه الحجة في كتاب الإيمان و الكفر