الآيات البقرة وَ اللَّهُ يَرْزُقُ مَنْ يَشاءُ بِغَيْرِ حِسابٍ آل عمران إِنَّ اللَّهَ يَرْزُقُ مَنْ يَشاءُ بِغَيْرِ حِسابٍ هود 6- وَ ما مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُها الرعد اللَّهُ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ وَ يَقْدِرُ الأسرى إِنَّ رَبَّكَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ وَ يَقْدِرُ إِنَّهُ كانَ بِعِبادِهِ خَبِيراً بَصِيراً الحج لَيَرْزُقَنَّهُمُ اللَّهُ رِزْقاً حَسَناً وَ إِنَّ اللَّهَ لَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ المؤمنين وَ هُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ النور وَ اللَّهُ يَرْزُقُ مَنْ يَشاءُ بِغَيْرِ حِسابٍ العنكبوت وَ كَأَيِّنْ مِنْ دَابَّةٍ لا تَحْمِلُ رِزْقَهَا اللَّهُ يَرْزُقُها وَ إِيَّاكُمْ وَ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ و قال تعالى اللَّهُ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ وَ يَقْدِرُ لَهُ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ الروم أَ وَ لَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ وَ يَقْدِرُ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ سبأ قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ قُلِ اللَّهُ و قال تعالى قُلْ إِنَّ رَبِّي يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ وَ يَقْدِرُ وَ لكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ و قال تعالى قُلْ إِنَّ رَبِّي يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ وَ يَقْدِرُ لَهُ وَ ما أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَ هُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ الزمر أَ وَ لَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ وَ يَقْدِرُ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ حمعسق لَهُ مَقالِيدُ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ وَ يَقْدِرُ إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ و قال تعالى حمعسق وَ لَوْ بَسَطَ اللَّهُ الرِّزْقَ لِعِبادِهِ لَبَغَوْا فِي الْأَرْضِ وَ لكِنْ يُنَزِّلُ بِقَدَرٍ ما يَشاءُ إِنَّهُ بِعِبادِهِ خَبِيرٌ بَصِيرٌ الزخرف أَ هُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّكَ نَحْنُ قَسَمْنا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا الذاريات 22- وَ فِي السَّماءِ رِزْقُكُمْ وَ ما تُوعَدُونَ فَوَ رَبِّ السَّماءِ وَ الْأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ مِثْلَ ما أَنَّكُمْ تَنْطِقُونَ تفسير قال الطبرسي رحمه الله في قوله تعالى وَ اللَّهُ يَرْزُقُ مَنْ يَشاءُ بِغَيْرِ حِسابٍ قيل فيه أقوال أحدها أن معناه يعطيهم الكثير الواسع الذي لا يدخله الحساب من كثرته. و ثانيها أنه لا يرزق الناس في الدنيا على مقابلة أعمالهم و إيمانهم و كفرهم فلا يدل بسط الرزق على الكفار على منزلتهم عند الله و إن قلنا إن المراد به في الآخرة فمعناه أن الله لا يثيب المؤمنين في الآخرة على قدر أعمالهم التي سلفت منهم بل يزيدهم تفضلا. و ثالثها أنه يعطيه عطاء لا يأخذه بذلك أحد و لا يسأله عنه سائل و لا يطلب عليه جزاء و لا مكافاة. و رابعها أنه يعطيه من العدد الشيء الذي لا يضبط بالحساب و لا يأتي عليه العدد لأن ما يقدر عليه غير متناه و لا محصور فهو يعطي الشيء لا من عدد أكثر منه فينقص منه كمن يعطي الألف من الألفين و العشرة من المائة. و خامسها أن معناه يعطي أهل الجنة ما لا يتناهى و لا يأتي عليه الحساب. و قال البيضاوي في قوله تعالى وَ فِي السَّماءِ رِزْقُكُمْ أي أسباب رزقكم أو تقديره و قيل المراد بالسماء السحاب و بالرزق المطر لأنه سبب الأقوات وَ ما تُوعَدُونَ من الثواب لأن الجنة فوق السماء السابعة أو لأن الأعمال و ثوابها مكتوبة مقدرة في السماء و قيل إنه مستأنف خبره فَوَ رَبِّ السَّماءِ وَ الْأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ و على هذا فالضمير لما و على الأول يحتمل أن يكون له و لما ذكر من أمر الآيات و الرزق و الوعيد مِثْلَ ما أَنَّكُمْ تَنْطِقُونَ أي مثل نطقكم كما أنه لا شك لكم في أنكم تنطقون ينبغي أن لا تشكوا في تحقق ذلك انتهى. و قال الوالد العلامة رحمه الله يحتمل أن يكون التشبيه من حيث اتصال النطق و فيضان المعاني من المبدأ بقدر الحاجة من غير علم بموضعه و محل وروده فيكون التشبيه أكمل
1- ب، ]قرب الإسناد[ ابن طريف عن ابن علوان عن جعفر عن أبيه قال قال رسول الله ص إن الرزق لينزل من السماء إلى الأرض على عدد قطر المطر إلى كل نفس بما قدر لها و لكن لله فضول فاسألوا الله من فضله
-2 ن، ]عيون أخبار الرضا عليه السلام[ محمد بن القاسم المفسر عن أحمد بن الحسن الحسيني عن الحسن بن علي عن أبيه عن جده عن الرضا عن أبيه موسى بن جعفر ع قال سأل الصادق جعفر بن محمد ع عن بعض أهل مجلسه فقيل عليل فقصده عائدا و جلس عند رأسه فوجده دنفا فقال له أحسن ظنك بالله قال أما ظني بالله فحسن و لكن غمي لبناتي ما أمرضني غير غمي بهن فقال الصادق ع الذي ترجوه لتضعيف حسناتك و محو سيئاتك فارجه لإصلاح حال بناتك أ ما علمت أن رسول الله ص قال لما جاوزت سدرة المنتهى و بلغت أغصانها و قضبانها رأيت بعض ثمار قضبانها أثداء معلقة يقطر من بعضها اللبن و من بعضها العسل و من بعضها الدهن و يخرج عن بعضها شبه دقيق السميذ و عن بعضها الثياب و عن بعضها كالنبق فيهوي ذلك كله نحو الأرض فقلت في نفسي أين مقر هذه الخارجات عن هذه الأثداء و ذلك أنه لم يكن معي جبرئيل لأنيكنت جاوزت مرتبته و اختزل دوني فناداني ربي عز و جل في سري يا محمد هذه أنبتها من هذا المكان الأرفع لأغذو منها بنات المؤمنين من أمتك و بنيهم فقل لآباء البنات لا تضيقن صدوركم علي فاقتهن فإني كما خلقتهن أرزقهن
بيان السميذ بالذال المعجمة و المهملة الدقيق الأبيض و الاختزال الانفراد و الاقتطاع
3- شي، ]تفسير العياشي[ عن إسماعيل بن كثير رفع الحديث إلى النبي ص قال لما نزلت هذه الآية وَ سْئَلُوا اللَّهَ مِنْ فَضْلِهِ قال فقال أصحاب النبي ص ما هذا الفضل أيكم يسأل رسول الله ص عن ذلك قال فقال علي بن أبي طالب ع أنا أسأله فسأله عن ذلك الفضل ما هو فقال رسول الله ص إن الله خلق خلقه و قسم لهم أرزاقهم من حلها و عرض لهم بالحرام فمن انتهك حراما نقص له من الحلال بقدر ما انتهك من الحرام و حوسب به
4- نهج، ]نهج البلاغة[ قال ع الرزق رزقان رزق تطلبه و رزق يطلبك فإن لم تأته أتاك فلا تحمل هم سنتك على هم يومك كفاك كل يوم ما فيه فإن تكن السنة من عمرك فإن الله تعالى جده سيؤتيك في كل غد جديد ما قسم لك و إن لم تكن السنة من عمرك فما تصنع بالهم لما ليس لك و لن يسبقك إلى رزقك طالب و لن يغلبك عليه غالب و لن يبطئ عنك ما قد قدر لك
5- شي، ]تفسير العياشي[ عن ابن الهذيل عن أبي عبد الله ع قال إن الله قسم الأرزاق بين عباده و أفضل فضلا كبيرا لم يقسمه بين أحد قال الله وَ سْئَلُوا اللَّهَ مِنْ فَضْلِهِ
6- شي، ]تفسير العياشي[ عن إبراهيم بن أبي البلاد عن أبيه عن أبي جعفر ع أنه قال ليس من نفس إلا و قد فرض الله لها رزقها حلالا يأتيها في عافية و عرض لها بالحرام من وجه آخر فإن هي تناولت من الحرام شيئا قاصها به من الحلال الذي فرض الله لها و عند الله سواهما فضل كبير
7- شي، ]تفسير العياشي[ عن الحسين بن مسلم عن أبي جعفر ع قال قلت له جعلت فداك إنهم يقولون إن النوم بعد الفجر مكروه لأن الأرزاق تقسم في ذلك الوقت فقال الأرزاق موظوفة مقسومة و لله فضل يقسمه من طلوع الفجر إلى طلوع الشمس و ذلك قوله وَ سْئَلُوا اللَّهَ مِنْ فَضْلِهِ ثم قال و ذكر الله بعد طلوع الفجر أبلغ في طلب الرزق من الضرب في الأرض
8- كا، ]الكافي[ العدة عن سهل عن ابن يزيد عن محمد بن أسلم عمن ذكره عن أبي عبد الله ع قال إن الله وكل بالسعر ملكا فلن يغلو من قلة و لا يرخص من كثرة
-9 كا، ]الكافي[ محمد بن يحيى عن محمد بن أحمد عن ابن معروف عن الحجال عن بعض أصحابه عن الثمالي عن علي بن الحسين ع قال إن الله عز و جل وكل ملكا بالسعر يدبره بأمره
10- كا، ]الكافي[ العدة عن سهل عن ابن يزيد عمن ذكره عن أبي عبد الله ع قال إن الله وكل ملكا بالأسعار يدبرها
11- نهج، ]نهج البلاغة[ و قدر الأرزاق فكثرها و قللها و قسمها على الضيق و السعة فعدل فيها ليبتلي من أراد بميسورها و معسورها و ليختبر بذلك الشكر و الصبر من غنيها و فقيرها ثم قرن بسعتها عقابيل فاقتها و بفرج أفراحها غصص أتراحها و خلق الآجال فأطالها و قصرها و قدمها و أخرها و وصل بالموت أسبابها و جعله خالجا لأشطانها و قاطعا لمرائر أقرانها
بيان العقابيل بقايا المرض واحدها عقبول و الأتراح الغموم و الخلج الجذب و الشطن الحبل و المرائر الحبال المفتولة على أكثر من طاق و الأقران الحبال
12- عدة، ]عدة الداعي[ روي عن أبي عبد الله ع في قول الله تبارك و تعالى وَ ما يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلَّا وَ هُمْ مُشْرِكُونَ قال هو قول الرجل لو لا فلان لهلكت و لو لا فلان لما أصبت كذا و كذا و لو لا فلان لضاع عيالي أ لا ترى أنه قد جعل لله شريكا في ملكه يرزقه و يدفع عنه قلت فنقول لو لا أن الله من علي بفلان لهلكت قال نعم لا بأس بهذا و نحوه
13- كا، ]الكافي[ محمد بن يحيى عن أحمد بن محمد و عدة من أصحابنا عن سهل بن زياد عن ابن محبوب عن أبي حمزة الثمالي عن أبي جعفر ع قال رسول الله ص في حجة الوداع ألا إن الروح الأمين نفث في روعي أنه لا تموت نفس حتى تستكمل رزقها فاتقوا الله و أجملوا في الطلب و لا يحملنكم استبطاء شيء من الرزق أن تطلبوه بشيء من معصية الله فإن الله تعالى قسم الأرزاق بين خلقه حلالا و لم يقسمها حراما فمن اتقى الله و صبر أتاه رزقه من حله و من هتك حجاب ستر الله عز و جل و أخذه من غير حله قص به من رزقه الحلال و حوسب عليه
بيان أقول سيأتي أكثر الآيات و الأخبار المتعلقة بهذا الباب في كتاب المكاسب و النفث النفخ و الروع بالضم العقل و القلب و الإجمال في الطلب ترك المبالغة فيه أي اتقوا الله في هذا الكد الفاحش أو المعنى أنكم إذا اتقيتم الله لا تحتاجون إلى هذا الكد و التعب لقوله تعالى وَ مَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً وَ يَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ و هتك الستر تمزيقه و خرقه. ثم الظاهر من هذا الخبر و غيره من الأخبار أن الله تعالى قدر في الصحف السماوية لكل بشر رزقا حلالا بقدر ما يكفيه بحيث إذا لم يرتكب الحرام و طلب من الحلال سبب له ذلك و يسره له و إذا ارتكب الحرام فبقدر ذلك يمنع مما قدر له. قال الشيخ البهائي قدس الله روحه في شرح هذا الحديث الرزق عند الأشاعرة كل ما انتفع به حي سواء كان بالتغذي أو بغيره مباحا كان أو لا و خصه بعضهم بما تربى به الحيوان من الأغذية و الأشربة و عند المعتزلة هو كل ما صح انتفاع الحيوان به بالتغذي أو غيره و ليس لأحد منعه منه فليس الحرام رزقا عندهم و قال الأشاعرة في الرد عليهم لو لم يكن الحرام رزقا لم يكن المغتذي طول عمره بالحرام مرزوقا و ليس كذلك لقوله تعالى وَ ما مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُها و فيه نظر فإن الرزق عند المعتزلة أعم من الغذاء و هم لم يشرطوا الانتفاع بالفعل فالمغتذي طول عمره بالحرام إنما يرد عليهم لو لم ينتفع مدة عمره بشيء انتفاعا محللا و لو بشرب الماء و التنفس في الهواء بل و لا تمكن من الانتفاع بذلك أصلا و ظاهر أن هذا مما لا يوجد و أيضا فلهم أن يقولوا لو مات حيوان قبل أن يتناول شيئا محللا و لا محرما يلزم أن يكون غير مرزوق فما هو جوابكم فهو جوابنا هذا و لا يخفى أن الأحاديث المنقولة في هذا الباب متخالفة و المعتزلة تمسكوا بهذا الحديث و هو صريح في مدعاهم غير قابل للتأويل
و الأشاعرة تمسكوا بما رووه عن صفوان بن أمية قال كنا عند رسول الله ص إذ جاء عمر بن قرة فقال يا رسول الله إن الله كتب علي الشقوة فلا أراني أرزق إلا من دفي بكفي فأذن في الغناء من غير فاحشة فقال ص لا آذن لك و لا كرامة و لا نعمة أي عدو الله لقد رزقك الله طيبا فاخترت ما حرم عليك من رزقه مكان ما أحل الله لك من حلاله أما إنك لو قلت بعد هذه المقالة ضربتك ضربا وجيعا
و المعتزلة يطعنون في سند هذا الحديث تارة و يؤولونه على تقدير سلامته أخرى بأن سياق الكلام يقتضي أن يقال فاخترت ما حرم الله عليك من حرامه مكان ما أحل الله لك من حلاله و إنما قال ص من رزقه مكان من حرامه فأطلق على الحرام اسم الرزق بمشاكلة قوله فلا أراني أرزق و قوله ص لقد رزقك الله و تمسك المعتزلة أيضا بقوله تعالى وَ مِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ قال الشيخ في التبيان ما حاصله أن هذه الآية تدل على أن الحرام ليس رزقا لأنه سبحانه مدحهم بالإنفاق من الرزق و الإنفاق من الحرام لا يوجب المدح و قد يقال إن تقديم الظرف يفيد الحصر و هو يقتضي كون المال المنفق على ضربين ما رزقه الله و ما لم يرزقه و إن المدح إنما هو على الإنفاق مما رزقهم و هو الحلال لا مما سولت لهم أنفسهم من الحرام و لو كان كل ما ينفقونه رزقا من الله سبحانه لم يستقم الحصر فتأمل انتهى كلامه رفع الله مقامه. أقول إن كان المراد بقولهم رزقهم الله الحرام أنه خلقه و مكنهم من التصرف فيه فلا نزاع في أن الله رزقهم بهذا المعنى و إن كان المعنى أنه المؤثر في أفعالهم و تصرفاتهم في الحرام فهذا إنما يستقيم على أصلهم الذي ثبت بطلانه و إن كان الرزق بمعنى التمكين و عدم المنع من التصرف فيه بوجه فظاهر أن الحرام ليس برزق بهذا المعنى على مذهب من المذاهب و إن كان المعنى أنه قدر تصرفهم فيه بأحد المعاني التي مضت في القضاء و القدر أو خذلهم و لم يصرفهم جبرا عن ذلك فبهذا المعنى يصدق أنه رزقهم الحرام و أما ظواهر الآيات و الأخبار الواردة في ذلك فلا يريب عاقل في أنها منصرفة إلى الحلال كما أومأنا إلى معناه سابقا. و أما الأسعار فقد ذهبت الأشاعرة إلى أنه ليس المسعر إلا الله تعالى بناء على أصلهم من أن لا مؤثر في الوجود إلا الله و أما الإمامية و المعتزلة فقد ذهبوا إلى أن الغلاء و الرخص قد يكونان بأسباب راجعة إلى الله و قد يكونان بأسباب ترجع إلى اختيار العباد و أما الأخبار الدالة على أنهما من الله فالمعنى أن أكثر أسبابهما راجعة إلى قدرة الله أو أن الله تعالى لما لم يصرف العباد عما يختارونه من ذلك مع ما يحدث في نفوسهم من كثرة رغباتهم أو غناهم بحسب المصالح فكأنهما وقعا بإرادته تعالى كما مر القول فيما وقع من الآيات و الأخبار الدالة على أن أفعال العباد بإرادة الله تعالى و مشيته و هدايته و إضلاله و توفيقه و خذلانه و يمكن حمل بعض تلك الأخبار على المنع من التسعير و النهي عنه بل يلزم الوالي أن لا يجبر الناس على السعر و يتركهم و اختيارهم فيجري السعر على ما يريد الله تعالى.
قال العلامة رحمه الله في شرحه على التجريد السعر هو تقدير العوض الذي يباع به الشيء و ليس هو الثمن و لا الثمن و هو ينقسم إلى رخص و غلاء فالرخص هو السعر المنحط عما جرت به العادة مع اتحاد الوقت و المكان و الغلاء زيادة السعر عما جرت به العادة مع اتحاد الوقت و المكان و إنما اعتبرنا الزمان و المكان لأنه لا يقال إن الثلج قد رخص سعره في الشتاء عند نزوله لأنه ليس أوان سعره و يجوز أن يقال رخص في الصيف إذا نقص سعره عما جرت عادته في ذلك الوقت و لا يقال رخص سعره في الجبال التي يدوم نزوله فيها لأنها ليست مكان بيعه و يجوز أن يقال رخص سعره في البلاد التي اعتيد بيعه فيها و اعلم أن كل واحد من الرخص و الغلاء قد يكون من قبله تعالى بأن يقلل جنس المتاع المعين و يكثر رغبة الناس إليه فيحصل الغلاء لمصلحة المكلفين و قد يكثر جنس ذلك المتاع و يقلل رغبة الناس إليه تفضلا منه و إنعاما أو لمصلحة دينية فيحصل الرخص و قد يحصلان من قبلنا بأن يحمل السلطان الناس على بيع جميع تلك السلعة بسعر غال ظلما منه أو لاحتكار الناس أو لمنع الطريق خوف الظلمة أو لغير ذلك من الأسباب المستند إلينا فيحصل الغلاء و قد يحمل السلطان الناس على بيع السلعة برخص ظلما منه أو يحملهم على بيع ما في أيديهم من جنس ذلك المتاع فيحصل الرخص