1- ل، ]الخصال[ أبي عن سعد عن البرقي عن أبيه رفعه قال قال رسول الله ص قسم العقل على ثلاثة أجزاء فمن كانت فيه كمل عقله و من لم تكن فيه فلا عقل له حسن المعرفة بالله عز و جل و حسن الطاعة له و حسن الصبر على أمره
بيان لعل عد هذه الأشياء التي هي من آثار العقل من أجزائه على المبالغة و التوسع و التجوز لعلاقة عدم انفكاكها عنه و دلالتها عليه
2- ل، ]الخصال[ ماجيلويه عن محمد العطار عن محمد بن أحمد عن سهل عن جعفر بن محمد بن بشار عن الدهقان عن درست عن عبد الأعلى عن أبي عبد الله ع قال يعتبر عقل الرجل في ثلاث في طول لحيته و في نقش خاتمه و في كنيته
3- ع، ]علل الشرائع[ ل، ]الخصال[ أحمد بن محمد بن عبد الرحمن المروزي عن محمد بن جعفر المقري الجرجاني عن محمد بن الحسن الموصلي عن محمد بن عاصم الطريفي عن عياش بن يزيد بن الحسن بن علي الكحال مولى زيد بن علي عن أبيه عن موسى بن جعفر عن أبيه جعفر بن محمد عن أبيه محمد بن علي عن أبيه علي بن الحسين عن أبيه الحسين بن علي عن أبيه أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ع قال قال رسول الله ص إن الله خلق العقل من نور مخزون مكنون في سابق علمه الذي لم يطلع عليه نبي مرسل و لا ملك مقرب فجعل العلم نفسه و الفهم روحه و الزهد رأسه و الحياء عينيه و الحكمة لسانه و الرأفة همه و الرحمة قلبه ثم حشاه و قواه بعشرة أشياء باليقين و الإيمان و الصدق و السكينة و الإخلاص و الرفق و العطية و القنوع و التسليم و الشكر ثم قال عز و جل أدبر فأدبر ثم قال له أقبل فأقبل ثم قال له تكلم فقال الحمد لله الذي ليس له ضد و ند و لا شبيه و لا كفو و لا عديل و لا مثل الذي كل شيء لعظمته خاضع ذليل فقال الرب تبارك و تعالى و عزتي و جلالي ما خلقت خلقا أحسن منك و لا أطوع لي منك و لا أرفع منك و لا أشرف منك و لا أعز منك بك أوحد و بك أعبد و بك أدعى و بك ارتجي و بك ابتغي و بك أخاف و بك أحذر و بك الثواب و بك العقاب فخر العقل عند ذلك ساجدا فكان في سجوده ألف عام فقال الرب تبارك و تعالى ارفع رأسك و سل تعط و اشفع تشفع فرفع العقل رأسه فقال إلهي أسألك أن تشفعني فيمن خلقتني فيه فقال الله جل جلاله لملائكته أشهدكم أني قد شفعته فيمن خلقته فيه
بيان قد مر ما يمكن أن يستعمل في فهم هذا الخبر و النور ما يصير سببا لظهور شيء و العقل من أنواره تعالى التي خلقها و قدرها لكشف المعارف على الخلق أي خلقه من جنس نور و من سنخه و مادته كانت شيئا نورانيا مخزونا في خزائن العرش و يحتمل التجوز كما مر و العلم لشدة ارتباطه به و كونه فائدته الفضلى و مكمله إلى الدرجة العليا فكأنه نفسه و عينه و هو بدون الفهم كجسد بلا روح و الزهد رأسه أي أفضل فضائله و أرفعها كما أن الرأس أشرف أجزاء البدن أو ينتفي بانتفاء الزهد كما أن الشخص يموت بمفارقة الرأس و الحياء معين على انكشاف الأمور الحقة عليه أو على من اتصف به كالعينين و الحكمة معبرة للعقل كاللسان للشخص و الرحمة سبب لإفاضة الحقائق عليه من الله و طريق لها كالقلب و سجوده إما كناية عن استسلامه و انقياد المتصف به للحق تعالى أو المراد سجود أحد المتصفين به و لا يخفى انطباق أكثر أجزاء هذا الخبر على المعنى الأخير أي أنوار الأئمة ع و التجوز و التمثيل و التشبيه لعله أظهر و يقال شفعته في كذا أي قبلت شفاعته فيه و سيأتي تفسير بعض الأجزاء في الخبر الآتي
4- ل، ]الخصال[ أبي عن سعد عن أحمد بن هلال عن أمية بن علي عن ابن المغيرة عن ابن خالد عن أبي جعفر ع قال قال رسول الله ص لم يعبد الله عز و جل بشيء أفضل من العقل و لا يكون المؤمن عاقلا حتى تجتمع فيه عشر خصال الخير منه مأمول و الشر منه مأمون يستكثر قليل الخير من غيره و يستقل كثير الخير من نفسه و لا يسأم من طلب العلم طول عمره و لا يتبرم بطلاب الحوائج قبله الذل أحب إليه من العز و الفقر أحب إليه من الغنى نصيبه من الدنيا القوت و العاشرة لا يرى أحدا إلا قال هو خير مني و أتقى إنما الناس رجلان فرجل هو خير منه و أتقى و آخر هو شر منه و أدنى فإذا رأى من هو خير منه و أتقى تواضع له ليلحق به و إذا لقي الذي هو شر منه و أدنى قال عسى خير هذا باطن و شره ظاهر و عسى أن يختم له بخير فإذا فعل ذلك فقد علا مجده و ساد أهل زمانه
-5 ما، ]الأمالي للشيخ الطوسي[ المفيد عن محمد بن عمر الجعابي عن أحمد بن محمد بن سعيد عن الحسن بن جعفر عن طاهر بن مدرار عن زر بن أنس قال سمعت جعفر بن محمد ع يقول لا يكون المؤمن مؤمنا حتى يكون كامل العقل و لا يكون كامل العقل حتى يكون فيه عشر خصال و ساق الحديث نحو ما مر
6- ع، ]علل الشرائع[ ابن الوليد عن الصفار عن إبراهيم بن هاشم عن أبي إسحاق إبراهيم بن الهيثم الخفاف عن رجل من أصحابنا عن عبد الملك بن هشام عن علي الأشعري رفعه قال قال رسول الله ص ما عبد الله بمثل العقل و ما تم عقل امرئ حتى يكون فيه عشر خصال و ذكر مثله
بيان في ما و ع بعد قوله و العاشرة و ما العاشرة و قوله ع لم يعبد الله بشيء أي لا يصير شيء سببا للعبادة و آلة لها و مكملا لها كالعقل و يحتمل أن يكون المراد بالعقل تعقل الأمور الدينية و المعارف اليقينية و التفكر فيها و تحصيل العلم و هو من أفضل العبادات كما سيأتي فيكون ما ذكر بعده من صفات العلماء و المجد نيل الشرف و الكرم و ساد أهل زمانه أي صار سيدهم و عظيمهم و أشرفهم
7- ل، ]الخصال[ أبي عن سعد و الحميري معا عن البرقي عن علي بن حديد عن سماعة قال كنت عند أبي عبد الله ع و عنده جماعة من مواليه فجرى ذكر العقل و الجهل فقال أبو عبد الله ع اعرفوا العقل و جنده و الجهل و جنده تهتدوا قال سماعة فقلت جعلت فداك لا نعرف إلا ما عرفتنا فقال أبو عبد الله ع إن الله جل ثناؤه خلق العقل و هو أول خلق خلقه من الروحانيين عن يمين العرش من نوره فقال له أقبل فأقبل ثم قال له أدبر فأدبر فقال الله تبارك و تعالى خلقتك خلقا عظيما و كرمتك على جميع خلقي قال ثم خلق الجهل من البحر الأجاج ظلمانيا فقال له أدبر فأدبر ثم قال له أقبل فلم يقبل فقال له استكبرت فلعنه ثم جعل للعقل خمسة و سبعين جندا فلما رأى الجهل ما أكرم به العقل و ما أعطاه أضمر له العداوة فقال الجهل يا رب هذا خلق مثلي خلقته و كرمته و قويته و أنا ضده و لا قوة لي به فأعطني من الجند مثل ما أعطيته فقال نعم فإن عصيت بعد ذلك أخرجتك و جندك من رحمتي قال قد رضيت فأعطاه خمسة و سبعين جندا فكان مما أعطى العقل من الخمسة و السبعين الجند الخير و هو وزير العقل و جعل ضده الشر و هو وزير الجهل و الإيمان و ضده الكفر و التصديق و ضده الجحود و الرجاء و ضده القنوط و العدل و ضده الجور و الرضا و ضده السخط و الشكر و ضده الكفران و الطمع و ضده اليأس و التوكل و ضده الحرص و الرأفة و ضدها الغرة و الرحمة و ضدها الغضب و العلم و ضده الجهل و الفهم و ضده الحمق و العفة و ضدها التهتك و الزهد و ضده الرغبة و الرفق و ضده الخرق و الرهبة و ضدها الجرأة و التواضع و ضده التكبر و التؤدة و ضدها التسرع و الحلم و ضده السفه و الصمت و ضده الهذر و الاستسلام و ضده الاستكبار و التسليم و ضده التجبر و العفو و ضده الحقد و الرقة و ضدها القسوة و اليقين و ضده الشك و الصبر و ضده الجزع و الصفح و ضده الانتقام و الغنى و ضده الفقر و التفكر و ضده السهو و الحفظ و ضده النسيان و التعطف و ضده القطيعة و القنوع و ضده الحرص و المواساة و ضدها المنع و المودة و ضدها العداوة و الوفاء و ضده الغدر و الطاعة و ضدها المعصية و الخضوع و ضده التطاول و السلامة و ضدها البلاء و الحب و ضده البغض و الصدق و ضده الكذب و الحق و ضده الباطل و الأمانة و ضدها الخيانة و الإخلاص و ضده الشوب و الشهامة و ضدها البلادة و الفهم و ضده الغباوة و المعرفة و ضدها الإنكار و المداراة و ضدها المكاشفة و سلامة الغيب و ضدها المماكرة و الكتمان و ضده الإفشاء و الصلاة و ضدها الإضاعة و الصوم و ضده الإفطار و الجهاد و ضده النكول و الحج و ضده نبذ الميثاق و صون الحديث و ضده النميمة و بر الوالدين و ضده العقوق و الحقيقة و ضدها الرياء و المعروف و ضده المنكر و الستر و ضده التبرج و التقية و ضدها الإذاعة و الإنصاف و ضده الحمية و المهنة و ضدها البغي و النظافة و ضدها القذر و الحياء و ضده الخلع و القصد و ضده العدوان و الراحة و ضدها التعب و السهولة و ضدها الصعوبة و البركة و ضدها المحق و العافية و ضدها البلاء و القوام و ضده المكاثرة و الحكمة و ضدها الهوى و الوقار و ضده الخفة و السعادة و ضدها الشقاء و التوبة و ضدها الإصرار و الاستغفار و ضده الاغترار و المحافظة و ضدها التهاون و الدعاء و ضده الاستنكاف و النشاط و ضده الكسل و الفرح و ضده الحزن و الألفة و ضدها الفرقة و السخاء و ضده البخل فلا تجتمع هذه الخصال كلها من أجناد العقل إلا في نبي أو وصي نبي أو مؤمن قد امتحن الله قلبه للإيمان و أما سائر ذلك من موالينا فإن أحدهم لا يخلو من أن يكون فيه بعض هذه الجنود حتى يستكمل و يتقي من جنود الجهل فعند ذلك يكون في الدرجة العليا مع الأنبياء و الأوصياء ع و إنما يدرك الفوز بمعرفة العقل و جنوده و مجانبة الجهل و جنوده وفقنا الله و إياكم لطاعته و مرضاته
ع، ]علل الشرائع[ ابن الوليد عن الصفار عن البرقي عن علي بن حديد عن سماعة مثله سن، ]المحاسن[ عن علي بن حديد مثله بيان ما ذكر من الجنود هنا إحدى و ثمانون خصلة و في الكافي ثمانية و سبعون و كأنه لتكرار بعض الفقرات إما منه ع أو من النساخ بأن يكون أضافوا بعض النسخ إلى الأصل و العقل هنا يحتمل المعاني السابقة و الجهل إما القوة الداعية إلى الشر أو البدن إن كان المراد بالعقل النفس و يحتمل إبليس أيضا لأنه المعارض لأرباب العقول الكاملة من الأنبياء و الأئمة في هداية الخلق و يؤيده أنه قد ورد مثل هذا في معارضة آدم و إبليس بعد تمرده و أنه أعطاهما مثل تلك الجنود و الحاصل أن هذه جنود للعقل و أصحابه و تلك عساكر للجهل و أربابه الخير هو كونه مقتضيا للخيرات أو لإيصال الخير إما إلى نفسه أو إلى غيره و الشر يقابله بالمعنيين و سماهما وزيرين لكونهما منشأين لكل ما يذكر بعدهما من الجنود فهما أميران عليها مقويان لها و تصدر جميعها عن رأيهما و التصديق و الجحود لعلهما من الفقرات المكررة و يمكن تخصيص الإيمان بما يتعلق بالأصول و التصديق بما يتعلق بالفروع و يحتمل أن يكون الفرق بالإجمال و التفصيل بأن يكون الإيمان التصديق الإجمالي بما جاء به النبي ص و التصديق الإذعان بتفاصيله. و العدل التوسط في جميع الأمور بين الإفراط و التفريط أو المعنى المعروف و هو داخل في الأول و الرضا أي بقضاء الله و الطمع لعله تكرار للرجاء و يمكن أن يخص الرجاء بالأمور الأخروية و الطمع بالفوائد الدنيوية أو الرجاء بما يكون باستحقاق و الطمع بغيره أو يكون المراد بالطمع طمع ما في أيدي الناس بأن يكون من جنود الجهل أورد على خلاف الترتيب و لا يخفى بعده. و الرأفة و الرحمة إحداهما من المكررات و يمكن أن يكون المراد بالرأفة الحالة و بالرحمة ثمرتها و في الكافي و المحاسن ضد الرأفة القسوة و في أكثر نسخ الخصال العزة أي طلب الغلبة و الاستيلاء و الفهم إما المراد به حالة للنفس تقتضي سرعة إدراك الأمور و العلم بدقائق المسائل أو أصل الإدراك فعلى الثاني يخص بالحكمة العملية ليغاير العلم و العفة منع البطن و الفرج عن المحرمات و الشبهات و مقابلها التهتك و عدم المبالاة بهتك ستره في ارتكاب المحرمات و قال في القاموس الخرق بالضم و بالتحريك
ضد الرفق و أن لا يحسن العمل و التصرف في الأمور و الرهبة الخوف من الله و من عقابه أو من الخلق أو من النفس و الشيطان و الأولى التعميم ليشمل الخوف عن كل ما يضر بالدين أو الدنيا و التؤدة بضم التاء و فتح الهمزة و سكونها الرزانة و التأني أي عدم المبادرة إلى الأمور بلا تفكر فإنها توجب الوقوع في المهالك و في القاموس هذر كلامه كفرح كثر في الخطاء و الباطل و الهذر محركة الكثير الردى أو سقط الكلام. و الاستسلام الانقياد لله تعالى فيما يأمر و ينهى و التسليم انقياد أئمة الحق و في الكافي في مقابل التسليم الشك فالمراد بالتسليم الإذعان بما يصدر عن الأنبياء و الأئمة ع و يصعب على الأذهان قبوله كما سيأتي في أبواب العلم و المراد بالغنى غنى النفس و الاستغناء عن الخلق لا الغنى بالمال فإنه غالبا مع أهل الجهل و ضده الفقر إلى الناس و التوسل بهم في الأمور و لما كان السهو عبارة عن زوال الصورة عن المدركة لا الحافظة أطلق في مقابله التذكر الذي هو الاسترجاع عن الحافظة و لما كان النسيان عبارة عن زوالها عن الحافظة أيضا أطلق في مقابله الحفظ و المواساة جعل الإخوان مساهمين و مشاركين في المال و السلامة هي البراءة من البلايا و هي العيوب و الآفات و العاقل يتخلص منها حيث يعرفها و يعرف طريق التخلص منها و الجاهل يختارها و يقع فيها من حيث لا يعلم و قال الشيخ البهائي رحمه الله لعل المراد سلامة الناس منه كما ورد في الحديث المسلم من سلم المسلمون من يده و لسانه و يراد بالبلاء ابتلاء الناس به و الشهامة ذكاء الفؤاد و توقده. قوله ع و الفهم و ضده الغباوة في ع الفطنة و ضدها الغباوة و لعله أولى لعدم التكرار و على ما في ل لعلها من المكررات و يمكن تخصيص أحدهما بفهم مصالح النشأة الأولى و الآخر بالأخرى أو أحدهما بمرتبة من الفهم و الذكاء و الآخر بمرتبة فوقها و الفرق بينه و بين الشهامة أيضا يحتاج إلى تكلف و المعرفة على ما قيل هي إدراك الشيء بصفاته و آثاره بحيث لو وصل إليه عرف أنه هو و مقابله الإنكار يعني عدم حصول ذلك الإدراك فإن الإنكار يطلق عليه أيضا كما يطلق على
الجحود و المكاشفة المنازعة و المجادلة و في سن المداراة و ضدها المخاشنة و سلامة الغيب أي يكون في غيبته غيره سالما عن ضرره و ضدها المماكرة و هو أن يتملق ظاهرا للخديعة و المكر و في الغيبة يكون في مقام الضرر و في سن سلامة القلب و ضدها المماكرة و لعله أنسب. و الكتمان أي كتمان عيوب المؤمنين و أسرارهم أو كلما يجب أو ينبغي كتمانه ككتمان الحق في مقام التقية و كتمان العلم عن غير أهله و الصلاة أي المحافظة عليها و على آدابها و أوقاتها و ضدها الإخلال بشرائطها أو آدابها أو أوقات فضلها و إنما جعل نبذ الميثاق أي طرحه ضد الحج لما سيأتي في أخبار كثيرة أن الله تعالى أودع الحجر مواثيق العباد و علة الحج تجديد الميثاق عند الحجر فيشهد يوم القيامة لكل من وافاه و لعل المراد بالحقيقة الإخلاص في العبادة إذ بتركه ينتفي حقيقة العبادة و هذه الفقرة أيضا قريبة من فقرة الإخلاص و الشوب فإما أن يحمل على التكرار أو يحمل الإخلاص على كماله بأن لا يشوب معه طمع جنة و لا خوف نار و لا جلب نفع و لا دفع ضرر و الحقيقة على عدم مراءاة المخلوقين و المعروف أي اختياره و الإتيان به و الأمر به و كذا المنكر و التبرج إظهار الزينة و لعل هذه الفقرة مخصوصة بالنساء و يمكن تعميمها بحيث تشمل ستر الرجال عوراتهم و عيوبهم و الإذاعة الإفشاء و الإنصاف التسوية و العدل بين نفسه و غيره و بين الأقارب و الأباعد و الحمية توجب تقديم نفسه على غيره و إن كان الغير أحق و تقديم عشيرته و أقاربه على الأباعد و إن كان الحق مع الأباعد و المهنة بالكسر و الفتح و التحريك ككلمة الحذق بالخدمة و العمل مهنه كمنعه و نصره مهنا و مهنة و يكسر خدمه و ضربه و جهده كذا في القاموس و المراد خدمة أئمة الحق و إطاعتهم و البغي الخروج عليهم و عدم الانقياد لهم و في الكافي و سن التهيئة و هي جاءت بمعنى التوافق و الإصلاح و يرجع إلى ما ذكرنا و الجلع في بعض النسخ بالجيم و هو قلة الحياء و في بعضها بالخاء المعجمة أي خلع لباس الحياء و هو مجاز شائع و القصد اختيار الوسط في الأمور و ملازمة الطريق الوسط الموصل إلى النجاة و الراحة أي اختيار ما يوجبها بحسب النشأتين لا راحة الدنيا فقط و السهولة الانقياد بسهولة و لين
الجانب و البركة تكون بمعنى الثبات و الزيادة و النمو أي الثبات على الحق و السعي في زيادة أعمال الخير و تنمية الإيمان و اليقين و ترك ما يوجب محق هذه الأمور أي بطلانها و نقصها و فسادها و يحتمل أن يكون المراد البركة في المال و غيره من الأمور الدنيوية فإن العاقل يحصل من الوجه الذي يصلح له و يصرف فيما ينبغي الصرف فيه فينمو و يزيد و يبقى و يدوم له بخلاف الجاهل و العافية من الذنوب و العيوب أو من المكاره فإن العاقل بالشكر و العفو يعقل النعمة عن النفار و يستجلب زيادة النعمة و بقائها مدى الأعصار و الجاهل بالكفران و ما يورث زوال الإحسان و ارتكاب ما يوجب الابتلاء بالغموم و الأحزان على خلاف ذلك و يمكن أن تكون هذه أيضا من المكررات و يظهر مما ذكرنا الفرق على بعض الوجوه و القوام كسحاب العدل و ما يعاش به أي اختيار الوسط في تحصيل ما يحتاج إليه و الاكتفاء بقدر الكفاف و المكاثرة المغالبة في الكثرة أي تحصيل متاع الدنيا زائدا على قدر الحاجة للمباهاة و المغالبة و يحتمل أن يكون المراد التوسط في الإنفاق و ترك البخل و التبذير كما قال تعالى وَ الَّذِينَ إِذا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَ لَمْ يَقْتُرُوا وَ كانَ بَيْنَ ذلِكَ قَواماً فالمراد بالمكاثرة المغالبة في كثرة الإنفاق و الحكمة العمل بالعلم و اختيار النافع الأصلح و ضدها اتباع هوى النفس و الوقار هو الثقل و الرزانة و الثبات و عدم الانزعاج بالفتن و ترك الطيش و المبادرة إلى ما لا يحمد و الحاصل أن العاقل لا يزول عما هو عليه بكل ما يرد عليه و لا يحركه إلا ما يحكم العقل بالحركة له أو إليه لرعاية خير و صلاح و الجاهل يتحرك بالتوهمات و التخيلات و اتباع القوى الشهوانية و الغضبية فمحرك العاقل عزيز الوجود و محرك الجاهل كثير التحقق و السعادة اختيار ما يوجب حسن العاقبة و الاستغفار أعم من التوبة إذ يشترط في التوبة العزم على الترك في المستقبل و لا يشترط ذلك في الاستغفار و يحتمل أن تكون مؤكدة للفقرة السابقة و الاغترار الانخداع عن النفس و الشيطان بتسويف التوبة و الغفلة عن الذنوب و مضارها و عقوباتها و المحافظة أي على أوقات الصلوات و التهاون التأخير عن أوقات الفضيلة أو المراد المحافظة على جميع التكاليف و الاستنكاف الاستكبار و قد سمى الله تعالى ترك الدعاء استكبارا فقال إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبادَتِي و الفرح ترك الحزن مما فات عنه من الدنيا أو البشاشة من الإخوان قوله الألفة و ضدها الفرقة في بعض النسخ العصبية و كونها ضد الألفة لأنها توجب المنازعة و اللجاج و العناد الموجبة لرفع الألفة و تفصيل هذه الخصال و تحقيقها سيأتي إن شاء الله تعالى في أبواب المكارم
8- مع، ]معاني الأخبار[ أبي عن محمد العطار عن الأشعري عن محمد بن عبد الجبار عن بعض أصحابنا رفعه إلى أبي عبد الله ع قال قلت له ما العقل قال ما عبد به الرحمن و اكتسب به الجنان قال قلت فالذي كان في معاوية قال تلك النكراء و تلك الشيطنة و هي شبيهة بالعقل و ليست بعقل
سن، ]المحاسن[ الأشعري مثله بيان النكراء الدهاء و الفطنة و جودة الرأي و إذا استعمل في مشتهيات جنود الجهل يقال له الشيطنة و لذا فسره ع بها و هذه إما قوة أخرى غير العقل أو القوة العقلية و إذا استعملت في هذه الأمور الباطلة و كملت في ذلك تسمى بالشيطنة و لا تسمى بالعقل في عرف الشرع و قد مر بيانه
9- مع، ]معاني الأخبار[ سئل الحسن بن علي ع فقيل له ما العقل قال التجرع للغصة حتى تنال الفرصة
بيان الغصة بالضم ما يعترض في الحلق و تعسر إساغته و يطلق مجازا على الشدائد التي يشق على الإنسان تحملها و هو المراد هنا و تجرعه كناية عن تحمله و عدم القيام بالانتقام به و تداركه حتى تنال الفرصة فإن التدارك قبل ذلك لا ينفع سوى الفضيحة و شدة البلاء و كثرة الهم
10- مع، ]معاني الأخبار[ في أسئلة أمير المؤمنين عن الحسن ع يا بني ما العقل قال حفظ قلبك ما استودعه قال فما الجهل قال سرعة الوثوب على الفرصة قبل الاستمكان منها و الامتناع عن الجواب و نعم العون الصمت في مواطن كثيرة و إن كنت فصيحا
بيان ما استودعه على البناء للمجهول أي ما جعلت عنده وديعة و طلبت منه حفظه قوله ع و الامتناع عن الجواب أي عند عدم مظنة ضرر في الجواب فإن الامتناع حينئذ إما للجهل به أو للجهل بمصلحة الوقت فإن الصلاح حينئذ في الجواب فقوله ع و نعم العون كالاستثناء مما تقدم و سيجيء أخبار تناسب هذا الباب في باب تركيب الإنسان و أجزائه
11- ف، ]تحف العقول[ قال النبي ص في جواب شمعون بن لاوي بن يهودا من حواريي عيسى حيث قال أخبرني عن العقل ما هو و كيف هو و ما يتشعب منه و ما لا يتشعب و صف لي طوائفه كلها فقال رسول الله ص إن العقل عقال من الجهل و النفس مثل أخبث الدواب فإن لم تعقل حارت فالعقل عقال من الجهل و إن الله خلق العقل فقال له أقبل فأقبل و قال له أدبر فأدبر فقال الله تبارك و تعالى و عزتي و جلالي ما خلقت خلقا أعظم منك و لا أطوع منك بك أبدأ و بك أعيد لك الثواب و عليك العقاب فتشعب من العقل الحلم و من الحلم العلم و من العلم الرشد و من الرشد العفاف و من العفاف الصيانة و من الصيانة الحياء و من الحياء الرزانة و من الرزانة المداومة على الخير و من المداومة على الخير كراهية الشر و من كراهية الشر طاعة الناصح فهذه عشرة أصناف من أنواع الخير و لكل واحد من هذه العشرة الأصناف عشرة أنواع فأما الحلم فمنه ركوب الجهل و صحبة الأبرار و رفع من الضعة و رفع من الخساسة و تشهي الخير و يقرب صاحبه من معالي الدرجات و العفو و المهل و المعروف و الصمت فهذا ما يتشعب للعاقل بحلمه. و أما العلم فيتشعب منه الغنى و إن كان فقيرا و الجود و إن كان بخيلا و المهابة و إن كان هينا و السلامة و إن كان سقيما و القرب و إن كان قصيا و الحياء و إن كان صلفا و الرفعة و إن كان وضيعا و الشرف و إن كان رذلا و الحكمة و الحظوة فهذا ما يتشعب للعاقل بعلمه فطوبى لمن عقل و علم و أما الرشد فيتشعب منه السداد و الهدى و البر و التقوى و المنالة و القصد و الاقتصاد و الثواب و الكرم و المعرفة بدين الله فهذا ما أصاب العاقل بالرشد فطوبى لمن أقام به على منهاج الطريق و أما العفاف فيتشعب منه الرضا و الاستكانة و الحظ و الراحة و التفقد و الخشوع و التذكر و التفكر و الجود و السخاء فهذا ما يتشعب للعاقل بعفافه رضي بالله و بقسمه و أما الصيانة فيتشعب منها الصلاح و التواضع و الورع و الإنابة و الفهم و الأدب و الإحسان و التحبب و الخير و اجتناب الشر فهذا ما أصاب العاقل بالصيانة فطوبى لمن أكرمه مولاه بالصيانة و أما الحياء فيتشعب منه اللين و الرأفة و المراقبة لله في السر و العلانية و السلامة و اجتناب الشر و البشاشة و السماحة و الظفر و حسن الثناء على المرء في الناس فهذا ما أصاب العاقل بالحياء فطوبى لمن قبل نصيحة الله و خاف فضيحته و أما الرزانة فيتشعب منها اللطف و الحزم و أداء الأمانة و ترك الخيانة و صدق اللسان و تحصين الفرج و استصلاح المال و الاستعداد للعدو و النهي عن المنكر و ترك السفه فهذا ما أصاب العاقل بالرزانة فطوبى لمن توقر و لمن لم تكن له خفة و لا جاهلية و عفا و صفح و أما المداومة على الخير فيتشعب منه ترك الفواحش و البعد من الطيش
و التحرج و اليقين و حب النجاة و طاعة الرحمن و تعظيم البرهان و اجتناب الشيطان و الإجابة للعدل و قول الحق فهذا ما أصاب العاقل بمداومة الخير فطوبى لمن ذكر ما أمامه و ذكر قيامه و اعتبر بالفناء و أما كراهية الشر فيتشعب منه الوقار و الصبر و النصر و الاستقامة على المنهاج و المداومة على الرشاد و الإيمان بالله و التوفر و الإخلاص و ترك ما لا يعنيه و المحافظة على ما ينفعه فهذا ما أصاب العاقل بالكراهية للشر فطوبى لمن أقام الحق لله و تمسك بعرى سبيل الله و أما طاعة الناصح فيتشعب منها الزيادة في العقل و كمال اللب و محمدة العواقب و النجاة من اللوم و القبول و المودة و الإسراج و الإنصاف و التقدم في الأمور و القوة على طاعة الله فطوبى لمن سلم من مصارع الهوى فهذه الخصال كلها يتشعب من العقل قال شمعون فأخبرني عن أعلام الجاهل فقال رسول الله ص إن صحبته عناك و إن اعتزلته شتمك و إن أعطاك من عليك و إن أعطيته كفرك و إن أسررت إليه خانك و إن أسر إليك اتهمك و إن استغنى بطر و كان فظا غليظا و إن افتقر جحد نعمة الله و لم يتحرج و إن فرح أسرف و طغى و إن حزن آيس و إن ضحك فهق و إن بكى خار يقع في الأبرار و لا يحب الله و لا يراقبه و لا يستحيي من الله و لا يذكره إن أرضيته مدحك و قال فيك من الحسنة ما ليس فيك و إن سخط عليك ذهبت مدحته و وقع فيك من السوء ما ليس فيك فهذا مجرى الجاهل قال فأخبرني عن علامة الإسلام فقال رسول الله ص الإيمان و العلم و العمل قال فما علامة الإيمان و ما علامة العلم و ما علامة العمل فقال رسول الله ص أما علامة الإيمان فأربعة الإقرار بتوحيد الله و الإيمان به و الإيمان بكتبه و الإيمان برسله و أما علامة العلم فأربعة العلم بالله و العلم بمحبته و العلم بمكارهه و الحفظ لها حتى تؤدي و أما العمل فالصلاة و الصوم و الزكاة و الإخلاص قال فأخبرني عن علامة الصادق و علامة المؤمن و علامة الصابر و علامة التائب و علامة الشاكر و علامة الخاشع و علامة الصالح و علامة الناصح و علامة الموقن و علامة المخلص و علامة الزاهد و علامة البار و علامة التقي و علامة المتكلف و علامة الظالم و علامة المرائي و علامة المنافق و علامة الحاسد و علامة المسرف و علامة الغافل و علامة الكسلان و علامة الكذاب و علامة الفاسق و علامة الجائر فقال رسول الله ص أما علامة الصادق فأربعة يصدق في قوله و يصدق وعد الله و وعيده و يوفي بالعهد و يجتنب الغدر و أما علامة المؤمن فإنه يرؤف و يفهم و يستحيي و أما علامة الصابر فأربعة الصبر على المكاره و العزم في أعمال البر و التواضع و الحلم و أما علامة التائب فأربعة النصيحة لله في عمله و ترك الباطل و لزوم الحق و الحرص على الخير و أما علامة الشاكر فأربعة الشكر في النعماء و الصبر في البلاء و القنوع بقسم الله و لا يحمد و لا يعظم إلا الله و أما علامة الخاشع فأربعة مراقبة الله في السر و العلانية و ركوب الجميل و التفكر ليوم القيامة و المناجاة لله و أما علامة الصالح فأربعة يصفي قلبه و يصلح عمله و يصلح كسبه و يصلح أموره كلها و أما علامة الناصح فأربعة يقضي بالحق و يعطي الحق من نفسه و يرضى للناس ما يرضاه لنفسه و لا يعتدي على أحد و أما علامة الموقن فستة أيقن أن الله حق فآمن به و أيقن بأن الموت حق فحذره و أيقن بأن البعث حق فخاف الفضيحة و أيقن بأن الجنة حق فاشتاق
إليها و أيقن بأن النار حق فطهر سعيه للنجاة منها و أيقن بأن الحساب حق فحاسب نفسه و أما علامة المخلص فأربعة يسلم قلبه و يسلم جوارحه و بذل خيره و كف شره و أما علامة الزاهد فعشرة يزهد في المحارم و يكف نفسه و يقيم فرائض ربه فإن كان مملوكا أحسن الطاعة و إن كان مالكا أحسن المملكة و ليس له محمية و لا حقد يحسن إلى من أساء إليه و ينفع من ضره و يعفو عمن ظلمه و يتواضع لحق الله و أما علامة البار فعشرة يحب في الله و يبغض في الله و يصاحب في الله و يفارق في الله و يغضب في الله و يرضى في الله و يعمل لله و يطلب إليه و يخشع لله خائفا مخوفا طاهرا مخلصا مستحييا مراقبا و يحسن في الله و أما علامة التقي فستة يخاف الله و يحذر بطشه و يمسي و يصبح كأنه يراه لا تهمه الدنيا و لا يعظم عليه منها شيء لحسن خلقه و أما علامة المتكلف فأربعة الجدال فيما لا يعنيه و ينازع من فوقه و يتعاطى ما لا ينال و أما علامة الظالم فأربعة يظلم من فوقه بالمعصية و يملك من دونه بالغلبة و يبغض الحق و يظهر الظلم و أما علامة المرائي فأربعة يحرص في العمل لله إذا كان عنده أحد و يكسل إذا كان وحده و يحرص في كل أمره على المحمدة و يحسن سمته بجهده و أما علامة المنافق فأربعة فاجر دخله يخالف لسانه قلبه و قوله فعله و سريرته علانيته فويل للمنافق من النار و أما علامة الحاسد فأربعة الغيبة و التملق و الشماتة بالمصيبة و أما علامة المسرف فأربعة الفخر بالباطل و يشتري ما ليس له و يلبس ما ليس له و يأكل ما ليس عنده و أما علامة الغافل فأربعة العمى و السهو و اللهو و النسيان و أما علامة الكسلان فأربعة يتوانى حتى يفرط و يفرط حتى يضيع و يضيع حتى يأثم و يضجر و أما علامة الكذاب فأربعة إن قال لم يصدق و إن قيل له لم يصدق و النميمة و البهت و أما علامة الفاسق فأربعة اللهو و اللغو و العدوان و البهتان و أما علامة الجائر فأربعة عصيان الرحمن و أذى الجيران و بغض القرآن و القرب إلى الطغيان فقال شمعون لقد شفيتني و بصرتني من عماي فعلمني طرائق أهتدي بها فقال رسول الله ص يا شمعون إن لك أعداء يطلبونك و يقاتلونك ليسلبوا دينك من الجن و الإنس فأما الذين من الإنس فقوم لا خلاق لهم في الآخرة و لا رغبة لهم فيما عند الله إنما همهم تعيير الناس بأعمالهم لا يعيرون أنفسهم و لا يحاذرون أعمالهم إن رأوك صالحا حسدوك و قالوا مراء و إن رأوك فاسدا قالوا لا خير فيه و أما أعداؤك من الجن فإبليس و جنوده فإذا أتاك فقال مات ابنك فقل إنما خلق الأحياء ليموتوا و تدخل بضعة مني الجنة إنه ليسري فإذا أتاك و قال قد ذهب مالك فقل الحمد لله الذي أعطى و أخذ و أذهب عني الزكاة فلا زكاة علي و إذا أتاك و قال لك الناس يظلمونك و أنت لا تظلم فقل إنما السبيل يوم
القيامة على الذين يظلمون الناس و ما عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ و إذا أتاك و قال لك ما أكثر إحسانك يريد أن يدخلك العجب فقل إساءتي أكثر من إحساني و إذا أتاك فقال لك ما أكثر صلاتك فقل غفلتي أكثر من صلاتي و إذا قال لك كم تعطي الناس فقل ما آخذ أكثر مما أعطي و إذا قال لك ما أكثر من يظلمك فقل من ظلمته أكثر و إذا أتاك فقال لك كم تعمل فقل طال ما عصيت إن الله تبارك و تعالى لما خلق السفلي فخرت و زخرت و قالت أي شيء يغلبني فخلق الأرض فسطحها على ظهرها فذلت ثم إن الأرض فخرت و قالت أي شيء يغلبني فخلق الله الجبال فأثبتها على ظهرها أوتادا من أن تميد بها عليها فذلت الأرض و استقرت ثم إن الجبال فخرت على الأرض فشمخت و استطالت و قالت أي شيء يغلبني فخلق الحديد فقطعها فذلت ثم إن الحديد فخر على الجبال و قال أي شيء يغلبني فخلق النار فأذابت الحديد فذل الحديد ثم إن النار زفرت و شهقت و فخرت و قالت أي شيء يغلبني فخلق الماء فأطفأها فذلت ثم الماء فخر و زخر و قال أي شيء يغلبني فخلق الريح فحركت أمواجه و أثارت ما في قعره و حبسته عن مجاريه فذل الماء ثم إن الريح فخرت و عصفت و قالت أي شيء يغلبني فخلق الإنسان فبنى و احتال ما يستتر به من الريح و غيرها فذلت الريح ثم إن الإنسان طغى و قال من أشد مني قوة فخلق الموت فقهره فذل الإنسان ثم إن الموت فخر في نفسه فقال الله عز و جل لا تفخر فإني ذابحك بين الفريقين أهل الجنة و أهل النار ثم لا أحييك أبدا فخاف ثم قال و الحلم يغلب الغضب و الرحمة تغلب السخط و الصدقة تغلب الخطيئة
بيان قوله تعالى بك أبدأ و بك أعيد أي بك خلقت الخلق و أبدأتهم و بك أعيدهم للجزاء إذ لو لا العقل لم يحسن التكليف و لو لا التكليف لم يكن للخلق فائدة و لا للثواب و العقاب و الحشر منفعة و لا فيها حكمة. قوله ص و من الحلم العلم إذ بترك الحلم ينفر العلماء عنه فلا يمكنه التعلم منهم و أيضا يسلب الله علمه عنه و لا يفيض عليه الحكمة بتركه كما سيأتي و الرشد الاهتداء و الاستقامة على طريق الحق مع تصلب فيه و العفاف منع النفس عن المحرمات و الصيانة منعها عن الشبهات و المكروهات فلذا تتفرع على العفاف و بالصيانة ترتفع الغواشي و الأغطية عن عين القلب فيرى الحق حقا و الباطل باطلا فيستحيي من ارتكاب المعاصي و إذا استحكم فيه الحياء تحصل له الرزانة أي عدم الانزعاج عن المحركات الشهوانية و الغضبية و عدم التزلزل بالفتن إذ الحياء عن ربه يمنعه عن أن يؤثر شيئا على رضاه أو يترك الأمور الدنية خدمة مولاه و الرزانة تصير وسيلة إلى المداومة على الخيرات و المداومة على الخيرات توجب تأييد الله تعالى لأن يكره الشرور فإذا صار محبا للخير كارها للشر يطيع كل ناصح يدله على الخير الذي يحبه أو يزجره عن الشر الذي يكرهه و أما ما يتشعب من الحلم فتشعبها منه يظهر بأدنى تأمل و بسط القول فيها يوجب الإطناب و الضعة بحسب الدنيا و الخساسة ما كان بسبب الأخلاق الذميمة و المهل أي تأخير العقوبة و عدم المبادرة بالانتقام. و أما ما يتشعب من العلم فالغنى أي غنى النفس و إن كان فقيرا بلا مال و يحتمل أيضا الغنى بالمال و إن كان قبل العلم فقيرا و الجود أي يجود بالحقائق على الخلق و إن كان بخيلا في المال إما لعدمه أو لبخله أو المراد أن العلم يصير سببا لجوده بالمال و العلم و غيرهما و إن كان قبل اتصافه بالعلم بخيلا و تحصل له المهابة و إن كان بحسب ما يصير بحسب الدنيا سببا لها هينا لعدم شرف دنيوي و حسب و نسب و مال لكن بالعلم يلقي الله مهابته في قلوب العباد و إن كان قبل العلم هينا حقيرا و السلامة من العيوب و إن كان في بدنه سقيما أو العلم يصير سببا لشفائه عن الأسقام الجسمانية و الروحانية و القرب من الله و إن كان قصيا أي بعيدا عن كرام
الخلق أو القرب من الله و من الخلق و إن كان بعيدا عنهما قبل العلم و الحياء و إن كان صلفا في القاموس الصلف بالتحريك التكلم بما يكرهه صاحبك و التمدح بما ليس عندك أو مجاوزة قدر الظرف و الادعاء فوق ذلك تكبرا و هو صلف ككتف انتهى أي يحصل من العلم الحياء في ما يحب و يحمد و إن عده الناس صلفا لترك المداهنة أو و إن كان قبله صلفا و الأخير هنا أظهر و الرفعة و الشرف أيضا يحتملان المعنيين على قياس ما مر و الفرق بينهما بأن الرفعة ما كان له نفسه و الشرافة ما يتعدى إلى غيره بأن يتشرف من ينسب إليه بسببه و الأول بحسب الجاه الدنيوي و الثاني بالرفعة المعنوية بسبب الأخلاق الشريفة و الحكمة العلوم الفائضة بعد العمل بما يعلم أو العمل بالعلم كما سيأتي و الحظوة المنزلة و القرب عند الله. و أما ما يتشعب من الرشد فالسداد و هو الصواب من القول و العمل و الهدى أي إلى ما فوق ما هو فيه أو المراد أن من أجزائه و لوازمه الهدى و كذا البر و التقوى و المنالة لعل المراد بها الدرجة التي بها تنال أقصى المقاصد من القرب و الفوز و السعادة فإنها من النيل و الإصابة و القصد أي الطريق الوسط المستقيم و الاقتصاد رعاية الوسط الممدوح في جميع الأمور و ترك الإفراط و التفريط و يحتمل أن يكون المراد بالثواب إثابة الغير بجزاء ما يصنع إليه لكنه بعيد. و أما ما يتشعب من العفاف فالرضا بما أعطاه الله من الرزق و عدم التصرف في الأمر الحرام لطلب الزيادة و الاستكانة الخضوع و المذلة و هي من لوازم العفاف لأن من عف عن الحرام و لم يجمع الأموال الكثيرة منه لا يطغى و يذل نفسه و يخضع و الحظ النصيب أي حظوظ الآخرة إذ بترك حظوظ الدنيا تتوفر حظوظ الآخرة و الراحة أي في الدنيا و الآخرة إذ من يجمع المال في الدنيا أيضا ليس له إلا العناء و التعب و كذا من لا يعف عن الفرج الحرام يتحمل في الدنيا المشاق و المنازعات و الحدود الشرعية و غيرها و التفقد إما المراد تفقد أحوال الفقراء و أداء حقوقهم أو تفقد أحوال النفس و عيوبها و الأول أظهر و الخشوع إذ بترك العفاف يسلب الخشوع في العبادات كما هو المجرب و التذكر أي تذكر الموت و أحوال الآخرة و الذنوب و التفكر أي في المبدأ و المعاد و فيما خلق له.
و أما ما يتشعب من الصيانة فالصلاح صلاح نفسه و خروجه عن المفاسد و المعايب و التواضع عند الخالق و الخلائق و عدم الاستكبار عن قبول الحق و الورع اجتناب المحرمات و الشبهات و الإنابة التوبة و الرجوع إلى الله تعالى و الفهم فهم حسن الأشياء و قبحها و فهم معايب النفس و عظمة خالقها و الأدب حسن المعاملة في خدمة الخالق و معاشرة الخلق و الإحسان إلى الغير و كسب محبة الناس و اختيار الخير و ما هو أحسن عاقبة و اجتناب الشر. و أما ما يتشعب من الحياء فلين الجانب و عدم الغلظة و الرأفة و الترحم على الخلق و المراقبة و هي ما يكون بين شخصين يرقب و يرصد كل منهما صاحبه أي يعلم في جميع أحواله و يتذكر أن الله مطلع عليه فيستحيي من معصيته أو ترك طاعته و التوجه إلى غيره و ينتظر في كل آن رحمته و يحترز من حلول نقمته و السلامة من البلايا التي ترد على الإنسان في الدنيا و الآخرة بترك الحياء و كذا اجتناب الشر و الظفر و هو الوصول إلى البغية و المطلوب و حسن ثناء الخلق عليه. و أما ما يتشعب من الرزانة فاللطف و الإحسان إلى الخلق أو الرفق و المداراة معهم أو إتيان الأمور بلطف التدبير و بما يعلم بعد التفكر أنه طريق الوصول إليه بدون مبادرة و استعجال و الحزم ضبط الأمر و الأخذ فيه بالثقة و التفكر في عواقب الأمور و تحصين الفرج أي حفظه و منعه عن الحرام و الشبهة و من لم تكن له رزانة يتبع الشهوات و تحركه في أول الأمر فيقع في الحرام و الشبهة بلا روية و استصلاح المال أيضا إنما يتيسر بالرزانة إذ الاستعجال في الأمور و اتباع كل ما يحدث في بادي النظر يوجب الخسران غالبا و كذا الاستعداد للعدو إنما يكون بالتأني و التثبت و كذا النهي عن المنكر فإنه أيضا إنما يتمشى بالتدبير و الحزم و التحرج تضييق الأمر على النفس أو فعل ما يوجب الإثم قال في النهاية و منها حديث اليتامى تحرجوا أن يأكلوا معهم أي ضيقوا على أنفسهم و تحرج فلان إذا فعل فعلا يحرج به من الحرج الإثم و الضيق انتهى و على الثاني يكون معطوفا على الطيش و اليقين إذ بكثرة العبادات يتقوى اليقين و قوله طاعة الرحمن يمكن عطفه على النجاة و لو كان معطوفا على الحب لعل المراد كثرتها و زيادتها أو أنها ثمرة مترتبة على المداومة على الخير و هي أنه مطيع للرحمن و كفى به شرفا و فضلا و البرهان الحجة و كل ما يوجب وضوح أمر و براهين الله تعالى أنبياؤه و حججه و كتبه و معجزات الأنبياء و الحجج و آيات الآفاق و الأنفس الدالة على وجوده و عظمته و وحدانيته و سائر صفاته و الطاعة و المداومة عليها تعظيم لتلك البراهين و إذعان بها و المعصية تحقير لها. و أما ما يتشعب من كراهية الشر فالوقار و عدم التزلزل عن الخير و الصبر على المكاره في الدين و النصر على الأعادي الظاهرة و الباطنة و التوفر أي في الإيمان أو في جميع الطاعات و ترك ما لا يعنيه أي لا يهمه و لا ينفعه. و أما ما يتشعب من طاعة الناصح فاللب الخالص من كل شيء و لعل المراد هنا العقل الخالص عن مخالطة الشهوات و الأهواء و القبول أي عند الخالق و الخلق و كذا المودة أو القبول عند الله و المودة بين الخلق. و الإسراج لعل المراد إسراج الذهن و إيقاد الفهم و يمكن أن يكون في الأصل الانشراح أي انشراح الصدر و اتساعه للعلوم أو الاستراحة فصحف إلى ما ترى و التقدم في الأمور أي الخيرات قوله ع من مصارع الهوى الصرع الطرح على الأرض و المراد الأمور و المقامات التي يصرع هوى النفس فيها أكثر الخلق و يغلبهم. و أما أعلام الجاهل عناك بالتشديد أي أتعبك من العناء النصب و التعب و إن أعطيته كفرك بالتخفيف أي لم يشكرك و الفظ الغليظ الجانب السيئ الخلق و قوله ع لم يتحرج أي لا يتضيق عن إثم و قبح و معصية و إن ضحك فهق أي فتح فاه و امتلأ من الضحك قال الجزري فيه إن أبغضكم إلي الثرثارون المتفيهقون هم الذين يتوسعون في الكلام و يفتحون به أفواههم مأخوذ من الفهق و هو الامتلاء و الاتساع يقال أفهقت الإناء فهق يفهق فهقا انتهى و إن بكى خار أي جزع و صاح
كالبهائم قال الجزري الخوار صوت البقر و منه حديث مقتل أبي بن خلف فخر يخور كما يخور الثور انتهى و الحاصل أن فرحه و جزعه خارجان عن الاعتدال قوله يقع في الأبرار أي يعيبهم و يذمهم قوله ص و وقع فيك لعله بالتشديد أي أثبت من التوقيع و هو ما يثبت في الكتب و الفرامين أو بالتخفيف بتقدير الباء أي عابك بما ليس فيك قوله ص و يصدق وعد الله و وعيده أي يؤمن بهما و يعمل بمقتضاهما و يوفي بالعهد أي عهوده مع الله و مع الخلق قوله ص فطهر سعيه أي من الرياء و العجب و سائر ما يفسد العمل قوله ص يسلم قلبه أي من الرياء و أنواع الشرك و الأخلاق الذميمة و جوارحه من المعاصي و ما يظهر منه عدم الإخلاص قوله ص ليس له محمية مصدر من الحماية أي الحماية لأهل الباطل و هو قريب من معنى الحمية الغيرة و الأنفة قوله ص و لا يعظم أي حسن خلقه و صبره يسهل عليه شدائد الدنيا قوله ص ينازع من فوقه كباريه تعالى و نبيه و إمامه و معلمه و والديه و كل من يلزمه إطاعته و يتعاطى أي يرتكب و يتوجه إلى تحصيل أمر لا يمكنه الوصول إليه قوله ص و يحسن سمته السمت هيئة أهل الخير أي يزين ظاهره و يتشبه بأهل الصلاح غاية جهده و سعيه قوله ص فاجر دخله أي خفايا أموره و بواطن أحواله فاسدة فاجرة قال الفيروزآبادي دخل الرجل بالفتح و الكسر بيته و مذهبه و جميع أمره و جلده و بطانته انتهى قوله ص و أما علامة الحاسد الظاهر أنه سقط أحد الأربعة من النساخ كما وقع مثله فيما سبق أو كان مكان أربعة ثلاثة كما في وصايا لقمان حيث قال للحاسد ثلاث علامات يغتاب إذا غاب و يتملق إذا شهد و يشمت بالمصيبة قوله ص يتوانى أي يفتر و يقصر و لا يهتم به قوله ص لا خلاق لهم الخلاق بالفتح الحظ و النصيب قوله ص و إنه ليسري لعل المراد أن دخوله الجنة يسري إلي فأدخل أيضا بسببه فيكون فعلا و يحتمل أن يكون مصدرا أي أن ذلك موجب ليسري و تيسر أموري في الآخرة و يمكن أن يكون يسري فعلا من قولهم سري عنه الهم أي انكشف أي هذا التفكر يصير سببا لأن ينكشف عنك الهم. ثم اعلم أنه كان في المنقول عنه بعد قوله طال ما عصيت فقرات ناقصات بينها بياض كثير أسقطناها و ما في آخر الخبر لعله تمثيل لبيان أن كل شيء غيره تعالى مغلوب مقهور بما فوقه و الله الغالب على كل شيء و سيأتي الكلام فيه في كتاب السماء و العالم و إنما أوجزنا الكلام في شرح هذا الخبر إذ استيفاء الكلام فيه لا يتأتى إلا في كتاب مفرد موضوع لذلك و عهدنا المقدم يمسك عن الإطناب عنان القلم
12- ف، ]تحف العقول[ قال النبي ص صفة العاقل أن يحلم عمن جهل عليه و يتجاوز عمن ظلمه و يتواضع لمن هو دونه و يسابق من فوقه في طلب البر و إذا أراد أن يتكلم تدبر فإن كان خيرا تكلم فغنم و إن كان شرا سكت فسلم و إذا عرضت له فتنة استعصم بالله و أمسك يده و لسانه و إذا رأى فضيلة انتهز بها لا يفارقه الحياء و لا يبدو منه الحرص فتلك عشر خصال يعرف بها العاقل و صفة الجاهل أن يظلم من خالطه و يتعدى على من هو دونه و يتطاول على من هو فوقه كلامه بغير تدبر إن تكلم أثم و إن سكت سها و إن عرضت له فتنة سارع إليها فأردته و إن رأى فضيلة أعرض و أبطأ عنها لا يخاف ذنوبه القديمة و لا يرتدع فيما بقي من عمره من الذنوب يتوانى عن البر و يبطئ عنه غير مكترث لما فاته من ذلك أو ضيعه فتلك عشر خصال من صفة الجاهل الذي حرم العقل
بيان قال الجزري النهزة الفرصة و انتهزتها اغتنمتها أي إذا رأى فضيلة اغتنم الفرصة بهذه الفضيلة و لم يؤخرها قوله ع و إن سكت سها أي ليس سكوته لرعاية مصلحة بل لأنه سها عن الكلام و الردى الهلاك فأردته أي أهلكته و يقال ما أكترث له أي ما أبالي به
-13 سن، ]المحاسن[ العوسي عن أبي جعفر الجوهري عن إبراهيم بن محمد الكوفي رفعه قال سئل الحسن بن علي ع عن العقل قال التجرع للغصة و مداهنة الأعداء
ضه، ]روضة الواعظين[ عن أمير المؤمنين ع مثله و زاد فيه و مداراة الأصدقاء
بيان المداهنة إظهار خلاف ما تضمر و هو قريب من معنى المداراة
14- سن، ]المحاسن[ بعض أصحابنا رفعه قال قال ع العاقل لا يحدث من يخاف تكذيبه و لا يسأل من يخاف منعه و لا يقدم على ما يخاف العذر منه و لا يرجو من لا يوثق برجائه
15- سن، ]المحاسن[ بعض أصحابنا رفعه قال قال أبو عبد الله ع يستدل بكتاب الرجل على عقله و موضع بصيرته و برسوله على فهمه و فطنته
16- مص، ]مصباح الشريعة[ قال الصادق ع العاقل من كان ذلولا عند إجابة الحق منصفا بقوله جموحا عند الباطل خصما بقوله يترك دنياه و لا يترك دينه و دليل العاقل شيئان صدق القول و صواب الفعل و العاقل لا يتحدث بما ينكره العقل و لا يتعرض للتهمة و لا يدع مداراة من ابتلي به و يكون العلم دليله في أعماله و الحلم رفيقه في أحواله و المعرفة تعينه في مذاهبه و الهوى عدو العقل و مخالف الحق و قرين الباطل و قوة الهوى من الشهوة و أصل علامات الشهوة أكل الحرام و الغفلة عن الفرائض و الاستهانة بالسنن و الخوض في الملاهي
توضيح قال الفيروزآبادي جمح الفرس كمنع جمحا و جموحا و جماحا و هو جموح اغتر فارسه و غلبه و قال رجل خصم كفرح مجادل قوله من ابتلي به أي بمعاشرته و خلطته و استهان بالشيء أي أهانه و خفضه و الخوض في الملاهي الدخول فيها و اقتحامها من غير روية و التمادي فيها
-17 ضه، ]روضة الواعظين[ غو، ]غوالي اللئالي[ عن النبي ص قال رأس العقل بعد الإيمان التودد إلى الناس و قال ص أعقل الناس محسن خائف و أجهلهم مسيء آمن
18- ضه، ]روضة الواعظين[ عن النبي ص قال رأس العقل بعد الإيمان بالله التحبب إلى الناس
19- ضه، ]روضة الواعظين[ قال أمير المؤمنين ع ليس للعاقل أن يكون شاخصا إلا في ثلاث مرمة لمعاش أو حظوة في معاد أو لذة في غير محرم
20- ضه، ]روضة الواعظين[ روي أن النبي ص قيل له ما العقل قال العمل بطاعة الله و إن العمال بطاعة الله هم العقلاء
21- و روي أن رسول الله ص مر بمجنون فقال ما له فقيل إنه مجنون فقال بل هو مصاب إنما المجنون من آثر الدنيا على الآخرة
22- ضه، ]روضة الواعظين[ روي عن أمير المؤمنين ع عن النبي ص أنه قال ينبغي للعاقل إذا كان عاقلا أن يكون له أربع ساعات من النهار ساعة يناجي فيها ربه و ساعة يحاسب فيها نفسه و ساعة يأتي أهل العلم الذين ينصرونه في أمر دينه و ينصحونه و ساعة يخلي بين نفسه و لذتها من أمر الدنيا فيما يحل و يحمد
23- ختص، ]الإختصاص[ قال الصادق ع أفضل طبائع العقل العبادة و أوثق الحديث له العلم و أجزل حظوظه الحكمة و أفضل ذخائره الحسنات
24- و قال ع كمال العقل في ثلاث التواضع لله و حسن اليقين و الصمت إلا من خير
25- و قال الجهل في ثلاث الكبر و شدة المراء و الجهل بالله فأولئك هم الخاسرون
26- و قال ع يزيد عقل الرجل بعد الأربعين إلى خمسين و ستين ثم ينقص عقله بعد ذلك
27- و قال إذا أردت أن تختبر عقل الرجل في مجلس واحد فحدثه في خلال حديثك بما لا يكون فإن أنكره فهو عاقل و إن صدقه فهو أحمق
-28 و قال ع لا يلسع العاقل من جحر مرتين
29- ف، ]تحف العقول[ وصية موسى بن جعفر ع لهشام بن الحكم و صفته للعقل قال ع يا هشام إن الله تبارك و تعالى بشر أهل العقل و الفهم في كتابه فقال فَبَشِّرْ عِبادِ الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُولئِكَ الَّذِينَ هَداهُمُ اللَّهُ وَ أُولئِكَ هُمْ أُولُوا الْأَلْبابِ
بيان المراد بالقول إما القرآن أو مطلق المواعظ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أي إذا رددوا بين أمرين منها لا يمكن الجمع بينهما يختارون أحسنهما و على الأول يحتمل أن يكون المراد بالأحسن المحكمات و يمكن أن يحمل القول على مطلق الكلام إذ ما من قول حق إلا و له ضد باطل فإذا سمعها اختار الحق منهما و على تقدير أن يكون المراد بالقول القرآن أو مطلق المواعظ يمكن إرجاع الضمير إلى المصدر المذكور ضمنا أي يتبعونه أحسن اتباع
يا هشام بن الحكم إن الله جل و عز أكمل للناس الحجج بالعقول و أفضى إليهم بالبيان و دلهم على ربوبيته بالأدلة فقال وَ إِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ الرَّحْمنُ الرَّحِيمُ إِنَّ فِي خَلْقِ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ وَ اخْتِلافِ اللَّيْلِ وَ النَّهارِ وَ الْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِما يَنْفَعُ النَّاسَ وَ ما أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّماءِ مِنْ ماءٍ فَأَحْيا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها وَ بَثَّ فِيها مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ وَ تَصْرِيفِ الرِّياحِ وَ السَّحابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّماءِ وَ الْأَرْضِ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ
بيان المراد بالحجج البراهين أو الأنبياء و الأوصياء ع و الاحتجاج و قطع العذر أي أكمل حجته على الناس بما آتاهم من العقول و أفضى إليه أي وصل و الباء للتعدية أي بعد ما أكمل عقلهم ألقى إليهم بيان ما يلزمهم علمه و معرفته و في الكافي و نصر النبيين بالبيان و الأدلة ما بين في كتابه من دلائل الربوبية و الوحدانية أو ما أظهر من آثار صنعته و قدرته في الآفاق و في أنفسهم و الأول أنسب بالتفريع و اختلاف الليل و النهار أي تعاقبهما على هذا النظام المشاهد بأن يذهب أحدهما و يجيء الآخر خلفه و به فسر قوله تعالى هُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَ النَّهارَ خِلْفَةً أو تفاوتهما في النور و الظلمة أو في الزيادة و النقصان و دخول أحدهما في الآخر أو في الطول و القصر بحسب العروض أو اختلاف كل ساعة من ساعاتهما بالنظر إلى الأمكنة المختلفة فأية ساعة فرضت فهي صبح لموضع و ظهر لآخر و هكذا و الفلك يجيء مفردا و جمعا و هو السفينة و ما في قوله تعالى بِما يَنْفَعُ النَّاسَ إما مصدرية أي بنفعهم أو موصولة أي بالذي ينفعهم من المحمولات و المجلوبات و ما أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّماءِ مِنْ ماءٍ من الأولى للابتداء و الثانية للبيان و السماء يحتمل الفلك و السحاب و جهة العلو و إحياء الأرض بالنباتات و الأزهار و الثمرات و بث فيها عطف على أنزل أو على أحيا فإن الدواب ينمون بالخصب و يعيشون بالمطر و البث النشر و التفريق و المراد بتصريف الرياح إما تصريفها في مهابها قبولا و دبورا و جنوبا و شمالا أو في أحوالها حارة و باردة و عاصفة و لينة و عقيمة و لواقح أو جعلها تارة للرحمة و تارة للعذاب و السحاب المسخر أي لا ينزل و لا يتقشع مع أن الطبع يقتضي أحدهما حتى يأتي أمر الله و قيل مسخر للرياح تقلبه في الجو بمشية الله تعالى و في الآية دلالة على لزوم النظر في خواص مصنوعاته تعالى و الاستدلال بها على وجوده و وحدته و علمه و قدرته و حكمته و سائر صفاته و على جواز ركوب البحر و التجارات و المسافرات لجلب الأقوات و الأمتعة
يا هشام قد جعل الله جل و عز دليلا على معرفته بأن لهم مدبرا فقال وَ سَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَ النَّهارَ وَ الشَّمْسَ وَ الْقَمَرَ وَ النُّجُومُ مُسَخَّراتٌ بِأَمْرِهِ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ و قال حم وَ الْكِتابِ الْمُبِينِ إِنَّا جَعَلْناهُ قُرْآناً عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ و قال وَ مِنْ آياتِهِ يُرِيكُمُ الْبَرْقَ خَوْفاً وَ طَمَعاً وَ يُنَزِّلُ مِنَ السَّماءِ ماءً فَيُحْيِي بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ
بيان في الكافي قد جعل الله ذلك دليلا أي كلا من الآيات المذكورة سابقا أو لاحقا و قوله تعالى وَ سَخَّرَ لَكُمُ أي هيأها لمنافعكم و مُسَخَّراتٌ بالنصب حال عن الجميع أي نفعكم بها حال كونها مسخرات لله خلقها و دبرها كيف شاء و قرأ حفص و النجوم مسخرات على الابتداء و الخبر فيكون تعميما للحكم بعد تخصيصه و رفع ابن عامر الشمس و القمر أيضا و قوله تعالى يُرِيكُمُ الفعل مصدر بتقدير أن أو صفة لمحذوف أي آية يريكم بها الْبَرْقَ خَوْفاً من الصاعقة أو تخريب المنازل و الزروع أو من المسافرة وَ طَمَعاً أي في الغيث و النبات و سقي الزروع أو للمقيم و نصبهما على العلة لفعل لازم للفعل المذكور إذ إراءتهم تستلزم رؤيتهم أو للفعل المذكور بتقدير مضاف أي إراءة خوف و طمع أو بتأويل الخوف و الطمع بالإخافة و الإطماع أو على الحال نحو كلمته شفاها
يا هشام ثم وعظ أهل العقل و رغبهم في الآخرة فقال وَ مَا الْحَياةُ الدُّنْيا إِلَّا لَعِبٌ وَ لَهْوٌ وَ لَلدَّارُ الْآخِرَةُ خَيْرٌ لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ أَ فَلا تَعْقِلُونَ و قال وَ ما أُوتِيتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَمَتاعُ الْحَياةِ الدُّنْيا وَ زِينَتُها وَ ما عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ وَ أَبْقى أَ فَلا تَعْقِلُونَ
بيان وَ مَا الْحَياةُ الدُّنْيا أي أعمالها إِلَّا لَعِبٌ وَ لَهْوٌ يلهي الناس و يشغلهم عما يعقب منفعة دائمة و المتاع ما يتمتع به
يا هشام ثم خوف الذين لا يعقلون عذابه فقال ثُمَّ دَمَّرْنَا الْآخَرِينَ وَ إِنَّكُمْ لَتَمُرُّونَ عَلَيْهِمْ مُصْبِحِينَ وَ بِاللَّيْلِ أَ فَلا تَعْقِلُونَ
بيان قوله ع عذابه إما مفعول لقوله خوف أو يعقلون أو لهما على التنازع و التدمير الإهلاك أي بعد ما نجينا لوطا و أهله أهلكنا قومه و إنكم يا أهل مكة لتمرون على منازلهم في متاجركم إلى الشام فإن سدوم في طريقه مُصْبِحِينَ أي داخلين في الصباح وَ بِاللَّيْلِ أي و مساء أو نهارا و ليلا أ فليس فيكم عقل تعتبرون به
يا هشام ثم بين أن العقل مع العلم فقال وَ تِلْكَ الْأَمْثالُ نَضْرِبُها لِلنَّاسِ وَ ما يَعْقِلُها إِلَّا الْعالِمُونَ يا هشام ثم ذم الذين لا يعقلون فقال وَ إِذا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا ما أَنْزَلَ اللَّهُ قالُوا بَلْ نَتَّبِعُ ما أَلْفَيْنا عَلَيْهِ آباءَنا أَ وَ لَوْ كانَ آباؤُهُمْ لا يَعْقِلُونَ شَيْئاً وَ لا يَهْتَدُونَ و قال تعالى إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللَّهِ الصُّمُّ الْبُكْمُ الَّذِينَ لا يَعْقِلُونَ و قال وَ لَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ ثم ذم الكثرة فقال وَ إِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الْأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ و قال أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ و أكثرهم لا يشعرون
بيان أَلْفَيْنا أي وجدنا قوله تعالى أَ وَ لَوْ كانَ الواو للحال أو العطف و الهمزة للرد و التعجب و جواب لو محذوف أي لو كان آباؤهم جهلة لا يتفكرون في أمر الدين و لا يهتدون لاتبعوهم إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ أي شر ما يدب على الأرض أو شر البهائم الصُّمُّ عن سماع الحق و قبوله الْبُكْمُ عن التكلم به و قوله بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْقِلُونَ ليس في قرآننا و هذه الآية في سورة لقمان و فيها بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ و لعله كان في قرآنهم كذلك و كذا ليس في هذا القرآن و أكثرهم لا يشعرون فإما أن يكون هذا كلامه ع أو أنه أورد مضمون بعض الآيات و الضمير راجع إلى كفار قريش و هم كانوا قائلين بأن خالق السماوات و الأرض هو الله تعالى لكنهم كانوا يشركون الأصنام معه تعالى في العبادة
يا هشام ثم مدح القلة فقال وَ قَلِيلٌ مِنْ عِبادِيَ الشَّكُورُ و قال وَ قَلِيلٌ ما هُمْ وَ ما آمَنَ مَعَهُ إِلَّا قَلِيلٌ يا هشام ثم ذكر أولي الألباب بأحسن الذكر و حلاهم بأحسن الحلية فقال يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشاءُ وَ مَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً وَ ما يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُوا الْأَلْبابِ يا هشام إن الله يقول إِنَّ فِي ذلِكَ لَذِكْرى لِمَنْ كانَ لَهُ قَلْبٌ يعني العقل و قال وَ لَقَدْ آتَيْنا لُقْمانَ الْحِكْمَةَ قال الفهم و العقل يا هشام إن لقمان قال لابنه تواضع للحق تكن أعقل الناس يا بني إن الدنيا بحر عميق قد غرق فيه عالم كثير فلتكن سفينتك فيها تقوى الله و جسرها الإيمان و شراعها التوكل و قيمها العقل و دليلها العلم و سكانها الصبر
بيان للحق أي لله بالإيمان به و طاعته أو لكل حق إذا ظهر لك بقبوله عالم بفتح اللام أو كسرها و في الكافي و حشوها الإيمان أي ما يحشى فيها و تملأ منها و الشراع ككتاب الملاءة الواسعة فوق خشبة يصفقها الريح فتمضي بالسفينة و القيم مدبر أمر السفينة و الدليل المعلم و قال في المغرب السكان ذنب السفينة لأنها به تقوم و تسكن
يا هشام لكل شيء دليل و دليل العاقل التفكر و دليل التفكر الصمت و لكل شيء مطية و مطية العاقل التواضع و كفى بك جهلا أن تركب ما نهيت عنه
بيان في الكافي العقل في الموضعين مكان العاقل و دليل العقل أو العاقل التفكر فإنه يصل إلى مطلوبه بالفكر و على نسخة الكافي يحتمل أن يكون المراد أن التفكر يدل على أن المرء عاقل و كذا ما بعده يحتملهما و مطية العاقل التواضع أي مع التواضع يقوى على ما يدل عليه عقله و يؤيد من الله بأعماله و مع التكبر و عدم طاعة الله يضعف عقله و لا يقدر على أعماله في الأمور كالراجل العاجز عن الوصول إلى المطلوب و على نسخة العقل أظهر كما لا يخفى
يا هشام لو كان في يدك جوزة و قال الناس لؤلؤة ما كان ينفعك و أنت تعلم أنها جوزة و لو كان في يدك لؤلؤة و قال الناس إنها جوزة ما ضرك و أنت تعلم أنها لؤلؤة
بيان حاصله عدم الاغترار بمدح الناس و الافتخار بثنائهم
يا هشام ما بعث الله أنبياءه و رسله إلى عباده إلا ليعقلوا عن الله فأحسنهم استجابة أحسنهم معرفة لله و أعلمهم بأمر الله أحسنهم عقلا و أعقلهم أرفعهم درجة في الدنيا و الآخرة
بيان ضمير الجمع في قوله ع ليعقلوا راجع إلى العباد أي ما بعثهم إلا ليعقل العباد عن الله ما لا يعقلون إلا بتفهيم الأنبياء و الرسل ع
يا هشام ما من عبد إلا و ملك آخذ بناصيته فلا يتواضع إلا رفعه الله و لا يتعاظم إلا وضعه الله يا هشام إن لله على الناس حجتين حجة ظاهرة و حجة باطنة فأما الظاهرة فالرسل و الأنبياء و الأئمة ع و أما الباطنة فالعقول يا هشام إن العاقل الذي لا يشغل الحلال شكره و لا يغلب الحرام صبره يا هشام من سلط ثلاثا على ثلاث فكأنما أعان هواه على هدم عقله من أظلم نور فكره بطول أمله و محا طرائف حكمته بفضول كلامه و أطفأ نور عبرته بشهوات نفسه فكأنما أعان هواه على هدم عقله و من هدم عقله أفسد عليه دينه و دنياه
بيان نور مرفوع إذ لم تر أظلم متعديا و إضافته إلى الفكر إما بيانية أو لامية و السبب في ذلك أن بطول الأمل يقبل إلى الدنيا و لذاتها فيشغل عن التفكر و الطريف الأمر الجديد المستغرب الذي فيه نفاسة و محو الطرائف بالفضول إما لأنه إذا اشتغل بالفضول شغل عن الحكمة في زمان التكلم بالفضول أو لأنه لما سمع الناس منه الفضول لم يعبئوا بحكمته أو لأنه إذا اشتغل به محا الله عن قلبه الحكمة
يا هشام كيف يزكو عند الله عملك و أنت قد شغلت عقلك عن أمر ربك و أطعت هواك على غلبة عقلك
بيان الزكاة تكون بمعنى النمو و بمعنى الطهارة و هنا يحتملهما و الأمر مقابل النهي أو بمعنى مطلق الشأن أي الأمور المتعلقة به تعالى
يا هشام الصبر على الوحدة علامة قوة العقل فمن عقل عن الله تبارك و تعالى اعتزل أهل الدنيا و الراغبين فيها و رغب فيما الوحدة عند ربه و كان أنسه في الوحشة و صاحبه في الوحدة و غناه في العيلة و معزه في غير عشيرة
بيان عقل عن الله أي حصل له معرفة ذاته و صفاته و أحكامه و شرائعه أو أعطاه الله العقل أو علم الأمور بعلم ينتهي إلى الله بأن أخذه عن أنبيائه و حججه إما بلا واسطة أو بلغ عقله إلى درجة يفيض الله علومه عليه بغير تعليم بشر و غناه أي مغنية أو كما أن أهل الدنيا غناهم بالمال هو غناه بالله و قربه و مناجاته و العيلة الفقر و في الكافي من غير عشيرة و هي القبيلة و الرهط الأدنون
يا هشام نصب الخلق لطاعة الله و لا نجاة إلا بالطاعة و الطاعة بالعلم و العلم بالتعلم و التعلم بالعقل يعتقد و لا علم إلا من عالم رباني و معرفة العالم بالعقل
بيان في الكافي نصب الحق و نصب إما مصدر أو فعل مجهول أي إنما نصب الله الخلق أو الحق و الدين بإرسال الرسل و إنزال الكتب ليطاع في أوامره و نواهيه و التعلم بالعقل يعتقد أي يشتد و يستحكم أو من الاعتقاد بمعنى التصديق و الإذعان و معرفة العالم و في الكافي و معرفة العلم أي علم العالم و ما هنا أظهر و الغرض أن احتياج العلم إلى العقل من جهتين لفهم ما يلقيه العالم و لمعرفة العالم الذي ينبغي أخذ العلم عنه
يا هشام قليل العمل من العاقل مقبول مضاعف و كثير العمل من أهل الهوى و الجهل مردود
بيان في الكافي من العالم
يا هشام إن العاقل رضي بالدون من الدنيا مع الحكمة و لم يرض بالدون من الحكمة مع الدنيا فلذلك ربحت تجارتهم
بيان بالدون من الدنيا أي القليل و اليسير منها مع الحكمة الكثيرة و لم يرض بالقليل من الحكمة مع الدنيا الكثيرة
يا هشام إن كان يغنيك ما يكفيك فأدنى ما في الدنيا يكفيك و إن كان لا يغنيك ما يكفيك فليس شيء من الدنيا يغنيك يا هشام إن العقلاء تركوا فضول الدنيا فكيف الذنوب و ترك الدنيا من الفضل و ترك الذنوب من الفرض يا هشام إن العقلاء زهدوا في الدنيا و رغبوا في الآخرة لأنهم علموا أن الدنيا طالبة و مطلوبة فمن طلب الآخرة طلبته الدنيا حتى يستوفي منها رزقه و من طلب الدنيا طلبته الآخرة فيأتيه الموت فيفسد عليه دنياه و آخرته
بيان في الكافي أن الدنيا طالبة مطلوبة و الآخرة طالبة و مطلوبة و الدنيا طالبة للمرء لأن يوصل إليه ما عندها من الرزق المقدر و مطلوبة يطلبها الحريص طلبا للزيادة و الآخرة طالبة تطلبه لتوصل إليه أجله المقدر و مطلوبة يطلبها الطالب للسعادات الأخروية بالأعمال الصالحة
يا هشام من أراد الغنى بلا مال و راحة القلب من الحسد و السلامة في الدين فليتضرع إلى الله في مسألته بأن يكمل عقله فمن عقل قنع بما يكفيه و من قنع بما يكفيه استغنى و من لم يقنع بما يكفيه لم يدرك الغنى أبدا يا هشام إن الله جل و عز حكى عن قوم صالحين أنهم قالوا رَبَّنا لا تُزِغْ قُلُوبَنا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنا وَ هَبْ لَنا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ حين علموا أن القلوب تزيغ و تعود إلى عماها و رداها إنه لم يخف الله من لم يعقل عن الله و من لم يعقل عن الله لم يعقد قلبه على معرفة ثابتة يبصرها و لم يجد حقيقتها في قلبه و لا يكون أحد كذلك إلا من كان قوله لفعله مصدقا و سره لعلانيته موافقا لأن الله لا يدل على الباطن الخفي من العقل إلا بظاهر منه و ناطق عنه
بيان الزيغ الميل و العدول عن الحق و رداها أي هلاكها و ضلالها قوله ع من كان قوله لفعله مصدقا على صيغة اسم الفاعل أي ينبغي أن يأتي أولا بما يأمره ثم يأمر غيره ليكون قوله مصدقا لما يفعله و يمكن أن يقرأ على صيغة المفعول قوله ع لأن الله إلخ أي العقل أمر مخفي في الإنسان لا يعرف وجوده في شخص إلا بما يظهر على الجوارح من آثاره و الأفعال الحسنة الناشئة عنه و يمكن أن يكون المراد بالعقل المعرفة
يا هشام كان أمير المؤمنين ع يقول ما من شيء عبد الله به أفضل من العقل و ما تم عقل امرؤ حتى يكون فيه خصال شتى الكفر و الشر منه مأمونان و الرشد و الخير منه مأمولان و فضل ماله مبذول و فضل قوله مكفوف و نصيبه من الدنيا القوت و لا يشبع من العلم دهره الذل أحب إليه مع الله من العز مع غيره و التواضع أحب إليه من الشرف يستكثر قليل المعروف من غيره و يستقل كثير المعروف من نفسه و يرى الناس كلهم خيرا منه و أنه شرهم في نفسه و هو تمام الأمر
بيان دهره أي في تمام دهره و عمره الذل أحب إليه المراد الذل و العز الدنيويان أو ذل النفس و عزها و ترفعها و هو تمام الأمر أي كل أمر من أمور الدين يتم به أو كأنه جميع أمور الدين مبالغة و المراد بالكفر جميع أنواعه على ما سيأتي تفسيره في موضعه إن شاء الله تعالى
يا هشام من صدق لسانه زكا عمله و من حسنت نيته زيد في رزقه و من حسن بره بإخوانه و أهله مد في عمره
بيان نيته أي عزمه على المبرات و الخيرات أو المراد الإخلاص في أعماله الحسنة
يا هشام لا تمنحوا الجهال الحكمة فتظلموها و لا تمنعوها أهلها فتظلموهم يا هشام كما تركوا لكم الحكمة فاتركوا لهم الدنيا
بيان المنحة العطاءيا هشام لا دين لمن لا مروة له و لا مروة لمن لا عقل له و إن أعظم الناس قدرا الذي لا يرى الدنيا لنفسه خطرا أما إن أبدانكم ليس لها ثمن إلا الجنة فلا تبيعوها بغيرها
بيان المروة الإنسانية و كمال الرجولية و هي الصفة الجامعة لمكارم الأخلاق و محاسن الآداب و الخطر الحظ و النصيب و القدر و المنزلة و السبق الذي يتراهن عليه و الكل محتمل
يا هشام إن أمير المؤمنين ع كان يقول لا يجلس في صدر المجلس إلا رجل فيه ثلاث خصال يجيب إذا سئل و ينطق إذا عجز القوم عن الكلام و يشير بالرأي الذي فيه صلاح أهله فمن لم يكن فيه شيء منهن فجلس فهو أحمق و قال الحسن بن علي ع إذا طلبتم الحوائج فاطلبوها من أهلها قيل يا ابن رسول الله و من أهلها قال الذين قص الله في كتابه و ذكرهم فقال إِنَّما يَتَذَكَّرُ أُولُوا الْأَلْبابِ قال هم أولو العقول و قال علي بن الحسين ع مجالسة الصالحين داعية إلى الصلاح و أدب العلماء زيادة في العقل و طاعة ولاة العقل تمام العز و استتمام المال تمام المروة و إرشاد المستشير قضاء لحق النعمة و كف الأذى من كمال العقل و فيه راحة البدن عاجلا و آجلا
بيان أدب العلماء زيادة في العقل أي مجالستهم و تعلم آدابهم و النظر إلى أفعالهم و أخلاقهم موجبة لزيادة العقل و استتمام المال و في الكافي استثمار المال أي استنماؤه بالتجارة و المكاسب دليل تمام الإنسانية و موجب له أيضا قوله قضاء لحق النعمة أي شكر لحق أخيه عليه حيث جعله موضع مشورته أو شكر لنعمة العقل و هي من أعظم النعم و لعل الأخير أظهر
يا هشام إن العاقل لا يحدث من يخاف تكذيبه و لا يسأل من يخاف منعه و لا يعد ما لا يقدر عليه و لا يرجو ما يعنف برجائه و لا يتقدم على ما يخاف العجز عنه و كان أمير المؤمنين ع يوصي أصحابه يقول أوصيكم بالخشية من الله في السر و العلانية و العدل في الرضا و الغضب و الاكتساب في الفقر و الغنى و أن تصلوا من قطعكم و تعفوا عمن ظلمكم و تعطفوا على من حرمكم و ليكن نظركم عبرا و صمتكم فكرا و قولكم ذكرا و إياكم و البخل و عليكم بالسخاء فإنه لا يدخل الجنة بخيل و لا يدخل النار سخي
بيان التعنيف اللوم و التعيير بعنف و ترك الرفق و الغلظة و كلاهما محتمل و السر و العلانية بالنظر إلى الخلق و الرضا و الغضب أي سواء كان راضيا عمن يعدل فيه أو ساخطا عليه و الحاصل أن لا يصير رضاه عن أحد أو سخطه عليه سببا للخروج عن الحق و الاكتساب يحتمل اكتساب الدنيا و الآخرة
يا هشام رحم الله من استحيا من الله حق الحياء فحفظ الرأس و ما حوى و البطن و ما وعى و ذكر الموت و البلى و علم أن الجنة محفوفة بالمكاره و النار محفوفة بالشهوات
بيان و ما حوى أي ما حواه الرأس من العين و الأذن و اللسان و سائر المشاعر بأن يحفظها عما يحرم عليه و البطن و ما وعى أي ما جمعه من الطعام و الشراب بأن لا يكونا من حرام و البلى بالكسر الاندراس و الاضمحلال في القبر قال في النهاية فيه الاستحياء من الله حق الحياء أن لا تنسوا المقابر و البلى و الجوف و ما وعى أي ما جمع من الطعام و الشراب حتى يكونا من حلهما انتهى و قال بعضهم الجوف البطن و الفرج و هما الأجوفان و بعضهم روى الخبر هكذا فليحفظ الرأس و ما وعى و البطن و ما حوى فقال أي ما وعاه الرأس من العين و الأذن و اللسان أي يحفظه عن أن يستعمل فيما لا يرضى الله و عن أن يسجد لغير الله و يحفظ البطن و ما حوى أي جمعه فيتصل به من الفرج و الرجلين و اليدين و القلب عن استعمالها في المعاصي انتهى أقول فيحتمل على ما في هذا الخبر أن يكون المراد حفظ البطن عن الحرام و حفظ ما وعاه البطن من القلب عن الاعتقادات الفاسدة و الأخلاق الذميمة و يحتمل أن يكون المراد بما وعاه ما جمعه و أحيط به من الفرجين و سائر الأعضاء كاليدين و الرجلين أو يكون المراد بالبطن ما عدا الرأس مجازا بقرينة المقابلة قوله ع و الجنة محفوفة بالمكاره أي لا تحصل إلا بمقاساة المكاره في الدنيا
يا هشام من كف نفسه عن أعراض الناس أقال الله عثرته يوم القيامة و من كف غضبه عن الناس كف الله عنه غضبه يوم القيامة
بيان العثرة الزلة و المراد المعاصي و الإقالة في الأصل فسخ البيع بطلب المشتري و الاستقالة طلب ذلك و المراد هنا تجاوز الله و ترك العقاب الذي اكتسبه العبد بسوء فعله فكأنه اشترى العقوبة و ندم فاستقال
يا هشام إن العاقل لا يكذب و إن كان فيه هواه يا هشام وجد في ذؤابة سيف رسول الله ص أن أعتى الناس على الله من ضرب غير ضاربه و قتل غير قاتله و من تولى غير مواليه فهو كافر بما أنزل الله على نبيه محمد ص و من أحدث حدثا أو آوى محدثا لم يقبل الله منه يوم القيامة صرفا و لا عدلا
بيان لعل المراد بذؤابة السيف بالهمز ما يعلق عليه لحفظ الضروريات كالملح و غيره قال الجوهري و الفيروزآبادي الذؤابة الجلدة المعلقة على آخرة الرحل و أعتى من العتو و هو البغي و التجاوز عن الحق و التكبر غير قاتله أي مريد قتله أو قاتل مورثه و من تولى غير مواليه أي المعتق الذي انتسب إلى غير معتقه أو ذو النسب الذي تبرأ عن نسبه أو الموالي في الدين من الأئمة المؤمنين بأن يجعل غيرهم وليا له و يتخذه إماما و على الأخير تدل الأخبار المعتبرة و الحدث البدعة أو القتل كما ورد في الخبر أو كل أمر منكر قال في النهاية و في حديث المدينة من أحدث فيها حدثا أو آوى محدثا الحدث الأمر الحادث المنكر الذي ليس بمعتاد و لا معروف في السنة و المحدث يروى بكسر الدال و فتحها على الفاعل و المفعول فمعنى الكسر من نصر جانيا و آواه و أجاره من خصمه و حال بينه و بين أن يقتص منه و الفتح هو الأمر المبتدع نفسه و يكون معنى الإيواء فيه الرضا به و الصبر عليه فإنه إذا رضي بالبدعة و أقر فاعلها و لم ينكرها عليه فقد آواه. و قال الفيروزآبادي الصرف في الحديث التوبة و العدل الفدية أو النافلة و العدل الفريضة أو بالعكس أو هو الوزن و العدل الكيل أو هو الاكتساب و العدل الفدية أو الحيلة. أقول فسر في بعض أخبارنا الصرف بالتوبة و العدل بالفداء كما سيأتي
يا هشام أفضل ما تقرب به العبد إلى الله بعد المعرفة به الصلاة و بر الوالدين و ترك الحسد و العجب و الفخر
بيان يمكن إدخال جميع العقائد الضرورية في المعرفة لا سيما مع عدم الظرف كما ورد في الأخبار الكثيرة بدونه
يا هشام أصلح أيامك الذي هو أمامك فانظر أي يوم هو و أعد له الجواب فإنك موقوف و مسئول و خذ موعظتك من الدهر و أهله فإن الدهر طويلة قصيرة فاعمل كأنك ترى ثواب عملك لتكون أطمع في ذلك و اعقل عن الله و انظر في تصرف الدهر و أحواله فإن ما هو آت من الدنيا كما ولى منها فاعتبر بها و قال علي بن الحسين ع إن جميع ما طلعت عليه الشمس في مشارق الأرض و مغاربها بحرها و برها و سهلها و جبلها عند ولي من أولياء الله و أهل المعرفة بحق الله كفيء الظلال ثم قال أ و لا حر يدع هذه اللماظة لأهلها يعني الدنيا فليس لأنفسكم ثمن إلا الجنة فلا تبيعوها بغيرها فإنه من رضي من الله بالدنيا فقد رضي بالخسيس
بيان طول الدهر في نفسها لا ينافي قصرها بالنسبة إلى كل شخص أي خذ موعظتك من الدهور الماضية و الأزمان الخالية و يحتمل أن يكون عمر كل شخص باعتبارين. و قال الفيروزآبادي الظل بالكسر نقيض الضح أو هو الفيء أو هو بالغداة و الفيء بالعشي الجمع ظلال و ظلول و أظلال و الظل من كل شيء شخصه أو كنه و من السحاب ما وارى الشمس منه و الظلة ما أظلك من شجر و الظلة بالضم ما يستظل به و الجمع ظلل و ظلال و قال الفيء ما كان شمسا فينسخه الظل و قال الطيبي الظل ما تنسخه الشمس و الفيء ما ينسخ الشمس أقول فيحتمل أن يكون المراد في الأشياء ذوات الأظلال كالشجر و الجدار و نحوهما أو المراد التشبيه بالفيء الذي هو نوع من الظلال فإن الفيء لحدوثه أشبه بالدنيا من سائر الظلال أو لما فيه من الإشعار بالتفيؤ و التحول و الانتقال أي الظلال المتفيئة المتحولة و قال الجوهري اللماظة بالضم ما يبقى في الفم من الطعام و منه قول الشاعر يصف الدنيا لماظة أيام كأحلام نائم. أقول لا يخفى حسن هذا التشبيه إذ كل ما يتيسر لك من الدنيا فهو لماظة من قد أكلها قبلك و انتفع بها غيرك أكثر من انتفاعك و ترك فاسدها لك
يا هشام إن كل الناس يبصر النجوم و لكن لا يهتدي بها إلا من يعرف مجاريها و منازلها و كذلك أنتم تدرسون الحكمة و لكن لا يهتدي بها منكم إلا من عمل بها
بيان لما كان من معظم الانتفاع بالنجوم معرفة الأوقات و جهة الطريق في الأسفار و أمثالها و لا تتم معرفة تلك الأمور إلا بكثرة تعاهد النجوم لتعرف مجاريها و منازلها و مطالعها و مغاربها و مقدار سيرها كذلك الحكمة لا ينتفع بها إلا بكثرة تعاهدها و استعمالها لتعرف فوائدها و آثارها و درس كنصر و ضرب قرأ
يا هشام إن المسيح ع قال للحواريين يا عبيد السوء يهولكم طول النخلة و تذكرون شوكها و مئونة مراقيها و تنسون طيب ثمرها و مرافقتها كذلك تذكرون مئونة عمل الآخرة فيطول عليكم أمده و تنسون ما تفضون إليه من نعيمها و نورها و ثمرها يا عبيد السوء نقوا القمح و طيبوه و أدقوا طحنه تجدوا طعمه و يهنئكم أكله كذلك فأخلصوا الإيمان و أكملوه تجدوا حلاوته و ينفعكم غبه بحق أقول لكم لو وجدتم سراجا يتوقد بالقطران في ليلة مظلمة لاستضأتم به و لم يمنعكم منه ريح نتنه كذلك ينبغي لكم أن تأخذوا الحكمة ممن وجدتموها معه و لا يمنعكم منه سوء رغبته فيها يا عبيد الدنيا بحق أقول لكم لا تدركون شرف الآخرة إلا بترك ما تحبون فلا تنظروا بالتوبة غدا فإن دون غد يوما و ليلة و قضاء الله فيهما يغدو و يروح بحق أقول لكم إن من ليس عليه دين من الناس أروح و أقل هما ممن عليه الدين و إن أحسن القضاء و كذلك من لم يعمل الخطيئة أروح و أقل هما ممن عمل الخطيئة و إن أخلص التوبة و أناب و إن صغار الذنوب و محقراتها من مكايد إبليس يحقرها لكم و يصغرها في أعينكم فتجتمع و تكثر فتحيط بكم بحق أقول لكم إن الناس في الحكمة رجلان فرجل أتقنها بقوله و صدقها بفعله و رجل أتقنها بقوله و ضيعها بسوء فعله فشتان بينهما فطوبى للعلماء بالفعل و ويل للعلماء بالقول يا عبيد السوء اتخذوا مساجد ربكم سجونا لأجسادكم و جباهكم و اجعلوا قلوبكم بيوتا للتقوى و لا تجعلوا قلوبكم مأوى للشهوات إن أجزعكم عند البلاء لأشدكم حبا للدنيا و إن أصبركم على البلاء لأزهدكم في الدنيا يا عبيد السوء لا تكونوا شبيها بالحداء الخاطفة و لا بالثعالب الخادعة و لا بالذئاب الغادرة و لا بالأسد العاتية كما تفعل بالفراس كذلك تفعلون بالناس فريقا تخطفون و فريقا تخدعون و فريقا تقدرون بهم بحق أقول لكم لا يغني عن الجسد أن يكون ظاهره صحيحا و باطنه فاسدا كذلك لا تغني أجسادكم التي قد أعجبتكم و قد فسدت قلوبكم و ما يغني عنكم أن تنقوا جلودكم و قلوبكم دنسة لا تكونوا كالمنفعل يخرج منه الدقيق الطيب و يمسك النخالة كذلك أنتم تخرجون الحكمة من أفواهكم و يبقى الغل في صدوركم يا عبيد الدنيا إنما مثلكم مثل السراج يضيء للناس و يحرق نفسه يا بني إسرائيل زاحموا العلماء في مجالسهم و لو جثوا على الركب فإن الله يحيي القلوب الميتة بنور الحكمة كما يحيي الأرض الميتة بوابل المطر
بيان عبيد السوء بالفتح و قد يضم السين و منهم من منع الضم و هو من قبيل إضافة الموصوف إلى الصفة كقولهم حاتم الجود و مئونة مراقيها أي شدة الارتقاء عليها و مرافقتها من الرفق بمعنى اللطف و النفع و لعله كان مرافقها على صيغة الجمع و الضمير راجع إلى الثمر أو النخلة قوله ما تفضون إليه من قولهم أفضى إليه أي وصل و نورها بضم النون و فتحها و القمح بالفتح البر و يهنئكم مهموزا بفتح النون و كسرها أي لا يعقب أكله مضرة و غب كل شيء بالكسر عاقبته و القطران بفتح القاف و كسرها و سكون الطاء و بفتح القاف و كسر الطاء دهن منتن يستجلب من شجر الأبهل فيهنأ به الإبل الجربي و يسرع فيه إشعال النار و سوء رغبته فيها أي ترك عمله بتلك الحكمة و الإنظار التأخير و لعل تعديته بالباء بتضمين أو بتقدير و يحتمل الزيادة و قوله يغدو أي ينزل أول النهار و يروح أي ينزل آخر النهار و قوله أروح أي أكثر راحة قوله و محقرتها بفتح الميم و القاف و الراء و سكون الحاء مصدر بمعنى الحقارة و الذلة أو على وزن اسم المفعول من باب التفعيل كما ورد إياكم و محقرات الذنوب و يحقرها من باب التفعيل أو كيضرب و الحداء بكسر الحاء ممدودا جمع الحدأة كعنبة نوع من الغراب يخطف الأشياء و الأسد بضم الهمزة و سكون السين جمع أسد و العاتية أي الظالمة الطاغية المتكبرة كما تفعل أي الأسد أو جميع ما تقدم فالفراس على التغليب و قوله فريقا تخطفون إلى آخر ما ذكر على سبيل اللف و النشر و لما ذكر الافتراس أولا لم يذكر آخرا لا يغني عن الجسد أي لا ينفعه و لا يدفع عنه سوءا و المنخل بضم الميم و الخاء و قد تفتح خاؤه ما ينخل به و يقال زاحمهم أي ضايقهم و دخل في زحامهم قال الفيروزآبادي جثى كدعا و رمى جثوا و جثيا بضمهما جلس على ركبتيه و جاثيت ركبتي إلى ركبته و قال الوابل المطر الشديد الضخم القطر
يا هشام مكتوب في الإنجيل طوبى للمتراحمين أولئك هم المرحومون يوم القيامة طوبى للمصلحين بين الناس أولئك هم المقربون يوم القيامة طوبى للمطهرة قلوبهم أولئك هم المتقون يوم القيامة طوبى للمتواضعين في الدنيا أولئك يرتقون منابر الملك يوم القيامة
بيان تخصيص كونهم من المتقين بيوم القيامة لأن في ذلك اليوم يتبين المتقون واقعا و يمتازون عن المجرمين و يحشرون إلى الرحمن وفدا و أما في الدنيا فكثيرا ما يشبه غيرهم بهم
يا هشام قلة المنطق حكم عظيم فعليكم بالصمت فإنه دعة حسنة و قلة وزر و خفة من الذنوب فحصنوا باب الحلم فإن بابه الصبر و إن الله عز و جل يبغض الضحاك من غير عجب و المشاء إلى غير إرب و يجب على الوالي أن يكون كالراعي لا يغفل عن رعيته و لا يتكبر عليهم فاستحيوا من الله في سرائركم كما تستحيون من الناس في علانيتكم و اعلموا أن الكلمة من الحكمة ضالة المؤمن فعليكم بالعلم قبل أن يرفع و رفعه غيبة عالمكم بين أظهركم
بيان الحكم بالضم الحكمة و الدعة بفتح الدال السكون و الراحة و الإرب بالكسر و بالتحريك الحاجة و قال في النهاية و في الحديث الكلمة الحكمة ضالة المؤمن و في رواية ضالة كل حكيم أي لا يزال يطلبها كما يتطلب الرجل ضالته انتهى و قيل المراد أن المؤمن يأخذ الحكمة من كل من وجدها عنده و إن كان كافرا أو فاسقا كما أن صاحب الضالة يأخذها حيث وجدها و يؤيده ما مر و قيل المراد أن من كان عنده حكمة لا يفهمها و لا يستحقها يجب أن يطلب من يأخذها بحقها كما يجب تعريف الضالة و إذا وجد من يستحقها وجب أن لا يبخل في البذل كالضالة. و قال في النهاية في الحديث فأقاموا بين ظهرانيهم و بين أظهرهم قد تكررت هذه اللفظة في الحديث و المراد بها أنهم أقاموا بينهم على سبيل الاستظهار و الاستناد إليهم و زيدت فيه ألف و نون مفتوحة تأكيدا و معناه أن ظهرا منهم قدامه و ظهرا وراءه فهو مكنوف من جانبيه و من جوانبه إذا قيل بين أظهرهم ثم كثر حتى استعمل في الإقامة بين القوم مطلقا
يا هشام تعلم من العلم ما جهلت و علم الجاهل مما علمت و عظم العالم لعلمه و دع منازعته و صغر الجاهل لجهله و لا تطرده و لكن قربه و علمه
بيان الطرد الإبعاديا هشام إن كل نعمة عجزت عن شكرها بمنزلة سيئة تؤاخذ بها و قال أمير المؤمنين صلوات الله عليه إن لله عبادا كسرت قلوبهم خشيته و أسكتتهم عن النطق و إنهم لفصحاء عقلاء يستبقون إلى الله بالأعمال الزكية لا يستكثرون له الكثير و لا يرضون له من أنفسهم بالقليل يرون في أنفسهم أنهم أشرار و إنهم لأكياس و أبرار
بيان لعل المراد بالعجز الترك و تعجيز النفس و الكسل لا عدم القدرة أي إن الله يؤاخذ بترك شكر النعمة كما يؤاخذ بفعل السيئة و لو في الدنيا بزوال النعمة و الاستباق المسابقة في الرهان أي يسبق بعضهم بعضا في التقرب إلى الله بالأعمال الطاهرة من آفاتها أو النامية و الكياسة العقل و الفطنة
يا هشام الحياء من الإيمان و الإيمان في الجنة و البذاء من الجفاء و الجفاء في النار
بيان البذاء بفتح الباء ممدودا الفحش و كل كلام قبيح و الجفاء ممدودا خلاف البر و الصلة و قد يطلق على البعد عن الآداب و قال المطرزي الجفاء الغلظ في العشرة و الخرق في المعاملة و ترك الرفق
يا هشام المتكلمون ثلاثة فرابح و سالم و شاجب فأما الرابح فالذاكر لله و أما السالم فالساكت و أما الشاجب فالذي يخوض في الباطل إن الله حرم الجنة على كل فاحش بذي قليل الحياء لا يبالي ما قال و لا ما قيل فيه و كان أبو ذر رضي الله عنه يقول يا مبتغي العلم إن هذا اللسان مفتاح خير و مفتاح شر فاختم على فيك كما تختم على ذهبك و ورقك
بيان المراد بالمتكلمين القادرون على التكلم أو المتكلمون و المجالسون معهم تغليبا و الحاصل أن الناس في أمر الكلام على ثلاثة أصناف و الشجب الهلاك و الحزن و العيب قال الجزري في حديث الحسن المجالس ثلاثة فسالم و غانم و شاجب أي هالك يقال شجب يشجب فهو شاجب و شجب يشجب فهو شجب أي إما سالم من الإثم أو غانم للأجر و إما هالك آثم
يا هشام بئس العبد عبد يكون ذا وجهين و ذا لسانين يطري أخاه إذا شاهده و يأكله إذا غاب عنه إن أعطي حسده و إن ابتلي خذله و إن أسرع الخير ثوابا البر و أسرع الشر عقوبة البغي و إن شر عباد الله من تكره مجالسته لفحشه و هل يكب الناس على مناخرهم في النار إلا حصائد ألسنتهم و من حسن إسلام المرء ترك ما لا يعنيه
بيان الإطراء مجاوزة الحد في المدح و الكذب فيه و خذله أي ترك نصرته و البغي التعدي و الاستطالة و الظلم و كل مجاوزة عن الحد و قوله من تكره إما بفتح التاء للخطاب أو بالضم على البناء للمفعول و قال الفيروزآبادي كبه قلبه و صرعه كأكبه و قال الجوهري كبه لوجهه أي صرعه فأكب هو على وجهه و هذا من النوادر و قال الجزري و في الحديث و هل يكب الناس على مناخرهم في النار إلا حصائد ألسنتهم أي ما يقطعونه من الكلام الذي لا خير فيه واحدتها حصيدة تشبيها بما يحصد من الزرع و تشبيها للسان و ما يقطعه من القول بحد المنجل الذي يحصد به و قال يقال هذا أمر لا يعنيني أي لا يشغلني و لا يهمني و منه الحديث من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه أي لا يهمه
يا هشام لا يكون الرجل مؤمنا حتى يكون خائفا راجيا و لا يكون خائفا راجيا حتى يكون عاملا لما يخاف و يرجو يا هشام قال الله جل و عز و عزتي و جلالي و عظمتي و قدرتي و بهائي و علوي في مكاني لا يؤثر عبد هواي على هواه إلا جعلت الغنى في نفسه و همه في آخرته و كففت عليه ضيعته و ضمنت السماوات و الأرض رزقه و كنت له من وراء تجارة كل تاجر
بيان قوله تعالى في مكاني أي في منزلتي و درجة رفعتي قوله و كففت عليه ضيعته يقال كففته عنه أي صرفته و دفعته و الضيعة الضياع و الفساد و ما هو في معرض الضياع من الأهل و المال و غيرهما و قال في النهاية و ضيعة الرجل ما يكون منه معاشه كالصنعة و التجارة و الزراعة و غيرها و منه الحديث أفشى الله ضيعته أي أكثر عليه معاشه انتهى فيحتمل أن يكون المراد صرفت عنه ضياعه و هلاكه بتضمين معنى الإشفاق أو يكون على بمعنى عن أو صرفت عنه كسبه بأن لا يحتاج إليه أو جمعت عليه معيشته أو ما كان منه في معرض الضياع كما قال في النهاية لا يكفها أي لا يجمعها و لا يضمها و منه الحديث المؤمن أخ المؤمن يكف عليه ضيعته أي يجمع عليه معيشته و يضمها إليه و هذا المعنى أظهر لكن ما وجدت الكف بهذا المعنى إلا في كلامه و قوله تعالى و كنت له من وراء تجارة كل تاجر يحتمل وجوها الأول أن يكون المراد كنت له عقب تجارة التجار لأسوقها إليه الثاني أن يكون المراد أني أكفي مهماته سوى ما أسوق إليه من تجارة التاجرين الثالث أن يكون معناه أناله عوضا عما فاته من منافع تجارة التاجرين و لعل الأول أظهر
يا هشام الغضب مفتاح الشر و أكمل المؤمنين إيمانا أحسنهم خلقا و إن خالطت الناس فإن استطعت أن لا تخالط أحدا منهم إلا من كانت يدك عليه العليا فافعل
بيان اليد العليا المعطية أو المتعففة
يا هشام عليك بالرفق فإن الرفق يمن و الخرق شؤم إن الرفق و البر و حسن الخلق يعمر الديار و يزيد في الرزق
بيان قال الفيروزآبادي الخرق بالضم و بالتحريك ضد الرفق و أن لا يحسن العمل و التصرف في الأمور و الحمق
يا هشام قول الله هَلْ جَزاءُ الْإِحْسانِ إِلَّا الْإِحْسانُ جرت في المؤمن و الكافر و البر و الفاجر من صنع إليه معروف فعليه أن يكافئ به و ليست المكافاة أن تصنع كما صنع حتى ترى فضلك فإن صنعت كما صنع فله الفضل بالابتداء يا هشام إن مثل الدنيا مثل الحية مسها لين و في جوفها السم القاتل يحذرها الرجال ذوو العقول و يهوي إليها الصبيان بأيديهم يا هشام اصبر على طاعة الله و اصبر عن معاصي الله فإنما الدنيا ساعة فما مضى منها فليس تجد له سرورا و لا حزنا و ما لم يأت منها فليس تعرفه فاصبر على تلك الساعة التي أنت فيها فكأنك قد اعتبطت
بيان في النهاية كل من مات بغير علة فقد اعتبط و مات فلان عبطة أي شابا صحيحا و في بعض النسخ بالغين المعجمة أي إن صبرت فعن قريب تصير مغبوطا في الآخرة يتمنى الناس منزلتك
يا هشام مثل الدنيا مثل ماء البحر كلما شرب منه العطشان ازداد عطشا حتى يقتله يا هشام إياك و الكبر فإنه لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال حبة من كبر الكبر رداء الله فمن نازعه رداءه أكبه الله في النار على وجهه
بيان قال الجزري في الحديث قال الله تعالى العظمة إزاري و الكبرياء ردائي
ضرب الرداء و الإزار مثلا في انفراده بصفة العظمة و الكبرياء أي ليستا كسائر الصفات التي قد يتصف بها الخلق مجازا كالرحمة و شبههما بالإزار و الرداء لأن المتصف بهما يشملانه كما يشمل الرداء الإنسان و لأنه لا يشركه في إزاره و ردائه أحد فكذلك الله لا ينبغي أن يشركه فيهما أحد
يا هشام ليس منا من لم يحاسب نفسه في كل يوم فإن عمل حسنا استزاد منه و إن عمل سيئا استغفر الله منه و تاب إليه يا هشام تمثلت الدنيا للمسيح ع في صورة امرأة زرقاء فقال لها كم تزوجت فقالت كثيرا قال فكل طلقك قالت لا بل كلا قتلت قال المسيح فويح أزواجك الباقين كيف لا يعتبرون بالماضين
بيان الزرقة في العين معروفة و قد تطلق على العمى و يقال زرقت عينه نحوي انقلبت و ظهر بياضها فعلى الأول لعل المراد بيان شؤمتها فإن العرب تتشأم بزرقة العين أو قبح منظرها و على الثاني ظاهر و على الثالث كناية عن شدة الغضب و الأول أظهر و ويح كلمة ترحم و توجع يقال لمن وقع في هلكة لا يستحقها و قد يقال بمعنى المدح و التعجب و هي منصوبة على المصدر و قد ترفع
يا هشام إن ضوء الجسد في عينه فإن كان البصر مضيئا استضاء الجسد كله و إن ضوء الروح العقل فإذا كان العبد عاقلا كان عالما بربه و إذا كان عالما بربه أبصر دينه و إن كان جاهلا بربه لم يقم له دين و كما لا يقوم الجسد إلا بالنفس الحية فكذلك لا يقوم الدين إلا بالنية الصادقة و لا تثبت النية الصادقة إلا بالعقل يا هشام إن الزرع ينبت في السهل و لا ينبت في الصفا فكذلك الحكمة تعمر في قلب المتواضع و لا تعمر في قلب المتكبر الجبار لأن الله جعل التواضع آلة العقل و جعل التكبر من آلة الجهل أ لم تعلم أن من شمخ إلى السقف برأسه شجه و من خفض رأسه استظل تحته و أكنه فكذلك من لم يتواضع لله خفضه الله و من تواضع لله رفعه
بيان السهل الأرض اللينة التي تقبل الزرع و الصفا جمع صفاة و هي الحجر الصلب الذي لا ينبت و تعمر بفتح التاء و الميم أي تعيش طويلا أو بضم الميم أي تجعل القلب معمورا و بضم التاء و فتح الميم أي تصير الحكمة في القلب معمورة و شمخ أي طال و علا و شج رأسه أي كسره و الخفض ضد الرفع و أكنه أي ستره و حفظه عن الحر و البرد
يا هشام ما أقبح الفقر بعد الغنى و أقبح الخطيئة بعد النسك و أقبح من ذلك العابد لله ثم يترك عبادته
بيان النسك الحج أو مطلق العبادة
يا هشام لا خير في العيش إلا لرجلين لمستمع واع و عالم ناطق
بيان العيش الحياة و وعاه أي حفظه
يا هشام ما قسم بين العباد أفضل من العقل نوم العاقل أفضل من سهر الجاهل و ما بعث الله نبيا إلا عاقلا حتى يكون عقله أفضل من جميع جهد المجتهدين و ما أدى العبد فريضة من فرائض الله حتى عقل عنه
بيان الاجتهاد بذل الجهد في الطاعات
يا هشام قال رسول الله ص إذا رأيتم المؤمن صموتا فادنوا منه فإنه يلقي الحكمة و المؤمن قليل الكلام كثير العمل و المنافق كثير الكلام قليل العمل يا هشام أوحى الله إلى داود قل لعبادي لا يجعلوا بيني و بينهم عالما مفتونا بالدنيا فيصدهم عن ذكري و عن طريق محبتي و مناجاتي أولئك قطاع الطريق من عبادي إن أدنى ما أنا صانع بهم أن أنزع حلاوة عبادتي و مناجاتي من قلوبهم
بيان في غيره من الأخبار قطاع طريق عبادي
يا هشام من تعظم في نفسه لعنته ملائكة السماء و ملائكة الأرض و من تكبر على إخوانه و استطال عليهم فقد ضاد الله و من ادعى ما ليس له فهو أعنى لغير
بيان من تعظم أي عد نفسه عظيما قوله أعنى لغير أي يدخل غيره في العناء و التعب ممن يشتبه عليه أمره أكثر مما يصيبه من ذلك و يحتمل أن يكون تصحيف أعتى لغيره من العتو و هو الطغيان و التجبر و كان يحتمل المأخوذ منه ذلك أيضا
يا هشام أوحى الله إلى داود حذر و أنذر أصحابك عن حب الشهوات فإن المعلقة قلوبهم بشهوات الدنيا قلوبهم محجوبة عني يا هشام إياك و الكبر على أوليائي و الاستطالة بعلمك فيمقتك الله فلا تنفعك بعد مقته دنياك و لا آخرتك و كن في الدنيا كساكن الدار ليست له إنما ينتظر الرحيل يا هشام مجالسة أهل الدين شرف الدنيا و الآخرة و مشاورة العاقل الناصح يمن و بركة و رشد و توفيق من الله فإذا أشار عليك العاقل الناصح فإياك و الخلاف فإن في ذلك العطب
بيان أهل الدين هم العالمون بشرائع الدين العاملون بها و العطب بالتحريك الهلاك
يا هشام إياك و مخالطة الناس و الأنس بهم إلا أن تجد منهم عاقلا مأمونا فأنس به و اهرب من سائرهم كهربك من السباع الضارية و ينبغي للعاقل إذا عمل عملا أن يستحيي من الله إذ تفرد له بالنعم أن يشارك في عمله أحدا غيره و إذا حزبك أمر أن لا تدري أيهما خير و أصوب فانظر أيهما أقرب إلى هواك فخالفه فإن كثير الثواب في مخالفة هواك و إياك أن تغلب الحكمة و تضعها في الجهالة قال هشام فقلت له فإن وجدت رجلا طالبا غير أن عقله لا يتسع لضبط ما ألقي إليه قال فتلطف له في النصيحة فإن ضاق قلبه فلا تعرضن نفسك للفتنة و احذر رد المتكبرين فإن العلم يدل على أن يحمل على من لا يفيق قلت فإن لم أجد من يعقل السؤال عنها قال فاغتنم جهله عن السؤال حتى تسلم فتنة القول و عظيم فتنة الرد و اعلم أن الله لم يرفع المتواضعين بقدر تواضعهم و لكن رفعهم بقدر عظمته و مجده و لم يؤمن الخائفين بقدر خوفهم و لكن آمنهم بقدر كرمه و جوده و لم يفرح المحزونين بقدر حزنهم و لكن فرحهم بقدر رأفته و رحمته فما ظنكم بالرءوف الرحيم الذي يتودد إلى من يؤذيه بأوليائه فكيف بمن يؤذى فيه و ما ظنك بالتواب الرحيم الذي يتوب على من يعاديه فكيف بمن يترضاه و يختار عداوة الخلق فيه
بيان السباع الضارية أي المولعة بالافتراس المعتادة له و حزبه أمر أي نزل به و أهمه. قوله ع و إياك أن تغلب الحكمة كذا في النسخة التي عندنا و لعل فيه حذفا و إيصالا أي تغلب على الحكمة أي يأخذها منك قهرا من لا يستحقها بأن يقرأ على صيغة المجهول أو على المعلوم أي تغلب على الحكمة فإنها تأبى عمن لا يستحقها و يحتمل أن يكون بالفاء من الإفلات بمعنى الإطلاق فإنهم يقولون انفلت مني كلام أي صدر بغير روية قوله فتلطف له في النصيحة أي تذكر له شيئا من تلك الحكمة بلطف على وجه الامتحان و الإفاقة الرجوع عن السكر و الإغماء و الغفلة إلى حال الاستقامة قوله يؤذيه بأوليائه أي بسبب إيذاءهم و ترضاه أي طلب رضاه
يا هشام من أحب الدنيا ذهب خوف الآخرة من قلبه و ما أوتي عبد علما فازداد للدنيا حبا إلا ازداد من الله بعدا و ازداد الله عليه غضبا يا هشام إن العاقل اللبيب من ترك ما لا طاقة له به و أكثر الصواب في خلاف الهوى و من طال أمله ساء عمله يا هشام لو رأيت مسير الأجل لألهاك عن الأمل
بيان اللبيب العاقل و التوصيف للتوضيح و التأكيد و ألهاك أي أغفلك
يا هشام إياك و الطمع و عليك باليأس مما في أيدي الناس و أمت الطمع من المخلوقين فإن الطمع مفتاح الذل و اختلاس العقل و إخلاق المروات و تدنيس العرض و الذهاب بالعلم و عليك بالاعتصام بربك و التوكل عليه و جاهد نفسك لتردها عن هواها فإنه واجب عليك كجهاد عدوك قال هشام فأي الأعداء أوجبهم مجاهدة قال أقربهم إليك و أعداهم لك و أضرهم بك و أعظمهم لك عداوة و أخفاهم لك شخصا مع دنوه منك و من يحرض أعداءك عليك و هو إبليس الموكل بوسواس القلوب فله فلتشتد عداوتك و لا يكونن أصبر على مجاهدتك لهلكتك منك على صبرك لمجاهدته فإنه أضعف منك ركنا في قوته و أقل منك ضررا في كثرة شره إذا أنت اعتصمت بالله و من اعتصم بالله فَقَدْ هُدِيَ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ
بيان الاختلاس الاستلاب و إخلاق الثوب إبلاؤه و الدنس الوسخ و الحمل في المواضع على المبالغة و قوله و من يحرض يحتمل المعجمة و المهملة الحث و الترغيب كما قال تعالى حَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتالِ
يا هشام من أكرمه الله بثلاث فقه لطف له عقل يكفيه مئونة هواه و علم يكفيه مئونة جهله و غنى يكفيه مخافة الفقر يا هشام احذر هذه الدنيا و احذر أهلها فإن الناس فيها على أربعة أصناف رجل مترد معانق لهواه و متعلم متقرئ كلما ازداد علما ازداد كبرا يستعلن بقراءته و علمه على من هو دونه و عابد جاهل يستصغر من هو دونه في عبادته يحب أن يعظم و يوقر و ذو بصيرة عالم عارف بطريق الحق يحب القيام به فهو عاجز أو مغلوب و لا يقدر على القيام بما يعرف فهو محزون مغموم بذلك فهو أمثل أهل زمانه و أوجههم عقلا
بيان تردى في البئر أي سقط و المتردي أي الواقع في المهالك التي يعسر التخلص منه و المتقرئ الناسك المتعبد أو المتفقه أي متعلم القراءة قوله يستعلن بقراءته كأنه كان يستعلي و يمكن أن يضمن فيه معناه و الأمثل الأفضل و أوجههم عقلا لعل المراد أن عقلهم أوجه عند الله من عقول غيرهم أو هم أوجه الناس للعقل
يا هشام اعرف العقل و جنده و الجهل و جنده تكن من المهتدين قال هشام فقلت لا نعرف إلا ما عرفتنا فقال ع يا هشام إن الله خلق العقل و هو أول خلق خلقه الله من الروحانيين عن يمين العرش من نوره فقال له أدبر فأدبر ثم قال له أقبل فأقبل فقال الله جل و عز خلقتك خلقا عظيما و كرمتك على جميع خلقي ثم خلق الجهل من البحر الأجاج الظلماني فقال له أدبر فأدبر ثم قال له أقبل فلم يقبل فقال استكبرت فلعنه ثم جعل للعقل خمسة و سبعين جندا فلما رأى الجهل ما كرم الله به العقل و ما أعطاه أضمر له العداوة و قال الجهل يا رب هذا خلق مثلي خلقته و كرمته و قويته و أنا ضده و لا قوة لي به أعطني من الجند مثل ما أعطيته فقال تبارك و تعالى نعم فإن عصيتني بعد ذلك أخرجتك و جندك من جواري و من رحمتي فقال قد رضيت فأعطاه الله خمسة و سبعين جندا فكان مما أعطى العقل من الخمسة و سبعين جندا الخير و هو وزير العقل الشر و هو وزير الجهل الإيمان الكفر التصديق التكذيب الإخلاص النفاق الرجاء القنوط العدل الجور الرضا السخط الشكر الكفران اليأس الطمع التوكل الحرص الرأفة الغلظة العلم الجهل العفة التهتك الزهد الرغبة الرفق الخرق الرهبة الجرأة التواضع الكبر التؤدة العجلة الحلم السفه الصمت الحذر الاستلام الاستكبار التسليم التجبر العفو الحقد الرحمة القسوة اليقين الشك الصبر الجزع الصفح الانتقام الغنى الفقر التفكر السهو الحفظ النسيان التواصل القطيعة القناعة الشره المواساة المنع المودة العداوة الوفاء الغدر الطاعة المعصية الخضوع التطاول السلامة البلاء الفهم الغباوة المعرفة الإنكار المداراة المكاشفة سلامة الغيب المماكرة الكتمان الإفشاء البر العقوق الحقيقة التسويف المعروف المنكر التقية الإذاعة الإنصاف الظلم النفي الحسد النظافة القذر الحياء القحة القصد الإسراف الراحة التعب السهولة الصعوبة العافية البلوى القوام المكاثرة الحكمة الهوى الوقار الخفة السعادة الشقاء التوبة الإصرار المخافة التهاون الدعاء الاستنكاف النشاط الكسل الفرح الحزن الألفة الفرقة السخاء البخل الخشوع العجب صدق الحديث النميمة الاستغفار الاغترار الكياسة الحمق
بيان النفي نفي الحسد عن النفس و الظاهر أنه صحف و القحة كعدة الوقاحة و قلة الحياء
يا هشام لا تجتمع هذه الخصال إلا لنبي أو وصي نبي أو مؤمن امتحن الله قلبه للإيمان و أما سائر ذلك من المؤمنين فإن أحدهم لا يخلو من أن يكون فيه بعض هذه الجنود من أجناد العقل حتى يستكمل العقل و يتخلص من جنود الجهل فعند ذلك يكون في الدرجة العليا مع الأنبياء و الأوصياء ع وفقنا الله و إياكم لطاعته
30- الدرة الباهرة، قال أمير المؤمنين ع العاقل من رفض الباطل
31- دعوات الراوندي، قال الصادق ع كثرة النظر في العلم يفتح العقل
32- نهج، ]نهج البلاغة[ قال أمير المؤمنين ع لسان العاقل وراء قلبه و قلب الأحمق وراء لسانه
قال السيد رضي الله عنه و هذا من المعاني العجيبة الشريفة و المراد به أن العاقل لا يطلق لسانه إلا بعد مشاورة الروية و مؤامرة الفكر و الأحمق تسبق خذفات لسانه و فلتات كلامه مراجعة فكره و مماحضة رأيه فكان لسان العاقل تابع لقلبه كما أن قلب الأحمق تابع للسانه و قد روي عنه ع هذا المعنى بلفظ آخر و هو
قوله ع قلب الأحمق في فيه و لسان العاقل في قلبه
و معناهما واحد
33- و قال ع إذا تم العقل نقص الكلام
34- و قال ع لا يرى الجاهل إلا مفرطا أو مفرطا
-35 نهج، ]نهج البلاغة[ قيل له ع صف لنا العاقل فقال هو الذي يضع الشيء مواضعه قيل له فصف لنا الجاهل قال قد فعلت
قال السيد رضي الله عنه يعني ع أن الجاهل هو الذي لا يضع الشيء مواضعه فكان ترك صفته صفة له إذ كان بخلاف وصف العاقل
36- نهج، ]نهج البلاغة[ قال ع كفاف من عقلك ما أوضح لك سبيل غيك من رشدك
37- و قال ع في وصيته للحسن ع و العقل حفظ التجارب و خير ما جربت ما وعظك
38- كنز الكراجكي، قال رسول الله ص إن العاقل من أطاع الله و إن كان ذميم المنظر حقير الخطر و إن الجاهل من عصى الله و إن كان جميل المنظر عظيم الخطر أفضل الناس أعقل الناس
39- و روي عن أمير المؤمنين ع أنه قال العقل ولادة و العلم إفادة و مجالسة العلماء زيادة
40- و قال ع من صحب جاهلا نقص من عقله
41- و قال ع التثبت رأس العقل و الحدة رأس الحمق
42- و قال ع غضب الجاهل في قوله و غضب العاقل في فعله
43- و قال ع العقول مواهب و الآداب مكاسب
44- و قال ع فساد الأخلاق معاشرة السفهاء و صلاح الأخلاق معاشرة العقلاء
45- و قال ع العاقل من وعظته التجارب
46- و قال ع رسولك ترجمان عقلك
47- و قال ع من ترك الاستماع عن ذوي العقول مات عقله
48- و قال ع من جانب هواه صح عقله
49- و قال ع من أعجب برأيه ضل و من استغنى بعقله زل و من تكبر على الناس ذل
-50 و قال ع إعجاب المرء بنفسه دليل على ضعف عقله
51- و قال ع عجبا للعاقل كيف ينظر إلى شهوة يعقبه النظر إليها حسرة
52- و قال همة العقل ترك الذنوب و إصلاح العيوب