الآيات الأنفال وَ اتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً وَ اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقابِ حمعسق وَ لَوْ بَسَطَ اللَّهُ الرِّزْقَ لِعِبادِهِ لَبَغَوْا فِي الْأَرْضِ وَ لكِنْ يُنَزِّلُ بِقَدَرٍ ما يَشاءُ إِنَّهُ بِعِبادِهِ خَبِيرٌ بَصِيرٌ الزخرف أَ هُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّكَ نَحْنُ قَسَمْنا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَ رَفَعْنا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضاً سُخْرِيًّا وَ رَحْمَتُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ وَ لَوْ لا أَنْ يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً واحِدَةً لَجَعَلْنا لِمَنْ يَكْفُرُ بِالرَّحْمنِ لِبُيُوتِهِمْ سُقُفاً مِنْ فِضَّةٍ وَ مَعارِجَ عَلَيْها يَظْهَرُونَ وَ لِبُيُوتِهِمْ أَبْواباً وَ سُرُراً عَلَيْها يَتَّكِؤُنَ وَزُخْرُفاً وَ إِنْ كُلُّ ذلِكَ لَمَّا مَتاعُ الْحَياةِ الدُّنْيا وَ الْآخِرَةُ عِنْدَ رَبِّكَ لِلْمُتَّقِينَ. تفسير قال الطبرسي رحمه الله في الآية الأولى حذرهم الله من هذه الفتنة و أمرهم أن يتقوها و كأنه قال اتقوا فتنة لا تقربوها فتصيبكم فإن قوله لا تُصِيبَنَّ نهي مسوق على الأمر و لفظ النهي واقع على الفتنة و هو في المعنى للمأمورين بالاتقاء كقوله لا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ و اختلف في معنى الفتنة هاهنا فقيل هي العذاب أمر الله المؤمنين أن لا يقروا المنكر بين أظهرهم فيعمهم الله بالعذاب و الخطاب لأصحاب النبي ص خاصة و قيل هي البلية التي يظهر باطن أمر الإنسان فيها. عن الحسن قال و نزلت في علي و عمار و طلحة و الزبير قال و قد قال الزبير لقد قرأنا هذه الآية زمانا و ما أرانا من أهلها فإذا نحن المعنيون بها فخالفنا حتى أصابتنا خاصة و قيل نزلت في أهل بدر خاصة فأصابتهم يوم الجمل فاقتتلوا عن السدي و قيل هي الضلالة و افتراق الكلمة و مخالفة بعضهم بعضا و قيل هي الهرج الذي يركب الناس فيه بالظلم و يدخل ضرره على كل أحد ثم اختلف في إصابة هذه الفتنة على قولين أحدهما أنها جارية على العموم فتصيب الظالم و غير الظالم أما الظالمون فمعذبون و أما المؤمنون فممتحنون ممحصون عن ابن عباس و روي أنه سئل عنها فقال أبهموا ما أبهم الله. و الثاني أنها تخص الظالم لأن الغرض منع الناس عن الظلم و تقديره و اتقوا عذابا يصيب الظلمة خاصة و تقويه قراءة من قرأ لتصيبن باللام و قيل إن لا في قوله لا تُصِيبَنَّ زائدة و يجوز أن يقال إن الألف في لا لإشباع الفتحة. و قال البيضاوي في قوله تعالى وَ رَفَعْنا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجاتٍ و أوقعنا بينهم التفاوت في الرزق و غيره لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضاً سُخْرِيًّا ليستعمل بعضهم بعضا في حوائجهم فيحصل بينهم تألف و نظام ينتظم بذلك نظام العالم لا لكمال في الموسع و لا لنقص في المقتر وَ لَوْ لا أَنْ يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً واحِدَةً و لو لا أن يرغبوا في الكفر إذا رأوا الكفار في سعة و تنعم لحبهم الدنيا فيجتمعوا عليه
1- ع، ]علل الشرائع[ ن، ]عيون أخبار الرضا عليه السلام[ الهمداني عن علي عن أبيه عن الهروي عن الرضا ع قال قلت له لأي علة أغرق الله عز و جل الدنيا كلها في زمن نوح ع و فيهم الأطفال و فيهم من لا ذنب له فقال ع ما كان فيهم الأطفال لأن الله عز و جل أعقم أصلاب قوم نوح ع و أرحام نسائهم أربعين عاما فانقطع نسلهم فغرقوا و لا طفل فيهم و ما كان الله عز و جل ليهلك بعذابه من لا ذنب له و أما الباقون من قوم نوح ع فأغرقوا لتكذيبهم لنبي الله نوح ع و سائرهم أغرقوا برضاهم بتكذيب المكذبين و من غاب من أمر فرضي به كان كمن شهده و أتاه
2- ع، ]علل الشرائع[ ابن الوليد عن الصفار عن ابن عيسى عن محمد بن إسماعيل عن حنان بن سدير عن أبيه قال قلت لأبي جعفر ع أ رأيت نوحا ع حين دعا على قومه فقال رَبِّ لا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكافِرِينَ دَيَّاراً إِنَّكَ إِنْ تَذَرْهُمْ يُضِلُّوا عِبادَكَ وَ لا يَلِدُوا إِلَّا فاجِراً كَفَّاراً قال ع علم أنه لا ينجب من بينهم أحد قال قلت و كيف علم ذلك قال أوحى الله إليه أَنَّهُ لَنْ يُؤْمِنَ مِنْ قَوْمِكَ إِلَّا مَنْ قَدْ آمَنَ فعند هذا دعا عليهم بهذا الدعاء
3- ع، ]علل الشرائع[ طاهر بن محمد بن يونس عن محمد بن عثمان الهروي عن الحسن بن مهاجر عن هشام بن خالد عن الحسن بن يحيى عن صدقة بن عبد الله عن هشام عن أنس عن النبي ص عن جبرئيل ع قال قال الله تبارك و تعالى من أهان لي وليا فقد بارزني بالمحاربة و ما ترددت عن شيء أنا فاعله ما ترددت في قبض نفس المؤمن يكره الموت و أكره مساءته و لا بد منه و ما يتقرب إلي عبدي بمثل أداء ما افترضت عليه و لا يزال عبدي يبتهل إلي حتى أحبه و من أحببته كنت له سمعا و بصرا و يدا و موئلا إن دعاني أجبته و إن سألني أعطيته و إن من عبادي المؤمنين لمن يريد الباب من العبادة فأكفه عنه لئلا يدخله عجب فيفسده و إن من عبادي المؤمنين لمن لا يصلح إيمانه إلا بالفقر و لو أغنيته لأفسده ذلك و إن من عبادي المؤمنين لمن لا يصلح إيمانه إلا بالغنى و لو أفقرته لأفسده ذلك و إن من عبادي المؤمنين لمن لا يصلح إيمانه إلا بالسقم و لو صححت جسمه لأفسده ذلك و إن من عبادي المؤمنين لمن لا يصلح إيمانه إلا بالصحة و لو أسقمته لأفسده ذلك إني أدبر عبادي بعلمي بقلوبهم فإني عليم خبير
بيان قال الشيخ البهائي قدس الله روحه ما تضمنه هذا الحديث من نسبة التردد إليه سبحانه يحتاج إلى التأويل و فيه وجوه الأول أن في الكلام إضمارا و التقدير لو جاز علي التردد ما ترددت في شيء كترددي في وفاة المؤمن. الثاني أنه لما جرت العادة بأن يتردد الشخص في مساءة من يحترمه و يوقره كالصديق الوفي و الخل الصفي و أن لا يتردد في مساءة من ليس له عنده قدر و لا حرمة كالعدو و الحية و العقرب بل إذا خطر بالبال مساءته أوقعها من غير تردد و لا تأمل صح أن يعبر بالتردد و التأمل في مساءة الشخص من توقيره و احترامه و بعدمهما عن إذلاله و احتقاره فقوله سبحانه ما ترددت المراد به و الله أعلم ليس لشيء من مخلوقاتي عندي قدر حرمة كقدر عبدي المؤمن و حرمته فالكلام من قبيل الاستعارة التمثيلية. الثالث أنه قد ورد في الحديث من طرق الخاصة و العامة أن الله سبحانه يظهر للعبد المؤمن عند الاحتضار من اللطف و الكرامة و البشارة بالجنة ما يزيل عنه كراهة الموت و يوجب رغبته في الانتقال إلى دار القرار فيقل تأذيه به و يصير راضيا بنزوله راغبا في حصوله فأشبهت هذه المعاملة من يريد أن يؤلم حبيبه ألما يتعقبه نفع عظيم فهو يتردد في أنه كيف يوصل ذلك الألم إليه على وجه يقل تأذيه فلا يزال يظهر له ما يرغبه فيما يتعقبه من اللذة الجسيمة و الراحة العظيمة إلى أن يتلقاه بالقبول و يعده من الغنائم المؤدية إلى إدراك المأمول انتهى. أقول قد أثبتنا الأخبار الدالة على علل اختلاف الخلق في باب الطينة و الميثاق
4- ع، ]علل الشرائع[ أحمد بن محمد عن أبيه عن محمد بن أحمد عن إبراهيم بن إسحاق عن محمد بن علي الكوفي عن محمد بن الفضيل عن سعد بن عمر الجلاب قال قال لي أبو عبد الله ع إن الله عز و جل خلق الجنة طاهرة مطهرة فلا يدخلها إلا من طابت ولادته و قال أبو عبد الله ع طوبى لمن كانت أمه عفيفة
5- ع، ]علل الشرائع[ بهذا الإسناد عن محمد بن أحمد عن إبراهيم بن إسحاق عن محمد بن سليمان الديلمي عن أبيه رفع الحديث إلى الصادق ع قال يقول ولد الزنا يا رب ما ذنبي فما كان لي في أمري صنع قال فيناديه مناد فيقول أنت شر الثلاثة أذنب والداك فتبت عليهما و أنت رجس و لن يدخل الجنة إلا طاهر
6- ثو، ]ثواب الأعمال[ ابن البرقي عن أبيه عن جده أحمد عن أبيه عن ابن فضال عن ابن بكير عن زرارة قال سمعت أبا جعفر ع يقول لا خير في ولد الزنا و لا في بشره و لا في شعره و لا في لحمه و لا في دمه و لا في شيء منه يعني ولد الزنا
سن، ]المحاسن[ أبي عن ابن فضال مثله
7- ثو، ]ثواب الأعمال[ ابن الوليد عن الصفار عن ابن عيسى عن الوشاء عن أحمد بن عائذ عن أبي خديجة عن أبي عبد الله ع قال لو كان أحد من ولد الزنا نجا نجا سائح بني إسرائيل فقيل له و ما سائح بني إسرائيل قال كان عابدا فقيل له إن ولد الزنا لا يطيب أبدا و لا يقبل الله منه عملا قال فخرج يسيح بين الجبال و يقول ما ذنبي
سن، ]المحاسن[ في رواية أبي خديجة مثله
8- ص، ]قصص الأنبياء عليهم السلام[ الصدوق عن جعفر بن محمد بن شاذان عن أبيه عن الفضل عن محمد بن زياد عن أبان بن عثمان عن أبان بن تغلب عن عكرمة عن ابن عباس قال قال عزير يا رب إني نظرت في جميع أمورك و أحكامها فعرفت عدلك بعقلي و بقي باب لم أعرفه إنك تسخط على أهل البلية فتعمهم بعذابك و فيهم الأطفال فأمره الله تعالى أن يخرج إلى البرية و كان الحر شديدا فرأى شجرة فاستظل بها و نام فجاءت نملة فقرصته فدلك الأرض برجله فقتل من النمل كثيرا فعرف أنه مثل ضرب فقيل له يا عزير إن القوم إذا استحقوا عذابي قدرت نزوله عند انقضاء آجال الأطفال فماتوا أولئك بآجالهم و هلك هؤلاء بعذابي
بيان القرص أخذك لحم إنسان بإصبعك حتى تؤلمه و لسع البراغيث و القبض و القطع كذا ذكره الفيروزآبادي. أقول لعله تعالى إنما أراه قصة النمل لبيان أن الحكمة قد تقتضي تعميم البلية و الانتقام لرعاية المصالح العامة و حاصل الجواب أن الله تعالى كما أنه يميت الأطفال متفرقا إما لمصلحتهم أو لمصلحة آبائهم أو لمصلحة النظام الكلي كذلك قد يقدر موتهم جميعا في وقت واحد لبعض تلك المصالح و ليس ذلك على جهة الغضب عليهم بل هي رحمة لهم لعلمه تعالى بأنهم يصيرون بعد بلوغهم كفارا أو يعوضهم في الآخرة و يميتهم لردع سائر الخلق عن الاجتراء على مساخط الله أو غير ذلك مع أنه ليس يجب على الله تعالى إبقاء الخلق أبدا فكل مصلحة تقتضي موتهم في كبرهم يمكن جريانها في موتهم عند صغرهم و الله تعالى يعلم
9- سن، ]المحاسن[ الحجال عن حماد بن عثمان عن معمر بن يحيى عن أبي خالد الكابلي أنه سمع علي بن الحسين ع يقول لا يدخل الجنة إلا من خلص من آدم
10- سن، ]المحاسن[ القاسم بن يحيى عن جده الحسن عن ضريس الوابشي عن سدير قال قال أبو جعفر ع من طهرت ولادته دخل الجنة
11- سن، ]المحاسن[ القاسم بن يحيى عن جده الحسن عن عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله ع قال خلق الله الجنة طاهرة مطهرة لا يدخلها إلا من طابت ولادته
12- سن، ]المحاسن[ أبي عن النضر عن يحيى الحلبي عن أيوب بن حر عن أبي بكر قال كنا عنده و معنا عبد الله بن عجلان فقال عبد الله بن عجلان معنا رجل يعرف ما نعرف و يقال إنه ولد زناء فقال ما تقول فقلت إن ذلك ليقال له فقال إن كان ذلك كذلك بني له بيت في النار من صدر يرد عنه وهج جهنم و يؤتى برزقه
بيان من صدر أي يبنى له ذلك في صدر جهنم و أعلاه و الظاهر أنه مصحف صبر بالتحريك و هو الجمد
13- سن، ]المحاسن[ أبي عن حمزة بن عبد الله عن هاشم أبي سعيد الأنصاري عن أبي بصير عن أبي عبد الله ع قال إن نوحا حمل في السفينة الكلب و الخنزير و لم يحمل فيها ولد الزنا و إن الناصب شر من ولد الزنا
14- كا، ]الكافي[ الحسين بن محمد عن المعلى عن الوشاء عن أبان عن ابن أبي يعفور قال قال أبو عبد الله ع إن ولد الزنا يستعمل إن عمل خيرا جزي به و إن عمل شرا جزي به
بيان هذا الخبر موافق لما هو المشهور بين الإمامية من أن ولد الزنا كسائر الناس مكلف بأصول الدين و فروعه و يجري عليه أحكام المسلمين مع إظهار الإسلام و يثاب على الطاعات و يعاقب على المعاصي و نسب إلى الصدوق و السيد المرتضى و ابن إدريس رحمهم الله القول بكفره و إن لم يظهره و هذا مخالف لأصول أهل العدل إذ لم يفعل باختياره ما يستحق به العقاب فيكون عذابه جورا و ظلما و الله لَيْسَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ فأما الأخبار الواردة في ذلك فمنهم من حملها على أنه يفعل باختياره ما يكفر بسببه فلذا حكم عليه بالكفر و أنه لا يدخل الجنة و أما ظاهرا فلا يحكم بكفره إلا بعد ظهور ذلك منه. أقول يمكن الجمع بين الأخبار على وجه آخر يوافق قانون العدل بأن يقال لا يدخل ولد الزنا الجنة لكن لا يعاقب في النار إلا بعد أن يظهر منه ما يستحقه و مع فعل الطاعة و عدم ارتكاب ما يحبطه يثاب في النار على ذلك و لا يلزم على الله أن يثيب الخلق في الجنة و يدل عليه خبر عبد الله بن عجلان و لا ينافيه خبر ابن أبي يعفور إذ ليس فيه تصريح بأن جزاءه يكون في الجنة و أما العمومات الدالة على أن من يؤمن بالله و يعمل صالحا يدخله الله الجنة يمكن أن تكون مخصصة بتلك الأخبار و بالجملة فهذه المسألة مما قد تحير فيه العقول و ارتاب به الفحول و الكف عن الخوض فيها أسلم و لا نرى فيها شيئا أحسن من أن يقال الله أعلم