و قد يتعلق هؤلاء بالآفات التي تصيب الناس فتعم البر و الفاجر أو يبتلى بها البر و يسلم الفاجر منها فقالوا كيف يجوز هذا في تدبير الحكيم و ما الحجة فيه فيقال لهم إن هذه الآفات و إن كانت تنال الصالح و الطالح جميعا فإن الله عز و جل جعل ذلك صلاحا للصنفين كليهما أما الصالحون فإن الذي يصيبهم من هذا يزدهم نعم ربهم عندهم في سالف أيامهم فيحدوهم ذلك على الشكر و الصبر و أما الطالحون فإن مثل هذا إذا نالهم كسر شرتهم و ردعهم عن المعاصي و الفواحش و كذلك يجعل لمن سلم منهم من الصنفين صلاحا في ذلك أما الأبرار فإنهم يغتبطون بما هم عليه من البر و الصلاح و يزدادون فيه رغبة و بصيرة و أما الفجار فإنهم يعرفون رأفة ربهم و تطوله عليهم بالسلامة من غير استحقاق فيحضهم ذلك على الرأفة بالناس و الصفح عمن أساء إليهم و لعل قائلا يقول إن هذه الآفات التي تصيب الناس في أموالهم فما قولك فيما يبتلون به في أبدانهم فيكون فيه تلفهم كمثل الحرق و الغرق و السيل و الخسف فيقال له إن الله جعل في هذا أيضا صلاحا للصنفين جميعا أما الأبرار فلما لهم في مفارقة هذه الدنيا من الراحة من تكاليفها و النجاة من مكارهها و أما الفجار فلما لهم في ذلك من تمحيص أوزارهم و حبسهم عن الازدياد منها و جملة القول إن الخالق تعالى ذكره بحكمته و قدرته قد يصرف هذه الأمور كلها إلى الخير و المنفعة فكما أنه إذا قطعت الريح شجره أو قطعت نخلة أخذها الصانع الرفيق و استعملها في ضروب من المنافع فكذلك يفعل المدبر الحكيم في الآفات التي تنزل بالناس في أبدانهم و أموالهم فيصيرها جميعا إلى الخير و المنفعة فإن قال و لم تحدث على الناس قيل له لكيلا يركنوا إلى المعاصي من طول السلامة فيبالغ الفاجر في ركوب المعاصي و يفتر الصالح عن الاجتهاد في البر فإن هذين الأمرين جميعا يغلبان على الناس في حال الخفض و الدعة و هذه الحوادث التي تحدث عليهم تردعهم و تنبههم على ما فيه رشدهم فلو خلوا منها لغلوا في الطغيان و المعصية كما غلا الناس في أول الزمان حتى وجب عليهم البوار بالطوفان و تطهير الأرض منهم