قصص يعقوب ويوسف ع
تفسير علي بن إبراهيم مسندا إلى جابر بن عبد الله الأنصاري في قول الله عز وجل إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَباً والشَّمْسَ والْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي ساجِدِينَ. وهي الطارق وحوبان والذيال وذو الكتفين ووثاب وقابس وعموران وفيلق ومصبح والصبوح والغروب والضياء والنور يعني الشمس والقمر وكل هذه محيطة بالسماء
وعن أبي جعفر ع في تأويل هذه الرؤيا أنه سيملك مصر ويدخل عليه أبواه وإخوته
و أما الشمس فأم يوسف راحيل والقمر يعقوب والكواكب إخوته فلما دخلوا عليه سجدوا لله شكرا حين نظروا إليه وكان ذلك السجود لله
وقال ع إنه كان من خبر يوسف ع أنه كان له أحد عشر أخا وكان له أخ من أمه يسمى بنيامين وكان يعقوب إسرافيل الله أي خالصة فرأى يوسف هذه الرؤيا وله تسع سنين فقصها على أبيه فقال يا بُنَيَّ لا تَقْصُصْ رُؤْياكَ عَلى إِخْوَتِكَ
و كان يوسف من أحسن الناس وجها وكان يعقوب يحبه ويؤثره على الأولاد فحسده إخوته على ذلك وقالوا ما بينهم ما حكى الله عنهم إِذْ قالُوا لَيُوسُفُ وأَخُوهُ أَحَبُّ إِلى أَبِينا مِنَّا وعمدوا على قتل يوسف حتى يخلو لهم وجه أبيهم إلى آخر الآيات. وأما أسماؤهم فزوتيل وهو أكبرهم وشمعون ولاوي ويهودا وريالون ويشجر و أمهم إليا ابنة خالة يعقوب ثم توفت إليا فتزوج يعقوب أختها راحيل فولدت له يوسف وبنيامين وولد له من السرية بجماع أو مطلق لهم الشيء من سريتين له اسم إحداهما زلفة والأخرى بلهة أربع ويقنالي وأحاد وأشر. وأكثر المفسرين على أن إخوة يوسف كانوا أنبياء. وقال بعضهم لم يكونوا أنبياء الأنبياء لا تقع منهم القبائح.
وعن أبي جعفر ع أنهم لم يكونوا أنبياء
و قوله إِنِّي... أَخافُ أَنْ يَأْكُلَهُ الذِّئْبُ. قيل كانت أرضهم مذأبة وكانت السباع ضارية في ذلك الوقت. وقيل إن يعقوب رأى في منامه كان يوسف قد شد عليه عشرة أذؤب ليقتلوه وإذا ذئب منها يحمي عنه فكان الأرض انشقت فدخل فيها يوسف ع فلم يخرج إلا بعد ثلاثة أيام. فمن ثم قال هذا فلقنهم العلة وكانوا لا يدرون.
وروي عن النبي ص قال لا تلقنوا الكذب فتكذبوا فإن بني يعقوب لم يعلموا أن الذئب يأكل الإنسان حتى لقنهم أبوهم
و قيل كان يوم ألقي في الجب عمره عشر سنين وقيل اثنتا عشرة وقيل سبع وقيل تسع. وجمع بينه وبين أبيه وهو ابن أربعين سنة. ولما ألقوه في غيابة الجب قالوا له انزع قميصك فبكى فقال يا إخوتي تجردوني فسل واحد منهم السكين عليه وقال لئن لم تنزعه لأقتلنك فنزعه فدلوه في الجب وتنحوا عنه فقال ع في الجب يا إله إبراهيم وإسحاق ويعقوب ارحم ضعفي وقلة حيلتي وصغري فنزلت سيارة من أهل مصر فبعثوا رجلا ليستقي لهم الماء من الجب فلما أدلى الدلو على يوسف تشبث بالدلو فجروه فنظروا إلى غلام من أحسن الناس وجها فعدوا إلى صاحبهم فقالوا يا بشرى هذا غلام فنخرجه ونبيعه ونجعله بضاعة لنا فبلغ إخوته فجاءوا فقالوا هذا عبد لنا آبق ثم قالوا ليوسف لئن لم تقر لنا بالعبودية لنقتلنك فقالت السيارة ليوسف ما تقول فقال أنا عبدهم فقالت السيارة فتبيعوه منا قالوا نعم فباعوه على أن يحملوه إلى مصر وشروه بثمن بخس دراهم معدودة كانت ثمانية عشر درهما.
عن الرضا ص كانت عشرين درهما وهي قيمة كلب الصيد إذا قتل
أقول المشهور بين الأصحاب رضوان الله عليهم أن في كلب الغنم عشرين درهما وفي كلب الصيد أربعين أو القيمة فيهما أما البائعون فهم إخوته. وقيل باعه الواجدون بمصر وقيل إن الذين أخرجوه من الجب باعوه من السيارة والأصح الأول
وقال النبي ص أعطي يوسف شطر الحسن والنصف الآخر لباقي الناس
وفيه أيضا عن أبي جعفر ع في قوله تعالى وجاؤُ عَلى قَمِيصِهِ بِدَمٍ كَذِبٍ قالوا إنهم ذبحوا جديا على قميصه قالوا نعمد إلى قميصه فنلطخه بالدم ونقول لأبينا إن الذئب أكله فلما فعلوا ذلك قال لهم لاوي يا قوم أ تظنون أن الله يكتم هذا الخبر عن نبيه يعقوب فقالوا وما الحيلة قال نقوم ونغتسل ونصلي جماعة ونتضرع إلى الله تعالى أن يكتم ذلك عن أنبيائه إنه جواد كريم فاغتسلوا وكان في سنة إبراهيم وإسحاق ويعقوب أنهم لا يصلون جماعة حتى يبلغوا أحد عشر رجلا فيكون واحد منهم إماما وعشرة يصلون خلفه قالوا كيف نصنع وليس لنا إمام فقال لاوي نجعل الله إمامنا فصلوا وبكوا وتضرعوا وقالوا يا رب اكتم علينا هذا ثم جاءوا إلى أبيهم عشاء يبكون ومعهم القميص قد لطخوه بالدم ف قالُوا يا أَبانا إِنَّا ذَهَبْنا نَسْتَبِقُ أي نعدو وتَرَكْنا يُوسُفَ عِنْدَ مَتاعِنا فَأَكَلَهُ الذِّئْبُ الآية فقال يعقوب ما كان أشد غضب ذلك الذئب على يوسف وأشفقه على قميصه حيث أكل يوسف ولم يمزق قميصه فحملوا يوسف إلى مصر وباعوه من عزيز مصر فقال العزيز لِامْرَأَتِهِ أَكْرِمِي مَثْواهُ أي مكانه عَسى أَنْ يَنْفَعَنا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَداً ولم يكن لهم ولد فأكرموه وربوه فلما بلغ أشده هوته امرأة العزيز وكانت لا تنظر إلى يوسف امرأة إلا هوته ولا رجل إلا أحبه وكان وجهه مثل القمر ليلة البدر فراودته امرأة العزيز كما قال تعالى وراوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِها الآية فما زالت تخدعه حتى كان كما قال الله تعالى ولَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وهَمَّ بِها لَوْ لا أَنْ رَأى بُرْهانَ رَبِّهِ فقامت امرأة العزيز وغلقت الأبواب فلما رأى يوسف صورة يعقوب في ناحية البيت عاضا على إصبعه يقول يا يوسف أنت في السماء مكتوب في النبيين وتريد أن تكتب في الأرض من الزناة فعلم أنه قد أخطأ وتعدى
وعن أبي عبد الله ع لما همت به وهم بها قامت إلى صنم في بيتها فألقت عليه ثوبا وقالت لا يرانا فإني أستحي منه فقال يوسف أ فأنت تستحين من صنم لا يسمع ولا يبصر وأنا لا أستحي من ربي فوثب وعدا وعدت من خلفه وأدركهما العزيز على هذه الحالة وهو قوله عز وجل واسْتَبَقَا الْبابَ وقَدَّتْ قَمِيصَهُ مِنْ دُبُرٍ وأَلْفَيا سَيِّدَها لَدَى الْبابِ فبادرت امرأة العزيز فقالت له ما جَزاءُ مَنْ أَرادَ بِأَهْلِكَ سُوءاً إِلَّا أَنْ يُسْجَنَ أَوْ عَذابٌ أَلِيمٌ فقال يوسف للعزيز هِيَ راوَدَتْنِي عَنْ نَفْسِي فألهم الله يوسف أن قال للملك سل هذا الصبي في المهد فإنه يشهد أنها راودتني عن نفسي فقال العزيز للصبي فأنطق الله الصبي في المهد ليوسف حتى قال إِنْ كانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ قُبُلٍ فَصَدَقَتْ وهُوَ مِنَ الْكاذِبِينَ وإِنْ كانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ دُبُرٍ فَكَذَبَتْ وهُوَ مِنَ الصَّادِقِينَ فلما رأى العزيز قميص يوسف قد تخرق من دبر قال لامرأته إِنَّهُ مِنْ كَيْدِكُنَّ إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ ثم قال ليوسف أَعْرِضْ عَنْ هذا واسْتَغْفِرِي لِذَنْبِكِ إِنَّكِ كُنْتِ مِنَ الْخاطِئِينَ فشاع الخبر بمصر وجعلن النساء يتحدثن بحديثها ويعذلنها وهو قوله تعالى وقالَ نِسْوَةٌ فِي الْمَدِينَةِ امْرَأَتُ الْعَزِيزِ تُراوِدُ فَتاها فبلغ ذلك امرأة العزيز فبلغت إلى كل امرأة رئيسة فجمعن في منزلها وهيأت لهن مجلسا ودفعت إلى كل امرأة أترجة وسكينا فقالت أقطعن ثم قالت ليوسف اخرج عليهن فلما نظرن إليه أقبلن يقطعن أيديهن وقلن إِنْ هذا إِلَّا مَلَكٌ كَرِيمٌ فقالت امرأة العزيز فَذلِكُنَّ الَّذِي لُمْتُنَّنِي فِيهِ ولَقَدْ راوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ فَاسْتَعْصَمَ أي امتنع ولَئِنْ لَمْ يَفْعَلْ ما آمُرُهُ لَيُسْجَنَنَّ فما أمسى يوسف في ذلك اليوم حتى بعثت إليه كل امرأة رأته تدعوه إلى نفسها فضجر يوسف فقال رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ وإِلَّا تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وأَكُنْ مِنَ الْجاهِلِينَ فَاسْتَجابَ لَهُ رَبُّهُ فَصَرَفَ عَنْهُ كَيْدَهُنَّ وأمرت امرأة العزيز بحبسه فحبس
أقول الصبي الذي كان في المهد هو ابن أخت زليخا وكان ابن ثلاثة أشهر ولما قطعن أيديهن لم يجدن وجع وهذا حال العشق إذا غلب على القلب كما في حكاية اليهودي الذي كان يصلح طعاما لجاريته في مرضها فلما سمع أنينها سقطت المغرفة التي كان يخوط القدر بها من يده فعاد يخوط القدر بيده حتى تناثر لحم يده وما شعر به وقد وقع مثله لكثير عزة ولغيره من العشاق السبعة وقد شاهدت أنا في شيراز رجلا يمشي والناس وراءه وفي يديه في كل واحدة سكينا يضرب بها على صدره واللحم يتناثر من بدنه وهو لا يحس به فسألت عنه فقيل إنه كان له محبوب فغيبوه عن نظره. وتحقيق هذه المقالة في كتابنا مقامات النجاة وزهر الربيع بما لا مزيد عليه
وعن أبي جعفر ع في قوله ثُمَّ بَدا لَهُمْ مِنْ بَعْدِ ما رَأَوُا الْآياتِ لَيَسْجُنُنَّهُ حَتَّى حِينٍ فالآيات هي شهادة الصبي والقميص المخرق من دبر واستباقهما الباب حتى سمع مجاذبتها إياه على الباب فلما عصاها لم تزل مولعة لزوجها حتى حبسه ودخل معه السجن فتيان يقول عبدان للملك أحدهما خباز والآخر صاحب الشراب والذي كذب ولم ير المنام هو الخباز وسبب حبسهما أنه سعي بهما إلى الملك أنهما أرادا أن يسماه
و قال علي بن إبراهيم ووكل الملك بيوسف رجلين يحفظانه فلما دخل السجن قالوا له ما صناعتك قال أعبر الرؤيا فرأى أحد الموكلين في نومه كما قال أعصر خمرا قال يوسف تخرج من السجن وتصير على شراب الملك وترتفع منزلتك عنده وقال الآخر إني أرى في المنام أحمل فوق رأسي خبزا تأكل منه الطير ولم يكن رأى ذلك فقال له يوسف أنت يقتلك الملك ويصلبك وتأكل الطير من دماغك فجحد الرجل وقال إني لم أر ذلك فقال له يوسف قُضِيَ الْأَمْرُ الَّذِي فِيهِ تَسْتَفْتِيانِ فلما أراد من رأى في نومه أنه يعصر خمرا الخروج من الحبس قال له يوسف اذْكُرْنِي عِنْدَ رَبِّكَ فكان كما قال الله عز وجل فَأَنْساهُ الشَّيْطانُ ذِكْرَ رَبِّهِ. أقول قال أمين الإسلام الطبرسي القول في ذلك إن الاستغاثة بالعباد في دفع المضار والتخلص من المكاره جائز غير منكر ولا قبيح بل ربما يجب وكان نبينا ص يستعين فيما ينوبه بالمهاجرين والأنصار وغيرهم ولو كان قبيحا لم يفعله فلو صحت هذه الرواية فإنما عوتب ع على ترك عادته الجميلة في الصبر والتوكل على الله سبحانه في كل أموره دون غيره وقت ابتلائه وإنما كان يكون قبيحا لترك التوكل على الله واقتصر على غيره
و قال علي بن إبراهيم إن الملك رأى رؤيا فقال لوزرائه إني رأيت في نومي سبع بقرات سمان يأكلهن سبع عجاف أي مهازيل ورأيت سبع سنبلات خضر وأخر يابسات فلم يعرفوا تأويل ذلك فذكر الذي كان على رأس الملك رؤياه التي رآها وذكر يوسف بعد سبع سنين فأرسلوا إليه فقال أَيُّهَا الصِّدِّيقُ أَفْتِنا فِي سَبْعِ بَقَراتٍ سِمانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجافٌ وسَبْعِ سُنْبُلاتٍ خُضْرٍ وأُخَرَ يابِساتٍ فقال يوسف تَزْرَعُونَ سَبْعَ سِنِينَ متواليات فَما حَصَدْتُمْ فَذَرُوهُ فِي سُنْبُلِهِ إِلَّا قَلِيلًا مِمَّا تَأْكُلُونَ ثُمَّ يَأْتِي مِنْ بَعْدِ ذلِكَ سَبْعٌ شِدادٌ يَأْكُلْنَ ما قَدَّمْتُمْ لَهُنَّ أي سبع سنين مجاعة شديدة يأكلن ما قدمتم لهن في السبع السنين الماضية. فرجع الرجل إلى الملك فأخبره بما قال يوسف وقالَ الْمَلِكُ ائْتُونِي بِهِ فَلَمَّا جاءَهُ الرَّسُولُ قالَ ارْجِعْ إِلى رَبِّكَ يعني الملك فَسْئَلْهُ ما بالُ النِّسْوَةِ اللَّاتِي قَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ إِنَّ رَبِّي بِكَيْدِهِنَّ عَلِيمٌ فجمع الملك النسوة ف قالَ ما خَطْبُكُنَّ إِذْ راوَدْتُنَّ يُوسُفَ عَنْ نَفْسِهِ قُلْنَ حاشَ لِلَّهِ ما عَلِمْنا عَلَيْهِ مِنْ سُوءٍ قالَتِ امْرَأَةُ الْعَزِيزِ الْآنَ حَصْحَصَ الْحَقُّ أَنَا راوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ وإِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ ذلِكَ لِيَعْلَمَ أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِالْغَيْبِ وأَنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي كَيْدَ الْخائِنِينَ أي لا أكذب عليه الآن كما كذبت عليه من قبل ثم قالت وما أُبَرِّئُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ ف قالَ الْمَلِكُ ائْتُونِي بِهِ أَسْتَخْلِصْهُ لِنَفْسِي فلما نظر إلى يوسف قالَ إِنَّكَ الْيَوْمَ لَدَيْنا مَكِينٌ أَمِينٌ سل حاجتك قالَ اجْعَلْنِي عَلى خَزائِنِ الْأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ يعني الكناديج والأنابير فجعله عليهما. أقول قوله وما أُبَرِّئُ نَفْسِي من كلام يوسف ع على قول أكثر المفسرين. وقيل هو من كلام امرأة العزيز كما قاله علي بن إبراهيم. والأول أشهر وأظهر والكندوج شبه المخزن معرب كندود. وقال علي بن إبراهيم وكان بينه وبين أبيه ثمانية عشر يوما وكان في بادية وكان الناس من الآفاق يخرجون إلى مصر ليمتاروا طعاما وكان يعقوب وولده نزولا في بادية فيه مقل فأخذوا إخوة يوسف من ذلك المقل وحملوا إلى مصر ليمتاروا به. وقيل كان بضاعتهم بيع النعل وكان يوسف يتولى البيع بنفسه فلما دخل إخوته عليه عرفهم ولم يعرفوه فلما جهزهم أحسن جهازهم قال لهم من أنتم قالوا نحن بنو يعقوب قال فما فعل أبوكم قالوا شيخ ضعيف قال فلكم أخ غيركم قالوا لنا أخ من أبينا لا من أمنا قال فإذا رجعتم إلي فأتوني به فإن لم تأتوني به فلا كيل لكم عندي قالوا سنراود عنه أباه قال يوسف لقومه هذه البضاعة التي حملوها إلينا اجعلوها بين رحالهم حتى إذا رأوها رجعوا إلينا يعني لا أحتمل أن يكون عندهم بضاعة أخرى يرجعون بها إلينا. فلما رجعوا إلى أبيهم قالوا يا أبانا منع منا الكيل فأرسل معنا أخانا بنيامين نكتل وإنا له لحافظون قال يعقوب هل آمنكم عليه إلا كما أمنتكم على أخيه من قبل فلما فتحوا متاعهم وجدوا بضاعتهم في رحالهم التي حملوها إلى مصر قالوا يا أبانا ما نبغي أي ما نريد هذه بضاعتنا ردت إلينا ونمير أهلنا ونحفظ أخانا قال يعقوب لن أرسله معكم حتى تحلفوا لي أن تأتوني به إلا أن تغلبوا في شأنه فخرجوا وقال لهم يعقوب لا تدخلوا من باب واحد وادخلوا من أبواب متفرقة وما أغني عنكم من الله من شيء إن الحكم إلا لله عليه توكلت فلما دخلوا من حيث أمرهم أبوهم ما كان يغني عنهم من الله من شيء إلا حاجة في نفس يعقوب قضاها وإنه لذو علم لما علمناه. أقول إن إخوة يوسف ع لم يعرفوه لطول العهد ومفارقتهم إياه في سن الحداثة وتوهمهم أنه هلك وبعد حاله التي رأوه عليها من حين فارقوه.
و قوله لا تَدْخُلُوا مِنْ بابٍ واحِدٍ المشهور بين المفسرين أنه إنما قال ذلك لما خاف عليهم من العين. وقيل لما اشتهروا بمصر بالحسن والجمال وإكرام الملك لهم خاف عليهم حسد الناس. ثم إن العبد مأمور بملاحظة الأسباب وعدم الاعتماد عليها والتوكل على الله قال أولا ما يلزمه من الحزم والتدبير ثم تبرأ من الاعتماد على الأسباب بقوله وما أُغْنِي عَنْكُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ. فخرجوا وخرج معهم بنيامين وكان لا يؤاكلهم ولا يجالسهم ولا يكلمهم. فلما دخلوا على يوسف وسلموا نظر يوسف إلى أخيه فعرفه فجلس منهم بالبعيد فقال يوسف أنت أخوهم قال نعم قال فلم لا تجلس معهم قال لأنهم أخرجوا أخي عن أبي وأمي ثم رجعوا وزعموا أن الذئب أكله فآليت على نفسي أن لا اجتمع معهم ما دمت حيا قال فهل تزوجت وولد لك قال نعم ثلاث بنين سميت واحدا منهم الذئب وواحدا منهم القميص وواحدا الدم قال وكيف اخترت هذه الأسماء قال لئلا أنسى أخي كلما دعوت واحدا من ولدي ذكرت أخي قال يوسف لهم اخرجوا وحبس بنيامين فلما خرجوا من عنده قال يوسف لأخيه أنا أخوك يوسف فلا تبتئس بما كانوا يفعلون ثم قال له أنا أحب أن تكون عندي فقال لا يدعوني إخوتي فإن أبي قد أخذ عليهم ميثاق الله أن يردوني إليه قال أنا أحتال بحيلة فلا تخبرهم بشيء فقال لا فلما جهزهم بجهازهم وأحسن إليهم قال لبعض قوامه اجعلوا هذا الصاع في رحل هذا وكان الصاع الذي يكيلون به من ذهب فجعلوه في رحله من حيث لم يقف عليه إخوته فلما ارتحلوا بعث إليهم يوسف وحبسهم ثم أمر مناديا ينادي أيتها العير إنكم لسارقون فقال إخوة يوسف ما ذا تفقدون قالوا نفقد صواع الملك ولمن جاء به حمل بعير وأنا به زعيم أي كفيل فقال إخوة يوسف تالله لقد علمتم ما جئنا لنفسد في الأرض وما كنا سارقين قال يوسف فما جزاؤه إن كنتم كاذبين قالوا جزاؤه من وجد في رحله حبسه فهو جزاؤه فبدأ بأوعيتهم قبل وعاء أخيه ثم استخرجها من وعاء أخيه فحبسوا أخاه وهو قوله تعالى وكَذلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ أي احتلنا له ما كانَ لِيَأْخُذَ أَخاهُ فِي دِينِ الْمَلِكِ إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللَّهُ.
وسئل الصادق ع في قوله تعالى أَيَّتُهَا الْعِيرُ إِنَّكُمْ لَسارِقُونَ قال ما سرقوا وما كذب إنما عنى سرقتم يوسف من أبيه
فلما أخرج ليوسف الصاع من رحل أخيه قال إخوته إن يسرق فقد سرق أخ له من قبل يعنون يوسف فتغافل يوسف ع وهو قوله فَأَسَرَّها يُوسُفُ فِي نَفْسِهِ ولَمْ يُبْدِها لَهُمْ قالَ أَنْتُمْ شَرٌّ مَكاناً واللَّهُ أَعْلَمُ بِما تَصِفُونَ فاجتمعوا إلى يوسف وجلودهم تقطر دما أصفر وكانوا يجادلونه في حبسه وكان ولد يعقوب إذا غضبوا خرج من ثيابهم شعر ويقطر من رءوسها دم أصفر وهم يقولون له أيها العزيز إِنَّ لَهُ أَباً شَيْخاً كَبِيراً فَخُذْ أَحَدَنا مَكانَهُ إِنَّا نَراكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ فأطلق عن هذا فقال يوسف مَعاذَ اللَّهِ أَنْ نَأْخُذَ إِلَّا مَنْ وَجَدْنا مَتاعَنا عِنْدَهُ ولم يقل إلا من سرق متاعنا إِنَّا إِذاً لَظالِمُونَ فلما أيسوا وأرادوا الانصراف إلى أبيهم قال لهم يهودا بن يعقوب أ لم تعلموا أن أباكم قد أخذ عليكم موثقا من الله في هذا ومن قبل ما فرطتم في يوسف فارجعوا أنتم إلى أبيكم أما أنا فلا أرجع إليه حتى يأذن لي أبي أو يحكم الله لي وهو خير الحاكمين ثم قال لهم ارْجِعُوا إِلى أَبِيكُمْ فَقُولُوا يا أَبانا إِنَّ ابْنَكَ سَرَقَ وما شَهِدْنا إِلَّا بِما عَلِمْنا وما كُنَّا لِلْغَيْبِ حافِظِينَ فرجع إخوة يوسف إلى أبيهم وتخلف يهودا فدخل على يوسف وكلمه حتى ارتفع الكلام بينه وبين يوسف وغضب وكانت على كتف يهودا شعرة فقامت الشعرة فأقبلت تقذف بالدم وكان لا يسكن حتى يمسه بعض ولد يعقوب وكان بين يدي يوسف ابن له في يده رمانة من ذهب يلعب بها فأخذ الرمانة من الصبي ثم دحرجها نحو يهودا وتبعها الصبي ليأخذها فوقعت يده على يهودا فذهب غيظه فارتاب يهودا ورجع الصبي بالرمانة إلى يوسف حتى فعل ذلك ثلاثا. أقول السقاية المشربة التي كان يشرب منها الملك ثم جعل صاعا في السنين الشداد القحاط يكال به الطعام وقوله إِنَّكُمْ لَسارِقُونَ تورية على وجه المصلحة أي سرقتم يوسف. ثم قال علي بن إبراهيم فلما رجعوا إلى أبيهم وأخبروه بخبر أخيهم قال يعقوب بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أَمْراً فَصَبْرٌ جَمِيلٌ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَنِي بِهِمْ جَمِيعاً يعني يوسف وبنيامين ويهودا الذي تخلف بمصر ثم تولى عنهم وقالَ يا أَسَفى عَلى يُوسُفَ وابْيَضَّتْ عَيْناهُ مِنَ الْحُزْنِ يعني عميت من البكاء فَهُوَ كَظِيمٌ أي محزون الأسف أشد الحزن
وسئل أبو عبد الله ع ما بلغ من حزن يعقوب على يوسف فقال حزن سبعين ثكلى بأولادها وقال إن يعقوب لم يعرف الاسترجاع فمنها قال وا أسفى على يوسف
أقول جاء في الحديث لم تعط أمة من الأمم إنا لله وإنا إليه راجعون عند المصيبة إلا أمة محمد ص أ لا ترى إلى يعقوب حين أصابه ما أصاب لم يسترجع وقال يا أسفا وذلك لما جاء في الحديث من أن المسترجع عند المصيبة يبنى له بيت في الجنة وكلما ذكر المصيبة واسترجع كان له مثل ثوابه عند الصدمة الأولى. ثم اعلم أنه اختلف في قوله وابْيَضَّتْ عَيْناهُ مِنَ الْحُزْنِ كما أن الشيعة اختلفوا في أنه هل يجوز على الأنبياء مثل هذا النقص في الخلقة. قال أمين الإسلام الطبرسي لا يجوز لأن ذلك ينفر. وقيل يجوز أن لا يكون فيه تنفير ويكون بمنزلة سائر العلل والأمراض انتهى فمن قال لا يجوز ذلك يقول إنه ما عمي ولكنه صار بحيث يدرك إدراكا ضعيفا ويئول بأن المراد أنه غلبه البكاء وعند غلبة البكاء يكثر الماء في العين فتصير العين كأنها ابيضت من بياض ذلك الماء ومن يجوز ذلك يحملها على ظاهرها. والحق أنه لم يقم دليل على امتناع ذلك حتى يحتاج إلى تأويل الآيات والأخبار الدالة على حصوله على أنه يحتمل كما قيل أن يكون على وجه لا يكون فيه نقص ولا عيب في ظاهر الخلقة والأنبياء ع يبصرون بقلوبهم ما يبصر غيرهم بعينيه
وفيه أيضا عن أبي جعفر ع قال سدير أخبرني عن يعقوب حين قال لولده اذْهَبُوا فَتَحَسَّسُوا مِنْ يُوسُفَ وأَخِيهِ كان علم أنه حي وقد فارقه منذ عشرين سنة وذهبت عينه عليه من البكاء قال نعم علم أنه حي دعا ربه في السحر أن يهبط عليه ملك الموت فهبط عليه ملك الموت بأطيب رائحة وأحسن صورة فقال له من أنت فقال أنا ملك الموت أ ليس سألت الله أن ينزلني عليك ما حاجتك يا يعقوب قال له أخبرني عن الأرواح تقبضها جملة أو متفرقة قال تقبضها أعواني متفرقة وتعرض علي مجتمعة قال يعقوب فأسألك بإله إبراهيم وإسحاق ويعقوب هل عرض عليك في الأرواح روح يوسف فقال لا فعند ذلك علم أنه حي فقال لولده اذْهَبُوا فَتَحَسَّسُوا مِنْ يُوسُفَ وأَخِيهِ ولا تَيْأَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ وكتب عزيز مصر إلى يعقوب أما بعد فهذا ابنك اشتريته بثمن بخس وهو يوسف واتخذته عبدا وهذا ابنك بنيامين أخذته وقد وجدت متاعي عنده واتخذته عبدا فما ورد على يعقوب شيء أشد من ذلك الكتاب فقال للرسول مكانك أجيبه فكتب إليه يعقوب بسم الله الرحمن الرحيم من يعقوب إسرائيل الله بن إسحاق بن إبراهيم خليل الله أما بعد فقد فهمت كتابك تذكر فيه أنك اشتريت ابني واتخذته عبدا وأن البلاء موكل ببني آدم وأن جدي إبراهيم ألقاه نمرود في النار فلم يحترق وجعلها الله له بردا وسلاما وأن أبي إسحاق أمر الله جدي أن يذبحه بيده فلما أراد ذبحه فداه بكبش عظيم وأن كان لي ولد ولم يكن في الدنيا أحد أحب إلي منه فأخرجوه إخوته ثم رجعوا إلي وزعموا أن الذئب أكله فاحدودب لذلك ظهري وذهب من كثرة البكاء عليه بصري وكان له أخ من أمه كنت آنس به فخرج مع إخوته إلى ما قبلك ليمتاروا لنا طعاما فرجعوا إلي وذكروا أنه سرق صواع الملك وقد حبسته وإنا أهل بيت لا يليق بنا السرقة ولا الفاحشة وأنا أسألك بإله إبراهيم وإسحاق ويعقوب إلا مننت علي به وتقربت إلى الله ورددته إلي فلما ورد الكتاب إلى يوسف أخذه ووضعه على وجهه وبكى بكاء شديدا ثم نظر إلى إخوته فقال لهم هَلْ عَلِمْتُمْ ما فَعَلْتُمْ بِيُوسُفَ وأَخِيهِ إِذْ أَنْتُمْ جاهِلُونَ فقالوا إِنَّكَ لَأَنْتَ يُوسُفُ قالَ أَنَا يُوسُفُ وهذا أَخِي قَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْنا فقالوا لَقَدْ آثَرَكَ اللَّهُ عَلَيْنا وإِنْ كُنَّا لَخاطِئِينَ قالَ لا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ أي لا توبيخ ولا تعنيف يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ فلما ولى الرسول إلى الملك بكتاب يعقوب رفع يعقوب يده إلى السماء فقال يا حسن الصحبة يا كريم المعونة وخير إله ائتني بروح منك وفرج من عندك فهبط جبرئيل ع فقال له يا يعقوب أ لا أعلمك دعوات يرد الله عليك بصرك وابنيك قال نعم قال قل يا من لم يعلم أحد كيف هو إلا هو يا من سد الهواء وكبس الأرض على الماء واختار لنفسه أحسن الأسماء ائتني بروح منك وفرج من عندك قال فما انفجر عمود الصبح حتى أتي بالقميص فطرح عليه فرد الله عليه بصره وولده
أقول ورد في سبب معرفتهم له أنه تبسم فلما أبصروا ثناياه كانت كاللؤلؤ المنظوم شبهوه بيوسف. وقيل رفع التاج عن رأسه فعرفوه. وفي قوله إِذْ أَنْتُمْ جاهِلُونَ أي شبان أو صبيان تعليم لهم كيف يعتذرون.
روي عن الصادق ع كل ذنب عمله العبد وإن كان عالما فهو جاهل حين خاطر بنفسه معصية ربه فقد حكى الله قول يوسف لإخوته هَلْ عَلِمْتُمْ ما فَعَلْتُمْ بِيُوسُفَ وأَخِيهِ إِذْ أَنْتُمْ جاهِلُونَ فنسبهم إلى الجهل لمخاطرتهم في أنفسهم في معصية الله
و ذكر بعض المحققين من أهل التفسير وورد في الأخبار أيضا في تفسير قوله تعالى إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللَّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهالَةٍ إن كل مذنب فهو جاهل لأنه خاطر بنفسه وفعل فعل الجاهل. ثم قال علي بن إبراهيم قدس الله ضريحه ولما أمر الملك بحبس يوسف في السجن ألهمه الله تعبير الرؤيا فكان يعبر لأهل السجن فلما سألاه الفتيان الرؤيا عبر لهما وقالَ لِلَّذِي ظَنَّ أَنَّهُ ناجٍ مِنْهُمَا اذْكُرْنِي عِنْدَ رَبِّكَ ولم يفزع في تلك الحال إلى الله تعالى فأوحى الله إليه من أراك الرؤيا ومن حببك إلى أبيك ومن وجه إليك السيارة ومن علمك الدعاء الذي دعوت به حتى جعلت لك من الجب فرجا ومن أنطق لسان الصبي بعذرك ومن ألهمك تأويل الرؤيا قال أنت يا رب قال فكيف استعنت بغيري ولم تستعن بي وأملت عبدا من عبيدي ليذكرك إلى مخلوق من خلقي لبث في السجن بضع سنين فقال يوسف أسألك بحق آبائي عليك إلا فرجت عني فأوحى الله إليه يا يوسف وأي حق لآبائك علي إن كان أبوك آدم خلقته بيدي ونفخت فيه من روحي وأسكنته جنتي وأمرته أن لا يقرب شجرة منها فعصاني وسألني فتبت عليه وإن كان أبوك نوح انتجبته من بين خلقي وجعلته رسولا إليهم فلما عصوا دعاني استجبت له وغرقتهم وأنجيته ومن معه في الفلك وإن كان أبوك إبراهيم اتخذته خليلا وأنجيته من النار وجعلتها عليه بردا وسلاما وإن كان أبوك يعقوب وهبت له اثني عشر ولدا فغيبت عنه واحدا فما زال يبكي حتى ذهب بصره وقعد على الطريق يشكوني فأي حق لآبائك علي قال له جبرئيل قل يا يوسف أسألك بمنك العظيم وإحسانك القديم فقالها فرأى الملك الرؤيا فكان فرجه فيها
وعن أبي الحسن الرضا ع أنه قال قال السجان ليوسف إني لأحبك فقال يوسف ما أصابني إلا من الحب كانت عمتي أحبتني فسرقتني أي نسبتني إلى السرقة وإن كان أبي أحبني حسدوني إخوتي وإن كانت امرأة العزيز أحبتني فحبستني وشكا يوسف في السجن إلى الله تعالى فقال يا رب بما ذا استحققت السجن فأوحى الله إليه أنت اخترته حين قلت رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ هلا قلت العافية أحب إلي مما يدعونني إليه
وعن أبي عبد الله ع قال لما طرح إخوة يوسف يوسف في الجب دخل عليه جبرئيل ع وهو في الجب فقال يا غلام من طرحك في هذا الجب قال إخوتي لمنزلتي من أبي حسدوني ولذلك في الجب طرحوني قال أ فتحب أن تخرج قال ذاك إلى إله إبراهيم وإسحاق ويعقوب قال فإن إله إبراهيم يقول لك قل اللهم إني أسألك بأن لك الحمد كله لا إله إلا أنت الحنان المنان بديع السماوات والأرض ذو الجلال والإكرام صل على محمد وآل محمد واجعل لي من أمري فرجا ومخرجا وارزقني من حيث لا أحتسب فدعا ربه فجعل له من الجب فرجا ومن كيد المرأة مخرجا وآتاه ملك مصر من حيث لم يحتسب
وعن المفضل الجعفي قال قلت لأبي عبد الله ع أخبرني ما كان قميص يوسف قال إن إبراهيم ع لما أوقدت له النار أتاه جبرئيل ع بثوب من ثياب الجنة فألبسه إياه فلم يضره معه حر ولا برد فلما حضر إبراهيم الموت جعله في تميمة وعلقه على إسحاق وعلقه إسحاق على يعقوب فلما ولد ليعقوب يوسف علقه عليه فكان في عنقه حتى كان من أمره ما كان فلما أخرج يوسف القميص من التميمة وجد يعقوب ريحه وهو قوله إِنِّي لَأَجِدُ رِيحَ يُوسُفَ لَوْ لا أَنْ تُفَنِّدُونِ قلت جعلت فداك فألى من صار ذلك القميص فقال إلى أهله ثم قال كل نبي ورث علما أو غيره فقد انتهى إلى محمد ص وكان يعقوب بفلسطين وفصلت العير من مصر فوجد ريح يوسف وهو من ذلك القميص الذي أخرج من الجنة ونحن ورثته
أقول قال أمين الإسلام الطبرسي رحمه الله قيل إن يوسف ع قال إنما يذهب بقميصي من ذهب به أولا فقال يهودا أنا أذهب به وهو ملطخ بالدم قال فاذهب به أيضا وأخبره أنه حي وأفرحه كما أنه أحزنه فحمل القميص وخرج حافيا حاسرا حتى أتاه وكان معه سبعة أرغفة وكانت المسافة ثمانين فرسخا فلم يستوف الأرغفة في الطريق. وقال ابن عباس هاجت ريح فحملت قميص يوسف إلى يعقوب. وذكر في القصة أن الصبا استأذنت ربي في أن تأتي يعقوب ريح يوسف قبل أن يأتيه البشير بالقميص فأذن لها فأتت بها ولذلك يستروح كل محزون ريح الصبا وقد أكثر الشعراء من ذكرها
وعن أبي الحسن ع كانت الحكومة في بني إسرائيل إذا سرق واحد شيئا استرق به وكان يوسف عند عمته وهو صغير وكانت تحبه وكانت لإسحاق منطقة لبسها يعقوب وكانت عند أخته وأن يعقوب طلب يوسف ليأخذه من عمته فاغتمت لذلك وقالت دعه حتى أرسله إليك وأخذت المنطقة وشدت بها وسطه تحت الثياب فلما أتى يوسف أباه جاءت وقالت قد سرقت المنطقة ففتشته فوجدتها في وسطه فلذلك قال إخوته إِنْ يَسْرِقْ يعني بنيامين صواع الملك فَقَدْ سَرَقَ أَخٌ لَهُ مِنْ قَبْلُ يعني يوسف المنطقة من عمته
قال علي بن إبراهيم ثم رحل يعقوب وأهله من البادية بعد ما رجع إليه بنوه بالقميص فارتد بصيرا فقالوا يا أبانا استغفر لنا قال أخرهم إلى السحر لأن الدعاء والاستغفار مستجاب فيه. فلما وافى يعقوب وأهله مصر قعد يوسف على سريره ووضع التاج على رأسه فأراد أن يراه أبوه على تلك الحالة فلما دخل أبوه لم يقم له فخروا له كلهم ساجدين فقال يوسف يا أبت هذا تأويل رؤياي من قبل.
وعن أبي الحسن ع أما سجود يعقوب وولده فإنه لم يكن ليوسف وإنما كان ذلك طاعة لله وتحية ليوسف كما كان السجود من الملائكة لآدم ولم يكن لآدم وإنما كان ذلك منهم طاعة لله وتحية لآدم ع فسجد يعقوب وولده ويوسف معهم شكرا لله لاجتماع شملهم أ لم تر أنه يقول في شكره ذلك الوقت رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ وعَلَّمْتَنِي مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحادِيثِ فاطِرَ السَّماواتِ والْأَرْضِ أَنْتَ وَلِيِّي فِي الدُّنْيا والْآخِرَةِ تَوَفَّنِي مُسْلِماً وأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ
و قال أمين الإسلام الطبرسي قيل إن يوسف ع بعث مع البشير مائتي راحلة مع ما يحتاج إليه في السفر وسألهم أن يأتوه بأهلهم أجمعين ولما دنا كل واحد منهما من صاحبه بدأ يعقوب بالسلام فقال السلام عليك يا مذهب الأحزان. وقال وهب إنهم دخلوا مصر وهم ثلاثة وسبعون إنسانا وخرجوا مع موسى ع وهم ستمائة ألف وخمسمائة وبضع وسبعون رجلا وكان بين يوسف وموسى أربعمائة سنة. وقال علي بن إبراهيم فنزل جبرئيل ع فقال يوسف أخرج يدك فأخرجها فخرج من بين أصابعه نور فقال يوسف ما هذا يا جبرئيل فقال هذه النبوة أخرجها الله من صلبك لأنك لم تقم إلى أبيك فحط الله نوره ومحا النبوة من صلبه وجعلها في ولد لاوي أخي يوسف وذلك لأنهم لما أرادوا قتل يوسف قال لا تقتلوه وألقوه في غيابة الجب فشكر الله له ذلك ولما أن أرادوا أن يرجعوا إلى أبيهم من مصر وقد حبس يوسف أخاه قال لن أبرح الأرض حتى يأذن لي أبي فشكر الله له ذلك. فكان أنبياء بني إسرائيل من ولد لاوي بن يعقوب وكان موسى من ولده. قال يعقوب يا بني أخبرني بما فعل بك إخوتك حين أخرجوك من عندي قال يا أبت اعفني من ذاك قال فأخبرني ببعضه قال يا أبت إنهم لما أدنوني من الجب قالوا انزع القميص فقلت لهم يا إخوتي اتقوا الله ولا تجردوني فسلوا علي السكين وقالوا لئن لم تنزع لنذبحنك فنزعت القميص وألقوني في الجب عريانا فشهق يعقوب شهقة وأغمي عليه فلما أفاق قال يا بني حدثني قال يا أبت أسألك بإله إبراهيم وإسحاق ويعقوب إلا أعفيتني فأعفاه. قال ولما مات العزيز وذلك في السنين الجدبة افتقرت امرأة العزيز واحتاجت حتى سألت فقالوا لها لو قعدت للعزيز وكان يوسف فقالت أستحي منه فلم يزالوا بها حتى قعدت له فأقبل يوسف في موكبه فقامت إليه وقالت الحمد لله الذي جعل الملوك بالمعصية عبيدا وجعل العبيد بالطاعة ملوكا فقال لها يوسف وهي هرمة أ لست فعلت بي كذا وكذا فقالت يا نبي الله لا تلمني فإني بليت بثلاثة لم يبل بها أحد قال وما هي قالت بليت بحبك ولم يخلق الله لك نظيرا وبليت بحسني بأنه لم تكن بمصر امرأة أجمل مني ولا أكثر مالا وبليت بأن زوجي كان محصورا بفقد الحركة يعني عنينا فقال لها يوسف ما حاجتك قالت تسأل الله أن يرد علي شبابي فسأل الله فرد عليها فتزوجها وهي بكر.
وعن أبي جعفر ع في قوله قَدْ شَغَفَها حُبًّا يقول قد حجبها حبه عن الناس فلا يعقل غيره والحجاب هو الشغاف والشغاف هو حجاب القلب
أقول المشهور بين المفسرين واللغويين أن المراد شق شغاف قلبها وهو حجابه حتى وصل إلى فؤادها وحبا نصبا على التمييز وكان ما في الحديث بيان لحاصل المعنى. قال الطبرسي رحمه الله وروي عن علي بن الحسين ومحمد بن علي وجعفر بن محمد ع وغيرهم قد شعفها بالعين أي ذهب بها كل مذهب
الأمالي عن أبي بصير عن الصادق ع أن يوسف لما صار في الجب وأيس من الحياة كان دعاؤه اللهم إن كانت الخطايا والذنوب قد أخلقت وجهي عندك فلن ترفع إليك صوتي ولن تستجيب لي دعوة فإني أسألك بحق الشيخ يعقوب فارحم ضعفه واجمع بيني وبينه فقد علمت رقته علي وشوقي ثم بكى أبو عبد الله ع ثم قال و أنا أقول اللهم إن كانت الخطايا والذنوب قد أخلقت وجهي عندك فلن ترفع إليك صوتا ولم تستجب لي دعوة فإني أسألك بك فليس كمثلك شيء وأتوجه إليك بنبيك نبي الرحمة يا الله يا الله يا الله يا الله يا الله ثم قال ع قولوا هكذا وأكثروا منه عند الكرب العظام
وفيه بالإسناد إلى ابن عباس قال لما أصاب يعقوب ما أصاب الناس من ضيق الطعام جمع يعقوب بنيه فقال لهم يا بني إنه بلغني أنه يباع بمصر طعام طيب وأن صاحبه رجل صالح فاذهبوا إليه واشتروا منه طعاما فساروا حتى وردوا فأدخلوا على يوسف فَعَرَفَهُمْ وهُمْ لَهُ مُنْكِرُونَ فسألهم فقالوا نحن أولاد يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم قال ولدكم إذا ثلاثة أنبياء وما أنتم بحلماء ولا فيكم وقار ولا خشوع فلعلكم جواسيس لبعض الملوك جئتم إلى بلادي فقالوا أيها الملك لسنا بجواسيس ولا أصحاب حرب ولو تعلم بأبينا إذا لكرمنا عليك فإنه نبي الله وابن أنبيائه وإنه لمحزون قال لهم يوسف فما حزنه وهو نبي الله وابن أنبيائه والجنة مأواه وهو ينظر إليكم في مثل عددكم وقوتكم فلعل حزنه إنما هو من قبل سفهكم وجهلكم قالوا أيها الملك لسنا بجهال ولا سفهاء ولا أتاه الحزن من قبلنا ولكن كان له ابن كان أصغرنا سنا يقال له يوسف فخرج معنا إلى الصيد فأكله الذئب فلم يزل بعده حزينا فقال لهم يوسف كلكم من أب واحد قالوا أبونا واحد وأمهاتنا شتى قال فما حمل أباكم على أن سرحكم كلكم وحبس منكم واحدا يأنس به ويستريح إليه قالوا قد فعل قد حبس منا واحدا هو أصغرنا سنا قال ولم اختاره من بينكم قالوا لأنه أحب أولاده إليه بعد يوسف فقال لهم يوسف إني أحبس منكم واحدا يكون عندي وارجعوا إلى أبيكم وأقرئوه مني السلام وقولوا له يرسل إلي بابنه الذي زعمتم أنه حبسه عنده ليخبرني عن حزنه وعن سرعة الشيب إليه قبل أوان مشيبه وعن بكائه وذهاب بصره فلما قال هذا اقترعوا بينهم فخرجت القرعة على شمعون فأمر به فحبس فلما ودعوا شمعون قال لهم يا إخوتاه انظروا ما ذا وقعت فيه وأقرئوا والدي مني السلام فودعوه وساروا حتى وردوا الشام ودخلوا على يعقوب ع وسلموا عليه سلاما ضعيفا فقال لهم يا بني ما لكم تسلمون سلاما ضعيفا وما لي لا أسمع فيكم صوت خليلي شمعون قالوا يا أبانا إنا جئناك من أعظم الناس ملكا لم ير الناس مثله حكما وعلما وإن كان لك شبيه فإنه لشبيهك ولكنا أهل بيت خلقنا للبلاء اتهمنا الملك وزعم أنه لا يصدقنا حتى ترسل معنا بنيامين برسالة منك يخبره عن حزنك وعن
سرعة الشيب إليك وعن بكائك وذهاب بصرك فظن يعقوب ع أن ذلك مكر منهم فقال لهم يا بني بئس العادة عادتكم كلما خرجتم في وجه نقص منكم واحد لا أرسله معكم ف لَمَّا فَتَحُوا مَتاعَهُمْ وَجَدُوا بِضاعَتَهُمْ رُدَّتْ إِلَيْهِمْ من غير علم منهم فأقبلوا إلى أبيهم فرحين فقالوا يا أبانا إن هذه بضاعتنا ردت إلينا قال يعقوب قد علمتم أن بنيامين أحبكم إلي بعد أخيكم يوسف وبه أنسي فلن أرسله معكم حتى تؤتوني موثقا من الله لتأتيني به إلا أن يحاط بكم فضمنه يهودا فخرجوا حتى وردوا مصر فدخلوا على يوسف فقال لهم هل بلغتم رسالتي قالوا نعم وقد جئناك بجوابها مع هذا الغلام فاسأله عما بدا لك فقال له يوسف بما أرسلك أبوك إلي يا يا غلام قال أرسلني إليك يقرئك السلام ويقول إنك أرسلت إلي تسألني عن حزني وعن سرعة الشيب إلي قبل أوان المشيب وعن بكائي وذهاب بصري فإن أشد الناس حزنا وخوفا أذكرهم للمعاد وإنما أسرع المشيب إلي لذكري يوم القيامة وإن بكائي وابيضاض عيوني على حبيبي يوسف وقد بلغني حزنك بحزني واهتمامك بأمري فكان الله لك جازيا ومثيبا وإنك لن تصلني بشيء أشد فرحا به من أن تعجل علي ولدي ابني بنيامين فإنه أحب أولادي بعد يوسف وعجل علي بما أستعين به على عيالي فلما قال هذا خنقت يوسف العبرة ولم يصبر حتى قام فدخل البيت وبكى ساعة ثم خرج إليهم وأمر لهم بطعام وقال ليجلس كل بني أم على مائدة فجلسوا وبقي بنيامين قائما فقال له يوسف ما لك لم تجلس فقال ليس لي فيهم ابن أم فقال له يوسف فما كان لك ابن أم فقال بنيامين بلى ولكن زعم هؤلاء أن الذئب أكله قال فما بلغ من حزنك عليه قال ولد لي اثنا عشر ابنا كلهم أشتق لهم اسما من اسمه قال يوسف أراك قد عانقت النساء وشممت الولد من بعده فقال له بنيامين إن لي أبا صالحا وإنه قال لي تزوج لعل الله عز وجل يخرج منك ذرية تثقل الأرض بالتسبيح فقال له يوسف فاجلس على مائدتي فقال إخوته قد فضل الله يوسف وأخاه حتى أن الملك قد أجلسه معه على مائدته فأمر يوسف أن يجعل صواع الملك في رحل بنيامين
وعن جابر بن عبد الله قال أتى النبي ص رجل من اليهود يقال له بستان اليهودي فقال يا محمد أخبرني عن الكواكب التي رآها يوسف ع أنها ساجدة له ما أسماؤها فقال أنت تسلم إن أخبرتك بأسمائها فقال نعم فقال حرمان والطارق والذيال وذو الكتفان وقابس ووثاب وعمودان والفيلق و المصبح والضروج وذو القرع والضياء والنور في أفق السماء ساجدة له فلما قصها يوسف على يعقوب ع قال يعقوب هذا أمر متشتت يجمعه الله بعد فقال اليهودي والله إن هذه لأسماؤها
علل الشرائع عن أبي عبد الله ع قال كان يعقوب وعيص توأمين فولد عيص ثم يعقوب فسمي يعقوب لأنه خرج بعقب أخيه عيص ويعقوب هو إسرائيل الله ومعناه هو عبد الله لأن إسرا هو عبد وئيل هو الله وفي خبر آخر أن إسرا هو القوة وئيل هو الله يعني قوة الله
وعن كعب الأحبار في حديث طويل إنما سمي إسرائيل لأن يعقوب كان يخدم بيت المقدس وكان أول من يدخل وآخر من يخرج وكان يسرج القناديل وإذا كان بالغداة رآها مطفأة فبات ليلة في بيت المقدس وإذا بجني يطفئها فأسره إلى سارية في المسجد فلما أصبحا رأوا أسيرا وكان اسم الجني ئيل فسمي إسرائيل لذلك
وعن علي بن الحسين ع قال أخذ الناس من ثلاثة أخذوا الصبر عن أيوب والشكر عن نوح ع والحسد عن بني يعقوب
وعن الرضا ع أنه قال له رجل أصلحك الله كيف صرت إلى ما صرت إليه من المأمون وكأنه أنكر ذلك عليه فقال ع يا هذا أيهما أفضل النبي أو الوصي قال لا بل النبي قال فأيهما أفضل المسلم أو المشرك قال لا بل المسلم قال فإن عزيز مصر كان مشركا وكان يوسف مسلما وإن المأمون مسلم وأنا وصى يوسف سأل العزيز أن يوليه حين قال اجْعَلْنِي عَلى خَزائِنِ الْأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ قال حافظ لما في يدي عالم بكل لسان
وعن أبي عبد الله ع قال إن يوسف ع لما كان في السجن شكا إلى ربه أكل الخبز وحده وسأل إداما يأتدم به وقد كان كثر عنده قطع الخبز اليابس فأمره أن يأخذ الخبز ويجعله في إجانة ويصب عليه الماء والملح فصار مريئا وجعل يأتدم به ع
وعن ابن عباس قال مكث يوسف في منزل الملك وزليخا ثلاث سنين ثم أحبته فراودته
فبلغنا والله أعلم أنها مكثت سبع سنين على قدميها وهو مطرق إلى الأرض لا يرفع طرفه إليها مخافة من ربه فقالت يوما ارفع طرفك وانظر إلي قال أخشى العمى على بصري قالت ما أحسن عينيك قال هما أول ساقط على خدي في قبري قالت ما أحسن طيب ريحك قال لو شممت رائحتي بعد ثلاث من موتي لهربت مني قالت لم لا تقترب قال أرجو بذلك القرب من ربي قالت فرشي الحرير فقم واقض حاجتي قال أخشى أن يذهب من الجنة نصيبي قالت أسلمك إلى المعذبين قال يكفيني ربي
علل الشرائع بإسناده إلى الثمالي قال صليت مع علي بن الحسين ع الفجر بالمدينة يوم الجمعة فنهض إلى منزله وأنا معه فدعا مولاة له تسمى سكينة فقال لها لا يعبر على بابي سائل إلا أطعمتموه فإن اليوم يوم الجمعة قلت له ليس كل من يسأل مستحقا فقال يا ثابت أخاف أن يكون بعض من يسألنا مستحقا فلا نطعمه ونرده فينزل بنا أهل البيت ما نزل بيعقوب وآله إن يعقوب كان يذبح كل يوم كبشا فيتصدق منه ويأكل هو وعياله منه وإن سائلا مؤمنا صواما مستحقا له عند الله منزلة وكان مجتازا غريبا مر على باب يعقوب عشية الجمعة عند أوان إفطاره يهتف على بابه أطعموا السائل الغريب الجائع من فضل طعامكم يهتف بذلك على بابه مرارا وهم يسمعونه قد جهلوا حقه ولم يصدقوا قوله فلما يئس أن يطعموه وغشيه الليل استرجع وشكا جوعه إلى الله عز وجل وبات طاويا وأصبح جائعا صابرا حامدا لله تعالى وبات يعقوب وآل يعقوب شباعا بطانا وعندهم فضلة من طعامهم فأوحى الله عز وجل إلى يعقوب في صبيحة تلك الليلة لقد أذللت يا يعقوب عبدي ذلة استوجبت بها أدبي عليك وعلى ولدك يا يعقوب إن أحب أنبيائي إلي من رحم مساكين عبادي وأطعمهم وكان لهم مأوى يا يعقوب ما رحمت عبدي ذميال العابد لما مر ببابك عند إفطاره وهتف بكم أطعموا السائل الغريب فلم تطعموه فشكا ما به إلي وبات طاويا حامدا لي وأصبح صائما وأنت يا يعقوب وولدك شباع وأصبحت عندكم فضلة من طعامكم أ وعلمت يا يعقوب أن العقوبة والبلوى إلى أوليائي أسرع منها إلى أعدائي وذلك حسن النظر مني لأوليائي واستدراج مني لأعدائي أما وعزتي لأنزل بك بلواي ولأجعلنك وولدك عرضا لمصائبي فاستعد لبلواي فقلت لعلي بن الحسين جعلت فداك متى رأى يوسف الرؤيا فقال في تلك الليلة التي بات فيها يعقوب وآل يعقوب شباعا وبات فيها ذميال طاويا جائعا فلما رأى يوسف الرؤيا وأصبح يقصها على أبيه يعقوب فاغتم يعقوب لما سمع من يوسف ما أوحى الله عز وجل إليه أن استعد للبلاء فقال يعقوب ليوسف لا تقصص رؤياك هذه على إخوتك فإني أخاف أن يكيدوا لك كيدا فلم يكتم يوسف رؤياه وقصها على إخوته وكانت أول بلوى نزلت بيعقوب وآل يعقوب الحسد ليوسف لما سمعوا منه الرؤيا فاشتدت رقة يعقوب على يوسف وخاف أن يكون ما أوحى الله إليه من الاستعداد للبلاء هو في يوسف خاصة فاشتدت رقته عليه من بين إخوته فلما رأى إخوة يوسف ما يصنع بيوسف وتكرمته إياه وإيثاره إياه عليهم اشتد ذلك عليهم فتآمروا بينهم فقالوا إن يوسف وأخاه أحب إلى أبينا منا اقْتُلُوا يُوسُفَ أَوِ اطْرَحُوهُ أَرْضاً يَخْلُ لَكُمْ وَجْهُ أَبِيكُمْ فجاءوا أباهم وقالوا ما لك لا تأمنا على يوسف فقال يعقوب أخاف أن يأكله الذئب فانتزعه حذرا عليه من أن تكون البلوى من الله فيه فغلبت قدرة الله وقضاؤه في يعقوب ويوسف وإخوته فلم يقدر يعقوب على دفع البلاء فدفعه إلى إخوته ولما خرجوا لحقهم مسرعا فانتزعه من أيديهم وضمه إليه واعتنقه وبكى ودفعه إليهم فانطلقوا به مسرعين مخافة أن يأخذه منهم فلما أمنوا به
أتوا غيضة أشجار فقالوا نذبحه ونلقيه تحت هذه الشجرة فيأكله الذئب الليلة فقال كبيرهم لا تقتلوا يوسف ولكن ألقوه في غيابة الجب فألقوه في الجب وهم يظنون أنه يغرق فيه فلما صار في قعر الجب ناداهم يا ولد رومين أقرئوا يعقوب مني السلام فلما سمعوا كلامه قال بعضهم لبعض لا تزالوا من هاهنا حتى تعلموا أنه قد مات فلم يزالوا حتى أيسوا ورجعوا إلى أبيهم عشاء يبكون قالوا يا أبانا أكله الذئب فاسترجع وذكر ما أوحى الله عز وجل إليه من الاستعداد للبلاء فصبر وأذعن للبلاء وقال بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أَمْراً وما كان الله ليطعم لحم يوسف الذئب من قبل أن رأى تأويل رؤياه الصادقة فلما أصبحوا قالوا انطلقوا بنا حتى ننظر ما حال يوسف أ مات أم هو حي فلما انتهوا إلى الجب وجدوا عنده سيارة قد أرسلوا واردهم فأدلى دلوه فلما جذب دلوه إذا هو بغلام متعلق بدلوه فقال لأصحابه يا بشرى هذا غلام فلما أخرجوه أقبل إليهم إخوة يوسف قالوا هذا عبدنا سقط منا أمس في هذا الجب وجئنا اليوم لنخرجه فانتزعوه من أيديهم وتنحوا به ناحية فقالوا إما أن تقر لنا أنك عبدنا فنبيعك بعض هذه السيارة أو نقتلك فقال لهم يوسف لا تقتلوني واصنعوا بي ما شئتم فأقبلوا به إلى السيارة فقالوا من يشتري هذا العبد فاشتراه رجل منهم بعشرين درهما وسار به الذي اشتراه من البدو إلى مصر فباعه من ملك مصر فلما راهق يوسف راودته امرأة الملك عن نفسه فقال لها معاذ الله أنا من أهل بيت لا يزنون فغلقت الأبواب عليها وعليه وقالت لا تخف وألقت نفسها عليه فأفلت منها هاربا إلى الباب ففتحه فلحقت به فجذبت قميصه من خلفه فأفلت منها ثيابه وأَلْفَيا سَيِّدَها لَدَى الْبابِ قالَتْ ما جَزاءُ مَنْ أَرادَ بِأَهْلِكَ سُوءاً إِلَّا أَنْ يُسْجَنَ أَوْ عَذابٌ أَلِيمٌ فهم الملك بيوسف ليعذبه فقال له يوسف ما أردت بأهلك سوءا بل هي راودتني عن نفسي فاسأل هذا الصبي أينا راود صاحبه عن نفسه فأنطق الله الصبي لفصل القضاء فقال يا أيها الملك انظر إلى قميص يوسف فإن كان مقدودا من قدامه فهو الذي راودها وإن كان مقدودا من خلفه فهي التي راودته فنظر إلى القميص فرآه مقدودا من خلفه فقال إِنَّهُ مِنْ كَيْدِكُنَّ وقال ليوسف أَعْرِضْ عَنْ هذا ولا يسمعه أحد منك واكتمه فلم يكتمه يوسف وأذاعه في المدينة حتى قلن نسوة امْرَأَتُ الْعَزِيزِ تُراوِدُ فَتاها عَنْ نَفْسِهِ فبلغها ذلك فأرسلت إليهن وهيأت لهن طعاما ثم أتتهن بأترج وآتَتْ كُلَّ واحِدَةٍ مِنْهُنَّ سِكِّيناً وقالَتِ اخْرُجْ عَلَيْهِنَّ فَلَمَّا رَأَيْنَهُ أَكْبَرْنَهُ وقَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ فقالت هذا الذي لمتنني فيه فخرجت النسوة من عندها فأرسلت كل واحدة منهن إلى يوسف سرا من صاحبها تسأله الزيارة فأبى عليهن ولما شاع أمر يوسف وامرأة العزيز والنسوة في مصر بدا للملك بعد ما سمع قول الصبي ليسجنن يوسف فسجنه في السجن
أقول قال أمين الإسلام الطبرسي رحمه الله قيل إن النسوة قلن ليوسف أطع مولاتك واقض حاجتها فإنها المظلومة وأنت الظالم. وقال السدي سبب السجن أن المرأة قالت لزوجها إن هذا العبد فضحني بين الناس ولست أطيق أن أعتذر بعذري فإما أن تأذن لي فأخرج وأعتذر بعذري وإما أن تحبسه كما حبستني فحبسه بعد علمه ببراءته.
وفي الرواية أن إخوة يوسف لما انطلقوا به إلى الجب جعلوا يدلونه في البئر وهو يتعلق بشفيرها ثم نزعوا قميصه عنه وهو يقول لا تفعلوا ردوا علي القميص أتوارى به فيقولون ادع الشمس والقمر والأحد عشر كوكبا تؤنسك فدلوه إلى البئر حتى إذا بلغ نصفها ألقوه إرادة أن يموت وكان في البئر ماء فسقط فيه ثم أوى إلى صخرة فقام عليها وكان يهودا يأتيه بالطعام والشراب
و قيل إن الجب أضاء له وعذب ماؤه حتى أغناه عن الطعام. علل الشرائع سمعت محمد بن عبد الله بن طيفور يقول في قول يوسف ع رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ إن يوسف رجع إلى اختيار نفسه فاختار السجن فوكل إلى اختياره والتجأ نبي الله محمد ص إلى الاختيار فتبرأ من الاختيار ودعا دعاء الافتقار فقال على رؤية الاضطرار يا مقلب القلوب والأبصار ثبت قلبي على طاعتك فعوفي من العلة وعصم فاستجاب الله له وأحسن إجابته وهو أن الله عصمه ظاهرا وباطنا. وسمعته يقول في قول يعقوب هَلْ آمَنُكُمْ عَلَيْهِ إِلَّا كَما أَمِنْتُكُمْ عَلى أَخِيهِ مِنْ قَبْلُ إن هذا مثل قول
النبي ص لا يلدغ المؤمن من جحر مرتين
و ذلك أنه سلم يوسف إليهم فغشوه حين اعتمد على حفظهم له وانقطع في رعايته إليهم فألقوه في غيابة الجب وباعوه. ولما انقطع إلى الله في الابن الثاني وسلمه واعتمد في حفظه وقال فَاللَّهُ خَيْرٌ حافِظاً أقعده على سرير المملكة ورد يوسف إليه وأخرج القوم من المحنة واستقامت أسبابهم وسمعته يقول في قول يعقوب يا أَسَفى عَلى يُوسُفَ إنه عرض في التأسف بيوسف وقد رأى في مفارقته فراقا آخر وفي قطيعته قطيعة أخرى فتلهف عليها وتأسف من أجلها.
كقول الصادق ع في معنى قوله عز وجل ولَنُذِيقَنَّهُمْ مِنَ الْعَذابِ الْأَدْنى دُونَ الْعَذابِ الْأَكْبَرِ إن هذا فراق الأحبة في دار الدنيا حتى يستدلوا به على فراق المولى
فلذلك يعقوب تأسف على يوسف من خوف فراق غيره فذكر يوسف لذلك. أقول فراق الأحبة ووصال الأحبة نار وجنة مخلوقتان وفي الدنيا يستدل بهما على نعيم الآخرة وجحيمها.
وقال أمير المؤمنين ع لو لا هول المطلع وفراق الأحبة لطلبنا الموت
و في تفسير قوله تعالى عَلى سُرُرٍ مُتَقابِلِينَ أنه أعظم لذات الجنة يجلس الأحبة في المكان الواحد كل واحد على سرير من سرر الجنة وقال المتنبئ
لو لا مفارقة الأحباب ما وجدت لها المنايا إلى أرواحنا سبلا
وفيه أيضا عن إسماعيل بن الفضل الهاشمي قال قلت لجعفر بن محمد أخبرني عن يعقوب لما قال له بنوه يا أَبانَا اسْتَغْفِرْ لَنا ذُنُوبَنا إِنَّا كُنَّا خاطِئِينَ قالَ سَوْفَ أَسْتَغْفِرُ لَكُمْ رَبِّي فأخر الاستغفار لهم ويوسف ع لما قالوا له تَاللَّهِ لَقَدْ آثَرَكَ اللَّهُ عَلَيْنا وإِنْ كُنَّا لَخاطِئِينَ قالَ لا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ وهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ قال لأن قلب الشاب أرق من قلب الشيخ وكانت جناية ولد يعقوب على يوسف وجنايتهم على يعقوب إنما كان بجنايتهم على يوسف فبادر يوسف إلى العفو عن حقه وأخر يعقوب العفو لأن عفوه إنما كان على حق غيره فأخرهم إلى السحر ليلة الجمعة
وعنه ع قال استأذنت زليخا على يوسف فقيل لها يا زليخا إنا نكره أن نقدم بك عليه لما كان منك إليه قالت إني لا أخاف ممن يخاف الله فلما دخلت قال لها يا زليخا ما لي أراك قد تغير لونك قالت الحمد لله الذي جعل الملوك بمعصيتهم عبيدا وجعل العبيد بطاعتهم ملوكا قال لها يا زليخا ما الذي دعاك إلى ما كان منك قالت حسن وجهك يا يوسف فقال كيف لو رأيت نبيا يقال له محمد يكون في آخر الزمان أحسن مني خلقا وأسمح مني كفا قالت علمت أني صدقت قالت لأنك حين ذكرته وقع حبه في قلبي فأوحى الله عز وجل إلى يوسف أنها قد صدقت وأني أحببتها لحبها محمد ص فأمره الله تبارك وتعالى أن يتزوجها
معاني الأخبار معنى يوسف مأخوذ من أسف يوسف أي غضب يغضب إخوته قال الله عز وجل فَلَمَّا آسَفُونا انْتَقَمْنا مِنْهُمْ والمراد بتسميته يوسف أنه يغضب إخوته ما يظهر من فضله عليهم
وعن أبي عبد الله ع قال قدم أعرابي على يوسف ليشتري منه طعاما فباعه فلما فرغ قال له يوسف أين منزلك قال بموضع كذا وكذا فقال إذا مررت بوادي كذا وكذا فقف وناد يا يعقوب يا يعقوب فإنه سيخرج إليك رجل عظيم جميل حسن فقل له لقيت رجلا بمصر وهو يقرئك السلام ويقول لك إن وديعتك عند الله عز وجل لن تضيع فلما انتهى إلى الموضع نادى يا يعقوب يا يعقوب فخرج إليه رجل أعمى طويل جميل يتقي الحائط بيده فأبلغه ما قال له يوسف فسقط مغشيا عليه ثم أفاق فقال يا أعرابي أ لك حاجة إلى الله تعالى فقال نعم إني كثير المال ولي ابنة عم لم يولد لي منها وإني أحب أن تدعو الله أن يرزقني ولدا فدعا الله فرزقه أربعة بطون في كل بطن اثنان وكان يعقوب يعلم أن يوسف حي لم يمت وأن الله سيظهره له بعد غيبته وكان يقول لبنيه إِنِّي أَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ ما لا تَعْلَمُونَ
وروي أن إخوة يوسف لما أتوا أبيهم عشاء يبكون ومعهم قميص يوسف ملطخ بالدم تولى عنهم يعقوب تلك الليلة وأقبل يرثي يوسف وهو يقول حبيبي يوسف الذي كنت أؤثره على جميع أولادي فاختلس مني حبيبي يوسف الذي كنت أرجوه من بين أولادي فاختلس مني حبيبي يوسف الذي كنت أوسده يميني وأدثره شمالي فاختلس مني حبيبي يوسف الذي كنت أؤنس به وحشتي وأصل به وحدتي فاختلس مني حبيبي يوسف ليت شعري في أي الجبال طرحوك أم في أي البحار غرقوك حبيبي يوسف ليتني كنت معك فيصيبني ما أصابك
الثعلبي في كتاب العرائس قال لما خلا يوسف بأخيه قال له ما اسمك قال بنيامين قال وما بنيامين قال ابن المثكل وذلك أنه لما ولد هلكت أمه قال وما اسم أمك قال راحيل بنت لبان بن ناحور قال فهل لك من ولد قال نعم عشرة بنين قال ما أسماؤهم فعد له أسماءهم وكلها مشتقة أو فيها دلالة على يوسف فقال يوسف أحب أن أكون أخاك بدل أخيك الهالك فقال بنيامين أيها الملك ومن يجد أخا مثلك ولكن لم يلدك يعقوب ولا راحيل فبكى يوسف وقام إليه وعانقه وقال إني أخوك فلا تعلمهم بشيء من هذا فقال بنيامين إني لا أفارقك ثم احتالا في وضع الصاع في رحل بنيامين
أقول وعلى هذا فالمراد بأبويه اللذين دخلا مصر أبوه وخالته كما قال الأكثر فإن الخالة يقال لها أم في إطلاق العرف.
وقال ص لما تخاصم أمير المؤمنين ع في حضانة ابنة حمزة رضي الله عنه مع خالته الخالة أم
و ذلك لما ورد من أن أمه أي أم يوسف قد كانت ماتت في نفاسها ببنيامين فتزوج يعقوب أختها. وقيل يريد أباه وأمه وكانا حيين عن ابن إسحاق والجبائي. وقيل إن راحيل أمه نشرت من قبرها حتى سجدت له تحقيقا للرؤيا عن الحسن
قصص الأنبياء عن سليمان الطلحي قال قلت لأبي عبد الله ع ما حال بني يعقوب هل خرجوا من الإيمان قال نعم فما تقول في آدم ع قال دع آدم
أقول للإيمان درجات ومراتب كما جاء في صحيح الأخبار فيكون المراد أنهم خرجوا من درجاته العالية ثم عادوا إليها وإلى ما فوقها بتوبتهم واستغفار يعقوب ويوسف لهم
قصص الراوندي بالإسناد عن الصدوق عن أبيه عن الصفار عن أيوب بن نوح عن ابن أبي عمير عن هشام بن سالم قال قلت لأبي عبد الله ع ما بلغ من حزن يعقوب قال حزن سبعين ثكلى ولما كان يوسف في السجن دخل عليه جبرئيل ع فقال إن الله ابتلاك وابتلى أباك وإن الله ينجيك من هذا السجن فاسأل الله بحق محمد وأهل بيته أن يخلصك مما أنت فيه فقال يوسف اللهم إني أسألك بحق محمد وأهل بيته إلا عجلت فرجي وأرحتني مما أنا فيه قال جبرئيل فأبشر أيها الصديق فإن الله يخرجك من السجن إلى ثلاثة أيام ويملكك مصر وأهلها فلم يلبث يوسف إلا تلك الليلة حتى رأى الملك رؤيا أفزعته فقصها على أعوانه فلم يدروا ما تأويلها فذكر الغلام الذي نجا من السجن يوسف فقال أيها الملك أرسلني إلى السجن فإن فيه رجلا حليما عليما وقد كنت أنا وفلان اغتضبت علينا وأمرت بحبسنا رأينا رؤيا فعبرها لنا وكان كما قال ففلان صلب وأما أنا فنجيت فقال له الملك انطلق إليه فدخل وقال يُوسُفُ... أَفْتِنا فِي سَبْعِ بَقَراتٍ فلما بلغ رسالة يوسف الملك قال ائْتُونِي بِهِ أَسْتَخْلِصْهُ لِنَفْسِي فلما بلغ يوسف رسالة الملك قال كيف أرجو كرامته وقد عرف براءتي وحبسني سنين فلما سمع الملك أرسل إلى النسوة فقال ما خطبكن قلن حاشا لله ما علمنا عليه من سوء فأرسل إليه وأخرجه من السجن فلما كلمه أعجبه كلامه وعقله فقال اقصص رؤياي فإني أريد أن أسمعها منك فذكره يوسف كما رأى وفسره قال الملك صدقت فمن لي بجمع ذلك وحفظه فقال يوسف إن الله أوحى إلي أني مدبره والقيم في تلك السنين السبع الخصيبة يكبسه في الخزائن في سنبله ثم أقبلت السنون الجدبة أقبل يوسف على جميع الطعام فباعهم بالسنة الأولى بالدراهم والدنانير حتى لم يبق بمصر وما حولها درهم ولا دينار إلا صار في مملكة يوسف وباعهم في السنة الثانية بالحلي والجواهر وباعهم في السنة الثالثة بالدواب والمواشي وباعهم في السنة الرابعة بالعبيد والإماء وباعهم في السنة الخامسة بالدور والعقار وباعهم في السنة السادسة بالمزارع والأنهار وباعهم في السنة السابعة برقابهم حتى لم يبق بمصر وما حولها عبد ولا حر إلا صار في مملكة يوسف ع وصاروا عبيدا له فقال يوسف للملك ما ترى فيما خولني ربي قال الرأي رأيك قال إني أشهد الله وأشهدك أيها الملك إني أعتقت أهل مصر كلهم ورددت عليهم أموالهم وعبيدهم ورددت عليك خاتمك وسريرك وتاجك على أن لا تسير إلا بسيرتي ولا تحكم إلا بحكمي فقال له الملك إن ذلك لديني وفخري وأنا أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأنك رسوله الحديث
و قال في العرائس فلما تبين للملك عذر يوسف وعرف أمانته وكفايته وعقله قال ائتوني به أستخلصه لنفسي فلما جاءه الرسول قال أجب الملك الآن فخرج يوسف ودعا لأهل السجن بدعاء يعرف إلى اليوم وذلك أنه قال اللهم اعطف عليهم قلوب الأخيار ولا تعم عليهم الأخيار فهم أعلم الناس بالأخبار إلى اليوم في كل بلدة فلما خرج من السجن كتب على بابه هذا قبر الأحياء وبيت الأحزان وتجربة الأصدقاء وشماتة الأعداء ثم اغتسل وتنظف وقصد الملك فلما أن نظر إلى الملك سلم عليه يوسف بالعربية فقال له الملك ما هذا اللسان قال لسان عمي إسماعيل ثم دعا بالعبرانية فقال له الملك ما هذا اللسان قال لسان آبائي وكان الملك يتكلم بسبعين لسانا فكلما كلم الملك يوسف بلسان أجابه يوسف بذلك اللسان فأعجب الملك بما رأى منه وكان يوسف ع ابن ثلاثين سنة فلما رأى الملك حداثة سنه وغزارة علمه قال لمن عنده إن هذا علم تأويل رؤياي ولم تعلمه السحرة والكهنة ثم قال له إني أحب أن أسمع رؤياي منك شفاها فقال يوسف نعم أيها الملك رأيت سبع بقرات سمان شهب حسان غر كشف لك عنهن النيل فطلعن لك من شاطئه تشخب أخلافهن لبنا فبينا أنت تنظر إليهن ويعجبك حسنهن إذ نضب النيل وغار ماؤه وبدا قعره وخرج من حمأته ووحله سبع بقرات عجاف شعث ليس لهن ضروع ولا خلاف ولهن أنياب وأضراس وأكف كأكف الكلاب وخراطيم كخراطيم السباع فاختلطن بالسمان فافترسنهن افتراس السبع وأكلن لحومهن ومزقن جلودهن وحطمن عظامهن فبينا أنت تتعجب إذا سبع سنابل خضر وسبع سنابل أخر سود في منبت واحد عروقهن في الثرى والماء فبينا أنت تقول إني هذا وهؤلاء خضر مثمرات وهؤلاء سود يابسات والمنبت واحد وأصولهن في الماء إذ هبت ريح فذرت الأوراق من السود اليابسات على الخضر المثمرات فأشعلت فيهن النار فأحرقتهن فصرن سودا متغيرات فهذا آخر ما رأيت من الرؤيا
وعن محمد بن مسلم قال قلت لأبي جعفر ع أخبرني عن يعقوب كم عاش مع يوسف بمصر قال عاش حولين وكان يعقوب هو الحجة وكان الملك ليوسف فلما مات يعقوب حمله يوسف في تابوت إلى أرض الشام فدفنه في بيت المقدس فكان يوسف بعده هو الحجة
الخرائج عن أبي محمد ع في قوله تعالى إِنْ يَسْرِقْ فَقَدْ سَرَقَ أَخٌ لَهُ مِنْ قَبْلُ قال ع ما سرق يوسف إنما كان ليوسف منطقة ورثها من إبراهيم وكانت تلك المنطقة لا يسرقها أحد إلا استعبد فكان إذا سرقها إنسان نزل عليه جبرئيل ع فأخبره بذلك فأخذ منه وأخذ عبدا وإن المنطقة كانت عند سارة بنت إسحاق بن إبراهيم وكانت سميت أم إسحاق وإن سارة أحبت يوسف وأرادت أن تتخذه ولدا لها وإنما أخذت المنطقة فربطتها على وسطه ثم سدلت عليه سرباله وقالت يعقوب إن المنطقة سرقت فأتاه جبرئيل فقال يا يعقوب إن المنطقة مع يوسف ولم يخبره بخبر ما صنعت سارة لما أراد الله فقام يعقوب إلى يوسف واستخرج المنطقة فقالت سارة بنت إسحاق مني سرقها يوسف فأنا أحق به فقال لها يعقوب فإنه عبدك على أن لا تبيعيه ولا تهبيه قالت فأنا أقبله على أن لا تأخذه مني وأنا أعتقه الساعة فأعتقته الحديث
وروي أنه لما قال للفتى اذْكُرْنِي عِنْدَ رَبِّكَ أتاه جبرئيل ع فضرب برجله حتى كشط له عن الأرض السابعة فقال له يا يوسف انظر ما ذا ترى فقال أرى حجرا صغيرا ففلق الحجر فقال ما ذا ترى قال دودة صغيرة قال فمن رازقها قال الله قال فإن ربك يقول لم أنس هذه الدودة في ذلك الحجر في قعر الأرض السابعة أ ظننت أني أنساك حتى تقول للفتى اذْكُرْنِي عِنْدَ رَبِّكَ لتلبثن في السجن بمقالتك هذه بضع سنين قال فبكى يوسف عند ذلك حتى بكت لبكائه الحيطان فتأذى به أهل السجن فصالحهم على أن يبكي يوما ويسكت يوما فكان اليوم الذي يسكت أسوأ حالا
العياشي عن هشام بن صالح عن أبي عبد الله ع قال ما بكى أحد بكاء ثلاثة آدم ويوسف وداود أما آدم فبكى حين أخرج من الجنة وكان رأسه في باب من أبواب السماء فبكى حتى تأذى به أهل السماء فشكوا ذلك إلى الله فحط من قامته وأما داود فإنه بكى حتى هاج العشب من دموعه وإن كان ليزفر الزفرة فيحرق ما نبت من دموعه وأما يوسف فإنه كان يبكي على أبيه يعقوب وهو في السجن فتأذى به أهل السجن فصالحهم على أن يبكي يوما ويسكت يوما
وفيه عن حفص بن غياث عن أبي عبد الله ع قال كان سبق يوسف الغلاء الذي أصاب الناس ولم يتمن الغلاء لأحد قط قال فأتاه التجار فقالوا بعنا فقال اشتروا فقالوا نأخذ كذا بكذا قال خذوا وأمر فكالوهم فحملوا ومضوا حتى دخلوا المدينة فلقيهم قوم من التجار فقالوا لهم كيف أخذتم قالوا كذا بكذا وضاعفوا الثمن قال وقدم أولئك على يوسف فقالوا بعنا فقال اشتروا كيف تأخذون قالوا بعنا كما بعت كذا بكذا فقال ما هو كما يقولون ولكن خذوا فأخذوا ثم مضوا حتى دخلوا المدينة فلقيهم آخرون فقالوا كيف أخذتم فقالوا كذا بكذا وضاعفوا الثمن قال فعظم الناس ذلك البلاء وقالوا اذهبوا بنا حتى نشتري قال فذهبوا إلى يوسف فقالوا بعنا فقال اشتروا فقالوا بعنا كما بعت فقال وكيف بعت قالوا كذا بكذا فقال ما هو كذلك ولكن خذوا قال فأخذوا ورجعوا إلى المدينة فأخبروا الناس فقالوا فيما بينهم تعالوا نكذب في الرخص كما كذبنا في الغلاء قال فذهبوا إلى يوسف فقالوا له بعنا فقال اشتروا فقالوا بعنا كما بعت قال كيف بعت قالوا كذا بكذا بالحط من السعر الأول فقال ما هو كذا ولكن خذوا قال فأخذوا وذهبوا إلى المدينة فلقيهم الناس فسألوهم بكم اشتريتم فقالوا كذا بكذا بنصف الأول فقال آخرون اذهبوا بنا حتى نشتري فذهبوا إلى يوسف فقالوا بعنا فقال اشتروا فقالوا بعنا كما بعت قال كيف بعت فقالوا كذا بكذا بالحط من النصف فقال ما هو كما تقولون ولكن خذوا فلم يزالوا يتكاذبون حتى رجع السعر إلى الأخير كما كان الأول كما أراد الله تعالى
وعن ابن عباس عن رسول الله ص أنه قال رحم الله أخي يوسف لو لم يقل اجْعَلْنِي عَلى خَزائِنِ الْأَرْضِ لولاه عن ساعته ولكن أخر ذلك سنة
وروى العياشي عن جابر عن أبي عبد الله ع قال إن يعقوب ذهب إلى عابد من العباد في حاجة فقال له الراهب فما بلغ بك مما أرى من الكبر قال الهم والحزن فما جاوز الباب حتى أوحى الله إليه أن يا يعقوب شكوتني إلى العباد فخر ساجدا عند عتبة الباب يقول لا أعود فأوحى الله إليه أني قد غفرتها لك فلا تعودن إلى مثلها فما شكا شيئا مما أصابه من نوائب الدنيا إلا أنه قال يوما إِنَّما أَشْكُوا بَثِّي وحُزْنِي إِلَى اللَّهِ وأَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ ما لا تَعْلَمُونَ
وروي عن محمد بن إسماعيل رفعه بإسناده له قال إن يعقوب وجد ريح قميص يوسف من مسيرة عشر ليال وكان يعقوب ببيت المقدس ويوسف بمصر وهو القميص الذي نزل على إبراهيم من الجنة فدفعه إلى إسحاق وإسحاق إلى يعقوب ودفعه يعقوب إلى يوسف ع
وروي أن يوسف ع لما مات بمصر دفنوه في النيل في صندوق من رخام وذلك أنه لما مات تشاح الناس عليه كل يحب أن يدفن في محلته لما كانوا يرجون من بركته فأرادوا أن يدفنوه في النيل فيمر الماء عليه ثم يصل إلى جميع مصر فيكون كلهم فيه شركاء وفي بركته شرعا سواء فكان قبره في النيل إلى أن حمله موسى ع حين خرج من مصر
خاتمة في تأويل قوله تعالى ولَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وهَمَّ بِها لَوْ لا أَنْ رَأى بُرْهانَ رَبِّهِ فقد اختلف فيه علماء الإسلام ونسب بعضهم نبي الله الصديق إلى الفاحشة التي نزهوا أنفسهم عنها. فقال فخر الدين الرازي اعلم أن هذه الآية من المهمات التي يجب الاعتناء بالبحث عنها وفي هذه الآية مسائل المسألة الأولى في أنه ع هل صدر عنه ذنب أم لا وفي المسألة قولان أحدهما أنه ع هم بالفاحشة. قال الواحدي في كتاب البسيط قال المفسرون والموثوق بعلمهم المرجوع إلى روايتهم هم يوسف أيضا بهذه المرأة هما صحيحا وجلس منها مجلس الرجل من المرأة فلما رأى البرهان من ربه زالت كل شهوة عنه.
قال أبو جعفر الباقر ع بإسناده عن علي ع أنه قال طمعت فيه وطمع فيها وكان طمعه فيها أنه هم أن يحل التكة
و عن ابن عباس رضي الله عنه قال حل الهميان وجلس منها مجلس الخائن. وعنه أيضا أنها استقلت له وقعد لها بين رجليها ينزع ثيابه. ثم إن الواحدي طول في كلمات عديمة الفائدة في هذا الباب وما ذكر آية يحتج بها أو حديثا صحيحا يعول عليه في تصحيح هذه المقالة ولما أمعن في الكلمات العارية عن الفائدة.
روي أن يوسف لما قال ذلِكَ لِيَعْلَمَ أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِالْغَيْبِ قال له جبرئيل ع ولا حين هممت يا يوسف فقال يوسف عند ذلك وما أُبَرِّئُ نَفْسِي
ثم قال والذين أثبتوا هذا العمل ليوسف كانوا أعرف بحقوق الأنبياء وارتفاع منازلهم عند الله من الذين نفوا الهم عنه فهذا خلاصة كلامه في هذا الباب. القول الثاني أن يوسف ص كان بريئا من العمل الباطل والهم المحرم وهذا قول المحققين من المفسرين والمتكلمين وبه نقول وعنه نذب. و اعلم أن الدلائل الدالة على وجود عصمة الأنبياء ع كثيرة ذكرناها في سورة البقرة فلا نعيدها إلا أنا نزيد هاهنا وجوها فالحجة الأولى أن الزنى من منكرات الكبائر والخيانة من معرض الأمانة من منكرات الذنوب وأيضا مقابلة الإحسان العظيم الدائم بالإساءة الموجبة للفضيحة الباقية والعار الشديد من منكرات الذنوب وأيضا الصبي إذا تربى في حجر إنسان وبقي مكفي المئونة مصون العرض من أول صباه إلى زمان شبابه وكمال قوته فإقدام هذا الصبي على إيصال أقبح أنواع الإساءة إلى ذلك المنعم العظيم من منكرات الأعمال إذا ثبت هذا فنقول إن هذه المعصية التي نسبوها إلى يوسف كانت موصوفة بجميع هذه الأربعة ومثل هذه المعصية لو نسبت إلى أفسق خلق الله لاستنكف منها فكيف يجوز إسناده إلى الرسول المؤيد بالمعجزات ثم إنه تعالى قال في عين هذه الواقعة كَذلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ والْفَحْشاءَ وذلك يدل على أن ماهية الفحشاء مصروفة عنه ولا شك أن المعصية التي نسبوها إليه أفحش أقسام الفحشاء فكيف يليق برب العالمين أن يشهد في عين هذه الوقعة بكونه بريئا من السوء والفحشاء مع أنه كان قد أتى بأعظم أنواع السوء والفحشاء أيضا. فالآية تدل على قولنا من وجه آخر وذلك لأنا نقول هب أن هذه الآية لا تدل على نفي هذه المعصية عنه إلا أنه لا شك أنها تفيد المدح العظيم والثناء البالغ ولا يليق بحكمة الله تعالى أن يحكي عن إنسان إقدامه على معصية عظيمة ثم إنه يمدحه ويثني عليه بأعظم المدائح عقيب أن يحكي عنه ذلك الذنب العظيم فإن مثاله ما إذا حكى السلطان عن بعض عبيده أقبح الذنوب وأفحش الأعمال ثم يذكره بالمدح العظيم والثناء البالغ عقيبه فإن ذلك يستنكر جدا فكذا هاهنا. الثالث أن الأنبياء متى صدرت عنهم زلة أو هفوة استعظموا ذلك وأتبعوها بإظهار الندامة والتوبة ولو كان يوسف هاهنا على هذه الكبيرة المنكرة لكان من المحال أن لا يتبعها بالتوبة والاستغفار ولو أتى بالتوبة لحكى الله عنه إتيانه بها كما في سائر المواضع وحيث لم يوجد شيء من ذلك علمنا أنه ما صدر عنه في هذه الواقعة ذنب ولا معصية. الرابع أن كل من له تعلق بتلك الواقعة فقد شهد ببراءة يوسف ع عن المعصية.
و اعلم أن الذين لهم تعلق بهذه الواقعة يوسف وتلك المرأة وزوجها والنسوة والشهود ورب العالمين شهد ببراءته عن الذنب وإبليس أيضا أقر ببراءته من المعصية وإذا كان الأمر كذلك فحينئذ لم يبق للمرء المسلم توقف في هذا الباب. أما بيان أن يوسف ع ادعى البراءة من الذنب فهو قوله ع هِيَ راوَدَتْنِي عَنْ نَفْسِي وقوله رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ. وأما بيان أن المرأة اعترفت بذلك فلأنها قالت للنسوة ولَقَدْ راوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ فَاسْتَعْصَمَ وأيضا قالت الْآنَ حَصْحَصَ الْحَقُّ أَنَا راوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ وإِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ. وأما بيان أن زوج المرأة أقر بذلك فهو قوله إِنَّهُ مِنْ كَيْدِكُنَّ إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ يُوسُفُ أَعْرِضْ عَنْ هذا واسْتَغْفِرِي لِذَنْبِكِ. وأما الشهود فقوله شَهِدَ شاهِدٌ مِنْ أَهْلِها إِنْ كانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ قُبُلٍ إلى آخر الآية. وأما شهادة الله فقوله كَذلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ والْفَحْشاءَ إِنَّهُ مِنْ عِبادِنَا الْمُخْلَصِينَ فقد شهد الله في هذه الآية على طهارته سبع مرات أولها قوله لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ واللام للتأكيد والمبالغة. والثاني قوله والْفَحْشاءَ أي كذلك يصرف عنه الفحشاء. والثالث قوله مِنْ عِبادِنَا الْمُخْلَصِينَ مع أنه قال تعالى وعِبادُ الرَّحْمنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْناً وإِذا خاطَبَهُمُ الْجاهِلُونَ قالُوا سَلاماً. الرابع قوله الْمُخْلَصِينَ وفيه قراءتان تارة باسم الفاعل وتارة باسم المفعول فوروده باسم الفاعل دل على كونه إتيانا بالطاعات والقربات مع صفة الإخلاص ووروده باسم المفعول يدل على أن الله تعالى أخلصه لنفسه وعلى كلا الوجهين فإنه من أدل الألفاظ على كونه منزها مما أضافوه إليه. وأما بيان أن إبليس أقر بطهارته فلأنه قال فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ إِلَّا عِبادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ فأقر بأنه لا يمكنه إغواء المخلصين ويوسف من المخلصين لقوله تعالى إِنَّهُ مِنْ عِبادِنَا الْمُخْلَصِينَ وكان هذا إقرار من إبليس بأنه ما أغواه وما أضله عن طريق الهدى وعند هذا فقول هؤلاء الجهال الذين نسبوا إلى يوسف ع هذه الفضيحة إن كانوا من أتباع دين الله فليقبلوا شهادة الله على طهارته وإن كانوا من أتباع إبليس وجنوده فليقبلوا شهادة إبليس على طهارته ولعلهم يقولون كنا في ابتداء الأمر تلامذة إبليس إلا أنا زدنا عليه في السفاهة كما قال الحروري
و كنت فتى من جند إبليس فارتقى بي الأمر حتى صار إبليس من جنديفلو مات قبلي كنت أحسن بعده طرائق فسق ليس يحسنها بعدي
فثبت بهذه الدلائل أن يوسف ع بريء عما يقوله هؤلاء الجهال وإذا عرفت هذا فنقول الكلام على ظاهر هذه الآية يقع في مقامين المقام الأول أن نقول لا نسلم أن يوسف ع هم بها والدليل أنه تعالى قال وهَمَّ بِها لَوْ لا أَنْ رَأى بُرْهانَ رَبِّهِ وجواب لو لا هاهنا مقدم وهو كما يقال قد كنت من الهالكين لو لا أخلصك. ثم ذكر للزجاج سؤالات وأجاب عنها ثم قال المقام الثاني في الكلام على هذه الآية أن نقول سلمنا أن الهم قد حصل إلا أنا نقول إن قوله وهَمَّ بِها لا يمكن حمله على ظاهره لأن تعليق الهم بذات المرأة محال لأن الهم من جنس القصد ولا يتعلق بالذوات الباقية فثبت أنه لا بد من إظهار فعل مخصوص يجعل متعلق ذلك الهم وذلك الفعل غير مذكور فهم زعموا أن ذلك المضمر هو إيقاع الفاحشة ونحن نضمر شيئا يغاير ما ذكروه وبيانه من وجوه الوجه الأول أنه ع هم بدفعها عن نفسه ومنعها من ذلك القبيح لأن الهم هو القصد فوجب أن يحمل في كل واحد على القصد الذي يليق به فاللائق بالمرأة القصد إلى تحصيل اللذة والتمتع والقصد اللائق بالرسول المبعوث إلى الخلق وإلى زجر العاصي عن معصيته والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر هممت بفلان أي بضربه ودفعه فإن قالوا فعلى هذا التقدير لا يبقى لقوله لَوْ لا أَنْ رَأى بُرْهانَ رَبِّهِ فائدة. قلنا فيه أعظم الفوائد وهو أنه تعالى أعلم يوسف ع لو اشتغل بدفعها عن نفسه فربما تعلقت به فكان يتمزق ثوبه من قدام وكان في علم الله تعالى أن الشاهد يشهد أن ثوبه لو تمزق من قدام لكان يوسف ع هو الجاني ولو كان ثوبه متمزقا من خلفه لكانت المرأة هي الخائنة فالله تعالى أعلمه هذا العلم فلا جرم لم يشتغل بدفعها عن نفسه بل ولى هاربا عنها حتى صارت شهادة الشاهد حجة على براءته عن المعصية. الوجه الثاني في الجواب أن نفسر الهم بالشهوة وهذا مستعمل في اللغة فمعنى الآية ولقد اشتهته واشتهاها لَوْ لا أَنْ رَأى بُرْهانَ رَبِّهِ لدخل ذلك العمل في الوجود. الوجه الثالث أن نفسر الهم بحديث النفس وذلك لأن المرأة الفائقة في الحسن والجمال إذا تزينت وتهيأت للرجل الشاب القوي فلا بد وأن يقع هناك بين الشهوة والحكمة وبين النفس والعقل مجاذبات ومنازعات فتارة تقوى داعية الطبيعة والشهوة وتارة تقوى داعية العقل والحكمة فالهم عبارة عن جواذب الطبيعة ورؤية البرهان عبارة عن جواذب العبودية ومثاله الرجل الصالح القائم الصائم في الصيف إذا رأى الجلاب المبرد بالثلج فإن طبيعته تحمله على شربه إلا أن دينه يمنعه منه هذا لا يدل على حصول الذنب بل كلما كانت هذه الحالة أشد كانت القوة في القيام بلوازم العبودية أكمل فقد ظهر بحمد الله صحة القول الذي ذهبنا إليه ولم يبق في يد الواحدي إلا مجرد التصلف وتعديد أسماء المفسرين واعلم أن بعض الحشوية روى عن النبي ص أنه قال ما كذب إبراهيم ع إلا ثلاث كذبات فقلت الأولى أن لا تقبل مثل هذه الأخبار فقال على طريق الاستنكار فإن لم تقبله لزمنا تكذيب الرواة فقلت يا مسكين إن قبلنا لزمنا الحكم بتكذيب إبراهيم ع وإن رددنا لزمنا الحكم بتكذيب الرواة ولا شك أن صون إبراهيم عن الكذب أولى من صون طائفة من المجاهيل عن الكذب إذا عرفت هذا الأصل فنقول للواحدي ومن الذي يضمن أن الذي نقلوا هذا القول عن هؤلاء المفسرين كانوا صادقين أم كاذبين. المسألة الثالثة في أن المراد بذلك البرهان ما هو أما المحققون المثبتون للعصمة فقد فسروا رؤية البرهان بوجوه الأول أنه حجة الله تعالى في تحريم الزنى والعلم بما على الزاني من العقاب.
الثاني أن الله تعالى طهر نفوس الأنبياء عن الأخلاق الذميمة بل نقول إن الله تعالى طهر نفوس المتصلين بهم عنها كما قال إِنَّما يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ ويُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً أو المراد برؤية البرهان هو حصول تلك الأخلاق وتذكير الأحوال المردعة لهم عن الإقدام على المنكرات. الثالث أنه رأى مكتوبا في سقف البيت ولا تَقْرَبُوا الزِّنى إِنَّهُ كانَ فاحِشَةً وساءَ سَبِيلًا. الرابع أنه النبوة المانعة عن ارتكاب الفواحش والدليل عليه أن الأنبياء بعثوا لمنع الخلق عن القبائح والفضائح فلو أنهم منعوا الناس عنها ثم أقدموا على أقبح أنواعها وأفحش أقسامها لدخلوا تحت قوله تعالى يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ ما لا تَفْعَلُونَ كَبُرَ مَقْتاً عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا ما لا تَفْعَلُونَ. وأيضا أن الله عير اليهود بقوله أَ تَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ وما يكون عيبا في حق اليهود كيف ينسب إلى الرسول المؤيد بالمعجزات. وأما الذين نسبوا المعصية إلى يوسف فقد ذكروا في تفسير ذلك البرهان أمورا الأول قالوا إن المرأة قامت إلى صنم مكلل بالدر والياقوت في زاوية البيت فسترته بثوب وقالت أستحي من إلهي هذا أن يراني على المعصية فقال يوسف تستحين من صنم لا يعقل ولا يسمع ولا أستحي من إلهي القائم على كل نفس بما كسبت فو الله لا أفعل أبدا. الثاني نقلوا عن ابن عباس أنه مثل له يعقوب ع فرآه عاضا على أصابعه ويقول له لتعمل عمل الفجار وأنت مكتوب في زمرة الأنبياء ع فاستحى منه وهو قول عكرمة ومجاهد وكثير من المفسرين. قال سعيد بن جبير تمثل له يعقوب ع فضرب في صدره فخرجت شهوته من أنامله. الثالث قالوا إنه سمع في الهواء قائلا يقول يا ابن يعقوب لا تكن كالطير له ريش فإذا زنى ذهب ريشه. الرابع نقلوا عن ابن عباس أن يوسف ع لم يزدجر برؤية يعقوب حتى ركضه جبرئيل ع فلم يبق فيه شيء من الشهوة إلا خرج. و لما نقل الواحدي هذه الروايات تصلف وقال هذا الذي ذكرناه قول أئمة المفسرين الذين أخذوا التأويل عمن شاهد التنزيل فيقال له إنك لا تأتينا البتة إلا بهذه التصلفات التي لا فائدة فيها فأين الحجة والدليل وأيضا فإن ترادف الدلائل على الشيء الواحد جائز وإنه ع كان ممتنعا عن الزنى بحسب الدلائل الأصلية فلما انضاف إليها هذه الزواجر قوي الانزجار وكمل الاحتراز والعجيب أنهم نقلوا أن جروا دخل تحت حجرة رسول الله ص وبقي هناك بغير علمه قالوا فامتنع جبرئيل ع من الدخول عليه أربعين يوما وهاهنا زعموا أن يوسف ع حال اشتغاله بالفاحشة ذهب إليه جبرئيل ع. والعجب أيضا أنهم زعموا أنه لم يمتنع عن ذلك العمل بسبب حضور جبرئيل ع ولو أن أفسق الخلق كان مشغولا بفاحشة فإذا دخل عليه رجل صالح على زي الصالحين استحى منه وفر وترك ذلك العمل وهاهنا رأى يعقوب عض على أنامله ولم يلتفت. ثم إن جبرئيل ع على جلالة قدره دخل عليه فلم يمتنع عن ذلك القبيح بسبب حضوره حتى احتاج جبرئيل إلى ركضه على ظهره فنسأل الله تعالى أن يصوننا عن العمى في الدين والخذلان في طلب اليقين. فهذا هو الكلام الملخص في هذه المسألة انتهى كلامه وتسلطه على الواحدي فيما قمع به أساس كلامه هو مذهب أصحابنا قدس الله أرواحهم. والوجهان اللذان اختارهما أومى الرضا ع إلى أحدهما في حديث أبي الصلت الهروي
حيث قال وأما قوله عز وجل في يوسف ولَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وهَمَّ بِها فإنها همت بالمعصية وهم يوسف بقتلها إن أجبرته لعظم ما داخله فصرف الله عنه قتلها والفاحشة وهو قوله كَذلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ والْفَحْشاءَ يعني الزنى
و أشار إليهما معا في خبر ابن الجهم
حيث قال لقد همت به ولو لا أن رأى برهان ربه لهم بها كما همت به لكنه كان معصوما والمعصوم لا يهم بذنب ولا يأتيه ولقد حدثني أبي عن أبيه الصادق ع أنه قال همت بأن تفعل وهم بما لا يفعل
أقول لا يتوهم خطأ في قصده القتل إذ الدفع عن الغرض والاحتراز عن المعصية لازم وإن انجر إلى القتل ولكنه تعالى نهاه عن ذلك لمصالح كثيرة وقد ظهر حقيقة الحال فما ورد في روايتنا مما يوافق العامة فأحمله على التقية. ثم قال الزجاج وأما قوله وخَرُّوا لَهُ سُجَّداً ففيه إشكال وذلك لأن يعقوب ع كان أبا يوسف وحق الأبوة حق عظيم وأيضا إنه كان شيخا والشاب يجب عليه تعظيم الشيخ. والثالث أنه كان من أكابر الأنبياء إلا أن يعقوب ع كان أعلى حالا منه. الرابع أن جده واجتهاده في تحصيل الطاعات أكثر من جد يوسف. ولما اجتمعت هذه الجهات الكثيرة فهذا يوجب أن يبالغ يوسف في خدمة يعقوب فكيف استجاز يوسف أن يسجد له يعقوب هذا على تقرير السؤال والجواب عنه من وجوه الأول هو قول ابن عباس إن المراد بهذه الآية أنهم خَرُّوا لَهُ سُجَّداً أي لأجل وجدانه سجدوا لله وحاصله أنه كان ذلك سجود الشكر فالمسجود له هو الله إلا أن ذلك السجود إنما كان لأجله. والدليل على صحة هذا التأويل أن قول ورَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ وخَرُّوا لَهُ سُجَّداً مشعر بأنهم صعدوا ذلك السرير ثم سجدوا ولو أنهم سجدوا ليوسف ع لسجدوا له قبل الصعود إلى السرير لأن ذلك أدخل في التواضع وحينئذ فيكون المراد من قوله إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَباً والشَّمْسَ والْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي ساجِدِينَ أي رأيتهم ساجدين لأجلي أي أنها سجدت لله لطلب مصلحتي والسعي في إعلاء منصبي وعندي أن هذا التأويل متعين لأنه يبعد من عقل يوسف ودينه أن يرضى بأن يسجد له أبوه مع سابقته في حقوق الولاة والشيخوخة والعلم والدين وكمال النبوة. الوجه الثاني في الجواب أن يقال إنهم جعلوا يوسف كالقبلة وسجدوا لله شكرا لنعمة وجدانه كما يقال سجدت للكعبة قال حسان
ما كنت أعرف أن الأمر منصرف عن هاشم ثم منها عن أبي حسنأ ليس أول من صلى لقبلتكم وأعرف الناس بالآثار والسنن
فقوله وخَرُّوا لَهُ سُجَّداً أي جعلوه كالقبلة ثم سجدوا لله شكرا لنعمة وجدانه. الوجه الثالث في الجواب أن التواضع قد يسمى سجودا كقوله
ترى الأكم فيها سجدا للحوافر
إلا أن هذا مشكل لأنه تعالى قال وخَرُّوا لَهُ سُجَّداً والخرور إلى السجدة مشعرة بالإتيان بالسجدة على أكمل الوجوه وأجيب عنه بأن الخرور يعني به المرور فقط. قال الله تعالى لَمْ يَخِرُّوا عَلَيْها صُمًّا وعُمْياناً يعني لم يمروا. الوجه الرابع في الجواب أن نقول الضمير في قوله وخَرُّوا لَهُ غير عائد إلى الأبوين لا محالة وإلا لقال وخروا له ساجدين بل الضمير عائد إلى إخوته وإلى سائر من كان يدخل عليه لأجل التهنئة فالتقدير ورفع أبويه على العرش مبالغة في تعظيمهما. وأما الإخوة وسائر الداخلين فخروا له ساجدين وإن قالوا فهذا لا يلائم قوله يا أَبَتِ هذا تَأْوِيلُ رُءْيايَ مِنْ قَبْلُ. قلنا إن تعبير الرؤيا لا يجب أن يكون مطابقا للرؤيا حسب الصورة والصفة من كل الوجوه فسجود الكواكب والشمس والقمر تعبيره تعظيم الأكابر من الناس له. ولا شك أن ذهاب يعقوب مع أولاده من كنعان إلى مصر لأجل نهاية التعظيم له فيكفي هذا القدر في صحة الرؤيا فأما أن يكون التعبير في الصفة والصورة فلم يقل بوجوبه أحد من العقلاء. الوجه الخامس في الجواب لعل الفعل الدال على التحية والإكرام في ذلك الوقت هو السجود فكان مقصودهم من السجود تعظيمه وهو في غاية البعد لأن المبالغة في التعظيم كان أليق بيوسف منها بيعقوب فلو كان الأمر كما قلتم لكان من الواجب أن يسجد يوسف ليعقوب الوجه السادس فيه أن يقال لعل إخوته حملتهم الأنفة والاستعلاء على أن يسجدوا له على سبيل التواضع وعلم يعقوب أنهم لو لم يفعلوا ذلك لصار ذلك سببا لثوران الفتن وظهور الأحقاد القديمة مع كونها فهو ع مع جلالة قدره وعظيم حقه بسبب الأبوة والتقدم في النبوة فعل ذلك السجود حتى تصير مشاهدتهم لذلك سببا لزوال تلك الأنفة والنفرة عن قلوبهم. أ لا ترى أن السلطان الكبير إذا نصب محتسبا فإذا أراد تربيته مكنه من إقامة الحسبة عليه ليصير ذلك سببا في أن لا يبقى في قلب أحد منازعة ذلك المحتسب في إقامة الحسبة فكذلك هاهنا. الوجه السابع لعل الله تعالى أمر يعقوب بتلك السجدة لحكمة خفية لا يعرفها إلا هو كما أمر الملائكة بسجودهم لآدم لحكمة لا يعرفها إلا هو ويوسف ع ما كان راضيا بذلك في قلبه إلا أنه لما علم أن الله أمره بذلك سكت انتهى. أقول أفعال الأنبياء ع غير محتاجة إلى هذه التكلفات لأن النبي لا ينطق عن الهوى. وهذا السجود الذي رآه يوسف ع في المنام ومنام الأنبياء نوع من الوحي. فما أوحى إلى يوسف في المنام أوحاه إلى يعقوب في اليقظة كما أن رؤيا إبراهيم ذبح ولده صار سببا لوجوب ذلك الذبح عليه في اليقظة. وسواء كان ذلك السجود ليوسف ع أو لله تعالى شكرا على الوجدان أو غير ذلك لا إشكال فيه لأن السجود ليوسف إذا كان بأمر الله تعالى فهو سجود لله لأنه وقع امتثالا لأمره كالسجود إلى القبلة دون باقي الجهات. والله أعلم ورسوله وأهل بيته المعصومون سلام الله عليهم أجمعين
باب - قصص يعقوب و يوسف على نبينا و آله و عليهما الصلاة و السلام