1- سن، ]المحاسن[ عن محمد بن علي رفعه عن جابر عن أبي عبد الله ع قال خلق الله تبارك و تعالى شيعتنا من طينة مخزونة لا يشذ منها شاذ و لا يدخل فيها داخل أبدا إلى يوم القيامة
2- سن، ]المحاسن[ عن أبيه عن فضالة عن علي بن أبي حمزة عن أبي بصير عن أبي جعفر ع قال إنا و شيعتنا خلقنا من طينة واحدة
3- سن، ]المحاسن[ عن أبي إسحاق الخفاف رفعه قال قال أبو عبد الله ع المؤمن آنس الأنس جيد الجنس من طينتنا أهل البيت
بيان آنس على صيغة اسم الفاعل و يحتمل أفعل التفضيل و نسبته إلى الأنس على المجاز و المراد الأنس بأئمتهم ع أو بعضهم ببعض
4- سن، ]المحاسن[ عن علي بن حديد عمن ذكره عن أبي عبد الله ع قال إن الله إذا أراد أن يخلق المؤمن من المؤمن و المؤمن من الكافر بعث ملكا فأخذ قطرة من ماء المزن فألقاها على ورقة فأكل منها أحد الأبوين فذلك المؤمن منه
5- سن، ]المحاسن[ عن الوشاء عن علي بن ميسر عمن ذكره عن أبي عبد الله ع قال إن نطفة المؤمن لتكون في صلب المشرك فلا يصيبه شيء من الشر حتى يضعه فإذا صار بشرا سويا لم يصبه شيء من الشر حتى يجري عليه القلم
6- ختص، ]الإختصاص[ عن محمد بن حمران قال سألت الصادق ع من أي شيء خلق الله طينة المؤمن قال من طينة عليين قال قلت فمن أي شيء خلق المؤمن قال من طينة الأنبياء فلن ينجسه شيء
7- و بإسناده عن ربعي عن رجل عن علي بن الحسين صلوات الله عليه قال إن الله خلق النبيين من طينة عليين قلوبهم و أبدانهم و خلق قلوب المؤمنين من تلك الطينة و خلق أبدانهم من دون ذلك و خلق الكفار من طينة سجين قلوبهم و أبدانهم فخلط بين الطينتين فمن هذا يلد المؤمن الكافر و يلد الكافر المؤمن و من هذا يصيب المؤمن السيئة و من هاهنا يصيب الكافر الحسنة فقلوب المؤمنين تحن إلى ما خلقوا منه و قلوب الكافرين تحن إلى ما خلقوا منه
بيان الخلق يكون بمعنى التكوين و بمعنى التقدير و في النهاية طين عليه أي جبل و يقال طانه الله على طينته خلقه على جبلته و طينة الرجل خلقه و أصله و قال عليون اسم للسماء السابعة و قيل اسم لديوان الملائكة الحفظة ترفع إليه أعمال الصالحين من العباد. و قيل أراد أعلى الأمكنة و أشرف المراتب و أقربها من الله تعالى في الدار الآخرة و تعرب بالحروف و الحركات كقنسرين و أشباهها على أنها جمع أو واحد انتهى. و إضافة الطينة إما بتقدير اللام أو من أو في قلوبهم و أبدانهم بدل النبيين و يحتمل أن يراد بالقلب هنا العضو المعروف الذي يتعلق الروح أولا بالبخار اللطيف المنبعث منه فلا ينافي ما مر في باب خلق أبدان الأئمة ع من أن أجسادهم مخلوقة من طينة عليين و أرواحهم مخلوقة من فوق ذلك على أنه لو أريد به الروح أمكن الجمع بجعل الطينة مبدأ لها مجازا باعتبار القرب و التعلق أو بتخصيص النبيين بغير نبينا ص و يؤيده بعض الأخبار و في القاموس سجين كسكين موضع فيه كتاب الفجار و واد في جهنم أو حجر في الأرض السابعة و في النهاية اسم علم للنار فعيل من السجن. فخلط الطينتين أي في جسد آدم ع فلذا حصل في ذريته قابلية المرتبتين و استعداد الدرجتين و من هاهنا يصيب المؤمن السيئة لخلط طينته بطينة الكافر و كذا العكس فقلوب المؤمنين تحن أي تميل و تشتاق قال الجوهري الحنين الشوق و توقان النفس إلى ما خلقوا منه أي إلى الأعمال المناسبة لما خلقوا منه المؤدية إليها أو إلى الأنبياء و الأوصياء ع المخلوقين من الطينة التي خلق منها قلوبهم و كذا الفقرة الثانية تحتمل الوجهين و قد مر الكلام منا في أمثال هذا الخبر في كتاب العدل. و قال بعض المحدثين في تأويله أن الله تعالى لما علم في الأزل الأرواح التي تختار الإيمان باختيارها و التي تختار المعصية باختيارها سواء خلقوا من طينة عليين أو من طينة سجين فلما علم ذلك أعطى أبدان الأرواح التي علم أنهم يختارون الإيمان باختيارها كيفية عليين للمناسبة و أعطى أبدان الأرواح التي علم أنها تختار الكفر باختيارها كيفية السجين من غير أن يكون للأمرين مدخل في اختيارهم الإيمان و الكفر و خلط ما بين الطينتين من غير أن يكون لذلك الخلط مدخل في اختيار الحسنة و السيئة. و قال بعض أرباب التأويل من المحققين المراد بعليين أشرف المراتب و أقربها من الله تعالى و له درجات كما يدل عليه ما ورد في بعض الأخبار من قولهم أعلى عليين و كما وقع التنبيه في هذا الخبر بنسبة خلق القلوب و الأبدان كليهما إليه مع اختلافهما في الرتبة. فيشبه أن يراد بهما عالم الجبروت و الملكوت جميعا اللذين هما فوق عالم الملك أي عالم العقل و النفس و خلق قلوب النبيين من الجبروت معلوم لأنهم المقربون و أما خلق أبدانهم من الملكوت فذلك لأن أبدانهم الحقيقية هي التي في باطن هذه الجلود المدبرة لهذه الأبدان و إنما أبدانهم العنصرية أبدان أبدانهم لا علاقة لهم بها فكأنهم و هم في جلابيب من هذه الأبدان قد نفضوها و تجردوا منها لعدم ركونهم إليها و شدة شوقهم إلى النشأة الأخرى و لهذا نعموا بالوصول إلى الآخرة و مفارقة هذه الأدنى و من هنا ورد في الحديث الدنيا سجن المؤمن و جنة الكافر. و إنما نسب خلق أبدان المؤمنين إلى ما دون ذلك لأنها مركبة من هذه و من هذه لتعلقهم بهذه الأبدان العنصرية أيضا ما داموا فيها و سجين أخس المراتب و أبعدها من الله سبحانه فيشبه أن يراد به حقيقة الدنيا و باطنها التي هي مخبوءة تحت عالم الملك أعني هذا العالم العنصري فإن الأرواح مسجونة فيه و لهذا ورد في الحديث المسجون من سجنته الدنيا عن الآخرة.
و خلق أبدان الكفار من هذا العالم ظاهر و إنما نسب خلق قلوبهم إليه لشدة ركونهم إليه و إخلادهم إلى الأرض و تثاقلهم إليها فكأنه ليس لهم من الملكوت نصيب لاستغراقهم في الملك و الخلط بين الطينتين إشارة إلى تعلق الأرواح الملكوتية بالأبدان العنصرية بل نشؤها منها شيئا فشيئا فكل من النشأتين غلبت عليه صار من أهلها فيصير مؤمنا حقيقيا أو كافرا حقيقيا أو بين الأمرين على حسب مراتب الإيمان و الكفر انتهى. و أقول هو مبني على أصول و اصطلاحات لم تثبت حقيتها و لم تعرف حقيقتها و لا ضرورة في الخوض فيها
7- كا، ]الكافي[ عن محمد بن يحيى عن محمد بن الحسن عن النضر بن شعيب عن عبد الغفار الجازي عن أبي عبد الله ع قال إن الله عز و جل خلق المؤمن من طينة الجنة و خلق الكافر من طينة النار و قال إذا أراد الله بعبد خيرا طيب روحه و جسده فلا يسمع شيئا من الخير إلا عرفه و لا يسمع شيئا من المنكر إلا أنكره قال و سمعته يقول الطينات ثلاث طينة الأنبياء و المؤمن من تلك الطينة إلا أن الأنبياء هم من صفوتها هم الأصل و لهم فضلهم و المؤمنون الفرع مِنْ طِينٍ لازِبٍ كذلك لا يفرق الله عز و جل بينهم و بين شيعتهم و قال طينة الناصب مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ و أما المستضعفون ف مِنْ تُرابٍ لا يتحول مؤمن عن إيمانه و لا ناصب عن نصبه و لله المشية فيهم
تبيين من طينة الجنة أي من طينة يعلم حين خلقه منها أنه يصير إلى الجنة أو من طينة مرجحة لأعمال تصير سببا لدخول الجنة لا على الإلجاء إذا أراد الله بعبد خيرا أي حسن عاقبة و سعادة. طيب روحه بالهدايات الخاصة و الألطاف المرجحة و ذلك بعد حسن اختياره و ما يعود إليه من الأسباب مِنْ طِينٍ لازِبٍ قال القاضي هو الحاصل من ضرب الجزء المائي إلى الجزء الأرضي و في القاموس اللزوب اللصوق و الثبوت و لزب ككرم لزبا و لزوبا دخل بعضه في بعض و الطين لزق و صلب. أقول و يمكن أن يكون على هذا التأويل للآية الكريمة المراد باللزوب لصوقهم بالأئمة ع و ملازمتهم لهم فقوله كذلك لا يفرق الله و في بعض النسخ لذلك أي للزوبهم و لصوقهم بأئمتهم ع و لصوق طينتهم بطينتهم لا يفرق الله بينهم و بينهم أو لكونهم من فرع تلك الطينة لا يفرق الله بينهما في الدنيا و الآخرة لأن الفرع ملحق بالأصل و تابع له. و الحمأ الطين الأسود و المسنون المتغير المنتن و قيل أي مصبوب كأنه أفرغ حتى صار صورة و قيل إنه الرطب و قيل مصور و الحمأ المسنون طين سجين فمن تراب أي خلقوا من تراب غير ممزوج بماء عذب زلال كما مزجت به طينة الأنبياء و المؤمنين و لا بماء آسن أجاج كما مزجت به طينة الكافرين. و كان هذا وجه جمع بين الآيات الكريمة فإن ما دل على أنه خلق مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ فهو في الناصب و ما دل على أنه خلق مِنْ طِينٍ لازِبٍ فهو في الشيعة و ما دل على أنه خلق مِنْ تُرابٍ فهو في المستضعفين فيحتمل أن يكون المراد إدخال تلك الطينات في بدن آدم ع لتحصيل قابلية جميع تلك الأمور و الأقسام في ولده أو يكون المراد خلق كل صنف من طينة بإدخالها في النطفة أو بحصول تلك النطفة من هذه الطينة. فالأوسط أظهر
لما رواه الشيخ في مجالسه بإسناده عن عبيد بن يحيى عن يحيى بن عبد الله بن الحسن عن جده الحسن بن علي ع قال قال رسول الله ص إن في الفردوس لعينا أحلى من الشهد و ألين من الزبد و أبرد من الثلج و أطيب من المسك فيها طينة خلقنا الله عز و جل منها و خلق شيعتنا منها فمن لم يكن من تلك الطينة فليس منا و لا من شيعتنا و هي الميثاق الذي أخذه الله عز و جل على ولاية أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ع قال عبيد فذكرت لمحمد بن الحسين هذا الحديث فقال صدقك يحيى بن عبد الله هكذا أخبرني أبي عن جدي عن النبي ص قال عبيد أشتهي أن تفسره لنا إن كان عندك تفسير قال نعم أخبرني أبي عن جدي عن رسول الله ص أنه قال إن لله ملكا رأسه تحت العرش و قدماه في تخوم الأرض السابعة السفلى بين عينيه راحة أحدكم فإذا أراد الله أن يخلق خلقا على ولاية علي بن أبي طالب ع أمر ذلك الملك فأخذ من تلك الطينة فرمى بها في النطفة حتى يصير إلى الرحم منها يخلق و هي الميثاق
قوله و لله المشية فيهم أي في المستضعفين و التعميم بعيد
8- كا، ]الكافي[ عن محمد بن يحيى عن أحمد بن محمد عن ابن فضال عن إبراهيم بن مسلم الحلواني عن أبي إسماعيل الصيقل الرازي عن أبي عبد الله ع قال إن في الجنة لشجرة تسمى المزن فإذا أراد الله أن يخلق مؤمنا أقطر منها قطرة فلا تصيب بقلة و لا ثمرة أكل منها مؤمن أو كافر إلا أخرج الله عز و جل من صلبه مؤمنا
بيان في المصباح حلوان بالضم بلد مشهور من سواد العراق و هي آخر مدن العراق و بينها و بين بغداد نحو خمس مراحل و في القاموس المزن بالضم السحاب أو أبيضه أو ذو الماء انتهى و كان التسمية هنا على التشبيه. قيل هذا الحديث كما يناسب ما قيل إن المراد بالطينة الأصول الممتزجات المنتقلة في أطوار الخلقة كالنطفة و ما قبلها من موادها مثل النبات و الغذاء و ما بعدها من العلقة و المضغة و المزاج الإنسان القابل للنفس الناطقة المدبرة كذلك يناسب ما ذكر من أن المراد بالطينة طينة الجنة لأن طينة الجنة اختمارها و تربيتها بهذه القطرة كما أنه بماء العذب الفرات المذكور سابقا و بالجملة خلقه من طينة الجنة و مزجها بماء الفرات أولا و تربيتها بماء المزن ثانيا لطف منه تعالى بالنسبة إلى المؤمن ليحصل له الوصول إلى أعلى مراتب القرب انتهى. و قال بعض المحققين من أهل التأويل الجنة تشتمل جنان الجبروت و الملكوت و المزن السحاب و هو أيضا يعم سحاب ماء الرحمة و الجود و الكرم و سحاب ماء المطر و الخصب و الديم و كما أن لكل قطرة من ماء المطر صورة و سحابا انفصلت منه في عالم الملك كذلك له صورة و سحاب انفصلت منه في عالمي الملكوت و الجبروت و كما أن البقلة و الثمرة تتربى بصورتها الملكية كذلك تتربى بصورتيها الملكوتية و الجبروتية المخلوقتين من ذكر الله تعالى اللتين من شجرة المزن الجناني و كما أنهما تتربيان بها قبل الأكل كذلك تتربيان بها بعد الأكل في بدن الآكل فإنها ما لم تستحل إلى صورة العضو فهي بعد في التربية. فالإنسان إذا أكل بقلة أو ثمرة ذكر الله عز و جل عندها و شكر الله عليها و صرف قوتها في طاعة الله سبحانه و الأفكار الإيمانية و الخيالات الروحانية فقد تربت تلك البقلة أو الثمرة في جسده بماء المزن الجناني فإذا فضلت من مادتها فضلة منوية فهي من شجرة المزن التي أصلها في الجنة. و إذا أكلها على غفلة من الله سبحانه و لم يشكر الله عليها و صرف قوتها في معصية الله تعالى و الأفكار المموهة الدنيوية و الخيالات الشهوانية فقد تربت تلك البقلة أو الثمرة في جسده بماء آخر غير صالح لخلق المؤمن إلا أن يكون قد تحقق تربيتها بماء المزن الجناني قبل الأكل. و أما مأكولة الكافر التي يخلق منها المؤمن فإنما يتحقق تربيتها بذلك الماء قبل أكله لها غالبا و لذكر الله عند زرعها أو غرسها مدخل في تلك التربية و كذلك لحل ثمنها و تقوى زارعها أو غارسها إلى غير ذلك من الأسباب
9- كا، ]الكافي[ العدة عن سهل و غير واحد عن الحسين بن الحسن جميعا عن محمد بن أورمة عن محمد بن علي عن إسماعيل بن يسار عن عثمان بن يوسف عن عبد الله بن كيسان عن أبي عبد الله ع قال قلت له جعلت فداك أنا مولاك عبد الله بن كيسان قال أما النسب فأعرفه و أما أنت فلست أعرفك قال قلت له إني ولدت بالجبل و نشأت في أرض فارس و إنني أخالط الناس في التجارات و غير ذلك فأخالط الرجل فأرى له حسن السمت و حسن الخلق و كثرة أمانه ثم أفتشه فأفتشه عن عداوتكم و أخالط الرجل فأرى منه سوء الخلق و قلة أمانه و زعارة ثم أفتشه فأفتشه عن ولايتكم فكيف يكون ذلك قال فقال لي أ ما علمت يا ابن كيسان أن الله عز و جل أخذ طينة من الجنة طينة من النار فخلطهما جميعا ثم نزع هذه من هذه و هذه من هذه فما رأيت في أولئك من الأمانة و حسن الخلق و حسن السمت فمما مستهم من طينة الجنة و هم يعودون إلى ما خلقوا منه و ما رأيت من هؤلاء من قلة الأمانة و سوء الخلق و الزعارة فمما مستهم من طينة النار و هم يعادون إلى ما خلقوا منه
توضيح عن عداوتكم التعدية بعن لتضمين معنى الكشف و السمت الطريق و هيئة أهل الخير و زعارة بالزاي و الراء المشددة و يخفف الشراسة و سوء الخلق و في بعض النسخ بالدال و العين و الراء المهملات و هو الفساد و الفسق و الخبث فخلطهما جميعا أي في صلب آدم ع إلى أن يخرجوا من أصلاب أولاده و هو المراد بقوله ثم نزع هذه من هذه إذ يخرج المؤمن من صلب الكافر و الكافر من صلب المؤمن. و حمل الخلط على الخلطة في عالم الأجساد و اكتساب بعضهم الأخلاق من بعض بعيد جدا و قيل ثم نزع هذه من هذه معناه أنه نزع طينة الجنة من طينة النار و طينة النار من طينة الجنة بعد ما مست إحداهما الأخرى ثم خلق أهل الجنة من طينة الجنة و أهل النار من طينة النار و أولئك إشارة إلى الأعداء و هؤلاء إلى الأولياء و ما خلقوا منه في الأول طينة النار و في الثاني طينة الجنة
10- كا، ]الكافي[ عن علي بن محمد عن صالح بن أبي حماد عن الحسين بن زيد عن الحسن بن علي بن أبي حمزة عن إبراهيم عن أبي عبد الله ع قال إن الله عز و جل لما أراد أن يخلق آدم ع بعث جبرئيل ع في أول ساعة من يوم الجمعة فقبض بيمينه قبضة فبلغت قبضته من السماء السابعة إلى السماء الدنيا و أخذ من كل سماء تربة و قبض قبضة أخرى من الأرض السابعة العليا إلى الأرض السابعة القصوى فأمر الله عز و جل كلمته فأمسك القبضة الأولى بيمينه و القبضة الأخرى بشماله ففلق الطين فلقتين فذرا من الأرض ذروا و من السماوات ذروا فقال للذي بيمينه منك الرسل و الأنبياء و الأوصياء و الصديقون و المؤمنون و السعداء و من أريد كرامته فوجب لهم ما قال كما قال و قال للذي بشماله منك الجبارون و المشركون و الكافرون و الطواغيت و من أريد هوانه و شقوته فوجب لهم ما قال كما قال ثم إن الطينتين خلطتا جميعا و ذلك قول الله عز و جل إِنَّ اللَّهَ فالِقُ الْحَبِّ وَ النَّوى فالحب طينة المؤمنين التي ألقى الله عليها محبته و النوى طينة الكافرين الذين نأوا عن كل خير و إنما سمي النوى من أجل أنه نأى عن كل خير و تباعد عنه و قال الله عز و جل يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَ مُخْرِجُ الْمَيِّتِ مِنَ الْحَيِّ فالحي المؤمن الذي يخرج طينته من طينة الكافر و الميت الذي يخرج هو من الحي هو الكافر الذي يخرج من طينة المؤمن فالحي المؤمن و الميت الكافر و ذلك قول الله عز و جل أَ وَ مَنْ كانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْناهُ فكان موته اختلاط طينته مع طينة الكافر و كان حياته حين فرق الله عز و جل بينهما بكلمته كذلك يخرج الله عز و جل المؤمن في الميلاد من الظلمة بعد دخوله فيها إلى النور و يخرج الكافر من النور إلى الظلمة بعد دخوله إلى النور و ذلك قوله عز و جل لِيُنْذِرَ مَنْ كانَ حَيًّا وَ يَحِقَّ الْقَوْلُ عَلَى الْكافِرِينَ
تبيين قوله في أول ساعة إلخ قيل لما كان خلق آدم ع بعد خلق السماوات و الأرض ضرورة تقدم البسيط على المركب و كان خلق السماوات و الأرض و أقواتها في ستة أيام من الأسبوع و قد جمعت جميعا في الجمعة صار بدو خلق الإنسان فيه و المراد بكلمته جبرئيل ع لأنه حامل كلمته أو لاهتداء الناس به كاهتدائهم بكلام الله أو لكونه مخلوقا بكلمة كن بلا مادة و قيل المراد بالسماوات درجات الجنة و بالأرضين دركات سجين ليطابق الأخبار الأخر و يحتمل أخذها منهما معا. و قيل كأن المراد بالتربة ما له مدخل في تهيئة المادة القابلة لأن يخلق منها شيء فيشمل الطينة بمعنى الجبلة و آثار القوى السماوية المربية للنطفة و بالجملة ما له مدخل في السبب القابلي انتهى. و قيل إطلاق التربة على ما أخذ من السماوات من قبيل مجاز المشارفة أي ما يصير تربة و ينقلب إليهما و القصوى مؤنث الأقصى أي الأبعد و يدل على أن الأرض سبع طبقات كالسماوات كما قال الله تعالى اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَماواتٍ وَ مِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ. قوله ع ففلق الطين فلقتين ضمير فلق إما راجع إلى الله أو إلى جبرئيل و كذا قوله فذرا و في القاموس فلقه يفلقه شقه كفلقه و فالق الحب خالقه أو شاقه بإخراج الورق منه و قال ذرت الريح الشيء أو أذرته و ذرته أطارته و أذهبته و ذرا هو بنفسه. أقول الكلام يحتمل وجوها الأول أن يكون قوله ففلق تفريعا و تأكيدا لما مضى أي فصار بقبض بعض الطين باليمين و بعضه بالشمال الطين صنفين ففرق من الأرض أي ما كان في يده من طين الأرض و كذا الثاني فقال الله أو جبرئيل للذي بيمينه قبل الذرو أو للذي كان بيمينه بعده. الثاني أن يكون المعنى ففلق كل طين من الطينتين فلقة أي جعل كلا منهما حصتين ففرق من كل طين حصة ليكون طينة للمستضعفين و الأطفال و المجانين و قال لما بقي في اليمين منك الرسل إلخ و لما بقي في الشمال منك الجبارون إلخ و على هذا لعل إرجاع الضمائر إلى الله أولى فيقرأ أريد في الموضعين بصيغه المتكلم و على الوجه الآخر يقرأ بصيغه الغائب المجهول. الثالث ما ذكره بعض الأفاضل حيث قال كان الفلق كناية عن إفراز ما يصلح من المادتين لخلق الإنسان و إنما ذرا من كل منهما ما ذرا لأنه كان فيهما ما ليس له مدخل في خلق الإنسان و إنما كان مادة لسائر الأكوان خاصة. قوله ع ثم إن الطينتين خلطتا أي ما كان في اليدين أو جميع الطينتين المذروء منهما و غير المذروء. قوله ع فالحب طينة المؤمنين هذا بطن من بطون الآية و على هذا التأويل المراد بالفلق شق كل منهما و إخراج الآخر منه أو شق كل منهما عن صاحبه أو خلقهما. من أجل أنه نأى كأن مناسبة نأى و نوى من جهة الاشتقاق الكبير المبني على توافق بعض حروف الكلمتين فإن الأول مهموز الوسط و الثاني من المعتل و يحتمل أن يكون أصل المهموز من المعتل أو بالعكس و يؤيده أن صاحب مصباح المنير و الراغب في المفردات ذكرا نأى في باب النون مع الواو أو يقال ليس الغرض هنا بيان الاشتقاق بل بيان أن النوى بمعنى البعد و ذكر نأى لتناسب اللفظين فإن الواوي أيضا يطلق بهذا المعنى قال في القاموس النية الوجه الذي يذهب فيه و البعد كالنوى فيهما انتهى. و الآية في سورة الأنعام هكذا إِنَّ اللَّهَ فالِقُ الْحَبِّ وَ النَّوى قال في مجمع البيان أي شاق الحبة اليابسة الميتة فيخرج منه النبات و شاق النواة اليابسة فيخرج منه النخل و الشجر و قيل معناه خالق الحب و النوى و منشئهما و مبدئهما و قيل المراد به ما في الحبة و النواة من الشق و هو من عجيب قدرة الله تعالى في استوائه. يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَ مُخْرِجُ الْمَيِّتِ مِنَ الْحَيِّ أي يخرج النبات الغض الطري الخضر من الحب اليابس و يخرج الحب اليابس من النبات الحي النامي عن الزجاج و العرب تسمي الشجرة ما دام غضا قائما بأنه حي فإذا يبس أو قطع أو قلع سموه ميتا. و قيل معناه يخلق الحي من النطفة و هي موات و يخلق النطفة و هي موات من الحي عن الحسن و غيره و هذا أصح و قيل معناه يخرج الطير من البيض و البيض من
الطير عن الجبائي و قيل يخرج المؤمن من الكافر و الكافر من المؤمن. ثم قال سبحانه في هذه السورة أيضا أَ وَ مَنْ كانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْناهُ وَ جَعَلْنا لَهُ نُوراً يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُماتِ لَيْسَ بِخارِجٍ مِنْها قال الطبرسي أَ وَ مَنْ كانَ مَيْتاً أي كافرا فَأَحْيَيْناهُ بأن هديناه إلى الإيمان عن ابن عباس و غيره شبه سبحانه الكفر بالموت و الإيمان بالحياة و قيل معناه من كان نطفة فأحييناه وَ جَعَلْنا لَهُ نُوراً المراد بالنور العلم و الحكمة أو القرآن أو الإيمان و بالظلمات ظلمات الكفر. و إنما سمى الله الكافر ميتا لأنه لا ينتفع بحياته و لا ينتفع غيره بحياته فهو أسوأ حالا من الميت إذ لا يوجد من الميت ما يعاقب عليه و لا يتضرر غيره به و سمي المؤمن حيا لأنه له و لغيره المصلحة و المنفعة في حياته و كذلك سمي الكافر ميتا و المؤمن حيا في عدة مواضع مثل قوله إِنَّكَ لا تُسْمِعُ الْمَوْتى و لِيُنْذِرَ مَنْ كانَ حَيًّا و قوله وَ ما يَسْتَوِي الْأَحْياءُ وَ لَا الْأَمْواتُ. و سمي القرآن و الإيمان و العلم نورا لأن الناس يبصرون بذلك و يهتدون به من ظلمات الكفر و حيرة الضلالة كما يهتدى بسائر الأنوار و سمي الكفر ظلمة لأن الكافر لا يهتدي بهداه و لا يبصر أمر رشده انتهى. و أقول على التأويل المذكور في الخبر و أكثر التفاسير المذكورة قوله تعالى يُخْرِجُ الْحَيَّ بيان لقوله فالِقُ الْحَبِّ. قوله حين فرق الله بينهما بكلمته أي بقدرته أو بأمر كن أو بجبرئيل و التفريق في الميلاد أو في الطينة و الأول أظهر فقوله كذلك تشبيه الإخراج من الظلمات إلى النور و بالعكس بإخراج الحي من الميت و بالعكس في أن المراد فيهما إخراج طينة المؤمن من طينة الكافر و بالعكس. و ليس المراد تأويل تتمة تلك الآية أعني قوله سبحانه أ و من كان ميتا إلخ فإنه لم يذكر فيها إخراج الكافر من النور إلى الظلمة بل فيها أنه في الظلمات ليس بخارج منها بل هو إشارة إلى قوله تعالى اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ الآية. و لا ينافيه قوله ع و يخرج الكافر مع أن في الآية نسب الإخراج إلى الطاغوت لأن لخذلانه سبحانه مدخلا في ذلك مع أنه يمكن أن يقرأ على بناء المجرد المعلوم أو على بناء المجهول. و ما قيل من أنه يظهر من هذا الحديث أن إخراج المؤمن من الكافر و بالعكس في وقتين وقت تفريق الطين و وقت الولادة فليس بظاهر كما عرفت ثم استشهد ع لإطلاق الحياة على الإيمان أو كونه من طينة مقربة له بقوله سبحانه لِيُنْذِرَ مَنْ كانَ حَيًّا أي كان من طينة الجنة على تأويله ع. قال الطبرسي أي أنزلناه ليخوف به من معاصي الله من كان مؤمنا لأن الكافر كالميت بل أقل من الميت أو من كان عاقلا كما روي عن علي ع و قيل من كان حي القلب حي البصر وَ يَحِقَّ الْقَوْلُ عَلَى الْكافِرِينَ أي يجب الوعيد و العذاب على الكافرين بكفرهم و أقول على تأويله ع يحتمل أن يكون المراد بالقول ما مر من قوله سبحانه منك الجبارون و المشركون و الكافرون إلى آخره
11- مع، ]معاني الأخبار[ سئل الحسن بن علي بن محمد ع عن الموت ما هو فقال هو التصديق بما لا يكون حدثني أبي عن أبيه عن جده عن الصادق ع قال إن المؤمن إذا مات لم يكن ميتا فإن الميت هو الكافر إن الله عز و جل يقول يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَ يُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ يعني المؤمن من الكافر و الكافر من المؤمن
12- كا، ]الكافي[ عن علي عن أبيه عن ابن محبوب عن صالح بن سهل قال قلت لأبي عبد الله ع جعلت فداك من أي شيء خلق الله عز و جل طينة المؤمن فقال من طينة الأنبياء فلن تنجس أبدا
بيان فلن تنجس أبدا أي بنجاسة الكفر و الشرك و إن نجست بالمعاصي فتطهر بالتوبة و الشفاعة و رحمة الرب تعالى و قيل أي لن يتعلق بالدنيا تعلق ركون و إخلاد يذهله عن الآخرة
13- كا، ]الكافي[ عن محمد بن يحيى عن البرقي عن صالح بن سهل قال قلت لأبي عبد الله ع المؤمنون من طينة الأنبياء قال نعم
بيان أي من فضل طينتهم
14- كا، ]الكافي[ عن أبي علي الأشعري و محمد بن يحيى عن محمد بن إسماعيل عن علي بن الحكم عن أبان بن عثمان عن زرارة عن أبي جعفر ع قال لو علم الناس كيف ابتدأ الخلق لما اختلف اثنان إن الله عز و جل قبل أن يخلق الخلق قال كن ماء عذبا أخلق منك جنتي و أهل طاعتي و كن ملحا أجاجا أخلق منك ناري و أهل معصيتي ثم أمرهما فامتزجا فمن ذلك صار يلد المؤمن الكافر و الكافر المؤمن ثم أخذ طينة من أديم الأرض فعركه عركا شديدا فإذا هم كالذر يدبون فقال لأصحاب اليمين إلى الجنة بسلام و قال لأصحاب الشمال إلى النار و لا أبالي ثم أمر نارا فأسعرت فقال لأصحاب الشمال أدخلوها فهابوها و قال لأصحاب اليمين أدخلوها فدخلوها فقال كُونِي بَرْداً وَ سَلاماً فكانت بردا و سلاما فقال أصحاب الشمال يا رب أقلنا قال قد أقلتكم فادخلوها فذهبوا فهابوها فثم ثبتت الطاعة و المعصية و لا يستطيع هؤلاء أن يكونوا من هؤلاء و لا هؤلاء من هؤلاء
تبيين لما اختلف اثنان أي في مسألة الاستطاعة و الاختيار و الجبر أو لما تنازع اثنان في أمر من أمور الدين لاختلاف أفهامهم و قابلياتهم و طينهم و لما بالغوا في هداية الخلق. كن ماء عذبا أمر تكويني أو استعارة تمثيلية لبيان علمه تعالى باختلاف مواد الخلق و استعداداتهم و ما هم إليه صائرون و في القاموس ماء أجاج ملح مر و قال أديم النار عامته أو بياضه و من الضحى أوله و من السماء و الأرض ما ظهر و قال عركه دلكه و حكه حتى عفاه و قال الذر صغار النمل و مائة منها زنة حبة شعير الواحدة ذرة و قال دب يدب دبا و دبيبا مشى على هنيئة و قال أقلته فسخته و استقاله طلب إليه أن يقيله و قال هابه يهابه هيبا و مهابة خافه.
و قال السيد رضي الله عنه في نهج البلاغة روى اليماني عن أحمد بن قتيبة عن عبد الله بن يزيد عن مالك بن دحية قال كنا عند أمير المؤمنين علي ع و قد ذكر اختلاف الناس قال إنما فرق بينهم مبادي طينهم و ذلك أنهم كانوا فلقة من سبخ أرض و عذبها و حزن تربة و سهلها فهم على حسب قرب أرضهم يتقاربون و على قدر اختلافهم يتفاوتون فتام الرواء ناقص العقل و ماد القامة قصير الهمة و زاكي العمل قبيح المنظر و قريب القعر بعيد السبر و معروف الضريبة منكر الجليبة و نائر القلب متفرق اللب و طليق اللسان حديد الجنان
و قال ابن ميثم في قوله ع إنما فرق بينهم إلخ أي تقاربهم في الصور و الأخلاق تابع لتقارب طينهم و تقارب مباديه و هي السهل و الحزن و السبخ و العذب و تفاوتهم فيها لتفاوت طينهم و مباديه المذكورة. و قال أهل التأويل الإضافة بمعنى اللام أي المبادي لطينهم كناية عن الأجزاء العنصرية التي هي مبادي المركبات ذوات الأمزجة أو السبخ كناية عن الحار اليابس و العذب عن الحار الرطب و السهل عن البارد الرطب و الحزن عن البارد اليابس انتهى. و أقول لا يبعد أن يكون الماء العذب كناية عما خلق الله في الإنسان من الدواعي إلى الخير و الصلاح كالعقل و النفس الملكوتي و الماء الأجاج عما ينافي و يعارض ذلك و يدعو إلى الشهوات الدنية و اللذات الجسمانية من البدن و ما ركب فيه من الدواعي إلى الشهوات. و مزجهما كناية عن تركيبهما في الإنسان فقوله أخلق منك أي من أجلك جنتي و أهل طاعتي إذ لو لا ما في الإنسان من جهة الخير لم يكن لخلق الجنة فائدة و لم يكن يستحقها أحد و لم يصر أحد مطيعا له تعالى. و كذا قوله أخلق منك ناري إذ لو لا ما في الإنسان من دواعي الشرور لم يكن يعصي الله أحد و لم يحتج إلى خلق النار للزجر عن الشرور. ثم لإظهار إحاطة علمه بما سيقع من كل فرد من أفراد البشر للملائكة لطفا لهم و لبني آدم أيضا بعد إخبار الرسل بذلك جعلهم كالذر و ميز من علم منهم الإيمان ممن علم منهم خلافه و كلفهم بدخول النار ليعلموا قبل التكليف في عالم الأجساد أن ما علم منهم مطابق للواقع فثم ثبتت الطاعة و المعصية و علم الملائكة من يطيع بعد ذلك و من يعصي و أثبت ذلك في الألواح مطابقا لعلمه تعالى. و قوله فمن ذلك صار يلد المؤمن الكافر أي لأجل ما قرر في الإنسان من جهتي الخير و الشر ترى الأب يصير تابعا للعقل و مقويا لدواعي الخير و زاجرا للشهوات فيصير من الأخيار و الابن يتبع الهوى و الشهوات و يسلطها على العقل فيصير من الأشرار مع نهاية الارتباط بينهما و قوله و لا يستطيع هؤلاء أي لا يتخلف ما علم الله تعالى منهم لكن لا يختارونها إلا باختيارهم و إرادتهم و استطاعتهم هذا ما خطر بالبال على وجه الاحتمال و الله يعلم غوامض أسرارهم ع. و قال بعض أهل التأويل عبر عن المادة تارة بالماء و أخرى بالتربة لاشتراكهما في قبول الأشكال و لاجتماعهما في طينة الإنسان و تركيب خلقته و أديم الأرض وجهها و كأنه كناية عما ينبت منها مما يصلح أن يصير غذاء للإنسان و يحصل منه النطفة أو تتربى به و العرك الدلك و كأنه كناية عن مزجه بحيث يحصل منه المزاج و يستعد للحياة و الذر النمل الصغار و وجه الشبه الحس و الحركة و كونهم محل الشعور مع صغر الجثة و الخفاء. و هذا الخطاب إنما كان في عالم الأمر و لشدة ارتباط الملك بالملكوت و قوامه به جاز إسناد مادته إليه و إن كان عالم الأمر مجردا عن المادة و اجتماعهم في الوجود عند الله أنما هو لاجتماع الأجسام الزمانية عنده تعالى دفعة واحدة في عالم الأمر و إن كانت متفرقة مبسوطة متدرجة في عالم الخلق. و وجودهم في عالم الأمر وجود ملكوتي ظلي ينبعث من حقيقته هذا الوجود الخلقي الجسماني و هو صورة علمه سبحانه بها و عنه عبر بالظلال في حديث آخر. و أمره تعالى إياهم إلى الجنة و النار هدايته إياهم إلى سبيلهما ثم توفيقه أو خذلانه و لعل المراد بالنار المسعرة بعد ذلك التكاليف الشرعية و تحصيل المعرفة المحرقة للقلوب لصعوبة الخروج عن عهدتها. و استقالة أصحاب الشمال كناية عن تمنيهم الإطاعة و عدم قدرتهم التامة عليها لغلبة الشهوة عليهم و كونهم مسخرة تحت سلطان الهوى كما قالوا رَبَّنا غَلَبَتْ عَلَيْنا شِقْوَتُنا وَ كُنَّا قَوْماً ضالِّينَ انتهى. و لعل إبداء تلك التأويلات في الأخبار جرأة على الله و رسوله و الأئمة الأخيار إلا أن يكون على سبيل الاحتمال لكن بعد ثبوت ما بنوا عليه الكلام من المقدمات التي لم تثبت بالبرهان و اليقين بل بعضها مناف لما ثبت في الدين المبين
15- كا، ]الكافي[ عن علي عن أبيه عن البزنطي عن أبان بن عثمان عن محمد الحلبي عن أبي عبد الله ع قال إن الله عز و جل لما أراد أن يخلق آدم ع أرسل الماء على الطين ثم قبض قبضة فعركها ثم فرقها فرقتين بيده ثم ذراهم فإذا هم يدبون ثم رفع لهم نارا فأمر أهل الشمال أن يدخلوها فذهبوا إليها فهابوها و لم يدخلوها ثم أمر أهل اليمين أن يدخلوها فذهبوا فدخلوها فأمر الله عز و جل النار فكانت عليهم بردا و سلاما فلما رأى ذلك أهل الشمال قالوا ربنا أقلنا فأقالهم ثم قال لهم أدخلوها فذهبوا فقاموا عليها و لم يدخلوها فأعادهم طينا و خلق منها آدم ع و قال أبو عبد الله ع فلن يستطيع هؤلاء أن يكونوا من هؤلاء و لا هؤلاء أن يكونوا من هؤلاء قال فيرون أن رسول الله ص أول من دخل تلك النار فلذلك قوله عز و جل قُلْ إِنْ كانَ لِلرَّحْمنِ وَلَدٌ فَأَنَا أَوَّلُ الْعابِدِينَ
بيان فيرون أي علماء أهل البيت ع قُلْ إِنْ كانَ الآية قد مر فيه وجوه من التأويل الأول فأنا أول العابدين منكم فإن النبي يكون أعلم بالله و بما يصح له و بما لا يصح له و أولى بتعظيم ما يجب تعظيمه و من حق تعظيم الوالد تعظيم ولده و لا يستلزم ذلك إمكاك كينونة الولد و عبادته له فإن المحال قد يستلزم المحال بل المراد نفيهما. و الثاني أن معناه إن كان له ولد في زعمكم فأنا أول العابدين لله الموحدين له المنكرين لقولكم. و الثالث أن المعنى فأنا أول الآنفين منه أو من أن يكون له ولد من عبد يعبد إذا اشتد أنفة. الرابع أن كلمة إن نافية أي ما كان له ولد فأنا أول الموحدين من أهل مكة و بناء الخبر على التفسير الأول إذ ظهر منه أنه ص كان مبادرا إلى كل خير و سعادة و إطاعة فلا بد أن يكون مبادرا في دخول النار عند الأمر به
16- كا، ]الكافي[ عن محمد بن يحيى عن محمد بن الحسين عن محمد بن إسماعيل عن صالح بن عقبة عن عبد الله بن محمد الجعفي و عقبة جميعا عن أبي جعفر ع قال إن الله عز و جل خلق الخلق فخلق من أحب مما أحب فكان ما أحب أن خلقه من طينة الجنة و خلق ما أبغض مما أبغض و كان ما أبغض أن خلقه من طينة النار ثم بعثهم في الظلال فقلت و أي شيء الظلال فقال ع أ لم تر إلى ظلك في الشمس شيئا و ليس بشيء ثم بعث فيهم النبيين فدعوهم إلى الإقرار بالله عز و جل و هو قوله تعالى وَ لَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ ثم دعوهم إلى الإقرار بالنبيين فأقر بعضهم و أنكر بعضهم ثم دعوهم إلى ولايتنا فأقر بها و الله من أحب و أنكرها من أبغض و هو قوله فَما كانُوا لِيُؤْمِنُوا بِما كَذَّبُوا بِهِ مِنْ قَبْلُ ثم قال أبو جعفر ع كان التكذيب ثم
بيان فخلق من أحب مما أحب قيل ما في قوله ما أحب و ما أبغض مصدرية. و أقول يمكن تأويله بالعلم أي بأنه لما علم الله تعالى حين خلقهم أنهم سيصيرون من الأشقياء و أبغضهم فكأنه خلقهم مما أبغض أو أنه إشارة إلى اختلاف استعداداتهم و قابلياتهم في اختيار الحق و قبوله. و المراد بالظل إما عالم الأرواح أو عالم المثال فعلى الأول شبه الروح المجرد على القول به أو الجسم اللطيف بالظل للطافته و عدم كثافته أو لكونه تابعا لعالم الأجساد الأصلية و على الثاني ظاهر. و قوله شيئا بتقدير تحسه أو الرؤية بمعنى العلم لكن لا يناسبه تعديتها بإلى و الأظهر شيء كما ورد في هذه الرواية بسند آخر و قيل أراد بقوله و ليس بشيء أن الحياة و التكليف في ذلك الوقت لا يصيران سببين للثواب و العقاب كأفعال النائم و لا يبقى بل مثال و حكاية عن الحياة و التكليف في الأبدان و لذا سمي الوجود الذهني بالوجود الظلي لعدم كونه منشأ للآثار و مبدأ للأحكام. و قيل يمكن أن يراد به عالم الذر المباين لعالم الأجساد الكثيفة و هو يحكي عن هذا العالم و يشبهه و ليس منه فهو ظل بالنسبة إليه أو عالم الأرواح كما قال أمير المؤمنين ع في بعض خطبه إلا إن الذرية أفنان أنا شجرتها و دوحة أنا ساقتها و إني من أحمد بمنزلة الضوء من الضوء كنا أظلالا تحت العرش قبل خلق البشر و قبل خلق الطينة التي كان منها البشر أشباحا خالية لا أجساما نامية. لَيَقُولُنَّ اللَّهُ أي خلقنا الله أو الله خلقنا على اختلاف في تقديم المحذوف و تأخيره و المشهور الأول و الغرض أن اضطرارهم إلى هذا الجواب بمقتضى العهد و الميثاق. و قوله فَما كانُوا لِيُؤْمِنُوا الآية في سورة الأعراف هكذا تِلْكَ الْقُرى نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبائِها وَ لَقَدْ جاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّناتِ فَما كانُوا لِيُؤْمِنُوا بِما كَذَّبُوا مِنْ قَبْلُ كَذلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلى قُلُوبِ الْكافِرِينَ و كأن التغيير من النساخ أو النقل بالمعنى. و قال البيضاوي فَما كانُوا لِيُؤْمِنُوا عند مجيئهم بالمعجزات بِما كَذَّبُوا مِنْ قَبْلُ أي بما كذبوه قبل الرسل بل كانوا مستمرين على التكذيب أو فما كانوا ليؤمنوا مدة عمرهم بما كذبوا به أولا حين جاءتهم الرسل و لم يؤثر قط فيهم دعوتهم المتطاولة و الآيات المتتابعة و اللام لتأكيد النفي و الدلالة على أنهم ما صلحوا للإيمان لمنافاته لحالهم في التصميم على الكفر و الطبع على قلوبهم
17- كا، ]الكافي[ عن علي عن أبيه عن ابن أبي عمير عن بعض أصحابنا عن أبي بصير قال قلت لأبي عبد الله ع كيف أجابوا و هم ذر قال جعل فيهم ما إذا سألهم أجابوا يعني في الميثاق
بيان ما إذا سألهم كلمة ما موصولة و العائد محذوف أي أجابوه به أي جعل في كل ذرة العقل و آلة السمع و آلة النطق و من حمل الآية على الاستعارة و التمثيل حمل الخبر على أن المراد به أنه جعلهم بحيث إذا سئلوا في عالم الأبدان أجابوا بلسان المقال و هو بعيد
18- شي، ]تفسير العياشي[ عن الأصبغ بن نباتة عن علي ع قال أتاه ابن الكواء فقال يا أمير المؤمنين أخبرني عن الله تبارك و تعالى هل كلم أحدا من ولد آدم قبل موسى فقال علي ع قد كلم الله جميع خلقه برهم و فاجرهم و ردوا عليه الجواب فثقل ذلك على ابن الكواء و لم يعرفه فقال له كيف كان ذلك يا أمير المؤمنين فقال له أ و ما تقرأ كتاب الله إذ يقول لنبيك وَ إِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَ أَشْهَدَهُمْ عَلى أَنْفُسِهِمْ أَ لَسْتُ بِرَبِّكُمْ قالُوا بَلى فأسمعهم كلامه و ردوا عليه الجواب كما تسمع في قول الله يا ابن الكواء قالُوا بَلى فقال إني أنا الله لا إله إلا أنا و أنا الرحمن فأقروا له بالطاعة و الربوبية و ميز الرسل و الأنبياء و الأوصياء و أمر الخلق بطاعتهم فأقروا بذلك في الميثاق فقالت الملائكة شهدنا عليكم يا بني آدم أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هذا غافِلِينَ
19- شي، ]تفسير العياشي[ عن أبي بصير قال قلت لأبي عبد الله ع أخبرني عن الذر حيث أَشْهَدَهُمْ عَلى أَنْفُسِهِمْ أَ لَسْتُ بِرَبِّكُمْ قالُوا بَلى و الله و أسر بعضهم خلاف ما أظهر كيف علموا القول حيث قيل لهم أَ لَسْتُ بِرَبِّكُمْ قال إن الله جعل فيهم ما إذا سألهم أجابوه
20- شي، ]تفسير العياشي[ عن أبي بصير عن أبي عبد الله ع في قول الله أَ لَسْتُ بِرَبِّكُمْ قالُوا بَلى قلت قالوا بألسنتهم قال نعم و قالوا بقلوبهم قلت و أي شيء كانوا يومئذ قال صنع فيهم ما اكتفى به
21- أقول وجدت في بعض الكتب مرويا عن أحمد بن محمد الكوفي عن حنان بن سدير عن أبيه سدير الصيرفي عن أبي إسحاق الليثي قال قلت للإمام الباقر محمد بن علي ع يا ابن رسول الله أخبرني عن المؤمن من شيعة أمير المؤمنين إذا بلغ و كمل في المعرفة هل يزني قال ع لا قلت فيلوط قال لا قلت فيسرق قال لا قلت فيشرب خمرا قال لا قلت فيذنب ذنبا قال لا قال الراوي فتحيرت من ذلك و كثر تعجبي منه قلت يا ابن رسول الله إني أجد من شيعة أمير المؤمنين و من مواليكم من يشرب الخمر و يأكل الربا و يزني و يلوط و يتهاون بالصلاة و الزكاة و الصوم و الحج و الجهاد و أبواب البر حتى إن أخاه المؤمن يأتيه في حاجة يسيرة فلا يقضيها له فكيف هذا يا ابن رسول الله و من أي شيء هذا قال فتبسم الإمام ع و قال يا أبا إسحاق هل عندك شيء غير ما ذكرت قلت نعم يا ابن رسول الله و إني أجد الناصب الذي لا أشك في كفره يتورع عن هذه الأشياء لا يستحل الخمر و لا يستحل درهما لمسلم و لا يتهاون بالصلاة و الزكاة و الصيام و الحج و الجهاد و يقوم بحوائج المؤمنين و المسلمين لله و في الله تعالى فكيف هذا و لم هذا فقال ع يا إبراهيم لهذا أمر باطن و هو سر مكنون و باب مغلق مخزون و قد خفي عليك و على كثير من أمثالك و أصحابك و إن الله عز و جل لم يؤذن أن يخرج سره و غيبه إلا إلى من يحتمله و هو أهله قلت يا ابن رسول الله إني و الله لمحتمل من أسراركم و لست بمعاند و لا بناصب فقال ع يا إبراهيم نعم أنت كذلك و لكن علمنا صعب مستصعب لا يحتمله إلا ملك مقرب أو نبي مرسل أو مؤمن امتحن الله قلبه للإيمان و إن التقية من ديننا و دين آبائنا و من لا تقية له فلا دين له يا إبراهيم لو قلت إن تارك التقية كتارك الصلاة لكنت صادقا يا إبراهيم إن من حديثنا و سرنا و باطن علمنا ما لا يحتمله ملك مقرب و لا نبي مرسل و لا مؤمن ممتحن قلت يا سيدي و مولاي فمن يحتمله إذا قال ما شاء الله و شئنا ألا من أذاع سرنا إلا إلى أهله فليس منا ثلاثا ألا من أذاع سرنا أذاقه الله حر الحديد ثم قال يا إبراهيم خذ ما سألتني علما باطنا مخزونا في علم الله تعالى الذي حبا الله جل جلاله به رسوله ص و حبا به رسوله وصيه أمير المؤمنين ع ثم قرأ ع هذه الآية عالِمُ الْغَيْبِ فَلا يُظْهِرُ عَلى غَيْبِهِ أَحَداً إِلَّا مَنِ ارْتَضى مِنْ رَسُولٍ ويحك يا إبراهيم إنك قد سألتني عن المؤمنين من شيعة مولانا أمير المؤمنين علي بن أبي طالب و عن زهاد الناصبة و عبادهم من هاهنا قال الله عز و جل وَ قَدِمْنا إِلى ما عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْناهُ هَباءً مَنْثُوراً و من هاهنا قال الله عز و جل عامِلَةٌ ناصِبَةٌ تَصْلى ناراً حامِيَةً تُسْقى مِنْ عَيْنٍ آنِيَةٍ
و هذا الناصب قد جبل على بغضنا و رد فضلنا و يبطل خلافة أبينا أمير المؤمنين ع و يثبت خلافة معاوية و بني أمية و يزعم أنهم خلفاء الله في أرضه و يزعم أن من خرج عليهم وجب عليه القتل و يروي في ذلك كذبا و زورا و يروي أن الصلاة جائزة خلف من غلب و إن كان خارجيا ظالما و يروي أن الإمام الحسين بن علي صلوات الله عليهما كان خارجيا خرج على يزيد بن معاوية و يزعم أنه يجب على كل مسلم أن يدفع زكاة ماله إلى السلطان و إن كان ظالما يا إبراهيم هذا كله رد على الله تعالى و على رسوله ص سبحان الله قد افتروا على الله الكذب و تقولوا على رسول الله ص الباطل و خالفوا الله و خالفوا رسوله و خلفاءه يا إبراهيم لأشرحن لك هذا من كتاب الله الذي لا يستطيعون له إنكارا و لا منه فرارا و من رد حرفا من كتاب الله فقد كفر بالله و رسوله فقلت يا ابن رسول الله إن الذي سألتك في كتاب الله قال نعم هذا الذي سألتني في أمر شيعة أمير المؤمنين صلوات الله عليه و أمر عدوه الناصب في كتاب الله عز و جل قلت يا ابن رسول الله هذا بعينه قال نعم هذا بعينه في كتاب الله الذي لا يَأْتِيهِ الْباطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَ لا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ يا إبراهيم اقرأ هذه الآية الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبائِرَ الْإِثْمِ وَ الْفَواحِشَ إِلَّا اللَّمَمَ إِنَّ رَبَّكَ واسِعُ الْمَغْفِرَةِ هُوَ أَعْلَمُ بِكُمْ إِذْ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ أ تدري ما هذه الأرض قلت لا قال ع اعلم أن الله عز و جل خلق أرضا طيبة طاهرة و فجر فيها ماء عذبا زلالا فراتا سائغا فعرض عليها ولايتنا أهل البيت فقبلتها فأجرى عليها ذلك الماء سبعة أيام ثم نضب عنها ذلك الماء بعد السابع فأخذ من صفوة ذلك الطين طينا فجعله طين الأئمة ع ثم أخذ جل جلاله ثفل ذلك الطين فخلق منه شيعتنا و محبونا من فضل طينتنا فلو ترك يا إبراهيم طينتكم كما ترك طينتنا لكنتم أنتم و نحن سواء قلت يا ابن رسول الله ما صنع بطينتنا قال مزج طينتكم و لم يمزج طينتنا قلت يا ابن رسول الله و بما ذا مزج طينتنا قال ع خلق الله عز و جل أيضا أرضا سبخة خبيثة منتنة و فجر فيها ماء أجاجا مالحا آسنا ثم عرض عليها جلت عظمته ولاية أمير المؤمنين ع فلم تقبلها و أجرى ذلك الماء عليها سبعة أيام ثم نضب ذلك الماء عنها ثم أخذ من كدورة ذلك الطين المنتن الخبيث و خلق منه أئمة الكفر و الطغاة و الفجرة ثم عمد إلى بقية ذلك الطين فمزج بطينتكم و لو ترك طينتهم على حاله و لم يمزج بطينتكم ما عملوا أبدا عملا صالحا و لا أدوا أمانة إلى أحد و لا شهدوا الشهادتين و لا صاموا و لا صلوا و لا زكوا و لا حجوا و لا أشبهوكم في الصور أيضا يا إبراهيم ليس شيء أعظم على المؤمن أن يرى صورة حسنة في عدو من أعداء الله عز و جل و المؤمن لا يعلم أن تلك الصورة من طين المؤمن و مزاجه يا إبراهيم ثم مزج الطينتان بالماء الأول و الماء الثاني فما تراه من شيعتنا من ربا و زنا و لواطة و خيانة و شرب خمر و ترك صلاة و صيام و زكاة و حج و جهاد فهي كلها من عدونا الناصب و سنخه و مزاجه الذي مزج بطينته و ما رأيته في هذا العدو الناصب من الزهد و العبادة و المواظبة على الصلاة و أداء الزكاة و الصوم و الحج و الجهاد و أعمال البر و الخير فذلك كله من طين المؤمن و سنخه و مزاجه فإذا عرض أعمال المؤمن و أعمال الناصب على الله يقول جل و عز أنا عدل لا أجور و منصف لا أظلم و عزتي و جلالي و ارتفاع مكاني ما أظلم مؤمنا بذنب مرتكب من سنخ الناصب و طينه و مزاجه هذه الأعمال الصالحة كلها من طين المؤمن و مزاجه و الأعمال الردية
التي كانت من المؤمن من طين العدو الناصب و يلزم الله تعالى كل واحد منهم ما هو من أصله و جوهره و طينته و هو أعلم بعباده من الخلائق كلهم أ فترى هاهنا ظلما و جورا و عدوانا ثم قرأ ع مَعاذَ اللَّهِ أَنْ نَأْخُذَ إِلَّا مَنْ وَجَدْنا مَتاعَنا عِنْدَهُ إِنَّا إِذاً لَظالِمُونَ يا إبراهيم إن الشمس إذا طلعت فبدا شعاعها في البلدان كلها أ هو بائن من القرصة أم هو متصل بها شعاعها تبلغ في الدنيا في المشرق و المغرب حتى إذا غابت يعود الشعاع و يرجع إليها أ ليس ذلك كذلك قلت بلى يا ابن رسول الله قال فكذلك يرجع كل شيء إلى أصله و جوهره و عنصره فإذا كان يوم القيامة ينزع الله تعالى من العدو الناصب سنخ المؤمن و مزاجه و طينته و جوهره و عنصره مع جميع أعماله الصالحة و يرده إلى المؤمن و ينزع الله من المؤمن سنخ الناصب و مزاجه و طينته و جوهره و عنصره مع جميع أعماله السيئة الردية و يرده إلى الناصب عدلا منه جل جلاله و تقدست أسماؤه و يقول للناصب لا ظلم عليك هذه الأعمال الخبيثة من طينتك و مزاجك و أنت أولى بها و هذه الأعمال الصالحة من طينة المؤمن و مزاجه و هو أولى بها الْيَوْمَ تُجْزى كُلُّ نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ لا ظُلْمَ الْيَوْمَ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسابِ أ فترى هاهنا ظلما و جورا قلت لا يا ابن رسول الله بل أرى حكمة بالغة فاضلة و عدلا بينا واضحا ثم قال ع أزيدك بيانا في هذا المعنى من القرآن قلت بلى يا ابن رسول الله قال أ ليس الله عز و جل يقول الْخَبِيثاتُ لِلْخَبِيثِينَ وَ الْخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثاتِ وَ الطَّيِّباتُ لِلطَّيِّبِينَ وَ الطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّباتِ أُولئِكَ مُبَرَّؤُنَ مِمَّا يَقُولُونَ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَ رِزْقٌ كَرِيمٌ و قال عز و جل وَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلى جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ لِيَمِيزَ اللَّهُ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ وَ يَجْعَلَ الْخَبِيثَ بَعْضَهُ عَلى بَعْضٍ فَيَرْكُمَهُ جَمِيعاً فَيَجْعَلَهُ فِي جَهَنَّمَ أُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ فقلت سبحان الله العظيم و ما أوضح ذلك لمن فهمه و ما أعمى قلوب هذا الخلق المنكوس عن معرفته فقال ع يا إبراهيم من هذا قال الله تعالى إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلًا ما رضي الله تعالى أن يشبههم بالحمير و البقر و الكلاب و الدواب حتى زادهم فقال بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلًا يا إبراهيم قال الله عز و جل ذكره في أعدائنا الناصبة وَ قَدِمْنا إِلى ما عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْناهُ هَباءً مَنْثُوراً و قال عز و جل يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً و قال جل جلاله يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ عَلى شَيْءٍ أَلا إِنَّهُمْ هُمُ الْكاذِبُونَ و قال جل و عز وَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمالُهُمْ كَسَرابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ ماءً حَتَّى إِذا جاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئاً كذلك الناصب يحسب ما قدم من عمله نافعة حتى إذا جاءه لم يجده شيئا ثم ضرب مثلا آخر أَوْ كَظُلُماتٍ فِي بَحْرٍ لُجِّيٍّ يَغْشاهُ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ سَحابٌ ظُلُماتٌ بَعْضُها فَوْقَ بَعْضٍ إِذا أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَراها وَ مَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُوراً فَما لَهُ مِنْ نُورٍ ثم قال ع يا إبراهيم أزيدك في هذا المعنى من القرآن قلت بلى يا ابن رسول الله قال ع قال الله تعالى يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئاتِهِمْ حَسَناتٍ وَ كانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً يبدل الله سيئات شيعتنا حسنات و حسنات أعدائنا سيئات يَفْعَلُ اللَّهُ ما يَشاءُ و يَحْكُمُ ما يُرِيدُ لا مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ و لا راد لقضائه لا يُسْئَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَ هُمْ يُسْئَلُونَ هذا يا إبراهيم من باطن علم الله المكنون و من سره المخزون أ لا أزيدك من هذا الباطن شيئا في الصدور قلت بلى يا ابن رسول الله قال ع قالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا اتَّبِعُوا سَبِيلَنا وَ لْنَحْمِلْ خَطاياكُمْ وَ ما هُمْ بِحامِلِينَ مِنْ خَطاياهُمْ مِنْ شَيْءٍ إِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ وَ لَيَحْمِلُنَّ أَثْقالَهُمْ وَ أَثْقالًا مَعَ أَثْقالِهِمْ وَ لَيُسْئَلُنَّ يَوْمَ الْقِيامَةِ عَمَّا كانُوا يَفْتَرُونَ و الله الذي لا إله إلا هو فالِقُ الْإِصْباحِ فاطِرُ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ لقد أخبرتك بالحق و أنبأتك بالصدق و الله أعلم و أحكم
بيان قد مر هذا الخبر نقلا من العلل مع اختلاف ما و زيادة و نقص و هو من غوامض الأسرار. و قال بعض المحققين في شرحه جملة القول في بيان السر فيه أنه قد تحقق و ثبت أن كلا من العوالم الثلاثة له مدخل في خلق الإنسان و في طينته و مادته من كل حظ و نصيب و لعل الأرض الطيبة كناية عما له في جملة طينته من آثار عالم الملكوت الذي منه الأرواح المثالية و القوى الخيالية الفلكية المعبر عنهم بالمدبرات أمرا. و الماء العذب عما له في طينته من إفاضات عالم الجبروت الذي منه الجواهر القدسية و الأرواح العالية المجردة عن الصور المعبر عنهم بالسابقات سبعا. و الأرض الخبيثة عما له في طينته من أجزاء عالم الملك الذي منه الأبدان العنصرية المسخرة تحت الحركات الفلكية المسخرة لما فوقها و الماء الأجاج المالح الآسن عما له في طينته من تهيجات الأوهام الباطلة و الأهواء المموهة الردية الحاصلة من تركيب الملك مع الملكوت مما لا أصل له و لا حقيقة. ثم الصفوة من الطينة الطيبة عبارة عما غلب عليه إفاضة الجبروت من ذلك و الثفل منه ما غلب عليه أثر الملكوت منه و كدورة الطين المنتن الخبيث مما غلب عليه طبائع عالم الملك و ما يتبعه من الأهواء المضلة. و إنما لم يذكر نصيب عالم الملك للأئمة ع مع أن أبدانهم العنصرية منه لأنهم لم يتعلقوا بهذه الدنيا و لا بهذه الأجساد تعلق ركون و إخلاد فهم و إن كانوا في النشأة الفانية بأبدانهم العنصرية و لكنهم ليسوا من أهلها كما مضى بيانه.
قال الصادق ع في حديث حفص بن غياث يا حفص ما أنزلت الدنيا من نفسي إلا بمنزلة الميتة إذا اضطررت إليها أكلت منها
فلا جرم نفضوا أذيالهم منها بالكلية إذا ارتحلوا عنها و لم يبق معهم منها كدورة و إنما لم يذكر نصيب الناصب و أئمة الكفر من إفاضة عالم الجبروت مع أن لهم منه حظ الشعور و الإدراك و غير ذلك لعدم تعلقهم و لا ركونهم إليه و لذا تراهم تشمئز نفوسهم من سماع العلم و الحكمة و يثقل عليهم فهم الأسرار و المعارف فليس لهم من ذلك العالم إِلَّا كَباسِطِ كَفَّيْهِ إِلَى الْماءِ لِيَبْلُغَ فاهُ وَ ما هُوَ بِبالِغِهِ وَ ما دُعاءُ الْكافِرِينَ إِلَّا فِي ضَلالٍ نَسُوا اللَّهَ فَأَنْساهُمْ أَنْفُسَهُمْ فلا جرم ذهب عنهم نصيبهم من ذلك العالم حين أخلدوا إلى الأرض وَ اتَّبَعُوا أَهْواءَهُمْ. فإذا جاء يوم الفصل و ميز الله الخبيث من الطيب ارتقى من غلب عليه إفاضات عالم الجبروت إلى الجبروت و أعلى الجنان و التحق بالمقربين و من غلب عليه آثار الملكوت إلى الملكوت و مواصلة الحور و الولدان و التحق بأصحاب اليمين و بقي من غلب عليه الملك في الحسرة و الثبور و الهوان و التعذيب بالنيران إذ فرق الموت بينه و بين محبوباته و مشتهياته. فالأشقياء و إن انتقلوا إلى نشأة من جنس نشأة الملكوت خلقت بتبعيتها بالعرض إلا أنهم يحملون معهم من الدنيا من صور أعمالهم و أخلاقهم و عقائدهم مما لا يمكن انفكاكهم عنه مما يتأذون به و يعذبون بمجاورته من سَمُومٍ وَ حَمِيمٍ وَ ظِلٍّ مِنْ يَحْمُومٍ و من حيات و عقارب و ذوات لدغ و سموم و من ذهب و فضة كنزوها في دار الدنيا و لم ينفقوها في سبيل الله و أشرب في قلوبهم محبتها فَتُكْوى بِها جِباهُهُمْ وَ جُنُوبُهُمْ وَ ظُهُورُهُمْ هذا ما كَنَزْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ فَذُوقُوا ما كُنْتُمْ تَكْنِزُونَ و من آلهة يعبدونها من دون الله من حجر أو خشب أو حيوان أو غيرها مما يعتقدون فيه أنه ينفعهم و هو يضرهم إذ يقال إِنَّكُمْ وَ ما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ. و بالجملة المرء مع من أحب فمحبوب الأشقياء لما كان من متاع الدنيا الذي لا حقيقة له و لا أصل بل هو مَتاعُ الْغُرُورِ فإذا كان يوم القيامة و برزت و حواق الأمور كسد متاعهم و صار لا شيئا محضا فيتألمون بذلك و يتمنون الرجوع إلى الدنيا التي هي وطنهم المألوف لأنهم من أهلها ليسوا من أهل النشأة الباقية لأنهم رَضُوا بِالْحَياةِ الدُّنْيا وَ اطْمَأَنُّوا بِها فإذا فارقوها عذبوا بفراقها في نار جهنم. أعمالهم التي أحاطت بهم و جميع المعاصي و الشهوات يرجع إلى متاع هذه النشأة الدنياوية و محبتها فمن كان من أهلها عذب بمفارقتها لا محالة و من ليس من أهلها و إنما ابتلي بها و ارتكبها مع إيمان منه بقبحها و خوف من الله سبحانه في إتيانها فلا جرم يندم على ارتكابها إذا رجع إلى عقله و أناب إلى ربه فيصير ندامته عليها و الاعتراف بها و ذل مقامه بين يدي ربه حياء منه تعالى سببا لتنوير قلبه و هذا المعنى تبديل سيئاتهم حسنات. فالأشقياء إنما عذبوا بما لم يفعلوا لحنينهم إلى ذلك و شهوتهم له و عقد ضمائرهم على فعله دائما أن تيسر لهم لأنهم كانوا من أهله و من جنسه وَ لَوْ رُدُّوا لَعادُوا لِما نُهُوا عَنْهُ. و السعداء إنما لم يخلدوا في العذاب و لم يشتد عليهم العقاب بما فعلوا من القبائح لأنهم ارتكبوا على كره من عقولهم و خوف من ربهم لأنهم لم يكونوا من أهلها و لا من جنسها بل أثيبوا بما لم يفعلوا من الخيرات لحنينهم إليه و عزمهم عليه و عقد ضمائرهم على فعله إن تيسر لهم. فإنما الأعمال بالنيات و إنما لكل امرئ ما نوى و إنما ينوي كل ما ناسب طينته و يقتضيه جبلته كما قال الله سبحانه قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ عَلى شاكِلَتِهِ و لهذا ورد في الحديث أن كلا من أهل الجنة و النار إنما يخلدون فيما يخلدون على نياتهم و إنما يعذب بعض السعداء حين خروجهم من الدنيا بسبب مفارقة ما مزج بطينتهم من طينة الأشقياء مما أنسوا به قليلا و ألفوه بسبب ابتلائهم به ما داموا في الدنيا.
و روى الشيخ الصدوق رحمه الله في اعتقاداته مرسلا أنه لا يصيب أحدا من أهل التوحيد ألم في النار إذا دخلوها و إنما يصيبهم آلام عند الخروج منها فيكون تلك الآلام جزاء بما كسبت أيديهم و ما الله بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ انتهى
و أقول بناء هذه التأويلات على أمور ليست مخالفتها لأصول متكلمي الإمامية أقل من مخالفة ظواهر تلك الأخبار و قد تكلمنا في أمثال هذه الروايات في كتاب العدل و كان ترك الخوض فيها و في أمثالها و رد علمها مع صحتها إلى من صدرت عنه أحوط و أولى كما قال مولانا أمير المؤمنين صلوات الله عليه و قد سئل عن القدر طريق مظلم فلا تسلكوه و بحر عميق فلا تلجوه و سر الله فلا تتكلفوه
22- كا، ]الكافي[ عن علي عن أبيه عن ابن أبي عمير عن محمد بن أذينة عن زرارة أن رجلا سأل أبا جعفر ع عن قوله عز و جل وَ إِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَ أَشْهَدَهُمْ عَلى أَنْفُسِهِمْ أَ لَسْتُ بِرَبِّكُمْ قالُوا بَلى إلى آخر الآية فقال و أبوه يسمع ع حدثني أبي أن الله عز و جل قد قبض قبضة من تراب التربة التي خلق الله منها آدم ع فصب عليها الماء العذب الفرات ثم تركها أربعين صباحا ثم صب عليها الماء المالح الأجاج فتركها أربعين صباحا فلما اختمرت الطينة أخذها فعركها عركا شديدا فخرجوا كالذر من يمينه و شماله و أمرهم جميعا أن يقعوا في النار فدخل أصحاب اليمين فصارت عليهم بردا و سلاما و أبى أصحاب الشمال أن يدخلوها
بيان ظاهر الحديث أن السؤال عن الباقر ع كان في زمن أبيه ع و هو حاضر و فيه أنه لم يعهد إدراك زرارة علي بن الحسين ع فيحتمل أن يكون روي ذلك عن الرجل السائل و لم يكن زرارة حاضرا عند السؤال مع أنه يمكن إدراكه زمان السجاد ع و عدم روايته عنه و لذا لم يعد في أصحابه. و في تفسير العياشي هكذا عن زرارة أن رجلا سأل أبا عبد الله ع إلى آخر الخبر و هو أصوب. وَ إِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ قال البيضاوي أي أخرج من أصلابهم نسلا على ما يتوالدون قرنا بعد قرن و مِنْ ظُهُورِهِمْ بدل من بني آدم بدل البعض و قرأ نافع و أبو عمرو و ابن عامر و يعقوب ذرياتهم وَ أَشْهَدَهُمْ عَلى أَنْفُسِهِمْ أَ لَسْتُ بِرَبِّكُمْ أي نصب لهم دلائل ربوبيته و ركب في عقولهم ما يدعوهم إلى الإقرار بها حتى صاروا بمنزلة من قيل أَ لَسْتُ بِرَبِّكُمْ قالُوا بَلى فنزل تمكينهم من العلم بها و تمكنهم منه منزلة الإشهاد و الاعتراف على طريقة التمثيل و يدل عليه قوله قالُوا بَلى شَهِدْنا أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيامَةِ أي كراهة أن تقولوا إِنَّا كُنَّا عَنْ هذا غافِلِينَ لم نتنبه عليه بدليل أو تقولوا عطف على أَنْ تَقُولُوا إِنَّما أَشْرَكَ آباؤُنا مِنْ قَبْلُ وَ كُنَّا ذُرِّيَّةً مِنْ بَعْدِهِمْ فاقتدينا بهم لأن التقليد عند قيام الدليل و التمكن من العلم به لا يصلح عذرا أَ فَتُهْلِكُنا بِما فَعَلَ الْمُبْطِلُونَ يعني آباءهم المبطلين بتأسيس الشرك و قيل لما خلق الله آدم أخرج من ذريته ذرية كالذر و أحياهم و جعل لهم العقل و النطق و ألهمهم ذلك لحديث رواه عمر انتهى. و قال بعض المحققين لعل معنى إشهاد ذرية بني آدم على أنفسهم بالتوحيد استنطاق حقائقهم بألسنة قابليات جواهرها و ألسن استعدادات ذواتها و أن تصديقهم به كان بلسان طباع الإمكان قبل نصب الدلائل لهم أو بعد نصب الدلائل أو أنه نزل تمكينهم من العلم و تمكنهم منه بمنزلة الإشهاد و الاعتراف على طريقة التخيل نظير ذلك قوله عز و جل إِنَّما قَوْلُنا لِشَيْءٍ إلخ و قوله عز و علا فَقالَ لَها وَ لِلْأَرْضِ ائْتِيا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً قالَتا أَتَيْنا طائِعِينَ و معلوم أنه لا قول ثمة و إنما هو تمثيل و تصوير للمعنى و يحتمل أن يكون النطق باللسان الملكوتي الذي به يسبح كل شيء بحمد ربه و ذلك لأنهم مفطورون على التوحيد. قوله ع من تراب التربة هذا من قبيل إضافة الجزء إلى الكل قوله من يمينه و شماله الضميران راجعان إلى الملك المأمور بهذا الأمر كجبرئيل أو العرش أو إلى التراب فاستعار اليمين للجهة التي فيها اليمن و البركة و الشمال للأخرى أو اليمين لصفة الرحمانية و الشمال لصفة القهارية فالضميران راجعان إلى الله تعالى كما في الدعاء و الخير في يديك أي كلما يصدر منك من خير أو شر أو نفع أو ضر فهو خير و مشتمل على المصالح الجليلة
23- كا، ]الكافي[ عن محمد بن يحيى عن أحمد بن محمد عن علي بن الحكم عن داود العجلي عن زرارة عن حمران عن أبي جعفر ع قال إن الله تبارك و تعالى حيث خلق الخلق خلق ماء عذبا و ماء مالحا أجاجا فامتزج الماءان فأخذ طينا من أديم الأرض فعركه عركا شديدا فقال لأصحاب اليمين و هم كالذر يدبون إلى الجنة بسلام و قال لأصحاب الشمال إلى النار و لا أبالي ثم قال أَ لَسْتُ بِرَبِّكُمْ قالُوا بَلى شَهِدْنا أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هذا غافِلِينَ ثم أخذ الميثاق على النبيين فقال أَ لَسْتُ بِرَبِّكُمْ و أن هذا محمد رسولي و أن هذا علي أمير المؤمنين قالوا بلى فثبتت لهم النبوة و أخذ الميثاق على أولي العزم أنني ربكم و محمد رسولي و علي أمير المؤمنين و أوصياؤه من بعده ولاة أمري و خزان علمي و أن المهدي أنتصر به لديني و أظهر به دولتي و أنتقم به من أعدائي و أعبد به طوعا و كرها قالوا أقررنا يا رب و شهدنا و لم يجحد آدم و لم يقر فثبتت العزيمة لهؤلاء الخمسة في المهدي و لم يكن لآدم عزم على الإقرار به و هو قوله عز و جل وَ لَقَدْ عَهِدْنا إِلى آدَمَ مِنْ قَبْلُ فَنَسِيَ وَ لَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْماً قال إنما هو فترك ثم أمر نارا فأججت فقال لأصحاب الشمال ادخلوها فهابوها و قال لأصحاب اليمين ادخلوها فدخلوها فكانت عليهم بردا و سلاما فقال أصحاب الشمال يا رب أقلنا فقال قد أقلتكم اذهبوا فادخلوها فهابوها فثم ثبتت الطاعة و الولاية و المعصية
توضيح قوله ع فأخذ طينا أي مزجه بالماءين ليحصل فيه استعداد الخير و الشر إلى الجنة أي امضوا إليها سالمين من العذاب و النكال أو إلى ما يوجب الجنة سالمين من شبه الشياطين و وساوسهم. أن تقولوا كذا في أكثر النسخ بصيغة الخطاب كما في القراءات المشهورة فيكون ذكر تتمة الآية استطرادا و الأصوب هنا أن يقولوا بصيغة الغيبة موافقا لقراءة أبي عمرو في الآية قوله ع ثم أخذ لعل كلمة ثم هنا للتراخي الرتبي لا الزماني لما بين الميثاقين من التفاوت و إلا فالظاهر تقدم أخذ الميثاق من النبيين على غيرهم كما أن ميثاق أولي العزم مقدم على غيرهم أيضا و أريد بأولي العزم نوح و إبراهيم و موسى و عيسى و محمد صلوات الله عليهم و لا ينافي دخول الإقرار بنبوة نبينا ص فيما عهد إليهم دخوله في المعهود إليهم. قيل و لما كانوا معهودين معلومين جاز أن يشار إليهم بهؤلاء الخمسة مع عدم ذكرهم مفصلا و إنما زاد في أخذ الميثاق على من زاد في رتبته و شرفه لأن التكليف أنما يكون بقدر الفهم و الاستعداد فكلما زاد زاد و أنما يعرف مراتب الوجود من له حظ منها و بقدر حظه منها و أما آدم فلما لم يعزم على الإقرار بالمهدي لم يعد من أولي العزم و إنما عزم على الإقرار بغيره من الأوصياء. إنما هو فترك يعني معنى فنسي هنا ليس إلا فترك و لعل السر في عدم عزمه ع على الإقرار بالمهدي استبعاده أن يكون لهذا النوع الإنساني اتفاق على أمر واحد انتهى. و أقول الظاهر أن المراد بعدم العزم عدم الاهتمام به و بتذكره أو عدم التصديق اللساني حيث لم يكن شيء من ذلك واجبا لا عدم التصديق به مطلقا فإنه لا يناسب منصب النبوة بل و لا ما هو أدون منه و قوله إنما هو فترك أي معنى النسيان هنا الترك لأن النسيان غير مجوز على الأنبياء ع أو كان في قراءتهم ع فترك مكان فنسي أو المعنى أن العزم أنما هو ما ذكر أي العزم على الإقرار المذكور فترك آدم ع أو كان المطلوب الإقرار التام و لم يأت به أو عزم أولا ثم ترك و الأول كأنه أظهر. و في القاموس الأجيج تلهب النار كالتأجج و أججتها تأجيجا فتأججت
-24 كا، ]الكافي[ عن محمد بن يحيى عن أحمد بن محمد و علي بن إبراهيم عن أبيه عن الحسن بن محبوب عن هشام بن سالم عن حبيب السجستاني قال سمعت أبا جعفر ع يقول إن الله عز و جل لما أخرج ذرية بني آدم من ظهره ليأخذ عليهم الميثاق بالربوبية له و بالنبوة لكل نبي فكان أول من أخذ له عليهم الميثاق بنبوته محمد بن عبد الله ص ثم قال الله عز و جل لآدم انظر ما ذا ترى قال فنظر آدم ع إلى ذريته و هم ذر قد ملئوا السماء قال آدم ع يا رب ما أكثر ذريتي و لأمر ما خلقتهم فما تريد منهم بأخذك الميثاق عليهم قال الله عز و جل يَعْبُدُونَنِي و لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً و يؤمنون برسلي و يتبعونهم قال آدم يا رب فما لي أرى بعض الذر أعظم من بعض و بعضهم له نور كثير و بعضهم له نور قليل و بعضهم ليس له نور أصلا فقال الله عز و جل و كذلك خلقتهم لأبلوهم في كل حالاتهم قال آدم ع يا رب فتأذن لي في الكلام فأتكلم قال الله عز و جل تكلم فإن روحك من روحي و طبيعتك خلاف كينونتي قال آدم ع فلو كنت خلقتهم على مثال واحد و قدر واحد و طبيعة واحدة و جبلة واحدة و ألوان واحدة و أعمار واحدة و أرزاق سواء لم يبغ بعضهم على بعض و لم يك بينهم تحاسد و لا تباغض و لا اختلاف في شيء من الأشياء قال الله عز و جل يا آدم بروحي نطقت و بضعف طبيعتك تكلمت ما لا علم لك به و أنا الخالق العليم بعلمي خالفت بين خلقهم و بمشيتي يمضي فيهم أمري و إلى تدبيري و تقديري صائرون و لا تبديل لخلقي إنما خلقت الجن و الإنس ليعبدوني و خلقت الجنة لمن عبدني فأطاعني منهم و أتبع رسلي و لا أبالي و خلقت النار لمن كفر بي و عصاني و لم يتبع رسلي و لا أبالي و خلقتك و خلقت ذريتك من غير فاقة بي إليك و إليهم و إنما خلقتك و خلقتهم لأبلوك و أبلوهم أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا في دار الدنيا في حياتكم و قبل مماتكم فلذلك خلقت الدنيا و الآخرة و الحياة و الموت و الطاعة و المعصية و الجنة و النار و كذلك أردت في تقديري و تدبيري و بعلمي النافذ فيهم خالفت بين صورهم و أجسامهم و ألوانهم و أعمارهم و أرزاقهم و طاعتهم و معصيتهم فجعلت منهم الشقي و السعيد و البصير و الأعمى و القصير و الطويل و الجميل و الدميم و العالم و الجاهل و الغني و الفقير و المطيع و العاصي و الصحيح و السقيم و من به الزمانة و من لا عاهة به فينظر الصحيح إلى الذي به العاهة فيحمدني على عافيته و ينظر الذي به العاهة إلى الصحيح فيدعوني و يسألني أن أعافيه و يصبر على بلائي فأثيبه جزيل عطائي و ينظر الغني إلى الفقير فيحمدني و يشكرني و ينظر الفقير إلى الغني فيدعوني و يسألني و ينظر المؤمن إلى الكافر فيحمدني على ما هديته فلذلك خلقتهم لأبلوهم في السراء و الضراء و فيما أعافيهم و فيما أبتليهم و فيما أعطيهم و فيما أمنعهم و أنا الله الملك القادر و لي أن أمضي جميع ما قدرت على ما دبرت و لي أن أغير من ذلك ما شئت إلى ما شئت و أقدم من ذلك ما أخرت و أؤخر من ذلك ما قدمت و أنا الله الفعال لما أريد لا أسأل عما أفعل و أنا أسأل خلقي عما هم فاعلون
تبيين قوله فكان و ثم قال و فنظر الكل معطوف على أخرج و قوله قال آدم جواب لما و لأمر ما أي لأمر عظيم قوله يَعْبُدُونَنِي أي أريد منهم أن يعبدوني قوله لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً حال أو استئناف بياني قوله و كذلك خلقتهم في بعض النسخ لذلك أي لأجل الاختلاف كما قال سبحانه وَ لا يَزالُونَ مُخْتَلِفِينَ إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَ لِذلِكَ خَلَقَهُمْ على بعض التفاسير أو لأن يعبدوني و لا يشركوا بي شيئا. من روحي أي من روح اصطفيته و اخترته أو من عالم المجردات بناء على تجرد النفس قيل الروح الأول النفس و الثاني جبرئيل و لا يخفى ما فيه. و طبيعتك أي خلقتك الجسمانية البدنية أو صفاتها التابعة لها خلاف كينونتي أي وجودي فإنها من عالم الماديات و لا تناسب عالم المجردات و الخطاء و الوهم ناش منها. و قيل الكينونة هنا مصدر كان الناقصة و الإضافة أيضا للتشريف أي صفاتك البدنية مخالفة للآداب المرضية لي ككونك صابرا و قانعا و راضيا بقضائه تعالى و الجبلة بكسر الجيم و الباء و تشديد اللام الخلقة قوله و بضعف طبيعتك تكلفت ما لا علم لك به في بعض النسخ و بضعف قوتك تكلمت. و الحاصل أن حكمك بأنهم إذا كانوا على صفات واحدة كان أقرب إلى الحكمة و الصواب أنما نشأ من الأوهام التابعة للقوى البدنية فإنهم لو كانوا كذلك لم يتيسر التكليف المعرض لهم لأرفع الدرجات و لم يبق نظام النوع و لم يرتكبوا الصناعات الشاقة التي بها بقاء نوعهم إلى غير ذلك من الحكم و المصالح. بعلمي خالفت بين خلقهم إذ علمت أن في مخالفة خلقتهم صلاحهم و بقاء نوعهم و بمشيتي أي إرادتي التابعة لحكمتي يمضي فيهم أمري أي الأمر التكويني أو التكليفي أو الأعم لا تبديل لخلقي أي لتقديري أو لما قررت فيهم من القابليات و الاستعدادات و قيل أي من حسنت أحواله في ذلك الوقت حسنت أحواله في الدنيا و من حسنت أحواله في الدنيا حسنت أحواله في الآخرة و من قبحت أحواله في ذلك الوقت قبحت أحواله في الموطنين الآخرين لا يتبدل هؤلاء إلى هؤلاء و لا هؤلاء إلى هؤلاء. أقول قد مر و سيأتي الكلام في تفسير قوله تعالى لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ و كان هذا إشارة إليه و إنما خلقت الجن و الإنس ليعبدوني إشارة إلى قوله تعالى وَ ما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَ الْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ. و أورد على ظاهر الآية أن بعض الجن و الإنس لا يعبدون أصلا إما لكفر أو جنون أو موت قبل البلوغ أو نحو ذلك و عدم ترتب العلة الغائية على فعل الحكيم ممتنع و أجيب بوجوه أربعة. الأول أنه أراد سبحانه بالجن و الإنس اللذين بلغوا حد التكليف قبل الممات و التعليل المفهوم من اللام أعم من العلة الغائية
كما روى الصدوق في التوحيد عن أبي الحسن الأول ع أنه قال معنى قول النبي ص اعملوا فكل ميسر لما خلق له إن الله عز و جل خلق الجن و الإنس ليعبدوه و لم يخلقهم ليعصوه و ذلك قوله عز و جل وَ ما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَ الْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ فيسر كلا لما خلق له فالويل لمن استحب العمى على الهدى
الثاني أنه إن سلمنا أن المراد بالجن و الإنس ما هو أعم من المكلفين و أن اللام للعلية الغائية لا نسلم العموم في ضمير الجمع في قوله ليعبدون إذ لعل المراد عبادة بعض الجن و الإنس. الثالث إن سلمنا عموم ضمير يعبدون أيضا فلا نسلم رجوع الضمير إلى الجن و الإنس إذ يمكن عوده إلى المؤمنين المذكورين قبل هذه الآية في قوله تعالى وَ ذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ فتدل على أن خلق غير المؤمنين لأجل المؤمنين كما يومئ إليه قوله تعالى في هذا الخبر و ينظر المؤمن إلى الكافر فيحمدني فلذلك خلقتهم إلخ. الرابع لو سلمنا جميع ذلك نقول ترتب الغاية على فعل الحكيم و وجوبه أنما هو فيما هو غاية بالذات و الغاية بالذات هنا إنما هي التكليف بالعبادة و العبادة غاية بالعرض و التكليف شامل لجميع أفراد الجن و الإنس للروايات الدالة على أن الأطفال و المجانين يكلفون في القيامة كما سيأتي في كتاب الجنائز. قوله و قبل مماتكم كأن تخصيص قبل الممات بالذكر و إن كان داخلا في الحياة للتنبيه على أن المدار على العاقبة في السعادة و الشقاوة لأبلوك و أبلوهم أي لأعاملك و إياهم معاملة المختبر أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا مفعول ثان للبلوى بتضمين معنى العلم. قوله و الطاعة و المعصية إسناد خلقهما إليه سبحانه إسناد إلى العلة البعيدة أو المراد به جعل المعصية معصية و الطاعة طاعة أو المراد بالخلق التقدير على عموم المجاز أو الاشتراك و ظاهره أن الجنة و النار مخلوقتان كما هو مذهب أكثر الإمامية بل كلهم و أكثر العامة و قد مر الكلام فيه في كتاب المعاد. و بعلمي النافذ فيهم أي المتعلق بكنه ذواتهم و صفاتهم و أعمالهم كأنه نفذ في أعماقهم أو الجاري أثره فيهم فجعلت منهم الشقي و السعيد أي من كنت أعلم عند خلقه أنه يصير شقيا أو المادة القابلة للشقاوة و إن لم يكن مجبورا عليها و كذا السعيد و البصير أي بصرا أو بصيرة و كذا الأعمى. و الذميم في أكثر النسخ بالذال المعجمة أي المذموم الخلقة في القاموس ذمه ذما و مذمة فهو مذموم و ذميم و بئر ذميم و ذميمة قليلة الماء و غزيرة ضد و به ذميمة أي زمانة تمنعه الخروج و كأمير بثر يعلو الوجوه من حر أو جرب و في بعض النسخ بالدال المهملة في القاموس و الدمة بالكسر الرجل القصير الحقير و أدم أقبح أو ولد له ولد قبيح دميم و قال الزمانة العاهة و قوله لأبلوهم بدل لقوله لذلك خلقتهم قوله و لي أن أغير إشارة إلى أن الطينات المختلفة و الخلق منها و تقدير الأمور المذكورة فيهم ليس مما ينفي اختيار الخير و الشر أو من الأمور الحتمية التي لا تقبل البداء. لا أسأل عما أفعل إنما لا يسأل لأنه سبحانه الكامل بالذات العادل في كل ما أراد العالم بالحكم و المصالح الخفية التي لا تصل إليها عقول الخلق بخلاف غيره فإنهم مسئولون عن أعمالهم و أحوالهم لأن فيها الحسن و القبيح و الإيمان و الكفر لا بالمعنى الذي تذهب إليه الأشاعرة أنه يجوز أن يدخل الأنبياء ع النار و الكفار الجنة و لا يجب عليه شيء. و قيل إن هذا إشارة إلى عدم الوجوب السابق و جواز تخلف المعلول عن العلة التامة كما اختاره هذا القائل. و قال بعض أرباب التأويل في شرح هذا الخبر إنما ملئوا السماء لأن الملكوت إنما هو في باطن السماء و قد ملئوها و كانوا يومئذ ملكوتيين و السر في تفاوت الخلائق في الخيرات و الشرور و اختلافهم في السعادة و الشقاوة اختلاف استعداداتهم و تنوع حقائقهم لتباين المواد السفلية في اللطافة و الكثافة و اختلاف أمزجتهم في القرب و البعد من الاعتدال الحقيقي و اختلاف الأرواح التي بإزائها في الصفاء و الكدورة و القوة و الضعف و ترتب درجاتهم في القرب من الله سبحانه و البعد عنه كما أشير إليه
في الحديث الناس معادن كمعادن الذهب و الفضة خيارهم في الجاهلية خيارهم في الإسلام
و أما سر هذا السر أعني سر اختلاف الاستعدادات و تنوع الحقائق فهو تقابل صفات الله سبحانه و أسمائه الحسنى التي هي من أوصاف الكمال و نعوت الجلال و ضرورة تباين مظاهرها التي بها يظهر أثر تلك الأسماء فكل من الأسماء يوجب تعلق إرادته سبحانه و قدرته إلى إيجاد مخلوق يدل عليه من حيث اتصافه بتلك الصفة فلا بد من إيجاد المخلوقات كلها على اختلافها و تباين أنواعها لتكون مظاهر لأسمائه الحسنى جميعا و مجالي لصفاته العليا قاطبة كما أشير إلى لمعة منه في هذا الحديث انتهى. أقول هذه الكلمات مبنية على خرافات الصوفية إنما نورد أمثالها لتطلع على مسالك القوم في ذلك و آرائهم
25- كا، ]الكافي[ عن أحمد بن محمد عن محمد بن خالد عن بعض أصحابنا عن عبد الله بن سنان قال قلت لأبي عبد الله ع جعلت فداك إني لأرى بعض أصحابنا يعتريه النزق و الحدة و الطيش فأغتم لذلك غما شديدا و أرى من خالفنا فأراه حسن السمت قال لا تقل حسن السمت فإن السمت سمت الطريق و لكن قل حسن السيماء فإن الله عز و جل يقول سِيماهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ قال قلت فأراه حسن السيماء له وقار فأغتم لذلك قال لا تغتم لما رأيت من نزق أصحابك و لما رأيت من حسن سيماء من خالفك إن الله تبارك و تعالى لما أراد أن يخلق آدم خلق تلك الطينتين ثم فرقهما فرقتين فقال لأصحاب اليمين كونوا خلقا بإذني فكانوا خلقا بمنزلة الذر يسعى و قال لأصحاب الشمال كونوا خلقا بإذني فكانوا خلقا بمنزلة الذر يدرج ثم رفع لهم نارا فقال ادخلوها بإذني فكان أول من دخلها محمد ص ثم اتبعه أولو العزم من الرسل و أوصياؤهم و أتباعهم ثم قال لأصحاب الشمال ادخلوها بإذني فقالوا ربنا خلقتنا لتحرقنا فعصوا فقال لأصحاب اليمين اخرجوا بإذني من النار فخرجوا لم تكلم منهم النار كلما و لم تؤثر فيهم أثرا فلما رآهم أصحاب الشمال قالوا ربنا نرى أصحابنا قد سلموا فأقلنا و مرنا بالدخول قال قد أقلتكم فادخلوها فلما دنوا و أصابهم الوهج رجعوا فقالوا يا ربنا لا صبر لنا على الاحتراق فعصوا فأمرهم بالدخول ثلاثا كل ذلك يعصون و يرجعون و أمر أولئك ثلاثا كل ذلك يطيعون و يخرجون فقال لهم كونوا طينا بإذني فخلق منه آدم قال فمن كان من هؤلاء لا يكون من هؤلاء و من كان من هؤلاء لا يكون من هؤلاء و ما رأيت من نزق أصحابك و خلقهم فمما أصاب من لطخ أصحاب الشمال و ما رأيت من حسن سيماء من خالفكم و وقارهم فمما أصابهم من لطخ أصحاب اليمين
توضيح يقال عراه و اعتراه أي غشيه و أتاه و النزق بالفتح و التحريك الخفة عند الغضب و الحدة و الطيش قريبان منه و قال الجوهري السمت الطريق و سمت يسمت بالضم أي قصد و السمت هيئة أهل الخير يقال ما أحسن سمته أي هديه و قال السيما مقصور من الواو قال تعالى سِيماهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ و قد يجيء السيماء و السيمياء ممدودين. و قال الفيروزآبادي السمت الطريق و هيئة أهل الخير و السير على الطريق بالظن و حسن النحو و قصد الشيء و قال السيمة و السيماء و السيمياء بكسرهن العلامة. و قال الجزري السمت الهيئة الحسنة و منه فينظرون إلى سمته و هديه أي حسن هيئته و منظره في الدين و ليس من الحسن و الجمال و قيل هو من السمت الطريق يقال الزم هذا السمت و فلان حسن السمت أي حسن القصد. و قال الزمخشري السمت أخذ النهج و لزوم المحجة يقال ما أحسن سمته أي طريقته التي ينتهجها في تحري الخير و التزيي بزي الصالحين. و في المصباح السمت الطريق و القصد و السكينة و الوقار و الهيئة انتهى. و لعل منعه ع عن إطلاق السمت لأن السمت يكون بمعنى سمت الطريق فيوهم أن طريقهم و مذهبهم حسن فعبر ع بعبارة أخرى لا يوهم ذلك أو لما لم يكن السمت بمعنى هيئة أهل الخير فصيحا أمر بعبارة أخرى أفصح منه أو أنه ع علم أنه أراد بالسمت السيماء لا هيئة أهل الخير و الطريقة الحسنة و الأفعال المحمودة فلذا نبهه ع بأن السمت لم يأت بالمعنى الذي أردت و هذا قريب من الأول. و الوقار الاطمئنان و السكينة البدنية لأصحاب اليمين أي للذين كانوا في يمين الملك الذي أمره بتفريقها أو للذين كانوا في يمين العرش أو للذين علم أنهم سيصيرون من المؤمنين الذين يقفون في القيامة عن يمين العرش. كونوا خلقا أي مخلوقين ذوي أرواح و قيل أي كونوا أرواحا بمنزلة الذر أي النمل الصغار يسعى و إطلاق السعي هنا و الدرج فيما سيأتي إما لمحض التفنن في العبارة أو المراد بالسعي سرعة السير و بالدرج المشي الضعيف كما يقال درج الصبي إذا مشى أول مشيه فيكون إشارة إلى مسارعة الأولين إلى الخيرات و بطء الآخرين عنها و قيل المراد سعي الأولين إلى العلو و الآخرين إلى السفل و لا دلالة في اللفظ عليهما. ثم اتبعه أولو العزم أي سائرهم ع و الكلم الجرح و الفعل كضرب و قد يبنى على التفعيل و في القاموس وهج النار تهج وهجا و وهجانا اتقدت و الاسم الوهج محركة. و أقول يمكن أن يقال في تأويل هذا الخبر أنه لما كان من علم الله منهم السعادة تابعين للعقل و لمقتضيات النفس المقدس فكأنها طينتهم و من علم الله منهم الشقاوة تابعين للشهوات البدنية و دواعي النفس الأمارة فكأنها طينتهم و لما مزج الله بينهما في عالم الشهود جرى في غالب الناس الطاعة و المعصية و الصفات القدسية و الملكات الردية فما كان من الخيرات فهو من جهة العقل و النفس و هما طينة أصحاب اليمين و إن كان في أصحاب الشمال و ما كان من الشرور و المعاصي فهو من الأجزاء البدنية التي هي طينة أصحاب الشمال و إن كان في أصحاب اليمين. و يمكن أيضا أن يقال المعنى أن الله تعالى قرر في خلقة آدم ع و طينته دواعي الخير و الشر و علم أنه يكون في ذريته السعداء و الأشقياء و خلق آدم ع مع علمه بذلك فكأنه خلط بين الطينتين و لما كان أولاد آدم مدنيين بالطبع لا بد لهم في نشأة الدنيا من المخالطة و المصاحبة فالسعداء يكتسبون الصفات الذميمة من مخالطة الأشقياء و بالعكس فلعل قوله من لطخ أصحاب الشمال و من لطخ أصحاب اليمين إشارة إلى هذا المعنى. و لما كان السبب الأقوى في اكتساب السعداء صفات الأشقياء استيلاء أئمة الجور و أتباعهم على أئمة الحق و أتباعهم و علم الله أن المؤمنين إنما يرتكبون الآثام لاستيلاء أهل الباطل عليهم و عدم تولي أئمة الحق لسياستهم فيعذرهم بذلك و يعفو عنهم و يعذب أئمة الجور و أتباعهم بتسببهم لجرائم من خالطهم مع ما يستحقون من جرائم أنفسهم و سيأتي مزيد تحقيق لذلك في الأخبار الآتية إن شاء الله تعالى
26- سن، ]المحاسن[ عن أبيه عن محمد بن سنان عن المفضل بن عمر عن أبي عبد الله ع قال إن الله تبارك و تعالى خلق المؤمن من نور عظمته و جلال كبريائه فمن طعن على المؤمن أو رد عليه فقد رد على الله في عرشه و ليس هو من الله في ولاية و إنما هو شرك شيطان
بيان و ليس هو من الله في ولاية أي ليس من أولياء الله و أحبائه و أنصاره أو ليس من المؤمنين الذين ينصرهم الله و يواليهم كما قال تعالى ذلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ مَوْلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَ أَنَّ الْكافِرِينَ لا مَوْلى لَهُمْ أو ليس من حزب الله بل هو من حزب الشيطان كما ورد في خبر آخر خرج من ولاية الله إلى ولاية الشيطان
27- رياض الجنان، لفضل الله بن محمود الفارسي بإسناده عن بشر بن أبي عتبة عن أبي جعفر و أبي عبد الله ع قال إن الله خلق محمدا من طينة من جوهرة من تحت العرش و إنه كان لطينته نضج فجعل طينة أمير المؤمنين ع من نضج طينة رسول الله ص و كان لطينة أمير المؤمنين ع نضج فجعل طينتنا من فضل طينة أمير المؤمنين و كانت لطينتنا نضج فجعل طينة شيعتنا من نضج طينتنا فقلوبهم تحن إلينا و قلوبنا تعطف عليهم كعطف الوالد على الولد و نحن لهم خير منهم لنا و رسول الله ص لنا خير و نحن له خير
28- و منه، بإسناده عن أبي الحجاج قال قال لي أبو جعفر ع يا أبا الحجاج إن الله خلق محمدا و آل محمد صلى الله عليهم من طين عليين و خلق قلوبهم من طين عليين فقلوب شيعتنا من أبدان آل محمد ص و إن الله تعالى خلق عدو آل محمد من طين سجين و خلق قلوبهم أخبث من ذلك و خلق شيعتهم من طين دون طين سجين فقلوبهم من أبدان أولئك و كل قلب يحن إلى بدنه
29- بشا، ]بشارة المصطفى[ عن ابن الشيخ عن والده عن المفيد عن الجعابي عن جعفر بن محمد الحسيني عن أحمد بن عبد المنعم عن عبد الله بن محمد الفزاري عن جعفر بن محمد عن أبيه عن جابر الأنصاري و بالإسناد عن أحمد بن عبد المنعم عن عمرو بن شمر عن جابر عن أبي جعفر ع عن جابر قال قال رسول الله ص لعلي بن أبي طالب ع أ لا أبشرك ألا أمنحك قال بلى يا رسول الله قال فإني خلقت أنا و أنت من طينة واحدة ففضلت منها فضلة فخلق منها شيعتنا فإذا كان يوم القيامة دعي الناس بأمهاتهم إلا شيعتك فإنهم يدعون بأسماء آبائهم لطيب مولدهم
30- بشا، ]بشارة المصطفى[ عن محمد بن أحمد بن شهريار الخازن عن أبي منصور محمد بن محمد بن أحمد بن عبد العزيز المعدل عن أبي عمير السماك عن محمد بن أحمد المهدي عن عمر بن الخطاب السجستاني عن إسماعيل بن العباس الحمصي عن أبي زياد عن أبي هريرة قال سمعت رسول الله ص يقول لعلي ع أ لا أبشرك يا علي قال بلى بأبي و أمي يا رسول الله قال أنا و أنت و فاطمة و الحسن و الحسين خلقنا من طينة واحدة و فضلت منها فضلة فجعل منها شيعتنا و محبينا فإذا كان يوم القيامة دعي الناس بأسماء أمهاتهم ما خلا نحن و شيعتنا و محبينا فإنهم يدعون بأسمائهم و أسماء آبائهم
31- بشا، ]بشارة المصطفى[ عن ابن شيخ الطائفة عن أبيه عن المفيد عن المظفر بن محمد عن محمد بن أحمد بن أبي الثلج عن أحمد بن محمد بن عيسى الهاشمي عن محمد بن عبد الله الزراري عن أبيه عن ابن محبوب عن أبي زكريا الموصلي عن جابر عن أبي جعفر عن أبيه عن جده ع أن رسول الله ص قال لعلي أنت الذي احتج الله بك في ابتداء الخلق حيث أقامهم أشباحا فقال لهم أَ لَسْتُ بِرَبِّكُمْ قالُوا بَلى قال و محمد رسولي قالوا بلى قال و علي أمير المؤمنين فأبى الخلق جميعا إلا استكبارا و عتوا عن ولايتك إلا نفر قليل و هم أقل القليل و هم أصحاب اليمين
32- كا، ]الكافي[ عن محمد بن يحيى و غيره عن أحمد بن محمد و غيره عن محمد بن خلف عن أبي نهشل قال حدثني محمد بن إسماعيل عن أبي حمزة الثمالي قال سمعت أبا جعفر ع يقول إن الله عز و جل خلقنا من أعلى عليين و خلق قلوب شيعتنا مما خلقنا منه و خلق أبدانهم من دون ذلك و قلوبهم تهوى إلينا لأنها خلقت مما خلقنا ثم تلا هذه الآية كَلَّا إِنَّ كِتابَ الْأَبْرارِ لَفِي عِلِّيِّينَ وَ ما أَدْراكَ ما عِلِّيُّونَ كِتابٌ مَرْقُومٌ يَشْهَدُهُ الْمُقَرَّبُونَ و خلق عدونا من سجين و خلق قلوب شيعتهم مما خلقهم منه و أبدانهم من دون ذلك فقلوبهم تهوى إليهم لأنها خلقت مما خلقوا منه ثم تلا هذه الآية كَلَّا إِنَّ كِتابَ الفُجَّارِ لَفِي سِجِّينٍ وَ ما أَدْراكَ ما سِجِّينٌ كِتابٌ مَرْقُومٌ وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ
بيان قد مر الخبر و شرحه في باب خلق أبدان الأئمة ع. و قال بعض أرباب التأويل كل ما يدركه الإنسان بحواسه يرتفع منه أثر إلى روحه و يجتمع في صحيفة ذاته و خزانة مدركاته و كذلك كل مثقال ذرة من خير أو شر يعمله يرى أثره مكتوبا ثمة و سيما ما رسخت بسبب الهيئات و تأكدت به الصفات و صار خلقا و ملكة. فالأفاعيل المتكررة و العقائد الراسخة في النفوس هي بمنزلة النقوش الكتابية في الألواح كما قال الله تعالى أُولئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمانَ و هذه الألواح النفيسة يقال لها صحائف الأعمال و إليه الإشارة بقوله سبحانه وَ إِذَا الصُّحُفُ نُشِرَتْ و قوله عز و جل وَ كُلَّ إِنسانٍ أَلْزَمْناهُ طائِرَهُ فِي عُنُقِهِ وَ نُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ كِتاباً يَلْقاهُ مَنْشُوراً فيقال له لَقَدْ كُنْتَ فِي غَفْلَةٍ مِنْ هذا فَكَشَفْنا عَنْكَ غِطاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ هذا كِتابُنا يَنْطِقُ عَلَيْكُمْ بِالْحَقِّ إِنَّا كُنَّا نَسْتَنْسِخُ ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ. فمن كان من أهل السعادة و أصحاب اليمين و كانت معلوماته أمورا قدسية و أخلاقه زكية و أعماله صالحة فقد أُوتِيَ كِتابَهُ بِيَمِينِهِ أعني من الجانب الأقوى الروحاني و هو جهة عليين و ذلك لأن كتابه من جنس الألواح العالية و الصحف المكرمة المرفوعة المطهرة بِأَيْدِي سَفَرَةٍ كِرامٍ بَرَرَةٍ يَشْهَدُهُ الْمُقَرَّبُونَ. و من كان من الأشقياء المردودين و كانت معلوماته مقصورة على الجرميات و أخلاقه سيئة و أعماله خبيثة فقد أُوتِيَ كِتابَهُ بِشِمالِهِ أعني من جانبه الأضعف الجسماني و هو جهة سجين و ذلك لأن كتابه من جنس الأوراق السفلية و الصحائف الحسية القابلة للاحتراق فلا جرم يعذب بالنار و إنما عود الأرواح إلى ما خلقت منه كما قال سبحانه كَما بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ كَما بَدَأْنا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ فما خلق من عليين فكتابه في عليين و ما خلق من سجين فكتابه في سجين انتهى. و سياق تلك التحقيقات على مذاقه من أصول الدين و لما لم يصرح بنفي ما حققه جماهير الإمامية من أصحاب اليقين لا أدري أنها ثبتت له في عليين أو سجين وفقنا الله لسلوك مسالك المتقين
33- بشا، ]بشارة المصطفى[ عن ابن الشيخ عن أبيه عن المفيد عن ابن قولويه عن أبيه عن سعد عن ابن عيسى عن محمد بن خالد عن فضالة عن أبي بصير عن أبي جعفر ع قال إنا و شيعتنا خلقنا من طينة عليين و خلق الله عدونا من طينة خبال مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ
بيان قال في النهاية فيه من شرب الخمر سقاه الله من طينة الخبال يوم القيامة جاء تفسيره في الحديث أن الخبال عصارة أهل النار و الخبال في الأصل الفساد و يكون من الأفعال و الأبدان و العقول