1- مكا، ]مكارم الأخلاق[ عن عبد الله بن مسعود قال دخلت أنا و خمسة رهط من أصحابنا يوما على رسول الله ص و قد أصابتنا مجاعة شديدة و لم يكن ذقنا منذ أربعة أشهر إلا الماء و اللبن و ورق الشجر قلنا يا رسول الله إلى متى نحن على هذه المجاعة الشديدة قال رسول الله ص لا تزالون فيها ما عشتم فأحدثوا لله شكرا فإني قرأت كتاب الله الذي أنزل علي و على من كان قبلي فما وجدت من يدخلون الجنة إلا الصابرون يا ابن مسعود قال الله تعالى إِنَّما يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسابٍ أُوْلئِكَ يُجْزَوْنَ الْغُرْفَةَ بِما صَبَرُوا إِنِّي جَزَيْتُهُمُ الْيَوْمَ بِما صَبَرُوا أَنَّهُمْ هُمُ الْفائِزُونَ يا ابن مسعود قول الله تعالى وَ جَزاهُمْ بِما صَبَرُوا جَنَّةً وَ حَرِيراً أُولئِكَ يُؤْتَوْنَ أَجْرَهُمْ مَرَّتَيْنِ بِما صَبَرُوا يقول الله تعالى أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَ لَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْساءُ وَ الضَّرَّاءُ وَ لَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَ الْجُوعِ وَ نَقْصٍ مِنَ الْأَمْوالِ وَ الْأَنْفُسِ وَ الثَّمَراتِ وَ بَشِّرِ الصَّابِرِينَ قلنا يا رسول الله فمن الصابرون قال ص الذين يصبرون على طاعة الله و عن معصيته الذين كسبوا طيبا و أنفقوا قصدا و قدموا فضلا فأفلحوا و أنجحوا يا ابن مسعود عليهم الخشوع و الوقار و السكينة و التفكر و اللين و العدل و التعليم و الاعتبار و التدبير و التقوى و الإحسان و التحرج و الحب في الله و البغض في الله و أداء الأمانة و العدل في الحكم و إقامة الشهادة و معاونة أهل الحق و البغية على المسيء و العفو لمن ظلم يا ابن مسعود إذا ابتلوا صبروا و إذا أعطوا شكروا و إذا حكموا عدلوا و إذا قالوا صدقوا و إذا عاهدوا وفوا و إذا أساءوا استغفروا و إذا أحسنوا استبشروا وَ إِذا خاطَبَهُمُ الْجاهِلُونَ قالُوا سَلاماً وَ إِذا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِراماً وَ الَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّداً وَ قِياماً و يقولون للناس حسنا يا ابن مسعود و الذي بعثني بالحق إن هؤلاء هم الفائزون يا ابن مسعود فَمَنْ شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلامِ فَهُوَ عَلى نُورٍ مِنْ رَبِّهِ فإن النور إذا وقع في القلب انشرح و انفسح فقيل يا رسول الله فهل لذلك من علامة قال نعم التجافي عن دار الغرور و الإنابة إلى دار الخلود و الاستعداد للموت قبل نزول الفوت فمن زهد في الدنيا قصر أمله فيها و تركها لأهلها يا ابن مسعود قول الله تعالى لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا يعني أيكم أزهد في الدنيا إنها دار الغرور و دار من لا دار له و لها يجمع من لا عقل له إن أحمق الناس من طلب الدنيا قال الله تعالى اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَياةُ الدُّنْيا لَعِبٌ وَ لَهْوٌ وَ زِينَةٌ وَ تَفاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَ تَكاثُرٌ فِي الْأَمْوالِ وَ الْأَوْلادِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَباتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَراهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَكُونُ حُطاماً وَ فِي الْآخِرَةِ عَذابٌ شَدِيدٌ قال الله تعالى وَ آتَيْناهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا يعني الزهد في الدنيا و قال الله تعالى لموسى يا موسى إنه لن يتزين المتزينون بزينة أزين في عيني مثل الزهد يا موسى إذا رأيت الفقر مقبلا فقل مرحبا بشعار الصالحين و إذا رأيت الغنى مقبلا فقل ذنب عجلت عقوبته يا ابن مسعود قول الله تعالى وَ لَوْ لا أَنْ يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً واحِدَةً لَجَعَلْنا لِمَنْ يَكْفُرُ بِالرَّحْمنِ لِبُيُوتِهِمْ سُقُفاً مِنْ فِضَّةٍ وَ مَعارِجَ عَلَيْها يَظْهَرُونَ وَ لِبُيُوتِهِمْ أَبْواباً وَ سُرُراً عَلَيْها يَتَّكِؤُنَ وَ زُخْرُفاً وَ إِنْ كُلُّ ذلِكَ لَمَّا مَتاعُ الْحَياةِ الدُّنْيا وَ الْآخِرَةُ عِنْدَ رَبِّكَ لِلْمُتَّقِينَ و قوله مَنْ كانَ يُرِيدُ الْعاجِلَةَ عَجَّلْنا لَهُ فِيها ما نَشاءُ لِمَنْ نُرِيدُ ثُمَّ جَعَلْنا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلاها مَذْمُوماً مَدْحُوراً وَ مَنْ أَرادَ الْآخِرَةَ وَ سَعى لَها سَعْيَها وَ هُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولئِكَ كانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُوراً يا ابن مسعود من اشتاق إلى الجنة سارع في الخيرات و من خاف النار ترك الشهوات و من ترقب الموت أعرض عن اللذات و من زهد في الدنيا هانت عليه المصيبات يا ابن مسعود قوله تعالى زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَواتِ مِنَ النِّساءِ وَ الْبَنِينَ وَ الْقَناطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَ الْفِضَّةِ وَ الْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ الآية يا ابن مسعود إن الله اصطفى موسى بالكلام و المناجاة حين ترى خضرة البقل من بطنه من هزاله و ما سأل موسى حين تولى إلى الظل إلا طعاما
يأكله من جوع يا ابن مسعود إن شئت نبأتك بأمر نوح نبي الله ع أنه عاش ألف سنة إلا خمسين عاما يدعو إلى الله فكان إذا أصبح قال لا أمسي و إذا أمسى قال لا أصبح فكان لباسه الشعر و طعامه الشعير و إن شئت نبأتك بأمر داود ع خليفة الله في الأرض و كان لباسه الشعر و طعامه الشعير و إن شئت نبأتك بأمر سليمان ع مع ما كان فيه من الملك كان يأكل الشعير و يطعم الناس الحواري و كان لباسه الشعر و كان إذا جنه الليل شد يده إلى عنقه فلا يزال قائما يصلي حتى يصبح و إن شئت نبأتك بأمر إبراهيم خليل الرحمن ع كان لباسه الصوف و طعامه الشعير و إن شئت نبأتك بأمر يحيى ع كان لباسه الليف و كان يأكل ورق الشجر و إن شئت نبأتك بأمر عيسى ابن مريم ع و هو العجب كان يقول إدامي الجوع و شعاري الخوف و لباسي الصوف و دابتي رجلاي و سراجي بالليل القمر و صلاي في الشتاء مشارق الشمس و فاكهتي و ريحانتي بقول الأرض مما يأكل الوحوش و الأنعام و أبيت و ليس لي شيء و أصبح و ليس لي شيء و ليس على وجه الأرض أحد أغنى مني يا ابن مسعود كل هذا منهم يبغضون ما أبغض الله و يصغرون ما صغر الله و يزهدون ما أزهد الله و قد أثنى الله عليهم في محكم كتابه فقال لنوح إِنَّهُ كانَ عَبْداً شَكُوراً و قال لإبراهيم اتَّخَذَ اللَّهُ إِبْراهِيمَ خَلِيلًا و قال لداود إِنَّا جَعَلْناكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ و قال لموسى وَ كَلَّمَ اللَّهُ مُوسى تَكْلِيماً و قال أيضا لموسى ع وَ قَرَّبْناهُ نَجِيًّا و قال ليحيى ع وَ آتَيْناهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا و قال لعيسى ع يا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ اذْكُرْ نِعْمَتِي عَلَيْكَ وَ عَلى والِدَتِكَ إِذْ أَيَّدْتُكَ بِرُوحِ الْقُدُسِ تُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَ كَهْلًا إلى قوله وَ إِذْ تَخْلُقُ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ بِإِذْنِي و قال إِنَّهُمْ كانُوا يُسارِعُونَ فِي الْخَيْراتِ وَ يَدْعُونَنا رَغَباً وَ رَهَباً وَ كانُوا لَنا خاشِعِينَ يا ابن مسعود كل ذلك لما خوفهم الله في كتابه من قوله وَ إِنَّ جَهَنَّمَ لَمَوْعِدُهُمْ أَجْمَعِينَ لَها سَبْعَةُ أَبْوابٍ لِكُلِّ بابٍ مِنْهُمْ جُزْءٌ مَقْسُومٌ قال الله تعالى وَ جِيءَ بِالنَّبِيِّينَ وَ الشُّهَداءِ وَ قُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ وَ هُمْ لا يُظْلَمُونَ يا ابن مسعود النار لمن ركب محرما و الجنة لمن ترك الحلال فعليك بالزهد فإن ذلك مما يباهي الله به الملائكة و به يقبل الله عليك بوجهه و يصلي عليك الجبار يا ابن مسعود سيأتي من بعدي أقوام يأكلون طيب الطعام و ألوانها و يركبون الدواب و يتزينون بزينة المرأة لزوجها و يتبرجون تبرج النساء و زيهن مثل زي الملوك الجبابرة و هم منافقو هذه الأمة في آخر الزمان شاربون بالقهوات لاعبون بالكعاب راكبون الشهوات تاركون الجماعات راقدون عن العتمات مفرطون في العدوات يقول الله تعالى فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضاعُوا الصَّلاةَ وَ اتَّبَعُوا الشَّهَواتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا يا ابن مسعود مثلهم مثل الدفلي زهرتها حسنة و طعمها مر كلامهم الحكمة
و أعمالهم داء لا يقبل الدواء أَ فَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلى قُلُوبٍ أَقْفالُها يا ابن مسعود ما يغني من يتنعم في الدنيا إذا أخلد في النار يَعْلَمُونَ ظاهِراً مِنَ الْحَياةِ الدُّنْيا وَ هُمْ عَنِ الْآخِرَةِ هُمْ غافِلُونَ يبنون الدور و يشيدون القصور و يزخرفون المساجد و ليست همتهم إلا الدنيا عاكفون عليها معتمدون فيها آلهتهم بطونهم قال الله تعالى وَ تَتَّخِذُونَ مَصانِعَ لَعَلَّكُمْ تَخْلُدُونَ وَ إِذا بَطَشْتُمْ بَطَشْتُمْ جَبَّارِينَ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَ أَطِيعُونِ قال الله تعالى أَ فَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلهَهُ هَواهُ وَ أَضَلَّهُ اللَّهُ عَلى عِلْمٍ وَ خَتَمَ عَلى سَمْعِهِ وَ قَلْبِهِ إلى قوله أَ فَلا تَذَكَّرُونَ و ما هو إلا منافق جعل دينه هواه و إلهه بطنه كلما اشتهى من الحلال و الحرام لم يمتنع منه قال الله تعالى وَ فَرِحُوا بِالْحَياةِ الدُّنْيا وَ مَا الْحَياةُ الدُّنْيا فِي الْآخِرَةِ إِلَّا مَتاعٌ يا ابن مسعود محاريبهم نساؤهم و شرفهم الدراهم و الدنانير و همتهم بطونهم أولئك هم شر الأشرار الفتنة معهم و إليهم يعود يا ابن مسعود قول الله تعالى أَ فَرَأَيْتَ إِنْ مَتَّعْناهُمْ سِنِينَ ثُمَّ جاءَهُمْ ما كانُوا يُوعَدُونَ ما أَغْنى عَنْهُمْ ما كانُوا يُمَتَّعُونَ يا ابن مسعود أجسادهم لا تشبع و قلوبهم لا تخشع يا ابن مسعود الإسلام بدأ غريبا و سيعود غريبا كما بدأ فطوبى للغرباء فمن أدرك ذلك الزمان من أعقابكم فلا تسلموا في ناديهم و لا تشيعوا جنائزهم و لا تعودوا مرضاهم فإنهم يستنون بسنتكم و يظهرون بدعواكم و يخالفون أفعالكم فيموتون على غير ملتكم أولئك ليسوا مني و لا أنا منهم فلا تخافن أحدا غير الله فإن الله تعالى يقول أَيْنَما تَكُونُوا يُدْرِكْكُمُ الْمَوْتُ وَ لَوْ كُنْتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ و يقول يَوْمَ يَقُولُ الْمُنافِقُونَ وَ الْمُنافِقاتُ لِلَّذِينَ آمَنُوا انْظُرُونا نَقْتَبِسْ مِنْ نُورِكُمْ إلى قوله وَ غَرَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ فَالْيَوْمَ لا يُؤْخَذُ مِنْكُمْ فِدْيَةٌ وَ لا مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مَأْواكُمُ النَّارُ هِيَ مَوْلاكُمْ وَ بِئْسَ الْمَصِيرُ يا ابن مسعود عليهم لعنة الله مني و من جميع المرسلين و الملائكة المقربين و عليهم غضب الله و سوء الحساب في الدنيا و الآخرة و قال الله تعالى لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرائِيلَ إلى قوله وَ لكِنَّ كَثِيراً مِنْهُمْ فاسِقُونَ يا ابن مسعود أولئك يظهرون الحرص الفاحش و الحسد الظاهر و يقطعون الأرحام و يزهدون في الخير قال الله تعالى الَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثاقِهِ وَ يَقْطَعُونَ ما أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَ يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ أُولئِكَ لَهُمُ اللَّعْنَةُ وَ لَهُمْ سُوءُ الدَّارِ و يقول الله تعالى مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْراةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوها كَمَثَلِ الْحِمارِ يَحْمِلُ أَسْفاراً يا ابن مسعود يأتي على الناس زمان الصابر على دينه مثل القابض على الجمرة بكفه يقول لذلك الزمان إن كان في ذلك الزمان ذئبا و إلا أكلته الذئب يا ابن مسعود علماؤهم و فقهاؤهم خونة فجرة ألا إنهم أشرار خلق الله و كذلك أتباعهم و من يأتيهم و يأخذ منهم و يحبهم و يجالسهم و يشاورهم أشرار خلق الله يدخلهم نار جهنم صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لا يَرْجِعُونَ وَ نَحْشُرُهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ عَلى وُجُوهِهِمْ عُمْياً وَ بُكْماً وَ صُمًّا مَأْواهُمْ جَهَنَّمُ كُلَّما خَبَتْ زِدْناهُمْ سَعِيراً كُلَّما نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْناهُمْ جُلُوداً غَيْرَها لِيَذُوقُوا الْعَذابَ
و إِذا أُلْقُوا فِيها سَمِعُوا لَها شَهِيقاً وَ هِيَ تَفُورُ تَكادُ تَمَيَّزُ مِنَ الْغَيْظِ كُلَّما أَرادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْها مِنْ غَمٍّ أُعِيدُوا فِيها وَ قيل لهم ذُوقُوا عَذابَ الْحَرِيقِ لَهُمْ فِيها زَفِيرٌ وَ هُمْ فِيها لا يَسْمَعُونَ يدعون أنهم على ديني و سنتي و منهاجي و شرائعي إنهم مني براء و أنا منهم بريء يا ابن مسعود لا تجالسوهم في الملإ و لا تبايعوهم في الأسواق و لا تهدوهم الطريق و لا تسقوهم الماء قال الله تعالى مَنْ كانَ يُرِيدُ الْحَياةَ الدُّنْيا وَ زِينَتَها نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمالَهُمْ فِيها وَ هُمْ فِيها لا يُبْخَسُونَ الآية يقول الله تعالى مَنْ كانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيا نُؤْتِهِ مِنْها وَ ما لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ نَصِيبٍ يا ابن مسعود ما بلوا أمتي بينهم العداوة و البغضاء و الجدال أولئك أذلاء هذه الأمة في دنياهم و الذي بعثني بالحق ليخسفن الله بهم و يمسخهم قردة و خنازير قال فبكى رسول الله و بكينا لبكائه و قلنا يا رسول الله ما يبكيك قال رحمة للأشقياء يقول الله تعالى وَ لَوْ تَرى إِذْ فَزِعُوا فَلا فَوْتَ وَ أُخِذُوا مِنْ مَكانٍ قَرِيبٍ يعني العلماء و الفقهاء يا ابن مسعود من تعلم العلم يريد به الدنيا و آثر عليه حب الدنيا و زينتها استوجب سخط الله عليه و كان فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ مع اليهود و النصارى الذين نبذوا كتاب الله تعالى قال الله تعالى فَلَمَّا جاءَهُمْ ما عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ فَلَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الْكافِرِينَ يا ابن مسعود من تعلم القرآن للدنيا و زينتها حرم الله عليه الجنة يا ابن مسعود من تعلم العلم و لم يعمل بما فيه حشره الله يوم القيامة أعمى و من تعلم العلم رياء و سمعة يريد به الدنيا نزع الله بركته و ضيق عليه معيشته و وكله الله إلى نفسه و من وكله الله إلى نفسه فقد هلك قال الله تعالى فَمَنْ كانَ يَرْجُوا لِقاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صالِحاً وَ لا يُشْرِكْ بِعِبادَةِ رَبِّهِ أَحَداً يا ابن مسعود فليكن جلساؤك الأبرار و إخوانك الأتقياء و الزهاد لأن الله تعالى قال في كتابه الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ يا ابن مسعود اعلم أنهم يرون المعروف منكرا و المنكر معروفا ففي ذلك يطبع الله على قلوبهم فلا يكون فيهم الشاهد بالحق و لا القوامون بالقسط قال الله تعالى كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَداءَ لِلَّهِ وَ لَوْ عَلى أَنْفُسِكُمْ أَوِ الْوالِدَيْنِ وَ الْأَقْرَبِينَ يا ابن مسعود يتفاضلون بأحسابهم و أموالهم يقول الله تعالى وَ ما لِأَحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزى إِلَّا ابْتِغاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الْأَعْلى وَ لَسَوْفَ يَرْضى يا ابن مسعود عليك بخشية الله و أداء الفرائض فإنه يقول هُوَ أَهْلُ التَّقْوى وَ أَهْلُ الْمَغْفِرَةِ و يقول رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَ رَضُوا عَنْهُ ذلِكَ لِمَنْ خَشِيَ رَبَّهُ يا ابن مسعود دع عنك ما لا يعنيك و عليك بما يغنيك فإن الله تعالى يقول لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ يا ابن مسعود إياك أن تدع طاعة و تقصد معصية شفقة على أهلك لأن الله
تعالى يقول يا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ وَ اخْشَوْا يَوْماً لا يَجْزِي والِدٌ عَنْ وَلَدِهِ وَ لا مَوْلُودٌ هُوَ جازٍ عَنْ والِدِهِ شَيْئاً إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَياةُ الدُّنْيا وَ لا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ يا ابن مسعود احذر الدنيا و لذاتها و شهواتها و زينتها و أكل الحرام و الذهب و الفضة و المراكب و النِّساءِ وَ الْبَنِينَ وَ الْقَناطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَ الْفِضَّةِ... وَ الْأَنْعامِ وَ الْحَرْثِ ذلِكَ مَتاعُ الْحَياةِ الدُّنْيا وَ اللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآبِ قُلْ أَ أُنَبِّئُكُمْ بِخَيْرٍ مِنْ ذلِكُمْ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها وَ أَزْواجٌ مُطَهَّرَةٌ وَ رِضْوانٌ مِنَ اللَّهِ وَ اللَّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبادِ يا ابن مسعود لا تغترن بالله و لا تغترن بصلاتك و عملك و برك و عبادتك يا ابن مسعود إذا تلوت كتاب الله تعالى فأتيت على آية فيها أمر و نهي فرددها نظرا و اعتبارا فيها و لا تسه عن ذلك فإن نهيه يدل على ترك المعاصي و أمره يدل على عمل البر و الصلاح فإن الله تعالى يقول فَكَيْفَ إِذا جَمَعْناهُمْ لِيَوْمٍ لا رَيْبَ فِيهِ وَ وُفِّيَتْ كُلُّ نَفْسٍ ما كَسَبَتْ وَ هُمْ لا يُظْلَمُونَ يا ابن مسعود لا تحقرن ذنبا و لا تصغرنه و اجتنب الكبائر فإن العبد إذا نظر يوم القيامة إلى ذنوبه دمعت عيناه قيحا و دما يقول الله تعالى يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ ما عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَراً وَ ما عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَها وَ بَيْنَهُ أَمَداً بَعِيداً يا ابن مسعود إذا قيل لك اتق الله فلا تغضب فإنه يقول وَ إِذا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللَّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالْإِثْمِ فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ يا ابن مسعود قصر أملك فإذا أصبحت فقل إني لا أمسي و إذا أمسيت فقل إني لا أصبح و أعزم على مفارقة الدنيا و أحب لقاء الله و لا تكره لقاءه فإن الله يحب لقاء من أحب لقاءه و يكره لقاء من يكره لقاءه يا ابن مسعود لا تغرس الأشجار و لا تجري الأنهار و لا تزخرف البنيان و لا تتخذ الحيطان و البستان فإن الله يقول أَلْهاكُمُ التَّكاثُرُ يا ابن مسعود و الذي بعثني بالحق ليأتي على الناس زمان يستحلون الخمر يسمونه النبيذ عليهم لَعْنَةُ اللَّهِ وَ الْمَلائِكَةِ وَ النَّاسِ أَجْمَعِينَ أنا منهم بريء و هم مني برآء يا ابن مسعود الزاني بأمه أهون عند الله ممن يدخل في ماله من الربا مثقال حبة من خردل و من شرب المسكر قليلا أو كثيرا فهو أشد عند الله من آكل الربا لأنه مفتاح كل شر يا ابن مسعود أولئك يظلمون الأبرار و يصدقون الفجار و الفسقة الحق عندهم باطل و الباطل عندهم حق هذا كله للدنيا و هم يعلمون أنهم على غير الحق و لكن زَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطانُ أَعْمالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ فَهُمْ لا يَهْتَدُونَ رَضُوا بِالْحَياةِ الدُّنْيا وَ اطْمَأَنُّوا بِها وَ الَّذِينَ هُمْ عَنْ آياتِنا غافِلُونَ أُولئِكَ مَأْواهُمُ النَّارُ بِما كانُوا يَكْسِبُونَ يا ابن مسعود قال الله تعالى من رد عن ذكري و ذكر الآخرة نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطاناً فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ وَ إِنَّهُمْ لَيَصُدُّونَهُمْ عَنِ السَّبِيلِ وَ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ حَتَّى إِذا جاءَنا قالَ يا لَيْتَ بَيْنِي وَ بَيْنَكَ بُعْدَ الْمَشْرِقَيْنِ فَبِئْسَ الْقَرِينُ يا ابن مسعود إنهم ليعيبون على من يقتدي بسنتي فرائض الله قال الله تعالى فَاتَّخَذْتُمُوهُمْ سِخْرِيًّا حَتَّى أَنْسَوْكُمْ ذِكْرِي وَ كُنْتُمْ مِنْهُمْ تَضْحَكُونَ إِنِّي جَزَيْتُهُمُ الْيَوْمَ بِما صَبَرُوا أَنَّهُمْ هُمُ الْفائِزُونَ يا ابن مسعود احذر سكر الخطيئة فإن للخطيئة سكرا كسكر الشراب بل هي
أشد سكرا منه يقول الله تعالى صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لا يَرْجِعُونَ و يقول إِنَّا جَعَلْنا ما عَلَى الْأَرْضِ زِينَةً لَها لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا وَ إِنَّا لَجاعِلُونَ ما عَلَيْها صَعِيداً جُرُزاً يا ابن مسعود الدنيا ملعونة ملعون من فيها ملعون من طلبها و أحبها و نصب لها و تصديق ذلك في كتاب الله تعالى كُلُّ مَنْ عَلَيْها فانٍ وَ يَبْقى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَ الْإِكْرامِ و قوله كُلُّ شَيْءٍ هالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ يا ابن مسعود إذا عملت عملا فاعمل لله خالصا لأنه لا يقبل من عباده الأعمال إلا ما كان خالصا فإنه يقول وَ ما لِأَحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزى إِلَّا ابْتِغاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الْأَعْلى وَ لَسَوْفَ يَرْضى يا ابن مسعود دع نعيم الدنيا و أكلها و حلاوتها و حارها و باردها و لينها و طيبها و ألزم نفسك الصبر عنها فإنك مسئول عن ذلك كله قال الله تعالى ثُمَّ لَتُسْئَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ يا ابن مسعود فلا تلهينك الدنيا و شهواتها فإن الله تعالى يقول أَ فَحَسِبْتُمْ أَنَّما خَلَقْناكُمْ عَبَثاً وَ أَنَّكُمْ إِلَيْنا لا تُرْجَعُونَ يا ابن مسعود إذا عملت عملا من البر و أنت تريد بذلك غير الله فلا ترج بذلك منه ثوابا فإنه يقول فَلا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَزْناً يا ابن مسعود إذا مدحك الناس فقالوا إنك تصوم النهار و تقوم الليل و أنت على غير ذلك فلا تفرح بذلك فإن الله تعالى يقول لا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِما أَتَوْا وَ يُحِبُّونَ أَنْ يُحْمَدُوا بِما لَمْ يَفْعَلُوا فَلا تَحْسَبَنَّهُمْ بِمَفازَةٍ مِنَ الْعَذابِ وَ لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ يا ابن مسعود أكثر من الصالحات و البر فإن المحسن و المسيء يندمان يقول المحسن يا ليتني ازددت من الحسنات و يقول المسيء قصرت و تصديق ذلك قوله تعالى وَ لا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ يا ابن مسعود لا تقدم الذنب و لا تؤخر التوبة و لكن قدم التوبة و أخر الذنب فإن الله تعالى يقول في كتابه بَلْ يُرِيدُ الْإِنْسانُ لِيَفْجُرَ أَمامَهُ يا ابن مسعود إياك أن تسن سنة بدعة فإن العبد إذا سن سنة سيئة لحقه وزرها و وزر من عمل بها قال الله تعالى وَ نَكْتُبُ ما قَدَّمُوا وَ آثارَهُمْ و قال سبحانه يُنَبَّؤُا الْإِنْسانُ يَوْمَئِذٍ بِما قَدَّمَ وَ أَخَّرَ يا ابن مسعود لا تركن إلى الدنيا و لا تطمئن إليها فستفارقها عن قليل فإن الله تعالى يقول فَأَخْرَجْناهُمْ مِنْ جَنَّاتٍ وَ عُيُونٍ وَ زُرُوعٍ وَ نَخْلٍ طَلْعُها هَضِيمٌ يا ابن مسعود اذكر القرون الماضية و الملوك الجبابرة الذين مضوا فإن الله يقول وَ عاداً وَ ثَمُودَ وَ أَصْحابَ الرَّسِّ وَ قُرُوناً بَيْنَ ذلِكَ كَثِيراً يا ابن مسعود انظر أن تدع الذنب سرا و علانية صغيرا و كبيرا فإن الله تعالى حيث ما كنت يراك و هو معك فاجتنبها يا ابن مسعود اتق الله في السر و العلانية و البر و البحر و الليل و النهار فإنه يقول ما يَكُونُ مِنْ نَجْوى ثَلاثَةٍ إِلَّا هُوَ رابِعُهُمْ وَ لا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سادِسُهُمْ وَ لا أَدْنى مِنْ ذلِكَ وَ لا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ ما كانُوا
يا ابن مسعود اتخذ الشيطان عدوا فإن الله تعالى يقول إِنَّ الشَّيْطانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا و يقول عن إبليس ثُمَّ لَآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَ مِنْ خَلْفِهِمْ وَ عَنْ أَيْمانِهِمْ وَ عَنْ شَمائِلِهِمْ وَ لا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شاكِرِينَ و يقول فَالْحَقُّ وَ الْحَقَّ أَقُولُ لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْكَ وَ مِمَّنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ أَجْمَعِينَ يا ابن مسعود فانظر أن لا تأكل الحرام و لا تلبس الحرام و لا تأخذ من الحرام و لا تعص الله لأن الله تعالى يقول لإبليس وَ اسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ وَ أَجْلِبْ عَلَيْهِمْ بِخَيْلِكَ وَ رَجِلِكَ وَ شارِكْهُمْ فِي الْأَمْوالِ وَ الْأَوْلادِ وَ عِدْهُمْ وَ ما يَعِدُهُمُ الشَّيْطانُ إِلَّا غُرُوراً و قال فَلا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَياةُ الدُّنْيا وَ لا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ يا ابن مسعود لا تقربن من الحرام من المال و النساء فإن الله تعالى يقول وَ لِمَنْ خافَ مَقامَ رَبِّهِ جَنَّتانِ و لا تؤثرن الحياة الدنيا على الآخرة باللذات و الشهوات فإن الله تعالى يقول في كتابه فَأَمَّا مَنْ طَغى وَ آثَرَ الْحَياةَ الدُّنْيا فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمَأْوى يعني الدنيا الملعونة و الملعون ما فيها إلا ما كان لله يا ابن مسعود لا تخونن أحدا في مال يضعه عندك أو أمانة ائتمنك عليها فإن الله يقول إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَماناتِ إِلى أَهْلِها يا ابن مسعود لا تتكلم إلا بالعلم بشيء سمعته و رأيته فإن الله تعالى يقول وَ لا تَقْفُ ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَ الْبَصَرَ وَ الْفُؤادَ كُلُّ أُولئِكَ كانَ عَنْهُ مَسْؤُلًا و قال سَتُكْتَبُ شَهادَتُهُمْ وَ يُسْئَلُونَ و قال إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيانِ عَنِ الْيَمِينِ وَ عَنِ الشِّمالِ قَعِيدٌ ما يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ و قال وَ نَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ يا ابن مسعود لا تهتمن للرزق فإن الله تعالى يقول وَ ما مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُها و قال وَ فِي السَّماءِ رِزْقُكُمْ وَ ما تُوعَدُونَ و قال وَ إِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلا كاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَ إِنْ يَمْسَسْكَ بِخَيْرٍ فَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ يا ابن مسعود و الذي بعثني بالحق نبيا إن من يدع الدنيا و يقبل على تجارة الآخرة فإن الله تعالى يتجر له من وراء تجارته و يربح الله تجارته يقول الله تعالى رِجالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجارَةٌ وَ لا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَ إِقامِ الصَّلاةِ وَ إِيتاءِ الزَّكاةِ يَخافُونَ يَوْماً تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَ الْأَبْصارُ قال ابن مسعود بأبي أنت و أمي يا رسول الله كيف لي بتجارة الآخرة فقال لا تريحن لسانك عن ذكر الله و ذلك أن تقول سبحان الله و الحمد لله و لا إله إلا الله و الله أكبر فهذه التجارة المربحة يقول الله تعالى يَرْجُونَ تِجارَةً لَنْ تَبُورَ لِيُوَفِّيَهُمْ أُجُورَهُمْ وَ يَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ يا ابن مسعود كلما أبصرته بعينك و استحلاه قلبك فاجعله لله فذلك تجارة الآخرة لأن الله يقول ما عِنْدَكُمْ يَنْفَدُ وَ ما عِنْدَ اللَّهِ باقٍ يا ابن مسعود و إذا تكلمت بلا إله إلا الله و لم تعرف حقها فإنه مردود عليك و لا يزال لا إله إلا الله يرد غضب الله عن العباد حتى إذا لم يبالوا ما ينقص
من دينهم بعد إذ سلمت دنياهم يقول الله تعالى كذبتم كذبتم لستم بها بصادقين فإنه يقول الله تعالى إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَ الْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ يا ابن مسعود أحب الصالحين فإن المرء مع من أحبه فإن لم تقدر على أعمال البر فأحب العلماء فإن الله تعالى يقول وَ مَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَ الرَّسُولَ فَأُولئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَ الصِّدِّيقِينَ وَ الشُّهَداءِ وَ الصَّالِحِينَ وَ حَسُنَ أُولئِكَ رَفِيقاً يا ابن مسعود إياك أن تشرك بالله طرفة عين و إن نشرت بالمنشار أو قطعت أو صلبت أو أحرقت بالنار يقول الله تعالى وَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَ رُسُلِهِ أُولئِكَ هُمُ الصِّدِّيقُونَ وَ الشُّهَداءُ عِنْدَ رَبِّهِمْ يا ابن مسعود اصبر مع الذين يذكرون الله و يسبحونه و يهللونه و يحمدون و يعملون بطاعته و يدعونه بكرة و عشيا فإن الله يقول وَ اصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَداةِ وَ الْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَ لا تَعْدُ عَيْناكَ عَنْهُمْ ما عَلَيْكَ مِنْ حِسابِهِمْ مِنْ شَيْءٍ وَ ما مِنْ حِسابِكَ عَلَيْهِمْ مِنْ شَيْءٍ فَتَطْرُدَهُمْ فَتَكُونَ مِنَ الظَّالِمِينَ يا ابن مسعود لا تختارن على ذكر الله شيئا فإنه يقول وَ لَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ و يقول فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَ اشْكُرُوا لِي وَ لا تَكْفُرُونِ و يقول إِذا سَأَلَكَ عِبادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذا دَعانِ و يقول ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ يا ابن مسعود عليك بالسكينة و الوقار و كن سهلا لينا عفيفا مسلما تقيا نقيا بارا طاهرا مطهرا صادقا خالصا سليما صحيحا لبيبا صالحا صبورا شكورا مؤمنا ورعا عابدا زاهدا رحيما عالما فقيها يقول الله تعالى إِنَّ إِبْراهِيمَ لَحَلِيمٌ أَوَّاهٌ مُنِيبٌ وَ عِبادُ الرَّحْمنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْناً وَ إِذا خاطَبَهُمُ الْجاهِلُونَ قالُوا سَلاماً وَ الَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّداً وَ قِياماً و يقولون للناس حسنا وَ إِذا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِراماً وَ الَّذِينَ إِذا ذُكِّرُوا بِآياتِ رَبِّهِمْ لَمْ يَخِرُّوا عَلَيْها صُمًّا وَ عُمْياناً وَ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنا هَبْ لَنا مِنْ أَزْواجِنا وَ ذُرِّيَّاتِنا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَ اجْعَلْنا لِلْمُتَّقِينَ إِماماً أُوْلئِكَ يُجْزَوْنَ الْغُرْفَةَ بِما صَبَرُوا وَ يُلَقَّوْنَ فِيها تَحِيَّةً وَ سَلاماً خالِدِينَ فِيها حَسُنَتْ مُسْتَقَرًّا وَ مُقاماً و يقول الله قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خاشِعُونَ وَ الَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ وَ الَّذِينَ هُمْ لِلزَّكاةِ فاعِلُونَ وَ الَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حافِظُونَ إِلَّا عَلى أَزْواجِهِمْ أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ فَمَنِ ابْتَغى وَراءَ ذلِكَ فَأُولئِكَ هُمُ العادُونَ وَ الَّذِينَ هُمْ لِأَماناتِهِمْ وَ عَهْدِهِمْ راعُونَ وَ الَّذِينَ هُمْ عَلى صَلَواتِهِمْ يُحافِظُونَ أُولئِكَ هُمُ الْوارِثُونَ الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيها خالِدُونَ يقول الله تعالى أُولئِكَ فِي جَنَّاتٍ مُكْرَمُونَ و قال إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ إلى قوله أُولئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لَهُمْ دَرَجاتٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَ مَغْفِرَةٌ وَ رِزْقٌ كَرِيمٌ يا ابن مسعود لا تحملنك الشفقة على أهلك و ولدك على الدخول في المعاصي و الحرام فإن الله تعالى يقول يَوْمَ لا يَنْفَعُ مالٌ وَ لا بَنُونَ إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ و عليك بذكر الله و العمل الصالح فإن الله تعالى يقول وَ الْباقِياتُ الصَّالِحاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَواباً وَ خَيْرٌ أَمَلًا
يا ابن مسعود لا تكونن ممن يهدي الناس إلى الخير و يأمرهم بالخير و هو غافل عنه يقول الله تعالى أَ تَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَ تَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ يا ابن مسعود عليك بحفظ لسانك فإن الله تعالى يقول الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلى أَفْواهِهِمْ وَ تُكَلِّمُنا أَيْدِيهِمْ وَ تَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِما كانُوا يَكْسِبُونَ يا ابن مسعود عليك بالسرائر فإن الله تعالى يقول يَوْمَ تُبْلَى السَّرائِرُ فَما لَهُ مِنْ قُوَّةٍ وَ لا ناصِرٍ يا ابن مسعود احذر يوما تنشر فيه الصحائف و تظهر فيه الفضائح فإن الله تعالى يقول وَ نَضَعُ الْمَوازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيامَةِ فَلا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئاً وَ إِنْ كانَ مِثْقالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنا بِها وَ كَفى بِنا حاسِبِينَ يا ابن مسعود اخش الله تعالى بالغيب كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك يقول الله تعالى مَنْ خَشِيَ الرَّحْمنَ بِالْغَيْبِ وَ جاءَ بِقَلْبٍ مُنِيبٍ ادْخُلُوها بِسَلامٍ ذلِكَ يَوْمُ الْخُلُودِ يا ابن مسعود أنصف الناس من نفسك و انصح الأمة و ارحمهم فإذا كنت كذلك و غضب الله على أهل بلدة و أنت فيها و أراد أن ينزل عليهم العذاب نظر إليك فرحمهم بك يقول الله تعالى وَ ما كانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرى بِظُلْمٍ وَ أَهْلُها مُصْلِحُونَ يا ابن مسعود إياك أن تظهر من نفسك الخشوع و التواضع للآدميين و أنت فيما بينك و بين ربك مصر على المعاصي و الذنوب يقول الله تعالى يَعْلَمُ خائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَ ما تُخْفِي الصُّدُورُ يا ابن مسعود فلا تكن ممن يشدد على الناس و يخفف على نفسه يقول الله تعالى لِمَ تَقُولُونَ ما لا تَفْعَلُونَ يا ابن مسعود إذا عملت عملا فاعمل بعلم و عقل و إياك و أن تعمل عملا بغير تدبير و علم فإنه جل جلاله يقول وَ لا تَكُونُوا كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَها مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ أَنْكاثاً يا ابن مسعود عليك بالصدق و لا تخرجن من فيك كذبة أبدا و أنصف الناس من نفسك و أحسن و ادع الناس إلى الإحسان و صل رحمك و لا تمكر الناس و أوف الناس بما عاهدتهم فإن الله تعالى يقول إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَ الْإِحْسانِ وَ إِيتاءِ ذِي الْقُرْبى وَ يَنْهى عَنِ الْفَحْشاءِ وَ الْمُنْكَرِ وَ الْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ تمت الموعظة و بالله التوفيق