الآيات المائدة أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكافِرِينَ أقول قد مضى كثير من أخبار هذا الباب في باب جوامع المكارم
1- م، ]تفسير الإمام عليه السلام[ ج، ]الإحتجاج[ بالإسناد إلى أبي محمد العسكري ع قال أعرف الناس بحقوق إخوانه و أشدهم قضاء لها أعظمهم عند الله شأنا و من تواضع في الدنيا لإخوانه فهو عند الله من الصديقين و من شيعة علي بن أبي طالب ع حقا و لقد ورد على أمير المؤمنين أخوان له مؤمنان أب و ابن فقام إليهما و أكرمهما و أجلسهما في صدر مجلسه و جلس بين يديهما ثم أمر بطعام فأحضر فأكلا منه ثم جاء قنبر بطست و إبريق خشب و منديل لييبس و جاء ليصب على يد الرجل فوثب أمير المؤمنين ع و أخذ الإبريق ليصب على يد الرجل فتمرغ الرجل في التراب و قال يا أمير المؤمنين الله يراني و أنت تصب على يدي قال اقعد و اغسل فإن الله عز و جل يراك و أخوك الذي لا يتميز منك و لا يتفضل عليك يخدمك يريد بذلك في خدمته في الجنة مثل عشرة أضعاف عدد أهل الدنيا و على حسب ذلك في مماليكه فيها فقعد الرجل فقال له علي ع أقسمت عليك بعظم حقي الذي عرفته و بجلته و تواضعك لله حتى جازاك عنه بأن ندبني لما شرفك به من خدمتي لك لما غسلت مطمئنا كما كنت تغسل لو كان الصاب عليك قنبر ففعل الرجل ذلك فلما فرغ ناول الإبريق محمد بن الحنفية و قال يا بني لو كان هذا الابن حضرني دون أبيه لصببت على يده و لكن الله عز و جل يأبى أن يسوي بين ابن و أبيه إذا جمعهما مكان لكن قد صب الأب على الأب فليصب الابن على الابن فصب محمد بن الحنفية على الابن ثم قال الحسن بن علي العسكري ع فمن اتبع عليا ع على ذلك فهو الشيعي حقا
2- ن، ]عيون أخبار الرضا عليه السلام[ لي، ]الأمالي للصدوق[ ابن إدريس عن أبيه عن سهل عن الحسن بن علي بن النعمان عن ابن أسباط عن ابن الجهم قال سألت الرضا ع فقلت له جعلت فداك ما حد التوكل فقال لي أن لا تخاف مع الله أحدا قال قلت فما حد التواضع قال أن تعطي الناس من نفسك ما تحب أن يعطوك مثله قال قلت جعلت فداك أشتهي أن أعلم كيف أنا عندك فقال انظر كيف أنا عندك
3- مع، ]معاني الأخبار[ أبي عن علي عن أبيه عن النوفلي عن السكوني عن أبي عبد الله ع عن آبائه ع قال إن من التواضع أن يرضى الرجل بالمجلس دون المجلس و أن يسلم على من يلقى و أن يترك المراء و إن كان محقا و لا يحب أن يحمد على التقوى
4- فس، ]تفسير القمي[ قال أمير المؤمنين ع طوبى لمن شغله عيبه عن عيوب الناس و تواضع من غير منقصة و جالس أهل الفقه و الرحمة و خالط أهل الذل و المسكنة و أنفق مالا جمعه في غير معصية
5- ما، ]الأمالي للشيخ الطوسي[ في وصية أمير المؤمنين ع عند موته عليك بالتواضع فإنه من أعظم العبادة
6- جا، ]المجالس للمفيد[ ما، ]الأمالي للشيخ الطوسي[ المفيد عن أحمد بن الحسين بن أسامة عن عبيد الله بن محمد الواسطي عن محمد بن يحيى عن هارون عن ابن صدقة عن جعفر عن أبيه ع قال أرسل النجاشي ملك الحبشة إلى جعفر بن أبي طالب و أصحابه فدخلوا عليه و هو في بيت له جالس على التراب و عليه خلقان الثياب قال فقال جعفر بن أبي طالب فأشفقنا منه حين رأيناه على تلك الحال فلما رأى ما بنا و تغير وجوهنا قال الحمد لله الذي نصر محمدا و أقر عيني به أ لا أبشركم فقلت بلى أيها الملك فقال إنه جاءني الساعة من نحو أرضكم عين من عيوني هناك و أخبرني أن الله قد نصر نبيه محمدا ص و أهلك عدوه و أسر فلان و فلان و قتل فلان و فلان التقوا بواد يقال له بدر كأني أنظر إليه حيث كنت أرعى لسيدي هناك و هو رجل من بني ضمرة فقال له جعفر أيها الملك الصالح ما لي أراك جالسا على التراب عليك هذه الخلقان فقال يا جعفر إنا نجد فيما أنزل على عيسى أن من حق الله على عباده أن يحدثوا لله تواضعا عند ما يحدث لهم من نعمة فلما أحدث الله تعالى لي نعمة نبيه محمد ص أحدثت لله هذا التواضع قال فلما بلغ النبي ص ذلك قال لأصحابه إن الصدقة تزيد صاحبها كثرة فتصدقوا يرحمكم الله و إن التواضع يزيد صاحبه رفعة فتواضعوا يرفعكم الله و إن العفو يزيد صاحبه عزا فاعفوا يعزكم الله
7- ما، ]الأمالي للشيخ الطوسي[ المفيد عن محمد بن الحسين البزوفري عن أبيه عن الحسين بن إبراهيم عن علي بن داود عن آدم العقلاني عن أبي عمر الصنعاني عن العلاء بن عبد الرحمن عن أبي هريرة قال قال رسول الله ص ما تواضع أحد إلا رفعه الله
8- ما، ]الأمالي للشيخ الطوسي[ المفيد عن محمد بن الحسين الحلال عن الحسن بن الحسين الأنصاري عن زفر بن سليمان عن أشرس الخراساني عن أيوب السجستاني عن أبي قلابة قال قال رسول الله ص من تواضع لله رفعه الله
9- ل، ]الخصال[ أبي عن سعد عن البرقي عن محمد بن علي الكوفي عن عثمان بن عيسى عن هارون بن خارجة عن أبي عبد الله ع قال من التواضع أن تسلم على من لقيت
10- ل، ]الخصال[ ابن المتوكل عن الحميري عن ابن عيسى عن ابن محبوب عن ابن عطية عن الثمالي عن علي بن الحسين ع قال لا حسب لقرشي و لا عربي إلا بتواضع الخبر
11- ثو، ]ثواب الأعمال[ ماجيلويه عن عمه عن هارون عن ابن صدقة عن الصادق عن أبيه ع أن عليا ع قال ما من أحد من ولد آدم إلا و ناصيته بيد ملك فإن تكبر جذبه بناصيته إلى الأرض و قال له تواضع وضعك الله و إن تواضع جذبه بناصيته ثم قال له ارفع رأسك رفعك الله و لا وضعك بتواضعك
كنز الكراجكي، قال أمير المؤمنين ع التواضع يكسبك السلامة
و قال ع زينة الشريف التواضع
ضا، ]فقه الرضا عليه السلام[ روي الكبر رداء الله من نازع الله رداه قصمه
و روي أن ملكين موكلين بالعباد فمن تواضع رفعاه و من تكبر وضعاه
و أروي عن العالم ع أنه قال عجبا للمتكبر الفخور الذي كان بالأمس نطفة و هو غدا جيفة و العجب كل العجب لمن شك في الله و هو يرى الخلق و العجب لمن أنكر الموت و هو يرى من يموت كل يوم و ليلة و لم يذكر الآخرة و هو يرى النشأة الأولى و لمن عمل لدار الفناء و هو يرى دار البقاء
12- مص، ]مصباح الشريعة[ قال الصادق ع التواضع أصل كل خير نفيس و مرتبة رفيعة و لو كان للتواضع لغة يفهمها الخلق لنطق عن حقائق ما في مخفيات العواقب و التواضع ما يكون في الله و لله و ما سواه مكر و من تواضع لله شرفه الله على كثير من عباده و لأهل التواضع سيماء يعرفها أهل السماء من الملائكة و أهل الأرض من العارفين قال الله عز و جل وَ عَلَى الْأَعْرافِ رِجالٌ يَعْرِفُونَ كُلًّا بِسِيماهُمْ و أصل التواضع من جلال الله و هيبته و عظمته و ليس لله عز و جل عبادة يقبلها و يرضاها إلا و بابها التواضع و لا يعرف ما في معنى حقيقة التواضع إلا المقربون المستقلين بوحدانيته قال الله عز و جل وَ عِبادُ الرَّحْمنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْناً وَ إِذا خاطَبَهُمُ الْجاهِلُونَ قالُوا سَلاماً و قد أمر الله عز و جل أعز خلقه و سيد بريته محمدا ص بالتواضع فقال عز و جل وَ اخْفِضْ جَناحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ و التواضع مزرعة الخشوع و الخضوع و الخشية و الحياء و إنهن لا يأتين إلا منها و فيها و لا يسلم الشرف التام الحقيقي إلا للمتواضع في ذات الله تعالى
13- كش، ]رجال الكشي[ قال أبو النصر سألت عبد الله بن محمد بن خالد عن محمد بن مسلم فقال كان رجلا شريفا موسرا فقال له أبو جعفر ع تواضع يا محمد فلما انصرف إلى الكوفة أخذ قوصرة من تمر مع الميزان و جلس على باب مسجد الجامع و صار ينادي عليه فأتاه قومه فقالوا له فضحتنا فقال إن مولاي أمرني بأمر فلن أخالفه و لن أبرح حتى أفرغ من بيع ما في هذه القوصرة فقال له قومه إذا أبيت إلا أن تشتغل ببيع و شراء فاقعد في الطحانين فهيأ رحى و جملا و جعل يطحن
14- ين، ]كتاب حسين بن سعيد و النوادر[ ابن أبي عمير عن عبد الرحمن بن الحجاج عن أبي عبد الله ع قال أفطر رسول الله ص عشية الخميس في مسجد قباء فقال هل من شراب فأتاه أوس بن خولة الأنصاري بعس من لبن مخيض بعسل فلما وضعه على فيه نحاه ثم قال شرابان يكتفى بأحدهما عن صاحبه لا أشربه و لا أحرمه و لكني أتواضع لله فإن من تواضع لله رفعه الله و من تكبر خفضه الله و من اقتصد في معيشته رزقه الله و من أكثر ذكر الله أحبه الله
15- ين، ]كتاب حسين بن سعيد و النوادر[ محمد بن سنان عن بسطام الزيات عن أبي عبد الله ع قال لما قدم جعفر بن أبي طالب ع من الحبشة قال لرسول الله ع أحدثك يا رسول الله دخلت على النجاشي يوما من الأيام و هو في غير مجلس الملك و في غير رياشه و في غير زيه قال فحييته بتحية الملك و قلت له يا أيها الملك ما لي أراك في غير مجلس الملك و في غير رياشه و في غير زيه فقال إنا نجد في الإنجيل من أنعم الله عليه بنعمة فليشكر الله و نجد في الإنجيل أن ليس من الشكر لله شيء يعدله مثل التواضع و أنه ورد علي في ليلتي هذه أن ابن عمك محمدا قد أظفره الله بمشركي أهل بدر فأحببت أن أشكر الله بما ترى
16- ين، ]كتاب حسين بن سعيد و النوادر[ محمد بن سنان عمن أخبره عن أبي بصير قال سمعت أبا جعفر ع يقول إن موسى بن عمران حبس عنه الوحي ثلاثين صباحا فصعد على جبل بالشام يقال له أريحا فقال يا رب لم حبست عني وحيك و كلامك أ لذنب أذنبته فها أنا بين يديك فاقتص لنفسك رضاها و إن كنت إنما حبست عني وحيك و كلامك لذنوب بني إسرائيل فعفوك القديم فأوحى الله إليه أن يا موسى تدري لم خصصتك بوحيي و كلامي من بين خلقي فقال لا أعلمه يا رب قال يا موسى إني اطلعت على خلقي اطلاعة فلم أر في خلقي شيئا أشد تواضعا منك فمن ثم خصصتك بوحيي و كلامي من بين خلقي قال و كان موسى ع إذا صلى لم ينفتل حتى يلصق خده الأيمن بالأرض و خده الأيسر بالأرض
17- ضا، ]فقه الرضا عليه السلام[ روي أن الوحي احتبس على موسى بن عمران ثلاثين صباحا و ذكر مثله
18- ين، ]كتاب حسين بن سعيد و النوادر[ بعض أصحابنا عن علي بن شجرة عن عمه بشير النبال عن أبي عبد الله ع قال قدم أعرابي على النبي ص فقال يا رسول الله تسابقني بناقتك هذه قال فسابقه فسبقه الأعرابي فقال رسول الله ص إنكم رفعتموها فأحب الله أن يضعها إن الجبال تطاولت لسفينة نوح و كان الجودي أشد تواضعا فحط الله بها على الجودي
19- ين، ]كتاب حسين بن سعيد و النوادر[ ابن أبي عمير عن معاوية بن عمار عن أبي عبد الله ع قال سمعته يقول إن في السماء ملكين موكلين بالعباد فمن تواضع لله رفعاه و من تكبر وضعاه
20- الدرة الباهرة، قال الصادق ع التواضع أن ترضى من المجلس بدون شرفك و أن تسلم على من لاقيت و أن تترك المراء و إن كنت محقا و رأس الخير التواضع
21- نهج، ]نهج البلاغة[ قال ع بالتواضع تتم النعمة
و قال ع ما أحسن تواضع الأغنياء للفقراء طلبا لما عند الله و أحسن منه تيه الفقراء على الأغنياء اتكالا على الله
22- عدة الداعي، عن النبي ص ثلاثة لا يزيد الله بهن إلا خيرا التواضع لا يزيد الله به إلا ارتفاعا و ذل النفس لا يزيد الله به إلا عزا و التعفف لا يزيد الله به إلا غنى
23- كا، ]الكافي[ عن علي عن أبيه عن هارون بن مسلم عن مسعدة بن صدقة عن أبي عبد الله ع قال أرسل النجاشي إلى جعفر بن أبي طالب و أصحابه فدخلوا عليه و هو في بيت له جالس على التراب و عليه خلقان الثياب قال فقال جعفر ع فأشفقنا منه حين رأيناه على تلك الحال فلما رأى ما بنا و تغير وجوهنا قال الحمد لله الذي نصر محمدا و أقر عينه أ لا أبشركم فقلت بلى أيها الملك فقال إنه جاء في الساعة من نحو أرضكم عين من عيوني هناك فأخبرني أن الله عز و جل قد نصر نبيه محمدا و أهلك عدوه و أسر فلان و فلان و فلان و فلان التقوا بواد يقال له بدر كثير الأراك لكأني أنظر إليه حيث كنت أرعى لسيدي هناك و هو رجل من بني ضمرة فقال له جعفر أيها الملك فما لي أراك جالسا على التراب و عليك هذه الخلقان فقال يا جعفر إنا نجد فيما أنزل الله على عيسى أن من حق الله على عباده أن يحدثوا له تواضعا عند ما يحدث لهم من نعمة فلما أحدث الله تعالى لي نعمة بمحمد ص أحدثت لله هذا التواضع فلما بلغ النبي ص قال لأصحابه إن الصدقة تزيد صاحبها كثرة فتصدقوا يرحمكم الله و إن التواضع يزيد صاحبه رفعة فتواضعوا يرحمكم الله و إن العفو يزيد صاحبه عزا فاعفوا يعزكم الله
تبيين النجاشي بفتح النون و تخفيف الجيم و بالشين المعجمة لقب ملك الحبشة و المراد هنا الذي أسلم و آمن بالنبي ص و اسمه أصحمة بن بحر أسلم قبل الفتح و مات قبله صلى عليه النبي ص لما جاء خبر موته و قال الفيروزآبادي النجاشي بتشديد الياء و بتخفيفها أفصح و تكسر نونها أو هو أفصح أصحمة ملك الحبشة انتهى و جعفر بن أبي طالب هو أخو أمير المؤمنين ع و كان أكبر منه ع بعشر سنين و هو من كبار الصحابة و من الشهداء الأولين و هو صاحب الهجرتين هجرة الحبشة و هجرة المدينة و استشهد يوم موته سنة ثمان و له إحدى و أربعون سنة فوجد فيما أقبل من جسده تسعون ضربة ما بين طعنة برمح و ضربة بسيف و قطعت يداه في الحرب فأعطاه الله جناحين يطير بهما في الجنة فلقب ذا الجناحين و قد مرت تفاصيل جميع ذلك في أبوابها. و قال الجوهري ثوب خلق أي بال يستوي فيه المذكر و المؤنث لأنه في الأصل مصدر الأخلق و هو الأملس و الجمع خلقان انتهى فأشفقنا منه أي خفنا من حاله و مما رأينا منه أن يكون أصابه سوء يقال أشفق منه أي خاف و حذر و أشفق عليه أي عطف عليه و العين الجاسوس و أهلك عدوه أي السبعين الذين قتلوا منهم أبو جهل و عتبة و شيبة و أسر أيضا سبعون و بدر اسم موضع بين مكة و المدينة و هو إلى المدينة أقرب و يقال هو منها على ثمانية و عشرين فرسخا و عن الشعبي أنه اسم بئر هناك قال و سميت بدرا لأن الماء كان لرجل من جهينة اسمه بدر كذا في المصباح و قال الأراك شجر من الخمط يستاك بقضبانه الواحدة أراكة و يقال هي شجرة طويلة ناعمة كثيرة الورق و الأغصان خوارة العود و لها ثمر في عناقيد يسمى البرين يملأ العنقود الكف. لكأني أنظر إليه أي هو في بالي كأني أنظر إليه الآن و حيث للتعليل و يحتمل المكان بدلا من الضمير و بنو ضمرة بفتح الضاد و سكون الميم رهط عمرو بن أمية الضمري و قيل لكأني حكاية كلام العين و هو بعيد بل هو إشارة إلى ما ذكروا أن والد النجاشي كان ملك الحبشة و لم يكن له ولد غيره و كان للنجاشي عم له اثنا عشر ولدا و أهل الحبشة قتلوا والد النجاشي و أطاعوا عمه و جعلوه ملكا و كان النجاشي في خدمة عمه فقالت الحبشة للملك إنا لا نأمن هذا الولد أن يتسلط علينا يوما و يطلب منا دم والده فاقتله قال الملك قتلتم والده بالأمس و أقتل ولده اليوم أنا لا أرضى بذلك و إن أردتم بيعوه من رجل غريب يخرجه من دياركم ففعلوا ذلك فبعد زمان أصيب الملك بصاعقة فمات و لم يكن أحد من أولاده قابلا للسلطنة فاضطروا إلى أن أتوا و أخذوا النجاشي من سيده قهرا بلا ثمن و ردوه إلى بلادهم و ملكوه عليهم فجاء سيده و ادعى عليهم و رفع أمره إلى النجاشي و هو لا يعرفه فحكم له عليهم و قال أعطوه إما الغلام و إما ثمنه فأدوا إليه الثمن. و التواضع هو إظهار الخشوع و الخضوع و الذل و الافتقار إليه تعالى عند ملاحظة عظمته و عند تجدد نعمه تعالى أو تذكرها و لذا استحبت سجدة الشكر في هذه الأمة و ورد مثل هذا التذلل بلبس أخس الثياب و أخشنها و إيصال مكارم البدن إلى التراب في بعض صلوات الحاجة تزيد صاحبها كثرة أي في الأموال و الأولاد و الأعوان في الدنيا و في الأجر في الآخرة و إن التواضع أي عدم التكبر و الترفع و إظهار التذلل لله و للمؤمنين يوجب رفع صاحبه في الدنيا و الآخرة
24- كا، ]الكافي[ عن علي عن أبيه عن ابن أبي عمير عن معاوية بن عمار عن أبي عبد الله ع قال سمعته يقول إن في السماء ملكين موكلين بالعباد فمن تواضع لله رفعاه و من تكبر وضعاه
بيان رفعاه أي بالثناء عليه أو بإعانته في حصول المطالب و تيسر أسباب العزة و الرفعة في الدارين و في التكبر بالعكس فيهما
25- كا، ]الكافي[ بالإسناد عن ابن أبي عمير عن عبد الرحمن بن الحجاج عن أبي عبد الله ع قال أفطر رسول الله عشية خميس في مسجد قباء فقال هل من شراب فأتاه أوس بن خولي الأنصاري بعس مخيض بعسل فلما وضعه على فيه نحاه ثم قال شرابان يكتفى بأحدهما من صاحبه لا أشربه و لا أحرمه و لكن أتواضع لله فإن من تواضع لله رفعه الله و من تكبر خفضه الله و من اقتصد في معيشته رزقه الله و من بذر حرمه الله و من أكثر ذكر الموت أحبه الله
ين، ]كتاب حسين بن سعيد و النوادر[ في كتاب الزهد عن ابن أبي عمير مثله إلا أنه قال بعس من لبن مخيض بعسل
بيان في القاموس قباء بالضم و يذكر و يقصر موضع قرب المدينة و قال العساس ككتاب الأقداح العظام و الواحد عس بالضم و قال مخض اللبن يمخضه مثلثة الآتي أخذ زبده فهو مخيض و ممخوض بعسل أي ممزوج بعسل و قيل إنما امتنع صلى الله عليه و آله لأن اللبن المخيض الحامض الممزوج بالعسل لا لذة فيه فيكون إسرافا فالمراد بالتواضع لله الانقياد لأمره في ترك الإسراف و لا يخفى بعده و يدل على أن التواضع بترك الأطعمة اللذيذة مستحب و يعارضه أخبار كثيرة و يمكن اختصاصه بالنبي و الأئمة كما يظهر من بعض الأخبار و الاقتصاد التوسط و ترك الإسراف و التقتير و التبذير في الأصل التفريق و يستعمل في تفريق المال في غير الجهات الشرعية إسرافا و إتلافا و صرفا في المحرم و من أكثر ذكر الموت أحبه الله لأن كثرة ذكر الموت توجب الزهد في الدنيا و الميل إلى الآخرة و ترك المعاصي و سائر ما يوجب حبه تعالى
26- كا، ]الكافي[ عن الحسين بن محمد عن المعلى عن الوشاء عن داود الحمار عن أبي عبد الله ع مثله و قال من أكثر ذكر الله أظله الله في جنته
بيان هذه الفقرة بدل من الفقرة الأخيرة في الخبر السابق و ذكر الله أعم من أن يكون باللسان أو الجنان و أعم من أن يكون بذكر أسمائه الحسنى و صفاته العليا أو بتلاوة كتابه أو بذكر شرائعه و أحكامه أو بذكر أنبيائه و حججه فإنه قد ورد إذا ذكرنا ذكر الله و أظله الله في جنته أي آواه تحت قصورها و أشجارها أو أوقع عليه ظل رحمته أو أدخله في كنفه و حمايته كما يقال فلان في ظل فلان
27- كا، ]الكافي[ عن العدة عن البرقي عن ابن فضال عن العلاء عن محمد بن مسلم قال سمعت أبا جعفر ع يذكر أنه أتى رسول الله ملك فقال إن الله تعالى يخيرك أن تكون عبدا رسولا متواضعا أو ملكا رسولا قال فنظر إلى جبرئيل ع و أومأ بيده أن تواضع فقال عبدا متواضعا رسولا فقال الرسول مع أنه لا ينقصك مما عند ربك شيئا قال و معه مفاتيح خزائن الأرض
إيضاح قال فنظر إلى جبرئيل أي قال أبو جعفر فنظر الرسول إلى جبرئيل مستشيرا منه و إن كان عالما و كان لا يحب الملك و كان هذا من تواضعه فأومأ جبرئيل بيده أن تواضع و أن مفسرة و يحتمل أن يكون المستتر في قال راجعا إلى الرسول و إلي بالتشديد و كأن الأول أظهر كما أنه في مشكاة الأنوار قال فنظر إلى جبرئيل ع فأومأ إليه بيده أن يتواضع و على التقديرين من قال إلى قوله تواضع معترضة فقال عبدا أي اخترت أن أكون عبدا فقال الرسول أي الملك مع أنه أي الملك أو اختياره مما عند ربك أي من القرب و المنزلة و المثوبات و الدرجات قال و معه أي قال أبو جعفر ع و كان مع الملك عند تبليغ هذه الرسالة المفاتيح أتى بها ليعطيه إياها إن اختار الملك و يحتمل أن يكون ضمير قال راجعا إلى الملك و مفعول القول محذوفا و الواو في قوله و معه للحال أي قال ذلك و معه المفاتيح و قيل ضمير قال راجع إلى الرسول أي قال ص لا أقبل و إن كان معه المفاتيح و لا يخفى ما فيه. و المفاتيح جمع المفتاح كالمفاتح جمع المفتح و المفاتيح يمكن حملها على الحقيقة أي أتى بآلة يمكن بها التسلط على خزائن الأرض و الاطلاع عليها أو يكون تصويرا لتقدير ذلك و تحقيقا للقول بأنك إذا اخترت ذلك كان سهل الحصول لك كهذه المفاتيح تكون بيدك فتفتح بها أو يكون الكلام مبنيا على الاستعارة أي أتى بأمور يتيسر بها الملك و عبر عنها بالمفتاح مجازا كخاتم سليمان و بساطه مثلا و أشباه ذلك مما يسهل معه الاستيلاء على جميع الأرض أو العلم بطريق الوصول إليها و القدرة عليها
28- كا، ]الكافي[ عن علي عن أبيه عن النوفلي عن السكوني عن أبي عبد الله ع قال من التواضع أن ترضى بالمجلس دون المجلس و أن تسلم على من تلقى و أن تترك المراء و إن كنت محقا و لا تحب أن تحمد على التقوى
بيان بالمجلس دون المجلس أي ترضى بمجلس هو أدون من المجلس الذي هو لائق بشرفك بحسب العرف أو يجلس أي مجلس اتفق و لا تتقيد بمجلس خاص و الأول أظهر على من تلقى أي على كل من تلقاه أي من المسلمين و استثني منه التسليم على المرأة الشابة إلا أن يأمن على نفسه و سيأتي تفصيل ذلك في أبواب العشرة إن شاء الله و أن تترك المراء أي المجادلة و المنازعة و أما إظهار الحق بحيث لا ينتهي إلى المراء فهو حسن بل واجب و قيل إذا كان الغرض الغلبة و التعجيز يكون مراء و إن كان الغرض إظهار الحق فليس بمراء قال في المصباح ماريته أماريه مماراة و مراء جادلته و يقال ماريته أيضا إذا طعنت في قوله تزييفا للقول و تصغيرا للقائل و لا يكون المراء إلا اعتراضا بخلاف الجدال فإنه يكون ابتداء و اعتراضا انتهى و لا تحب أن تحمد على التقوى فإن هذا من آثار العجب و ينافي الإخلاص في العمل كما مر
29- كا، ]الكافي[ عن علي عن أبيه عن ابن أبي عمير عن علي بن يقطين عمن رواه عن أبي عبد الله ع قال أوحى الله عز و جل إلى موسى ع أن يا موسى أ تدري لما اصطفيتك بكلامي دون خلقي قال يا رب و لم ذاك قال فأوحى الله تبارك و تعالى إليه يا موسى إني قلبت عبادي ظهرا لبطن فلم أجد فيهم أحدا أذل لي نفسا منك يا موسى إنك إذا صليت وضعت خدك على التراب أو قال على الأرض
بيان بكلامي أي بأن أكلمك بلا توسط ملك إني قلبت عبادي أي اختبرتهم بملاحظة ظواهرهم و بواطنهم كناية عن إحاطة علمه سبحانه بهم و بجميع صفاتهم و أحوالهم قال في المصباح قلبته قلبا من باب ضرب حولته عن وجهه و قلبت الرداء حولته و جعلت أعلاه أسفله و قلبت الشيء للابتياع قلبا أيضا تصفحته فرأيت داخله و باطنه و قلبت الأمر ظهرا لبطن اختبرته انتهى و قيل ظهرا بدل من عبادي و اللام في لبطن للغاية فهي بمعنى الواو مع مبالغة أو قال الترديد من الراوي و يدل على استحباب وضع الخد على التراب أو الأرض بعد الصلاة
30- كا، ]الكافي[ عن علي عن أبيه عن ابن أبي عمير عن هشام بن سالم عن أبي عبد الله ع قال مر علي بن الحسين ع على المجذومين و هو راكب حماره و هم يتغدون فدعوه إلى الغداء فقال أما إني لو لا أني صائم لفعلت فلما صار إلى منزله أمر بطعام فصنع و أمر أن يتنوقوا فيه ثم دعاهم فتغدوا عنده و تغدى معهم
تبيان في القاموس الجذام كغراب علة تحدث من انتشار السوداء في البدن كله فيفسد مزاج الأعضاء و هيئاتها و ربما انتهى إلى تأكل الأعضاء و سقوطها عن تقرح جذم كعني فهو مجذوم و مجذم و أجذم و وهم الجوهري في منعه و كأن صومه ع كان واجبا حيث لم يفطر مع الدعوة أن يتأنقوا و في بعض النسخ يتنوقوا أي يتكلفوا فيه و يعملوه لذيذا حسنا في القاموس تأنق فيه عمله بالإتقان كتنوق و قال تنيق في مطعمه و ملبسه تجود و بالغ كتنوق انتهى فتغدوا عنده أي في اليوم الآخر أو أطلق التعدي على التعشي للمشاكلة و تغدى معهم هذا ليس بصريح في الأكل معهم في إناء واحد كما هو ظاهر الخبر الآتي برواية المشكاة فلا ينافي الأمر بالفرار من المجذوم مع أنه يمكن أن يكونوا مستثنين من هذا الحكم لقوة توكلهم و عدم تأثر نفوسهم بأمثال ذلك أو لعلمهم بأن الله لا يبتليهم بأمثال البلايا التي توجب نفرة الخلق. ثم اعلم أن الأخبار في العدوى مختلفة
فقد روي أن النبي ص قال لا عدوى و لا طيرة
و قد ورد فر من المجذوم فرارك من الأسد
و قيل في الجمع بينهما أن حديث الفرار ليس للوجوب بل للجواز أو الندب احتياطا خوف ما يقع في النفس من العدوى و الأكل و المجالسة للدلالة على الجواز
و أيد ذلك بما روي من طرق العامة عن جابر أنه ص أكل مع المجذوم فقال آكل ثقة بالله و توكلا عليه
و من طرقهم أيضا أن امرأة سألت بعض أزواجه ص عن الفرار من المجذوم فقالت كلا و الله و قد قال رسول الله ص لا عدوى و قد كان لنا مولى أصابه ذلك و كان يأكل في صحافي و يشرب من قداحي و ينام على فراشي
و قال بعض العامة حديث الأكل ناسخ لحديث الفرار و رده بعضهم بأن الأصل عدم النسخ على أن الحكم بالنسخ يتوقف على العلم بتأخر حديث الأكل و هو غير معلوم و قال بعضهم للجمع حديث الفرار على تقدير وجوبه إنما كان لخوف أن تقع العلة بمشية الله فيعتقد أن العدوى حق
31- كا، ]الكافي[ عن العدة عن البرقي عن عثمان بن عيسى عن هارون بن خارجة عن أبي عبد الله ع قال إن من التواضع أن يجلس الرجل دون شرفه
بيان دون شرفه أي عند المجلس الذي يقتضي شرفه الجلوس فيه أو أدون منه و الأخير أظهر و أحسن
32- كا، ]الكافي[ عن العدة عن البرقي عن ابن فضال و محسن بن أحمد عن يونس بن يعقوب قال نظر أبو عبد الله ع إلى رجل من أهل المدينة قد اشترى لعياله شيئا و هو يحمله فلما رآه الرجل استحيا منه فقال له أبو عبد الله ع اشتريته لعيالك و حملته إليهم أما و الله لو لا أهل المدينة لأحببت أن أشتري لعيالي الشيء ثم أحمله إليهم
33- إيضاح يدل على استحباب شراء الطعام للأهل و حمله إليهم و أنه مع ملامة الناس الترك أولى
34- كا، ]الكافي[ عن العدة عن البرقي عن أبيه عن عبد الله بن القاسم عن عمرو بن أبي المقدام عن أبي عبد الله ع قال فيما أوحى الله عز و جل إلى داود ع يا داود كما أن أقرب الناس من الله المتواضعون كذلك أبعد الناس من الله المتكبرون
بيان التواضع ترك التكبر و التذلل لله و لرسوله و لأولي الأمر و للمؤمنين و عدم حب الرفعة و الاستيلاء و كل ذلك موجب للقرب و إذا كان أحد الضدين موجبا للقرب كان الآخر موجبا للبعد
35- كا، ]الكافي[ عن العدة عن البرقي عن أبيه عن علي بن الحكم رفعه عن أبي بصير قال دخلت على أبي الحسن موسى ع في السنة التي قبض فيها أبو عبد الله ع فقلت جعلت فداك ما لك ذبحت كبشا و نحر فلان بدنة فقال يا أبا محمد إن نوحا كان في السفينة و كان فيها ما شاء الله و كانت السفينة مأمورة فطافت بالبيت و هو طواف النساء و خلى سبيلها نوح فأوحى الله عز و جل إلى الجبال أني واضع سفينة نوح عبدي على جبل منكن فتطاولت و شمخت و تواضع الجودي و هو جبل عندكم فضربت السفينة بجؤجؤها الجبل قال فقال نوح عند ذلك يا ماري أتقن و هو بالسريانية رب أصلح قال فظننت أن أبا الحسن عرض بنفسه
تبيين في السنة التي قبض فيها أي بعد القبض و كان أول إمامته لا قبله كما قيل و المراد بفلان أحد الأشراف الذين كانوا يعدون أنفسهم من أقرانه و كان أي نوح ع فيها أي في السفينة ما شاء الله من الزمان أي زمانا طويلا و يحتمل أن يكون ما شاء الله اسم كان أي ما شاء الله حفظه من المؤمنين و الحيوانات و الأشجار و الحبوب و كل ما يحتاج إليه بنو آدم و الأول أظهر و اختلف في مدة مكثه ع في السفينة فقيل سبعة أيام كما روي عن الصادق ع و في رواية أخرى مائة و خمسون يوما و قيل ستة أشهر و قيل خمسة أشهر. و كانت السفينة مأمورة أي بأمر الله تعالى يذهب به حيث أراد و قيل بأمر نوح قالوا كان إذا أراد وقوفها قال بسم الله فوقفت و إذا أراد جريها قال بسم الله فجرت كما قال تعالى بِسْمِ اللَّهِ مَجْراها وَ مُرْساها فطافت بالبيت كأنه لما دخلت السفينة الحرم أحرم ع بعمرة مفردة و طواف النساء للإحلال منها بأن أتى ببقية الأفعال قبله و التخصيص لبيان أن في شرعه أيضا كان طواف النساء و يحتمل أن يكون في شرعه ع هذا مجزيا عن طواف الزيارة و الأول أظهر بل يحتمل أن يكون الإحرام للحج و أتى بجميع أفعاله كما مر
في كتاب النبوة عن علي بن أبي حمزة عن أبي الحسن ع قال إن سفينة نوح كانت مأمورة و طافت بالبيت حيث غرقت الأرض ثم أتت منى في أيامها ثم رجعت السفينة و كانت مأمورة و طافت بالبيت طواف النساء
فهذا الخبر كالتفسير لخبر المتن. و في القاموس طاولني فطلته كنت أطول منه في الطول و الطول جميعا و تطاول تطالل و استطال امتد و ارتفع و تفضل و تطاول و قال شمخ الجبل علا و طال و الرجل بأنفه تكبر انتهى و هذه الجملة إما على الاستعارة التمثيلية إشارة إلى أن الناس لما ظنوا وقوعها على أطول الجبال و أعظمها و لم يظنوا ذلك بالجودي و جعلها الله عليه فكأنها تطاولت و كأن الجودي خضع فإذا كان التواضع الخلقي مؤثرا في ذلك فالتواضع الإرادي أولى بذلك و يحتمل أن يكون الله تعالى أعطاها في ذلك الوقت الشعور و خاطبها للمصلحة فالجميع محمول على الحقيقة و قد يقال للجمادات شعور ضعيف بل لها نفوس أيضا و فهمه مشكل و إن أومأ إليه بعض الآيات و الروايات. قوله ع و هو جبل عندكم أقول في تفسير العياشي و تواضع جبل عندكم بالموصل يقال له الجودي و أقول قد مر تفسير الجودي و الأقوال فيه و سائر ما يتعلق بتلك القصة في كتاب النبوة و الجؤجؤ كهدهد الصدر و اللام في الجبل للعهد أي الجودي و كأنه كان ظهر في السفينة اضطراب عند الوقوع على الجودي خافوا منه الغرق فلذا شرع ع في التضرع و الدعاء كما
روى علي بن إبراهيم في حديث طويل عن الصادق ع إلى أن قال فبقي الماء ينصب من السماء أربعين صباحا و من الأرض العيون حتى ارتفعت السفينة فمسحت السماء قال فرفع نوح يده ثم قال يا رهمان أتقن و تفسيرها رب أحسن فأمر الله الأرض أن تبلع ماءها
و روى الصدوق في العيون و غيره عن الرضا ع أن نوحا ع لما ركب السفينة أوحى الله عز و جل إليه يا نوح إن خفت الغرق فهللني ألفا ثم سلني النجاة أنجك من الغرق و من آمن معك قال فلما استوى نوح و من معه في السفينة و رفع القلس عصفت الريح عليهم فلم يأمن نوح الغرق فأعجلته الريح فلم يدرك أن يهلل ألف مرة فقال بالسريانية هلوليا ألفا ألفا يا ماريا أتقن قال فاستوى القلس و استمرت السفينة الخبر
قوله عرض بنفسه التعريض توجيه الكلام إلى جانب و إرادة جانب آخر و هو خلاف التصريح أي غرضه من هذا التمثيل بيان أنه اختار الكبش للتواضع و هو مورث للعزة في الدارين و يدل على أن اختيار أقل الأمرين في المستحبات إذا كان مستلزما للتواضع أحسن مع أن الإخلاص فيه أكثر و عن الرئاء و السمعة و التكبر أبعد و يحتمل أن يكون في ذلك تقية أيضا و لا يبعد كون الكبش في الهدي و الأضحية أفضل لدلالة الأخبار الكثير عليه و سيأتي القول فيه في محله إن شاء الله تعالى
36- كا، ]الكافي[ عن العدة عن البرقي عن عدة من أصحابه عن علي بن أسباط عن الحسن بن الجهم عن أبي الحسن ع قال قال التواضع أن تعطي الناس ما تحب أن تعطاه
و في حديث آخر قال قلت ما حد التواضع الذي إذا فعله العبد كان متواضعا فقال التواضع درجات منها أن يعرف المرء قدر نفسه فينزلها منزلتها بقلب سليم لا يحب أن يأتي إلى أحد إلا مثل ما يؤتى إليه إن رأى سيئة درأها بالحسنة كاظم الغيظ عاف عن الناس وَ اللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ
تبيان أن تعطي الناس أي من التعظيم و الإكرام و العطاء ما تحب أن تعطاه منهم من جميع ذلك التواضع درجات أي التواضع لله و للخلق درجات أو ذو درجات باعتبار كمال النفس و نقصها أن يعرف المرء قدر نفسه بملاحظة عيوبها و تقصيراتها في خدمة خالقه بقلب سليم من الشك و الشرك و الرئاء و العجب و الحقد و العداوة و النفاق فإنها من أمراض القلب قال تعالى فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ. لا يحب أن يأتي إلى أحد من قبل الله أو من قبله أو الأعم إلا مثل ما يؤتى إليه كان المناسب للمعنى الذي ذكرنا أن يؤتي إليه على المعلوم و كأن الظرف فيهما مقدر و التقدير لا يحب أن يأتي إلى أحد بشيء إلا مثل ما يؤتى به إليه و يؤيده ما سيأتي من رواية علي بن سويد المدني و يمكن أن يقرأ على بناء التفعيل في الموضعين من قولهم أتيت الماء تأتية و تأتيا أي سهلت سبيله ليخرج إلى موضع ذكره الجوهري لكنه بعيد درأها أي دفعها بالحسنة أي بالخصلة أو المداراة أو الموعظة الحسنة إشارة إلى قوله تعالى وَ يَدْرَؤُنَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ و قال البيضاوي يدفعونها بها فيجازون الإساءة بالإحسان أو يتبعون الحسنة السيئة فتمحوها