الآيات الفاتحة إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَ إِيَّاكَ نَسْتَعِينُ البقرة بَلى مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَ هُوَ مُحْسِنٌ فَلَهُ أَجْرُهُ عِنْدَ رَبِّهِ وَ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَ لا هُمْ يَحْزَنُونَ و قال تعالى وَ نَحْنُ لَهُ مُخْلِصُونَ و قال وَ أَتِمُّوا الْحَجَّ وَ الْعُمْرَةَ لِلَّهِ و قال وَ مِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغاءَ مَرْضاتِ اللَّهِ وَ اللَّهُ رَؤُفٌ بِالْعِبادِ و قال تعالى وَ قُومُوا لِلَّهِ قانِتِينَ و قال تعالى وَ مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمُ ابْتِغاءَ مَرْضاتِ اللَّهِ الآية آل عمران فَإِنْ حَاجُّوكَ فَقُلْ أَسْلَمْتُ وَجْهِيَ لِلَّهِ وَ مَنِ اتَّبَعَنِ و قال تعالى وَ مَنْ يُرِدْ ثَوابَ الدُّنْيا نُؤْتِهِ مِنْها وَ مَنْ يُرِدْ ثَوابَ الْآخِرَةِ نُؤْتِهِ مِنْها وَ سَنَجْزِي الشَّاكِرِينَ النساء وَ اعْبُدُوا اللَّهَ وَ لا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً و قال وَ مَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ ابْتِغاءَ مَرْضاتِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً و قال وَ مَنْ أَحْسَنُ دِيناً مِمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَ هُوَ مُحْسِنٌ وَ اتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْراهِيمَ حَنِيفاً و قال إِلَّا الَّذِينَ تابُوا وَ أَصْلَحُوا وَ اعْتَصَمُوا بِاللَّهِ وَ أَخْلَصُوا دِينَهُمْ لِلَّهِ فَأُولئِكَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ الأنعام إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ حَنِيفاً وَ ما أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ و قال تعالى قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَ نُسُكِي وَ مَحْيايَ وَ مَماتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ لا شَرِيكَ لَهُ وَ بِذلِكَ أُمِرْتُ وَ أَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ و قال تعالى وَ لا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَداةِ وَ الْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ الأعراف وَ ادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ يوسف إِنَّهُ مِنْ عِبادِنَا الْمُخْلَصِينَ الإسراء وَ قَضى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ الكهف وَ اصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَداةِ وَ الْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ و قال تعالى فَمَنْ كانَ يَرْجُوا لِقاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صالِحاً وَ لا يُشْرِكْ بِعِبادَةِ رَبِّهِ أَحَداً مريم وَ اذْكُرْ فِي الْكِتابِ مُوسى إِنَّهُ كانَ مُخْلَصاً إلى قوله تعالى وَ قَرَّبْناهُ نَجِيًّا الحج حُنَفاءَ لِلَّهِ غَيْرَ مُشْرِكِينَ بِهِ الروم فَآتِ ذَا الْقُرْبى حَقَّهُ وَ الْمِسْكِينَ وَ ابْنَ السَّبِيلِ ذلِكَ خَيْرٌ لِلَّذِينَ يُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ وَ أُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ لقمان وَ مَنْ يُسْلِمْ وَجْهَهُ إِلَى اللَّهِ وَ هُوَ مُحْسِنٌ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقى وَ إِلَى اللَّهِ عاقِبَةُ الْأُمُورِ الصافات إِلَّا عِبادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ أُولئِكَ لَهُمْ رِزْقٌ مَعْلُومٌ فَواكِهُ وَ هُمْ مُكْرَمُونَ فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ
إلى قوله تعالى لِمِثْلِ هذا فَلْيَعْمَلِ الْعامِلُونَ ص وَ إِنَّ لَهُ عِنْدَنا لَزُلْفى وَ حُسْنَ مَآبٍ الزمر فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصاً لَهُ الدِّينَ أَلا لِلَّهِ الدِّينُ الْخالِصُ و قال تعالى قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللَّهَ مُخْلِصاً لَهُ الدِّينَ وَ أُمِرْتُ لِأَنْ أَكُونَ أَوَّلَ الْمُسْلِمِينَ إلى قوله تعالى قُلِ اللَّهَ أَعْبُدُ مُخْلِصاً لَهُ دِينِي فَاعْبُدُوا ما شِئْتُمْ مِنْ دُونِهِ و قال ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا رَجُلًا فِيهِ شُرَكاءُ مُتَشاكِسُونَ وَ رَجُلًا سَلَماً لِرَجُلٍ هَلْ يَسْتَوِيانِ مَثَلًا الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ المؤمن فَادْعُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ وَ لَوْ كَرِهَ الْكافِرُونَ حمعسق مَنْ كانَ يُرِيدُ حَرْثَ الْآخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ وَ مَنْ كانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيا نُؤْتِهِ مِنْها وَ ما لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ نَصِيبٍ الجن وَ أَنَّ الْمَساجِدَ لِلَّهِ فَلا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَداً إلى قوله تعالى قُلْ إِنَّما أَدْعُوا رَبِّي وَ لا أُشْرِكُ بِهِ أَحَداً الدهر إِنَّما نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزاءً وَ لا شُكُوراً إِنَّا نَخافُ مِنْ رَبِّنا يَوْماً عَبُوساً قَمْطَرِيراً الليل وَ سَيُجَنَّبُهَا الْأَتْقَى الَّذِي يُؤْتِي مالَهُ يَتَزَكَّى وَ ما لِأَحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزى إِلَّا ابْتِغاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الْأَعْلى البينة وَ ما أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفاءَ تفسير إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَ إِيَّاكَ نَسْتَعِينُ أي نخصك بالعبادة و الاستعانة و المراد طلب المعونة في المهمات كلها أو في أداء العبادات و الضمير المستكن في الفعلين للقاري و من معه من الحفظة و حاضري صلاة الجماعة أو له و لسائر الموحدين أدرج عبادته في تضاعيف عبادتهم و خلط حاجته بحاجتهم لعلها تقبل ببركتها و يجاب إليها و لهذا شرعت الجماعة و قدم المفعول للتعظيم و الاهتمام به و الدلالة على الحصر و قيل لما نسب العبادة إلى نفسه أوهم ذلك تبجحا و اعتدادا منه بما يصدر عنه فعقبه بقوله وَ إِيَّاكَ نَسْتَعِينُ ليدل على أن العبادة أيضا مما لا تتم و لا تستتب له إلا بمعونة منه و توفيق و قيل الواو للحال و المعنى نعبدك مستعينين بك. و في تفسير الإمام ع في تفسيرها قال الله تعالى قولوا أيها الخلق المنعم عليهم إِيَّاكَ نَعْبُدُ أيها المنعم علينا نطيعك مخلصين مع التذلل و الخضوع بلا رئاء و لا سمعة وَ إِيَّاكَ نَسْتَعِينُ منك نسأل المعونة على طاعتك لنؤديها كما أمرت و نتقي من دنيانا ما عنه نهيت و نعتصم من الشيطان و من سائر مردة الإنس من المضلين و من المؤذين الظالمين بعصمتك بَلى مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ قيل أي نفسه أو قصده فيدل على الإخلاص و قال الطبرسي قيل معناه من أخلص نفسه لله بأن سلك طريق مرضاته عن ابن عباس و قيل وجه وجهه لطاعة الله و قيل فوض أمره إلى الله و قيل استسلم لأمر الله و خضع و تواضع لله وَ هُوَ مُحْسِنٌ في عمله و قيل و هو مؤمن و قيل مخلص فَلَهُ أَجْرُهُ عِنْدَ رَبِّهِ أي فله جزاء عمله عند الله تعالى و في تفسير الإمام ع بَلى مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ كما فعل الذين آمنوا برسول الله ص لما سمعوا براهينه و حججه وَ هُوَ مُحْسِنٌ في عمله لله فَلَهُ أَجْرُهُ أي ثوابه عِنْدَ رَبِّهِ يوم فصل القضاء وَ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ حين يخاف الكافرون ما يشاهدونه من العذاب وَ لا هُمْ يَحْزَنُونَ عند الموت لأن البشارة بالجنان تأتيهم انتهى.
وَ نَحْنُ لَهُ مُخْلِصُونَ أي في الإيمان و الطاعة لا نشرك به شركا جليا و لا خفيا. لِلَّهِ أي لوجه الله خالصا و يدل على وجوب نية القربة فيهما مَنْ يَشْرِي أي يبيع نَفْسَهُ ببذلها ابْتِغاءَ مَرْضاتِ اللَّهِ أي طلبا لرضاه سبحانه و يدل على أن طلب الرضا أيضا أحد وجوه القربة و روت العامة و الخاصة بأسانيد جمة أنها نزلت في أمير المؤمنين ع حين بات على فراش رسول الله ص و في تفسير الإمام ع وَ مِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ يبيعها ابْتِغاءَ مَرْضاتِ اللَّهِ فيعمل بطاعته و يأمر الناس بها و يصبر على ما يلحقه من الأذى فيها يكون كمن باع نفسه و سلمها و تسلم مرضاة الله عوضا منها فلا يبالي ما حل بها بعد أن يحصل لها رضا ربها وَ اللَّهُ رَؤُفٌ بِالْعِبادِ كلهم أما الطالبون لرضا ربهم فيبلغهم أقصى أمانيهم و يزيدهم عليها ما لم تبلغه آمالهم و أما الفاجرون في دينه فيتأناهم و يرفق بهم يدعوهم إلى طاعته و لا يقطع ممن علم أنه سيتوب عن ذنبه التوبة الموجبة له عظيم كرامته. وَ قُومُوا لِلَّهِ يدل على وجوب نية القربة في القيام للصلاة بل فيها. مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أي يخرجون أَمْوالَهُمُ في وجوه البر ابْتِغاءَ مَرْضاتِ اللَّهِ أي لطلب رضاه فيدل على اشتراط ترتب الثواب على الصدقات و سائر الخيرات بالقربة. فَقُلْ أَسْلَمْتُ وَجْهِيَ لِلَّهِ أي أخلصت نفسي و جملتي له لا أشرك فيها غيره قيل عبر عن النفس بالوجه لأنه أشرف الأعضاء الظاهرة و مظهر القوى و الحواس وَ مَنِ اتَّبَعَنِ أي و أسلم من اتبعني. وَ مَنْ يُرِدْ ثَوابَ الدُّنْيا نُؤْتِهِ مِنْها قال في المجمع قيل في معناه أقوال أحدها أن المراد من عمل للدنيا لم نحرمه ما قسمنا له فيها من غير حظ في الآخرة عن أبي إسحاق أي فلا تغتر بحاله في الدنيا و ثانيها من أراد بجهاده ثواب الدنيا و هو النصيب من الغنيمة نؤته منها فبين أن حصول الدنيا للإنسان ليس بموضع غبطة لأنها مبذولة للبر و الفاجر عن أبي علي الجبائي و ثالثها من تعرض لثواب الدنيا بعمل النوافل مع مواقعة الكبائر جوزي بها في الدنيا دون الآخرة لإحباط عمله بفسقه و هذا على مذهب من يقول بالإحباط. وَ مَنْ يُرِدْ ثَوابَ الْآخِرَةِ نُؤْتِهِ مِنْها أي من يرد بالجهاد و أعماله ثواب الآخرة نؤته منها فلا ينبغي لأحد أن يطلب بطاعاته غير ثواب الله تعالى و مثله قوله تعالى مَنْ كانَ يُرِيدُ حَرْثَ الْآخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ الآية
و قريب منه قول النبي ص من طلب الدنيا بعمل الآخرة ف ما لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ نَصِيبٍ
وَ سَنَجْزِي الشَّاكِرِينَ أي نعطيهم جزاء الشكر و قيل معناه سنجزي الشاكرين من الرزق في الدنيا لئلا يتوهم أن الشاكر يحرم ما يعطى الكافر من نعيم الدنيا انتهى. و أقول الآية على أظهر الوجوه تدل على اشتراط ثواب الآخرة بقصد القربة و أما على بطلان العمل ففيه إشكال إلا أن يظهر التلازم بين الصحة و استحقاق الثواب الأخروي و يدل على أن قصد الثواب لا ينافي القربة كما زعمه جماعة و على أن الثواب الدنيوي قد يترتب على العبادات الفاسدة كعبادة إبليس و بعض الكفار. وَ لا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً أي لا تشركوا في عبادته غيره و هو يشمل الشرك الجلي و الخفي. وَ مَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ أي الصدقة أو المعروف أو الإصلاح بين الناس أو الأمر بها و يدل على اشتراط القربة في ترتب الثواب عليه. وَ مَنْ أَحْسَنُ دِيناً قال الطبرسي رحمه الله هو في صورة الاستفهام و المراد به التقرير و معناه من أصوب طريقة و أهدى سبيلا أي لا أحد أصدق اعتقادا مِمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ أي استسلم و المراد بوجهه هنا ذاته و نفسه كما قال سبحانه كُلُّ شَيْءٍ هالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ و المعنى انقاد لله بالطاعة و لنبيه ص بالتصديق و قيل معنى أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ قصده سبحانه بالعبادة وحده كما أخبر عن إبراهيم ع أنه قال وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ و قيل معناه أخلص أعماله لله أي أتى بها مخلصا لله وَ هُوَ مُحْسِنٌ أي فاعل للفعل الحسن الذي أمره الله سبحانه و قيل وَ هُوَ مُحْسِنٌ في جميع أقواله و أفعاله و قيل إن المحسن هو الموحد
و روي عن النبي ص أنه سئل عن الإحسان فقال إن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك
وَ اتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْراهِيمَ أي اقتدى بدينه و سيرته و طريقته يعني ما كان عليه إبراهيم ع و أمر به بنيه من بعده و أوصاهم به من الإقرار بتوحيده و عدله و تنزيهه عما لا يليق به و من ذلك الصلاة إلى الكعبة و الطواف حولها و سائر المناسك حَنِيفاً أي مستقيما على منهاجه و طريقه. قوله تعالى إِلَّا الَّذِينَ تابُوا أي من النفاق وَ أَصْلَحُوا ما أفسدوا من أسرارهم و أحوالهم في حال النفاق وَ اعْتَصَمُوا بِاللَّهِ وثقوا به و تمسكوا بدينه وَ أَخْلَصُوا دِينَهُمْ لِلَّهِ لا يريدون بطاعته إلا وجهه فَأُولئِكَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ و من عدادهم في الدارين وَجَّهْتُ وَجْهِيَ أي نفسي أو وجه قلبي أو قصدي حَنِيفاً أي مخلصا مائلا عن الشرك إلى الإخلاص وَ ما أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ لا بالشرك الجلي و لا بالشرك الخفي. قُلْ إِنَّ صَلاتِي الخطاب للرسول ص وَ نُسُكِي قال في المجمع قيل أي ديني و قيل عبادتي و قيل ذبيحتي للحج و العمرة وَ مَحْيايَ وَ مَماتِي أي حياتي و موتي لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ و إنما جمع بين صلاته و حياته و أحدهما من فعله و الآخر من فعل الله فإنهما جميعا بتدبير الله تعالى و قيل معناه صلاتي و نسكي له عبادة و حياتي و مماتي له ملكا و قدرة و قيل إن عبادتي له لأنها بهدايته و لطفه و محياي و مماتي له لأنهما بتدبيره و خلقه و قيل معنى قوله مَحْيايَ وَ مَماتِي لِلَّهِ أن الأعمال الصالحة التي تتعلق بالحياة في فنون الطاعات و ما يتعلق بالممات من الوصية و الختم بالخيرات لله و فيه تنبيه على أنه لا ينبغي أن يكون الإنسان حياته لشهوته و مماته لورثته لا شَرِيكَ لَهُ أي لا ثاني له في الإلهية و قيل لا شريك له في العبادة و في الإحياء و الإماتة وَ بِذلِكَ أُمِرْتُ أي و بهذا أمرني ربي وَ أَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ من هذه الأمة انتهى. و أقول يمكن أن يكون المراد بقوله محياي و مماتي لله إني جعلت إرادتي و محبتي موافقين لإرادة الله و محبته في جميع الأمور حتى في الحياة و الممات فإن أراد الله حياتي لا أطلب الموت و إذا أراد موتي لا أكرهها و لا أشتهي الحياة. يُرِيدُونَ وَجْهَهُ قال الطبرسي رحمه الله يعني يطلبون ثواب الله
و يعملون ابتغاء مرضاته لا يعدلون بالله شيئا عن عطا قال الزجاج شهد الله لهم بصدق النيات و أنهم مخلصون في ذلك له أي يقصدون الطريق الذي أمرهم بقصده فكأنه ذهب في معنى الوجه إلى الجهة و الطريق. و قال في قوله تعالى وَ ادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ هذا أمر بالدعاء و التضرع إليه سبحانه على وجه الإخلاص أي ارغبوا إليه في الدعاء بعد إخلاصكم له الدين و قيل معناه و اعبدوه مخلصين له الإيمان. مِنْ عِبادِنَا الْمُخْلَصِينَ قرئ بفتح اللام أي المصطفين المختارين للنبوة و بكسرها أي المخلصين في العبادة و التوحيد أي من عبادنا الذين أخلصوا الطاعة لله و أخلصوا أنفسهم لله. أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ كأنه شامل للشرك الخفي أيضا. يُرِيدُونَ وَجْهَهُ في المجمع أي رضوانه و قيل تعظيمه و القربة إليه دون الرئاء و السمعة فَمَنْ كانَ يَرْجُوا لِقاءَ رَبِّهِ قال رحمه الله أي فمن كان يطمع في لقاء ثواب ربه و يأمله و يقر بالبعث إليه و الوقوف بين يديه و قيل معناه فمن كان يخشى لقاء عقاب ربه و قيل إن الرجاء يشتمل على كلا المعنيين الخوف و الأمل فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صالِحاً أي خالصا لله تعالى يتقرب به إليه وَ لا يُشْرِكْ بِعِبادَةِ رَبِّهِ أَحَداً غيره من ملك أو بشر أو حجر أو شجر عن الحسن و قيل معناه لا يرائي عبادته أحدا و قال مجاهد جاء رجل إلى النبي ص فقال إني أتصدق و أصل الرحم و لا أصنع ذلك إلا لله فيذكر ذلك مني و أحمد عليه فيسرني ذلك و أعجب به فسكت رسول الله ص و لم يقل شيئا فنزلت الآية قال عطا عن ابن عباس أن الله تعالى قال وَ لا يُشْرِكْ بِعِبادَةِ رَبِّهِ أَحَداً و لم يقل و لا يشرك به لأنه أراد العمل الذي يعمل لله و يحب أن يحمد عليه قال و لذلك يستحب للرجل أن يدفع صدقته إلى غيره ليقسمها كيلا يعظمه من يصله بها. و روي عن النبي ص أنه قال قال الله عز و جل أنا أغنى الشركاء عن الشرك فمن عمل عملا أشرك فيه غيري فأنا منه بريء فهو للذي أشرك أورده مسلم في الصحيح و روي عن عبادة بن الصامت و شداد بن أوس قالا سمعنا رسول الله ص يقول من صلى صلاة يرائي بها فقد أشرك و من صام صوما يرائي به فقد أشرك ثم قرأ هذه الآية
و روي أن أبا الحسن الرضا ع دخل يوما على المأمون فرآه يتوضأ للصلاة و الغلام يصب على يده الماء فقال لا تشرك بعبادة ربك أحدا فصرف المأمون الغلام و تولى إتمام وضوئه بنفسه
و قيل إن هذه الآية آخر آية نزلت من القرآن انتهى. و أقول الرواية الأخيرة تدل على أن المراد بالشرك هنا الاستعانة في العبادة و هو مخالف لسائر الأخبار و يمكن الجمع بحملها على الأعم منها فإن الإخلاص التام هو أن لا يشرك في القصد و لا في العمل غيره سبحانه. إِنَّهُ كانَ مُخْلَصاً في المجمع أخلص العبادة لله أو أخلص نفسه لأداء الرسالة وَ قَرَّبْناهُ نَجِيًّا أي مناجيا كليما قال ابن عباس قربه الله و كلمه و معنى هذا التقريب أنه أسمعه كلامه و قيل قربه حتى سمع صرير القلم الذي كتبت به التوراة و قيل وَ قَرَّبْناهُ أي و رفعناه منزلته و إلينا محله حتى صار محله منا في الكرامة و المنزلة محل من قربه مولاه في مجلس كرامته فهو تقريب كرامة و اصطفاء لا تقريب مسافة و إدناء إذ هو سبحانه لا يوصف بالحلول في مكان فيقرب عن بعد أو يبعد عن قرب أو يكون أحد أقرب إليه من غيره. حُنَفاءَ لِلَّهِ أي مستقيمي الطريقة على ما أمر الله مائلين عن سائر الأديان غَيْرَ مُشْرِكِينَ بِهِ أي حجاجا مخلصين و هم مسلمون موحدون كذا في المجمع و في التفسير عن الصادق ع غير مشركين به في التوحيد عن الباقر ع أنه سئل عنه و عن الحنيفية فقال هي الفطرة الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْها لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ قال فطرهم الله على المعرفة. لِلَّذِينَ يُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ أي الذين يقصدون بمعروفهم إياه خالصا من دون رئاء و سمعة وَ أُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ أي الفائزون بثواب الله. وَ مَنْ يُسْلِمْ وَجْهَهُ إِلَى اللَّهِ في المجمع أي و من يخلص دينه لله و يقصد في أفعاله التقرب إلى الله وَ هُوَ مُحْسِنٌ فيها فيفعلها على موجب العلم و مقتضى الشرع و قيل إسلام الوجه إلى الله تعالى هو الانقياد إليه في أوامره و نواهيه و ذلك يتضمن العلم و العمل فَقَدِ اسْتَمْسَكَ أي فقد تعلق بِالْعُرْوَةِ الوثيقة التي لا يخشى انفصامها وَ إِلَى اللَّهِ عاقِبَةُ الْأُمُورِ أي و عند الله ثواب ما صنع و المعنى و إلى الله يرجع أواخر الأمور على وجه لا يكون لأحد التصرف فيها بالأمر و النهي انتهى. إِلَّا عِبادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ بالكسر أي الذين تنبهوا بإنذارهم فأخلصوا دينهم لله و بالفتح الذين أخلصهم الله لدينه و على التقديرين الاستثناء منقطع و عن الباقر ع عن النبي ص لَهُمْ رِزْقٌ مَعْلُومٌ قال يعلمه الخدام فيأتون به أولياء الله قبل أن يسألوهم إياه و أما قوله فَواكِهُ وَ هُمْ مُكْرَمُونَ قال فإنهم لا يشتهون شيئا في الجنة إلا أكرموا به. مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ من الشرك الجلي بل الخفي أيضا. فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصاً لَهُ الدِّينَ في المجمع من شرك الأوثان و الأصنام و الإخلاص أن يقصد العبد بنيته و عمله إلى خالقه لا يجعل ذلك لغرض الدنيا أَلا لِلَّهِ الدِّينُ الْخالِصُ و الخالص هو ما لا يشوبه الرئاء و السمعة و لا وجه من وجوه الدنيا و قيل معناه ألا لله الطاعة بالعبادة التي يستحق بها الجزاء فهذا لله وحده لا يجوز أن يكون لغيره و قيل هو الاعتقاد الواجب في التوحيد و العدل و النبوة و الإقرار بها و العمل بموجبها و البراءة من كل دين سواها. و قال في قوله تعالى مُخْلِصاً لَهُ الدِّينَ أي موحدا له لا أعبد معه سواه و العبادة الخالصة هي التي لا يشوبها شيء من المعاصي وَ أُمِرْتُ أيضا لِأَنْ أَكُونَ أَوَّلَ الْمُسْلِمِينَ فيكون لي فضل السبق مُخْلِصاً لَهُ الدِّينَ و طاعتي انتهى فَاعْبُدُوا ما شِئْتُمْ مِنْ دُونِهِ تهديد و خذلان. ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا أي للمشرك و الموحد مُتَشاكِسُونَ أي متنازعون مختلفون وَ رَجُلًا سَلَماً لِرَجُلٍ أي خالصا لواحد ليس لغيره عليه سبيل قيل مثل المشرك على ما يقتضيه مذهبه من أن يدعي كل واحد من معبوديه عبوديته و يتنازعون فيه بعبد يتشارك فيه جمع يتجاذبونه و يتعاورونه في مهامهم المختلفة في تحيره و توزع قلبه و الموحد بمن خلص لواحد ليس لغيره عليه سبيل. و أقول قد مرت الأخبار الكثيرة في أنها نزلت في أمير المؤمنين ع و غاصبي
حقه و على التقادير يشعر بذم الشرك الخفي فإن من أشركه في عبادته له نصيب فيها و لذا يقول الله له يوم القيامة أنا أغنى الشركاء خذ ثواب عبادتك ممن أشركته معي مَنْ كانَ يُرِيدُ حَرْثَ الْآخِرَةِ أي ثوابها شبهه بالزرع من حيث إنه فائدة تحصل بعمل الدنيا و لذلك قيل الدنيا مزرعة الآخرة نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ فنعطه بالواحد عشرا إلى سبعمائة فما فوقها وَ مَنْ كانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيا أي بعمله نفع الدنيا نُؤْتِهِ مِنْها أي شيئا منها على ما قسمنا له و يحتمل أن يصير سببا لزيادة المنافع الدنيوية وَ ما لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ نَصِيبٍ لبطلانه و إنما الأعمال بالنيات و إنما لكل امرئ ما نوى و في التفسير عن الصادق ع المال و البنون حرث الدنيا و العمل الصالح حرث الآخرة و قد يجمعهما الله لأقوام.
و في الكافي عنه ع من أراد الحديث لمنفعة الدنيا لم يكن له في الآخرة نصيب و من أراد به خير الآخرة أعطاه الله خير الدنيا و الآخرة
و في المجمع عن النبي ص من كانت نيته الدنيا فرق الله عليه أمره و جعل الفقر بين عينيه و لم يأته من الدنيا إلا ما كتب له و من كانت نيته الآخرة جمع الله شمله و جعل غناه في قلبه و أتته الدنيا و هي راغمة
و في الكافي عن الصادق ع في قوله تعالى مَنْ كانَ يُرِيدُ حَرْثَ الْآخِرَةِ قال معرفة أمير المؤمنين ع و الأئمة ع
قيل نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ قال نزيده منها يستوفي نصيبه من دولتهم وَ مَنْ كانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيا نُؤْتِهِ مِنْها وَ ما لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ نَصِيبٍ قال ليس له في دولة الحق مع الإمام نصيب. وَ أَنَّ الْمَساجِدَ لِلَّهِ في الأخبار الكثيرة أنها المساجد التي يسجد عليها و قيل المساجد المعروفة و قيل كل الأرض فَلا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَداً أي لا تشركوا في دعائه و عبادته غيره. إِنَّما نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ أي لطلب رضاه خالصا له مخلصا من الرئاء و طلب الجزاء لا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزاءً وَ لا شُكُوراً روى الصدوق رحمه الله في مجالسه بإسناده عن الصادق ع في حديث طويل يذكر فيه سبب نزول سورة هل أتى في أصحاب الكساء ع وَ يُطْعِمُونَ الطَّعامَ عَلى حُبِّهِ يقول على شهوتهم للطعام و إيثارهم له مِسْكِيناً من مساكين المسلمين وَ يَتِيماً من يتامى المسلمين وَ أَسِيراً من أسارى المشركين و يقولون إذا أطعموهم إِنَّما نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزاءً وَ لا شُكُوراً قال و الله ما قالوا هذا لهم و لكنهم أضمروه في أنفسهم فأخبر الله بإضمارهم يقولون لا نريد جزاء تكافئوننا به و لا شكورا تثنون علينا به و لكنا إنما أطعمناكم لوجه الله و طلب ثوابه انتهى. إِنَّا نَخافُ مِنْ رَبِّنا يَوْماً عَبُوساً أي تعبس فيه الوجوه قَمْطَرِيراً أي شديد العبوس. يُؤْتِي مالَهُ في المجمع أي ينفقه في سبيل الله يَتَزَكَّى يطلب أن يكون عند الله زكيا لا يطلب بذلك رئاء و لا سمعة وَ ما لِأَحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزى أي و لم يفعل الأتقى ما فعله من إيتاء المال و إنفاقه في سبيل الله ليد أسديت إليه يكافئ عليها و لا ليد يتخذها عند أحد من الخلق إِلَّا ابْتِغاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الْأَعْلى أي و لكنه فعل ما فعل يبتغي به وجه الله و رضاه و ثوابه وَ لَسَوْفَ يَرْضى أي و لسوف يعطيه الله من الجزاء و الثواب ما يرضى به فإنه يعطيه كل ما تمنى و ما لم يخطر بباله فيرضى به لا محالة انتهى. مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ أي لا يشركون به شيئا حُنَفاءَ مائلين عن العقائد الزائغة
1- سن، ]المحاسن[ عن أبيه عن يونس بن عبد الرحمن عن عبد الله بن مسكان عن أبي عبد الله ع في قول الله حَنِيفاً مُسْلِماً قال خالصا مخلصا لا يشوبه شيء
2- كا، ]الكافي[ علي بن إبراهيم عن محمد بن عيسى عن يونس مثله إلا أن فيه ليس فيه شيء من عبادة الأوثان
بيان الحنيف المائل إلى الدين الحق و هو الدين الخالص و المسلم المنقاد لله في جميع أوامره و نواهيه و لما قال سبحانه ما كانَ إِبْراهِيمُ يَهُودِيًّا وَ لا نَصْرانِيًّا وَ لكِنْ كانَ حَنِيفاً مُسْلِماً وَ ما كانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ و جعل الحنيف المسلم في مقابلة المشرك فلذا فسر ع الحنيف أو الحنيف المسلم بمن كان خالصا لله مخلصا عمله من الشرك الجلي و الخفي فالأوثان أعم من الأوثان الحقيقية و المجازية فتشمل عبادة الشياطين في إغوائها و عبادة النفس في أهوائها كما قال تعالى أَ لَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يا بَنِي آدَمَ أَنْ لا تَعْبُدُوا الشَّيْطانَ و قال سبحانه أَ رَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلهَهُ هَواهُ و قال عز و جل اتَّخَذُوا أَحْبارَهُمْ وَ رُهْبانَهُمْ أَرْباباً مِنْ دُونِ اللَّهِ
و قال رسول الله ص ملعون من عبد الدينار و الدرهم
-3 سن، ]المحاسن[ عن أبيه عمن رفعه إلى أبي جعفر ع قال قال رسول الله ص يا أيها الناس إنما هو الله و الشيطان و الحق و الباطل و الهدى و الضلال و الرشد و الغي و العاجلة و العاقبة و الحسنات و السيئات فما كان من حسنات فلله و ما كان من سيئات فللشيطان
4- كا، ]الكافي[ عن العدة عن البرقي عن أبيه مثله إلا أن فيه و الضلالة و العاجلة و الآجلة و العاقبة
بيان إنما هو الله الضمير راجع إلى المقصود في العبادة أو الأعم منه و من الباعث عليها أو الموجود في الدنيا و المقصود و الغرض أن الحق و الهدى و الرشد و رعاية الآجلة و الحسنات منسوب إلى الله و أضدادها منسوبة إلى الشيطان فما كان خالصا لله فهو من الحسنات و ما كان للشيطان فيه مدخل فهو من السيئات ففي الكلام شبه قلب أو المعنى أن الرب تعالى و الحق و الهدى و الرشد و الآجلة و الحسنات في جانب و أضدادها في جانب آخر فالحسنات ما يكون موافقا للحق و معلوما بهداية الله و يكون سببا للرشد و المنظور فيه الدرجات الأخروية دون اللذات الدنيوية و قربه تعالى فهو منسوب إلى الله و إلا فهو من خطوات الشيطان و وساوسه. و الرشد ما يوصل إلى السعادة الأبدية و الغي ما يؤدي إلى الشقاوة السرمدية و العاقبة عطف تفسير للآجلة على رواية الكافي و كان المناسب لترتيب سائر الفقرات تقديم الآجلة على العاجلة و لعله ع إنما غير الأسلوب لأن الآجلة بعد العاجلة. قال بعض المحققين أريد بالحسنات و السيئات الأعمال الصالحة و السيئة المترتبتان على الأمور الثمانية الناشئتان منها فما كان من حسنات يعني ما نشأ من الحق و الهدى و الرشد رعاية العاقبة من الأعمال الصالحة و ما كان من سيئات يعني ما نشأ من الباطل و الضلالة و الغي و رعاية العاجلة من الأعمال السيئة فكل من عمل عملا من الخير طاعة لله آتيا فيه بالحق على هدى من ربه و رشده من أمره و لعاقبة أمره فهو حسنة يتقبله الله بقبول حسن و من عمل عملا من الخير و الشر طاعة للشيطان آتيا فيه بالباطل على ضلالة من نفسه و غي من أمره و لعاجلة أمره فهو سيئة مردود إلى من عمل له و من عمل عملا مركبا من أجزاء بعضها لله و بعضها للشيطان فما كان لله فهو لله و ما كان للشيطان فهو للشيطان فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ وَ مَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ فإن أشرك بالله الشيطان في عمله أو في جزء من عمله فهو مردود إليه لأن الله لا يقبل الشريك كما يأتي بيانه في باب الرئاء إن شاء الله. و ربما يقال إن كان الباعث الإلهي مساويا للباعث الشيطاني تقاوما و تساقطا و صار العمل لا له و لا عليه و إن كان أحدهما غالبا على الآخر بأن يكون أصلا و سببا مستقلا و يكون الآخر تبعا غير مستقل فالحكم للغالب إلا أن ذلك مما يشتبه على الإنسان في غالب الأمر فربما يظن أن الباعث الأقوى قصد التقرب و يكون الأغلب على سره الحظ النفساني فلا يحصل الأمن إلا بالإخلاص و قلما يستيقن الإخلاص من النفس فينبغي أن يكون العبد دائما مترددا بين الرد و القبول خائفا من الشوائب و الله الموفق للخير و السداد
5- كا، ]الكافي[ عن العدة عن سهل عن علي بن أسباط عن أبي الحسن الرضا ع أن أمير المؤمنين صلوات الله عليه كان يقول طوبى لمن أخلص لله العبادة و الدعاء و لم يشغل قلبه بما ترى عيناه و لم ينس ذكر الله بما تسمع أذناه و لم يحزن صدره بما أعطي غيره
بيان طوبى أي الجنة أو طيبها أو شجرة فيها كما ورد في الخبر أو العيش الطيب أو الخير لمن أخلص لله العبادة و الدعاء أي لم يعبد و لم يدع غيره تعالى أو كان غرضه من العبادة و الدعاء رضى الله سبحانه من غير رئاء بما ترى عيناه أي من زخارف الدنيا و مشتهياتها و الرفعة و الملك فيها و لم ينس ذكر الله بالقلب و اللسان و بما تسمع أذناه من الغناء و أصوات الملاهي و ذكر لذات الدنيا و الشهوات و الشبهات المضلة و الآراء المبتدعة و الغيبة و البهتان و كل ما يلهي عن الله و لم يحزن صدره بما أعطي غيره من أسباب العيش و حرمها و الاتصاف بهذه الصفات العلية إنما يتيسر لمن قطع عن نفسه العلائق الدنية و في الخبر إشعار بأن الإخلاص في العبادة لا يحصل إلا لمن قطع عروق حب الدنيا من قلبه كما سيأتي تحقيقه إن شاء الله
6- كا، ]الكافي[ علي عن أبيه عن القاسم بن محمد عن المنقري عن سفيان بن عيينة عن أبي عبد الله ع في قول الله عز و جل لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا قال ليس يعني أكثركم عملا و لكن أصوبكم عملا و إنما الإصابة خشية الله و النية الصادقة و الخشية ثم قال الإبقاء على العمل حتى يخلص أشد من العمل و العمل الخالص الذي لا تريد أن يحمدك عليه أحد إلا الله عز و جل و النية أفضل من العمل ألا و إن النية هي العمل ثم تلا قوله عز و جل قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ عَلى شاكِلَتِهِ يعني على نيته
تبيين قوله لِيَبْلُوَكُمْ إشارة إلى قوله تعالى تَبارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ وَ هُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَ الْحَياةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا تَبارَكَ أي تكاثر خيره من البركة و هي كثرة الخير أو تزايد عن كل شيء و تعالى عنه في صفاته و أفعاله فإن البركة تتضمن معنى الزيادة الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ أي بقبضة قدرته التصرف في الأمور كلها الذي خلق الموت و الحيوة أي قدرهما أو أوجدهما و فيه دلالة على أن الموت أمر وجودي و المراد بالموت الموت الطارئ على الحياة أو العدم الأصلي فإنه قد يسمى موتا أيضا كما قال تعالى كُنْتُمْ أَمْواتاً فَأَحْياكُمْ و تقديمه على الأول لأنه أدعى إلى حسن العمل و أقوى في ترك الدنيا و لذاتها و على الثاني ظاهر لتقدمه لِيَبْلُوَكُمْ أي ليعاملكم معاملة المختبر أَيُّكُمْ مفعول ثان لفعل البلوى باعتبار تضمينه معنى العلم. و وجه التعليل أن الموت داع إلى حسن العمل لكمال الاحتياج إليه بعده و موجب لعدم الوثوق بالدنيا و لذاتها الفانية و الحياة نعمة تقتضي الشكر و يقتدر بها على الأعمال الصالحة. و إن أريد به العدم الأصلي فالمعنى أنه نقلكم منه و ألبسكم لباس الحياة لذلك الاختبار و لما كان اتصافنا بحسن العمل يتحقق بكثرة العمل تارة و بإصابته و شدة رعاية شرائطه أخرى نفى الأول بقوله ليس يعني أكثركم عملا لأن مجرد العمل من غير خلوصه و جودته ليس أمرا يعتد به بل هو تضييع للعمر و أثبت الثاني بقوله و لكن أصوبكم عملا لأن صواب العمل و جودته و خلوصه من الشوائب يوجب القرب منه تعالى و له درجات متفاوتة يتفاوت القرب بحسبها. و اسم ليس في قوله ليس يعني ضمير عائد إلى الله عز و جل أو ضمير شأن و جملة يعني خبرها. ثم بين الإصابة و حصرها في أمرين بقوله إنما الإصابة خشية الله و النية الصادقة و ذكر الخشية ثانيا لعله من الرواة أو النساخ فليست في بعض النسخ و لو صحت يكون معناه خشية أن لا يقبل كما سيأتي في الخبر و هو غير خشية الله أو يقال النية الصادقة مبتدأ و الخشية معطوف عليه و الخبر محذوف أي مقرونتان أو الخشية منصوب ليكون مفعولا معه فيكون الحاصل أن مدار الإصابة على الخشية و تلزمها النية الصادقة و في بعض النسخ و الحسنة أي كونه موافقا لأمره تعالى و لا يكون فيه بدعة و في أسرار الصلاة للشهيد الثاني رحمه الله و النية الصادقة الحسنة و هو أصوب. و الحاصل أن العمدة في قبول العمل بعد رعاية أجزاء العبادة و شرائطها المختصة النية الخالصة و الاجتناب عن المعاصي كما قال تعالى فَمَنْ كانَ يَرْجُوا لِقاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صالِحاً وَ لا يُشْرِكْ بِعِبادَةِ رَبِّهِ أَحَداً و قال سبحانه إِنَّما يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ. قال الشيخ البهائي قدس سره المراد بالنية الصادقة انبعاث القلب نحو الطاعة غير ملحوظ فيه شيء سوى وجه الله سبحانه لا كمن يعتق عبده مثلا ملاحظا مع القربة الخلاص من مئونته أو سوء خلقه أو يتصدق بحضور الناس لغرض الثواب و الثناء معا بحيث لو كان منفردا لم يبعثه مجرد الثواب على الصدقة و إن كان يعلم من نفسه أنه لو لا الرغبة في الثواب لم يبعثه مجرد الرئاء على الإعطاء. و لا كمن له ورد في الصلاة و عادة في الصدقات و اتفق أن حضر في وقتها جماعة فصار الفعل أخف عليه و حصل له نشاط ما بسبب مشاهدتهم و إن كان يعلم من نفسه أنهم لو لم يحضروا أيضا لم يكن يترك العمل أو يفتر عنه البتة. فأمثال هذه الأمور مما يخل بصدق النية و بالجملة فكل عمل قصدت به القربة و انضاف إليه حظ من حظوظ الدنيا بحيث تركب الباعث عليه من ديني و نفسي فنيتك فيه غير صادقة سواء كان الباعث الديني أقوى من الباعث النفسي أو أضعف أو مساويا. قال في مجمع البيان لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا أي ليعاملكم معاملة المختبر بالأمر و النهي فيجازي كل عامل بقدر عمله و قيل ليبلوكم أيكم أكثر للموت ذكرا و أحسن له استعدادا و أحسن صبرا على موته و موت غيره و أيكم أكثر امتثالا للأوامر و اجتنابا من النواهي في حال حياته
قال أبو قتادة سألت رسول الله ص عن قوله تعالى أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا ما عنى به فقال يقول أيكم أحسن عقلا ثم قال ص أتمكم عقلا و أشدكم لله خوفا و أحسنكم فيما أمر الله به و نهى عنه نظرا و إن كان أقلكم تطوعا
و عن ابن عمر عن النبي ص أنه تلا قوله تَبارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ إلى قوله أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا ثم قال أيكم أحسن عقلا و أورع عن محارم الله و أسرع في طاعة الله
و عن الحسن أيكم أزهد في الدنيا و أترك لها انتهى. و في القاموس الصواب ضد الخطإ كالإصابة و قال الإصابة الإتيان بالصواب و إرادته و الإبقاء على العمل محافظته و الإشفاق عليه و حفظه عن الفساد قال الجوهري أبقيت على فلان إذا أرعيت عليه و رحمته يقال لا أبقى الله عليك إن أبقيت علي و الاسم منه البقيا انتهى و الحاصل أن رعاية العمل و حفظه عند الشروع و بعده إلى الفراغ منه و بعد الفراغ إلى الخروج من الدنيا حتى يخلص عن الشوائب الموجبة لنقصه أو فساده أشد من العمل نفسه
كما سيأتي في باب الرئاء عن أبي جعفر ع أنه قال الإبقاء على العمل أشد من العمل قال و ما الإبقاء على العمل قال يصل الرجل بصلة و ينفق نفقة لله وحده لا شريك له فتكتب له سرا ثم يذكرها فتمحى و تكتب له علانية ثم يذكرها فتمحى فتكتب له رئاء
و من عرف معنى النية و خلوصها علم أن إخلاص النية أشد من جميع الأعمال كما سيأتي تحقيقه إن شاء الله. ثم بين ع معنى العمل الخالص بأنه هو العمل الذي لا تريد أن يحمدك عليه أحد إلا الله عز و جل لا عند الفعل و لا بعده أي يكون خالصا عن أنواع الرئاء و السمعة و قد يقال لو كان سروره باعتبار أن الله تعالى قبل عمله حيث أظهر جميله
كما روي في الحديث القدسي عملك الصالح عليك ستره و علي إظهاره
أو باعتبار أنه استدل بإظهار جميله في الدنيا على إظهار جميله في الآخرة أو باعتبار رغبتهم إلى طاعة الله و ميل قلوبهم إليها لم يقدح ذلك في الخلوص و إنما يقدح فيه إن كان لرفع منزلته عند الناس و تعظيمهم و استجلاب الفوائد منهم فإنه بذلك يصير مرائيا مشركا بالشرك الخفي و به يحبط عمله و هذا الكلام له جهة صدق لكن قلما تصدق النفس في ذلك فإن لها حيلا و تسويلات لا ينجو منها إلا المقربون. و قال الشيخ البهائي روح الله روحه الخالص في اللغة كل ما صفا و تخلص و لم يمتزج بغيره سواء كان ذلك الغير أدون منه أو لا فمن تصدق لمحض الرياء فصدقته خالصة لغة كمن تصدق لمحض الثواب و قد خص العمل الخالص في العرف بما تجرد قصد التقرب فيه عن جميع الشوائب و هذا التجريد يسمى إخلاصا و قد عرفه أصحاب القلوب بتعريفات أخر فقيل هو تنزيه العمل عن أن يكون لغير الله فيه نصيب و قيل إخراج الخلق عن معاملة الحق و قيل هو ستر العمل عن الخلائق و تصفيته عن العلائق و قيل أن لا يريد عامله عليه عوضا في الدارين و هذه درجة عليه عزيزة المنال
قد أشار إليها أمير المؤمنين ع بقوله ما عبدتك خوفا من نارك و لا طمعا في جنتك و لكن وجدتك أهلا للعبادة فعبدتك
و قال رحمه الله ذهب كثير من علماء الخاصة و العامة إلى بطلان العبادة إذا قصد بفعلها تحصيل الثواب أو الخلاص من العقاب و قالوا إن هذا القصد مناف للإخلاص الذي هو إرادة وجه الله وحده و إن من قصد ذلك فإنه قصد جلب النفع إلى نفسه و دفع الضرر عنها لا وجه الله سبحانه كما أن من عظم شخصا أو أثنى عليه طمعا في ماله أو خوفا من إهانته لا يعد مخلصا في ذلك التعظيم و الثناء. و ممن بالغ في ذلك السيد الجليل صاحب المقامات و الكرامات رضي الدين علي بن طاوس قدس الله روحه و يستفاد من كلام شيخنا الشهيد في قواعده أنه مذهب أكثر أصحابنا رضوان الله عليهم. و نقل الفخر الرازي في التفسير الكبير اتفاق المتكلمين على أن من عبد الله لأجل الخوف من العقاب أو الطمع في الثواب لم تصح عبادته أورده عند تفسير قوله تعالى ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعاً وَ خُفْيَةً و جزم في أوائل تفسير الفاتحة بأنه لو قال أصلي لثواب الله أو الهرب من عقابه فسدت صلاته و من قال بأن ذلك القصد غير مفسد للعبادة منع خروجها به عن درجة الإخلاص و قال إن إرادة الفوز بثواب الله و السلامة من سخطه ليس أمرا مخالفا لإرادة وجه الله سبحانه و قد قال تعالى في مقام مدح أصفيائه كانُوا يُسارِعُونَ فِي الْخَيْراتِ وَ يَدْعُونَنا رَغَباً وَ رَهَباً أي للرغبة في الثواب و الرهبة من العقاب و قال سبحانه وَ ادْعُوهُ خَوْفاً وَ طَمَعاً و قال تعالى يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَ اسْجُدُوا وَ اعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَ افْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ أي حال كونهم راجين للفلاح أو لكي تفلحوا و الفلاح هو الفوز بالثواب نص عليه الشيخ أبو علي الطبرسي رحمه الله. هذا ما وصل إلينا من كلام هؤلاء و للمناقشة فيه مجال أما قولهم إن تلك الإرادة ليست مخالفة لإرادة وجه الله تعالى فكلام ظاهري قشري إذ البون البعيد بين إطاعة المحبوب و الانقياد إليه لمحض حبه و تحصيل رضاه و بين إطاعته لأغراض أخر أظهر من الشمس في رابعة النهار و الثانية ساقطة بالكلية عن درجة الاعتبار عند أولي الأبصار. و أما الاعتضاد بالآيتين الأوليين ففيه أن كثيرا من المفسرين ذكروا أن المعنى راغبين في الإجابة راهبين من الرد و الخيبة و أما الآية الثالثة فقد ذكر الطبرسي رحمه الله في مجمع البيان أن معنى لعلكم تفلحون لكي تسعدوا و لا ريب أن تحصيل رضاه سبحانه هو السعادة العظمى و فسر رحمه الله الفلاح في قوله تعالى أُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ بالنجاح و الفوز و قال شيخ الطائفة في التبيان المفلحون هم المنجحون الذين أدركوا ما طلبوا من عند الله بأعمالهم و إيمانهم و في تفسير البيضاوي المفلح الفائز بالمطلوب و مثله في الكشاف نعم فسر الطبرسي رحمه الله الفلاح في قوله قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ بالفوز بالثواب لكن مجيئه في هذه الآية بهذا المعنى لا يوجب حمله في غيرها أيضا عليه و على تقدير حمله على هذا المعنى إنما يتم التقريب لو جعلت جملة الترجي حالية و لو جعلت تعليلية كما جعله الطبرسي فلا دلالة فيها على ذلك المدعى أصلا كما لا يخفى. هذا و الأولى أن يستدل
بما رواه الكليني بطريق حسن عن أبي عبد الله ع قال العباد ثلاثة قوم عبدوا الله عز و جل خوفا فتلك عبادة العبيد و قوم عبدوا الله تبارك و تعالى طلبا للثواب فتلك عبادة الأجراء و قوم عبدوا الله حبا له فتلك عبادة الأحرار و هي أفضل العبادة
فإن قوله ع و هي أفضل العبادة يعطي أن العبادة على الوجهين السابقين لا يخلو من فضل أيضا فتكون صحيحة و هو المطلوب. ثم قال رحمه الله المانعون في نية العبادة من قصد تحصيل الثواب أو دفع العقاب جعلوا هذا القصد مفسدا لها و إن انضم إليه قصد وجه الله تعالى على ما يفهم من كلامهم أما بقية الضمائم اللازمة الحصول مع العبادة نويت أو لم تنو كالخلاص من النفقة بعتق العبد في الكفارة و الحمية في الصوم و التبرد في الوضوء و إعلام المأموم الدخول في الصلاة بالتكبير و مماطلة الغريم بالتشاغل في الصلاة و ملازمته بالطواف و السعي و حفظه المتاع بالقيام لصلاة الليل و أمثال ذلك فالظاهر أن قصدها عندهم مفسد أيضا بالطريق الأولى. و أما الذين لا يجعلون قصد الثواب مفسدا اختلفوا في الإفساد بأمثال هذه الضمائم فأكثرهم على عدمه و به قطع الشيخ في المبسوط و المحقق في المعتبر و العلامة في التحرير و المنتهى لأنها تحصل لا محالة فلا يضر قصدها و فيه أن لزوم حصولها لا يستلزم صحة قصد حصولها و المتأخرون من أصحابنا حكموا بفساد العبادة بقصدها و هو مذهب العلامة في النهاية و القواعد و ولده فخر المحققين في الشرح و شيخنا الشهيد في البيان لفوت الإخلاص و هو الأصح. و احتمل شيخنا الشهيد في قواعده التفصيل بأن القربة إن كانت هي المقصود بالذات و الضميمة مقصودة تبعا صحت العبادة و إن انعكس الأمر أو تساويا بطلت هذا. و اعلم أن الضميمة إن كانت راجحة و لاحظ القاصد رجحانها وجوبا أو ندبا كالحمية في الصوم لوجوب حفظ البدن و الإعلام بالدخول في الصلاة للتعاون على البر فينبغي أن لا تكون مضرة إذ هي حينئذ مؤكدة و إنما الكلام في الضمائم غير الملحوظة الرجحان فصوم من ضم قصد الحمية مطلقا صحيح مستحبا كان الصوم أو واجبا معينا كان الواجب أو غير معين و لكن في النفس من صحة غير المعين شيء و عدمها محتمل و الله أعلم. قوله ع و النية أفضل من العمل أي النية الخالصة أو إخلاص النية أفضل من العمل و النية تطلق على إرادة إيقاع الفعل و على الغرض الباعث على الفعل و على العزم على الفعل و الأولتان مقارنتان للفعل دون الثالثة و الأولى لا تنفك فعل الفاعل المختار عنها و الثانية الإخلاص فيها من أشق الأمور و أصعبها و به تتفاضل عبادات المكلفين و هي روح العبادة و بدونها لا تصح و كلما كانت أخلص عن الشوائب و الأغراض الفاسدة كان العمل أكمل و لذا ورد أن نية المؤمن خير من عمله. و لا ينافي قوله ص أفضل الأعمال أحمزها إذ تصحيح النية أصعب من تصحيح العمل بمراتب شتى إذ ليس المراد بالنية ما يتكلم به الإنسان عند الفعل أو يتصوره و يخطره بباله بل هو الباعث الأصلي و الغرض الواقعي الداعي للإنسان على الفعل و هو تابع للحالة التي عليها الإنسان و الطريقة التي يسلكها فمن غلب عليه حب الدنيا و شهواتها لا يمكنه قصد القربة و إخلاص النية عن دواعيها فإن نفسه متوجهة إلى الدنيا و همته مقصورة عليها فما لم يقلع عن قلبه عروق حب الدنيا و لم يستقر فيه طلب النشأة الأخرى و حب الرب الأعلى لم يمكنه إخلاص النية واقعا عن تلك الأغراض الدنية و ذلك متوقف على مجاهدات عظيمة و رياضات طويلة و تفكرات صحيحة و اعتزال
عن شرار الخلق فلذا ورد أن نية المؤمن خير من عمله و من عرف ذلك لم يحتج إلى تأويل الخبر بما ستسمع من الوجوه مع ركاكة أكثرها و بعدها عن نظم الكلام فلذا قال النية أفضل من العمل و السعي في تصحيحها أهم. فإن قيل العمل بلا نية باطل و معها النية داخلة فيه فكيف يفضل النية على العمل فإنه يوجب تفضيل الجزء على الكل قلنا المراد به أن العمل المقرون بالنية نيته خير من سائر أجزائه سواء جعلنا النية جزءا من العمل أو شرطا فيه و قوله ع ألا و إن النية هي العمل مبالغة في اشتراط العمل بها و إنه لا اعتداد بالعمل بدونها فكأنها عينه و لذا أكد بحرف التأكيد و حرف التنبيه و اسمية الجملة و تعريف الخبر باللام المفيد للحصر و ضمير الفصل المؤكد له. و قيل إشارة إلى دفع ما يتوهم من أن المفضل عليه لا بد أن يكون من جنس المفضل و النية ليست من جنس العمل فأجاب ع بأن النية أيضا عمل من أعمال القلب و لا يخفى ضعفه و الاستشهاد بالآية الكريمة لبيان أن مدار العمل على النية صحة و فسادا و نقصا و كمالا حيث قال قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ عَلى شاكِلَتِهِ يعني على نيته. و كأنه ع فسر الشاكلة التي تطلق غالبا على الحالة و الطريقة بالنية إيذانا بأن النية تابعة لحالة الإنسان و طريقته كما أومأنا إليه و إن ورد بمعنى النية أيضا قال الفيروزآبادي الشاكلة الشكل و الناحية و النية و الطريقة و قال في مجمع البيان أي كل واحد من المؤمن و الكافر يعمل على طبيعته و خليقته التي تخلق بها عن ابن عباس و قيل على طريقته و سنته التي اعتادها و قيل ما هو أشكل بالصواب و أولى بالحق عنده عن الجبائي قال و لهذا قال فَرَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَنْ هُوَ أَهْدى سَبِيلًا أي أنه يعلم أي الفريقين على الهدى و أيهما على الضلال و قيل معناه أنه أعلم بمن هو أصوب دينا و أحسن طريقة و قال بعض أرباب اللسان إن هذه الآية أرجى آية في كتاب الله لأن الأليق بكرمه سبحانه و جوده العفو عن عباده فهو يعمل به انتهى. و يمكن حمل النية هنا على المعنى الثالث كما سيأتي في الخبر لكنه بعيد عن سياق هذا الخبر و سيأتي مزيد الكلام في ذلك في باب النية و باب الرئاء
7- كا، ]الكافي[ بالإسناد المتقدم عن ابن عيينة عن أبي عبد الله ع قال سألته عن قول الله عز و جل إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ قال القلب السليم الذي يلقى ربه و ليس فيه أحد سواه و قال و كل قلب فيه شرك أو شك فهو ساقط و إنما أرادوا الزهد في الدنيا لتفرغ قلوبهم للآخرة
بيان قوله تعالى إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ قال سبحانه في سورة الشعراء حكاية عن إبراهيم ع حيث قال وَ لا تُخْزِنِي يَوْمَ يُبْعَثُونَ قال الطبرسي قدس سره أي لا تفضحني و لا تعيرني بذنب يوم يحشر الخلائق و هذا الدعاء كان منه ع على وجه الانقطاع إلى الله تعالى لما بينا أن القبيح لا يجوز وقوعه من الأنبياء ع ثم فسر ذلك اليوم بأن قال يَوْمَ لا يَنْفَعُ مالٌ وَ لا بَنُونَ أي لا ينفع المال و البنون أحدا إذ لا يتهيأ لذي مال أن يفتدي من شدائد ذلك اليوم به و لا يتحمل من صاحب البنين بنوه شيئا من معاصيه إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ من الشرك و الشك عن الحسن و مجاهد و قيل سليم من الفساد و المعاصي و إنما خص القلب بالسلامة لأنه إذا سلم القلب سلم سائر الجوارح من الفساد من حيث إن الفساد بالجارحة لا يكون إلا عن قصد بالقلب الفاسد
و روي عن الصادق ع أنه قال هو القلب الذي سلم من حب الدنيا
و يؤيده قول النبي ص حب الدنيا رأس كل خطيئة
انتهى. قوله ع و ليس فيه أحد سواه أي أخرج عن قلبه حب ما سوى الله و الاشتغال بغيره سبحانه أو لم يختر في قلبه على رضا الله رضا غيره أو كانت أعماله و نياته كلها خالصة لله لم يشرك فيها غيره. و كل قلب فيه شرك أعم من الشرك الجلي و الخفي أو شك و هو ما يقابل اليقين الذي يظهر أثره على الجوارح فإن كل معصية أو توسل بغيره سبحانه يستلزم ضعفا في اليقين فالشك يشمله فهو ساقط أي عن درجة الاعتبار أو بعيد عن الرب تعالى. و إنما أرادوا أي الأنبياء و الأوصياء الزهد و في بعض النسخ أراد بالزهد أي أراد الله و الباء زائدة يعني أن الزهد في الدنيا ليس مقصودا لذاته و إنما أمر الناس به لتكون قلوبهم فارغة عن محبة الدنيا صالحة لحب الله تعالى خالصة له عز و جل لا شركة فيها لما سوى الله و لا شك ناشئا من شدة محبتها لغير الله
8- كا، ]الكافي[ بالإسناد المتقدم أيضا عن ابن عيينة عن السندي عن أبي جعفر ع قال ما أخلص عبد الإيمان بالله أربعين يوما أو قال ما أجمل عبد ذكر الله أربعين يوما إلا زهده الله في الدنيا و بصره داءها و دواءها و أثبت الحكمة في قلبه و أنطق بها لسانه ثم تلا إِنَّ الَّذِينَ اتَّخَذُوا الْعِجْلَ سَيَنالُهُمْ غَضَبٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَ ذِلَّةٌ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَ كَذلِكَ نَجْزِي الْمُفْتَرِينَ فلا ترى صاحب بدعة إلا ذليلا أو مفتريا على الله عز و جل و على رسوله و أهل بيته ص إلا ذليلا
بيان إخلاص الإيمان مما يشوبه من الشرك و الرئاء و المعاصي و أن يكون جميع أعماله خالصة لله تعالى و لعل خصوص الأربعين لأن الله تعالى جعل انتقال الإنسان في أصل الخلقة من حال إلى حال في أربعين يوما كالانتقال من النطفة إلى العلقة و من العلقة إلى المضغة و من المضغة إلى العظام و منها إلى اكتساء اللحم و لذا يوقف قبول توبة شارب الخمر إلى أربعين يوما كما ورد في الخبر و الزهد في الشيء تركه و عدم الرغبة فيه. و داء الدنيا المعاصي و الصفات الذميمة و ما يوجب البعد عن الله تعالى و دواؤها ما يوجب تركها و اجتنابها من الرياضات و المجاهدات و التفكرات الصحيحة و أمثالها أو المراد بدائها الأمراض القلبية الحاصلة من محبة الدنيا و دواؤها ملازمة ما يوجب تركها و قيل أي قدر الضرورة منها و الزائد عليه أو ميل القلب إليها و صرفه عنها أو الضار و النافع منها في الآخرة أعني الطاعة و المعصية و الحكمة العلوم الحقة الواقعية و أصلها و منبعها معرفة الإمام و لذا فسرت بها كما مر. و في مناسبة ذكر الآية لما تقدم إشكال و يمكن أن يقال في توجيهه وجوه. الأول ما خطر بالبال و هو أنه لما ذكر فوائد إخلاص الأربعين و قد أبدع جماعة من الصوفية فيها ما ليس في الدين دفع ع توهم شموله لذلك بالاستشهاد بالآية و أنها تدل على أن كل مبتدع في الأحكام و مفتر على الله و رسوله في حكم من الأحكام ذليل في الدنيا و الآخرة لقوله تعالى وَ كَذلِكَ نَجْزِي الْمُفْتَرِينَ و قوله أو مفتريا أي لا ترى مفتريا و بعبارة أخرى لما كان صحة العبادة و كمالها مشترطة بأمرين الأول كونها على وفق السنة و الثاني كونها خالصة لوجه الله تعالى فأشار أولا إلى الثاني و ثانيا إلى الأول فتأمل. الثاني ما قيل إن الوجه في تلاوته ع الآية التنبيه على أن من كانت عبادته لله عز و جل و اجتهاده فيها على وفق السنة بصره الله عيوب الدنيا فزهده فيها فصار بسبب زهده فيها عزيزا لأن المذلة في الدنيا إنما تكون بسبب الرغبة فيها و من كانت عبادته على وفق الهوى أعمى الله قلبه عن عيوب الدنيا فصار بسبب رغبته فيها ذليلا فأصحاب البدع لا يزالون أذلاء صغارا و من هنا قال الله في متخذي العجل ما قال. الثالث ما قيل أيضا إن الغرض من تلاوتها هو التنبيه على أن غير المخلص مندرج فيها و الوعيد متوجه إليه أيضا لأنك قد عرفت أن قلبه ساقط لكونه ذا شرك أو شك و هما بدعة و افتراء على الله و رسوله و الآية على تقدير نزولها في قوم مخصوصين لا يقتضي تخصيص الوعيد بهم. الرابع ما خطر بالبال أيضا و هو أن الإخلاص المذكور في صدر الخبر يشمل الإخلاص عن الرئاء و البدعة و كل ما ينافي قبول العمل فاستشهد لأحد أجزائه بالآية
8- ل، ]الخصال[ أبي عن سعد عن البرقي عن البزنطي عن حماد بن عثمان عن ابن أبي يعفور عن أبي عبد الله ع قال خطب رسول الله ص الناس بمنى في حجة الوداع في مسجد الخيف فحمد الله و أثنى عليه ثم قال نضر الله عبدا سمع مقالتي فوعاها ثم بلغها إلى من لم يسمعها فرب حامل فقه غير فقيه و رب حامل فقه إلى من هو أفقه منه ثلاث لا يغل عليهن قلب امرئ مسلم إخلاص العمل لله و النصيحة لأئمة المسلمين و اللزوم لجماعتهم فإن دعوتهم محيطة من ورائهم المسلمون إخوة تتكافأ دماؤهم يسعى بذمتهم أدناهم و هم يد على من سواهم
9- لي، ]الأمالي للصدوق[ الوراق عن علي بن مهرويه عن داود بن سليمان عن الرضا عن آبائه ع قال قال أمير المؤمنين ع الدنيا كلها جهل إلا مواضع العلم و العلم كله حجة إلا ما عمل به و العمل كله رياء إلا ما كان مخلصا و الإخلاص على خطر حتى ينظر العبد بما يختم له
يد، ]التوحيد[ محمد بن عمرو بن علي عن علي بن الحسين المثنى عن علي بن مهرويه مثله
10- ن، ]عيون أخبار الرضا عليه السلام[ بالإسناد إلى دارم عن الرضا عن آبائه ع قال قال رسول الله ص ما أخلص عبد لله عز و جل أربعين صباحا إلا جرت ينابيع الحكمة من قلبه على لسانه
11- سن، ]المحاسن[ أبي عن محمد بن سنان عن خضر عمن سمع أبا عبد الله ع يقول قال رسول الله ص ثلاث من كن فيه أو واحدة منهن كان في ظل عرش الله يوم لا ظل إلا ظله رجل أعطى الناس من نفسه ما هو سائلهم لها و رجل لم يقدم رجلا حتى يعلم أن ذلك لله رضا أو يحبس و رجل لم يعب أخاه المسلم بعيب حتى ينفي ذلك العيب عن نفسه فإنه لا ينتفي عنه عيب إلا بدا له عيب و كفى بالمرء شغلا بنفسه عن الناس
12- سن، ]المحاسن[ ابن محبوب عن محمد بن القاسم الهاشمي قال سمعت أبا عبد الله ع يقول قال رسول الله ص من أصبح من أمتي و همه غير الله فليس من الله
13- سن، ]المحاسن[ أبي عمن رفعه إلى أبي جعفر ع قال قال رسول الله ص يا أيها الناس إنما هو الله و الشيطان و الحق و الباطل و الهدى و الضلال و الرشد و الغي و العاجلة و العاقبة و الحسنات و السيئات فما كان من حسنات فمن الله و ما كان من سيئات فللشيطان
14- سن، ]المحاسن[ أبي عن يونس بن عبد الرحمن عن عبد الله بن مسكان عن أبي عبد الله ع في قول الله حَنِيفاً مُسْلِماً قال خالصا مخلصا لا يشوبه شيء
15- ين، ]كتاب حسين بن سعيد و النوادر[ سن، ]المحاسن[ عثمان بن عيسى عن علي بن سالم قال سمعت أبا عبد الله ع يقول قال الله عز و جل أنا خير شريك من أشرك معي غيري في عمله لم أقبله إلا ما كان خالصا
-16 سن، ]المحاسن[ أبي عن ابن أبي عمير عن ابن أذينة عن إسماعيل بن يسار قال سمعت أبا عبد الله ع يقول إن ربكم لرحيم يشكر القليل إن العبد ليصلي الركعتين يريد بها وجه الله فيدخله الله به الجنة
17- سن، ]المحاسن[ ابن أبي نجران عن المفضل بن صالح عن أبي جميلة عن جابر الجعفي رفعه قال قال رسول الله ص خرج ثلاث نفر يسيحون في الأرض فبينا هم يعبدون الله في كهف في قلة جبل حتى بدت صخرة من أعلى الجبل حتى التقمت باب الكهف فقال بعضهم لبعض عباد الله و الله ما ينجيكم مما وقعتم إلا أن تصدقوا الله فهلم ما عملتم لله خالصا فإنما ابتليتم بالذنوب فقال أحدهم اللهم إن كنت تعلم أني طلبت امرأة لحسنها و جمالها فأعطيت فيها مالا ضخما حتى إذا قدرت عليها و جلست منها مجلس الرجل من المرأة ذكرت النار فقمت عنها فرقا منك اللهم فادفع عنا هذه الصخرة فانصدعت حتى نظروا إلى الصدع ثم قال الآخر اللهم إن كنت تعلم أني استأجرت قوما يحرثون كل رجل منهم بنصف درهم فلما فرغوا أعطيتهم أجورهم فقال أحدهم قد عملت عمل اثنين و الله لا آخذ إلا درهما واحد و ترك ماله عندي فبذرت بذلك النصف الدرهم في الأرض فأخرج الله من ذلك رزقا و جاء صاحب النصف الدرهم فأراده فدفعت إليه ثمان عشرة آلاف فإن كنت تعلم أنما فعلته مخافة منك فادفع عنا هذه الصخرة قال فانفجرت عنهم حتى نظر بعضهم إلى بعض ثم إن الآخر قال اللهم إن كنت تعلم أن أبي و أمي كانا نائمين فأتيتهما بقعب من لبن فخفت إن أضعه أن تمج فيه هامة و كرهت أن أوقظهما من نومهما فيشق ذلك عليهما فلم أزل كذلك حتى استيقظا و شربا اللهم إن كنت تعلم أني كنت فعلت ذلك ابتغاء وجهك فادفع عنا هذه الصخرة فانفرجت لهم طريقهم ثم قال النبي ص من صدق الله نجا
18- مص، ]مصباح الشريعة[ قال الصادق ع الإخلاص يجمع حواصل الأعمال و هو معنى مفتاحه القبول و توقيعه الرضا فمن تقبل الله منه و رضي عنه فهو المخلص و إن قل عمله و من لا يتقبل الله منه فليس بمخلص و إن كثر عمله اعتبارا بآدم ع و إبليس و علامة القبول وجود الاستقامة ببذل كل المحاب مع إصابة علم كل حركة و سكون فالمخلص ذائب روحه بازل مهجته في تقويم ما به العلم و الأعمال و العامل و المعمول بالعمل لأنه إذا أدرك ذلك فقد أدرك الكل و إذا فاته ذلك فاته الكل و هو تصفية معاني التنزيه في التوحيد كما قال الأول هلك العاملون إلا العابدون و هلك العابدون إلا العالمون و هلك العالمون إلا الصادقون و هلك الصادقون إلا المخلصون و هلك المخلصون إلا المتقون و هلك المتقون إلا الموقنون و إن الموقنين لعلى خطر عظيم قال الله لنبيه ص وَ اعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ و أدنى حد الإخلاص بذل العبد طاقته ثم لا يجعل لعمله عند الله قدرا فيوجب به على ربه مكافاة بعمله لعلمه أنه لو طالبه بوفاء حق العبودية لعجز و أدنى مقام المخلص في الدنيا السلامة من جميع الآثام و في الآخرة النجاة من النار و الفوز بالجنة
19- م، ]تفسير الإمام عليه السلام[ و قال محمد بن علي الرضا ع أفضل العبادة الإخلاص
و قال علي بن محمد ع لو سلك الناس واديا شعبا لسلكت وادي رجل عبد الله وحده خالصا
و قال الحسن بن علي الزكي ع لو جعلت الدنيا كلها لقمة واحدة و لقمتها من يعبد الله خالصا لرأيت أني مقصر في حقه و لو منعت الكافر منها حتى يموت جوعا و عطشا ثم أذقته شربة من الماء لرأيت أني قد أسرفت
20- تم، ]فلاح السائل[ بإسنادنا إلى هارون بن موسى التلعكبري عن ابن عقدة عن محمد بن سالم بن جبهان عن عبد العزيز عن الحسن بن علي عن سنان عن عبد الواحد عن رجل عن معاذ بن جبل قال قلت حدثني بحديث سمعته من رسول الله ص حفظته و ذكرته في كل يوم من دقة ما حدثك به قال نعم و بكى معاذ فقلت اسكت فسكت ثم نادى بأبي و أمي حدثني و أنا رديفه قال فبينا نسير إذ يرفع بصره إلى السماء فقال الحمد لله الذي يقضي في خلقه ما أحب قال يا معاذ قلت لبيك يا رسول الله إمام الخير و نبي الرحمة فقال أحدثك ما حدث نبي أمته إن حفظته نفعك عيشك و إن سمعته و لم تحفظه انقطعت حجتك عند الله ثم قال إن الله خلق سبعة أملاك قبل أن يخلق السماوات فجعل في كل سماء ملكا قد جللها بعظمته و جعل على كل باب منها ملكا بوابا فتكتب الحفظة عمل العبد من حين يصبح إلى حين يمسي ثم يرتفع الحفظة بعمله له نور كنور الشمس حتى إذا بلغ سماء الدنيا فيزكيه و يكثره فيقول له قف فاضرب بهذا العمل وجه صاحبه أنا ملك الغيبة فمن اغتاب لا أدع عمله يجاوزني إلى غيري أمرني بذلك ربي قال ثم يجيء من الغد و معه عمل صالح فيمر به و يزكيه و يكثره حتى يبلغ السماء الثانية فيقول الملك الذي في السماء الثانية قف فاضرب بهذا العمل وجه صاحبه إنما أراد بهذا العمل عرض الدنيا أنا صاحب الدنيا لا أدع عمله يتجاوزني إلى غيري قال ثم يصعد بعمل العبد مبتهجا بصدقة و صلاة فتعجب الحفظة و يجاوزه إلى السماء الثالثة فيقول الملك قف فاضرب بهذا العمل وجه صاحبه و ظهره أنا ملك صاحب الكبر فيقول إنه عمل و تكبر فيه على الناس في مجالسهم أمرني ربي أن لا أدع عمله يتجاوزني إلى غيري قال و تصعد الحفظة بعمل العبد يزهر كالكوكب الدري في السماء له دوي بالتسبيح و الصوم و الحج فيمر به إلى ملك السماء الرابعة فيقول له قف فاضرب بهذا العمل وجه صاحبه و بطنه أنا ملك العجب فإنه كان يعجب بنفسه و إنه عمل و أدخل نفسه العجب أمرني ربي لا أدع عمله يتجاوزني إلى غيري و أضرب به وجه صاحبه قال و تصعد الحفظة بعمل العبد كالعروس المزفوفة إلى أهلها فيمر به إلى ملك السماء الخامسة بالجهاد و الصلاة ما بين الصلاتين و لذلك رنين كرنين الإبل عليه ضوء كضوء الشمس فيقول الملك قف أنا ملك الحسد فاضرب بهذا العمل وجه صاحبه و تحمله على عاتقه إنه كان يحسد من يتعلم و يعمل لله بطاعته فإذا رأى لأحد فضلا في العمل و العبادة حسده و وقع فيه فيحمله على عاتقه و يلعنه عمله قال و تصعد الحفظة فيمر بهم إلى ملك السماء السادسة فيقول الملك قف أنا صاحب الرحمة اضرب بهذا العمل وجه صاحبه و اطمس عينيه لأن صاحبه لم يرحم شيئا إذا أصاب عبدا من عباد الله ذنبا للآخرة أو ضرا في الدنيا يشمت به أمرني ربي أن لا أدع عمله يجاوزني إلى غيري و قال و تصعد الحفظة بعمل العبد أعمالا بفقه و اجتهاد و ورع له صوت كالرعد و ضوء كضوء البرق و معه ثلاثة آلاف ملك فيمر بهم إلى ملك السماء السابعة فيقول الملك قف و اضرب بهذا العمل وجه صاحبه أنا ملك الحجاب أحجب كل عمل ليس لله إنه أراد رفعة عند القواد و ذكرا في المجالس و صوتا في المدائن أمرني ربي أن لا أدع عمله يجاوزني إلى غيري ما لم يكن خالصا قال و تصعد الحفظة بعمل العبد مبتهجا به من خلق حسن و صمت و ذكر كثير تشيعه ملائكة السماوات السبعة بجماعتهم فيطئون الحجب كلها حتى يقوموا بين يديه فيشهدوا له بعمل صالح و دعاء فيقول الله أنتم حفظة عمل عبدي و أنا رقيب على ما نفسه عليه لم يردني بهذا العمل عليه لعنتي فيقول
الملائكة عليه لعنتك و لعنتنا قال ثم بكى معاذ و قال قلت يا رسول الله ما أعمل قال اقتد بنبيك يا معاذ في اليقين قال قلت إنك أنت رسول الله و أنا معاذ بن جبل قال و إن كان في عملك تقصير يا معاذ فاقطع لسانك عن إخوانك و عن حملة القرآن و لتكن ذنوبك عليك لا تحملها على إخوانك و لا تزك نفسك بتذميم إخوانك و لا ترفع نفسك بوضع إخوانك و لا تراء بعملك و لا تدخل من الدنيا في الآخرة و لا تفحش في مجلسك لكي يحذروك بسوء خلقك و لا تناج مع رجل و عندك آخر و لا تتعظم على الناس فيقطع عنك خيرات الدنيا و لا تمزق الناس فتمزقك كلاب أهل النار قال الله وَ النَّاشِطاتِ نَشْطاً أ تدري ما الناشطات كلاب أهل النار تنشط اللحم و العظم قلت من يطيق هذه الخصال قال يا معاذ أما إنه يسير على من يسر الله عليه قال و ما رأيت معاذا يكثر تلاوة القرآن كما يكثر تلاوة هذا الحديث
العدة، ]عدة الداعي[ روى أبو محمد جعفر بن أحمد القمي في كتابه المنبئ عن زهد النبي ص عن عبد الواحد عمن حدثه عن معاذ بن جبل مثله
21- جع، ]جامع الأخبار[ عن أبي عبد الله ع قال إن المؤمن ليخشع له كل شيء و يهابه كل شيء ثم قال إذا كان مخلصا لله أخاف الله منه كل شيء حتى هوام الأرض و سباعها و طير سماء
و قال رسول الله ص إن الله لا ينظر إلى صوركم و أعمالكم و إنما ينظر إلى قلوبكم
22- سن، ]المحاسن[ ابن محبوب عن ابن رئاب عن أبي عبد الله ع قال من أحب لله و أبغض لله و أعطى لله و منع لله فهو ممن يكمل إيمانه
و عنه ع قال من أوثق عرى الإيمان أن تحب لله و تبغض لله و تعطي في الله و تمنع في الله
-23 نوادر الراوندي، بإسناده عن موسى بن جعفر عن آبائه ع قال قال علي ع في قوله تعالى وَ أَنَّ الْمَساجِدَ لِلَّهِ الآية ما سجدت به من جوارحك لله تعالى فَلا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَداً
24- منية المريد، عن النبي ص قال إن أولى الناس أن يقضي يوم القيامة عليه رجل استشهد فأتي به فعرفه نعمه فعرفها قال فما عملت فيها قال قاتلت فيك حتى استشهدت قال كذبت و لكنك قاتلت ليقال جريء فقد قيل ذلك ثم أمر به فسحب على وجهه حتى ألقي في النار و رجل تعلم العلم و علمه و قرأ القرآن فأتي به فعرفه نعمه فعرفها قال فما عملت فيها قال تعلمت العلم و علمته و قرأت فيك القرآن قال كذبت و لكنك تعلمت ليقال عالم و قرأت القرآن ليقال قارئ القرآن فقد قيل ثم أمر به فسحب على وجهه حتى ألقي في النار
و قال ص إنما الأعمال بالنيات و إنما لكل امرئ ما نوى فمن كانت هجرته إلى الله و رسوله فهجرته إلى الله و رسوله و من كانت هجرته إلى أمر دنيا يصيبها أو امرأة ينكحها فهجرته إلى ما هاجر إليه
و قال ص نية المؤمن خير من عمله
و في لفظ آخر أبلغ من عمله
و قال ص إنما يبعث الناس على نياتهم
و قال ص مخبرا عن جبرئيل عن الله عز و جل أنه قال الإخلاص سر من أسراري استودعته قلب من أحببت من عبادي
25- عدة الداعي، عن النبي ص قال من أخلص لله أربعين يوما فجر الله ينابيع الحكمة من قلبه على لسانه
و عن أبي جعفر الجواد ع قال أفضل العبادة الإخلاص
و عن الصادق ع قال ما أنعم الله عز و جل على عبد أجل من أن لا يكون في قلبه مع الله عز و جل غيره
و عن سيدة النساء صلوات الله عليها قالت من أصعد إلى الله خالص عبادته أهبط الله عز و جل إليه أفضل مصلحته
و عن العسكري ع قال لو جعلت الدنيا كلها لقمة واحدة ثم لقمتها من يعبد الله خالصا لرأيت أني مقصر في حقه و لو منعت الكافر منها حتى يموت جوعا و عطشا ثم أذقته شربة من الماء لرأيت أني قد أسرفت
و كان عيسى ع يقول للحواريين إذا كان صوم أحدكم فليدهن رأسه و لحيته و يمسح شفتيه بالزيت لئلا يري الناس أنه صائم و إذا أعطى بيمينه فليخف عن شماله و إذا صلى فليرخ ستر بابه فإن الله يقسم الثناء كما يقسم الرزق
26- أسرار الصلاة، عن سفيان بن عيينة عن أبي عبد الله ع في قوله عز و جل لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا قال ليس يعني أكثركم عملا و لكن أصوبكم عملا و إنما الإصابة خشية الله تعالى و النية الصادقة الحسنة ثم قال الإبقاء على العمل حتى يخلص أشد من العمل و العمل الخالص الذي لا تريد أن يحمدك عليه أحد إلا الله عز و جل و النية أفضل من العمل ألا و إن النية هي العمل ثم تلا قوله عز و جل قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ عَلى شاكِلَتِهِ يعني على نيته
27- مشكاة الأنوار، عن أبي عبد الله ع في قول الله عز و جل حَنِيفاً مُسْلِماً قال خالصا مخلصا لا يشوبه شيء