الآيات البقرة وَ بِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ و قال تعالى قَدْ بَيَّنَّا الْآياتِ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ و قال تعالى مخاطبا لإبراهيم ع أَ وَ لَمْ تُؤْمِنْ قالَ بَلى وَ لكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي الأنعام وَ لِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ الرعد يُفَصِّلُ الْآياتِ لَعَلَّكُمْ بِلِقاءِ رَبِّكُمْ تُوقِنُونَ طه فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سُجَّداً قالُوا آمَنَّا بِرَبِّ هارُونَ وَ مُوسى قالَ آمَنْتُمْ لَهُ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ الَّذِي عَلَّمَكُمُ السِّحْرَ فَلَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَ أَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلافٍ وَ لَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ وَ لَتَعْلَمُنَّ أَيُّنا أَشَدُّ عَذاباً وَ أَبْقى قالُوا لَنْ نُؤْثِرَكَ عَلى ما جاءَنا مِنَ الْبَيِّناتِ وَ الَّذِي فَطَرَنا فَاقْضِ ما أَنْتَ قاضٍ إِنَّما تَقْضِي هذِهِ الْحَياةَ الدُّنْيا إِنَّا آمَنَّا بِرَبِّنا لِيَغْفِرَ لَنا خَطايانا وَ ما أَكْرَهْتَنا عَلَيْهِ مِنَ السِّحْرِ وَ اللَّهُ خَيْرٌ وَ أَبْقى الشعراء قالَ رَبُّ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ وَ ما بَيْنَهُمَا إِنْ كُنْتُمْ مُوقِنِينَ إلى قوله تعالى قالُوا لا ضَيْرَ إِنَّا إِلى رَبِّنا مُنْقَلِبُونَ إِنَّا نَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لَنا رَبُّنا خَطايانا أَنْ كُنَّا أَوَّلَ الْمُؤْمِنِينَ النمل وَ هُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ العنكبوت وَ مِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ فَإِذا أُوذِيَ فِي اللَّهِ جَعَلَ فِتْنَةَ النَّاسِ كَعَذابِ اللَّهِ وَ لَئِنْ جاءَ نَصْرٌ مِنْ رَبِّكَ لَيَقُولُنَّ إِنَّا كُنَّا مَعَكُمْ أَ وَ لَيْسَ اللَّهُ بِأَعْلَمَ بِما فِي صُدُورِ الْعالَمِينَ لقمان وَ هُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ التنزيل وَ جَعَلْنا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنا لَمَّا صَبَرُوا وَ كانُوا بِآياتِنا يُوقِنُونَ الجاثية وَ فِي خَلْقِكُمْ وَ ما يَبُثُّ مِنْ دابَّةٍ آياتٌ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ و قال تعالى وَ هُدىً وَ رَحْمَةٌ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ الذاريات وَ فِي الْأَرْضِ آياتٌ لِلْمُوقِنِينَ وَ فِي أَنْفُسِكُمْ أَ فَلا تُبْصِرُونَ الطور بَلْ لا يُوقِنُونَ الواقعة إِنَّ هذا لَهُوَ حَقُّ الْيَقِينِ الحاقة وَ إِنَّهُ لَحَقُّ الْيَقِينِ التكاثر كَلَّا لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ الْيَقِينِ لَتَرَوُنَّ الْجَحِيمَ ثُمَّ لَتَرَوُنَّها عَيْنَ الْيَقِينِ تفسير وَ بِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ أي يوقنون إيقانا زال معه الشك قال البيضاوي اليقين إتقان العلم بنفي الشك و الشبهة عنه بالاستدلال و لذلك لا يوصف به علم البارئ تعالى و لا العلوم الضرورية. وَ لكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي قال الطبرسي رحمه الله أي بلى أنا مؤمن و لكن سألت ذاك لأزداد يقينا إلى يقيني عن الحسن و قتادة و مجاهد و ابن جبير و قيل لأعاين ذلك و يسكن قلبي إلى علم العيان بعد علم الاستدلال و قيل ليطمئن قلبي بأنك قد أجبت مسألتي و اتخذتني خليلا كما وعدتني. وَ لِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ قال أي من المتيقنين بأن الله سبحانه هو خالق ذلك و الملك له. يُفَصِّلُ الْآياتِ أي يأتي بآية في أثر آية فصلا فصلا مميزا بعضها عن بعض ليكون أمكن للاعتبار و التفكر و قيل معناه يبين الدلائل بما يحدثه في السماوات و الأرض لَعَلَّكُمْ بِلِقاءِ رَبِّكُمْ تُوقِنُونَ أي لكي توقنوا بالبعث و النشور و تعلموا أن القادر على هذه الأشياء قادر على البعث بعد الموت و في هذا دلالة على وجوب النظر المؤدي إلى معرفة الله تعالى و على بطلان التقليد و لو لا ذلك لم يكن لتفصيل الآيات معنى. إِنْ كُنْتُمْ مُوقِنِينَ أي بأن الرب بهذه الصفة أو بأن هذه الأشياء محدثة و ليست من فعلكم و المحدث لا بد له من محدث لا ضَيْرَ أي لا ضرر علينا فيما تفعله إِنَّا إِلى رَبِّنا مُنْقَلِبُونَ أي إلى ثواب ربنا راجعون خَطايانا أي من السحر و غيره أَنْ كُنَّا أَوَّلَ الْمُؤْمِنِينَ أي لأن كنا أول من صدق بموسى عند تلك الآية أو مطلقا. وَ مِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ بلسانه فَإِذا أُوذِيَ فِي اللَّهِ أي في دين الله أو في ذات الله جَعَلَ فِتْنَةَ النَّاسِ كَعَذابِ اللَّهِ أي إذا أوذي بسبب دين الله رجع عن الدين مخافة عذاب الناس كما ينبغي أن يترك الكافر دينه مخافة عذاب الله فيسوي بين عذاب فان منقطع و بين عذاب دائم غير منقطع أبدا لقلة تمييزه و سمى أذية الناس فتنة لما في احتمالها من المشقة و قال علي بن إبراهيم قال إذا آذاه إنسان أو أصابه ضر أو فاقة أو خوف من الظالمين دخل معهم في دينهم فرأى أن ما يفعلونه هو مثل عذاب الله الذي لا ينقطع وَ لَئِنْ جاءَ نَصْرٌ مِنْ رَبِّكَ أي فتح و غنيمة و قال علي بن إبراهيم يعني القائم ع لَيَقُولُنَّ إِنَّا كُنَّا مَعَكُمْ في الدين فأشركونا بِما فِي صُدُورِ الْعالَمِينَ من الإخلاص و النفاق. وَ جَعَلْنا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنا لَمَّا صَبَرُوا قال علي بن إبراهيم كان في علم الله أنهم يصبرون على ما يصيبهم فجعلهم أئمة وَ كانُوا بِآياتِنا يُوقِنُونَ أي لا يشكون فيها.
وَ فِي خَلْقِكُمْ وَ ما يَبُثُّ مِنْ دابَّةٍ أي في خلقه إياكم بما فيكم من بدائع الصنعة و ما يتعاقب عليكم من غرائب الأحوال من مبتدإ خلقكم إلى انقضاء الآجال و في خلق ما تفرق على وجه الأرض من الحيوانات على اختلاف أجناسها و منافعها دلالات واضحات على ما ذكرنا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ أي يطلبون علم اليقين بالتفكر و التدبر لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ لأنهم به ينتفعون. وَ فِي الْأَرْضِ آياتٌ لِلْمُوقِنِينَ أي دلائل تدل على عظمة الله و علمه و قدرته و إرادته و وحدته و فرط رحمته وَ فِي أَنْفُسِكُمْ أي و في أنفسكم آيات إذ ما في العالم شيء إلا و في الإنسان له نظير يدل دلالته مع ما انفرد به من الهيئات النافعة و المناظر البهية و التركيبات العجيبة و التمكن من الأفعال الغريبة و استنباط الصنائع المختلفة و استجماع الكمالات المتنوعة
و في المجمع، و تفسير علي بن إبراهيم، عن الصادق ع يعني أنه خلقك سميعا بصيرا تغضب و ترضى و تجوع و تشبع و ذلك كله من آيات الله
أَ فَلا تُبْصِرُونَ أي تنظرون نظر من يعتبر إِنَّ هذا لَهُوَ حَقُّ الْيَقِينِ قال في المجمع أضاف الحق إلى اليقين و هما واحد للتأكيد أي هذا الذي أخبرتك به من منازل هؤلاء الأصناف الثلاثة هو الحق الذي لا شك فيه اليقين الذي لا شبهة فيه و قيل تقديره حق الأمر اليقين. كَلَّا لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ الْيَقِينِ قال الطبرسي قدس سره أي لو تعلمون الأمر علما يقينا لشغلكم ما تعلمون من التفاخر و التباهي بالعز و الكثرة و علم اليقين هو العلم الذي يثلج به الصدر بعد اضطراب الشك فيه و لهذا لا يوصف الله تعالى بأنه متيقن لَتَرَوُنَّ الْجَحِيمَ يعني حين تبرز الجحيم في القيامة قبل دخولهم إليها ثُمَّ لَتَرَوُنَّها يعني بعد الدخول إليها عَيْنَ الْيَقِينِ كما يقال حق اليقين و محض اليقين و معناه ثم لترونها بالمشاهدة إذا دخلتموها و عذبتم بها انتهى. أقول و جعل بعض المحققين لليقين ثلاث درجات الأولى علم اليقين و هو العلم الذي حصل بالدليل كمن علم وجود النار برؤية الدخان و الثانية عين اليقين و هو إذا وصل إلى حد المشاهدة كمن رأى النار و الثالثة حق اليقين و هو كمن دخل النار و اتصف بصفاتها و سيأتي بعض القول فيها
1- كا، ]الكافي[ عن أبي علي الأشعري عن محمد بن سالم عن أحمد بن النضر عن عمرو بن شمر عن جابر قال قال لي أبو عبد الله ع يا أخا جعف إن الإيمان أفضل من الإسلام و إن اليقين أفضل من الإيمان و ما من شيء أعز من اليقين
بيان يا أخا جعف أي يا جعفي و هم قبيلة من اليمن و في المصباح هو أخو تميم أي واحد منهم و فضل الإيمان على الإسلام إما باعتبار الولاية في الأول أو الإذعان القلبي فيه مع الأعمال أو بدونها كما مر جميع ذلك و على أي معنى أخذت يعتبر في الإيمان ما لا يعتبر في الإسلام فهو أخص و أفضل و كذا اليقين يعتبر فيه أعلى مراتب الجزم بحيث يترتب عليه الآثار و يوجب فعل الطاعات و ترك المناهي و لا يعتبر ذلك في الإيمان أي في حقيقته حتى يكون جميع أفراده فهو أخص و أفضل أفراد الإيمان أو يعتبر في اليقين عدم احتمال النقيض و لا يعتبر ذلك في الإيمان مطلقا كما مر و الأظهر أن التصديق الذي لا يحتمل النقيض تختلف مراتبه حتى يصل إلى مرتبة اليقين كما أومأنا إليه سابقا. و ما من شيء أعز من اليقين أي أقل وجودا في الناس منه أو أشرف منه و الأول أظهر إذ اليقين لا يجتمع مع المعصية لا سيما مع الإصرار عليها و تارك ذلك نادر قليل بل يمكن أن يدعى أن إيمان أكثر الخلق ليس إلا تقليدا و ظنا يزول بأدنى وسوسة من النفس و الشيطان أ لا ترى أن الطبيب إذا أخبر أحدهم بأن الطعام الفلاني يضره أو يوجب زيادة مرضه أو بطؤ برئه يحتمي من ذلك الطعام بمحض قول هذا الطبيب حفظا لنفسه من الضرر الضعيف المتوهم و لا يترك المعصية الكبيرة مع إخبار الله و رسوله و أئمة الهدى ع بأنها مهلكة و موجبة للعذاب الشديد و ليس ذلك إلا لضعف الإيمان و عدم اليقين
2- كا، ]الكافي[ عن العدة عن سهل و الحسين بن محمد عن المعلى جميعا عن الوشاء عن أبي الحسن ع قال سمعته يقول الإيمان فوق الإسلام بدرجة و التقوى فوق الإيمان بدرجة و اليقين فوق التقوى بدرجة و ما قسم في الناس شيء أقل من اليقين
بيان يدل على أن التقوى أفضل من الإيمان و التقوى من الوقاية و هي في اللغة فرط الصيانة و في العرف صيانة النفس عما يضرها في الآخرة و قصرها على ما ينفعها فيها و لها ثلاث مراتب الأولى وقاية النفس عن العذاب المخلد بتصحيح العقائد الإيمانية و الثانية التجنب عن كل ما يؤثم من فعل أو ترك و هو المعروف عند أهل الشرع و الثالثة التوقي عن كل ما يشغل القلب عن الحق و هذه درجة الخواص بل خاص الخاص و المراد هنا أحد المعنيين الأخيرين و كونه فوق الإيمان بالمعنى الثالث ظاهر على أكثر معاني الإيمان التي سبق ذكرها و إن أريد المعنى الثاني فالمراد بالإيمان إما محض العقائد الحقة أو مع فعل الفرائض و ترك الكبائر بأن يعتبر ترك الصغائر أيضا في المعنى الثاني و قيل باعتبار أن الملكة معتبرة فيها لا فيه و لا يخفى ما فيه. و كون اليقين فوق التقوى كأنه يعين حملها على المعنى الثاني و إلا فيشكل الفرق لكن درجات المرتبة الأخيرة أيضا كثيرة فيمكن حمل اليقين على أعالي درجاتها و ما قيل في الفرق أن التقوى قد يوجد بدون اليقين كما في بعض المقلدين فهو ظاهر الفساد إذ لا توجد هذه الدرجة الكاملة من التقوى لمن كان بناء إيمانه على الظن و التخمين و قوله ع و ما قسم للناس يدل على أن للاستعدادات الذاتية و العنايات الإلهية مدخلا في مراتب الإيمان و اليقين كما مرت الإشارة إليه
3- كا، ]الكافي[ عن العدة عن البرقي عن أبيه عن هارون بن الجهم أو غيره عن عمر بن أبان الكلبي عن عبد الحميد الواسطي عن أبي بصير قال قال لي أبو عبد الله ع يا با محمد الإسلام درجة قلت نعم قال و الإيمان على الإسلام درجة قلت نعم قال و التقوى على الإيمان درجة قال قلت نعم قال و اليقين على التقوى درجة قلت نعم قال فما أوتي الناس أقل من اليقين و إنما تمسكتم بأدنى الإسلام فإياكم أن ينفلت من أيديكم
بيان الإسلام درجة أي درجة من الدرجات أو أول درجة و هو استفهام أو خبر و نعم يقع في جوابهما على الإسلام أي مشرفا أو زائدا عليه ما أوتي الناس أقل من اليقين أي الإيمان أقل من سائر ما أعطي الناس من الكمالات أو عزيز نادر فيهم كما مر و قيل المعنى ما أعطي الناس شيئا قليلا من اليقين و لا يخفى بعده و كأنه حمله على ذلك ما سيأتي قوله ع بأدنى الإسلام كأن المراد بالإسلام هنا مجموع العقائد الحقة بل مع قدر من الأعمال كما مر من اختلاف معاني الإسلام و يحتمل أن يكون المراد بالخطاب غير المخاطب من ضعفاء الشيعة و قيل المراد بأدنى الإسلام أدنى الدرجات إلى الإسلام و هو الإيمان من قبيل يوسف أحسن إخوته. أن ينفلت من أيديكم أي يخرج من قلوبكم فجاءه فيدل على أن من لم يكن في درجة كاملة من الإيمان فهو على خطر من زواله فلا يغتر من لم يتق المعاصي بحصول العقائد له فإنه يمكن زواله عنه بحيث لم يعلم فإن الأعمال الصالحة و الأخلاق الحسنة حصون للإيمان تحفظه من سراق شياطين الإنس و الجان قال الجوهري يقال كان ذلك الأمر فلتة أي فجاءة إذا لم يكن عن تدبر و لا تردد و أفلت الشيء و تفلت و انفلت بمعنى و أفلته غيره
4- كا، ]الكافي[ عن علي بن إبراهيم عن محمد بن عيسى عن يونس قال سألت أبا الحسن الرضا ع عن الإيمان و الإسلام فقال قال أبو جعفر ع إنما هو الإسلام و الإيمان فوقه بدرجة و التقوى فوق الإيمان بدرجة و اليقين فوق التقوى بدرجة و لم يقسم بين الناس شيء أقل من اليقين قال قلت فأي شيء اليقين قال التوكل على الله و التسليم لله و الرضا بقضاء الله و التفويض إلى الله قلت فما تفسير ذلك قال هكذا قال أبو جعفر ع
بيان إنما هو الإسلام كأن الضمير راجع إلى الدين لقوله تعالى إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلامُ أ و ليس أول الدخول في الدين إلا درجة الإسلام قوله ع التوكل على الله تفسير اليقين بما ذكر من باب تعريف الشيء بلوازمه و آثاره فإنه إذا حصل اليقين في النفس بالله سبحانه و وحدانيته و علمه و قدرته و حكمته و تقديره للأشياء و تدبيره فيها و رأفته بالعباد و رحمته يلزمه التوكل عليه في أموره و الاعتماد عليه و الوثوق به و إن توسل بالأسباب تعبدا و التسليم له في جميع أحكامه و لخلفائه فيما يصدر عنهم و الرضا بكل ما يقضي عليه على حسب المصالح من النعمة و البلاء و الفقر و الغنى و العز و الذل و غيرها و تفويض الأمر إليه في دفع شر الأعادي الظاهرة و الباطنة أو رد الأمر بالكلية إليه في جميع الأمور بحيث يرى قدرته مضمحلة في جنب قدرته و إرادته معدومة عند إرادته كما قال تعالى وَ ما تَشاؤُنَ إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللَّهُ و يعبر عن هذه المرتبة بالفناء في الله قوله ع هكذا إلخ لما كان السائل قاصرا عن فهم حقائق هذه الصفات لم يجبه ع بالتفسير بل أكد حقيته بالرواية عن والده ع و قيل استبعد الراوي كون هذه الأمور تفسيرا لليقين فأجاب ع بأن الباقر ع كذا فسره
5- كا، ]الكافي[ عن محمد بن يحيى عن ابن عيسى عن البزنطي عن الرضا ع قال الإيمان فوق الإسلام بدرجة و التقوى فوق الإيمان بدرجة و اليقين فوق التقوى بدرجة و لم يقسم بين العباد شيء أقل من اليقين
بيان قال بعض المحققين اعلم أن العلم و العبادة جوهران لأجلهما كان كلما ترى و تسمع من تصنيف المصنفين و تعليم المعلمين و وعظ الواعظين و نظر الناظرين بل لأجلهما أنزلت الكتب و أرسلت الرسل بل لأجلهما خلقت السماوات و الأرض و ما فيهما من الخلق و ناهيك لشرف العلم قول الله عز و جل اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَماواتٍ وَ مِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ بَيْنَهُنَّ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَ أَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْماً و لشرف العبادة قوله سبحانه وَ ما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَ الْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ فحق للعبد أن لا يشتغل إلا بهما و لا يتعب إلا لهما و أشرف الجوهرين العلم كما ورد فضل العالم على العابد كفضلي على أدناكم. و المراد بالعلم الدين أعني معرفة الله سبحانه و ملائكته و كتبه و رسله و اليوم الآخر قال الله عز و جل آمَنَ الرَّسُولُ بِما أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَ الْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَ مَلائِكَتِهِ وَ كُتُبِهِ وَ رُسُلِهِ و قال تعالى يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا بِاللَّهِ وَ رَسُولِهِ وَ الْكِتابِ الَّذِي نَزَّلَ عَلى رَسُولِهِ وَ الْكِتابِ الَّذِي أَنْزَلَ مِنْ قَبْلُ وَ مَنْ يَكْفُرْ بِاللَّهِ وَ مَلائِكَتِهِ وَ كُتُبِهِ وَ رُسُلِهِ وَ الْيَوْمِ الْآخِرِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالًا بَعِيداً. و مرجع الإيمان إلى العلم و ذلك لأن الإيمان هو التصديق بالشيء على ما هو عليه و لا محالة هو مستلزم لتصور ذلك الشيء كذلك بحسب الطاقة و هما معنى العلم و الكفر ما يقابله و هو بمعنى الستر و الغطاء و مرجعه إلى الجهل و قد خص الإيمان في الشرع بالتصديق بهذه الخمسة و لو إجمالا فالعلم بها لا بد منه و إليه الإشارة بقوله ص طلب العلم فريضة على كل مسلم و مسلمة و لكن لكل إنسان بحسب طاقته و وسعه لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَها فإن للعلم و الإيمان درجات مترتبة في القوة و الضعف و الزيادة و النقصان بعضها فوق بعض كما دلت عليه الأخبار الكثيرة. و ذلك لأن الإيمان إنما يكون بقدر العلم الذي به حياة القلب و هو نور يحصل في القلب بسبب ارتفاع الحجاب بينه و بين الله جل جلاله اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ أَ وَ مَنْ كانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْناهُ وَ جَعَلْنا لَهُ نُوراً يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُماتِ لَيْسَ بِخارِجٍ مِنْها و ليس العلم بكثرة التعلم إنما هو نور يقذفه الله في قلب من يريد أن يهديه. و هذا النور قابل للقوة و الضعف و الاشتداد و النقص كسائر الأنوار وَ إِذا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آياتُهُ زادَتْهُمْ إِيماناً وَ قُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْماً كلما ارتفع حجاب ازداد نور فيقوى الإيمان و يتكامل إلى أن ينبسط نور فينشرح صدره و يطلع على حقائق الأشياء و تجلى له الغيوب و يعرف كل شيء في موضعه فيظهر له
صدق الأنبياء ع في جميع ما أخبروا عنه إجمالا و تفصيلا على حسب نوره و بمقدار انشراح صدره و ينبعث من قلبه داعية العمل بكل مأمور و الاجتناب عن كل محظور فيضاف إلى نور معرفته أنوار الأخلاق الفاضلة و الملكات الحميدة نُورُهُمْ يَسْعى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَ بِأَيْمانِهِمْ نُورٌ عَلى نُورٍ. و كل عبادة تقع على وجهها تورث في القلب صفاء يجعله مستعدا لحصول نور فيه و انشراح و معرفة و يقين ثم ذلك النور و المعرفة و اليقين تحمله على عبادة أخرى و إخلاص آخر فيها يوجب نورا آخر و انشراحا أتم و معرفة أخرى و يقينا أقوى و هكذا إلى ما شاء الله جل جلاله و على كل من ذلك شواهد من الكتاب و السنة ثم اعلم أن أوائل درجات الإيمان تصديقات مشوبة بالشكوك و الشبه على اختلاف مراتبها و يمكن معها الشرك وَ ما يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلَّا وَ هُمْ مُشْرِكُونَ و عنها يعبر بالإسلام في الأكثر قالَتِ الْأَعْرابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَ لكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنا وَ لَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمانُ فِي قُلُوبِكُمْ و أواسطها تصديقات لا يشوبها شك و لا شبهة الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَ رَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتابُوا و أكثر إطلاق الإيمان عليها خاصة إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَ إِذا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آياتُهُ زادَتْهُمْ إِيماناً وَ عَلى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ و أواخرها تصديقات كذلك مع كشف و شهود و ذوق و عيان و محبة كاملة لله سبحانه و شوق تام إلى حضرته المقدسة يُحِبُّهُمْ وَ يُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكافِرِينَ يُجاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَ لا يَخافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ ذلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشاءُ و عنها العبارة تارة بالإحسان الإحسان أن تعبد الله كأنك تراه و أخرى بالإيقان وَ بِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ. و إلى المراتب الثلاث الإشارة بقوله عز و جل لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصَّالِحاتِ جُناحٌ فِيما طَعِمُوا إِذا مَا اتَّقَوْا وَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصَّالِحاتِ ثُمَّ اتَّقَوْا وَ آمَنُوا ثُمَّ اتَّقَوْا وَ أَحْسَنُوا وَ اللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ و إلى مقابلاته التي هي مراتب الكفر الإشارة بقوله جل و عز إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ ازْدادُوا كُفْراً لَمْ يَكُنِ اللَّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَ لا لِيَهْدِيَهُمْ سَبِيلًا فنسبة الإحسان و اليقين إلى الإيمان كنسبة الإيمان إلى الإسلام. و لليقين ثلاث مراتب علم اليقين و عين اليقين و حق اليقين كَلَّا لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ الْيَقِينِ لَتَرَوُنَّ الْجَحِيمَ ثُمَّ لَتَرَوُنَّها عَيْنَ الْيَقِينِ إِنَّ هذا لَهُوَ حَقُّ الْيَقِينِ و الفرق بينها إنما ينكشف بمثال فعلم اليقين بالنار مثلا هو مشاهدة المرئيات بتوسط نورها و عين اليقين بها هو معاينة جرمها و حق اليقين بها الاحتراق فيها و انمحاء الهوية بها و الصيرورة نارا صرفا و ليس وراء هذا غاية و لا هو قابل للزيادة لو كشف الغطاء ما ازددت يقينا
6- كا، ]الكافي[ عن الحسين بن محمد عن معلى عن الوشاء عن المثنى بن الوليد عن أبي بصير عن أبي عبد الله ع قال ليس شيء إلا و له حد قال قلت جعلت فداك فما حد التوكل قال اليقين قلت فما حد اليقين قال أن لا تخاف مع الله شيئا
بيان قال المحقق الطوسي رحمه الله في أوصاف الأشراف اليقين اعتقاد جازم مطابق ثابت لا يمكن زواله و هو في الحقيقة مؤلف من علمين العلم بالمعلوم و العلم بأن خلاف ذلك العلم محال و له مراتب علم اليقين و عين اليقين و حق اليقين. و المراد بالحد هنا إما علامته أو تعريفه أو نهايته فعلى الأول المعنى أن علامة التوكل اليقين و على الثاني تعريف له بلازمه و على الثالث المعنى أن التوكل ينتهي إلى اليقين فإنه إذا تمرن على التوكل و عرف آثاره حصل له اليقين بأن الله مدبر أمره و أنه الضار النافع و كذا الفقرة الثانية تحتمل الوجوه المذكورة. و عدم الخوف من غيره سبحانه لا ينافي التقية و عدم إلقاء النفس إلى التهلكة إطاعة لأمره تعالى فإن صاحب اليقين يفعلهما خوفا منه تعالى كما أن التوكل لا ينافي التوسل بالوسائل و الأسباب تعبدا مع كون الاعتماد على الله تعالى في جميع الأمور
7- كا، ]الكافي[ عن الحسين عن المعلى عن الوشاء عن عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله ع و محمد بن يحيى عن أحمد بن محمد عن ابن محبوب عن أبي ولاد الحناط و عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله ع قال من صحة يقين المرء المسلم أن لا يرضي الناس بسخط الله و لا يلومهم على ما لم يؤته الله فإن الرزق لا يسوقه حرص حريص و لا يرده كراهية كاره و لو أن أحدكم فر من رزقه كما يفر من الموت لأدركه رزقه كما يدركه الموت ثم قال إن الله بعدله و قسطه جعل الروح و الراحة في اليقين و الرضا و جعل الهم و الحزن في الشك و السخط
بيان من صحة يقين المرء المسلم أي من علامات كون يقينه بالله و بكونه مالكا لنفعه و ضره و قاسما لرزقه على ما علم صلاح دنياه و آخرته فيه و أن الله مقلب القلوب و هي بيده يصرفها كيف يشاء و أن الآخرة الباقية خير من الدنيا الفانية صحيحا غير معلول و لا مشوب بشك و شبهة و أنه واقع ليس محض الدعوى. أن لا يرضي الناس بسخط الله بأن يوافقهم في معاصيه تعالى طلبا لما عندهم من الزخارف الدنيوية أو المناصب الباطلة و يفتيهم بما يوافق رضاهم من غير خوف أو تقية و لا يأمرهم بالمعروف و لا ينهاهم عن المنكر من غير خوف ضرر أو عدم تجويز تأثير بل لمحض رعاية رضاهم و طلب التقرب عندهم أو يأتي أبواب الظالمين و يتذلل عندهم لا لتقية تجوزه و لا لمصلحة جلب نفع لمؤمن أو لدفع ضرر عنه بل لطلب ما في أيديهم لسوء يقينه بالله و برازقيته مع أنه يترتب عليه خلاف ما أمله كما روي من أرضى الناس بسخط الله سخط الله عليه و أسخط عليه الناس. قوله ع و لا يلومهم على ما لم يؤته الله أي لا يذمهم و لا يشكوهم على ترك صلتهم إياه بالمال و غيره فإنه يعلم صاحب اليقين أن ذلك شيء لم يقدره الله له و لا يرزقه إياه لعدم كون صلاحه فيه مطلقا أو في كونه بيد هذا الرجل و بتوسطه بل يوصله إليه من حيث لا يحتسب فلا يلوم أحدا بذلك لأنه ينظر إلى مسبب الأسباب و لا ينظر إليها و لا يعترض على الله فيما فعل به و هذا اللوم يتضمن نوعا من الشرك حيث جعلهم الرازق و المعطي مع الله و سخطا لقضاء الله و الموقن بريء منهما فضمير يؤته راجع إلى المرء المسلم و عائد ما محذوف بتقدير إياه. و قيل يحتمل أن يكون المراد أنه لا يلومهم على ما لم يؤته الله إياهم فإن الله خلق كل أحد على ما هو عليه و كل ميسر لما خلق له فيكون كقوله ع لو علم الناس كيف خلق الله هذا الخلق لم يلم أحد أحدا و لا يخفى بعده لا سيما بالنظر إلى التعليل بقوله فإن الرزق لا يسوقه حرص حريص أي الرزق الذي قدره الله للإنسان لا يحتاج في وصوله إلى حرص بل يأتيه بأدنى سعي أمر الله به و لا يرد هذا الرزق كراهة كاره لرزق نفسه لقلته أو للزهد أو كاره لرزق غيره حسدا و يؤكد الأول و لو أن أحدكم إلخ. و هذا يدل على أن الرزق مقدر من الله تعالى و يصل إلى العبد البتة و فيه مقامان. الأول أن الرزق هل يشمل الحرام أم لا فالمشهور بين الإمامية و المعتزلة الثاني و بين الأشاعرة الأول. قال الرازي في تفسير قوله تعالى وَ مِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ الرزق في كلام العرب الحظ و قال بعضهم كل شيء يؤكل أو يستعمل و قال آخرون الرزق هو ما يملك و أما في عرف الشرع فقد اختلفوا فيه فقال أبو الحسين البصري الرزق هو تمكين الحيوان من الانتفاع بالشيء و الحظر على غيره أن يمنعه من الانتفاع به فإذا قلنا رزقنا الله الأموال لمعنى ذلك أنه مكننا من الانتفاع بها و المعتزلة لما فسروا الرزق بذلك لا جرم قالوا الحرام لا يكون رزقا و قال أصحابنا قد يكون رزقا. حجة الأصحاب من وجهين الأول أن الرزق في أصل اللغة هو الحظ و النصيب على ما بيناه فمن انتفع بالحرام فذلك الحرام صار حظا و نصيبا له فوجب أن يكون رزقا له الثاني أنه تعالى قال وَ ما مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُها و قد يعيش الرجل طول عمره لا يأكل إلا من السرقة فوجب أن يقال أنه طول عمره لم يأكل من رزقه شيئا. و أما المعتزلة فقد احتجوا بالكتاب و السنة و المعنى أما الكتاب فوجوه أحدها قوله تعالى وَ مِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ مدحهم على الإنفاق مما رزقهم الله تعالى فلو كان الحرام رزقا لوجب أن يستحقوا المدح إذا أنفقوا من الحرام و ذلك
باطل بالاتفاق و ثانيها لو كان الحرام رزقا لجاز أن ينفق الغاصب منه لقوله تعالى وَ أَنْفِقُوا مِنْ ما رَزَقْناكُمْ و أجمع المسلمون على أنه لا يجوز للغاصب أن ينفق منه بل يجب عليه رده فدل على أن الحرام لا يكون رزقا و ثالثها قوله تعالى قُلْ أَ رَأَيْتُمْ ما أَنْزَلَ اللَّهُ لَكُمْ مِنْ رِزْقٍ فَجَعَلْتُمْ مِنْهُ حَراماً وَ حَلالًا قُلْ آللَّهُ أَذِنَ لَكُمْ فبين أن من حرم رزق الله فهو مفتر على الله فثبت أن الحرام لا يكون رزقا. و أما السنة فما رواه أبو الحسين في كتاب الغرر بإسناده عن صفوان بن أمية قال كنا عند رسول الله ص إذ جاء عمرو بن مرة فقال يا رسول الله إن الله كتب علي الشقوة فلا أراني أرزق إلا من دفي بكفي فأذن لي في الغناء من غير فاحشة فقال ع لا آذن لك و لا كرامة و لا نعمة كذبت أي عدو الله لقد رزقك الله طيبا فاخترت ما حرم الله عليك من رزقه مكان ما أحل الله لك من حلاله أما إنك لو قلت بعد هذه النوبة شيئا ضربتك ضربا وجيعا. و أما المعنى فهو أن الله تعالى منع المكلف من الانتفاع به و أمر غيره بمنعه من الانتفاع به و من منع من أخذ الشيء و الانتفاع به لا يقال أنه رزقه إياه أ لا ترى أنه لا يقال إن السلطان رزق جنده مالا قد منعهم من أخذه. الثاني أن الرزق هل يجب على الله إيصاله من غير سعي و كسب أم لا بد من الكسب و السعي فيه ظاهر هذا الخبر و غيره الأول و قد روي في النهج عن أمير المؤمنين ع أنه قيل له ع لو سد على رجل باب بيت و ترك فيه من أين كان يأتيه رزقه فقال ع من حيث يأتيه أجله و ظاهر كثير من الأخبار الثاني و سيأتي تمام الكلام فيه في كتاب المكاسب إن شاء الله تعالى. قوله ع و قسطه العطف للتفسير و التأكيد و كذا الراحة أو الروح راحة القلب و سكونه عن الاضطراب و الراحة فراغ البدن و عدم المبالغة في الاكتساب في اليقين برازقيته سبحانه و لطفه و سعة كرمه و أنه لا يفعل بعباده إلا ما هو أصلح لهم و أنه لا يصل إلى العباد إلا ما قدر لهم و الرضا بما يصل من الله إليه و هو ثمرة اليقين و الحزن بالضم و التحريك أيضا إما عطف تفسير للهم أو الهم اضطراب النفس عند تحصيله و الحزن جزعها و اغتمامها بعد فواته في الشك أي عدم اطمئنان النفس بما ذكر في اليقين و السخط و عدم الرضا بقضاء الله المترتب على الشك و نعم ما قيل
ما العيش إلا في الرضا و الصبر في حكم القضاءما بات من عدم الرضا إلا على جمر الغضا
8- كا، ]الكافي[ بالإسناد عن ابن محبوب عن هشام بن سالم قال سمعت أبا عبد الله ع يقول إن العمل الدائم القليل على اليقين أفضل عند الله من العمل الكثير على غير يقين
توضيح يدل على أن لكمال اليقين و قوة العقائد مدخلا عظيما في قبول الأعمال و فضلها بل لا يحصل الإخلاص الذي روح العبادة و ملاكها إلا بها و كأن قيد الدوام معتبر في الثاني أيضا ليظهر مزيد فضل اليقين و يحتمل أن يكون حذف قيد الدوام في الثاني للإشعار بأن إحدى ثمرات اليقين دوام العمل فإن اليقين الذي هو سببه لا يزول بخلاف العمل الكثير على غير يقين فإنه غالبا يكون متفرعا على غرض من الأغراض تتبدل سريعا أو إيمان ناقص هو بمعرض الضعف و الزوال على نهج قول أمير المؤمنين ع قليل مدوم عليه خير من كثير مملول منه
9- كا، ]الكافي[ عن الحسين بن محمد عن المعلى عن الوشاء عن أبان عن زرارة عن أبي عبد الله ع قال أمير المؤمنين ع على المنبر لا يجد أحدكم طعم الإيمان حتى يعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه و ما أخطأه لم يكن ليصيبه
تبيين قوله ع طعم الإيمان قيل إن فيه مكنية و تخييلية حيث شبه الإيمان بالطعام في أنه غذاء للروح به ينمو و يبلغ حد الكمال كما أن الطعام غذاء للبدن قوله ع لم يكن ليخطئه يحتمل أن يكون من المعتل أي يتجاوزه أو من المهموز أي لا يصيبه كما يخطئ السهم الرمية قال الراغب الخطأ العدول عن الجهة و ذلك أضرب أحدها أن يريد غير ما يحسن إرادته فيفعله و الثاني أن يريد ما يحسن فعله و لكن يقع منه خلاف ما يريد و هذا قد أصاب في الإرادة و أخطأ في الفعل و الثالث أن يريد ما لا يحسن فعله و يتفق منه خلافه و هذا مخطئ في الإرادة و مصيب في الفعل فهو مذموم بقصده و غير محمود على فعله و جملة الأمر أن من أراد شيئا و اتفق منه غيره يقال أخطأ و إن وقع منه كما أراده يقال أصاب و قد يقال لمن فعل فعلا لا يحسن أو أراد إرادة لا تجمل أنه أخطأ. و قال الجوهري في المعتل قولهم في الدعاء إذا دعوا للإنسان خطي عنه السوء أي دفع عنه السوء و تخطيته إذا تجاوز و تخطيت رقاب الناس و تخطيت إلى كذا و لا تقل تخطأت. و في المصباح الخطأ مهموزا ضد الصواب يقصر و يمد و هو اسم من أخطأ فهو مخطئ قال أبو عبيدة خطئ خطأ من باب علم و أخطأ بمعنى واحد لم يذنب على غير عمد و قال غيره خطئ في الدين و أخطأ في كل شيء عامدا كان أو غير عامد و أخطأ الحق بعد عنه و أخطأه السهم تجاوزه و لم يصبه و تخفيف الرباعي جائز و قال الزمخشري في الأساس في المهموز و من المجاز لن يخطئك ما كتب لك و ما أخطأك لم يكن ليصيبك و ما أصابك لم يكن ليخطئك و قال في المعتل و من المجاز تخطاه المكروه انتهى. و أقول فظهر أن الهمز أظهر و حاصل المعنى أن ما أصابه في الدنيا كان يجب أن يصيبه و لم يكن بحيث يتجاوزه إذا لم يبالغ السعي فيه و ما لم يصبه في الدنيا لم يكن يصيبه إذا بالغ في السعي أو المعنى أن ما أصابه في التقدير الأزلي لا يتجاوزه و إن قصر في السعي و كذا العكس و هذا الخبر بظاهره مما يوهم الجبر و لذا أول و خص بما لم يكلف العبد به فعلا و تركا أو بما يصل إليه بغير اختياره من النعم و البلايا و الصحة و المرض و أشباهها و قد مضى الكلام في أمثاله في كتاب العدل
10- كا، ]الكافي[ عن علي عن أبيه عن ابن أبي عمير عن زيد الشحام عن أبي عبد الله ع أن أمير المؤمنين ع جلس إلى حائط مائل يقضي بين الناس فقال بعضهم لا تقعد تحت هذا الحائط فإنه معور فقال أمير المؤمنين ع حرس امرأ أجله فلما قام أمير المؤمنين سقط الحائط قال و كان أمير المؤمنين مما يفعل هذا و أشباهه و هذا اليقين
توضيح فإنه معور على بناء الفاعل من باب الإفعال أي ذو شق و خلل يخاف منه أو على بناء المفعول من التفعيل أو الإفعال أي ذو عيب قال في النهاية العوار بالفتح العيب و قد يضم و العورة كل ما يستحيا منه إذا ظهر و فيه رأيته و قد طلع في طريق معورة أي ذات عورة يخاف فيها الضلال و الانقطاع و كل عيب و خلل في شيء فهو عورة و في الأساس مكان معمور ذو عورة. قوله ع حرس امرأ أجله امرأ مفعول حرس و أجله فاعله و هذا مما استعمل فيه النكرة في سياق الإثبات للعموم أي حرس كل امرئ أجله كقوله أنجز حر ما وعد
و يؤيده ما في النهج أنه قال ع كفى بالأجل حارسا
و من العجب ما ذكره بعض الشارحين أن امرأ مرفوع على الفاعلية و أجله منصوب على المفعولية و العكس محتمل و المقصود الإنكار لأن أجل المرء ليس بيده حتى يحرسه انتهى. و يشكل هذا بأنه يدل على جواز إلقاء النفس إلى التهلكة و عدم وجوب الفرار عما يظن عنده الهلاك و المشهور عند الأصحاب خلافه و يمكن أن يجاب عنه بوجوه. الأول أنه يمكن أن يكون هذا الجدار مما يظن عدم انهدامه في ذلك الوقت و لكن الناس كانوا يحترزون عن ذلك بالاحتمال البعيد لشدة تعلقهم بالحياة فأجاب ع بأن الأجل حارس و لا يحسن الحذر عند الاحتمالات البعيدة لذلك و إنما نحترز عند الظن بالهلاك تعبدا و هذا ليس من ذلك لكن قوله ع فلما قام إلخ مما يبعد هذا الوجه و يقعده و إن أمكن توجيهه. الثاني أن يقال هذا كان من خصائصه ع و أضرابه حيث كان يعلم وقت أجله بإخبار النبي ص و غيره فكان يعلم أن هذا الحائط لا يسقط في ذلك الوقت و إن كان مشرفا على الانهدام لعدم الكذب في إخباره و أما من لم يعلم ذلك فهو مكلف بالاحتراز و كون هذا من اليقين لكونه متفرعا على اليقين بخبر النبي ص. الثالث أن يقال أنه من خصائصه ع على وجه آخر و هو أنه ع كان يعلم أن هذا الحائط لا ينهدم في هذا الوقت فلما علم أنه حان وقت سقوطه قام فسقط و يؤيده ما رواه الصدوق في التوحيد بإسناده عن الأصبغ بن نباتة أن أمير المؤمنين ع عدل من عند حائط آخر فقيل له يا أمير المؤمنين تفر من قضاء الله قال أفر من قضاء الله إلى قدر الله و لعل المعنى أني لما علمت أنه ينهدم و أعلم أن الله قدر لي أجلا متأخرا عن هذا الوقت فأفر من هذا إلى أن يحصل لي القدر الذي قدره الله لي أو المراد بقدر الله أمره و حكمه أي إنما أفر من هذا القضاء بأمره تعالى أو المعنى أن الفرار أيضا من تقديره تعالى فلا ينافي كون الأشياء بقضاء الله تعالى الفرار من البلايا و السعي لتحصيل ما يجب السعي له فإن كل ذلك داخل في علمه و قضائه و لا ينافي شيء من ذلك اختيار العبد كما حققناه في محله.
و يؤيد الوجوه كلها ما روي في الخصال بإسناده عن أبي عبد الله ع قال قال رسول الله ص خمسة لا يستجاب لهم أحدهم رجل مر بحائط مايل و هو يقبل إليه و لم يسرع المشي حتى سقط عليه الخبر
الرابع ما قال بعضهم التكليف بالفرار مختص بغير الموقن لأن الموقن يتوكل على الله و يفوض أمره إليه فيقيه عن كل مكروه كما قال عز و جل أَ لَيْسَ اللَّهُ بِكافٍ عَبْدَهُ و كما قال مؤمن آل فرعون وَ أُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ بِالْعِبادِ فَوَقاهُ اللَّهُ سَيِّئاتِ ما مَكَرُوا و سر ذلك أن المؤمن الموقن المنتهي إلى حد الكمال لا ينظر إلى الأسباب و الوسائط في النفع و الضر و إنما نظره إلى مسببها و أما من لم يبلغ ذلك الحد من اليقين فإنه يخاطب بالفرار قضاء لحق الوسائط. و هذا اليقين أي من ثمرات اليقين بقضاء الله و قدره و قدرته و حكمته و لطفه و رأفته و صدق أنبيائه و رسله
11- كا، ]الكافي[ عن العدة عن البرقي عن البزنطي عن صفوان الجمال قال سألت أبا عبد الله ع عن قول الله عز و جل وَ أَمَّا الْجِدارُ فَكانَ لِغُلامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ وَ كانَ تَحْتَهُ كَنْزٌ لَهُما فقال أما إنه ما كان ذهبا و لا فضة و إنما كان أربع كلمات لا إله إلا أنا من أيقن بالموت لم يضحك سنه و من أيقن بالحساب لم يفرح قلبه و من أيقن بالقدرة لم يخش إلا الله
بيان قوله تعالى أَمَّا الْجِدارُ أقول هذا في قصة موسى و الخضر ع كما مر تفسير الآيات و شرح القصة في كتاب النبوة وَ كانَ تَحْتَهُ كَنْزٌ لَهُما قال الطبرسي رحمه الله الكنز هو كل مال مذخور من ذهب أو فضة و غير ذلك و اختلف في هذا الكنز فقيل كانت صحف علم مدفونة تحته عن ابن عباس و ابن جبير و مجاهد قال ابن عباس ما كان ذلك الكنز إلا علما و قيل كان كنزا من الذهب و الفضة رواه أبو الدرداء عن النبي ص و قيل كان لوحا من الذهب و فيه مكتوب عجبا لمن يؤمن بالقدر كيف يحزن عجبا لمن أيقن بالرزق كيف يتعب عجبا لمن أيقن بالموت كيف يفرح عجبا لمن يؤمن بالحساب كيف يغفل عجبا لمن رأى الدنيا و تقلبها بأهلها كيف يطمئن إليها لا إله إلا الله محمد رسول الله ص عن ابن عباس و الحسن و روي عن أبي عبد الله ع. و في بعض الروايات زيادة و نقصان و هذا القول يجمع القولين الأولين لأنه يتضمن أن الكنز كان مالا كتب فيه علم فهو مال و علم وَ كانَ أَبُوهُما صالِحاً بين سبحانه أنه حفظ الغلامين بصلاح أبيهما و لم يذكر منهما صلاحا عن ابن عباس و روي عن أبي عبد الله ع أنه كان بينهما و بين ذلك الأب الصالح سبعة آباء و قال ع إن الله ليصلح بصلاح الرجل المؤمن ولده و ولد ولده و أهل دويرته و دويرات حوله فلا يزالون في حفظ الله لكرامته على الله. فَأَرادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغا أَشُدَّهُما قال البيضاوي أي الحلم و كمال الرأي وَ يَسْتَخْرِجا كَنزَهُما رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ أي مرحومين من ربك و يجوز أن يكون علة أو مصدرا لأراد فإن أراد الخير رحمة و قيل يتعلق بمحذوف تقديره فعلت ما فعلت رحمة من ربك انتهى. قوله ع ما كان ذهبا و لا فضة أقول يدل على أن الأخبار الواردة بأنه كان من ذهب محمولة على التقية و يمكن أن يحمل هذا الخبر على أنه لم يكن كونه كنزا و ادخاره و حفظ الخضر ع له لكونه ذهبا بل للعلم الذي كان فيه و إنما اقتصر على هذه الأربع لأن الأولى مشتملة على توحيد الله و تنزيهه عن كل ما لا يليق به سبحانه و الثانية على تذكر الموت و الاستعداد لما بعده و الثالثة على تذكر أحوال القيامة و أهوالها الموجب لعدم الفرح بلذات الدنيا و الرغبة في زخارفها و الرابعة على اليقين بالقضاء و القدر المتضمن لعدم الخشية من غير الله و هي من أعظم أركان الإيمان و من أمهات الصفات الكمالية. لم يضحك سنه إنما نسب الضحك إلى السن لإخراج التبسم فإنه ممدوح و كان ضحك رسول الله ص تبسما و قراءته بالنصب بأن يكون المراد بالسن العمر بعيد و ظاهر أن تذكر الموت و الأهوال التي بعده يصير الإنسان مغموما مهموما متهيئا لرفع تلك الأهوال فلا يدع في قلبه فرحا من اللذات يصير سببا لضحكه و كذا اليقين بالحساب لا يدع فرحا في قلب أولي الألباب و كذا من أيقن بأن جميع الأمور بقضاء الله و قدره علم أنه الضار النافع في الدنيا و الآخرة
فلا يخشى و لا يرجو غيره سبحانه
12- كا، ]الكافي[ عن العدة عن البرقي عن علي بن الحكم عن صفوان الجمال عن أبي عبد الله ع قال كان أمير المؤمنين ع يقول لا يجد عبد طعم الإيمان حتى يعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه و أن ما أخطأه لم يكن ليصيبه و أن الضار النافع هو الله عز و جل
بيان و الله هو الضار النافع لأن كل نفع و ضرر بتقديره تعالى و إن كان بتوسط الغير و أن النفع و الضرر الحقيقيان منه تعالى و أما الضرر اليسير من الغير مع الجزاء الكثير في الآخرة فليس بضرر حقيقة و كذا المنافع الفانية الدنيوية إذا كانت مع العقوبات الأخروية فهو عين الضرر و بالجملة كل نفع و ضرر يعتد بهما فهو من عنده تعالى و أيضا كل نفع أو ضر من غيره فهو بتوفيقه أو خذلانه سبحانه
13- كا، ]الكافي[ عن محمد بن يحيى عن ابن عيسى عن الوشاء عن عبد الله بن سنان عن أبي حمزة عن سعيد بن قيس الهمداني قال نظرت يوما في الحرب إلى رجل عليه ثوبان فحركت فرسي فإذا هو أمير المؤمنين ع فقلت يا أمير المؤمنين في مثل هذا الموضع فقال نعم يا سعيد بن قيس إنه ليس من عبد إلا و له من الله عز و جل حافظ و واقية معه ملكان يحفظانه من أن يسقط من رأس جبل أو يقع في بئر فإذا نزل القضاء خليا بينه و بين كل شيء
بيان في مثل هذا الموضع فيه تقدير أي تكتفي بلبس القميص و الإزار من غير درع و جنة في مثل هذا الموضع حافظ أي ملك حافظ لأعماله و ملائكة واقية له من البلايا دافعة لها عنه كما قال تعالى لَهُ مُعَقِّباتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَ مِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ.
و روى علي بن إبراهيم في تفسيرها عن أبي الجارود عن أبي جعفر ع مِنْ أَمْرِ اللَّهِ يقول بأمر الله من أن يقع في ركي أو يقع عليه حائط أو يصيبه شيء حتى إذا جاء القدر خلوا بينه و بينه يدفعونه إلى المقادير و هما ملكان يحفظانه بالليل و ملكان يحفظانه بالنهار يتعاقبانه
و روي عن أبي عبد الله ع أنه قال إنما نزلت له معقبات من خلفه و رقيب من بين يديه يحفظونه بأمر الله
و قال الطبرسي رحمه الله في سياق الوجوه المذكورة في تفسيرها و الثاني أنهم ملائكة يحفظونه من المهالك حتى ينتهوا به إلى المقادير فيحولون بينه و بين المقادير عن علي ع و قيل هم عشرة أملاك على كل آدمي يحفظونه من بين يديه و من خلفه يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ أي يطوفون به كما يطوف الموكل بالحفظ و قيل يحفظون ما تقدم من عمله و ما تأخر إلى أن يموت فيكتبونه و قيل يحفظونه من وجوه المهالك و المعاطب و من الجن و الإنس و الهوام و قال ابن عباس يحفظونه مما لم يقدر نزوله فإذا جاء المقدر بطل الحفظ و قيل مِنْ أَمْرِ اللَّهِ أي بأمر الله و قيل يحفظونه عن خلق الله فمن بمعنى عن قال كعب لو لا أن الله وكل بكم ملائكة يذبون عنكم في مطعمكم و مشربكم و عوراتكم لتخطفتكم الجن انتهى.
و روى الصدوق ره في التوحيد بإسناده عن أبي حيان التيمي عن أبيه و كان مع علي ع يوم صفين و فيما بعد ذلك قال بينما علي بن أبي طالب يعبئ الكتائب يوم صفين و معاوية مستقبله على فرس له يتأكل تحته تأكلا و علي ع على فرس رسول الله ص المرتجز و بيده حربة رسول الله و هو متقلد سيفه ذا الفقار فقال رجل من أصحابه احترس يا أمير المؤمنين فإنا نخشى أن يغتالك هذا الملعون فقال ع لئن قلت ذاك إنه غير مأمون على دينه و إنه لأشقى القاسطين و العن الخارجين على الأئمة المهتدين و لكن كفى بالأجل حارسا ليس أحد من الناس إلا و معه ملائكة حفظة يحفظونه من أن يتردى في بئر أو يقع عليه حائط أو يصيبه سوء فإذا حان أجله خلوا بينه و بين ما يصيبه و كذلك أنا إذا حان أجلي انبعث أشقاها فخضب هذه من هذا و أشار إلى لحيته و رأسه عهدا معهودا و وعدا غير مكذوب
و قيل التاء في قوله واقية للنقل إلى الاسمية إذا المراد الواقية من خصوص الموت و قيل واقية أي جنة واقية كأنها من الصفات الغالبة أو التاء فيها للمبالغة عطف تفسيري للحافظ انتهى
14- كا، ]الكافي[ عن الحسين بن محمد عن المعلى عن علي بن أسباط قال سمعت أبا الحسن الرضا ع يقول كان في الكنز الذي قال الله عز و جل وَ كانَ تَحْتَهُ كَنْزٌ لَهُما كان فيه بسم الله الرحمن الرحيم عجبت لمن أيقن بالموت كيف يفرح و عجبت لمن أيقن بالقدر كيف يحزن و عجبت لمن رأى الدنيا و تقلبها بأهلها كيف يركن إليها و ينبغي لمن عقل عن الله أن لا يتهم الله في قضائه و لا يستبطئه في رزقه فقلت له جعلت فداك أريد أن أكتبه قال فضرب و الله يده إلى الدواة ليضعها بين يدي فتناولت يده فقبلتها و أخذت الدواة فكتبته
بيان قوله كان فيه تأكيد لقوله كان في الكنز و اختلاف الأخبار في المكتوب في اللوح لا ضير فيه لأن الجميع كان فيه و اختلاف العبارات للنقل بالمعنى مع أن الظاهر أنها لم تكن عربية و في النقل من لغة إلى لغة كثيرا ما تقع تلك الاختلافات. فإن قلت الحصر في بعض الأخبار بإنما ينافي تجويز الزيادة على الأربع قلت الظاهر أن الحصر بالإضافة إلى الذهب و الفضة مع أن المضامين قريبة و إنما التفاوت بالإجمال و التفصيل و نسبة التعجب إلى الله تعالى مجاز و الغرض الإخبار عن ندرة الوقوع أو عدمه. و قال بعض المحققين إنما اختلفت ألفاظ الروايتين مع أنهما إخبار عن أمر واحد لأنهما إنما تخبران عن المعنى دون اللفظ فلعل اللفظ كان غير عربي و أما ما يتراءى فيهما من الاختلاف في المعنى فيمكن إرجاع إحداهما إلى الأخرى و ذلك لأن التوحيد و التسمية مشتركان في الثناء و لعلهما كانا مجتمعين فاكتفي في كل من الروايتين بذكر أحدهما. و من أيقن بالقدر علم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه و ما أخطأه لم يكن ليصيبه فلم يحزن على ما فاته وَ لَمْ يَخْشَ إِلَّا اللَّهَ و من أيقن بالحساب نظر إلى الدنيا بعين العبرة و رأى تقلبها بأهلها فلم يركن إليها فلم يفرح بما آتاه فهذه خصال متلازمة اكتفي في إحدى الروايتين ببعضها و في الأخرى بآخر و أما قوله ينبغي إلى آخره فلعله من كلام الرضا ع دون أن يكون من جملة ما في الكنز و على تقدير أن يكون من جملة ذلك فذكره في إحدى الروايتين لا ينافي السكوت عنه في الأخرى انتهى. لمن عقل عن الله أي حصل له معرفة ذاته و صفاته المقدسة من علمه و حكمته و لطفه و رحمته أو أعطاه الله عقلا كاملا أو علم الأمور بعلم ينتهي إلى الله بأن أخذه عن أنبيائه و حججه ع إما بلا واسطة أو بواسطة أو بلغ عقله إلى درجة يفيض الله علومه عليه بغير تعليم بشر أو تفكر فيما أجرى الله على لسان الأنبياء و الأوصياء و فيما أراه من آياته في الآفاق و الأنفس و تقلب أحوال الدنيا و أمثالها و الثاني أظهر لقول الكاظم ع لهشام يا هشام ما بعث الله أنبياءه و رسله إلى عباده إلا ليعقلوا عن الله و قال أيضا إنه لم يخف الله من لم يعقل عن الله و من لم يعقل عن الله لم يعقد قلبه على معرفة ثابتة يبصرها و يجد حقيقتها في قلبه. أن لا يتهم الله في قضائه بأن يظن أن ما لم يقدره الله له خير مما قدر له أو يفعل من السعي و الجزع ما يوهم ذلك و لا يستبطئه أي لا يعده بطيئا في رزقه إن تأخر بأن يعترض عليه في الإبطاء بلسان الحال أو القال و يدل على رجحان كتابة الحديث و عدم الاتكال على الحفظ
15- كا، ]الكافي[ عن محمد بن يحيى عن أحمد بن محمد عن علي بن الحكم عن عبد الرحمن العرزمي عن أبيه عن أبي عبد الله ع قال كان قنبر غلام علي يحب عليا ع حبا شديدا فإذا خرج علي خرج على أثره بالسيف فرآه ذات ليلة فقال يا قنبر ما لك فقال جئت لأمشي خلفك يا أمير المؤمنين قال ويحك أ من أهل السماء تحرسني أو من أهل الأرض فقال لا بل من أهل الأرض فقال إن أهل الأرض لا يستطيعون لي شيئا إلا بإذن الله من السماء فارجع فرجع
بيان قنبر كان من موالي أمير المؤمنين ع و من خواصه و قتله الحجاج لعنه الله على حبه ع قوله ع فإذا خرج
روي أنه ع كان يخرج في أكثر الليالي إلى ظهر الكوفة فيعبد الله هناك
إلا بإذن الله من السماء إنما نسب إلى السماء لأن التقديرات فيها و الإذن التخلية كما مر
16- كا، ]الكافي[ علي بن إبراهيم عن محمد بن عيسى عن يونس عمن ذكره قال قيل للرضا ع إنك تتكلم بهذا الكلام و السيف يقطر دما فقال إن لله واديا من ذهب حماه بأضعف خلقه النمل فلو رامت البخاتي لم تصل إليه
بيان بهذا الكلام أي بدعوى الإمامة و السيف أي سيف هارون يقطر على بناء المعلوم من باب نصر و دما تمييز و كونه من باب الإفعال و دما مفعولا بعيد و في القاموس البخت بالضم الإبل الخراسانية كالبختية و الجمع بخاتي و بخاتي و بخات انتهى و ذكر بعض المؤرخين أن عسكر بعض الخلفاء وصلوا إلى موضع فنظروا عن جانب الطريق إلى واد يلوح منها ذهب كثير فلما توجهوا إليها خرج إليهم نمل كثير كالبغال فقتلت أكثرهم
17- كا، ]الكافي[ عن محمد بن يحيى عن أحمد بن محمد و علي عن أبيه جميعا عن ابن محبوب عن أبي محمد الوابشي و إبراهيم بن مهزم عن إسحاق بن عمار قال سمعت أبا عبد الله ع يقول إن رسول الله ص صلى بالناس الصبح فنظر إلى شاب في المسجد و هو يخفق و يهوي برأسه مصفرا لونه قد نحف جسمه و غارت عيناه في رأسه فقال له رسول الله ص كيف أصبحت يا فلان قال أصبحت يا رسول الله موقنا فعجب رسول الله من قوله و قال له إن لكل يقين حقيقة فما حقيقة يقينك فقال إن يقيني يا رسول الله هو الذي أحزنني و أسهر ليلي و أظمأ هواجري فعزفت نفسي عن الدنيا و ما فيها حتى كأني أنظر إلى عرش ربي و قد نصب للحساب و حشر الخلائق لذلك و أنا فيهم و كأني أنظر إلى أهل الجنة يتنعمون في الجنة و يتعارفون عَلَى الْأَرائِكِ مُتَّكِؤُنَ و كأني أنظر إلى أهل النار و هم فيها معذبون مصطرخون و كأني الآن أسمع زفير النار يدور في مسامعي فقال رسول الله ص هذا عبد نور الله قلبه بالإيمان ثم قال له الزم ما أنت عليه فقال الشاب ادع الله لي يا رسول الله أن أرزق الشهادة معك فدعا له رسول الله ص فلم يلبث أن خرج في بعض غزوات النبي ص فاستشهد بعد تسعة نفر و كان هو العاشر
بيان و هو يخفق و يهوي برأسه أي ينعس فينحط رأسه للنعاس بكثرة العبادة في الليل في القاموس خفقت الراية تخفق و تخفق خفقا و خفقانا محركة اضطربت و تحركت و فلان حرك رأسه إذا نعس كأخفق و قال هوى هويا سقط من علو إلى سفل انتهى فقوله و يهوي برأسه كالتفسير لقوله يخفق أو مبالغة في الخفق إذ يكفي فيه الحركة القليلة و نحف كتعب و قرب نحافة هزل كيف أصبحت أي على أي حال دخلت في الصباح أو كيف صرت. فعجب رسول الله كتعب أي تعجب منه لندرة مثل ذلك أو أعجبه و سر به قال الراغب العجب و التعجب حالة تعرض للإنسان عند الجهل بسبب الشيء و لهذا قال بعض الحكماء العجب ما لا يعرف سببه و لهذا قيل لا يصح على الله التعجب إذ هو علام الغيوب و يقال لما لا يعهد مثله عجب قال تعالى أَ كانَ لِلنَّاسِ عَجَباً أَنْ أَوْحَيْنا كانُوا مِنْ آياتِنا عَجَباً إِنَّا سَمِعْنا قُرْآناً عَجَباً أي لم نعهد مثله و لم نعرف سببه و يستعار تارة للمونق فيقال أعجبني كذا أي راقني و قال تعالى وَ مِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ. قوله إن لكل يقين أي فرد من أفراده أو صنف من أصنافه حقيقة فما حقيقة يقينك من أي نوع أو صنف أو لكل يقين علامة تدل عليه فما علامة يقينك كما مر هو الذي أحزنني أي في أمر الآخرة و أسهر ليلي لحزن الآخرة أو للاستعداد لها أو لحب عبادة الله و مناجاته عجبا للمحب كيف ينام و الإسناد مجازي أي أسهرني في ليلي و كذا في قوله و أظمأ هواجري مجاز عقلي أي أظمأني عند الهاجرة و شدة الحر للصوم في الصيف و إنما خصه لأنه أشق و أفضل في القاموس الهاجرة نصف النهار عند زوال الشمس مع الظهر أو من عند زوالها إلى العصر لأن الناس يستكنون في بيوتهم كأنهم قد تهاجروا شدة الحر و قال عزفت نفسي عنه تعزف عزوفا زهدت فيه و انصرفت عنه أو ملته. حتى كأني أنظر أي شدة اليقين بأحوال الآخرة صيرني إلى حالة المشاهدة و الاصطراخ الاستغاثة و زفير النار صوت توقدها في القاموس زفر يزفر زفرا و زفيرا أخرج نفسه بعد مدة إياه و النار سمع لتوقدها صوت و قال المسمع كمنبر الأذن كالسامعة و الجمع مسامع انتهى و قيل المسامع جمع جمع على غير قياس كمشابه و ملامح جمع شبه و لمحة. و قال بعض المحققين هذا التنوير الذي أشير به في الحديث إنما يحصل بزيادة الإيمان و شدة اليقين فإنهما ينتهيان بصاحبهما إلى أن يطلع على حقائق الأشياء محسوساتها و معقولاتها فتنكشف له حجبها و أستارها فيعرفها بعين اليقين على ما هي عليه من غير وصمة ريب أو شائبة شك ليطمئن لها قلبه و يستريح بها روحه و هذه هي الحكمة الحقيقية التي من أوتيها فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً و إليه
أشار أمير المؤمنين ع بقوله هجم بهم العلم على حقائق الأمور و باشروا روح اليقين و استلانوا ما استوعره المترفون و أنسوا بما استوحش منه الجاهلون و صحبوا الدنيا بأبدان أرواحها معلقة بالملإ الأعلى
أراد ع بما استوعره المترفون يعني المتنعمون رفض الشهوات البدنية و قطع التعلقات الدنيوية و ملازمة الصمت و السهر و الجوع و المراقبة و الاحتراز عما لا يعني و نحو ذلك و إنما يتيسر ذلك بالتجافي عن دار الغرور و الترقي إلى عالم النور و الأنس بالله و الوحشة عما سواه و صيرورة الهموم جميعا هما واحدا و ذلك لأن القلب مستعد لأن يتجلى فيه حقيقة الحق في الأشياء كلها من اللوح المحفوظ الذي هو منقوش بجميع ما قضى الله تعالى به إلى يوم القيامة و إنما حيل بينه و بينها حجب كنقصان في جوهره أو كدورة تراكمت عليه من كثرة الشهوات أو عدول به عن جهة الحقيقة المطلوبة أو اعتقاد سبق إليه و رسخ فيه على سبيل التقليد و القبول بحسن الظن أو جهل بالجهة التي منها يقع العثور على المطلوب و إلى بعض هذه الحجب أشير في
الحديث النبوي لو لا أن الشياطين يحومون على قلوب بني آدم لنظروا إلى ملكوت السماء
18- م، ]تفسير الإمام عليه السلام[ قوله عز و جل ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ مِنْ بَعْدِ ذلِكَ فَهِيَ كَالْحِجارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً وَ إِنَّ مِنَ الْحِجارَةِ لَما يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الْأَنْهارُ وَ إِنَّ مِنْها لَما يَشَّقَّقُ فَيَخْرُجُ مِنْهُ الْماءُ وَ إِنَّ مِنْها لَما يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَ مَا اللَّهُ بِغافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ قال الإمام ع قال الله عز و جل ثُمَّ قَسَتْ قلوبكم عست و جفت و يبست من الخير و الرحمة قُلُوبُكُمْ معاشر اليهود مِنْ بَعْدِ ذلِكَ من بعد ما بينت من الآيات الباهرات في زمان موسى ع و من الآيات المعجزات التي شاهدتموها من محمد فَهِيَ كَالْحِجارَةِ اليابسة لا ترشح برطوبة و لا ينتفض منها ما ينتفع به أي إنكم لا حق الله تؤدون و لا من أموالكم و لا من حواشيها تتصدقون و لا بالمعروف تتكرمون و تجودون و لا الضيف تقرون و لا مكروبا تغيثون و لا بشيء من الإنسانية تعاشرون و تعاملون أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً إنما هي في قساوة الأحجار أو أشد قسوة أبهم على السامعين و لم يبين لهم كما يقول القائل أكلت خبزا أو لحما و هو لا يريد به أني لا أدري ما أكلت بل يريد أن يبهم على السامع حتى لا يعلم ما ذا أكل و إن كان يعلم أنه قد أكل و ليس معناه بل أشد قسوة لأن هذا استدراك غلط و هو عز و جل يرتفع أن يغلط في خبر ثم يستدرك على نفسه الغلط لأنه العالم بما كان و بما يكون و ما لا يكون أن لو كان كيف كان يكون و إنما يستدرك الغلط على نفسه المخلوق المنقوص و لا يريد به أيضا فهي كالحجارة أو أشد أي و أشد قسوة لأن هذا تكذيب الأول بالثاني لأنه قال فَهِيَ كَالْحِجارَةِ في الشدة لا أشد منها و لا ألين فإذا قال بعد ذلك أَوْ أَشَدُّ فقد رجع عن قوله الأول أنها ليس بأشد و هذا مثل لمن يقول لا يجيء من قلوبكم خير لا قليل و لا كثير فأبهم عز و جل في الأول حيث قال أو أشد و بين في الثاني أن قلوبهم أشد قسوة من الحجارة لا بقوله أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً و لكن بقوله وَ إِنَّ مِنَ الْحِجارَةِ لَما يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الْأَنْهارُ أي فهي في القساوة بحيث لا يجيء منها الخير و في الحجارة ما يتفجر منه الأنهار فيجيء بالخير و الغياث لبني آدم وَ إِنَّ مِنْها من الحجارة لَما يَشَّقَّقُ فَيَخْرُجُ مِنْهُ الْماءُ و هو ما يقطر منها الماء فهو خير منها دون الأنهار التي يتفجر من بعضها و قلوبهم لا يتفجر منها الخيرات و لا يشقق فيخرج منها قليل من الخيرات و إن لم يكن كثيرا ثم قال عز و جل وَ إِنَّ مِنْها يعني من الحجارة لَما يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ إذا أقسم عليها باسم الله و بأسماء أوليائه محمد و علي و فاطمة و الحسن و الحسين و الطيبين من آلهم صلى الله عليهم و ليس في قلوبكم شيء من هذه الخيرات وَ مَا اللَّهُ بِغافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ بل عالم به يجازيكم عنه بما هو به عادل عليكم و ليس بظالم لكم يشدد حسابكم و يؤلم عقابكم
و هذا الذي وصف الله تعالى به قلوبهم هاهنا نحو ما قال في سورة النساء أَمْ لَهُمْ نَصِيبٌ مِنَ الْمُلْكِ فَإِذاً لا يُؤْتُونَ النَّاسَ نَقِيراً و ما وصف به الأحجار هاهنا نحو ما وصف في قوله تعالى لَوْ أَنْزَلْنا هذَا الْقُرْآنَ عَلى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خاشِعاً مُتَصَدِّعاً مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ و هذا التقريع من الله تعالى لليهود و الناصب و اليهود جمعوا الأمرين و اقترفوا الخطيئتين فغلظ على اليهود ما وبخهم به رسول الله ص فقال جماعة من رؤسائهم و ذوي الألسن و البيان منهم يا محمد إنك تهجونا و تدعي على قلوبنا ما الله يعلم منها خلافه إن فيها خيرا كثيرا نصوم و نتصدق و نواسي الفقراء فقال رسول الله ص إنما الخير ما أريد به وجه الله تعالى و عمل على ما أمر الله تعالى به فأما ما أريد به الرياء و السمعة و معاندة رسول الله ص و إظهار العناد له و التمالك و الشرف عليه فليس بخير بل هو الشر الخالص وبال على صاحبه يعذبه الله به أشد العذاب فقالوا له يا محمد أنت تقول هذا و نحن نقول بل ما ننفقه إلا لإبطال أمرك و دفع رئاستك و لتفريق أصحابك عنك و هو الجهاد الأعظم نأمل به من الله الثواب الأجل الأجسم و أقل أحوالنا أنا تساوينا في الدعوى معك فأي فضل لك علينا فقال رسول الله ص يا إخوة اليهود إن الدعاوي يتساوى فيها المحقون و المبطلون و لكن حجج الله و دلائله تفرق بينهم فتكشف عن تمويه المبطلين و تبين عن حقائق المحقين و رسول الله محمد لا يغتنم جهلكم و لا يكلفكم التسليم له بغير حجة و لكن يقيم عليكم حجة الله التي لا يمكنكم دفاعها و لا تطيقون الامتناع من موجبها و لو ذهب محمد يريكم آية من عنده لشككتم و قلتم إنه متكلف مصنوع محتال فيه معمول أو متواطأ عليه و إذا اقترحتم أنتم فأريكم ما تقترحون لم يكن لكم أن تقولوا معمول أو متواطأ عليه أو متأتى بحيلة و مقدمات فما الذي تقترحون فهذا رب العالمين قد وعدني أن يظهر لكم ما تقترحون ليقطع معاذير الكافرين منكم و يزيد في بصائر المؤمنين منكم قالوا قد أنصفتنا يا محمد فإن وفيت بما وعدت من نفسك من الإنصاف و إلا فأنت أول راجع من دعواك النبوة و داخل في غمار الأمة و مسلم لحكم التوراة ليعجزك عما نقترحه عليك و ظهور باطل دعواك فيما ترومه من جهتك فقال رسول الله ص الصدق ينبئ عنكم لا الوعيد اقترحوا ما أنتم تقترحون ليقطع معاذيركم فيما تسألون فقالوا له يا محمد زعمت أنه ما في قلوبنا شيء من مواساة الفقراء و معاونة الضعفاء و النفقة في إبطال الباطل و إحقاق الحق و أن الأحجار ألين من قلوبنا و أطوع لله منا و هذه الجبال بحضرتنا فهلم بنا إلى بعضها فاستشهده على تصديقك و تكذيبنا فإن نطق بتصديقك فأنت المحق يلزمنا اتباعك و إن نطق بتكذيبك أو صمت فلم يرد جوابك فاعلم أنك المبطل في دعواك المعاند لهواك فقال رسول الله ص نعم هلموا بنا إلى أيها شئتم فأستشهده ليشهد لي عليكم فخرجوا إلى أوعر جبل رأوه فقالوا يا محمد هذا الجبل فاستشهده فقال رسول الله ص للجبل إني أسألك بجاه محمد و آله الطيبين الذين بذكر أسمائهم خفف الله العرش على كواهل ثمانية من الملائكة بعد أن لم يقدروا على تحريكه و هم خلق كثير لا يعرف عددهم إلا الله عز و جل و بحق محمد و آله الطيبين الذين بذكر أسمائهم تاب الله على آدم و غفر خطيئته و أعاده إلى مرتبته و بحق محمد و آله الطيبين الذين بذكر أسمائهم و سؤال الله بهم رفع إدريس في الجنة مَكاناً عَلِيًّا لما شهدت لمحمد بما أودعك الله بتصديقه على هؤلاء اليهود في ذكر قساوة قلوبهم و تكذيبهم في جحدهم لقول محمد رسول الله ص فتحرك الجبل و تزلزل و فاض عنه الماء و نادى يا محمد أشهد أنك رسول رب العالمين و سيد الخلائق أجمعين و أشهد أن قلوب هؤلاء اليهود كما وصفت أقسى من الحجارة لا يخرج منها خير كما قد يخرج من الحجارة الماء سيلا و تفجرا و أشهد أن هؤلاء كاذبون عليك فيما به يقذفونك من الفرية على رب العالمين
أقول تمامه في باب معجزات النبي ص قوله تعالى أَ فَتَطْمَعُونَ أَنْ يُؤْمِنُوا لَكُمْ الآية قال الإمام ع فلما بهر رسول الله ص هؤلاء اليهود بمعجزاته و قطع معاذيرهم بواضح دلالته لم يمكنهم مراجعته في حجته و لا إدخال التلبيس عليه في معجزاته قالوا يا محمد قد آمنا بأنك الرسول الهادي المهدي و أن عليا أخوك هو الوصي و الولي و كانوا إذا خلوا باليهود الآخرين يقولون لهم إن إظهارنا له الإيمان به أمكن لنا من مكروهه و أعون لنا على اصطلامه و اصطلام أصحابه لأنهم عند اعتقادهم أننا معهم يقفوننا على أسرارهم و لا يكتموننا شيئا فنطلع عليهم أعداءهم فيقصدون إذا هم بمعاونتنا و مظاهرتنا في أوقات اشتغالهم و اضطرابهم و في أحوال تعذر المدافعة و الامتناع من الأعداء عليهم و كانوا مع ذلك ينكرون على سائر اليهود الإخبار للناس عما كانوا يشاهدونه من آياته و يعاينون من معجزاته فأظهر الله محمدا رسوله على قبح اعتقادهم و سوء دخيلاتهم و على إنكارهم على من اعترف بما شاهده من آيات محمد و واضح بيناته و باهرات معجزاته فقال عز و جل أَ فَتَطْمَعُونَ أنت و أصحابك من علي و آله الطيبين أَنْ يُؤْمِنُوا لَكُمْ هؤلاء اليهود الذين هم بحجج الله قد بهرتموهم و بآيات الله و دلائله الواضحة قد قهرتموهم أَنْ يُؤْمِنُوا لَكُمْ و يصدقوكم بقلوبهم و يبدوا في الخلوات لشياطينهم شريف أحوالكم وَ قَدْ كانَ فَرِيقٌ مِنْهُمْ يعني من هؤلاء اليهود من بني إسرائيل يَسْمَعُونَ كَلامَ اللَّهِ في أصل جبل طور سيناء و أوامره و نواهيه ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ عما سمعوه إذا أدوه إلى من وراءهم من سائر بني إسرائيل مِنْ بَعْدِ ما عَقَلُوهُ و علموا أنهم فيما يقولونه كاذبون وَ هُمْ يَعْلَمُونَ أنهم في قيلهم كاذبون ثم أظهر الله على نفاقهم الآخر فقال وَ إِذا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا كانوا إذا لقوا سلمان و المقداد و أبا ذر و عمارا قالُوا آمَنَّا كإيمانكم إيمانا بنبوة محمد مقرونا بالإيمان بإمامة أخيه علي بن أبي طالب ع و بأنه أخوه الهادي و وزيره المؤاتي و خليفته على أمته و منجز عدته و الوافي بذمته و الناهض بأعباء سياسته و قيم الخلق الذائد لهم عن سخط الرحمن الموجب لهم إن أطاعوه رضى الرحمن و أن خلفاءه من بعده هم النجوم الزاهرة و الأقمار النيرة و الشمس المضيئة الباهرة و أن أولياءهم أولياء الله و أن أعداءهم أعداء الله و يقول بعضهم نشهد أن محمدا صاحب المعجزات و مقيم الدلالات الواضحات و ساق الحديث كما سيأتي في أبواب معجزات الرسول ص و باب غزوة بدر إلى قوله فلما أفضى بعض هؤلاء اليهود إلى بعض قالوا أي شيء صنعتم أخبرتموهم بِما فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ من الدلالات على صدق نبوة محمد ص و إمامة أخيه علي بن أبي طالب ع لِيُحَاجُّوكُمْ بِهِ عِنْدَ رَبِّكُمْ بأنكم كنتم قد علمتم هذا و شاهدتموه فلم تؤمنوا به و لم تطيعوه و قدروا بجهلهم إن لم يخبروهم بتلك الآيات لم تكن له عليهم حجة في غيرها ثم قال عز و جل أَ فَلا تَعْقِلُونَ أن هذا الذي يخبروهم به مما فتح الله عليكم من دلائل نبوة محمد حجة عليكم عند ربكم قال الله عز و جل أَ وَ لا يَعْلَمُونَ يعني أ و لا يعلم هؤلاء القائلون لإخوانهم أَ تُحَدِّثُونَهُمْ بِما فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ ما يُسِرُّونَ من عداوة محمد ص و يضمرون من أن إظهارهم الإيمان به أمكن لهم من اصطلامه و إبادة أصحابه وَ ما يُعْلِنُونَ من الإيمان ظاهرا ليؤنسوهم و يقفوا به على أسرارهم فيذيعونها بحضرة من يضرهم و إن الله لما علم ذلك دبر لمحمد ص تمام أمره ببلوغ غاية ما أراده الله ببعثه و أنه قيم أمره و إن نفاقهم و كيدهم لا يضره قوله تعالى وَ مِنْهُمْ أُمِّيُّونَ الآية قال الإمام ع ثم قال الله يا محمد و من هؤلاء اليهود أميون لا يقرءون و لا يكتبون كالأمي منسوب إلى الأم أي هو كما خرج من بطن أمه لا يقرأ و لا يكتب لا يَعْلَمُونَ الْكِتابَ المنزل من السماء و لا المتكذب به و لا يميزون بينهما إِلَّا أَمانِيَّ أي إلا أن يقرأ عليهم و يقال لهم إن هذا كتاب الله و كلامه لا يعرفون إن قرئ من الكتاب خلاف ما فيه وَ إِنْ هُمْ إِلَّا يَظُنُّونَ أي ما يقول لهم رؤساؤهم من تكذيب محمد في نبوته و إمامة علي سيد عترته ع يقلدونهم مع أنهم محرم عليهم تقليدهم ثم قال عز و جل فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتابَ بِأَيْدِيهِمْ الآية قال
الإمام قال الله عز و جل لقوم من هؤلاء اليهود كتبوا صفة زعموا أنها صفة النبي ص و هو خلاف صفته و قالوا للمستضعفين هذه صفة النبي المبعوث في آخر الزمان أنه طويل عظيم البدن و البطن أصهب الشعر و محمد بخلافه و هو يجيء بعد هذا الزمان بخمسمائة سنة و إنما أرادوا بذلك لتبقى لهم على ضعفائهم رئاستهم و تدوم لم منهم إصاباتهم و يكفوا أنفسهم مئونة خدمة رسول الله ص و خدمة علي ع و أهل خاصته فقال الله عز و جل فَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ من هذه الصفات المحرفات المخالفات لصفة محمد و علي ع الشدة لهم من العذاب في أسوإ بقاع جهنم وَ وَيْلٌ لَهُمْ الشدة لهم من العذاب ثابتة مضافة إلى الأولى مما يكسبونه من الأموال التي يأخذونها إذا أثبتوا عوامهم على الكفر بمحمد رسول الله ص و الجحد لوصية أخيه علي ولي الله وَ قالُوا لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلَّا أَيَّاماً مَعْدُودَةً الآية قال الإمام ع قال الله عز و جل وَ قالُوا يعني اليهود المصرين المظهرين للإيمان المسرين للنفاق المدبرين على رسول الله و ذويه بما يظنون أن فيه عطبهم لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلَّا أَيَّاماً مَعْدُودَةً و ذلك أنه كان لهم أصهار و إخوة رضاع من المسلمين يسرون كفرهم عن محمد و صحبه و إن كانوا به عارفين صيانة لهم لأرحامهم و أصهارهم قال لهم هؤلاء لم تفعلون هذا النفاق الذي تعلمون أنكم به عند الله مسخوط عليكم معذبون أجابهم ذلك اليهود بأن مدة ذلك العذاب الذي نعذب به لهذه الذنوب أيام معدودة تنقضي ثم نصير بعد في النعمة في الجنان فلا نتعجل المكروه في الدنيا للعذاب الذي هو بقدر أيام ذنوبنا فإنها تفنى و تنقضي و نكون قد حصلنا لذات الحرية من الخدمة و لذات نعمة الدنيا ثم لا نبالي بما يصيبنا بعد فإنه إذا لم يكن دائما فكأنه قد فني فقال الله عز و جل قُلْ يا محمد أَتَّخَذْتُمْ عِنْدَ اللَّهِ عَهْداً أن عذابكم على كفركم بمحمد و دفعكم لآياته في نفسه و في علي و سائر خلفائه و أوليائه منقطع غير دائم بل ما هو إلا عذاب دائم لا نفاد له فلا تجترءوا على الآثام و القبائح من الكفر بالله و برسوله و بوليه المنصوب بعده على أمته ليسوسهم و يرعاهم سياسة الوالد الشفيق الرحيم الكريم لولده و رعاية الحدب المشفق على خاصته فَلَنْ يُخْلِفَ اللَّهُ عَهْدَهُ فلذلك أنتم بما تدعون من فناء عذاب ذنوبكم هذه في حرز أَمْ تَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ ما لا تَعْلَمُونَ أتخذتم عهدا أم تقولون بل أنتم في أيهما ادعيتم كاذبون توضيح عسا الشيء يبس و صلب قوله الصدق بيني و بينكم أي يجب أن نصدق فيما نقول و نأتي به و لا نكتفي بالوعد و الوعيد و في بعض النسخ ينبئ عنكم و هو أظهر
19- م، ]تفسير الإمام عليه السلام[ وَ لَقَدْ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ وَ قَفَّيْنا مِنْ بَعْدِهِ بِالرُّسُلِ الآية قال الإمام ع قال الله عز و جل و هو يخاطب هؤلاء اليهود الذين أظهر محمد ص المعجزات لهم عند تلك الجبال و يوبخهم وَ لَقَدْ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ التوراة المشتمل على أحكامنا و على ذكر فضل محمد و آله الطيبين و إمامة علي بن أبي طالب ع و خلفائه بعده و شرف أحوال المسلمين له و سوء أحوال المخالفين عليه وَ قَفَّيْنا مِنْ بَعْدِهِ بِالرُّسُلِ و جعلنا رسولا في أثر رسول وَ آتَيْنا أعطينا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّناتِ الآيات الواضحات إحياء الموتى و إبراء الأكمه و الأبرص و الإنباء بما يأكلون و بما يدخرون في بيوتهم وَ أَيَّدْناهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ و هو جبرئيل و ذلك حين رفعه من روزنة بيته إلى السماء و ألقى شبهه على من رام قتله فقتل بدلا منه و قيل هو المسيح
20- م، ]تفسير الإمام عليه السلام[ قوله عز و جل وَ قالُوا قُلُوبُنا غُلْفٌ بَلْ لَعَنَهُمُ اللَّهُ بِكُفْرِهِمْ فَقَلِيلًا ما يُؤْمِنُونَ قال الإمام ع قال الله تعالى وَ قالُوا يعني اليهود الذين أراهم رسول الله ص المعجزات المذكورات عند قوله فَهِيَ كَالْحِجارَةِ الآية قُلُوبُنا غُلْفٌ أوعية للخير و العلوم قد أحاطت بها و اشتملت عليها ثم هي مع ذلك لا تعرف لك يا محمد فضلا مذكورا في شيء من كتب الله و لا على لسان أحد من أنبياء الله فقال الله ردا عليهم بَلْ ليس كما يقولون أوعية للعلوم و لكن قد لَعَنَهُمُ اللَّهُ أبعدهم الله من الخير فَقَلِيلًا ما يُؤْمِنُونَ قليل إيمانهم يؤمنون ببعض ما أنزل الله و يكفرون ببعض فإذا كذبوا محمدا في سائر ما يقول فقد صار ما كذبوا به أكثر و ما صدقوا به أقل و إذا قرئ غلف فإنهم قالوا قُلُوبُنا غُلْفٌ في غطاء فلا نفهم كلامك و حديثك كما قال الله تعالى وَ قالُوا قُلُوبُنا فِي أَكِنَّةٍ مِمَّا تَدْعُونا إِلَيْهِ وَ فِي آذانِنا وَقْرٌ وَ مِنْ بَيْنِنا وَ بَيْنِكَ حِجابٌ و كلا القراءتين حق و قد قالوا بهذا و بهذا جميعا ثم قال رسول الله ص معاشر اليهود أ تعاندون رسول رب العالمين و تأبون الاعتراف بأنكم كنتم بذنوبكم من الجاهلين إن الله لا يعذب بها أحدا و لا يزيل عن فاعل هذا عذابه أبدا إن آدم ع لم يقترح على ربه المغفرة لذنبه إلا بالتوبة فكيف تقترحونها أنتم مع عنادكم
توضيح قال الطبرسي رحمه الله القراءة المشهورة غُلْفٌ بسكون اللام و روي في الشواذ غلف بضم اللام عن أبي عمرو فمن قرأ بتسكين اللام فهو جمع الأغلف يقال للسيف إذا كان في غلاف أغلف و من قرأ بضم اللام فهو جمع غلاف فمعناه أن قلوبنا أوعية العلم فما بالها لا تفهم
21- ب، ]قرب الإسناد[ ابن عيسى عن البزنطي عن الرضا ع قال الإيمان أفضل من الإسلام بدرجة و التقوى أفضل من الإيمان بدرجة و اليقين أفضل من التقوى بدرجة و لم يقسم بين بني آدم شيئا أقل من اليقين
22- جا، ]المجالس للمفيد[ ما، ]الأمالي للشيخ الطوسي[ محمد بن الحسين المقري عن علي بن محمد عن أبي العباس الأحوص عن محمد بن الحسين بن عيسى عن سماعة عن أبي عبد الله ع قال إن من اليقين أن لا ترضوا الناس بسخط الله و لا تلوموهم على ما لم يؤتكم الله من فضله فإن الرزق لا يسوقه حرص حريص و لا يرده كره كاره و لو أن أحدكم فر من رزقه كما يفر من الموت لأدركه كما يدركه الموت
23- يد، ]التوحيد[ القطان عن ابن زكريا عن ابن حبيب عن علي بن زياد عن مروان بن معاوية عن الأعمش عن أبي حيان التيمي عن أبيه و كان مع علي بن أبي طالب ع يوم صفين و فيما بعد ذلك قال بينما علي بن أبي طالب يعبئ الكتائب يوم صفين و معاوية مستقبله على فرس له يتأكل تحته تأكلا و علي ع على فرس رسول الله ص المرتجز و بيده حربة رسول الله ص و هو متقلد سيفه ذا الفقار فقال رجل من أصحابه احترس يا أمير المؤمنين فإنا نخشى أن يغتالك هذا الملعون فقال ع لئن قلت ذاك إنه غير مأمون على دينه و إنه لأشقى القاسطين و ألعن الخارجين على الأئمة المهتدين و لكن كفى بالأجل حارسا ليس أحد من الناس إلا و معه لملائكة حفظة يحفظونه من أن يتردى في بئر أو يقع عليه حائط أو يصيبه سوء فإذا حان أجله خلوا بينه و بين ما يصيبه فكذلك أنا إذا حان أجلي انبعث أشقاها فخضب هذه من هذا و أشار إلى لحيته و رأسه عهدا معهودا و وعدا غير مكذوب
-24 لي، ]الأمالي للصدوق[ محمد بن أحمد الأسدي عن أحمد بن محمد بن الحسن العامري عن إبراهيم بن عيسى السدوسي عن سليمان بن عمرو عن عبد الله بن الحسن عن أمه فاطمة بنت الحسين عن أبيها ع قال قال رسول الله ص إن صلاح أول هذه الأمة بالزهد و اليقين و هلاك آخرها بالشح و الأمل
25- لي، ]الأمالي للصدوق[ قال رسول الله ص خير ما ألقي في القلب اليقين
26- ل، ]الخصال[ ابن الوليد عن الصفار عن محمد بن عيسى عن عثمان بن عيسى عن ابن مسكان عن أبي عبد الله ع قال لم يقسم بين العباد أقل من خمس اليقين و القنوع و الصبر و الشكر و الذي يكمل به هذا كله العقل
27- مع، ]معاني الأخبار[ أبي عن سعد عن البرقي عن أبيه رفعه إلى النبي ص قال قلت لجبرئيل ما تفسير اليقين قال المؤمن يعمل لله كأنه يراه فإن لم يكن يرى الله فإن الله يراه و أن يعلم يقينا أن ما أصابه لم يكن ليخطئه و أن ما أخطأه لم يكن ليصيبه الخبر
28- ع، ]علل الشرائع[ ابن المتوكل عن الحميري عن محمد بن علي عن ابن محبوب عن هشام بن سالم قال سمعت أبا عبد الله ع يقول لحمران بن أعين يا حمران انظر إلى من هو دونك و لا تنظر إلى من هو فوقك في المقدرة فإن ذلك أقنع لك بما قسم لك و أحرى أن تستوجب الزيادة من ربك و اعلم أن العمل الدائم القليل على اليقين أفضل عند الله من العمل الكثير على غير يقين و اعلم أنه لا ورع أنفع من تجنب محارم الله و الكف عن أذى المؤمنين و اغتيابهم و لا عيش أهنأ من حسن الخلق و لا مال أنفع من القنوع باليسير المجزي و لا جهل أضر من العجب
29- سن، ]المحاسن[ أبي عن ابن سنان عن ابن مسكان عن أبي بصير عن أبي عبد الله ع قال استقبل رسول الله ص حارثة بن مالك بن النعمان فقال له كيف أنت يا حارثة فقال يا رسول الله ص أصبحت مؤمنا حقا فقال له رسول الله ص يا حارثة لكل شيء حقيقة فما حقيقة يقينك قال يا رسول الله عزفت نفسي عن الدنيا و أسهرت ليلي و أظمأت هواجري و كأني أنظر إلى عرش ربي و قد وضع للحساب و كأني أنظر إلى أهل الجنة يتزاورون و كأني أسمع عواء أهل النار في النار فقال رسول الله ص عبد نور الله قلبه للإيمان فاثبت فقال يا رسول الله ادع الله لي أن يرزقني الشهادة فقال اللهم ارزق حارثة الشهادة فلم يلبث إلا أياما حتى بعث رسول الله ص سرية فبعثه فيها فقاتل فقتل سبعة أو ثمانية ثم قتل
30- سن، ]المحاسن[ ابن محبوب عن أبي محمد الوابشي و إبراهيم بن مهزم عن إسحاق بن عمار قال سمعت أبا عبد الله ع يقول إن رسول الله ص صلى بالناس الصبح فنظر إلى شاب من الأنصار و هو في المسجد يخفق و يهوي رأسه مصفر لونه نحيف جسمه و غارت عيناه في رأسه فقال له رسول الله ص كيف أصبحت يا فلان فقال أصبحت يا رسول الله ص موقنا فقال فعجب رسول الله ص من قوله و قال له إن لكل شيء حقيقة فما حقيقة يقينك قال إن يقيني يا رسول الله هو أحزنني و أسهر ليلي و أظمأ هواجري فعزفت نفسي عن الدنيا و ما فيها حتى كأني أنظر إلى عرش ربي و قد نصب للحساب و حشر الخلائق لذلك و أنا فيهم و كأني أنظر إلى أهل الجنة يتنعمون فيها و يتعارفون على الأرائك متكئين و كأني أنظر إلى أهل النار فيها معذبون يصطرخون و كأني أسمع الآن زفير النار يعزفون في مسامعي قال فقال رسول الله ص لأصحابه هذا عبد نور الله قلبه للإيمان ثم قال الزم ما أنت عليه قال فقال له الشاب يا رسول الله ادع الله لي أن أرزق الشهادة معك فدعا له رسول الله ص بذلك فلم يلبث أن خرج في بعض غزوات النبي ص فاستشهد بعد تسعة نفر و كان هو العاشر
-31 سن، ]المحاسن[ أبي عن ابن أبي عمير عن هشام بن سالم عن أبي عبد الله ع في قول الله لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ الْيَقِينِ قال المعاينة
32- سن، ]المحاسن[ أبي عمن ذكره عن عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله ع قال قال رسول الله ص كفى باليقين غنى و بالعبادة شغلا
محص، ]التمحيص[ عن ابن سنان مثله
33- سن، ]المحاسن[ أبي رفعه قال قال أمير المؤمنين ع في خطبة له أيها الناس سلوا الله اليقين و ارغبوا إليه في العافية فإن أجل النعمة العافية و خير ما دام في القلب اليقين و المغبون من غبن دينه و المغبوط من غبط يقينه قال و كان علي بن الحسين يطيل القعود بعد المغرب يسأل الله اليقين
محص، ]التمحيص[ عن أمير المؤمنين ع مثله إلى قوله و المغبوط من حسن يقينه
34- سن، ]المحاسن[ محمد بن عبد الحميد عن صفوان قال سألت أبا الحسن الرضا ع عن قول الله لإبراهيم أَ وَ لَمْ تُؤْمِنْ قالَ بَلى وَ لكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي أ كان في قلبه شك قال لا كان على يقين و لكنه أراد من الله الزيادة في يقينه
35- سن، ]المحاسن[ ابن فضال عن أبي جميلة عن محمد الحلبي عن أبي عبد الله ع في قول الله الَّذِينَ يُؤْتُونَ ما آتَوْا وَ قُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلى رَبِّهِمْ راجِعُونَ قال يعملون ما عملوا من عمل و هم يعلمون أنهم يثابون عليه
و روى عثمان بن عيسى عن سماعة عن أبي بصير عن أبي عبد الله ع قال يعملون و يعلمون أنهم سيثابون عليه
36- سن، ]المحاسن[ أبي عن فضالة عن داود بن فرقد عن أبي عبد الله ع قال أتى أعرابي رسول الله ص فقال يا رسول الله بايعني على الإسلام فقال على أن تقتل أباك فكف الأعرابي يده و أقبل رسول الله ص على القوم يحدثهم فقال الأعرابي يا رسول الله بايعني على الإسلام فقال على أن تقتل أباك قال نعم فبايعه رسول الله ثم قال رسول الله الآن لم تتخذ من دون الله و لا رسوله و لا المؤمنين وليجة إني لا آمرك بعقوق الوالدين و لكن صاحِبْهُما فِي الدُّنْيا مَعْرُوفاً
37- سن، ]المحاسن[ ابن محبوب عن جميل بن صالح عن أبي عبيدة الحذاء عن أبي جعفر ع قال إن أناسا أتوا رسول الله ص بعد ما أسلموا فقالوا يا رسول الله أ يؤخذ الرجل منا بما عمل في الجاهلية بعد إسلامه فقال من حسن إسلامه و صح يقين إيمانه لم يأخذه الله بما عمل في الجاهلية و من سخف إسلامه و لم يصح يقين إيمانه أخذه الله بالأول و الآخر
-38 سن، ]المحاسن[ ابن يزيد و عبد الرحمن بن حماد معا عن العبدي عن عبد الله بن سنان قال سمعت أبا عبد الله ع يقول الإيمان في القلب و اليقين خطرات
39- سن، ]المحاسن[ أبي عن ابن سنان عن محمد بن حكيم عمن حدثه عن أبي عبد الله ع قال قال علي ع اعلموا أنه لا يصغر ما ضر يوم القيامة و لا يصغر ما ينفع يوم القيامة فكونوا فيما أخبركم الله كمن عاين
40- سن، ]المحاسن[ الوشاء عن علي بن أبي حمزة عن أبي بصير قال سمعت أبا عبد الله ع يقول سلوا ربكم العفو و العافية فإنكم لستم من رجال البلاء فإنه من كان قبلكم من بني إسرائيل شقوا بالمناشير على أن يعطوا الكفر فلم يعطوه
41- سن، ]المحاسن[ ابن فضال عن يونس بن يعقوب عن عبد الأعلى قال قال لي رجل من قريش عندي تمرة من نخلة رسول الله ص قال فذكرت ذلك لأبي عبد الله ع فقال إنها ليست إلا لمن عرفها
42- سن، ]المحاسن[ ابن بزيع عن أبي إسماعيل السراج عن خضر بن عمرو قال قال أبو عبد الله ع إن المؤمن أشد من زبر الحديد إن الحديد إذا دخل النار لان و إن المؤمن لو قتل و نشر ثم قتل لم يتغير قلبه
43- سن، ]المحاسن[ أبي عن ابن أبي عمير عن أبي المغراء عن إسحاق بن عمار و يونس قالا سألنا أبا عبد الله ع عن قول الله خُذُوا ما آتَيْناكُمْ بِقُوَّةٍ أ قوة الأبدان أو قوة في القلب قال فيهما جميعا
44- ضا، ]فقه الرضا عليه السلام[ روي كفى باليقين غنى و بالعبادة شغلا و إن الإيمان بالقلب و اليقين خطرات
و أروي ما قسم بين الناس أقل من اليقين
و روي أن الله يبغض من عباده المائلين فلا تزلوا عن الحق فمن استبدل بالحق هلك و فاتته الدنيا و خرج منها ساخطا
45- مص، ]مصباح الشريعة[ قال الصادق ع اليقين يوصل العبد إلى كل حال سني و مقام عجيب كذلك أخبر رسول الله ص عن عظم شأن اليقين حين ذكر عنده أن عيسى ابن مريم كان يمشي على الماء فقال لو زاد يقينه لمشى في الهواء يدل بهذا أن الأنبياء مع جلالة محلهم من الله كانت تتفاضل على حقيقة اليقين لا غير و لا نهاية بزيادة اليقين على الأبد و المؤمنون أيضا متفاوتون في قوة اليقين و ضعفه فمن قوي منهم يقينه فعلامته التبري من الحول و القوة إلا بالله و الاستقامة على أمر الله و عبادته ظاهرا و باطنا قد استوت عنده حالة العدم و الوجود و الزيادة و النقصان و المدح و الذم و العز و الذل لأنه يرى كلها من عين واحدة و من ضعف يقينه تعلق بالأسباب و رخص لنفسه بذلك و اتبع العادات و أقاويل الناس بغير حقيقة و سعى في أمور الدنيا و جمعها و إمساكها مقر باللسان أنه لا مانع و لا معطي إلا الله و أن العبد لا يصيب إلا ما رزق و قسم له و الجهد لا يزيد الرزق و ينكر ذلك بفعله و قلبه قال الله عز و جل يَقُولُونَ بِأَفْواهِهِمْ ما لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ وَ اللَّهُ أَعْلَمُ بِما يَكْتُمُونَ و إنما عطف الله تعالى بعباده حيث أذن لهم في الكسب و الحركات في باب العيش ما لم يتعدوا حدوده و لا يتركوا فرائضه و سنن نبيه ع في جميع حركاتهم و لا يعدلوا عن محجة التوكل و لا يقفوا في ميدان الحرص فأما إذا نسوا ذلك و ارتبطوا بخلاف ما حد لهم كانوا من الهالكين الذين ليس لهم في الحاصل إلا الدعاوي الكاذبة و كل مكتسب لا يكون متوكلا فلا يستجلب من كسبه إلى نفسه إلا حراما و شبهة و علامته أن يؤثر ما يحصل من كسبه و يجوع و لا ينفق في سبيل الدين و يمسك و المأذون بالكسب من كان بنفسه مكتسبا و بقلبه متوكلا و إن كثر المال عنده قام فيه كالأمين عالما بأن كون ذلك المال و فوته سواء و إن أمسك أمسك لله و إن أنفق أنفق فيما أمره الله عز و جل و يكون منعه و عطاؤه في الله
46- محص، ]التمحيص[ عن أبي بصير عن أبي عبد الله ع قال ما من شيء إلا و له حد قلت فما حد اليقين قال أن لا تخاف مع الله شيئا
47- محص، ]التمحيص[ عن جابر الجعفي عن أبي عبد الله ع أنه قال لا يجد رجل طعم الإيمان حتى يعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه و ما أخطأه لم يكن ليصيبه
مشكاة الأنوار، عن علي ع مثله
48- محص، ]التمحيص[ عن يونس قال سألت أبا الحسن الرضا ع عن الإيمان و الإسلام فقال قال أبو جعفر ع إنما هو الإسلام و الإيمان فوقه بدرجة و التقوى فوق الإيمان بدرجة و اليقين فوق التقوى بدرجة و لم يقسم بين الناس شيء أقل من اليقين قال قلت فأي شيء اليقين قال التوكل على الله و التسليم لله و الرضا بقضاء الله و التفويض إلى الله قلت ما تفسير ذلك قال هكذا قال أبو جعفر ع
49- محص، ]التمحيص[ عن عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله ع قال الإيمان في القلب و اليقين خطرات
50- كتاب الصفين، لنصر بن مزاحم عن عمر بن سعد عن مالك بن أعين عز زيد بن وهب قال إن أهل الشام دنوا من علي ع يوم صفين فو الله ما يزيده قربهم منه إلا سرعة في مشيه فقال له الحسن ما ضرك لو سعيت حتى تنتهي إلى هؤلاء الذين صبروا بعدك من أصحابك قال يا بني إن لأبيك يوما لن يعدوه و لا يبطئ به عنه السعي و لا يعجل به إلى المشي إن أباك و الله لا يبالي وقع على الموت أو وقع الموت عليه
و عن عمرو بن شمر عن جابر عن أبي إسحاق قال خرج علي ع يوم صفين و بيده عنيزة فمر على سعيد بن قيس الهمداني فقال له سعيد أ ما تخشى يا أمير المؤمنين أن يغتالك أحد و أنت قرب عدوك فقال له علي ع إنه ليس من أحد إلا عليه من الله حفظة يحفظونه من أن يتردى في قليب أو يخر عليه حائط أو تصيبه آفة فإذا جاء القدر خلوا بينه و بينه
51- نهج، ]نهج البلاغة[ سمع أمير المؤمنين ع رجلا من الحرورية يتهجد و يقرأ فقال نوم على يقين خير من صلاة في شك
و من خطبة له ع إنما سميت الشبهة شبهة لأنها تشبه الحق و أما أولياء الله فضياؤهم فيها اليقين و دليلهم سمت الهدى و أما أعداء الله فدعاؤهم فيها الضلال و دليلهم العمى فما ينجو من الموت من خافه و لا يعطى البقاء من أحبه
و من كلام له ع لما خوف من الغيلة و إن علي من الله جنة حصينة فإذا جاء يومي انفرجت عني و أسلمتني فحينئذ يطيش السهم و لا يبرأ الكلم
و قال في وصيته لابنه الحسن ع اطرح عنك واردات الأمور بعزائم الصبر و حسن اليقين
52- مشكاة الأنوار، عن أبي جعفر ع قال قال علي ع في خطبة له طويلة الإيمان على أربع دعائم على الصبر و اليقين و العدل و التوحيد
و منه نقلا من المحاسن عن أبي عبد الله ع أن الإيمان أفضل من الإسلام و إن اليقين أفضل من الإيمان و ما من شيء أعز من اليقين
و عن صفوان الجمال قال سألت أبا عبد الله ع عن قول الله عز و جل وَ أَمَّا الْجِدارُ فَكانَ لِغُلامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ وَ كانَ تَحْتَهُ كَنْزٌ لَهُما فقال أما إنه ما كان ذهبا و لا فضة إنما كان أربع كلمات أنا الله لا إله إلا أنا من أيقن بالموت لم يضحك سنه و من أيقن بالحساب لم يفرح قلبه و من أيقن بالقدر لم يخش إلا الله
و قال أبو عبد الله ع الصبر من اليقين
و عن أبي عبد الله ع قال كان قنبر غلام علي ع يحب عليا حبا شديدا فإذا خرج علي ع خرج على أثره بالسيف فرآه ذات ليلة فقال يا قنبر ما لك فقال جئت لأمشي خلفك يا أمير المؤمنين فقال ويحك أ من أهل السماء تحرسني أو من أهل الأرض قال لا بل من أهل الأرض فقال إن أهل الأرض لا يستطيعون لو شاءوا إلا بإذن الله من السماء فارجع قال فرجع
و عنه ع ليس شيء إلا له حد قال قلت جعلت فداك فما حد التوكل قال اليقين قلت فما حد اليقين قال لا تخاف مع الله شيئا و قال إن محمد بن الحنفية كان رجلا رابط الجأش و كان الحجاج يلقاه فيقول له لقد هممت أن أضرب الذي فيه عيناك فيقول كلا إن لله في كل يوم ثلاثمائة و ستين لحظة فأرجو أن يكفيك بإحداهن
و سأل أمير المؤمنين الحسن و الحسين ع فقال لهما ما بين الإيمان و اليقين فسكتا فقال للحسن ع أجب يا أبا محمد قال بينهما شبر قال و كيف ذاك قال لأن الإيمان ما سمعناه بآذاننا و صدقناه بقلوبنا و اليقين ما أبصرناه بأعيننا و استدللنا به على ما غاب عنا
و منه عن الصادق ع قال قال رسول الله ص يأتي على الناس زمان لا ينال فيه الملك إلا بالقتل و التجبر و لا الغنى إلا بالغصب و البخل و لا المحبة إلا باستخراج الدين و اتباع الهوى فمن أدرك ذلك الزمان فصبر على البغضة و هو يقدر على المحبة و صبر على الفقر و هو يقدر على الغنى و صبر على الذل و هو يقدر على العز آتاه الله ثواب خمسين صديقا ممن صدق به
و منه عن عبد الله بن العباس قال أهدي إلى الرسول ص بغلة أهداها كسرى له أو قيصر فركبها النبي ص فأخذ من شعرها و أردفني خلفه ثم قال يا غلام احفظ الله يحفظك احفظ الله تجده أمامك تعرف إلى الله عز و جل في الرخاء يعرفك في الشدة إذا سألت فاسأل الله و إذا استعنت فاستعن بالله قد مضى القلم بما هو كائن فلو جهد الناس أن ينفعوك بأمر لم يكتبه الله عليك لم يقدروا عليه فإن استطعت أن تعمل بالصبر مع اليقين فافعل و إن لم تستطع فإن في الصبر على ما تكره خيرا كثيرا و اعلم أن الصبر مع النصر و أن الفرج مع الكرب و أن مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً
و منه عن أبي عبد الله ع قال الصبر رأس الإيمان
و عنه ع قال الصبر من الإيمان بمنزلة الرأس من الجسد فإذا ذهب الرأس ذهب الجسد كذلك إذا ذهب الصبر ذهب الإيمان
و منه عن حفص بن غياث قال قال لي أبو عبد الله ع يا حفص إن من صبر صبرا قليلا و إن من جزع جزعا قليلا ثم قال عليك بالصبر في جميع أمورك فإن الله تبارك و تعالى بعث محمدا ص فأمره بالصبر و الرفق فقال اصْبِرْ عَلى ما يَقُولُونَ وَ اهْجُرْهُمْ هَجْراً جَمِيلًا وَ ذَرْنِي وَ الْمُكَذِّبِينَ و قال الله تبارك و تعالى ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَ بَيْنَهُ عَداوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ وَ ما يُلَقَّاها إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَ ما يُلَقَّاها إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ فصبر حتى نالوه بالعظائم و رموه بها تمام الحديث
و منه قال أمير المؤمنين ع وكل الرزق بالحمق و وكل الحرمان بالعقل و وكل البلاء باليقين و الصبر
و منه عن مهران قال كتبت إلى أبي الحسن ع أشكو إليه الدين و تغير الحال فكتب لي اصبر تؤجر فإنك إن لم تصبر لم تؤجر و لم ترد قضاء الله عز و جل
و منه قال أمير المؤمنين ع الصبر صبران صبر عند المصيبة حسن جميل و أحسن من ذلك الصبر عند ما حرم الله عليك الخبر
و قال الباقر ع لما حضرت أبي علي بن الحسين ع الوفاة ضمني إلى صدره ثم قال أي بني أوصيك بما أوصاني أبي حين حضرته الوفاة و بما ذكر أن أباه ع أوصاه به أي بني اصبر على الحق و إن كان مرا
عن أبي جعفر ع قال قال رسول الله ص عجبا للمؤمن إن الله عز و جل لا يقضي له قضاء إلا كان له خيرا إن ابتلي صبر و إن أعطي شكر
و قيل لأبي عبد الله ع من أكرم الخلق على الله قال من إذا أعطي شكر و إذا ابتلي صبر