1- معاني الأخبار، عن أحمد بن زياد عن جعفر الهمداني عن علي بن إبراهيم عن أبيه عن ابن أبي عمير عن عمرو بن جميع قال قال أبو عبد الله ع لا بأس في الإقعاء في الصلاة بين السجدتين و بين الركعة الأولى و الثانية و بين الركعة الثالثة و الرابعة و إذا أجلسك الإمام في موضع يجب أن تقوم فيه فتجاف و لا يجوز الإقعاء في موضع التشهدين إلا من علة لأن المقعي ليس بجالس إنما جلس بعضه على بعض و الإقعاء أن يضع الرجل أليتيه على عقبيه في تشهديه فأما الأكل مقعيا فلا بأس به لأن رسول الله ص قد أكل مقعيا
2- قرب الإسناد، عن عبد الله بن الحسن عن جده علي بن جعفر عن أخيه ع قال سألته عن القيام من التشهد من الركعتين الأوليين كيف يصنع يضع ركبتيه و يديه على الأرض ثم ينهض أو كيف يصنع قال ما شاء صنع و لا بأس
3- الإحتجاج، قال كتب الحميري إلى القائم ع يسأله عن المصلي إذا قام من التشهد الأول إلى الركعة الثالثة هل يجب عليه أن يكبر فإن بعض أصحابنا قال لا يجب عليه التكبير و يجزيه أن يقول بحول الله و قوته أقوم و أقعد فوقع ع إن فيه حديثين أما أحدهما فإنه إذا انتقل من حالة إلى حالة أخرى فعليه التكبير و أما الآخر فإنه روي إذا رفع رأسه من السجدة الثانية فكبر ثم جلس ثم قام فليس عليه في القيام بعد القعود تكبير و كذلك التشهد الأول يجري هذا المجرى و بأيهما أخذت من جهة التسليم كان ثوابا
غيبة الشيخ، عن جماعة من مشايخه عن محمد بن أحمد بن داود القمي عن محمد بن عبد الله الحميري مثله بيان المشهور بين الأصحاب عدم مشروعية التكبير عند القيام من التشهد الأول و قال المفيد رحمه الله باستحبابه عنده و عدم استحبابه للقنوت و اعترض عليه الشيخ في التهذيب و الشهيد في الذكرى بأنه يكون حينئذ عدد تكبيرات الصلوات أربعا و تسعين مع ورود الرواية بأن عددها خمس و تسعون قال الشهيد مع أنه روي بعدة طرق منها رواية محمد بن مسلم عن الصادق ع في القيام من التشهد يقول بحول الله و قوته أقوم و أقعد و في بعضها بحولك و قوتك أقوم و أقعد و في بعضها و أركع و أسجد و لم يذكر في شيء منها التكبير فالأقرب سقوطه للقيام و ثبوته للقنوت و به كان يفتي المفيد و في آخر عمره رجع عنه قال الشيخ و لست أعرف بقوله هذا حديثا أصلا انتهى. و أقول لعل مستند المفيد هذا الخبر لكن هذا لا يقتضي إسقاط تكبير القنوت إلا لتصحيح العدد المذكور مع أنه لا يصح أيضا فالأولى مع القول به حمل العدد على التكبيرات المتعينة أو المؤكدة و العمل بالمشهور أولى. ثم إن الخبر يدل على التخيير عند تعارض الأخبار
4- الخصال، عن أبيه عن سعد عن اليقطيني عن القاسم بن يحيى عن جده عن أبي بصير و محمد بن مسلم عن أبي عبد الله ع عن آبائه ع قال قال أمير المؤمنين ع اجلسوا في الركعتين حتى تسكن جوارحكم ثم قوموا فإن ذلك من فعلنا
5- السرائر، نقلا من كتاب النوادر لمحمد بن علي بن محبوب عن أحمد عن الحسين عن محمد بن الفضيل عن سعد الجلاب عن أبي عبد الله ع قال كان أمير المؤمنين ع يبرأ من القدرية في كل ركعة و يقول بحول الله و قوته أقوم و أقعد
و منه من الكتاب المذكور عن العباس عن عبد الله بن المغيرة عن عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله ع قال إذا قمت من السجود قلت اللهم بحولك و قوتك أقوم و أقعد و أركع و أسجد
و منه نقلا من كتاب حريز قال قال أبو جعفر ع لا بأس بالإقعاء فيما بين السجدتين و لا ينبغي الإقعاء بين التشهد في الجلوس و إنما التشهد في الجلوس و ليس المقعي بجالس
6- فلاح السائل، قال روى الكليني بإسناده عن أبي بكر الحضرمي قال قال أبو عبد الله ع إذا قمت من الركعة فاعتمد على كفيك و قل بحول الله و قوته أقوم و أقعد فإن عليا ع كان يفعل ذلك
-7 نوادر الراوندي، بإسناده عن موسى بن جعفر عن آبائه ع قال كان علي ع إذا رفع رأسه من السجدتين قال لا إله إلا الله
8- العلل، عن علي بن حاتم عن القاسم بن محمد عن حمدان بن الحسين عن الحسين بن الوليد عن طلحة السلمي أنه سأل أبا عبد الله ع لأي علة توضع اليدان إلى الأرض في السجود قبل الركبتين قال لأن اليدين بهما مفتاح الصلاة
9- دعائم الإسلام، عن جعفر بن محمد ع قال إذا أردت القيام من السجود فلا تعجن بيدك يعني تعتمد عليهما و هي مقبوضة و لكن ابسطهما بسطا و اعتمد عليهما و انهض قائما
و عن علي ع أنه كان يقول إذا نهض من السجود للقيام اللهم بحولك و قوتك أقوم و أقعد
10- كتاب زيد النرسي، عن أبي الحسن موسى ع أنه كان إذا رفع رأسه في صلاته من السجدة الأخيرة جلس جلسة ثم نهض للقيام و بادر بركبتيه من الأرض قبل يديه و إذا سجد بادر بهما الأرض قبل ركبتيه
و منه قال سمعت أبا الحسن ع يقول إذا رفعت رأسك من آخر سجدتك في الصلاة قبل أن تقوم فاجلس جلسة ثم بادر بركبتيك إلى الأرض قبل يديك و ابسط يديك بسطا و اتك عليهما ثم قم فإن ذلك وقار المؤمن الخاشع لربه و لا تطيش من سجودك مبادرا إلى القيام كما يطيش هؤلاء الأقشاب في صلاتهم
بيان قال في النهاية فيه اغفر للأقشاب هي جمع قشب يقال رجل قشب خشب بالكسر إذا كان لا خير فيه
فوائد جليلة
اعلم أنه يستفاد من تلك الأخبار أحكام الأول الابتداء في الجلوس بوضع اليدين قبل الركبتين و قد مر أن استحبابه إجماعي عند الأصحاب. الثاني استحباب الابتداء برفع الركبتين قبل اليدين عند القيام و هو أيضا إجماعي عندهم. الثالث كراهة العجن باليدين عند القيام قال في الذكرى إذا قام و اعتمد على يديه بسطهما و لا يعجن بهما ذكره الجعفي و رواه الشيخ و الكليني عن الحلبي عن الصادق ع. الرابع لا خلاف بين الأصحاب في رجحان الجلوس بعد الرفع من السجدة الثانية في الركعة الأولى و الثالثة و يسمى بجلسة الاستراحة و المشهور استحبابه و أوجبه المرتضى ره و هو أحوط و إن كان الأول أقوى و قال ابن الجنيد إذا رفع رأسه من السجدة الثانية في الركعة الأولى و الثالثة و جلس حتى يماس ألياه الأرض أو اليسرى وحدها يسيرا ثم يقوم جاز ذلك و قال علي بن بابويه لا بأس أن لا يقعد في النافلة كذا ذكر في الذكرى. الخامس استحباب الدعاء عند القيام قال في الذكرى في سياق مستحبات السجود و منها الدعاء في جلسة الاستراحة بقوله بحول الله و قوته أقوم و أقعد و أركع و أسجد قاله في المعتبر و الذي ذكره علي بن بابويه و ولده و الجعفي و ابن الجنيد و المفيد و سلار و أبو الصلاح و ابن حمزة و هو ظاهر الشيخ ره أن هذا القول يقوله عند الأخذ في القيام
و هو الأصح لرواية عبد الله بن سنان عن الصادق ع إذا قمت من السجود قلت اللهم ربي بحولك و قوتك أقوم و أقعد و إن شئت قلت و أركع و أسجد
و في رواية محمد بن مسلم عنه ع إذا قام الرجل من السجود قال بحول الله أقوم و أقعد
و عنه ع إذا تشهدت ثم قمت فقل بحول الله أقوم و أقعد
و عن رفاعة عنه ع كان علي ع إذا نهض من الأوليين قال بحولك و قوتك أقوم و أقعد
انتهى و الظاهر التخيير بين تلك الأذكار و الأفضل الإتيان بها عند الأخذ في القيام. السادس كراهة الإقعاء و اختلف كلام الأصحاب و كلام أهل اللغة في حكمه و تفسيره أما حكمه فذهب الأكثر إلى كراهته و ادعى الشيخ في الخلاف الإجماع عليه و نقله المحقق في المعتبر عن معاوية بن عمار و محمد بن مسلم من القدماء و ذهب الشيخ في المبسوط و المرتضى إلى عدم كراهته و قال الصدوق لا بأس بالإقعاء بين السجدتين و لا بأس به بين الأولى و الثانية و بين الثالثة و الرابعة و لا يجوز الإقعاء في التشهدين و تبعه ابن إدريس إلا في التشهد و تركه أفضل و في التشهد آكد. ثم اعلم أن أكثر الروايات المشتملة على النهي عن الإقعاء مخصوصة بالجلوس بين السجدتين و كذا عبارات كثير من الأصحاب و صرح الشهيد ره بتعميم الحكم بالنسبة إلى جلسة الاستراحة أيضا و ظاهر كلامه كون ذلك مذهب الأكثر و نسب العلامة في النهاية كراهة الإقعاء إلى الأكثر حالة الجلوس مطلقا و صرح الشهيد الثاني قدس سره بعموم الحكم لجميع حالات الجلوس و لعله أقوى. و أما تفسيره فقد قال الجوهري أقعى الكلب إذا جلس على استه مفترشا رجليه و ناصبا يديه و قد جاء النهي عن الإقعاء في الصلاة و هو أن يضع أليتيه على عقبيه بين السجدتين و هذا تفسير الفقهاء و أما أهل اللغة فالإقعاء عندهم أن يلصق الرجل أليتيه بالأرض و ينصب ساقيه و يتساند إلى ظهره. و قال الجزري في النهاية فيه أنه نهى عن الإقعاء في الصلاة الإقعاء أن يلصق الرجل أليتيه بالأرض و ينصب ساقيه و فخذيه و يضع يديه على الأرض كما يقعي الكلب و قيل هو أن يضع أليتيه على عقبيه بين السجدتين و القول الأول و منه الحديث أنه ع أكل مقعيا أراد أنه كان يجلس عند الأكل على وركيه مستوفزا غير متمكن. و قال الفيروزآبادي أقعى في جلوسه تساند إلى ما وراءه و الكلب جلس على استه. و قال المطرزي في المغرب الإقعاء أن يلصق أليتيه بالأرض و ينصب ساقيه و يضع يديه على الأرض كما يقعي الكلب و تفسير الفقهاء أن يضع أليتيه على عقبيه بين السجدتين و هو عقب الشيطان. و قال المحقق نور الله ضريحه في المعتبر يستحب الجلوس بين السجدتين متوركا و قال في المبسوط الأفضل أن يجلس متوركا و لو جلس مقعيا بين السجدتين و بعد الثانية جاز و قال الشافعي و أبو حنيفة و أحمد يجلس مفترشا لرواية أبي حميد الساعدي و كيفية التورك أن يجلس على وركه اليسرى و يخرج رجليه جميعا و يفضي بمقعدته إلى الأرض و يجعل رجله اليسرى على الأرض و ظاهر قدمه اليمنى على باطن قدمه اليسرى و كيفية الافتراش أن يجلس على رجله اليسرى و يخرج رجله اليمنى من تحته و ينصبها و يجعل بطون أصابعها على الأرض معتمدا عليها إلى القبلة. و قال علم الهدى يجلس مماسا بوركه الأيسر مع ظاهر فخذه اليسرى الأرض رافعا فخذه اليمنى على عرقوبه الأيسر و ينصب طرف إبهام رجله اليمنى على الأرض و يستقبل بركبتيه معا القبلة و ما ذكره الشيخ أولى ثم قال ره يكره الإقعاء بين السجدتين قاله في الجمل و به قال معاوية بن عمار منا و محمد بن مسلم و الشافعي و أبو حنيفة و أحمد و قال الشيخ بالجواز و إن كان التورك أفضل و به قال علم الهدى
لنا ما رووه عن علي ع قال قال رسول الله ص و لا تقع بين السجدتين
و عن أنس قال رسول الله ص إذا رفعت رأسك من السجود فلا تقع كما يقعي الكلب
و من طريق الأصحاب ما رواه أبو بصير عن أبي عبد الله ع قال لا تقع بين السجدتين
و الدليل على أن النهي ليس للتحريم ما رواه
عبيد الله الحلبي عن أبي عبد الله ع قال لا بأس بالإقعاء في الصلاة بين السجدتين
و الإقعاء أن يعتمد بصدور قدميه على الأرض و يجلس على عقبيه و قال بعض أهل اللغة هو أن يجلس على أليتيه ناصبا فخذيه مثل إقعاء الكلب و المعتمد الأول لأنه تفسير الفقهاء و بحثهم على تقديره. و قال العلامة ره في المنتهى مثل هذا الكلام من أوله إلى آخره و قال الإقعاء عبارة عن أن يعتمد بصدور قدميه على الأرض و يجلس على عقبه و قال بعض أهل اللغة هو أن يجلس الرجل على أليتيه ناصبا فخذيه مثل إقعاء الكلب و الأول أولى لأنه تفسير الفقهاء و بحثهم فيه. و قال الشهيد رفع الله مقامه عند ذكر مستحبات السجود و منها التورك بين السجدتين بأن يجلس على وركه اليسرى و يخرج رجليه جميعا من تحته و يجعل رجله اليسرى على الأرض و ظاهر قدمه اليمنى على باطن اليسرى و يفضي بمقعدته إلى الأرض كما في خبر حماد و روى ابن مسعود التورك عن النبي ص. و لا يستحب عندنا الافتراش و هو أن يثني رجله اليسرى فيبسطها و يجلس عليها و ينصب رجله اليمنى و يخرجها من تحته و يجعل بطون أصابعه على الأرض معتمدا عليها ليكون أطرافها إلى القبلة و يظهر من خبر زرارة عن الباقر ع كراهيته حيث قال و إياك و القعود على قدميك فتتأذى بذلك و لا تكون قاعدا على الأرض إنما قعد بعضك على بعض و قال ابن الجنيد في الجلوس بين السجدتين يضع أليتيه على بطن قدميه و لا يقعد على مقدم رجليه و أصابعهما و لا يقعي إقعاء الكلب. ثم قال ره بعد ذكر جلسة الاستراحة و يكره الإقعاء فيها و في الجلوس بين السجدتين على الأشهر. ثم قال بعد نقل كلام المحقق و غيره و صورة الإقعاء أن يعتمد بصدر قدميه على الأرض و يجلس على عقبيه قاله في المعتبر و نقل عن بعض أهل اللغة أنه الجلوس على أليتيه ناصبا فخذيه إقعاء الكلب و المعتمد الأول و مثله قال الشهيد الثاني ره في شرح النفلية و شرح الإرشاد و غيرهما و السيد في المدارك و لا نطيل الكلام بذكر كلام غيرهم من أصحابنا فإنهم لم يذكروا إلا مثل ما نقلنا.
و قال البغوي من علماء العامة في شرح السنة بعد ما روى بإسناده عن الحارث عن علي ع قال لي رسول الله ص يا علي أحب لك ما أحب لنفسي و أكره لك ما أكره لنفسي لا تقرأ و أنت راكع و لا أنت ساجد و لا تصل و أنت عاقص شعرك فإنه كفل الشيطان و لا تقع بين السجدتين
على كراهية الإقعاء بين السجدتين أكثر أهل العلم و قد صح عن عائشة قالت كان رسول الله ص ينهى عن عقبة الشيطان و الإقعاء قال أبو عبيد هو جلوس الإنسان على أليتيه ناصبا فخذيه واضعا يديه على الأرض من إقعاء الكلب و السبع و ليس هذا معنى الحديث من الإقعاء و تفسير أصحاب الحديث في عقبة الشيطان و في الإقعاء واحد و هو أن يضع أليتيه على عقبيه مستوفزا غير مطمئن إلى الأرض. و ذهب بعض أهل العلم إلى الإقعاء بين السجدتين قال طاوس قلت لابن عباس في الإقعاء على القدمين قال هي السنة قال طاوس رأيت العبادلة يفعلون ذلك عبد الله بن عمر و ابن عباس و ابن الزبير قال أبو سليمان الخطابي و قد روي عن ابن عمر أنه قال لبنيه لا تقتدوا بي في الإقعاء فإني إنما فعلت هذا حين كبرت و روي عن ابن عمر أنه كان يضع يديه بالأرض بين السجدتين فلا يفارقان الأرض حتى يعيد السجود و هكذا يفعل من أقعى و كان يفعل ذلك حين كبرت سنه قال الخطابي و يشبه أن يكون حديث الإقعاء منسوخا و الأحاديث الثابتة في صفة صلاة رسول الله ص عن أبي حميد و وائل بن حجر أنه قعد بين السجدتين مفترشا قدمه اليسرى و قد رويت الكراهة في الإقعاء عن جماعة من الصحابة و كرهه النخعي و مالك و الشافعي و أحمد و إسحاق و أصحاب الرأي و عامة أهل العلم انتهى. و قال الرافعي في شرح الوجيز في الجلوس بين السجدتين و المشهور أنه يجلس مفترشا و كذلك رواه أبو حميد الساعدي و في قول يضجع قدميه و يجلس على صدورهما و عن مالك أن المصلي يتورك في جميع جلسات الصلاة و قال في وصف التشهد و يجزي القعود على أي هيئة اتفق لكن السنة في القعود حال الصلاة الافتراش و في القعود في آخرها التورك كذلك روي عن أبي حميد في صلاة رسول الله ص و قال أبو حنيفة السنة فيهما الافتراش و قال مالك السنة فيهما التورك و قال أحمد إن كانت الصلاة ذات تشهدين تورك في الأخير و إن كانت ذات تشهد واحد افترش فيه. و الافتراش أن يضجع رجله اليسرى بحيث يلي ظهرها الأرض و يجلس عليها و ينصب اليمنى و يضع أطراف أصابعها على الأرض موجهة إلى القبلة و التورك أن يخرج رجليه و هما على هيئتهما في الافتراش من جهة يمينه و يمكن وركه من الأرض و خص الافتراش بالتشهد الأول لأن المصلي مستوفز للحركة يبادر إلى القيام عند تمامه و هو من الافتراش أهون و التورك هيئة السكون و الاستقرار فخص بآخر الصلاة انتهى. و قال بعض شراح صحيح مسلم في خبر رواه عن عائشة أن النبي ص كان إذا رفع رأسه من السجدة لم يسجد حتى يستوي جالسا و كان يفرش رجله اليسرى و ينصب رجله اليمنى و كان ينهى عن عقبة الشيطان قال قولها و كان يفرش رجله اليسرى معناه يجلس مفترشا و فيه حجة لأبي حنيفة و من وافقه أن الجلوس في الصلاة يكون مفترشا سواء فيه جميع الجلسات و عند مالك متوركا بأن يخرج رجله اليسرى من تحته و يفضي بوركه إلى الأرض و قال الشافعي السنة أن يجلس كل الجلسات مفترشا إلا الجلسة التي يعقبها السلام و الجلسات عند الشافعي أربع الجلوس بين السجدتين و جلسة الاستراحة عقب كل ركعة يعقبها قيام و الجلسة للتشهد الأول و الجلسة للتشهد الأخير فالجميع يسن مفترشا إلا الأخيرة.
قولها عقبة الشيطان بضم العين و في رواية أخرى عقب الشيطان بفتح العين و كسر القاف و فسره أبو عبيد و غيره بالإقعاء المنهي عنه و هو أن يلصق ألييه بالأرض و ينصب ساقيه و يضع يديه على الأرض كما يفترش الكلب و غيره من السباع و هو مكروه باتفاق العلماء بهذا التفسير و أما الإقعاء الذي ذكره مسلم بعد هذا في حديث ابن عباس أنه سنة فهو غير هذا كما سنفسره. ثم قال في باب الإقعاء بعد نقل حديث ابن عباس أنه سنة اعلم أن الإقعاء ورد فيه حديثان ففي هذا الحديث أنه سنة و في حديث آخر النهي عنه رواه الترمذي و غيره من رواية علي ع و ابن ماجة من رواية أنس و أحمد بن حنبل من رواية سمرة و أبي هريرة و البيهقي من رواية سمرة و أنس و أسانيدها كلها ضعيفة. و قد اختلف العلماء في حكم الإقعاء و في تفسيره اختلافا كثيرا لهذه الأحاديث و الصواب الذي لا معدل عنه أن الإقعاء نوعان أحدهما أن يلصق ألييه بالأرض و ينصب ساقيه و يضع يديه على الأرض كإقعاء الكلب هكذا فسره أبو عبيدة معمر بن المثنى و صاحبه أبو عبيد القاسم بن سلام و آخرون من أهل اللغة و هذا النوع هو المكروه الذي ورد فيه النهي و النوع الثاني أن يجعل ألييه على عقبيه بين السجدتين و هذا هو مراد ابن عباس أنه سنة و قد نص الشافعي على استحبابه في الجلوس بين السجدتين و حمل حديث ابن عباس عليه جماعات من المحققين منهم البيهقي و القاضي عياض و آخرون. قال القاضي و قد روي عن جماعة من الصحابة و السلف أنهم كانوا يفعلونه قال و كذا جاء مفسرا عن ابن عباس من السنة أن تمس عقبيك ألييك فهذا هو الصواب في تفسير حديث ابن عباس و قد ذكرنا أن الشافعي نص على استحبابه في الجلوس بين السجدتين و له نص آخر و هو الأشهر أن السنة فيه الافتراش و حاصله أنهما سنتان و أيهما أفضل فيه قولان انتهى أقول بعد ما أحطت خبرا بما ذكرنا لا يخفى عليك أن الإقعاء يطلق على معان الأول الجلوس على الأليين و نصب الساقين و هو الأشهر بين اللغويين الثاني الجلوس على العقبين مطلقا كما هو الظاهر من كلام أكثر العامة الثالث ما اتفق عليه كلام أصحابنا من وضع صدور القدمين على الأرض و وضع الأليين على القدمين و لعل مراد أكثر العامة أيضا هذا المعنى لأن الجلوس على العقبين حقيقة لا يتحقق إلا بهذا الوجه فإنه إذا جعل ظهر قدمه على الأرض يقع الجلوس على بطن القدمين لا على العقبين. و يؤيده قول الجزري عند تفسير إقعائه ص عند الأكل أنه كان يجلس عند الأكل على وركيه مستوفزا غير متمكن فإن المستعجل هكذا يجلس و أما الجالس على بطون القدمين فهو متمكن مستقر و قال الجوهري استوفز في قعدته إذا قعد قعودا منتصبا غير مطمئن و مثله ما ذكره البغوي في تفسير الإقعاء. و أيضا اعتذار ابن عمر بالضعف و الكبر يدل على ذلك فإن الضعف يقتضي عدم تغيير القدمين عما كانتا عليه في حالة السجود و لا يتمكن من الجلوس ثم يعود إلى السجود و لذا قال الخطابي معناه أنه كان يضع يديه بالأرض بين السجدتين فلا تفارقان الأرض حتى يعيد السجود و هكذا يفعل من أقعى و ما هو المشاهد من العوام من الفريقين حين يجلسون هكذا بين السجدتين لسهولته عليهم شاهد بذلك. و أما التشبيه بإقعاء الكلب فلا يلزم أن يكون كاملا من كل جهة بل يكفي أنه يشبهه في الانحناء عند الجلوس و الاعتماد على الرجلين و اليدين لا سيما إذا لم يرفع يديه من الأرض و أما الجلوس على القدمين بدون ذلك فهو أبعد من مشابهة إقعاء الكلب كما لا يخفى. فإذا تمهد هذا فاعلم أن المعنى الأول خلاف ما هو المستحب من التورك و أما إثبات كراهته فهو مشكل لأنه لا يدل على كراهته ظاهرا إلا أخبار الإقعاء و هي ظاهرة في معنى آخر مشتهر بين الأصحاب
و يؤيده ما ورد في حديث زرارة عن أبي جعفر ع و لا تقع على قدميك
إذ الظاهر من الإقعاء على القدمين أن يكون الجلوس عليهما و إن لم تكن ظاهرة في معنى آخر فمجرد الاحتمال لا يكفي للاستدلال. فإن قلت الاشتهار بين اللغويين يؤيده قلنا الشهرة بين علماء الفريقين في خلافه يعارضه و الأولى ترك هذا الجلوس لاشتهار هذا المعنى بين اللغويين و احتمله بعض علمائنا كما عرفت مع أنه خلاف ما هو السنة في هذا الجلوس و الفرق بين ترك السنة و ارتكاب المكروه ضعيف بل قيل باستلزامه له. و أما المعنى الثالث فقد عرفت أن المشهور بين علمائنا بل علماء المخالفين أيضا كراهته و كفى بذلك مرجحا و قد ورد في اللغة بهذا المعنى و قد عرفت ما يؤيده و تجويز ابن عمر و أضرابه ذلك و عملهم به يؤيد أن النهي إنما ورد في ذلك للرد عليهم و أما ما ورد في صحيحة الحلبي من عدم البأس فلا ينافي الكراهة بل قيل إنه يؤيدها. و أما الجلوس على القدمين من غير أن يكون صدر القدمين على الأرض الذي نسميها المعنى الثاني فهو خلاف المستحب أيضا و لم أر من أصحابنا من قال بكراهته بل يظهر من كلام ابن الجنيد أنه قال باستحبابه كما مر و قد اتفقت كلمة أصحابنا في تفسير الإقعاء المكروه بما عرفت فإثبات كراهته مما يوهمه إطلاق كلام بعض اللغويين و المخالفين مشكل. فإن قيل ما مر من قول أبي جعفر ع في صحيحة زرارة و لا تقع على قدميك و قوله ع في صحيحته الأخرى إياك و القعود على قدميك فتتأذى بذلك و لا تكون قاعدا على الأرض فيكون إنما قعد بعضك على بعض فلا تصبر للتشهد و الدعاء يدلان على شمول النهي لهذا الفرد أيضا. قلنا أما الخبر الأول فقد ورد النهي فيه عن الإقعاء على القدمين لا مطلق القعود عليهما فيتوقف الاستدلال به على أن الإقعاء موضوع لخصوص هذا الفرد أو لما يشمله و قد عرفت ما فيه نعم بظاهره ينفي المعنى الأول من الإقعاء كما أومأنا إليه و أما الخبر الثاني فهو وارد في الجلوس للتشهد لا بين السجدتين و لو ارتكبنا التكلف في ذلك بأن العلة التي ذكرها في التشهد تحصل في غيره فيتعدى الحكم إليه كما قيل فمع أنه يمكن المناقشة فيه بمنع جريان العلة إذ الدعاء و الذكر في التشهد أكثر منهما بين السجدتين لا نسلم أنه يدل على هذا المعنى إذ يحتمل أن يكون المراد به النهي عن أن يجعل باطن قدميه على الأرض غير موصل أليتيه إليها رافعا فخذيه و ركبتيه إلى قريب ذقنه كما يتجافى المسبوق. بل الخبر الأول أيضا يحتمل ذلك فيظهر معنى آخر للإقعاء و الفرق بينه و بين المعنى الأول من المعاني الثلاثة بإلصاق الأليتين بالأرض و عدمه و ربما احتمل كلام ابن الجنيد أيضا ذلك حيث قال و لا يقعد على مقدم رجليه و أصابعهما هذا المعنى أيضا و التعليل الوارد في الخبر أيضا شديد الانطباق على هذا الوجه و لو سلم عدم إرادة هذا المعنى فالتعليل الوارد في الخبر بالإقعاء بالمعنى المشهور بين الأصحاب ألصق. و بالجملة الأظهر حمل الإقعاء المنهي عنه على ما هو المشهور بين الأصحاب و لكن الأحوط و الأولى ترك الجلوس على الوجوه الأربعة التي ذكرنا أنها من محتملات الأخبار بل يحتمل أن يكون المراد النهي عن جميعها إن جوزنا استعمال اللفظ في المعنيين الحقيقيين أو المعنى الحقيقي و المجازي معا و الله تعالى يعلم و حججه صلوات الله عليهم حقائق أحكامه تعالى