الآيات البقرة وَ لِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَ الْمَغْرِبُ فَأَيْنَما تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ واسِعٌ عَلِيمٌ و قال سبحانه سَيَقُولُ السُّفَهاءُ مِنَ النَّاسِ ما وَلَّاهُمْ عَنْ قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كانُوا عَلَيْها قُلْ لِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَ الْمَغْرِبُ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ وَ كَذلِكَ جَعَلْناكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِتَكُونُوا شُهَداءَ عَلَى النَّاسِ وَ يَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً وَ ما جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنْتَ عَلَيْها إِلَّا لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّنْ يَنْقَلِبُ عَلى عَقِبَيْهِ وَ إِنْ كانَتْ لَكَبِيرَةً إِلَّا عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ وَ ما كانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمانَكُمْ إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَؤُفٌ رَحِيمٌ قَدْ نَرى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّماءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضاها فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ وَ حَيْثُ ما كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ وَ إِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ لَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ وَ مَا اللَّهُ بِغافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ وَ لَئِنْ أَتَيْتَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ بِكُلِّ آيَةٍ ما تَبِعُوا قِبْلَتَكَ وَ ما أَنْتَ بِتابِعٍ قِبْلَتَهُمْ وَ ما بَعْضُهُمْ بِتابِعٍ قِبْلَةَ بَعْضٍ وَ لَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْواءَهُمْ مِنْ بَعْدِ ما جاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ إِنَّكَ إِذاً لَمِنَ الظَّالِمِينَ و قال تعالى وَ لِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيها فَاسْتَبِقُوا الْخَيْراتِ أَيْنَ ما تَكُونُوا يَأْتِ بِكُمُ اللَّهُ جَمِيعاً إِنَّ اللَّهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَ مِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ وَ إِنَّهُ لَلْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ وَ مَا اللَّهُ بِغافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ وَ مِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ وَ حَيْثُ ما كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ فَلا تَخْشَوْهُمْ وَ اخْشَوْنِي وَ لِأُتِمَّ نِعْمَتِي عَلَيْكُمْ وَ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ و قال سبحانه لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَ الْمَغْرِبِ وَ لكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَ الْيَوْمِ الْآخِرِ الآية الأعراف وَ أَقِيمُوا وُجُوهَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ يونس وَ أَنْ أَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً الروم فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً تفسير وَ لِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَ الْمَغْرِبُ أي مجموع ما في جهة الشرق و الغرب من البلاد لله تعالى هو مالكها ففي أي مكان فعلتم التولية لوجوهكم شطر القبلة بدليل قوله فَوَلِّ وَجْهَكَ وَ حَيْثُ ما كُنْتُمْ فَوَلُّوا فثم جهة الله التي أمر بها و رضيها و المعنى إذا منعتم أن تصلوا في المسجد الحرام أو في بيت المقدس فقد جعلنا لكم الأرض مسجدا فصلوا في أي بقعة شئتم من بقاعها و افعلوا التولية فيها فإن التولية لا تختص بمسجد و لا بمكان كذا ذكره جماعة من المفسرين من الخاصة و العامة نظرا إلى ما قبله من قوله وَ مَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ مَنَعَ مَساجِدَ اللَّهِ و قيل فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ أي ذاته أي فثم الله يرى و يعلم و قيل فثم رضا الله أي الوجه الذي يؤدي إلى رضوانه و في المجمع قيل معناه بأي مكان تولوا فثم الله يعلم و يرى فادعوه كيف توجهتم قال و قيل نزلت في التطوع على الراحلة حيث توجهت حال السفر و هو المروي عن أئمتنا ع و في الجوامع لم يقيد بحال السفر قال و هو مروي عنهم ع و نحوه في التذكرة عن أبي عبد الله ع و في المعتبر قد استفاض النقل أنها في النافلة.
و في المجمع روي عن جابر أنه قال بعث النبي سرية كنت فيها و أصابتنا ظلمة فلم نعرف القبلة فقال طائفة منا قد عرفنا القبلة هي هاهنا قبل الشمال فصلوا و خطوا خطوطا و قال بعضنا القبلة هاهنا قبل الجنوب فخطوا خطوطا فلما أصبحوا و طلعت الشمس أصبحت تلك الخطوط لغير القبلة فلما رجعنا من سفرنا سألنا النبي ص عن ذلك فسكت فأنزل الله هذه الآية.
و ذكر في الجوامع قريبا منه عن عامر بن ربيعة عن أبيه و سيأتي ما يدل على أنها نزلت في الخطإ في القبلة و في قبلة المتحير و قال الصدوق في الفقيه و نزلت هذه الآية في قبلة المتحير ذكر ذلك بعد نقل صحيحة معاوية فيحتمل أن يكون من الخبر و من كلامه و لو كان من كلامه أيضا فالظاهر أنه لا يقول إلا عن رواية و روى الشيخ في التهذيب عن محمد بن الحصين قال كتبت إلى عبد صالح الرجل يصلي في يوم غيم في فلاة من الأرض و لا يعرف القبلة فيصلي حتى إذا فرغ من صلاته بدت له الشمس فإذا هو قد صلى لغير القبلة أ يعتد بصلاته أم يعيدها فكتب يعيدها ما لم يفته الوقت أ و لم تعلم أن الله يقول و قوله الحق فَأَيْنَما تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ. و قال الشيخ في النهاية بعد نقل الآية
و روي عن الصادق ع أنه قال هذا في النوافل خاصة في حال السفر
انتهى. و قد تحمل على النافلة و الفريضة في الجملة جمعا بين الروايات و مراعاة لعموم اللفظ ما أمكن قال في كنز العرفان اعلم أنه مهما أمكن تكثير الفائدة مع بقاء اللفظ على عمومه كان أولى فعلى هذا يمكن أن يحتج بالآية على أحكام الأول صحة صلاة الظان و الناسي فيتبين خطاؤه و هو في الصلاة غير مستدبر و لا مشرق و لا مغرب. الثاني صحة صلاة الظان و الناسي فيتبين خطاؤه بعد فراغه و كان التوجه بين المشرق و المغرب. الثالث الصورة بحالها و كان صلاته إلى المشرق و المغرب و تبين بعد خروج الوقت. الرابع المتحير الفاقد للأمارات يصلي إلى أربع جهات تصح صلاته. الخامس صحة صلاة شدة الخوف حيث توجه المصلي. السادس صحة صلاة الماشي ضرورة عند ضيق الوقت متوجها إلى غير القبلة. السابع صحة صلاة مريض لا يمكنه التوجه بنفسه و لم يوجد غيره عنده يوجهه. و أما الاحتجاج بها على صحة النافلة حضرا ففيه نظر لمخالفة فعل النبي ص فإنه لم ينقل عنه فعل ذلك و لا أمره و لا تقريره فيكون إدخالا في الشرع ما ليس فيه نعم يحتج بها على موضع الإجماع و هو حال السفر و الحرب و يكون ذلك مخصصا لعموم حَيْثُ ما كُنْتُمْ بما عدا ذلك و هو المطلوب انتهى. و أقول الآية بعمومها و إطلاقها تدل على جواز الصلاة على غير القبلة مطلقا و صحة ما وقع منها لغيرها مطلقا و نسخها غير معلوم فما خرج منها بدليل من إجماع أو غيره فهو خارج به و غير ذلك داخل فيها و أما آية القبلة الآتية فهي معارضة لهذه الآية في أكثر الأحكام و هذه مؤيدة بأصل البراءة فما لم ينضم إليه شيء آخر من إجماع أو نص فالعمل بهذه الآية فيه أقوى. ففي المسائل الخلافية التي لم يرد فيها نص أو ورد من الجانبين و لم يكن جانب البطان أقوى يمكن الاستدلال بتلك الآية فيها ففي الرابع تدل على جواز الصلاة إلى أي جهة شاء و لا يجب القضاء مع تبين الخطإ و إن كان مستدبرا و قيد ضيق الوقت في السادس غير محتاج إليه و أما صحة النافلة حضرا إذا كان ماشيا أو راكبا فهي داخلة في الآية و مؤيدة بالنصوص و التقييد بموضع الإجماع يقلل جدوى الآية بل ينفيها مع أنه ره قد استدل بها على موضع الخلاف أيضا هذا بالنظر إلى الآية مع قطع النظر عن الأخبار و ستطلع على ما تدل عليه الأخبار من اختصاص هذه الآية بالنافلة و آيات التولية بالفريضة و نزول هذه الآية في قبلة المتحير أو الخاطي في الاجتهاد. و في الكشاف و قيل معناه فأينما تولوا للدعاء و الذكر و لم يرد الصلاة و في المعالم قال مجاهد و الحسن لما نزلت وَ قالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ قالوا
أين ندعوه فأنزل الله الآية و قال أبو العالية لما صرفت القبلة قالت اليهود ليس لهم قبلة معلومة فتارة يصلون هكذا و تارة هكذا فنزلت. و قال البيضاوي و قيل هذه الآية توطئة لنسخ القبلة و تنزيه للمعبود أن يكون في حيز و جهة و على هذه الأقوال ليست بمنسوخة و قيل كان للمسلمين التوجه في صلاتهم حيث شاءوا ثم نسخت بقوله فَوَلِّ و هذا غير ثابت بل الأخبار تدل على خلافه ثم إنها على بعض التفاسير تدل على إباحة الصلاة في أي مكان كان. إِنَّ اللَّهَ واسِعٌ علما و قدرة و رحمة و توسعة على عباده عَلِيمٌ بمصالح الكل و ما يصدر عن الكل في كل مكان و جهة. سَيَقُولُ السُّفَهاءُ الخفاف الأحلام مِنَ النَّاسِ قيل هم اليهود لكراهتهم التوجه إلى الكعبة و أنهم لا يرون النسخ و قيل المنافقون لحرصهم على الطعن و الاستهزاء و قيل المشركون قالوا رغب عن قبلة آبائه ثم رجع إليها و ليرجعن إلى دينهم و قيل يريد المنكرين لتغيير القبلة من هؤلاء جميعا ما وَلَّاهُمْ حرفهم عَنْ قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كانُوا عَلَيْها يعني بيت المقدس و القبلة كالجلسة في الأصل الحال التي عليها الإنسان من الاستقبال ثم صارت لما يستقبله في الصلاة و نحوها. و فائدة الإخبار به قبل وقوعه أن مفاجأة المكروه أشد و العلم به قبل وقوعه أبعد من الاضطراب إذا وقع لما يتقدمه من توطين النفس و أن يستعد للجواب فإن الجواب العتيد قبل الحاجة إليه أقطع للخصم بل ربما كان علم الخصم بمعرفة ذلك منهم و استعدادهم للجواب رافعا لاهتمامه على أنه سبحانه ضمن هذا الإخبار من حقارة الخصوم و سخافة عقولهم و كلامهم ما فيه تسلية عظيمة و علم الجواب المناسب و قارنه بألطاف عظيمة و في كل ذلك تأييد و تعظيم له و للمسلمين و حفظ لهم عن الاضطراب و ملاقاة المكروه. قُلْ لِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَ الْمَغْرِبُ له الأرض و البلاد و العباد فيفعل فيها ما يشاء و يَحْكُمُ ما يُرِيدُ على مقتضى الحكم و وفق المصلحة و على العباد الانقياد و الاتباع فبعد أمر الله بذلك لا يتوجه الإنكار و طلب العلة و المصلحة فلا يبعد أن يكون المقول في الجواب هذا المقدار لا غير كما هو المناسب لترك تطويل الكلام مع السفهاء و عدم الاشتغال ببيان خصوص مصلحة فما بعد هذا الخطاب للنبي ص تسلية له عن عدم إيمانهم و امتنانا عليه و على المؤمنين بهدايتهم لدين الإسلام أو لما هو مقتضى الحكمة و المصلحة و يجوز دخوله في الجواب توبيخا لهم و تبكيتا على عدم هدايتهم لذلك مع ما تقدم كذا قيل. و يحتمل أن يكون المراد أن المشرق و المغرب و ما فيهما مخلوقه تعالى و معلوله و لا اختصاص له بشيء منها حتى يتعين التوجه إليه فكلما علم المصلحة من التوجه إلى جهة لقوم يأمرهم بذلك يَهْدِي مَنْ يَشاءُ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ و هو ما تقتضيه الحكمة و المصلحة من توجيههم تارة إلى بيت المقدس و الأخرى إلى الكعبة. وَ كَذلِكَ جَعَلْناكُمْ أُمَّةً وَسَطاً أي عدلا أو أشرف الأمم فلذا هديناكم إلى أشرف قبلة و أفضلها لِتَكُونُوا شُهَداءَ عَلَى النَّاسِ يوم القيامة و قد مر تفسير الآية في كتاب الإمامة و أن الخطاب إلى الأئمة و أن في قراءتهم ع أئمة وسطا. وَ ما جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنْتَ عَلَيْها قيل الموصول ليس صفة للقبلة بل ثاني مفعولي جعل أي و ما جعلنا القبلة بيت المقدس إلا لامتحان الناس كأنه أراد أن أصل أمرك أن تستقبل الكعبة و استقبالك بيت المقدس كان عارضا لغرض. و قيل يريد و ما جعلنا القبلة الآن التي كنت عليها بمكة أي الكعبة و ما رددناك إليها إلا امتحانا لأن رسول الله ص كان يصلي بمكة إلى الكعبة ثم أمر بالصلاة إلى صخرة بيت المقدس بعد الهجرة تأليفا لليهود ثم حول إلى الكعبة و قيل بل كانت قبلته بمكة بيت المقدس إلا أنه كان يجعل الكعبة بينه و بينه كما روي عن ابن عباس و سيأتي من تفسير الإمام ع فيمكن أن يراد ذلك أيضا باعتبار جعله الكعبة بينه و بين بيت المقدس فكأنها كانت قبلة له في الجملة. و قيل القبلة التي كنت مقبلا و حريصا عليها و مديما على حبها أن تجعل قبلة
و ربما يضمن الجعل معنى التحويل أو يحذف المفعول الثاني أي منسوخة أو يحذف مضاف أي تحويل القبلة و لا يخفى ضعف الجميع و يحتمل أن يكون المعنى و ما شرعنا و قررنا القبلة التي كنت عليها قبل ذلك أو يكون المفعول الثاني محذوفا أي مقررة أو مفروضة و الموصول على الوجهين صفة للقبلة. إِلَّا لِنَعْلَمَ إلا امتحانا للناس لنعلم من يثبت على الدين مميزا ممن يرتد و ينكص على عقبيه فعلى الوجه الأول و بعض الوجوه الأخيرة يمكن أن يراد لنعلم ذلك عند كونها قبلة أو الآن عند الصرف إلى الكعبة ذلك أو الأعم و لعله أولى. و قيل في تأويل ما توهمه الآية من توقف علمه سبحانه على وجود المعلوم وجوه الأول أن المراد به و بأمثاله العلم الذي يتعلق به الجزاء أي العلم به موجودا حاصلا. و الثاني أن المراد به التمييز فوضع العلم موضع التميز لأن العلم يقع به التميز و هو الذي يقتضيه قوله مِمَّنْ يَنْقَلِبُ كما أومأنا إليه كما قال تعالى لِيَمِيزَ اللَّهُ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ و يشهد له قراءة ليعلم على بناء المجهول. و الثالث أن المراد به علم الرسول و المؤمنين مع علمه فعلمه و إن كان أزليا لكن لا ريب في جواز عدم حصول علم الجميع إلا بعد الجعل كما هو الواقع. الرابع أن المراد علم الرسول ص و المؤمنين و إنما أسند علمهم إلى ذاته لأنهم خواصه و أهل الزلفى لديه. و الخامس أن المقصود بالذات علم غيره من الرسول ص و المؤمنين و الملائكة لكنه ضمهم إلى نفسه و علمهم إلى علمه إشارة إلى أنهم من خواصه و هذا قريب مما تقدمه. و السادس أنه على التمثيل أي فعلنا ذلك فعل من يريد أن يعلم. وَ إِنْ كانَتْ إن هي المخففة التي يلزمها اللام الفارقة بينها و بين النافية و الضمير لما دل عليه قوله وَ ما جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ من الردة و التحويلة و الجعلة و قيل للكعبة لَكَبِيرَةً أي ثقيلة شاقة إِلَّا عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ أي هداهم الله للثبات و البقاء على دينه و الصدق في اتباع الرسول ص. وَ ما كانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ اللام لام الجحود لتأكيد النفي ينتصب الفعل بعدها بتقدير أن و الخطاب للمؤمنين تأييدا لهم و ترغيبا في الثبات إِيمانَكُمْ قيل أي ثباتكم على الإيمان و رسوخكم فيه و قيل إيمانكم بالقبلة المنسوخة أو صلاتكم إليها كما سيأتي في الرواية و عن ابن عباس لما حولت القبلة قال ناس كيف أعمالنا التي كنا نعمل في قبلتنا الأولى و كيف بمن مات من إخواننا قبل ذلك فنزلت إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَؤُفٌ رَحِيمٌ فلا يضيع أجورهم. قَدْ نَرى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّماءِ قيل أي تردد وجهك في جهة السماء تطلعا للوحي روي أن رسول الله ص صلى مدة مقامه بمكة إلى بيت المقدس ثلاث عشرة سنة و بعد مهاجرته إلى المدينة سبعة أشهر على ما رواه علي بن إبراهيم و ذكره جماعة و قال الصدوق رحمه الله تسعة عشر شهرا كما سيأتي و المشهور بين العامة ستة عشر شهرا أو سبعة عشر شهرا فقالت اليهود تعييرا إن محمدا تابع لنا يصلي إلى قبلتنا فاغتم لذلك رسول الله و إنه كان قد استشعر أنه سيحول إلى الكعبة أو كان وعد ذلك كما قيل أو كان يحبه و يترقبه لأنها أقدم القبلتين و قبلة أبيه إبراهيم و أدعى للعرب إلى الإسلام لأنها مفخرهم و مزارهم و مطافهم فاشتد شوقه إلى ذلك مخالفة على اليهود و تمييزا منهم و خرج في جوف الليل ينظر إلى آفاق السماء منتظرا في ذلك من الله أمرا.
و روي أنه ص قال لجبرئيل ع وددت أن يحولني الله إلى الكعبة فقال جبرئيل ع إنما أنا عبد مثلك و أنت كريم على ربك فاسأل فإنك عند الله بمكان فعرج جبرئيل و جعل رسول الله ص يديم النظر إلى السماء رجاء أن ينزل جبرئيل بما يحب من أمر القبلة فلما أصبح و حضر وقت صلاة الظهر و قد صلى منها ركعتين نزل جبرئيل فأخذ بعضديه و حوله إلى الكعبة و أنزل عليه قَدْ نَرى الآية فصلى الركعتين الأخيرتين إلى الكعبة
و قيل قد هنا على أصله من التوقع و التحقيق من غير اعتبار تقليل و لا تكثير و قيل هنا للتكثير و قيل للتقليل لقلة وقوع المرئي من تقلب وجهه ع و الرؤية منه تعالى علمه سبحانه بالمرئي و ليس بآلة كما في حقنا. فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً فلنعطينك و لنمكننك من استقبالها من قولك وليته كذا إذا جعلته واليا له أو فليجعلنك تلي سمتها تَرْضاها تحبها و تميل إليها لأغراضك الصحيحة فلا يستلزم ذلك سخط بيت المقدس و لا سخط التوجه إليه. و الشطر النحو و الجهة و المراد بالمسجد الحرام إما الكعبة كما هو المشهور تسمية للجزء الأشرف باسم الكل أو لأن البيت بنفسه مسجد أيضا و محترم كما يقال البيت الحرام أو الحرم تسمية للكل باسم أشرف الأجزاء إشعارا بالتعظيم أو لمشاركته مع المسجد في وجوب الاحترام كما قيل في قوله سبحانه سُبْحانَ الَّذِي أَسْرى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ و كما روي عن ابن عباس في قوله تعالى فَلا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرامَ أن المراد به الحرم بحمل الآية على البعيد الخارج عن الحرم بناء على كون الحرم قبلة لهم كما سيأتي تحقيقه في شرح الأخبار و أما جعله بمعناه الشرعي بتخصيص الآية بأهل الحرم بناء على كونه قبلة لهم فعلى تقدير تسليم مبناه تقليل فائدة الآية يضعفه بل ينفيه. وَ حَيْثُ ما كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ خص الرسول بالخطاب أولا تعظيما له و إيجابا لرغبته ثم عمم تصريحا بعموم الحكم جميع الأمة و سائر الأمكنة و تأكيدا لأمر القبلة و تحضيضا للأمة على المتابعة و قيل لا ريب في اتحاد المراد بالشطر في الخطابين و أن الظاهر العموم و شمول القريب و البعيد و أنه يصدق على المشاهد للعين المتوجه إليها أنه مول وجهه شطرها فلا يكون معنى الشطر ما يخص البعيد بل يشمل القريب أيضا و عن ابن عباس أنه أول نسخ وقع في القرآن. وَ إِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ قيل هم اليهود أو الأعم منهم و النصارى لَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ تحويل القبلة الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ قيل لعلمهم جملة أن كل شريعة لا بد لها من قبلة و تفصيلا لتضمن كتبهم أنه يصلى إلى القبلتين لكنهم لا يعترفون لشدة عنادهم وَ مَا اللَّهُ بِغافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ بالياء وعيد لأهل الكتاب و بالتاء وعد لهذه الأمة أو وعد و وعيد مطلقا بِكُلِّ آيَةٍ أي بكل برهان و حجة ما تَبِعُوا قِبْلَتَكَ لأن المعاندين لا تنفعهم الدلالة وَ ما أَنْتَ بِتابِعٍ قِبْلَتَهُمْ قطع لأطماعهم وَ ما بَعْضُهُمْ بِتابِعٍ قِبْلَةَ بَعْضٍ لتصلب كل حزب فيما هو فيه وَ لَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْواءَهُمْ مِنْ بَعْدِ ما جاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ على الفرض المحال أو المراد به غيره من أمته من قبيل إياك أعني و اسمعي يا جارة. إِنَّكَ إِذاً لَمِنَ الظَّالِمِينَ أكد تهديده و بالغ فيه تعظيما للحق و تحريصا على اقتفائه و تحذيرا عن متابعة الهوى و استعظاما لصدور الذنب عن الأنبياء. وَ لِكُلٍّ وِجْهَةٌ أي و لكل أمة قبلة و ملة و شرعة و منهاج أو لكل قوم من المسلمين جهة و جانب من الكعبة يتوجهون إليها هُوَ مُوَلِّيها الله موليها إياهم أو هو موليا وجهه فَاسْتَبِقُوا الْخَيْراتِ من أمر القبلة و غيره مما تنال به سعادة الدارين و
في الكافي عن الباقر ع الخيرات الولاية
أَيْنَ ما تَكُونُوا يَأْتِ بِكُمُ اللَّهُ جَمِيعاً قيل أي في أي موضع تكونوا من موافق و مخالف مجتمع الأجزاء أو مفترقها يحشركم الله إلى المحشر للجزاء أو أينما تكونوا من أعماق الأرض و قلل الجبال يقبض أرواحكم أو أينما تكونوا من الجهات المتقابلة يأت بكم الله جميعا و يجعل صلواتكم كأنها إلى جهة واحدة و في بعض أخبارنا أن لو قام قائمنا لجمع الله جميع شيعتنا من جميع البلدان و في بعضها لقد نزلت هذه الآية في أصحاب القائم و أنهم مفتقدون عن فرشهم ليلا فيصبحون بمكة و بعضهم يسير في السحاب نهارا نعرف اسمه و اسم أبيه و حليته و نسبه. إِنَّ اللَّهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ فيقدر على الإماتة و الإحياء و الجمع. وَ مِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ للسفر في البلاد فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ إذ صليت وَ إِنَّهُ لَلْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ أي و إن التوجه إلى الكعبة للحق الثابت المأمور به من ربك. وَ مِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ قيل كرر هذا الحكم لتكرر علله فإنه تعالى ذكر للتحويل ثلاث علل تعظيم الرسول بابتغاء مرضاته و جري العادة الإلهية على أن يولي كل أهل ملة و صاحب دعوة وجهة يستقبلها و يتميز بها و دفع حجج المخالفين و قرن بكل علة معلولها كما يقرن المدلول بكل واحد من دلائله تقريبا و تقريرا مع أن القبلة لها شأن و النسخ من مظان الفتنة و الشبهة فبالحري أن يؤكد أمرها و يعاد ذكرها مرة بعد أخرى. لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ علة لقوله فَوَلُّوا و المعنى أن التولية عن بيت المقدس إلى الكعبة تدفع احتجاج اليهود بأن المنعوت في التوراة قبلة الكعبة و أن محمدا يجحد ديننا و يتبعنا في قبلتنا و احتجاج المشركين بأنه يدعي ملة إبراهيم و يخالف قبلته. إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ قيل أي إلا الحجة الداحضة من المعاندين بأن قالوا ما تحول إلى الكعبة إلا ميلا إلى دين قومه و حبا لبلده فرجع إلى قبلة آبائه و يوشك أن يرجع إلى دينهم و قال علي بن إبراهيم إلا هاهنا بمعنى لا و ليست استثناء يعني و لا الذين ظلموا منهم و قيل الاستثناء للمبالغة في نفي الحجة رأسا كقول الشاعر
و لا عيب فيهم غير أن سيوفهم بهن فلول من قراع الكتاب
. للعلم بأن الظالم لا حجة له فَلا تَخْشَوْهُمْ أي فلا تخافوهم فإن مطاعنهم لا تضركم وَ اخْشَوْنِي فلا تخالفوني ما أمرتكم به. وَ لِأُتِمَّ نِعْمَتِي عَلَيْكُمْ علة للمحذوف أي و أمرتكم لإتمامي النعمة عليكم و إرادتي اهتداءكم أو معطوف على علة مقدرة مثل و اخشوني لأحفظكم عنهم و لأتم نعمتي عليكم أو علي لِئَلَّا يَكُونَ. لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ البر كل فعل مرضي قيل الخطاب لأهل الكتاب فإنهم أكثروا الخوض في أمر القبلة حين حولت و ادعى كل طائفة أن البر هو التوجه إلى قبلته فرد الله عليهم و قال ليس البر ما أنتم عليه فإنه منسوخ و لكن البر ما نبينه و اتبعه المؤمنون و قيل عام لهم و للمسلمين أي ليس البر مقصورا بأمر القبلة أو ليس البر العظيم الذي يحسن أن تذهلوا بشأنه عن غيره أمرها.
و في تفسير الإمام ع قال علي بن الحسين ع إن رسول الله ص لما فضل عليا ع و أخبر عن جلالته عند ربه عز و جل و أبان عن فضيلة شيعته و أنصار دعوته و وبخ اليهود و النصارى على كفرهم و كتمانهم لذكر محمد و علي و آلهما في كتبهم بفضائلهم و محاسنهم فخرت اليهود و النصارى عليهم فقالت اليهود قد صلينا إلى قبلتنا هذه الصلاة الكثيرة و فينا من يحيي الليل صلاة إليها و هي قبلة موسى التي أمرنا بها و قالت النصارى قد صلينا إلى قبلتنا هذه الصلاة الكثيرة و فينا من يحيي الليل صلاة إليها و هي قبلة عيسى التي أمرنا بها و قال كل واحد من الفريقين أ ترى ربنا يبطل أعمالنا هذه الكثيرة و صلواتنا إلى قبلتنا لئلا نتبع محمدا على هواه في نفسه و أخيه فأنزل الله قل يا محمد لَيْسَ الْبِرَّ الطاعة التي تنالون بها الجنان و تستحقون بها الغفران و الرضوان أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ بصلاتكم قِبَلَ الْمَشْرِقِ أيها النصارى و قبل الْمَغْرِبِ أيها اليهود و أنتم لأمر الله مخالفون و على ولي الله مغتاظون وَ لكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ بأنه الواحد الأحد الفرد الصمد يعظم من يشاء و يكرم من يشاء و يهين من يشاء و يذله لا راد لأمره و لا مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ و آمن باليوم الآخر يوم القيامة التي أفضل من بوئ فيها محمد سيد المرسلين و بعده أخوه و وصيه سيد الوصيين و التي لا يحضرها من شيعة محمد أحد إلا أضاءت فيها أنواره فسار فيها إلى جنات النعيم هو و إخوانه و أزواجه و ذرياته و المحسنون إليه و الدافعون في الدنيا عنه إلى آخر ما مر بطوله
وَ أَقِيمُوا وُجُوهَكُمْ قال الطبرسي رحمه الله قيل فيه وجوه أحدها أن معناه توجهوا إلى قبلة كل مسجد في الصلاة على استقامة و ثانيها أن معناه أقيموا وجوهكم إلى الجهة التي أمركم الله بالتوجه إليها في صلاتكم و هي الكعبة و المراد بالمسجد أوقات السجود و هي أوقات الصلاة و ثالثها أن المراد إذا أدركتم الصلاة في مسجد فصلوا و لا تقولوا حتى أرجع إلى مسجدي و المراد بالمسجد موضع السجود و رابعها أن معناه اقصدوا المسجد في وقت كل صلاة أمرا بالجماعة لها ندبا عند الأكثرين و حتما عند الأقلين و خامسها أن معناه أخلصوا وجوهكم لله في الطاعات و لا تشركوا به وثنا و لا غيره. و في التهذيب عن الصادق ع هذه في القبلة و عنه ع مساجد محدثة فأمروا أن يقيموا وجوههم شطر المسجد الحرام كما سيأتي برواية العياشي. وَ أَنْ أَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ قال الطبرسي أي استقم في الدين بإقبالك على ما أمرت به من القيام بأعباء الرسالة و تحمل أمر الشريعة بوجهك و قيل معناه أقم وجهك في الصلاة بالتوجه نحو الكعبة حَنِيفاً أي مستقيما في الدين
1- تفسير علي بن إبراهيم، وَ لِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَ الْمَغْرِبُ فَأَيْنَما تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ قال العالم ع فإنها نزلت في صلاة النافلة فصلها حيث توجهت إذا كنت في سفر و أما الفرائض فقوله وَ حَيْثُ ما كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ يعني الفرائض لا يصليها إلا إلى القبلة
بيان اعلم أن أكثر الأصحاب نقلوا الإجماع على وجوب الاستقبال في فرائض الصلوات يومية كانت أو غيرها إلا صلاة الخوف و عند الضرورة و مع قطع النظر عن الإجماع إثبات ذلك في غير اليومية بالآيات و الأخبار لا يخلو من عسر و الفرائض الواردة في الخبر يحتمل التخصيص باليومية لكن المقابلة بالنافلة يؤيد العموم. و أما النوافل فالمشهور بين الأصحاب اشتراط الاستقبال فيها إذا لم يكن راكبا و لا ماشيا و كان مستقرا على الأرض و ظاهر المحقق و الشيخ في الخلاف و بعض المتأخرين جواز فعل النافلة إلى غير القبلة مطلقا و قالوا باستحباب الاستقبال فيها و استدلوا بالآية الأولى كما عرفت و قد قال في المعتبر قد استفاض النقل أنها في النافلة و في المنتهى و التذكرة و قد قال الصادق ع إنها في النافلة و التقييد بالسفر في هذا الخبر يعارضه و المسألة لا تخلو من إشكال و الاحتياط في العبادات أقرب إلى النجاة. و أما جواز النافلة في السفر على الراحلة فقال في المعتبر إنه اتفاق علمائنا طويلا كان السفر أو قصيرا و أما الجواز في الحضر فقد نص عليه الشيخ في المبسوط و الخلاف و تبعه جماعة من المتأخرين و منعه ابن أبي عقيل و الأظهر جواز التنفل للماشي و الراكب سفرا و حضرا مع الضرورة و الاختيار للأخبار المستفيضة الدالة عليه لكن الأفضل الصلاة مع الاستقرار و لعل الأحوط أن يتنفل الماشي حضرا و إن كان الأظهر فيه أيضا الجواز لعلة ورود الأخبار فيه و يستحب الاستقبال بتكبيرة الإحرام و قطع ابن إدريس بالوجوب و يدفعه إطلاق أكثر الأخبار و يكفي في الركوع و السجود الإيماء و ليكن السجود أخفض و لا يجب في الإيماء للسجود وضع الجبهة على ما يصح السجود عليه و لو ركع الماشي و سجد مع الإمكان كان أولى
-2 المعتبر، نقلا من كتاب أحمد بن محمد بن أبي نصر عن حماد بن عثمان عن الحسين بن المختار عن أبي عبد الله ع قال سألته عن الرجل يصلي و هو يمشي تطوعا قال نعم
قال ابن أبي نصر و سمعته أنا من الحسين بن المختار
3- فقه القرآن للراوندي، روي عنهما ع أن قوله تعالى وَ حَيْثُ ما كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ في الفرض و قوله فَأَيْنَما تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ قالا هو في النافلة
4- العلل، عن محمد بن الحسن بن الوليد عن محمد بن الحسن الصفار عن العباس بن معروف عن علي بن مهزيار عن الحسن بن سعيد عن إبراهيم بن أبي البلاد عن أبي غرة قال قال لي أبو عبد الله ع البيت قبلة المسجد و المسجد قبلة مكة و مكة قبلة الحرم و الحرم قبلة الدنيا
و منه عن الحسين بن أحمد بن إدريس عن أبيه عن محمد بن علي الصيرفي عن علي بن حسان عن عمه عبد الرحمن عن المفضل بن عمر قال سألت أبا عبد الله ع عن التحريف لأصحابنا ذات اليسار عن القبلة و عن السبب فيه فقال إن الحجر الأسود لما أنزل به من الجنة و وضع في موضعه جعل أنصاب الحرم في حيث لحقه النور نور الحجر فهو عن يمين الكعبة أربعة أميال و عن يسارها ثمانية أميال كله اثنا عشر ميلا فإذا انحرف الإنسان ذات اليمين خرج عن حد القبلة لعلة لقلة أنصاب الحرم و إذا انحرف ذات اليسار لم يكن خارجا عن حد القبلة
و منه عن أبيه عن محمد بن يحيى العطار عن محمد بن أحمد بن يحيى عن الحسن بن الحسين اللؤلؤي عن عبد الله بن محمد الحجال عن بعض رجاله عن أبي عبد الله ع قال إن الله تبارك و تعالى جعل الكعبة قبلة لأهل المسجد و جعل المسجد قبلة لأهل الحرم و جعل الحرم قبلة لأهل الدنيا
5- فقه الرضا، قال إذا أردت توجه القبلة فتياسر مثلي ما تيامن فإن الحرم عن يمين الكعبة أربعة أميال و عن يساره ثمانية أميال
-6 النهاية للشيخ، قال من توجه إلى القبلة من أهل العراق و المشرق قاطبة فعليه أن يتياسر قليلا ليكون متوجها إلى الحرم بذلك جاء الأثر عنهم ع
توفيق و تدقيق و تنقيح و توضيح
اعلم أن القبلة في اللغة الحالة التي عليها الإنسان حال استقبال الشيء ثم نقلت في العرف إلى ما يجب استقبال عينه أو جهته في الصلاة و اختلف الأصحاب فيما يجب استقباله فذهب المرتضى و ابن الجنيد و أبو الصلاح و ابن إدريس و المحقق في المعتبر و النافع و العلامة و أكثر المتأخرين إلى أنه عين الكعبة لمن يتمكن من العلم بها من غير مشقة كثيرة عادة كالمصلي في بيوت مكة و جهتها لغيره. و ذهب الشيخان و جماعة منهم سلار و ابن البراج و ابن حمزة و المحقق في الشرائع إلى أن الكعبة قبلة لمن كان في المسجد و المسجد قبلة لمن كان في الحرم و الحرم قبلة لمن كان خارجا عنه و نسبه في الذكرى إلى أكثر الأصحاب و ادعى الشيخ الإجماع عليه. و الظاهر أنه لا خلاف بين الفريقين في وجوب التوجه إلى الكعبة للمشاهد و من هو بحكمه و إن كان خارج المسجد فقد صرح به من أصحاب القول الثاني الشيخ في المبسوط و ابن حمزة و ابن زهرة و نقل المحقق الإجماع عليه لكن ظاهر كلام الشيخ في النهاية و الخلاف يخالف ذلك و أيضا الظاهر أن الفريق الثاني أيضا متفقون على أن فرض النائي الجهة لا التوجه إلى عين الحرم و إن لم يصرحوا بذلك للاتفاق على وجوب التعويل على الأمارات عند تعذر المشاهدة و معلوم أنها لا تفيد العلم بالمقابلة الحقيقية لكن المتأخرين فهموا من كلام الفريق الثاني عدم اعتبار الجهة فقالوا يلزم عليهم خروج بعض الصف المستطيل عن سمت القبلة. ثم الظاهر من أكثر الأخبار أن الكعبة هي القبلة عينا أو جهة و ظاهر تلك الأخبار التي نقلناها أخيرا التفصيل الذي اختاره الفريق الثاني فربما تحمل الأخبار الأولة على المسامحة من حيث إن الكعبة أشرف أجزاء الحرم و المنظور إليه فيها و يمكن أن تكون العلة في تلك المسامحة التقية أيضا لأن الكعبة قبلة عند جمهور العامة. و ربما تحمل الأخبار الأخيرة على أن الغرض فيها بيان اتساع الجهة بحسب البعد فكلما كان البعد أكثر كانت الجهة أوسع و قد تحمل على التقية أيضا لأن العامة رووا مثله عن مكحول بسنده عن النبي ص و هو بعيد لأنه خبر شاذ بينهم و المشهور عندهم هو الأول. و الحق أن المسألة لا تخلو من إشكال إذ الأخبار متعارضة و إن رجحت الأخبار الأولة بقوة أسانيدها و كثرتها فالأخبار الأخيرة معتضدة بالشهرة بين القدماء و مخالفة العامة و كون التأويل فيها أبعد و الآية غير دالة على أحد المذهبين كما عرفت. فالاحتياط يقتضي استقبال عين الكعبة إذا أمكن و كذا عين المسجد إذا تيسر و كذا عين الحرم إذا أمكن ذلك و أما النائي الذي لا يمكنه تحصيل عين الحرم فالظاهر عدم النزاع في التوجه إلى الجهة و لا فرق بين جهة الكعبة و جهة الحرم فإن الأمارات مشتركة و أما القول بنفي اعتبار الجهة أصلا فلا يخفى بطلانه. ثم اعلم أن التياسر الذي دل عليه خبر المفضل المشهور بين الأصحاب استحبابه لأهل العراق قليلا و ظاهر الشيخ في النهاية و الخلاف و المبسوط الوجوب و استدل عليه في
الخلاف بإجماع الفرقة و بهذه الرواية و أيدت برواية أخرى مرفوعة و هو مبني على أن قبلة البعيد هي الحرم كما صرح به المحق. و احتمل العلامة اطراده على القولين و الإجماع غير ثابت و الخبران ضعيفان و التعليل الوارد في هذا الخبر مما يصعب فهمه جدا إذ لو فرض أن البعيد حصل عين الكعبة و كان بالنسبة إليه القبلة عين الحرم كان انحرافه إلى اليسار مما يجعله محاذيا لوسط الحرم و أنى للبعيد تحصيل عين الكعبة و على تقدير تسليمه فبأدنى انحراف يصير خارجا عن الحرم بعيدا عنه بفراسخ كثيرة إلا أن يقال الجهة مما فيه اتساع كثير و بالانحراف اليسير لا يخرج عنها و كون الحرم من جهة اليسار أكثر صار سببا مناسبا لاستحباب الانحراف من تلك الجهة و فيه أيضا ما ترى. و قد جرى في ذلك مراسلات بين المحقق صاحب الشرائع و المحقق الطوسي قدس الله روحهما و كتب المحقق الأول رسالة في ذلك و هي مذكورة في المهذب لابن فهد ره و من أرادها فليرجع إليه و هو رحمه الله و إن بالغ في المجادلة و إتمام ما حاوله لكن لم ينفع في حل عمدة الإشكال. و الذي يخطر في ذلك بالبال أنه يمكن أن يكون الأمر بالانحراف لأن محاريب الكوفة و سائر بلاد العراق أكثرها كانت منحرفة عن خط نصف النهار كثيرا مع أن الانحراف في أكثرها يسير بحسب القواعد الرياضية كمسجد الكوفة فإن انحراف قبلته إلى اليمين أزيد مما تقتضيه القواعد بعشرين درجة تقريبا و كذا مسجد السهلة و مسجد يونس و لما كان أكثر تلك المساجد مبنية في زمن عمر و سائر خلفاء الجور لم يمكنهم القدح فيها تقية فأمروا بالتياسر و عللوا بتلك الوجوه الخطابية لإسكاتهم و عدم التصريح بخطإ خلفاء الجور و أمرائهم. و ما ذكره أصحابنا من أن محراب مسجد الكوفة محراب المعصوم لا يجوز الانحراف عنه إنما يثبت إذا علم أن الإمام ع بناه و معلوم أنه ع لم يبنه أو صلى فيه من غير انحراف عنه و هو أيضا غير ثابت بل ظهر من بعض ما سنح لنا
من الآثار القديمة عند تعمير المسجد في زماننا ما يدل على خلافه كما سيأتي ذكره مع أن الظاهر من بعض الأخبار أن هذا البناء غير البناء الذي كان في زمان أمير المؤمنين ع بل ظهر لي من بعض الأدلة و القرائن أن محراب مسجد النبي ص بالمدينة أيضا قد غير عما كان في زمانه ص لأنه على ما شاهدنا في هذا الزمان موافق لخط نصف النهار و هو مخالف للقواعد الرياضية من انحراف قبلة المدينة إلى اليسار قريبا من ثلاثين درجة و مخالف لما رواه الخاصة و العامة من أنه ص زويت له الأرض و رأى الكعبة فجعله بإزاء الميزاب فإن من وقف بحذاء الميزاب يصير القطب الشمالي محاذيا لمنكبه الأيسر و مخالف لبناء بيت الرسول الذي دفن فيه مع أن الظاهر أن بناء البيت كان موافقا لبناء المسجد و بناء البيت أوفق للقواعد من المحراب و أيضا مخالف لمسجد قباء و مسجد الشجرة و غيرهما من المساجد التي بناها النبي ص أو صلى فيها. و لذا خص بعض الأفاضل ممن كان في عصرنا ره حديث المفضل و أمثاله على مسجد المدينة و قال لما كانت الجهة وسيعة و كان الأفضل بناء المحراب على وسط الجهات إلا أن تعارضه مصلحة كمسجد المدينة حيث بني محرابه على خط نصف النهار لسهولة استعلام الأوقات مع أن وسط الجهات فيه منحرف نحو اليسار فلذا حكموا باستحباب التياسر فيه ليحاذي المصلي وسط الجهة المتسعة و سيأتي مزيد توضيح لتلك المقاصد مع الأخبار و القرائن الدالة عليها في كتاب المزار و الله أعلم و حججه ع بحقائق الأخبار و الآثار. و الذي يسهل العسر و يهين الأمر في ذلك أنه يظهر من الآية و الأخبار الواردة في القبلة أن فيها اتساعا كثيرا و أنه يكفي فيها التوجه إلى ما يصدق عليه عرفا أنه جهة الكعبة و ناحيتها لما عرفت من تفسير الآية و أنه لا يستفاد منها إلا الشطر و الجهة
و لقولهم ع ما بين المشرق و المغرب قبلة
و قولهم ع ضع الجدي على قفاك و صل
فإن بناء الأمر على هذه العلامة التي تختلف بحسب البلاد اختلافا فاحشا يرشد إلى توسعة عظيمة و خلو الأخبار عما زاد على ذلك و كذا كتب الأقدمين مع شدة الحاجة و توفر الدواعي على النقل و المعرفة و عظم إشفاقهم على الشيعة مما يؤيد ذلك. و الظاهر أنه لا تجب الاستعانة بعلم الهيئة و تعلم مسائله لأنه علم دقيق و مسائلها مبنية على مقدمات كثيرة يحتاج تحصيلها إلى زمان طويل و همة عظيمة و فطرة سليمة و التكليف بذلك لجمهور الناس مباين للشريعة السمحة السهلة و إن أمكن أن يقال أكثر مسائل الفقه تحقيقها و ترجيحها موقوف على مقدمات كثيرة لا يطلع عليها و لا يحققها إلا أوحدي الناس و سائر الناس يرجعون إليه بالتقليد فيمكن أن يكون أمر القبلة أيضا كذلك لأن الظن الحاصل من ذلك أقوى من سائر الأمارات المفيدة له و لا ريب أنه أحوط و أولى. لكن الحكم بوجوبه و تعيينه مشكل إذ لو كان ذلك واجبا لكان له في طرق الأصحاب أو سائر فرق المسلمين خبر أو يجيء به أثر فلما لم يكن ذلك في الأخبار و لا عمل المتقدمين الآنسين بسير أهل البيت ع علمنا انتفاءه مع أن غاية ما يحصل عنه بعد بذل غاية الجهد ليس إلا الظن و التخمين لا القطع و اليقين و كل ذلك لا ينافي كون الرجوع إليه أولى لكونه أوفق من سائر الظنون و أقوى و الله الموفق للخير و الهدى
7- العياشي، عن حريز قال أبو جعفر ع استقبل القبلة بوجهك و لا تقلب وجهك فتفسد صلاتك فإن الله يقول لنبيه ص في الفريضة فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ وَ حَيْثُ ما كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ
بيان ظاهر الخبر بطلان الصلاة بالالتفات سواء كان إلى الخلف أو اليمين و اليسار و سواء كان بالوجه فقط أو بكل البدن و المشهور أن الالتفات بالوجه إذا كان إلى الخلف و بكل البدن مطلقا مبطل إذا كان عمدا و يظهر من الشهيد في الذكرى و البيان أن الإطلاق المأخوذ في كل البدن أعم من أن يكون يسيرا لم يبلغ المشرق و المغرب أو بلغ أحدهما و أما بالوجه فقط إذا كان إلى أحد الجانبين فقط فليس بمبطل و ظاهر المنتهى اتفاق الأصحاب عليه و في المعتبر و التذكرة نسب مخالفته إلى بعض العامة و نقل عن الشيخ فخر الدين القول بالبطلان. و حكى الشهيد في الذكرى عن بعض مشايخه المعاصرين أنه كان يرى أن الالتفات بالوجه يقطع الصلاة مطلقا و الالتفات بالوجه في كلامه أعم من أن يصل إلى محض الجانبين أم كان إلى ما بين القبلة و الجانبين و ربما كان مستنده أمثال تلك الروايات و حملها الشهيد في الذكرى على الالتفات بكل البدن لما رواه
زرارة في الصحيح عن أبي جعفر ع قال الالتفات يقطع الصلاة إذا كان بكله
و قد يقال إن هذا مقيد بمنطوق
قوله ع في رواية الحلبي أعد الصلاة إذا كان فاحشا
فإن الظاهر تحقق التفاحش بالالتفات بالوجه خاصة إلى أحد الجانبين. و جميع ما ذكرنا في صورة العمد و أما السهو ففي كلام الأصحاب فيه اختلاف و تدافع فيظهر من بعض كلماتهم أنه في حكم العمد و من بعضها أنه لا يعيد مطلقا و من بعضها أنه يعيد في الوقت دون خارجه و من بعضها التفصيل الآتي في الصلاة إلى غير القبلة بالظن فتبين خلافه كما أومأنا إليه سابقا. و قال السيد في المدارك إذا كان يسيرا لا يبلغ حد اليمين و اليسار لم يضره ذلك و إن بلغه و أتى بشيء من الأفعال في تلك الحال أعاد في الوقت و إلا فلا إعادة و الأظهر أن العامد إن انحرف بكل البدن عن القبلة بحيث خرج عن الجهة و إن لم يصل إلى حد اليمين و اليسار تبطل صلاته و كذا إذا التفت بوجهه حتى وصل إلى الخلف أي رأى ما خلفه و أما الالتفات إلى اليمين و اليسار بالوجه فقط فعدم البطلان لا يخلو من قوة و الأحوط فيه الإعادة و عدم البطلان بالتوجه بالوجه إلى ما بين المشرق و المغرب أقوى و أظهر و إن كان الأحوط الترك و معه الإعادة لا سيما إذا فعل شيئا من أفعال الصلاة كذلك خصوصا إذا فعل ما لا يمكن تداركه. هذا كله مع العلم بالمسألة و مع الجهل يشكل الحكم بالبطلان في الجميع و الأحوط الإعادة في جميع ما اخترنا إعادته جزما أو احتياطا لا سيما مع تقصيره في الطلب. و أما الناسي فإذا كان الانحراف فيما بين المشرق و المغرب فالظاهر عدم الإعادة سواء بكل البدن أم لا لإطلاق صحيحة معاوية بن عمار و غيرها و ظاهر الآية الأولى و إن كان نهاية الاحتياط فيه الإعادة لا سيما إذا كان بكل البدن و في المشرق و المغرب و المستدبر المسألة في غاية الإشكال و الإعادة مهمة لا سيما في الوقت إذا فعل معه شيئا من الأفعال. و لو ظن الخروج عن الصلاة فانحرف عامدا فالمشهور أنه في حكم العامد و بعض الروايات تدل على عدم البطلان و الأحوط العمل بالمشهور و في المكره خلاف و الأشهر و الأحوط إلحاقه بالعامد
8- العلل، و التوحيد، و المجالس، للصدوق عن أحمد بن زياد و الحسين بن إبراهيم و أحمد بن هشام و علي بن عبد الله الوراق عن علي بن إبراهيم عن أبيه عن الفضل بن يونس عن أبي عبد الله ع قال في جواب ابن أبي العوجاء حيث أنكر الحج و الطواف هذا بيت استعبد الله عز و جل به خلقه ليختبر به طاعتهم في إتيانه فحثهم على تعظيمه و زيارته و جعله محل أنبيائه و قبلة للمصلين له الخبر
9- فلاح السائل، قال السيد ره رأيت في الأحاديث المأثورة أن الله تعالى أمر آدم أن يصلي إلى المغرب و نوحا أن يصلي إلى المشرق و إبراهيم ع يجمعهما و هي الكعبة فلما بعث موسى ع أمره أن يحيي دين آدم و لما بعث عيسى ع أمره أن يحيي دين نوح و لما بعث محمد ص أمره أن يحيي دين إبراهيم
بيان قوله يجمعهما لأن استقبال الكعبة قد يوافق المشرق و قد يوافق المغرب أو أنه وسط بينهما غالبا فكأنه جمعهما
10- المحاسن، عن أبيه عن النضر عن يحيى الحلبي عن بشير في حديث سليمان مولى طربال قال ذكرت هذه الأهواء عند أبي عبد الله ع قال لا و الله ما هم على شيء مما جاء به رسول الله إلا استقبال الكعبة فقط
11- قرب الإسناد، و كتاب المسائل، عن علي بن جعفر عن أخيه ع قال سألته عن الرجل يكون في صلاة فيظن أن ثوبه قد انخرق أو أصابه شيء هل يصلح له أن ينظر فيه أو يفتشه قال إن كان في مقدم الثوب أو جانبيه فلا بأس و إن كان في مؤخره فلا يلتفت فإنه لا يصلح له قال و سألته عن الرجل يلتفت في صلاته هل يقطع ذلك صلاته قال إذا كانت الفريضة فالتفت إلى خلفه فقد قطع صلاته و إن كانت نافلة لم يقطع ذلك صلاته و لكن لا يعود
توضيح، الجواب الأول يؤيد المشهور من كون الالتفات إلى أحد الجانبين غير مبطل و أما الاستدلال به على أن الالتفات إلى الخلف مبطل فهو مشكل إذ لا يصلح لا يصلح لذلك و الجواب الثاني يدل على الحكمين جميعا في الفريضة و الفرق بينها و بين النافلة لم أره في كلام الأصحاب و لعله يؤيد القول بعدم وجوب الاستقبال في النافلة مطلقا كما مر
12- الاحتجاج، بالإسناد إلى أبي محمد العسكري ع قال لما كان رسول الله ص بمكة أمره الله تعالى أن يتوجه نحو البيت المقدس في صلاته و يجعل الكعبة بينه و بينها إذا أمكن و إذا لم يتمكن استقبل البيت المقدس كيف كان و كان رسول الله ص يفعل ذلك طول مقامه بها ثلاث عشرة سنة فلما كان بالمدينة و كان متعبدا باستقبال بيت المقدس استقبله و انحرف عن الكعبة سبعة عشر شهرا أو ستة عشر شهرا و جعل قوم من مردة اليهود يقولون و الله ما درى محمد كيف صلى حتى صار يتوجه إلى قبلتنا و يأخذ في صلاته بهدينا و نسكنا فاشتد ذلك على رسول الله ص لما اتصل به عنهم و كره قبلتهم و أحب الكعبة فجاء جبرئيل ع فقال له رسول الله يا جبرئيل لوددت لو صرفني الله عن بيت المقدس إلى الكعبة فقد تأذيت بما يتصل بي من قبل اليهود و من قبلتهم فقال جبرئيل فاسأل ربك أن يحولك إليها فإنه لا يردك عن طلبتك و لا يخيبك من بغيتك فلما استتم دعاءه صعد جبرئيل ع ثم عاد من ساعته فقال اقرأ يا محمد قَدْ نَرى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّماءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضاها فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ وَ حَيْثُ ما كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ الآيات فقالت اليهود عند ذلك ما وَلَّاهُمْ عَنْ قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كانُوا عَلَيْها فأجابهم الله بأحسن جواب فقال قُلْ لِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَ الْمَغْرِبُ و هو يملكهما و تكليفه التحول إلى جانب كتحويله إلى جانب آخر يَهْدِي مَنْ يَشاءُ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ و هو مصلحتهم و تؤديهم طاعتهم إلى جنات النعيم قال أبو محمد ع و جاء قوم من اليهود إلى رسول الله ص فقالوا يا محمد هذه القبلة بيت المقدس قد صليت إليها أربع عشرة سنة ثم تركتها الآن أ فحقا كان ما كنت عليه فقد تركته إلى باطل فإنما يخالف الحق الباطل أو باطلا كان ذلك فقد كنت عليه طول هذه المدة فما يؤمننا أن تكون الآن على باطل فقال رسول الله ص بل كان ذلك حقا و هذا حق يقول الله قُلْ لِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَ الْمَغْرِبُ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ إذا عرف صلاحكم يا أيها العباد في استقبال المشرق أمركم به و إذا عرف صلاحكم في استقبال المغرب أمركم به و إن عرف صلاحكم في غيرهما أمركم به فلا تنكروا تدبير الله في عباده و قصده إلى مصالحكم ثم قال رسول الله ص قد تركتم العمل يوم السبت ثم عملتم بعده سائر الأيام ثم تركتموه في السبت ثم عملتم بعده أ فتركتم الحق إلى باطل أو الباطل إلى حق أو الباطل إلى باطل أو الحق إلى حق قولوا كيف شئتم فهو قول محمد و جوابه لكم قالوا بل ترك العمل في السبت حق و العمل بعده حق فقال رسول الله ص فكذلك قبلة بيت المقدس في وقته حق ثم قبلة الكعبة في وقته حق فقالوا يا محمد أ فبدا لربك فيما كان أمرك به بزعمك من الصلاة إلى بيت المقدس حين نقلك إلى الكعبة فقال رسول الله ص ما بدا له عن ذلك فإنه العالم بالعواقب و القادر على المصالح لا يستدرك على نفسه غلطا و لا يستحدث رأيا يخالف المتقدم جل عن ذلك و لا يقع أيضا عليه مانع يمنع من مراده و ليس يبدو إلا لمن كان هذا وصفه و هو عز و جل متعال عن هذه الصفات علوا كبيرا ثم قال لهم رسول الله أيها اليهود أخبروني عن الله أ ليس يمرض ثم يصح و يصح ثم يمرض أ بدا له في ذلك أ ليس يحيي و يميت أ ليس يأتي بالليل في أثر النهار ثم بالنهار في أثر الليل أ بدا له في كل واحدة من ذلك قالوا لا قال فكذلك الله تعبد نبيه محمدا بالصلاة إلى الكعبة بعد أن تعبده بالصلاة إلى بيت المقدس و ما بدا له في الأول ثم قال أ ليس الله يأتي به بالشتاء في أثر الصيف و الصيف في أثر الشتاء أ بدا له في كل واحد من ذلك قالوا لا قال فكذلك لم يبد له في القبلة قال ثم قال أ ليس قد ألزمكم في الشتاء أن تحترزوا من البرد بالثياب الغليظة و ألزمكم في الصيف أن تحترزوا من الحر أ فبدا له في الصيف حتى أمركم بخلاف ما كان أمركم به في الشتاء قالوا لا قال رسول الله ص فكذلك الله تعبدكم في وقت
لصلاح يعلمه بشيء ثم تعبدكم في وقت آخر لصلاح آخر يعلمه بشيء آخر فإذا أطعتم الله في الحالين استحققتم ثوابه و أنزل الله وَ لِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَ الْمَغْرِبُ فَأَيْنَما تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ أي إذا توجهتم بأمره فثم الوجه الذي تقصدون منه الله و تأملون ثوابه ثم قال رسول الله ص يا عباد الله أنتم كالمرضى و الله رب العالمين كالطبيب فصلاح المرضى فيما يعلمه الطبيب يدبره به لا فيما يشتهيه المريض و يقترحه ألا فسلموا له أمره تكونوا من الفائزين فقيل له يا ابن رسول الله فلم أمر بالقبلة الأولى فقال لما قال الله عز و جل وَ ما جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنْتَ عَلَيْها و هي بيت المقدس إِلَّا لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّنْ يَنْقَلِبُ عَلى عَقِبَيْهِ إلا لنعلم ذلك منه موجودا بعد أن علمناه سيوجد و ذلك أن هوى أهل مكة كان في الكعبة فأراد الله أن يبين متبع محمد من مخالفه باتباع القبلة التي كرهها و محمد ص يأمر بها و لما كان هوى أهل المدينة في بيت المقدس أمرهم بمخالفتها و التوجه إلى الكعبة ليبين من يوافق محمدا فيما يكرهه فهو مصدقه و موافقه ثم قال وَ إِنْ كانَتْ لَكَبِيرَةً إِلَّا عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ إنما كان التوجه إلى بيت المقدس في ذلك الوقت كبيرة إلا على من يهدي الله فعرف أن الله يتعبد بخلاف ما يريده المرء ليبتلي طاعته في مخالفة هواه
بيان قوله ع أو ستة عشر شهرا ليس هذا في بعض النسخ و على تقديره الترديد إما من الراوي أو منه ع مشيرا إلى اختلاف العامة فيه
13- تفسير علي بن إبراهيم، سَيَقُولُ السُّفَهاءُ مِنَ النَّاسِ ما وَلَّاهُمْ عَنْ قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كانُوا عَلَيْها فإن هذه الآية متقدمة على قوله قَدْ نَرى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّماءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضاها و إنه نزل أولا قَدْ نَرى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّماءِ ثم نزل سَيَقُولُ السُّفَهاءُ الآية و ذلك أن اليهود كانوا يعيرون رسول الله ص و يقولون له أنت تابع لنا تصلي إلى قبلتنا فاغتم رسول الله ص من ذلك غما شديدا و خرج في جوف الليل ينظر في آفاق السماء و ينتظر أمر الله تبارك و تعالى في ذلك فلما أصبح و حضرت صلاة الظهر و كان في مسجد بني سالم قد صلى بهم الظهر ركعتين فنزل عليه جبرئيل ع فأخذ بعضديه فحوله إلى الكعبة فأنزل الله عليه قَدْ نَرى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّماءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضاها فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ فصلى ركعتين إلى بيت المقدس و ركعتين إلى الكعبة فقالت اليهود و السفهاء ما وَلَّاهُمْ عَنْ قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كانُوا عَلَيْها و تحولت القبلة إلى الكعبة بعد ما صلى النبي بمكة ثلاث عشرة سنة إلى بيت المقدس و بعد مهاجرته إلى المدينة صلى إلى بيت المقدس سبعة أشهر ثم حول الله عز و جل القبلة إلى البيت الحرام ثم قال الله عز و جل وَ حَيْثُ ما كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ يعني و لا الذين ظلموا منهم و إلا في موضع و لا و ليست هي استثناء
و منه في رواية أبي الجارود عن أبي جعفر ع في قوله تعالى وَ قالَتْ طائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ آمِنُوا بِالَّذِي أُنْزِلَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَجْهَ النَّهارِ وَ اكْفُرُوا آخِرَهُ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ فإن رسول الله ص لما قدم المدينة و هو يصلي نحو بيت المقدس أعجب ذلك اليهود فلما صرفه الله عن بيت المقدس إلى بيت الله الحرام وجدت اليهود من ذلك و كان صرف القبلة صلاة الظهر فقالوا صلى محمد الغداة و استقبل قبلتنا ف آمِنُوا بِالَّذِي أُنْزِلَ عَلَى محمد وَجْهَ النَّهارِ وَ اكْفُرُوا آخِرَهُ يعنون القبلة حين استقبل رسول الله المسجد الحرام لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ إلى قبلتنا
14- مجالس ابن الشيخ، عن أبيه عن أحمد بن محمد بن الصلت عن أحمد بن محمد بن سعيد بن عقدة عن أبي عبد الله بن علي عن جده عبيد الله عن أبيه عن الرضا عن آبائه عن علي ع قال لما صرفت القبلة أتى رجل قوما في صلاتهم فقال إن القبلة قد تحولت فتحولوا و هم ركوع
بيان في أمثال هذا الخبر دلالة على حجية أخبار الآحاد لا سيما إذا كانت محفوفة بالقرائن لتقرير النبي ص إذ لو صدر منه ص زجر لنقل في واحد منها
15- قرب الإسناد، عن الحسن بن طريف عن الحسين بن علوان عن الصادق عن أبيه ع أن عليا ع كان يقول من صلى على غير القبلة و هو يرى أنه على القبلة ثم عرف بعد ذلك فلا إعادة عليه إذا كان فيما بين المشرق و المغرب
بيان يدل الخبر على أنه إذا صلى ظانا أنه على القبلة ثم تبين خطاؤه و كان فيما بين المشرق و المغرب لا إعادة عليه لا في الوقت و لا في خارجه و هذا هو المقطوع به في كلام أكثر الأصحاب و ادعى عليه الفاضلان الإجماع لكن عبارات بعض القدماء كالمفيد في المقنعة و الشيخ في المبسوط و النهاية و الخلاف و ابن زهرة و ابن إدريس مطلقة في وجوب الإعادة في الوقت إذا صلى لغير القبلة و لعل مرادهم بالصلاة إلى غير القبلة ما لم يكن في ما بين المشرق و المغرب لما اشتهر من أن ما بين المشرق و المغرب قبلة و لا ريب في الحكم لدلالة الأخبار المعتبرة من الصحيحة و غيرها عليه مع اعتضادها بظاهر الآية و الشهرة العظيمة بين الأصحاب. و لو تبين أنه كان توجهه إلى نفس المشرق و المغرب فالمشهور الإعادة في الوقت خاصة و نقل عليه الإجماع أيضا الفاضلان و جماعة و يدل عليه إطلاق الأخبار الصحيحة. و لو ظهر أنه كان مستدبرا فذهب الشيخان و سلار و أبو الصلاح و ابن البراج و ابن زهرة و جماعة إلى أنه يعيد في الوقت و خارجه و ذهب السيد المرتضى و ابن إدريس و المحقق و العلامة في المختلف و الشهيد و جماعة من المتأخرين إلى أنه كالقسم السابق يعيد في الوقت خاصة و هو ظاهر ابن الجنيد و الصدوق و هو أقوى لشمول إطلاق الأخبار الصحيحة لهذا القسم أيضا و هو أوفق بالآية كما عرفت و بأصل البراءة و الأخبار التي استدل بها الفريق الأولى إما غير صحيحة أو غير صريحة و لعل الأحوط القضاء أيضا. و هل الناسي كالظان في الأحكام السابقة قيل نعم و قيل لا بل يعيد مطلقا و كذا الجاهل و المسألة فيهما في غاية الإشكال لتعارض إطلاق الروايات فيهما و الأحوط لهما الإعادة مطلقا سواء فعلا بعض الصلاة على غير القبلة أو كلها و فرق الشهيد ره بين البعض و الكل لا نعلم له وجها
16- قرب الإسناد، عن السندي بن محمد عن ابن البختري عن جعفر عن أبيه عن علي ع قال الالتفات في الصلاة اختلاس من الشيطان فإياكم و الالتفات في الصلاة فإن الله تبارك و تعالى يقبل على العباد إذا قام في الصلاة فإذا التفت قال الله تبارك و تعالى يا ابن آدم عمن تلتفت ثلاثة فإذا التفت الرابعة أعرض الله عنه
بيان اختلاس من الشيطان أي يسلب الإنسان صلاته أو فضلها بغتة و الالتفات هنا يحتمل أن يكون بالوجه و بالعين أو الأعم منهما أو منهما و من القلب و الوسط أظهر و لا يمكن الاستدلال به على البطلان بوجه
17- تفسير علي بن إبراهيم، عن أحمد بن إدريس عن أحمد بن محمد عن محمد بن سنان عن حماد بن عثمان و خلف بن حماد عن الفضيل و ربعي عن أبي عبد الله ع في قول الله عز و جل فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً قال تقيم للصلاة لا تلتفت يمينا و شمالا
بيان لعله على هذا التفسير عبر عن الصلاة بالدين لأنها من لوازمه كما عبر عنها بالإيمان في الآية الأخرى و يدل على عدم جواز الالتفات بالوجه يمينا و شمالا و لا يبعد شمولهما لما بين المشرق و المغرب أيضا عرفا
18- قرب الإسناد، عن السندي بن محمد عن أبي البختري عن الصادق ع عن أبيه ع قال إن رسول الله ص استقبل بيت المقدس سبعة عشر شهرا ثم صرف إلى الكعبة و هو في صلاة العصر
19- تفسير علي بن إبراهيم، صلاة الحيرة على ثلاثة وجوه فوجه منها هو الرجل يكون في مفازة لا يعرف القبلة يصلي إلى أربعة جوانب
بيان المشهور بين الأصحاب أن من فقد العلم بالقبلة يجتهد في تحصيل الظن بالأمارات المفيدة له و ادعى عليه الفاضلان الإجماع و يلوح من بعض الأخبار بل من بعض الأصحاب أيضا أن مع فقد العلم يصلي إلى أربع جهات و هو متروك تدل الأخبار الصحيحة على خلافه و مع فقد الظن أصلا فالأشهر أنه يصلي إلى أربع جهات أي على أطراف خطين متقاطعين على زوايا قوائم فإن واحدة منها تكون لا محالة بين المشرق و المغرب و إن أمكن ذلك بالثلاث أيضا تبعا للنص و مع عدم التمكن من ذلك لضيق الوقت أو الخوف أو غيره يصلي ما تيسر و إلا فواحدة يستقبل بها حيث شاء. و قال ابن أبي عقيل لو خفيت عليه القبلة لغيم أو ريح أو ظلمة فلم يقدر على القبلة صلى حيث شاء مستقبل القبلة و غير مستقبلها و لا إعادة عليه إذا علم بعد ذهاب وقتها أنه صلى لغير القبلة و ما اختاره من التخيير أقوى و اختاره جماعة من المتأخرين و هو الظاهر من اختيار ابن بابويه و نفى عنه البعد في المختلف و مال إليه في الذكرى و قد دلت الأخبار الصحيحة على أن قوله تعالى فَأَيْنَما تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ نزل في قبلة المتحير كما عرفت و أما الإعادة و عدمها مع تبين الخطإ فقد مضى القول فيه و ذهب السيد بن طاوس إلى استعمال القرعة في الصلاة المذكورة و هو بعيد و الأحوط متابعة المشهور
-20 العياشي، عن أبي عمرو الزبيري عن أبي عبد الله ع قال لما صرف الله نبيه إلى الكعبة عن بيت المقدس قال المسلمون للنبي ص أ رأيت صلاتنا التي كنا نصلي إلى بيت المقدس ما حالنا فيها و حال من مضى من أمواتنا و هم يصلون إلى بيت المقدس فأنزل الله وَ ما كانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمانَكُمْ إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَؤُفٌ رَحِيمٌ فسمى الصلاة إيمانا
و منه عن أبي بصير عن أحدهما ع في قول الله وَ أَقِيمُوا وُجُوهَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ قال هو إلى القبلة
و منه عن زرارة و حمران و محمد بن مسلم عن أبي جعفر و أبي عبد الله ع عن قوله وَ أَقِيمُوا وُجُوهَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ قال مساجد محدثة فأمروا أن يقيموا وجوههم شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ
و أبو بصير عن أحدهما ع قال هو إلى القبلة ليس فيها عبادة الأوثان خالصا مخلصا
و منه عن إسماعيل بن أبي زياد عن جعفر بن محمد عن آبائه عن علي بن أبي طالب ع قال قال رسول الله ص وَ بِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ هو الجدي لأنه نجم لا يزول و عليه بناء القبلة و به يهتدي أهل البر و البحر
21- في تفسير النعماني، بالإسناد المذكور في كتاب القرآن عن أمير المؤمنين ع قال إن رسول الله ص لما بعث كانت الصلاة إلى قبلة بيت المقدس فكان في أول بعثته يصلي إلى بيت المقدس جميع أيام مقامه بمكة و بعد هجرته إلى المدينة بأشهر فعيرته اليهود فقالوا أنت تابع لقبلتنا فأنف رسول الله ص ذلك منهم فأنزل الله تعالى عليه و هو يقلب وجهه إلى السماء و ينتظر الأمر قَدْ نَرى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّماءِ إلى قوله لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ يعني اليهود في هذا الموضع ثم أخبرنا الله عز و جل العلة التي من أجلها لم يحول قبلته من أول البعثة فقال تبارك و تعالى وَ ما جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنْتَ عَلَيْها إلى قوله لَرَؤُفٌ رَحِيمٌ فسمى سبحانه الصلاة هاهنا إيمانا و قال ع في قوله تعالى فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ قال معنى شَطْرَهُ نحوه إن كان مرئيا و بالدلائل و الأعلام إن كان محجوبا فلو علمت القبلة لوجب استقبالها و التولي و التوجه إليها و لو لم يكن الدليل عليها موجودا حتى تستوي الجهات كلها فله حينئذ أن يصلي باجتهاده حيث أحب و اختار حتى يكون على يقين من الدلالات المنصوبة و العلامات المبثوثة فإن مال عن هذا التوجه مع ما ذكرنا حتى يجعل الشرق غربا و الغرب شرقا زال معنى اجتهاده و فسد حال اعتقاده قال و قد جاء عن النبي ص خبر منصوص مجمع عليه أن الأدلة المنصوبة على بيت الله الحرام لا تذهب بكليتها حادثة من الحوادث منا من الله تعالى على عباده في إقامة ما افترض عليهم
بيان قوله ع فإن مال لعل المعنى أن بعد تبين خطائه لا يعتمد على هذا الاجتهاد و الاعتقاد لأنه كان العمل به مختصا بحال الاضطرار فيكون ذكر الصورة المفروضة على المثال و المراد ظهور كونه مستدبرا فالمراد بزوال معنى اجتهاده بطلان ثمرته لوجوب الإعادة عليه. و معنى الرواية الأخيرة أن العلامات المنصوبة للقبلة من الكواكب و غيرها لا تذهب بالكلية ما دام التكليف باقيا و إنما تخفى أحيانا لبعض العوارض ثم تظهر و يحتمل أن يكون المراد أنه لا يمكن أن يخلو الإنسان من أمارة و قرينة تظهر عليه بعد الاجتهاد و الطلب و إن كانت ضعيفة لكنه بعيد و مخالف للتجربة أيضا و حمله على الغالب أبعد
22- معاني الأخبار، و المجالس للصدوق، عن أبيه عن عبد الله بن جعفر الحميري عن محمد بن عيسى بن عبيد عن يونس بن عبد الرحمن عن عبد الله بن سنان عن الصادق ع قال إن لله عز و جل حرمات ثلاثا ليس مثلهن شيء كتابه و هو حكمة و نور و بيته الذي جعله قياما للناس لا يقبل من أحد توجها إلى غيره و عترة نبيكم ص
قرب الإسناد، عن محمد بن عيسى بن عبيد مثله
الخصال، عن أبيه عن سعد بن عبد الله عن محمد بن عبد الحميد عن ابن أبي نجران عن عاصم بن حميد عن أبي حمزة عن عكرمة عن ابن عباس مثله إلا أنه قال قبلة للناس
23- مسار الشيعة، للمفيد، قال في النصف من رجب سنة اثنتين من الهجرة حولت القبلة من بيت المقدس إلى الكعبة و كان الناس في صلاة العصر فتحولوا فيها إلى البيت الحرام
24- النهاية، للشيخ قال قد رويت رواية أن من صلى إلى استدبار القبلة ثم علم بعد خروج الوقت وجب عليه إعادة الصلاة و هذا هو الأحوط و عليه العمل انتهى
و منه، عن الصادق ع في قوله تعالى فَأَيْنَما تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ قال هذا في النوافل خاصة في حال السفر فأما الفرائض فلا بد فيها من استقبال القبلة
25- مجمع البيان، عن أبي جعفر و أبي عبد الله ع في قوله تعالى فَأَيْنَما تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ أنها ليست بمنسوخة و أنها مخصوصة بالنوافل في حال السفر
26- نوادر الراوندي، عن عبد الواحد بن إسماعيل عن محمد بن الحسن التميمي عن سهل بن أحمد الديباجي عن محمد بن محمد بن الأشعث عن موسى بن إسماعيل بن موسى عن أبيه عن جده موسى بن جعفر عن آبائه ع قال قال علي ع من صلى على غير القبلة فكان إلى المشرق أو المغرب فلا يعيد الصلاة
بيان يمكن حمله على خارج الوقت أو على ما إذا لم يصل إلى عين المشرق و المغرب بل كان مائلا إليهما و لو كان مكافئا لأخبار الإعادة لأمكن حملها على الاستحباب مع تأيده بإطلاق بعض الأخبار و ظاهر الآية الأولى
-27 دعائم الإسلام، عن جعفر بن محمد ع في قول الله عز و جل فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً قال أمره أن يقيمه للقبلة حنيفا ليس فيه شيء من عبادة الأوثان خالصا مخلصا
و عن أبي جعفر ع قال لا تلتفت عن القبلة في صلاتك فتفسد عليك فإن الله قال لنبيه فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ وَ حَيْثُ ما كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ و اخشع ببصرك و لا ترفعه إلى السماء و ليكن نظرك إلى موضع سجودك
28- العلل، عن جعفر بن محمد بن مسرور عن الحسين بن محمد بن عامر عن عمه عبد الله عن ابن أبي عمير عن حماد عن الحلبي عن أبي عبد الله ع قال سألته عن الرجل يقرأ السجدة و هو على ظهر دابته قال يسجد حيث توجهت به فإن رسول الله ص كان يصلي على ناقته و هو مستقبل المدينة يقول الله عز و جل فَأَيْنَما تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ
29- العياشي، عن حريز قال قال أبو جعفر ع أنزل الله هذه الآية في التطوع خاصة فَأَيْنَما تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ واسِعٌ عَلِيمٌ و صلى رسول الله ص إيماء على راحلته أينما توجهت به حيث خرج إلى خيبر و حين رجع من مكة و جعل الكعبة خلف ظهره
قال قال زرارة قلت لأبي عبد الله ع الصلاة في السفر السفينة و المحمل سواء قال الناقة كلها سواء تومئ إيماء أينما توجهت دابتك و سفينتك و الفريضة تنزل لها عن المحمل إلى الأرض إلا من خوف فإن خفت أومأت و أما السفينة فصل بها قائما و توخ القبلة بجهدك إن نوحا ع قد صلى الفريضة فيها قائما متوجها إلى القبلة و هي مطبقة عليهم قال قلت و ما كان علمه بالقبلة فيتوجهها و هي مطبقة عليهم قال كان جبرئيل ع يقومه نحوها قال قلت فأتوجه نحوها في كل تكبيرة قال أما في النافلة فلا إن ما يكبر في النافلة على غير القبلة أكثر ثم قال كل ذلك قبلة للمتنفل إنه قال فَأَيْنَما تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ واسِعٌ عَلِيمٌ
30- الإحتجاج، و تفسير العسكري ع في احتجاج النبي على المشركين قال إنا عباد الله مخلوقون مربوبون نأتمر له فيما أمرنا و ننزجر عما زجرنا إلى أن قال فلما أمرنا أن نعبده بالتوجه إلى الكعبة أطعنا ثم أمرنا بعبادته بالتوجه نحوها في سائر البلدان التي نكون بها فأطعنا فلم نخرج في شيء من ذلك من اتباع أمره
31- تفسير سعد بن عبد الله، برواية ابن قولويه عنه بإسناده إلى الصادق ع قال قال أمير المؤمنين ع إن رسول الله لما بعث كانت القبلة إلى بيت المقدس على سنة بني إسرائيل و ذلك أن الله تبارك و تعالى أخبرنا في القرآن أنه أمر موسى بن عمران ع أن يجعل بيته قبلة في قوله وَ أَوْحَيْنا إِلى مُوسى وَ أَخِيهِ أَنْ تَبَوَّءا لِقَوْمِكُما بِمِصْرَ بُيُوتاً وَ اجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ قِبْلَةً و كان رسول الله ص على هذا يصلي إلى بيت المقدس مدة مقامه بمكة و بعد الهجرة أشهرا حتى عيرته اليهود و قالوا أنت تابع لنا تصلي إلى قبلتنا و بيوت نبينا فاغتم رسول الله ص لذلك و أحب أن يحول الله قبلته إلى الكعبة و كان ينظر في آفاق السماء ينتظر أمر الله فأنزل الله عليه قَدْ نَرى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّماءِ إلى قوله لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ يعني اليهود ثم أخبر لأي علة لم يحول قبلته في أول النبوة فقال وَ ما جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنْتَ عَلَيْها الآية فقالوا يا رسول الله فصلاتنا التي صليناها إلى بيت المقدس ما حالها فأنزل الله وَ ما كانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمانَكُمْ إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَؤُفٌ رَحِيمٌ و قال في موضع آخر فيما فرض الله على الجوارح من الطهور و الصلاة و ذلك أن الله تبارك و تعالى لما صرف نبيه إلى الكعبة عن بيت المقدس قال المسلمون للنبي يا رسول الله أ رأيت صلاتنا التي كنا نصلي إلى بيت المقدس ما حالها و حالنا فيها و حال من مضى من أمواتنا و هم يصلون إلى بيت المقدس فأنزل الله عز و جل وَ ما كانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمانَكُمْ فسمى الله الصلاة إيمانا
أقول سيأتي كثير من أخبار هذا الباب في باب الاستقرار و باب صلاة الموتحل و الغريق و أبواب صلاة الخوف و المطاردة. و لنختم الباب بذكر رسالة كتبها الشيخ الجليل أبو الفضل شاذان بن جبرئيل القمي قدس الله روحه في القبلة في سنة ثمان و خمسين و خمسمائة و كثيرا ما يذكر الأصحاب عنه و يعولون عليه و هو داخل في إجازات أكثر الأصحاب كما ستعرف في آخر الكتاب قال الشهيد نور الله ضريحه في الذكرى ذكر الشيخ أبو الفضل شاذان بن جبرئيل القمي و هو من أجلاء فقهائنا في كتاب إزاحة العلة في معرفة القبلة و ذكر فصلا منه و اشتبه على بعض الأصحاب فتوهم أنه تأليف الفضل بن شاذان و ليس كذلك لما صرح به الشهيد و غيره
إزاحة العلة في معرفة القبلة لمؤلفه أبي الفضل شاذان بن جبرئيل القمي
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ قال قدس سره سألني الأمير فرامرز بن علي الجرجاني إملاء مختصر يشتمل على ذكر معرفة القبلة من جميع أقاليم الأرض مما ورد عن أئمة الهدى ع فامتثلت مرسومه أدام الله نعمته فأول ما ابتدأت بذكره وجوب التوجه إلى القبلة ثم ذكرت بعد ذلك أقسام القبلة و أحكامها و ذكرت كيفية ما يستدل به أهل كل إقليم إلى منتهى حدوده على معرفة قبلتهم إن شاء الله تعالى
فصل في ذكر وجوب التوجه إلى القبلة
قال الله تعالى لنبيه ص قَدْ نَرى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّماءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضاها فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ وَ حَيْثُ ما كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ أي نحوه و قال عز و جل وَ مِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ وَ إِنَّهُ لَلْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ وَ مَا اللَّهُ بِغافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ فأوجب الله تعالى بظاهر اللفظ التوجه نحو المسجد الحرام لمن نأى عنه
و روى أبو بصير عن أبي عبد الله ع قال سألته عن قول الله فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً قال أمره أن يقيم وجهه للقبلة خالصا مخلصا ليس فيه شيء من عبادة الأوثان
و عن أبي بصير أيضا قال سألته عن قول الله عز و جل وَ أَقِيمُوا وُجُوهَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ قال هذه القبلة أيضا
فوجه وجوب معرفة القبلة التوجه إليها في الصلاة كلها فرائضها و سننها مع الإمكان و عند الذبح و النحر و عند إحضار الأموات و غسلهم و الصلاة عليهم و دفنهم و الوقوف بالموقفين و رمي الجمار و حلق الرأس لا وجه لوجوب معرفة القبلة سوى ذلك
فصل في ذكر أقسام القبلة و أحكامها
المكلفون في باب التوجه إلى القبلة على ثلاثة أقسام منهم من يلزمه التوجه إلى نفس الكعبة فلا يحتاج إلى طلب الأمارات و هو كل من كان مشاهدا بأن يكون في المسجد الحرام أو يكون في حكم المشاهد بأن يكون ضريرا أو يكون بينه و بين الكعبة حائل أو يكون خارج المسجد الحرام بحيث لا يخفى عليه جهة الكعبة. و القسم الثاني ما يلزمه التوجه إلى نفس المسجد الحرام و هو كل من كان مشاهد المسجد الحرام أو في حكم المشاهد أو غلب على ظنه جهته ممن كان في الحرم و هذا القسم أيضا لا يحتاج إلى تطلب تلك الأمارات التي يحتاج إليها من كان خارج الحرم. و القسم الثالث من يلزمه التوجه إلى الحرم فهو كل من كان خارج الحرم و نائيا عنه و هو الذي يحتاج إلى تطلب تلك الأمارات من سائر أقاليم الأرض
فصل في ذكر صرف رسول الله ص إلى الكعبة من البيت المقدس
قال معاوية بن عمار قلت لأبي عبد الله ع متى صرف رسول الله ص إلى الكعبة قال بعد رجوعه من بدر و كان يصلي بالمدينة إلى بيت المقدس سبعة عشر شهرا ثم أعيد إلى الكعبة
و عن أبي بصير قال سألت أبا عبد الله ع عن قول الله عز و جل وَ ما جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنْتَ عَلَيْها إِلَّا لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّنْ يَنْقَلِبُ عَلى عَقِبَيْهِ وَ إِنْ كانَتْ لَكَبِيرَةً إِلَّا عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ وَ ما كانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمانَكُمْ إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَؤُفٌ رَحِيمٌ فقال ع إن بني عبد الأشهل أتوهم و هم قد صلوا ركعتين إلى بيت المقدس فقيل لهم إن نبيكم قد صرف إلى الكعبة فتحول النساء مكان الرجال و الرجال مكان النساء و جعلوا الركعتين الباقيتين إلى الكعبة و صلوا صلاة واحدة إلى قبلتين فلذلك سمي مسجدهم مسجد القبلتين و هو بالمدينة قريبا من بئر رومة
فصل في ذكر من كان في جوف الكعبة أو فوقها أو عرصتها مع عدم حيطانها
إذا كان الإنسان في جوف الكعبة صلى إلى أي جهة شاء إلا إلى الباب فإنه إذا كان مفتوحا لا يجوز التوجه إلى جهته و كذلك الحكم إذا كان فوقها سواء كان السطح له سترة من نفس البناء أو كان مغروزا فيه أو لم يكن له سترة ففي أي موضع وقف جاز اللهم إلا أن يقف على طرف الحائط بحيث لا يبقى بين يديه جزء من بناء البيت فإنه لا يجوز حينئذ صلاته لأنه يكون قد استدبر القبلة. و يجوز لمن كان فوق الكعبة أيضا أن يصلي مستلقيا متوجها إلى البيت المعمور الذي يسمى الضراح في السماء الرابعة أو الثالثة على خلاف فيه و تكون صلاته إيماء. و متى انهدم البيت و العياذ بالله جازت الصلاة إلى عرصته و إن وقف وسط عرصته و صلى كان أيضا جائزا ما لم يقف على طرف قواعده بحيث لم يبق بين يديه جزء من أساسه
فصل في التوجه إلى القبلة من أربع جوانب البيت
اعلم أن الناس يتوجهون إلى القبلة من أربع جوانب الأرض فأهل العراق و خراسان إلى جيلان و جبال ديلم و ما كان في حدوده مثل الكوفة و بغداد و حلوان إلى الري و طبرستان إلى جبل سابور و إلى ما وراء النهر إلى خوارزم إلى الشاش و إلى منتهى حدوده و من يصلي إلى قبلتهم من أهل الشرق إلى حيث يقابل المقام و الباب. و يستدل على ذلك من النجوم بتصيير بنات نعش خلف الأذن اليمنى و الجدي إذا طلع خلف منكبه الأيمن و الفجر موازيا لمنكبه الأيسر و الشفق محاذيا لمنكبه الأيمن و الهنعة إذا طلعت بين الكتفين و الدبور مقابله و الصبا خلفه و الشمال على يمينه و الجنوب على يساره أو بجعل عين الشمس عند الزوال على حاجبه الأيمن. و على أهل العراق و من يصلي إلى قبلتهم من أهل الشرق التياسر قليلا.
و سئل الصادق ع عن التياسر فقال إن الحجر الأسود لما أنزل به من الجنة و وضع في موضعه جعل أنصاب الحرم من حيث يلحقه نور الحجر الأسود فهي عن يمين الكعبة أربعة أميال و عن يسارها ثمانية أميال كلها اثني عشر ميلا فإذا انحرف الإنسان ذات اليمين خرج عن جهة القبلة لقلة أنصاب الحرم و إذا انحرف ذات اليسار لم يكن خارجا عن حد القبلة
و الأنصاب هي الأعلام المبنية على حدود الحرم و الفرق بين الحل و الحرم. فصل في ذكر التوجه إلى القبلة من مالطة و شمشاط و الجزيرة إلى الموصل و ما وراء ذلك من بلاد آذربيجان و الأبواب إلى حيث يقابل ما بين الركن الشامي إلى نحو المقام و يستدل على ذلك من النجوم بتصيير بنات نعش خلف الأذن اليمنى و العيوق إذا طلع خلف الأذن اليسرى و سهيل إذا تدلى للمغيب بين العينين و الجدي إذا طلع بين الكتفين و الشرق على يده اليسرى و الشمال على صفحة الخد الأيمن و الدبور على العين اليمنى و الجنوب على العين اليسرى. فصل في ذكر التوجه إلى القبلة من الشام و التوجه إلى القبلة من عسفان و ينبع و المدينة و حر دمشق و حلب و حمص و حماة و آمد و ميافارقين و أقلاد و إلى الروم و سماوة و الجوذا و إلى مدين شعيب و إلى الطور و تبوك و الدار و من بيت المقدس و بلاد الساحل كلها و دمشق إلى حيث يقابل الميزاب إلى الركن الشامي و يستدل على ذلك من النجوم بتصيير بنات نعش إذا غابت خلف الأذن اليمنى و الجدي إذا طلع خلف الكتف الأيسر و موضع مغيب السهيل على العين اليمنى و طلوعه بين العينين و المشرق على عينه اليسرى و الصبا على خده الأيسر و الشمال على الكتف الأيمن و الدبور على صفحة الخد الأيمن و الجنوب مستقبل الوجه. فصل في ذكر التوجه إلى القبلة من بلاد مصر و الإسكندرية و القيروان إلى تاهرت إلى البربر إلى السوس الأقصى من المغرب و إلى الروم و إلى البحر الأسود إلى حيث يقابل ما بين الركن الغربي إلى الميزاب و يستدل على ذلك بتصيير الصليب إذا طلع بين العينين و بنات نعش إذا غابت بين الكتفين و الجدي إذا طلع على الأذن اليسرى و المشرق على العين اليسرى و الصبا على المنكب الأيسر و الشمال بين العينين و الدبور على اليد اليمنى و الجنوب على العين اليسرى. فصل في ذكر التوجه إلى القبلة من بلاد الحبشة و النوبة و التوجه إلى القبلة من الصعيد الأعلى من بلاد مصر و بلاد الحبشة و النوبة و النحة و الزعاوة و الدمانس و التكرور و الزيلع و من وراء ذلك من بلاد السودان إلى حيث يقابل ما بين الركن الغربي و الركن اليماني و يستدل على ذلك بتصيير الثريا و العيوق إذا طلعا على يمينه و شماله و الشولة إذا غابت بين الكتفين و الجدي على صفحة الخد الأيسر و المشرق بين العينين و الصبا على العين اليسرى و الدبور على المنكب الأيمن و الجنوب على العين اليمنى. فصل في ذكر التوجه إلى القبلة من الصين و اليمن و التهايم و صعدة إلى الصنعاء و عدن و حرمس إلى حضرموت و كذلك إلى البحر الأسود إلى حيث يقابل المستجار و الركن اليماني و يستدل على ذلك من النجوم بتصيير الجدي إذا طلع بين العينين
و سهيل إذا غاب بين الكتفين و المشرق على الأذن اليمنى و الصبا على صفحة الخد الأيمن و الشمال على العين اليسرى و الدبور على المنكب الأيسر و الجنوب على مرجع الكتف اليمنى. فصل في ذكر التوجه إلى القبلة من السند و الهند و غير ذلك و التوجه إلى القبلة من الهند و السند و ملتان و كابل و القندهار و جزيرة سيلان و ما وراء ذلك من بلاد الهند إلى حيث يقابل الركن اليماني إلى الحجر الأسود و يستدل على ذلك من النجوم بتصيير بنات نعش إذا طلعت على الخد الأيمن و الجدي إذا طلع على الخد الأيمن و الثريا إذا غابت على العين اليسرى و سهيل إذا طلع خلف الأذن اليسرى و الشرق على يد اليمين و الصبا على صفحة الخد الأيمن و الشمال مستقبل الوجه و الدبور على المنكب الأيسر و الجنوب بين الكتفين. فصل في ذكر التوجه إلى القبلة من البصرة و غيرها و التوجه من البصرة و البحرين و اليمامة و الأهواز و خوزستان و فارس و أصفهان و سجستان إلى التبت إلى الصين إلى حيث يقابل ما بين الباب و الحجر الأسود و يستدل على ذلك من النجوم بتصيير النسر الطائر إذا طلع بين الكتفين و الجدي إذا طلع على الأذن اليمنى و الشولة إذا نزلت للمغيب بين عينيه و المشرق على أصل المنكب الأيمن و الصبا على الأذن اليمنى و الشمال على العين اليمنى و الدبور على الخد الأيسر و الجنوب بين الكتفين
فصل في ذكر من فقد هذه الأمارات المذكورة في معرفة القبلة
من فقد هذه الأمارات و من اشتبه عليه ذلك أو كان محبوسا في بيت بحيث لا يجد دليلا على القبلة صلى الصلاة الواحدة إلى أربع جهات إلى كل جهة مرة في حال الاختيار و مع الضرورة إلى أي جهة شاء و لا يجوز استعمال الاجتهاد و التحري في طلبها على حال و كذلك الحكم إذا كان الإنسان في بر أو بحر و أطبقت السماء بالغيم فإنه يصلي الصلاة الواحدة إلى أربع جهات أربع مرات. و قد تعلم القبلة بالمشاهدة أو بخبر عن مشاهدة يوجب العلم أو بأن نصبها النبي ص بمسجده كقبلة المدينة و قباء و في بعض أسفاره و غزواته بنى مساجد معروفة إلى الآن مثل مسجد الفضيخ و مسجد الأعمى و مسجد الإجابة و مسجد البغلة و مسجد الفتح و سلع و غيرها من المواضع التي صلى فيها النبي ص و كالقبور المرفوعة بحضوره مثل قبر إبراهيم بن رسول الله ص و فاطمة بنت أسد و قبر حمزة سيد الشهداء بأحد و غيره أو بأن نصبها أحد الأئمة ع مثل قبلة الكوفة و البصرة و غيرهما أو يحكم بأنهم صلوا إليها ع فإن بجميع ذلك تعلم القبلة. فصل في ذكر الغريب إذا دخل بلدة و هو لا يعلم القبلة كيف يصلي جاز له أن يصلي إلى قبلة تلك البلد و إذا غلب على ظنه أنها غير صحيحة وجب عليه أن يرجع إلى الأمارات الدالة على القبلة عند صلاته مع التمكن و زوال العذر و أن يأخذ بقول عدل و يجب على الإنسان تتبع الأمارات كلما أراد أن يصلي اللهم إلا أن يكون قد علم أن القبلة في جهة بعينها ثم علم أنها لم تتغير جاز له أن يتوجه إليها من غير أن يجدد طلب الأمارات
فصل في ذكر من كان بمكة خارج المسجد الحرام كيف يصلي
من كان بمكة خارج المسجد الحرام أو في بعض بيوتها وجب عليه التوجه إلى جهة الكعبة مع العلم سواء كان غريبا أو قطنا و لا يجوز له أن يجتهد في بعض بيوتها لأنه لا يتعذر عليه طريق العلم. و من كان وراء جبل من جبال مكة و هو في الحرم و أمكنه معرفة القبلة من جهة العلم لم يجز له أن يعمل على الاجتهاد بل يجب عليه طلبها من جهة العلم و من نأى عن الحرم فقد قلنا له أن يطلب جهة الحرم مع الإمكان فإن كان له طريق يعلم من جهة الحرم وجب عليه ذلك و إن لم يكن له طريق يعلم منه رجع إلى الأمارات التي ذكرناها أو عمل على غلبة الظن فإن فقد هذه الأمارات صلى إلى أربع جهات على ما ذكرناه فإن لم يتسع الوقت أو لا يتمكن من ذلك يصلي إلى أي جهة شاء
فصل في ذكر من فقد هذه الأمارات و أراد أن يصلي الجماعة
متى لزم جماعة الصلاة إلى أربع جهات لفقد الأمارات جاز لهم أن يصلوا جماعة إلى الجهات الأربع. و البصير إذا صلى إلى بعض الجهات ثم تبين له أنه صلى إلى غير القبلة و الوقت باق أعاد الصلاة فإن كان صلى بصلاته بصير آخر و هو ممن لا يحسن الاستدلالات أو صلى بقوله و لم يصل معه فإن تقضى الوقت فلا إعادة على واحد منهما إلا أن يكون قد استدبر القبلة فإنه يعيدها هو و كل من صلى بقوله على الصحيح من المذهب و قال قوم من أصحابنا إنه لا يعيد و الأول أصح. فإن كان في حال الصلاة ثم ظن بأن القبلة عن يمينه أو عن شماله بنى عليه و استقبل القبلة و تممها فإن كان مستدبر القبلة أعاد من أولها بلا خلاف فإن كان صلى بصلاته أعمى انحرف بانحرافه. و إذا كانوا جماعة و قد فقدوا أمارات القبلة و أرادوا أن يصلوا جماعة جاز لهم أن يقتدوا بواحد منهم إذا تساوت ظنونهم في قياس القبلة فإن غلب في ظن أحدهم جهة القبلة و تساوى ظن الباقين جاز أيضا أن يقتدوا به لأن فرضهم الصلاة إلى أربع جهات مع الإمكان و إلى جهة واحدة مع الضرورة. و هذه الجماعة متى اختلفت ظنونهم فيها و أدى اجتهاد كل واحد منهم إلى أن القبلة في خلاف جهة الآخر لم يكن لواحد منهم الاقتداء بالآخر على حال و تكون صلاتهم فرادى فإن صلوها جماعة ثم رأى الإمام في صلاته أنه أخطأ القبلة رجع إلى القبلة على ما فصلناه و المأمومون إن غلب ذلك على ظنهم تبعوه في ذلك و إن لم يغلب على ظنهم بنوا على ما هم عليه و تمموا صلاتهم منفردين و كذلك الحكم في بعض المأمومين سواء و من كان أعمى أو كان بصيرا إلا أنه لا يعرف استدلالات القبلة أو كان يحسن إلا أنه قد فقدها جاز أن يرجع في معرفة القبلة إلى قول من يخبره بذلك إذا كان عدلا فإن لم يجد عدلا يخبره بذلك كان حكمه حكم من فقد الأمارات في وجوب الصلاة عليه إلى أربع جهات مع الاختيار أو إلى جهة واحدة مع الاضطرار. و يجوز للأعمى أن يقبل من غيره و يرجع إلى قوله في كون القبلة في بعض الجهات سواء كان طفلا أو بالغا فإن لم يرجع إلى قوله و صلى برأي نفسه و أصاب القبلة كانت صلاته ماضية و إن أخطأ القبلة أعاد الصلاة لأن فرضه أن يصلي إلى أربع جهات فإن كان في حال الضرورة كانت صلاته ماضية. و لا يجوز له أن يقبل من الكفار و لا ممن ليس على ظاهر الإسلام و قول الفاسق لأنه غير عدل و إذا دخل الأعمى في صلاته بقول واحد ثم قال آخر القبلة في جهة غيرها عمل على قول أعدلهما عنده فإن تساويا في العدالة مضى في صلاته لأنه دخل فيها بيقين و لا يرجع عنها إلا بيقين مثله. و إذا دخل الأعمى في الصلاة بقول بصير ثم أبصر و شاهد أمارات القبلة و كانت صحيحة بنى على صلاته و إن احتاج إلى تأمل كثير و تطلب أمارات و مراعاتها استأنف الصلاة لأن ذلك عمل كثير في الصلاة و هو يبطل الصلاة و في أصحابنا من قال إنه يمضي في صلاته و الأول أحوط. فإن دخل بصير في الصلاة ثم عمي فعليه أن يتمم صلاته لأنه توجه إلى القبلة بيقين ما لم ينحرف عن القبلة فإن التوى عليه التواء لا يمكنه الرجوع إليها بيقين بطلت صلاته و يحتاج إلى استئنافها بقول من يسدده فإن كان له طريق رجع إليها و تمم صلاته فإن وقف قليلا ثم جاء من يسدده جازت صلاته و تممها و إن تساوت عنده الجهات فقد قلنا إنه يصلي إلى أربع جهات مع الإمكان و يكون مجزيا في حال الضرورة. فإن دخل فيها ثم غلب على ظنه أن جهة القبلة في غير تلك الجهة مال إليها و بنى على صلاته ما لم يستدبر القبلة فإن كان مستدبرها أعاد الصلاة
فصل في ذكر استقبال القبلة لمن يصلي على الراحلة أو في السفينة أو في حال المسايفة و المطاردة
اعلم أن المسافر لا يصلي الفريضة على الراحلة مع الاختيار فإن لم يمكنه غير ذلك جاز له أن يصلي على الراحلة غير أنه يستقبل القبلة على كل حال و لا يجوز له غير ذلك و أما النوافل فلا بأس أن يصليها على الراحلة و أما صلاة الجنازة و صلاة الفرض أو قضاء الفريضة أو صلاة الكسوف أو صلاة العيدين أو صلاة النذر فلا يصلي شيئا من ذلك على الراحلة مع الاختيار و يجوز مع الاضطرار لعموم الأخبار و المنع من ذلك على الراحلة في الأمصار مع الضرورة و الاختيار و فعلها على الأرض. و كذا في السفينة إذا دارت يدور معها بالعكس حيث تدور فإن لم يمكنه صلى على صدر السفينة بعد أن يستقبل القبلة بتكبيرة الإحرام. و أما حال شدة الخوف و حال المطاردة و الغرق و المسايفة فإنه يسقط فرض استقبال القبلة و يصلي كيف شاء و يمكن منه إيماء و يقتصر على التكبير على ما ذكره أصحابنا في كتبهم رضي الله عنهم.
أقول إنما أوردت الرسالة بتمامها لاشتهارها بين علمائنا المتأخرين و تعويلهم عليها في أحكام القبلة لكن العلامات التي ذكرها ره كثير منها مخالفة للتجربة و القواعد الهيئاوية بل لا يوافق بعضها بعضا و لم نتكلم في ذلك لأن استيفاء القول فيها يوجب بسطا لا يناسب الكتاب و الرجوع إلى القواعد الرياضية و الآلات المعدة لذلك من الأسطرلاب و الهندسة أضبط و أقوى و التعويل عليها أحوط و أولى إذ بعد استعلام خط نصف النهار ينحرف عنه إلى اليمين و إلى الشمال بقدر ما استخرجوه من انحراف كل بلد. و تفصيله أن يسوي الأرض غاية التسوية و قد ذكروا لها وجوها شهرتها عند البناءين تغني عن ذكرها و يقام مقياس في وسط ذلك السطح و يرسم حول المقياس دائرة نصف قطرها بقدر ضعف المقياس على ما ذكروه و إن لم يكن ذلك لازما بل اللازم أن يكون المقياس بحيث يدخل ظله الدائرة قبل الزوال و يخرج بعده و يرصد دخول الظل الدائرة و خروجه عنها قبل نصف النهار و بعده و يعلم كلا من موضعي الدخول و الخروج بعلامة و ينصف القوس التي بينهما و يوصل بين المنتصف و المركز بخط مستقيم فهو خط نصف النهار و بخروج رأس ظل المقياس عنه يعرف أول الزوال و بقدر الانحراف عنه يمينا و شمالا يعرف القبلة. و لنذكر مقدار انحراف البلاد المعروفة كما ذكره المحققون في كتب الهيئة لئلا يحتاج الناظر في هذا الكتاب إلى الرجوع إلى غيره فالبلاد التي تكون على خط نصف النهار سمت قبلتهم نقطة الجنوب أو الشمال و أما البلاد المنحرفة عن نقطة الجنوب إلى المغرب فبلدتنا أصبهان منحرفة عن نقطة الجنوب إلى اليمين بأربعين درجة و تسع و عشرين دقيقة و كاشان بأربع و ثلاثين درجة و إحدى و ثلاثين دقيقة و قزوين بسبع و عشرين درجة و أربع و ثلاثين دقيقة و تبريز بخمس عشرة درجة و أربعين دقيقة و مراغة بست عشرة درجة و سبع عشرة دقيقة و يزد بثمان و أربعين درجة و تسع و عشرين دقيقة و قم بإحدى و ثلاثين درجة و أربع و خمسين دقيقة و أسترآباد بثمان و ثلاثين درجة و ثمان و أربعين دقيقة و طوس و مشهد الرضا صلوات الله عليه بخمس و أربعين درجة و ست دقائق و نيسابور بست و أربعين درجة و خمس و عشرين دقيقة و سبزوار بأربع و أربعين درجة و اثنتين و خمسين دقيقة و بغداد باثنتي عشرة درجة و خمس و أربعين دقيقة و كوفة باثنتي عشرة درجة و إحدى و ثلاثين دقيقة و سرمنرأى بسبع درجات و ست و خمسين دقيقة و المدائن بثمان درجات و ثلاثين دقيقة و الحلة باثنتي عشرة درجة و بحرين بسبع و خمسين درجة و ثلاث و عشرين دقيقة و لحسا بتسع و ستين درجة و ثلاثين دقيقة و شيراز بثلاث و خمسين درجة و ثمان عشرة دقيقة و همدان باثنتين و عشرين درجة و ست عشرة دقيقة و ساوة بتسع و عشرين درجة و ست عشرة دقيقة و تون بخمسين درجة و عشرين دقيقة و طبس باثنتين و خمسين درجة و خمس و خمسين دقيقة و تستر بخمس و ثلاثين درجة و أربع و عشرين دقيقة و أردبيل بسبع عشرة درجة و ثلاث عشرة دقيقة و هرات بأربع و خمسين درجة و ثمان دقائق و قاين بأربع و خمسين درجة و دقيقة و سمنان بست و ثلاثين درجة و سبع عشرة دقيقة و دامغان بثمان و ثلاثين درجة و بسطام بتسع و ثلاثين درجة و ثلاث عشرة دقيقة و لاهيجان بثلاث و عشرين درجة و ساري باثنتين و ثلاثين درجة و أربع و خمسين دقيقة و آمل بأربع و ثلاثين درجة و ست و ثلاثين دقيقة و قندهار بخمس و سبعين درجة و الري بسبع و ثلاثين درجة و ست و عشرين دقيقة و كرمان باثنتين و ستين درجة و إحدى و خمسين دقيقة و بصرة بثمان و ثلاثين درجة و واسط بعشرين درجة و أربع و خمسين دقيقة و الأهواز بأربعين درجة و ثلاثين دقيقة و گنجة بخمس عشرة درجة و تسع و أربعين دقيقة و بردع بست عشرة درجة و سبع و ثلاثين دقيقة و تفليس بأربع عشرة درجة و
إحدى و أربعين دقيقة و شيروان بعشرين درجة و تسع دقائق و كذا الشماخي و سجستان بثلاث و ستين درجة و ثمان عشرة دقيقة و طالقان بتسع و عشرين درجة و ثلاث و ثلاثين دقيقة و سرخس بإحدى و خمسين درجة و أربع و خمسين دقيقة و المرو باثنتين و خمسين درجة و ثلاثين دقيقة و البلخ بستين درجة و ست و ثلاثين دقيقة و بخارى بتسع و أربعين درجة و ثمان و ثلاثين دقيقة و جنابد باثنتين و خمسين درجة و خمس و ثلاثين دقيقة و بدخشان بأربع و ستين درجة و تسع دقائق و سمرقند باثنتين و خمسين درجة و أربع و خمسين دقيقة و كاشغر بثمان و خمسين درجة و ست و ثلاثين دقيقة و خان بالغ بثلاث و سبعين درجة و ثلاثين دقيقة و غزنين بسبعين درجة و سبع و ثلاثين دقيقة و تبت بست و ستين درجة و ست و عشرين دقيقة و بست بثلاث و ستين درجة و ثلاثين دقيقة و هرموز بأربع و سبعين درجة و لهاور بثمان و سبعين درجة و ست و عشرين دقيقة و دهلي بسبع و ثمانين درجة و ست و عشرين دقيقة و ترشيز بثمان و أربعين درجة و إحدى عشرة دقيقة و خبيص بسبع و خمسين درجة و ثمان و أربعين دقيقة و أبهر بأربع و عشرين درجة و كازران بإحدى و خمسين درجة و ست و خمسين دقيقة و جرفادقان بثمان و ثلاثين درجة و خوارزم بأربعين درجة و خجند بخمسين درجة. و أما الانحرافات من الجنوب إلى المشرق فالمدينة المشرفة منحرفة قبلتها من نقطة الجنوب إلى المشرق بسبع و ثلاثين درجة و عشر دقائق و مصر بثمان و خمسين درجة و ثمان و ثلاثين دقيقة و دمشق بثلاثين درجة و إحدى و ثلاثين دقيقة و حلب بثمان عشرة درجة و تسع و عشرين دقيقة و قسطنطينية بثمان و ثلاثين درجة و سبع عشرة دقيقة و موصل بأربع درجات و اثنتين و خمسين دقيقة و بيت المقدس بخمس و أربعين درجة و ست و خمسين دقيقة. و أما ما كان من الشمال إلى المغرب فبنارس بخمس و سبعين درجة و أربع و ثلاثين دقيقة و أكرة بتسع و ثمانين درجة و دقيقة و سرانديب بسبعين درجة
و اثنتي عشرة دقيقة و چين بخمس و سبعين درجة و سومنات بخمس و سبعين درجة و أربع و ثلاثين دقيقة. و أما ما كان من الشمال إلى المشرق فصنعاء بدرجة و خمس عشرة دقيقة و عدن بخمس درجات و خمس و خمسين دقيقة و جرمي دار ملك الحبشة بسبع و أربعين درجة و خمس و عشرين دقيقة و سائر البلاد القريبة من تلك البلاد و المتوسطة بينها يعرف انحرافها بالمقايسة و التخمين و الله الموفق و المعين