الآيات المائدة يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَ أَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرافِقِ وَ امْسَحُوا بِرُؤُسِكُمْ وَ أَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ الواقعة إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ فِي كِتابٍ مَكْنُونٍ لا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ
تفسير قيل إقباله جل شأنه بالخطاب بهذا الأمر يتضمن تنشيط المخاطبين و الاعتناء بشأن المأمور به و جبر كلفة التكليف بلذة المخاطبة ثم إن قلنا باختصاص كلمة يا بنداء البعيد كما هو الأشهر فالنداء بها للبعد البعيد بين مقامي عز الربوبية و ذل العبودية أو لتنزيل المخاطبين و لو تغليبا منزلة البعداء للانهماك في لوازم البشرية و إن كان سبحانه أقرب إلينا من حبل الوريد أو لما يتضمنه هذا النداء من تفخيم المخاطب به و الإشارة إلى رفعة شأنه بالإيماء إلى أننا بمراحل عن توفية حقه و حق ما شرع لأجله. و لفظة أي لما كانت وصلة إلى نداء أمثال هذه المعارف أعطيت حكم المنادى و وصفت بالمقصود بالنداء و توسيط هاء التنبيه بينهما تعويض عما استحقه من المضاف إليه و تأكيد للخطاب و قد كثر النداء بيا أيها الذين آمنوا في القرآن المجيد لما فيه من وجوه التأكيد بالإيماء إلى التفخيم و تكرار الذكر و الإبهام أولا ثم الإيضاح ثانيا. و الإتيان بحرف التنبيه و تعليق الحكم على الوصف المشعر بالعلية الباعث على الترغيب في الامتثال و تخصيص بالمؤمنين لأنهم هم المتهيئون للامتثال و إلا فالكفار عندنا مخاطبون بفروع العبادات على أن المصر على عدم الايتمار بالشيء لا يحسن أمره بما هو من شروطه و مقدماته. و القيام إلى الصلاة قيل أريد به إرادته و التوجه إليه إطلاقا للملزوم على لازمه أو المسبب على سببه إذ فعل المختار تلزمه الإرادة و يتسبب عنها كقوله تعالى فَإِذا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ و قيل المراد بالقيام إليها قصدها و العلاقة ما مر من اللزوم أو السببية و قيل معنى القيام إلى الشيء قصده و صرف الهمة إلى الإتيان به فلا تجوز و قيل المراد القيام المنتهي إلى الصلاة. قال الشيخ البهائي قدس سره و القولان الأخيران و إن سلما عن التجوز لكن أولهما لم يثبت في اللغة و ثانيهما لا يعم جميع الحالات فالمعتمد الأول و كيف كان فالمعنى إذا قمتم محدثين و أما ما نقل من أن الوضوء كان فرضا على كل قائم إلى الصلاة و إن كان على وضوء ثم نسخ بالسنة فلم يثبت عندنا مع أنه خلاف ما هو المشهور من أنه لا منسوخ في المائدة. و قال جماعة من الأصحاب الوجه مأخوذ من المواجهة فالآية إنما تدل على وجوب غسل ما يواجه به منه و قال والدي قدس سره بل الأمر بالعكس فإن المواجهة مشتقة من الوجه. و لما كانت اليد تطلق على ما تحت الزند و على ما تحت المرفق و ما تحت المنكب بين سبحانه غاية المغسول منها كما تقول لغلامك اخضب يدك إلى الزند و للصيقل اصقل سيفي إلى القبضة و ليس في الآية الكريمة دلالة على ابتداء الغسل بالأصابع و انتهائه بالمرفق كما أنه ليس في هاتين العبارتين دلالة على ابتداء الخاضب و الصيقل بأصابع اليد و طرف السيف فهي مجملة. و لا سيما إذا جعلت لفظة إلى فيها بمعنى مع كما في بعض التفاسير فالاستدلال بها على وجوب الابتداء بالأصابع استدلال واه لاحتمالها كلا الأمرين و نحن إنما عرفنا وجوب الابتداء بالمرفق من فعل أئمتنا ع. على أن ابن هشام ذكر في طي ما ذكر من أغلاط المعربين الحادي عشر قوله تعالى فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَ أَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرافِقِ فإن المتبادر تعلق إلى باغسلوا و قد رده بعضهم بأن ما قبل الغاية لا بد أن يتكرر قبل الوصول إليها تقول ضربته إلى أن مات و يمتنع قتلته إلى أن مات و غسل اليد لا يتكرر قبل الوصول إلى المرفق لأن اليد شاملة لرءوس الأنامل و المناكب و ما بينهما. قال و الثواب تعلق إلى بأسقطوا محذوفا و يستفاد من ذلك دخول المرافق في الغسل لأن الإسقاط قام الإجماع على أنه ليس من الأنامل بل من المناكب و قد انتهى إلى المرفق و الغالب أن ما بعد إلى يكون غير داخل بخلاف حتى و إذا لم يدخل في الإسقاط بقي داخلا في المأمور بغسله انتهى. و الحمد لله الذي أظهر الحق على لسان أعدائه أ لا ترى كيف اعترف هذا الفاضل الذي هو من أفاخم علماء العربية و أجلة أفاضل أهل الضلالة بما يستلزم الحق المبين و الحمد لله رب العالمين و
قد روي عن الصادق ع أن الآية نزلت هكذا و أيديكم من المرافق
و المرافق جمع مرفق بكسر أوله و فتح ثالثه أو بالعكس و هو مجمع عظمي الذراع و العضد سمي بذلك لأنه يرتفق به في الاتكاء و نحوه و لا دلالة في الآية على إدخاله في غسل اليد و لا على إدخال الكعب في مسح الرجل لخروج الغاية تارة و دخولها أخرى و مجيء إلى بمعنى مع كما في قوله تعالى وَ يَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلى قُوَّتِكُمْ و قوله مَنْ أَنْصارِي إِلَى اللَّهِ لا ينفع فنحن إنما استفدنا إدخال المرفق في الغسل من فعل أئمتنا ع و قد أطبق جماهير الأمة أيضا على دخوله و لا يخالف فيه إلا شرذمة شاذة من العامة لا يعتد بهم. و أما الكعبان فالمشهور بين علمائنا عدم دخولهما في المسح و ليس في رواياتنا تصريح بدخولهما فيه بل في بعضها إشعار بعدمه و أما العامة فقد أدخلوهما في الغسل و الباء في قوله بِرُؤُسِكُمْ حملها العامة على مطلق الإلصاق و من ثم أوجب بعضهم مسح كل الرأس و اكتفى بعضهم ببعضه و أما عند الإمامية فالباء عندهم للتبعيض كما تدل عليه أخبارهم و لا يلتفت إلى إنكار بعض المخالفين مجيء الباء للتبعيض لاعتراف فحول علمائهم بمجيئه كالفيروزآبادي و هو من أفاخم اللغويين الذين يعتمدون عليهم في جل أحكامهم حيث قال في سياق معاني الباء و للتبعيض عَيْناً يَشْرَبُ بِها عِبادُ اللَّهِ وَ امْسَحُوا بِرُؤُسِكُمْ انتهى. و قال ابن هشام في ترجمة الباء الحادية عشر للتبعيض أثبت ذلك الأصمعي و الفارسي و القتيبي و ابن مالك قيل و الكوفيون و جعلوا منه عَيْناً يَشْرَبُ بِها عِبادُ اللَّهِ و قوله شربن بماء البحر ثم ترفعت و قوله شرب النزيف ببرد ماء الحشرج. قيل و منه وَ امْسَحُوا بِرُؤُسِكُمْ انتهى. و يكفي لنا ما صدر عن أئمتنا ع في ذلك فإنهم أفصح العرب قد أقر به المخالف و المؤالف من أهل اللسان فلا يلتفت إلى إنكار سيبويه بعد ذلك مجيء الباء في كلام العرب للتبعيض في سبعة عشر موضعا من كتابه مع أن شهادته في ذلك شهادة نفي و هي غير مقبولة بل شهادة المدعي و هي غير مسموعة مع أنها معارضة بإصرار الأصمعي على مجيئها له في نظمهم و نثرهم و هو أشد أنسا بكلامهم و أعرف بمقاصدهم من سيبويه المعاند للحق و أهله. و وافق ابن جني سيبويه في ذلك و ما ذكر بعض مشايخنا من عد قول ابن جني موافقا لمذهب ابن مالك فهو سهو لتصريح الرضي بما ذكرنا. و أما قوله سبحانه وَ أَرْجُلَكُمْ فالقراء السبعة قد اقتسموا قراءتي نصب الأرجل و جرها على التناصف فقرأ الكسائي و نافع و ابن عامر و حفص عن عاصم بنصبها و حمزة و ابن كثير و أبو عمرو و أبو بكر عن عاصم بجرها. و اختلفت الأمة في مسح الرجلين و غسلهما في الوضوء فقال فرقة بالمسح و هم كافة أصحابنا الإمامية و نقل الشيخ في التهذيب أن جماعة من العامة يوافقوننا على المسح أيضا إلا أنهم يقولون باستيعاب القدم ظهرا و بطنا و من القائلين بالمسح ابن عباس و كان يقول الوضوء غسلتان و مسحتان من باهلني باهلته و وافقه أنس بن مالك و عكرمة و الشعبي و جماعة من التابعين و قد نقل علماء العامة من المفسرين و غيرهم أنه موافق لقول الإمام محمد بن علي الباقر ع و قول آبائه الطاهرين سلام الله عليهم أجمعين. و قال طائفة بالغسل و هو مذهب أصحاب المذاهب الأربعة و قال داود و الناصر للحق و جم غفير من الزيدية بالجمع بين الغسل و المسح قالوا قد ورد الكتاب بالمسح و السنة بالغسل فوجب العمل بهما معا و ذهب الحسن البصري و أبو علي الجبائي و محمد بن جرير الطبري إلى التخيير بينهما. فإذا عرفت هذا فاعلم أن الماسحين حملوا قراءة النصب على العطف على محل الرءوس كما تقول مررت بزيد و عمرا بالعطف على محل زيد لأنه مفعول به و العطف على المحل شائع في كلام العرب مقبول عند النحاة و أما قراء الجر فلا حاجة لهم إلى توجيهها إذ ظهورها في المسح غني عن البيان. و الغاسلون حملوا قراءة النصب على عطف الأرجل على الوجوه أو على إضمار عامل آخر تقديره و اغسلوا أرجلكم كما أضمروا العامل في قول الشاعر
علفتها تبنا و ماء باردا
و قوله متقلدا سيفا و رمحا. و اضطربوا في توجيه قراءة الجر فقال بعضهم إن الأرجل فيها معطوفة على الأيدي و إنما جرت لمجاورة المجرور أعني الرءوس نحو قولهم جحر ضب خرب. و قال آخرون هي معطوفة على الرءوس و الآية مقصورة على الوضوء الذي يمسح فيه الخفان و ليس المراد بها بيان كيفية مطلق الوضوء. و لم يرتض الزمخشري في الكشاف شيئا من الوجهين و اخترع وجها آخر حيث قال فإن قلت فما تصنع بقراءة الجر و دخول الأرجل في حكم المسح قلت الأرجل من بين الأعضاء الثلاثة المغسولة تغسل بصب الماء عليها فكانت مظنة للإسراف المذموم المنهي عنه فعطفت على الرابع الممسوح لا لتمسح و لكن لينبه على وجوب الاقتصاد في صب الماء عليها و قيل إِلَى الْكَعْبَيْنِ فجيء بالغاية إماطة لظن ظان يحسبها ممسوحة لأن المسح لم تضرب له غاية في الشريعة انتهى. و أما الجامعون بين الغسل و المسح فهم يوافقون الإمامية في استفادة المسح من الآية على كل من القراءتين و أما المخيرون فرئيسهم أعني الحسن لم يقرأ بنصب الأرجل و لا بجرها و إنما قرأها بالرفع على تقدير و أرجلكم مغسولة أو ممسوحة و باقيهم وافقوا الإمامية على ما استفادوه من الآية. و من وفقه الله لسلوك جادة الإنصاف و مجانبة جانب الاعتساف لا يعتريه ريب في أن الآية الكريمة ظاهرة في المسح شديدة البعد عن إفادة الغسل و أن ما تمحله الغاسلون في توجيه قراءة النصب من عطف الأرجل على الوجوه يوجب خروج الكلام عن حلية الانتظام لصيرورته بذلك من قبيل قول القائل ضربت زيدا و عمرا و أكرمت خالدا و بكرا بجعل بكرا معطوفا على زيد لقصد الإعلام بأنه مضروب لا مكرم و لا يخفى أن مثل هذا الكلام في غاية الاستهجان عند أهل اللسان فكيف يجنح إليه أو تحمل الآية عليه. و أما ما تكلفوه من تقدير و اغسلوا فلا يخفى ما فيه فإن التقدير خلاف الأصل و إنما يحسن ارتكابه عند عدم المندوحة عنه و قد عرفت أن العطف على المحل طريق واضح و مذهب راجح. و أما المحملان اللذان حملوا عليهما قراءة الجر فهما بمراحل عن جادة السداد أما الحمل على أن المراد تعليم مسح الخفين فلا يخفى ما فيه من البعد و لهذا أعرض عنه المحققون من المفسرين إذ لم يجر للخفين ذكر و لا دلت عليهما قرينة و ليس الغالب بين العرب لبسهما و سيما أهل مكة و المدينة زادهما الله شرفا فكيف يقتصر سبحانه في ابتداء كيفية الوضوء على تعليم كيفية وضوء لابس الخفين فقط و يترك وضوء من سواه و هو الغالب الأهم. و أما الحمل على جر الجوار فأول ما فيه أن جر الجوار ضعيف جدا حتى أن أكثر أهل العربية أنكروه و لم يعولوا عليه و لهذا لم يذكره صاحب الكشاف في توجيه قراءة الجر و تمحل لها وجها آخر. و أيضا فإن المجوزين له إنما جوزوه بشرطين الأول عدم تأديته إلى الالتباس على السامع كما في المثال المشهور إذ الخرب إنما يوصف به الجحر لا الضب و الثاني أن لا يكون معه حرف العطف و الشرطان مفقودان في الآية الكريمة أما الأول فلأن تجويز جر الجوار هنا يؤدي إلى التباس حكم الأرجل لتكافؤ احتمالي جرها بالجوار المقتضي لغسلها و بالعطف على الأقرب المقتضي لمسحها. فإن قلت إنما يجيء اللبس لو لم تكن في الآية قرينة على أنها مغسولة لكن تحديدها بالغاية قرينة على غسلها إذ المناسب عطف ذي الغاية على ذي الغاية لا على عديمها و تناسب المتعاطفين أمر مرغوب فيه في فن البلاغة. قلت هذه القرينة معارضة بقرينة أخرى دالة على كونها ممسوحة و هي المحافظة على تناسب الجملتين المتعاطفتين فإنه سبحانه لما عطف في الجملة الأولى ذا الغاية على غير ذي الغاية ناسب أن يكون العطف في الجملة الثانية أيضا على هذه الوتيرة و عند تعارض القرينتين يبقى اللبس بحاله. و أما الشرط الثاني فأمره ظاهر. فإن قلت قد جاء الجر بالجوار في قوله تعالى و حور عين في
قراءة حمزة و الكسائي مع أن حرف العطف هناك موجود و ليست معطوفة على أكواب بل على ولدان لأنهن طائفات بأنفسهن و جاء أيضا في قول الشاعر فهل أنت إن ماتت أتانك راحل. إلى آل بسطام بن قيس فخاطب. بعطف خاطب على راحل و جره بجوار قيس. قلنا أما الآية الكريمة فليس جر حور عين فيها بالجوار كما ظننت بل إنما هو بالعطف على جنات أي هم في جنات و مصاحبة حور عين أو على أكواب إما لأن معنى يَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدانٌ مُخَلَّدُونَ بِأَكْوابٍ ينعمون بأكواب كما في الكشاف و غيره أو لأنه يطاف بالحور عليهم مثل ما يجاء بسراري الملوك إليهم كما في تفسير الكواشي و غيره و دعوى كونهن طائفات بأنفسهن لا مطافا بهن لم يثبت بها رواية و لا يشهد بها دراية. و أما البيت فبعد تسليم كونه من قصيدة مجرورة القوافي فلا نسلم كون لفظة خاطب اسم الفاعل لجواز كونها فعل أمر أي فخاطبني و أجبني عن سؤالي و إن سلمنا ذلك فلا نسلم كونها مجرورة لكثرة الإقواء في شعر العرب العرباء حتى قل أن يوجد لهم قصيدة سالمة عنه كما نص عليه الأدباء فلعل هذا منه و إن سلمنا كونها مجرورة بالجوار فلا يلزم من وقوع جر الجوار مع العطف في الشعر جوازه في غيره إذ يجوز في الشعر لضرورة لوزن أو القافية ما لا يجوز في غيره. و أما المحمل الثالث الذي تمحله صاحب الكشاف فلا يخفى ما فيه من التعسف الشديد و التمحل البعيد و من ذا الذي قال بوجوب الاقتصاد في غسل الرجلين و أي إسراف يحصل بصب الماء عليها و متى ينتقل المخاطبون بعد عطفها على الرءوس الممسوحة و جعلها معمولة لفعل المسح إلى أن المراد غسلها غسلا يسيرا مشابها للمسح و هل هذا إلا مثل أن يقول القائل أكرمت زيدا و عمروا و أهنت خالدا و بكرا فهل يفهم أهل اللسان من كلامه هذا إلا أنه أكرم الأولين و أهان الآخرين و لو قال لهم إني لم أقصد من عطف بكر على خالد أني أهنته و إنما قصدت أني أكرمته إكراما حقيرا قريبا من الإهانة لأكثروا ملامه و زيفوا كلامه و حكموا بأنه خارج عن أسلوب كلام الفصحاء و أما التأييد الذي ذكره فهو أعجب و أغرب لأنه إن أراد أن مطلق المسح لم تضرب له غاية في الشريعة و لم ترد به الآية الكريمة فهو عين المتنازع بين فرق الإسلام و إن أراد أن مسح الرأس لم تضرب له غاية فأين القرينة حينئذ على أن الأرجل مغسولة. و أعجب من ذلك أنه لشدة اضطرابه قد ناقض نفسه في كلامين ليس بينهما إلا أسطر قلائل حيث قال عند قوله تعالى فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ فإن قلت هل يجوز أن يكون الأمر شاملا للمحدثين و غيرهم لهؤلاء على وجه الوجوب و لهؤلاء على وجه الندب قلت لا لأن تناول الكلمة لمعنيين مختلفين من باب الإلغاز و التعمية ثم إنه حمل قوله تعالى وَ امْسَحُوا بِرُؤُسِكُمْ على ما هو أشد إلغازا و أكثر تعمية من أكثر الألغاز و المعميات و جوز تناول الكلمة لمعنيين مختلفين إذ المسح من حيث وروده على الرءوس يراد به المسح الحقيقي و من حيث وروده على الأرجل يراد به الغسل القريب من المسح و ما حمله على هذا التعسف مع غاية فضله إلا التعصب أعاذنا الله منه. فائدة قيل إن الظاهر من الآية الكريمة وجوب الوضوء على كل من قام إلى الصلاة حتى المتطهرين أيضا لدلالة كلمة إذا على العموم عرفا مع أن حمله هاهنا على الإهمال يجعل الكلام خاليا عن الفائدة المعتد بها و هو لا يناسب كلام
الحكيم لكن الإجماع واقع على وجوب الوضوء على المحدثين فقط. قال في المنتهى إذا توضأ لنافلة جاز أن يصلي بها فريضة و كذا يصلي بوضوء واحد ما شاء من الصلوات و هو مذهب أهل العلم خلافا للظاهرية انتهى. فقال بعضهم إن الحكم كان في الابتداء كذلك و كان الوضوء واجبا عند كل صلاة على المتطهر و المحدث لكن قد نسخ و ضعف باتفاق الجمهور على أن الآية ثابتة لا نسخ فيها و ما روي عن النبي ص أن المائدة من آخر القرآن نزولا فأحلوا حلالها و حرموا حرامها و عدم ظهور ناسخ و اعتبار الحدث في التيمم الذي هو بدل منه في الآية. و قال بعضهم إن الأمر للندب لأن تجديد الوضوء عند كل صلاة مستحب كما يشهد به الأخبار و ضعف أيضا بأنه غير موافق لقرينه الذي هو فَاطَّهَّرُوا لأنه للوجوب قطعا و بأن الندب بالنسبة إلى الجميع غير معقول لثبوت الوجوب على بعض البتة إلا أن يقال الاستحباب ينسحب إلى العموم و الشمول و فيه بعد. و قيل بحمله على الرجحان المطلق و يكون الندب بالنسبة إلى المتوضئين و الوجوب بالنسبة إلى المحدثين و فيه أيضا لزوم عدم الموافقة و لزوم عموم المجاز أو الاشتراك الذي هو إما غير جائز أو بعيد جدا فالأولى أن يقال إن الآية مخصصة بالمحدثين لا بأن يكون المراد من الذين آمنوا المحدثين بل بإبقائه على العموم و تقدير إن كنتم محدثين في نظم الكلام. فيصير المعنى حينئذ يا أيها الذين آمنوا إذا قمتم إلى الصلاة فإن كنتم محدثين بالحدث الأصغر فتوضئوا و إن كنتم جنبا فاغتسلوا و إن لم تقدروا على الماء و كنتم محدثين بالحدث الأصغر أو الأكبر فتيمموا فيوافق القرائن و يطابق النظائر. هذا بالنظر إلى ظاهر الآية مع قطع النظر عن الخبر و قد مر في الخبر أن المراد بالقيام القيام من النوم فلا إشكال فيكون وجوب الوضوء بغير حدث النوم مستفادا من الأخبار كما أن وجوب الغسل بغير الجنابة مستفاد من محل آخر و أهل البيت أدرى بما نزل عليهم من غيرهم. و أما الآية الثانية فقوله تعالى إِنَّهُ لَقُرْآنٌ جواب للقسم في قوله سبحانه فَلا أُقْسِمُ بِمَواقِعِ النُّجُومِ و معنى كونه كريما أنه كثير النفع لتضمنه أصول العلوم المهمة من أحوال المبدإ و المعاد و اشتماله على ما فيه صلاح معاش العباد أو لأنه يوجب عظيم الأجر لتاليه و مستمعه و العامل بأحكامه أو أنه جليل القدر بين الكتب السماوية لامتيازه عنها بأنه معجز باق على ممر الدهور و الأعصار. و قوله فِي كِتابٍ مَكْنُونٍ أي مصون و هو اللوح المحفوظ و قيل هو المصحف الذي بأيدينا و الضمير في لا يَمَسُّهُ يمكن عوده إلى القرآن و إلى الكتاب المكنون على كل من تفسيريه و استدل بالأول على منع المحدث من مس خط المصحف و بثاني شقي الثاني على المنع من مس ورقه بل لجلده أيضا فأما مس خط المصحف فقال الشيخ في المبسوط بكراهته و نسب العلامة في المختلف القول بالكراهة إلى ابن إدريس و ابن البراج أيضا و حرمه الشيخ في التهذيب و الخلاف و به قال أبو الصلاح و المحقق و العلامة و هو الظاهر من كلام الصدوق في الفقيه. و احتج القائلون بالتحريم بهذه الآية و قالوا إن قوله تعالى لا يَمَسُّهُ لا يمكن أن يكون محمولا على الخبرية و النفي و إلا يلزم الكذب فلا بد من حمله على الإنشاء و النهي و ظاهر النهي التحريم و أورد عليه بأنه موقوف على إرجاع
الضمير إلى القرآن و هو ممنوع لجواز رجوعه إلى الكتاب كما جوزه بعض المفسرين بل هو أقرب لقربه و يكون المعنى أنه لا يطلع على الكتاب المكنون أي المستور المصون إما عن الناس أو عن التغيير و التبديل أو الغلط أو التضييع و المراد به اللوح المحفوظ كما قاله المفسرون إِلَّا الملائكة الْمُطَهَّرُونَ من الكدورات الجسمانية و أدناس المعاصي. و قد يضعف هذا الاحتمال بوجوه أحدها أن قوله تعالى لا يَمَسُّهُ حينئذ يكون تأكيد المكنون و التأسيس أولى و بما ذكر من الاحتمالات في معنى المكنون يظهر الجواب عنه. و ثانيها أن سياق الكلام لإظهار شرف القرآن و فضيلته لا اللوح و فيه أن ثبوته في اللوح الذي لا يمسه إلا المطهرون شرف و فضيلة له أ لا ترى إلى قوله عز و جل فِي كِتابٍ مَكْنُونٍ فإن كان كونه في كتاب مكنون شرفا و فضيلة فهذا أيضا شرف و فضل بالطريق الأولى و إن لم يكن ذلك شرفا فقط بطل مبني الاعتراض من أن سياق الكلام لإظهار شرف القرآن و فضله كما لا يخفى. و ثالثها أن قوله تعالى بعد هذه الآية متصلا بها تَنْزِيلٌ مِنْ رَبِّ الْعالَمِينَ صفة للقرآن لا الكتاب لأنه المنزل دونه و قوله سبحانه كَرِيمٌ و فِي كِتابٍ مَكْنُونٍ أيضا صفة له فينبغي أن يكون لا يَمَسُّهُ أيضا صفة له و إلا لم يحسن التوسيط و فيه أنه إذا كان لا يَمَسُّهُ صفة لمكنون يكون من جملة متعلقات الصفة الثانية و متمماتها فكان مجموع هذا الكلام صفة واحدة فلا يكون توسيطا مخلا بحسن الكلام و بلاغته أ لا يرى إلى توسيط مكنون مع أنه صفة للكتاب. و رابعها أنه يلزم حينئذ ارتكاب المجاز في المس و هو ظاهر و كذا في المطهر لأن الطهارة حقيقة شرعية في الوضوء و هو خلاف الأصل و فيه أنا لا نسلم أن الحمل على الحقيقة مطلقا أولى من الحمل على المجاز أ لا يرى أن علماء البلاغة أطبقوا على أن المجاز أبلغ من الحقيقة و أيضا ثبوت الحقائق الشرعية ممنوع و مع تسليمه لا نسلم أن حقيقة الطهارة الوضوء بل يجوز أن يكون انتفاء الحدث أو الخبث و لا شك في تحقق هذا المعنى في الملائكة و أيضا ارتكاب المجاز في حمل الخبر على الإنشاء كما ارتكبتم في الاستدلال ليس بأولى من ارتكاب هذين المجازين إلا أن يقال أنه مجاز واحد و هذان مجازان. ثم على تقدير تسليم رجوع الضمير إلى القرآن نقول إن دلالتها على المطلوب أيضا غير تام إذ يجوز أن يكون اتصافه بأنه لا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ باعتبار أصله الذي في اللوح كما أن اتصافه ب فِي كِتابٍ مَكْنُونٍ أيضا كذلك. و أيضا يجوز أن يكون المراد و الله أعلم أنه لا يعلم حقائقه و دقائقه و بطونه و أسراره إلا المطهرون من الذنوب و هم أصحاب العصمة الذين نزلت فيهم آية التطهير ع و عن جنيد المطهرون أسرارهم عما سوى الله. و في بعض التفاسير عن محمد بن الفضل المراد لا يقرأ القرآن إلا موحد و عن الحسين بن الفضل لا يعلم تفسيره و تأويله إلا المطهرون من الكفر و النفاق. و أما حديث لزوم مجازية المس و الطهارة حينئذ فقط عرفت جوابه على أنه على تقدير حمل المس على حقيقته و ثبوت الحقائق الشرعية و حمل الطهارة على حقيقتها لا نسلم أن الطهارة حقيقة شرعا في رفع الحدث الأصغر أو جميع الأحداث إذ يجوز أن يكون حقيقة في رفع كل حدث و كذا في رفع الخبث أيضا فحينئذ يجوز أن يكون المراد بالمطهرين المطهرين من الحدث الأكبر أو النجاسة. ثم لو سلم أن المراد الطهارة من الحدث الأصغر أو جميع الأحداث فلا نسلم أن النهي هاهنا للتحريم و ما يقال إن ظاهر النهي التحريم فعلى تقدير تسليمه إنما يسلم فيما يكون بصريح صيغة النهي فقط لا فيما يكون نفيا مستعملا بمعنى النهي أيضا و القول بأن التحريم أقرب المجازات إلى النفي ممنوع. نعم
روى الشيخ في التهذيب بسند فيه جهالة عن إبراهيم بن عبد الحميد عن أبي الحسن ع قال المصحف لا تمسه على غير طهر و لا جنبا و لا تمس خيطه و لا تعلقه إن الله يقول لا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ
لكن ظاهر الرواية الكراهة لاشتماله على النهي عن التعليق و قد نقل في المنتهى الإجماع على عدم حرمته و أما مس الجلد و الورق للمحدث فلم أر قائلا فيه بالحرمة نعم استحبوا الوضوء لحمل المصحف و سيأتي حكم الجنب في بابه إن شاء الله تعالى
1- العلل، لمحمد بن علي بن إبراهيم معنى إِلَى الْمَرافِقِ من المرافق و الفرض من الوضوء مرة واحدة و المرتان احتياط
2- الهداية، الوضوء مرة و هو غسل الوجه و اليدين و مسح الرأس و القدمين و لا يجوز أن يقدم شيئا على شيء يبدأ بالأول فالأول كما أمر الله عز و جل و من توضأ مرتين لم يؤجر و من توضأ ثلاثا فقد أبدع و من غسل الرجلين فقد خالف الكتاب و السنة و لا يجوز المسح على العمامة و الجورب و لا تقية في ثلاثة أشياء في شرب المسكر و المسح على الخفين و متعة الحج و حد الوجه الذي يجب أن يوضأ ما دارت عليه الوسطى و الإبهام و حد اليدين إلى المرفقين و حد الرأس مقدار أربع أصابع من مقدمه و المسح على الرجلين إلى الكعبين فإذا توضأت المرأة ألقت قناعها من موضع مسح رأسها في صلاة الغداة و المغرب و تمسح عليه و يجزيها في سائر الصلوات أن تدخل إصبعها فتمسح على رأسها من غير أن تلقي قناعها و لا بأس أن يصلي الرجل بوضوء واحد صلوات الليل و النهار كلها ما لم يحدث
3- كتاب الغايات، لجعفر بن أحمد القمي بإسناده عن جعفر بن محمد قال إن الله تعالى ضمن لكل إهاب أن يرده إلى جلده يوم القيامة و إن أشد الناس حسرة يوم القيامة من رأى وضوءه على جلد غيره
4- قرب الإسناد، عن أحمد بن محمد عن ابن محبوب عن أبي جرير الرقاشي قال قلت لأبي الحسن موسى ع كيف أتوضأ للصلاة قال فقال لا تعمق في الوضوء و لا تلطم وجهك بالماء لطما و لكن اغسله من أعلى وجهك إلى أسفله بالماء مسحا و كذلك فامسح بالماء على ذراعيك و رأسك و قدميك
بيان لا تعمق أي بإكثار الماء أو بالمبالغة كثيرا في إيصال الماء زائدا عن الإسباغ المطلوب و في بعض النسخ لا تغمس أي بأن تدخل وجهك و يديك في الماء فإنه خلاف المعهود من فعلهم ع و المشهور أنه ترك للسنة و يصح الوضوء لتحقق الغسل و النهي عن اللطم بالماء على الكراهة و ما ورد من الأمر به يمكن حمله على الجواز أو على الناعس و البردان لإشعار الرواية به و عمل به والد الصدوق رحمه الله فقال باستحباب ضرب الوجه بالماء. قوله مسحا أي مع المسح بعد صب الماء لإيصاله إلى الأعضاء و كذا في اليدين و أما الابتداء بالأعلى في الوجه فالمشهور وجوبه و قال المرتضى و ابن إدريس باستحبابه و الأحوط العمل بالمشهور
5- قرب الإسناد، عن محمد بن عيسى عن يونس قال أخبرني من رأى أبا الحسن الأول ع بمنى و هو يمسح ظهر قدمه من أعلى القدم إلى الكعب و من الكعب إلى أعلى القدم
بيان المراد بأعلى القدم إما رءوس الأصابع لأنها أعلى بالنسبة إلى سائر أجزاء القدم عند وضعها على الأرض للمسح أو المراد به الكعب بالمعنى المشهور و هو العظم الناتئ في ظهر القدم و بالكعب المفصل و علو الكعب باعتبار ارتفاعه على سائر أجزاء ظهر القدم فالمراد بالمسح من أعلى القدم المسح من رءوس الأصابع أيضا و يكون الابتداء إضافيا أو المراد من جهته و كذا في الانتهاء و يحتمل العكس أيضا بأن يكون المراد بأعلى القدم المفصل و بالكعب الناتئ و توجيهه مما ذكرنا ظاهر. ثم إنه يمكن أن يكون المراد أنه ع كان يمسح تارة هكذا و تارة هكذا أو أنه ع كان يمسح ظهر القدم و بطنه تقية و المشهور بين أصحابنا جواز مسح الرأس و الرجلين مقبلا و مدبرا و بعضهم أوجبوا الإقبال كالسيد و الصدوق كما هو الظاهر من كلامهما و ابن إدريس أوجب في الرجلين بخلاف الرأس و الشيخ جوز في المبسوط في الرأس و في النهاية في الرجلين مدبرا و الاحتياط مسلك النجاة
6- قرب الإسناد، عن أحمد بن محمد بن عيسى عن أحمد بن محمد البزنطي قال سألت الرضا ع عن المسح على القدمين كيف هو فوضع كفه على الأصابع فمسحهما إلى الكعبين فقلت جعلت فداك لو أن رجلا قال بإصبعين من أصابعه هكذا قال لا إلا بكفه
بيان القول هنا بمعنى الفعل قال في النهاية العرب تجعل القول عبارة عن جميع الأفعال و تطلقه على غير الكلام و اللسان فتقول قال بيده أي أخذه و قال برجله أي مشى و قال بثوبه أي رفعه و كل ذلك على المجاز و الاتساع انتهى. و ظاهر الخبر وجوب الاستيعاب طولا و عرضا و كونه بجميع الكف و لم يقل به أحد من الأصحاب فيما رأينا إلا ما يظهر من الصدوق في الفقيه بل نقلوا الإجماع على عدم وجوب الاستيعاب العرضي و المشهور وجوب الاستيعاب الطولي و لو بخط غير مستقيم بل يظهر من بعضهم الاتفاق عليه و ظاهر كثير من الأخبار الاكتفاء بالمسمى
7- قرب الإسناد، و كتاب المسائل، بإسنادهما عن علي بن جعفر عن أخيه ع قال سألته عن رجل يكون على غير وضوء فيصيبه المطر حتى يغسل رأسه و لحيته و يديه و رجليه يجزيه ذلك عن الوضوء قال إن غسله فإن ذلك يجزيه
بيان حمله الشيخ رحمه الله على ما إذا غسل أعضاءه بالترتيب بأن ينوي فيغسل بما ينزل عليه من ماء المطر وجهه ثم ذراعه الأيمن ثم الأيسر ثم يمسح رأسه و رجليه ببقية النداوة و يخطر بالبال أنه يحتمل أن يكون المراد به إيقاع الغسل بدلا من الوضوء فيكون مؤيدا لاستحباب الغسل دائما و الاكتفاء بالأغسال المندوبة عن الوضوء كما قيل بهما و لعله أظهر مما حمله عليه الشيخ و الله يعلم
8- الخصال، عن أحمد بن الحسن القطان عن الحسن بن علي السكري عن محمد بن زكريا الجوهري عن جعفر بن محمد بن عمارة عن أبيه عن جابر الجعفي عن أبي جعفر ع قال المرأة تبدأ بالوضوء بباطن الذراع و الرجل بظاهره و لا تمسح كما يمسح الرجال بل عليها أن تلقي الخمار عن موضع مسح رأسها في صلاة الغداة و المغرب و تمسح عليه و في سائر الصلوات تدخل إصبعها فتمسح على رأسها من غير أن تلقي عنها خمارها
بيان ما اشتمل عليه الخبر من بدأة الرجل بظاهر الذراعين و المرأة بباطنهما ورد في عدة روايات و في أكثرها بلفظ الفرض و المشهور الاستحباب و ربما يظهر من الصدوق و الكليني في كتابيهما الوجوب و الأحوط عدم الترك. ثم اعلم أنه عبر جماعة من المتأخرين عن هذا الحكم هكذا يستحب بدأة الرجل بظاهر ذراعيه في الغسلة الأولى و بباطنهما في الثانية عكس المرأة و لا دلالة في الخبر على هذا التفصيل بل الظاهر الإطلاق لهما فيهما كما عبر به عنه أكثر القدماء نعم لا يبعد أن يكون ما ذكروه داخلا في إطلاق الخبر. ثم اعلم أن المشهور في مسح الرأس إجزاء مسماه و حكموا باستحباب قدر ثلاث أصابع مضمومة و الظاهر من كلام الصدوق في الفقيه و الشيخ في النهاية الوجوب قال الصدوق و حد مسح الرأس أن تمسح بثلاث أصابع مضمومة من مقدم الرأس و حد مسح الرجلين أن تضع كفيك على أطراف أصابع رجليك و تمدهما إلى الكعبين و قال في النهاية المسح بالرأس لا يجوز أقل من ثلاث أصابع مضمومة مع الاختيار فإن خاف البرد من كشف الرأس أجزأ مقدار إصبع واحدة و نسب إلى المرتضى أيضا القول بالوجوب. و أما الفرق المذكور بين الرجل و المرأة و تفصيل الصلوات فقد ذكرهما الصدوق في الفقيه و ظاهره الوجوب و بعض الأصحاب حملوا كلامه على الاستحباب قال في الذكرى يستحب للمرأة وضع القناع في وضوء الغداة و المغرب لأنه مظنة التبذل و تمسح بثلاث أصابع و يجوز في غيرهما إدخال الإصبع تحت القناع و تجزي الأنملة قاله الصدوق و المفيد انتهى. و لعل السر في ذلك سهولة إلقاء القناع عليها في هذين الوقتين أو أنها تكشف في المغرب للنوم و في الغداة لم تلبسه بعد و غالبا لا تحتاج إلى الوضوء لصلاة العشاء أو لظلمة هذين الوقتين فلا ينافي سترها المطلوب. و على كل حال الظاهر استحباب الحكم و قد روي في الصحيح عن زرارة عن أبي جعفر ع أنه قال المرأة يجزيها من مسح الرأس أن تمسح مقدمه قدر ثلاث أصابع و لا تلقي عنها خمارها و لعل المراد ثلاث أصابع من طول الرأس فلا ينافي المسح بإصبع واحدة
9- العيون، فيما كتب الرضا ع للمأمون من شرائع الدين ثم الوضوء كما أمر الله عز و جل في كتابه غسل الوجه و اليدين إلى المرفقين و مسح الرأس و الرجلين مرة واحدة و إن مسح على الخفين فقد خالف الله تعالى و رسوله و ترك فريضته و كتابه
بيان قوله ع مرة واحدة لعله متعلق بالغسل و المسح معا و لا خلاف بيننا في عدم جواز المسح على الخفين إلا مع التقية أو الضرورة
10- قرب الإسناد، بالإسناد المتقدم عن علي بن جعفر عن أخيه ع قال سألته عن رجل توضأ فغسل يساره قبل يمينه كيف يصنع قال يعيد الوضوء من حيث أخطأ يغسل يمينه ثم يساره ثم يمسح رأسه و رجليه
بيان يغسل يمينه أي إذا لم يغسلها و ربما يقال يغسل يمينه مرة أخرى لأن اليمين المغسولة بعد اليسار في حكم العدم و لا يخفى وهنه و لا خلاف بين علمائنا في اشتراط الترتيب بأن يغسل الوجه ثم اليد اليمنى ثم اليسرى ثم يمسح الرأس ثم الرجلين و إنما الخلاف في الترتيب بين الرجلين
11- الإحتجاج، في مكاتبة الحميري أنه كتب إلى الناحية المقدسة و سأل عن المسح على الرجلين يبدأ باليمنى أو يمسح عليهما جميعا فخرج التوقيع يمسح عليهما جميعا معا فإن بدأ بأحدهما قبل الأخرى فلا يبدأ إلا باليمين
بيان المشهور أنه لا ترتيب بين الرجلين حتى قال ابن إدريس لا أظن أحدا منا يخالفنا في ذلك و يحكى عن ابن الجنيد و ابن أبي عقيل و سلار و ابني بابويه وجوب تقديم اليمنى و عن بعض الأصحاب جواز المعية خاصة كما هو مدلول هذا الخبر و الأحوط العمل بالترتيب و إن كان استحبابه أقوى
12- معاني الأخبار، عن أبيه عن عبد الله بن جعفر الحميري عن أحمد بن محمد بن عيسى عن الحسين بن سعيد عن عثمان بن عيسى عن منصور بن حازم عن إبراهيم بن معرض قال قلت لأبي جعفر ع إن أهل الكوفة يروون عن علي ع أنه كان بالكوفة فبال حتى رغا ثم توضأ ثم مسح على نعليه ثم قال هذا وضوء من لم يحدث فقال نعم قد فعل ذلك قال قلت فأي حدث أحدث من البول فقال إنما يعني بذلك التعدي في الوضوء أن يزيد على حد الوضوء
بيان قال الفيروزآبادي رغوة اللبن مثلثة زبده و رغا اللبن و أرغى و رغى صارت له رغوة و أرغى البائل صارت لبوله رغوة
13- العلل، عن أبيه عن سعد بن عبد الله عن الحسن بن علي الكوفي عن عبد الله بن جبلة عن رجل عن أبي عبد الله ع قال إن الرجل ليعبد الله أربعين سنة و ما يطيعه في الوضوء
و منه عن محمد بن الحسن بن الوليد عن محمد بن الحسن الصفار عن محمد بن الحسين بن أبي الخطاب عن الحكم بن مسكين عن محمد بن مروان قال قال أبو عبد الله ع تأتي على الرجل ستون أو سبعون سنة ما يقبل الله منه صلاة قال قلت فكيف ذاك قال لأنه يغسل ما أمر الله بمسحه
بيان ربما يستدل بأمثاله على كون أوامر القرآن للوجوب و قد يستدل به على أنه إذا حصل الجريان في المسح يبطل الوضوء و هو مبني على كون الغسل و المسح حقيقتين متباينتين و هو ممنوع بل الظاهر أن بينهما عموما و خصوصا من وجه و إن كان الأحوط رعاية عدم الجريان
14- العلل، عن أبيه عن الحسين بن محمد بن عامر عن المعلى بن محمد عن الحسن بن علي الوشاء عن حماد بن عثمان عن حكم بن حكيم قال سألت أبا عبد الله ع عن رجل نسي من الوضوء الذراع و الرأس قال يعيد الوضوء إن الوضوء يتبع بعضه بعضا
بيان يعيد الوضوء أي جميعه مع جفاف الوجه أو من حيث يحصل الترتيب مع عدم الجفاف
15- العلل، عن أبيه عن سعد بن عبد الله عن أحمد بن محمد عن الحسين بن سعيد عن فضالة عن سماعة عن أبي بصير عن أبي عبد الله ع قال إذا توضأت بعض وضوئك فعرضت لك حاجة حتى يبس وضوؤك فأعد وضوءك فإن الوضوء لا يبعض
بيان قوله حتى يبس وضوؤك ظاهره جفاف الجميع و اعلم أنه لا خلاف بين أصحابنا في اشتراط الموالاة و إنما الخلاف في معناها فقال بعضهم هي أن لا يؤخر بعض الأعضاء عن بعض بمقدار ما يجف ما تقدمه و هو خيرة الشيخ و المرتضى و جم غفير و قال بعضهم هي أن يتابع بين غسل الأعضاء و لا يفرق إلا لعذر و هو أيضا قول الشيخ و المرتضى و العلامة في بعض كتبه. ثم إن بعض القائلين بالقول الأخير صرحوا بأن الإخلال بالموالاة بهذا المعنى لا يبطل الوضوء و إن كان حراما مع الاختيار ما لم يجف الأعضاء و يفهم ظاهرا من كلام الشيخ في المبسوط أن مجرد الإخلال بهذا المعنى يبطل الوضوء و إن لم يجف حال الاختيار و أما حال الاضطرار فيراعى الجفاف. ثم إن الجفاف المراعي في صحة الوضوء و عدمها هل هو جفاف جميع الأعضاء المتقدمة على العضو المفرق أو بعض ما تقدمه أو العضو السابق ظاهر الأكثر الأول و صرح ابن الجنيد بالثاني و ظاهر المرتضى و ابن إدريس الثالث
16- قرب الإسناد، عن محمد بن علي بن خلف العطار عن حسان المدائني قال سألت جعفر بن محمد ع عن المسح على الخفين فقال لا تمسح و لا تصلي خلف من يمسح
17- مجالس، أبي علي بن الشيخ عن الشيخ عن المفيد عن علي بن محمد بن حبيش عن الحسن بن علي الزعفراني عن إبراهيم بن محمد الثقفي عن عبد الله بن محمد بن عثمان عن علي بن محمد بن أبي سعيد عن فضيل بن الجعد عن أبي إسحاق الهمداني قال كان فيما كتب أمير المؤمنين ع لمحمد بن أبي بكر و انظر إلى الوضوء فإنه من تمام الصلاة تمضمض ثلاث مرات و استنشق ثلاثا و اغسل وجهك ثم يدك اليمنى ثم اليسرى ثم امسح رأسك و رجليك فإني رأيت رسول الله ص يصنع ذلك و اعلم أن الوضوء نصف الإيمان
مجالس المفيد، عن ابن حبيش مثله بيان استحباب تثليث المضمضة و الاستنشاق مشهور بين المتأخرين و اعترف بعضهم بأنه لا شاهد له و هذا الخبر يدل عليه
18- العلل، عن محمد بن الحسن بن الوليد عن محمد بن الحسن الصفار عن العباس بن معروف عن علي بن مهزيار عن الحسين بن سعيد عن القاسم بن محمد عن علي قال سألت أبا عبد الله ع عن رجل بدأ بالمروة قبل الصفا قال يعيد أ لا ترى أنه لو بدأ بشماله قبل يمينه في الوضوء أراه أن يعيد الوضوء
بيان ظاهره أن الترتيب الذكري يجب متابعته و إن احتمل أن يكون الغرض محض تشبيه الحكم بالحكم
19- الخصال، عن أحمد بن محمد بن الهيثم و أحمد بن الحسن القطان و محمد بن أحمد السناني و حسين بن إبراهيم المكتب و عبد الله بن محمد الصائغ و علي بن عبد الله الوراق كلهم عن أحمد بن يحيى بن زكريا القطان عن بكر بن عبد الله بن حبيب عن تميم بن بهلول عن أبي معاوية عن الأعمش عن الصادق ع قال هذه شرائع الدين لمن تمسك بها و أراد الله هداه إسباغ الوضوء كما أمر الله عز و جل في كتابه الناطق غسل الوجه و اليدين إلى المرفقين و مسح الرأس و القدمين إلى الكعبين مرة مرة و مرتان جائز و لا ينقض الوضوء إلا البول و الريح و النوم و الغائط و الجنابة و من مسح على الخفين فقد خالف الله و رسوله و كتابه و وضوؤه لم تتم و صلاته غير مجزية
20- الخصال، عن جعفر بن محمد بن بندار عن أبي العباس الحمادي عن أبي مسلم الكجي عن عبد الله بن عبد الوهاب عن عبد الرحيم بن زيد العمي عن أبيه عن معاوية بن قرة عن ابن عمر أن رسول الله ص توضأ مرة مرة
21- مجالس، ابن الشيخ عن أبيه عن محمد بن محمد بن مخلد عن عبد الواحد بن محمد بن عبد الله بن مهدي عن يحيى بن أبي طالب عن عبد الرحمن بن علقمة عن عبد الله بن المبارك عن سفيان عن إسماعيل بن أبي خالد عن زياد عن أبي هريرة أن النبي ص كان إذا توضأ بدأ بميامنه
بيان استدل به على وجوب الابتداء باليمين في الرجلين و يرد عليه أن الخبر ضعيف عامي و لا دلالة فيه على الوجوب
22- المحاسن، عن أبيه عن ابن أبي عمير عن هشام عن أبي عمير العجمي قال قال أبو عبد الله ع يا أبا عمر تسعة أعشار الدين في التقية و لا دين لمن لا تقية له و التقية في كل شيء إلا في شرب النبيذ و المسح على الخفين
و منه عن أبيه عن خلف بن حماد عن عمرو بن شمر عن جابر قال قلت لأبي جعفر ع كيف اختلف أصحاب النبي ص في المسح على الخفين فقال كان الرجل منهم يسمع من النبي ص الحديث فيغيب عن الناسخ و لا يعرفه فإذا أنكر ما خالف ما في يديه كبر عليه تركه و قد كان الشيء ينزل على رسول الله ص يعمل به زمانا ثم يؤمر بغيره فيأمر به أصحابه و أمته حتى قال الناس يا رسول الله ص إنك تأمرنا بالشيء حتى إذا اعتدناه و جرينا عليه أمرتنا بغيره فسكت النبي ص عنهم فأنزل عليه قُلْ ما كُنْتُ بِدْعاً مِنَ الرُّسُلِ وَ ما أَدْرِي ما يُفْعَلُ بِي وَ لا بِكُمْ إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا ما يُوحى إِلَيَّ وَ ما أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ مُبِينٌ
23- فقه الرضا ع، إياك أن تبغض الوضوء و تابع بينه كما قال الله تبارك و تعالى ابدأ بالوجه ثم اليدين ثم بالمسح على الرأس و القدمين فإن فرغت من بعض وضوئك و انقطع بك الماء من قبل أن تتمه ثم أوتيت بالماء فأتمم وضوءك إذا كان ما غسلته رطبا فإن كان قد جف فأعد الوضوء و إن جف بعض وضوئك قبل أن تتم الوضوء من غير أن ينقطع عنك الماء فامض على ما بقي جف وضوؤك أو لم يجف وضوؤك و إن كان عليك خاتم فدوره عند وضوئك فإن علمت أن الماء لا يدخل تحته فانزع و لا تمسح على عمامة و لا قلنسوة و لا على خفيك فإنه أروي عن العالم ع لا تقية في شرب الخمر و لا المسح على الخفين و لا تمسح على جوربك إلا من عذر أو ثلج تخاف على رجليك و قال ع لا تقدم المؤخر من الوضوء و لا تؤخر المقدم لكن تضع كل شيء على ما أمرت أولا فأولا و نروي أن جبرئيل ع هبط على رسول الله ص بغسلين و مسحين غسل الوجه و الذراعين بكف كف و مسح الرأس و الرجلين بفضل الندوة التي بقيت في يديك من وضوئك فصار الذي كان يجب على المقيم غسله في الحضر واجبا على المسافر أن يتيمم لا غير صارت الغسلتان مسحا بالتراب و سقطت المسحتان اللتان كانتا بالماء للحاضر لا غيره و يجزيك من الماء في الوضوء مثل الدهن تمر به على وجهك و ذراعيك أقل من ربع مد و سدس مد أيضا و يجوز بأكثر من مد و كذلك في غسل الجنابة مثل الوضوء سواء و أكثرها في الجنابة صاع و يجوز غسل الجنابة بما يجوز به الوضوء إنما هو تأديب و سنن حسنة و طاعة آمر لمأمور ليثيبه عليه فمن تركه فقد وجب له السخط فأعوذ بالله منه
إيضاح قوله ع أن تبغض الوضوء أي تخل بالموالاة حتى تجف بعض الأجزاء ثم تغسل بقيتها فلا تجتمع الأعضاء على الرطوبة و قد صرح بهذا المعنى في كثير من الأخبار و المراد بالمتابعة الترتيب لا الموالاة كما فهمه أكثر الأصحاب و يدل عليه أيضا كثير من الأخبار و صرح الشهيد بما ذكرنا. و قوله فإن فرغت إلى قوله جف وضوؤك أو لم يجف أورده الصدوق بعينه في الفقيه نقلا عن والده في رسالته إليه و يدل على أن مع عدم الفصل لا يضر الجفاف و هو غير بعيد و حمله بعض الأصحاب على الضرورة و لا ضرورة فيه. و قال الشهيد رحمه الله في الذكرى بعد نقل تلك العبارة من كلام علي بن بابويه و لعله عول على ما رواه حريز عن أبي عبد الله ع كما أسنده ولده في كتاب مدينة العلم
و في التهذيب وقفه على حريز قال قلت إن جف الأول من الوضوء قبل أن أغسل الذي يليه قال إذا جف أو لم يجف فاغسل ما بقي
و حمله في التهذيب على جفافه بالريح الشديدة و الحر العظيم أو على التقية قلت التقية هنا أنسب لأن في تمام الحديث قلت و كذلك غسل الجنابة قال هو بتلك المنزلة و ابدأ بالرأس ثم أفض على سائر جسدك قلت فإن كان بعض يوم قال نعم و ظاهر هذه المساواة بين الوضوء و الغسل فكما أن الغسل لا يعتبر فيه الريح الشديدة و الحر كذلك الوضوء ثم قال رحمه الله فروع الأول ظاهر ابن بابويه أن الجفاف لا يضر مع الولاء و الأخبار الكثيرة بخلافه مع إمكان حمله على الضرورة انتهى. أقول لم نطلع على ما يدل من الأخبار على خلافه
24- صحيفة الرضا، بإسناد الطبرسي عنه عن آبائه ع قال قال رسول الله ص إنا أهل بيت لا تحل لنا الصدقة و أمرنا بإسباغ الوضوء و أن لا ننزي حمارا على عتيقة و لا نمسح على خف
25- خرائج الراوندي، روي أن علي بن يقطين كتب إلى موسى بن جعفر ع اختلف في المسح على الرجلين فإن رأيت أن تكتب ما يكون عملي عليه فعلت فكتب أبو الحسن ع الذي آمرك به أن تمضمض ثلاثا و تستنشق ثلاثا و تغسل وجهك ثلاثا و تخلل شعر لحيتك ثلاثا و تغسل يديك ثلاثا و تمسح ظاهر أذنيك و باطنهما و تغسل رجليك ثلاثا و لا تخالف ذلك إلى غيره فامتثل أمره و عمل عليه فقال الرشيد أحب أن أستبرئ أمر علي بن يقطين فإنهم يقولون إنه رافضي و الرافضة يخففون في الوضوء فباطأه بشيء من الشغل في الدار حتى دخل وقت الصلاة فوقف الرشيد وراء حائط الحجرة بحيث يرى علي بن يقطين و لا يراه هو و قد بعث إليه بالماء للوضوء فتوضأ كما أمره موسى ع فقام الرشيد و قال كذب من زعم أنك رافضي و ورد على علي بن يقطين كتاب موسى بن جعفر ع من الآن توضأ كما أمر الله اغسل وجهك مرة فريضة و الأخرى إسباغا و اغسل يديك من المرفقين كذلك و امسح مقدم رأسك و ظاهر قدميك من فضل نداوة وضوئك فقد زال ما يخاف عليك
إرشاد المفيد، قال و روى محمد بن إسماعيل عن محمد بن الفضل و ذكر مثله مع زيادات أوردناها في باب معجزاته ع بيان فباطأه أي أخره
26- السرائر، مما أخذه من كتاب أحمد بن محمد بن أبي نصر البزنطي عن عبد الكريم الخثعمي عن أبي عبد الله ع قال سألته عن الوضوء فقال ما كان وضوء علي ع إلا مرة مرة
و منه عن البزنطي عن المثنى عن زرارة و أبي حمزة عن أبي جعفر ع مثل حديث جميل في الوضوء إلا أنه في حديث المثنى وضع يده في الإناء فمسح رأسه و رجليه و اعلم أن الفضل في واحدة واحدة و من زاد على الاثنين لم يؤجر
تبيين اعلم أن المشهور بين الأصحاب استحباب تثنية الغسلات و ادعى ابن إدريس الإجماع عليه و خالف فيه الصدوق رحمه الله و قال بعدم الاستحباب و هو الظاهر من كلام الكليني و من كلام ابن أبي نصر و يظهر من بعضهم عدم الاستحباب فقط و من بعضهم التحريم و لا خلاف عندنا في حرمة الثالثة. ثم إن الأخبار مختلفة في الثانية فالأكثر جمعوا بينها بحمل ما دل على التثنية على الاستحباب و الصدوق رحمه الله جمع بينها بحمل أخبار التثنية على التجديد و الكليني حمل المرتين على من لم تكفه الواحدة و بعض مشايخنا حمل المرتين على الغرفتين و المرة على الغسلة الواحدة و ربما تحمل أخبار الاثنتين اثنتين على الغسلتين و المسحتين و لا يخفى أن الاكتفاء بالغرفة الواحدة و الغسلة الواحدة أقرب إلى الاحتياط الذي هو سبيل المتقين و أبعد من عمل المخالفين و رواياتهم فإنهم رووا في صحاحهم عن عبد الله بن زيد أن النبي ص توضأ مرتين مرتين و ما في الخبر من وضع اليد في الإناء للمسح محمول على التقية فإن المشهور عدم جواز أخذ الماء الجديد للمسح إلا عند الضرورة الشديدة و نصب إلى ابن الجنيد تجويز أخذ الماء الجديد عند جفاف اليد مطلقا
27- العياشي، قال روى زرارة بن أعين و أبو حنيفة عن أبي بكر بن حزم قال توضأ رجل فمسح على خفيه فدخل المسجد فصلى فجاء علي ع فوطأ على رقبته فقال ويلك تصلي على غير وضوء فقال أمرني عمر بن الخطاب قال فأخذ بيده فانتهى به إليه فقال انظر ما يروي هذا عليك و رفع صوته فقال نعم أنا أمرته إن رسول الله ص مسح قال قبل المائدة أو بعدها قال لا أدري قال فلم تفتي و أنت لا تدري سبق الكتاب الخفين
28- و منه، عن الميسر بن ثوبان قال سمعت عليا ع يقول سبق الكتاب الخفين و الخمار
29- و منه، عن زرارة و بكير ابني أعين قالا سألنا أبا جعفر ع عن وضوء رسول الله ص فدعا بطست أو تور فيه ماء فغمس كفه اليمنى فغرف بها غرفة فصبها على جبهته فغسل وجهه بها ثم غمس كفه اليسرى فأفرغ على يده اليمنى فغسل بها ذراعه من المرفق إلى الكف لا يردها إلى المرفق ثم غمس كفه اليمنى فأفرغ بها على ذراعه الأيسر من المرفق و صنع بها كما صنع باليمنى و مسح رأسه بفضل كفيه و قدميه لم يحدث لها ماء جديدا ثم قال و لا يدخل ص أصابعه تحت الشراك قالا ثم قال إن الله يقول يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَ أَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرافِقِ فليس له أن يدع شيئا من وجهه إلا غسله و أمر بغسل اليدين إلى المرفقين فليس ينبغي له أن يدع من يديه إلى المرفقين شيئا إلا غسله لأن الله يقول فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَ أَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرافِقِ ثم قال وَ امْسَحُوا بِرُؤُسِكُمْ وَ أَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ فإذا مسح بشيء من رأسه أو بشيء من قدميه ما بين أطراف الكعبين إلى أطراف الأصابع فقد أجزأه قالا قلنا أصلحك الله أين الكعبان قال هاهنا يعني المفصل دون عظم الساق فقلنا هذا ما هو قال من عظم الساق و الكعب أسفل من ذلك فقلنا أصلحك الله فالغرفة الواحدة تجزي للوجه و غرفة للذراع قال نعم إذا بالغت فيهما فالثنتان تأتيان على ذلك كله
و منه عن زرارة عنه ع في قول الله عز و جل يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا الآية قال فليس له أن يدع شيئا من وجهه إلا غسله و ساقه نحو ما مر إلى قوله دون عظم الساق
إيضاح الطست يروى بالمهملة و المعجمة و في النهاية التور إناء من صفر أو حجارة كالإجانة قد يتوضأ منه انتهى و الترديد إما من الراوي أو منه ع للتخيير بين الإتيان بأيهما تيسر و يدل على عدم كراهية تلك الاستعانة. و ما قيل من أنه لبيان الجواز أو لأنه لم يكن وضوءا حقيقيا فلا يخفى بعدهما عن مقام البيان. و ربما يفهم منه استحباب كون الإناء مكشوفة الرأس و يدل على رجحان الاغتراف لغسل الأعضاء و باليمين لغير اليمين فأما غسل اليمين فذهب المفيد و جماعة إلى استحباب الأخذ له باليمين و إدارة الماء إلى اليسار و ظاهر هذه الرواية و غيرهما عدمه و حمل على عدم الوجوب. و يمكن حمل أخبار الإدارة على ما إذا لم يكن الإناء مكشوفة الرأس لكن عمدة ما استدل به على الإدارة هذه الرواية على ما رواها في التهذيب فإنها فيه هكذا ثم غمس كفه اليمنى في الماء فاغترف بها من الماء فغسل يده اليمنى و الإناء فيها مكشوفة الرأس و في الكافي كما هنا و بالجملة إثبات استحباب الإدارة لا يخلو من إشكال. قوله لا يردها إلى المرفق يمكن أن يكون المراد نفي ابتداء الغسل من الأصابع كما تفعله المخالفون أو أنه في أثناء الغسل لا يرد يده إلى المرفق بل كان يرفع يده ثم يضعها على المرفق و ينزلها. ثم إن الخبر يدل على ما هو المشهور من وجوب البدأة بالأعلى في الوجه و اليدين و ذهب السيد و ابن إدريس و جماعة إلى الاستحباب و الأحوط الابتداء بالأعلى فيهما و يدل على أن المسح إنما يكون ببقية البلل و لا خلاف بين علمائنا في جوازه خلافا لأكثر العامة و كذا لا خلاف في وجوب المسح بالبقية و عدم جواز الاستئناف عند بقاء النداوة على اليد و أما عند جفاف اليد فالمشهور عدم جواز الاستئناف أيضا بل تؤخذ من اللحية و نحوها لو كانت بها بلة و يستأنف الوضوء لو جفت هذه المواضع أيضا نعم جوزوا في حال الضرورة كإفراط الحر أو الريح الشديدة مثلا بحيث لا يقدر على المسح بالبقية أن يستأنف ماء جديدا. و نقل عن ابن الجنيد ما يدل بظاهره على جواز الاستئناف عند جفاف اليد مطلقا سواء وجد بللا على اللحية و نحوها أم لا و سواء كان في حال الضرورة أو لا و ما نسب إليه من جواز المسح بالماء الجديد مطلقا فلا يدل عليه كلامه. و قوله ع و لا يدخل أصابعه تحت الشراك يدل على عدم وجوب الاستيعاب العرضي إن حملنا النعل على العربي و الطولي أيضا إن حملناه على البصري و أمثاله. قوله ع ما بين أطراف الكعبين في التهذيب ما بين الكعبين قوله ع دون عظم الساق لفظة دون إما بمعنى تحت أو بمعنى عند أو بمعنى غير. و اعلم أن الكعب يطلق على معان أربعة الأول العظم المرتفع في ظهر القدم الواقع في ما بين المفصل و المشط. الثاني المفصل بين الساق و القدم. الثالث عظم مائل إلى الاستدارة واقع في ملتقى الساق و القدم له زائدتان في أعلاه تدخلان في حفيرتي قصبة الساق و زائدتان في أسفله تدخلان في حفرتي العقب و هو ناتئ في وسط ظهر القدم أعني وسطه العرضي لكن نتوؤه غير ظاهر لحس البصر لارتكاز أعلاه في حفرتي الساق و قد يعبر عنه بالمفصل أيضا إما بالمجاورة أو من قبيل تسمية الحال باسم المحل. و الرابع أحد الناتئين عن يمين القدم و شماله و هذا هو الذي حمل أكثر العامة الكعب في الآية عليه و أصحابنا مطبقون على خلافه و أما الثلاثة الأول فكلامهم لا يخرج عنها فالأول ذكره عميد الرؤساء و به صرح المفيد رحمه الله و الثاني ذكره جماعة من أهل اللغة و هذه الرواية ظاهرة فيه و هو ظاهر كلام ابن الجنيد و الثالث هو الذي يكون في رجل البقر و الغنم أيضا و ربما يلعب به
الناس و هو الذي بحث عنه علماء التشريح. و قال الشيخ البهائي رحمه الله و هو الكعب على التحقيق عند العلامة رحمه الله و عبر عنه في بعض كتبه بحد المفصل و في بعضها بمجمع الساق و القدم و في بعضها بالناتئ وسط القدم و في بعضها بالمفصل و صب عبارات الأصحاب عليه و شنع عليه من تأخر عنه و نسبوه إلى خرق الإجماع. و أجاب الشيخ المتقدم ذكره قدس الله روحه عن تشنيعاتهم في كتبه و اختار مذهبه و ادعى أن ظاهر الأخبار و الأقوال معه و لكن الظاهر من الأكثر هو المعنى الأول و نسب العامة أيضا هذا القول إلى الشيعة و الأخبار مختلفة و على القول بعدم وجوب الاستيعاب الطولي الأمر هين و الأحوط المسح إلى المفصل خروجا عن الخلاف. قوله ع إذا بالغت فيهما و في التهذيب فيها أي إذا بالغت في أخذ الماء بها بأن ملأتها منه بحيث لا تسع معه شيئا أو إذا بالغت في غسل العضو بها بإمرار اليد ليصل ماؤها إلى كل جزء و قوله ع و الثنتان أي الغرفتان تكفيان في استيعاب العضو بدون مبالغة ثم الظاهر أن غرفة للذراع المراد بها غرفة لكل ذراع و لا يبعد أن يكون المراد غرفة واحدة للذراعين معا و على الأول يدل على استحباب الغرفتين لا الغسلتين
30- العياشي، عن زرارة قال قلت لأبي جعفر ع حد الوجه الذي ينبغي أن يوضأ الذي قال الله عز و جل فقال الوجه الذي أمر الله عز و جل بغسله الذي لا ينبغي لأحد أن يزيد عليه و لا ينقص منه إن زاد عليه لم يؤجر و إن نقص منه أثم ما دارت عليه السبابة الوسطى و الإبهام من قصاص الشعر إلى الذقن و ما جرت عليه الإصبعان من الوجه مستديرا فهو من الوجه و ما سوى ذلك فليس من الوجه قلت الصدغ ليس من الوجه قال لا
إيضاح هذا الخبر مروي في الفقيه بسند صحيح و في التهذيب بحسن لا يقصر عن الصحيح و قوله الذي قال الله نعت بعد نعت للوجه و قوله لا ينقص منه إما معطوف على لا ينبغي أو على يزيد فعلى الأول لا نافية و على الثاني زائدة لتأكيد النفي و احتمال كون لا ناهية و يكون معطوفا على الموصول و صفة للوجه بتأويل مقول في حقه لا يخفى بعده و ركاكته. و جملة الشرط و الجزاء في قوله إن زاد عليه لم يؤجر صلة بعد صلة للموصول كما جوز التفتازاني في قوله سبحانه فَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَ الْحِجارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكافِرِينَ كون جملة أعدت صلة ثانية للتي و يحتمل أن يكون هذه الشرطية مع المعطوف عليها مفسرة لقوله لا ينبغي لأحد و أن تكون معترضة بين المبتدإ و الخبر و الجار و المجرور في قوله ع من قصاص الشعر إما متعلق بقوله و دارت أو صفة مصدر محذوف أو حال عن الموصول الواقع خبرا عن الوجه و هو ما إن جوزنا الحال عن الخبر أو حال عن الضمير المجرور العائد إلى الموصول على تقدير وجود عليه و لفظة من فيه ابتدائية و إلى الذقن مثله على التقادير. و لفظة من في قوله من الوجه بيان كما قيل و الأظهر أن كلمة من تبعيضية أي مما يحتمل كونه وجها و يتوهم كونه من الوجه و مستديرا إما حال عن الوجه أو عن ضمير عليه أو عن الموصول إن جوز و إما صفة مصدر محذوف و يحتمل أن يكون تمييزا عن نسبة جرت إلى فاعلها أي ما جرت الإصبعان عليه بالاستدارة مثله في قولهم لله دره فارسا و جملة ما جرت وقعت مؤكدة لسابقها إن كانت لفظة من في قوله من قصاص ابتدائية لتحديد الوجه على ما هو الظاهر أو مؤسسة و من ابتدائية للغسل على ما قيل و ضمائر منه و عليه كلها راجعة إلى الوجه. قوله ما دارت عليه السبابة الوسطى في نسخ التهذيب و الوسطى و في الفقيه عليه الوسطى بدون السبابة و لعله الصواب إذ زيادة السبابة لا فائدة لها ظاهرا و على هذه النسخة أطلق السبابة على الوسطى مجازا و ربما يتكلف على نسخة التهذيب بأن المراد التخيير بين ما دارت عليه السبابة و الإبهام و الوسطى و الإبهام أو يكون أحدهما للحد الطولي و الآخر للحد العرضي فالطولي ما دارت عليه السبابة و الإبهام لأن ما بين القصاص إلى الذقن بقدره غالبا و العرضي ما دارت عليه الوسطى و الإبهام و حينئذ يكون قوله من قصاص شعر الرأس إلى الذقن تماما للحدين معا كما قيل و لعل الأظهر أن ذكر السبابة وقع استطرادا إذ قلما ينفك عن الوسطى في الدوران. ثم اعلم أن قوله لا ينبغي لأحد أن يزيد عليه مع قوله إن زاد عليه لم يؤجر يحتمل وجوها أحدها أن يكون لا ينبغي محمولا على الكراهة كما هو الظاهر من إطلاقه في الأخبار و كلام القوم لا سيما و اقترن به قوله إن زاد عليه لم يؤجر باعتبار أنه أتى بالمأمور به مع زيادة لغوا و يحمل على أنه لم يفعل الزيادة بقصد كونه مأمورا به و إلا لكان تشريعا حراما إما الفعل أو القصد كما فصل في كلام القوم الثاني أن يحمل على الحرمة بأن فعله بقصد كونه مأمورا به فيكون تشريعا و الثالث أن يكون المراد أعم من الحرمة و الكراهة باعتبار الفردين المذكورين. و كذا قوله إن نقص أثم يحتمل وجوها الأول أن يكون الإثم و العقاب باعتبار الاكتفاء بذلك الوضوء الذي ترك فيه المأمور به لكون وضوئه و صلاته باطلين و اكتفى بهما فيأثم و يعاقب على تركهما الثاني أن يكون باعتبار كون هذا الوضوء و هذه الصلاة تشريعا فيأثم على فعلهما و إن لم يكتف بهما الثالث أن يحمل على الأعم منهما. و القصاص مثلثة القاف منتهى شعر الرأس حيث يؤخذ بالمقص من مقدمه و مؤخره و قيل هو منتهى منبته من مقدمه و هو المراد هنا و لا خلاف بين علماء الإسلام في أن ما يجب غسله في الوضوء من الوجه ليس خارجا عن المسافة التي هي من قصاص شعر الرأس إلى طرف الذقن طولا و من وتد الأذن إلى الوتد عرضا إلا من الزهري حيث ذهب إلى أن الأذنين من الوجه يغسلان معه. لكنهم اختلفوا في حده فمنهم من حده بأنه من القصاص إلى الذقن طولا و ما دارت عليه الإبهام و الوسطى عرضا و هو المشهور بين الأصحاب بل كاد أن
يكون إجماعا و ادعى العلامة في المنتهى و المحقق في المعتبر أنه مذهب أهل البيت ع. و من جملة ما استدلوا به عليه هذه الرواية لكنهم اختلفوا في معناها فالأكثر ذهبوا إلى أن قوله ع ما دارت عليه الإبهام و الوسطى بيان لعرض الوجه و قوله ع من قصاص شعر الرأس إلى الذقن لطوله و قوله ع و ما جرت عليه الإصبعان إلخ تأكيد لبيان العرض. و حملها الشيخ البهائي قدس الله روحه على معنى آخر و ادعى في بعض حواشيه أن هذا يستفاد من كلام بعض أصحابنا المتقدمين فإنهم حددوا الوجه بما حواه الإبهام و الوسطى و لم يخصوا ذلك بالعرض كما فعل المتأخرون و نقل في المختلف مثله عن ابن الجنيد و ما حمل الخبر عليه هو أن كلا من طول الوجه و عرضه ما اشتمل عليه الإبهام و الوسطى بمعنى أن الخط الواصل من القصاص إلى طرف الذقن و هو مقدار ما بين الإصبعين غالبا إذا فرض ثبات وسطه و أدير على نفسه فيحصل شبه دائرة فذلك المقدار هو الذي يجب غسله. قال في الحبل المتين و ذلك لأن الجار و المجرور في قوله من قصاص شعر الرأس إما متعلق بقوله دارت أو صفة مصدر محذوف و المعنى أن الدوران يبتدئ من القصاص منتهيا إلى الذقن و إما حال من الموصول الواقع خبرا عن الوجه إن جوزناه و المعنى أن الوجه هو القدر الذي دارت عليه الإصبعان حال كونه من القصاص إلى الذقن فإذا وقع طرف الوسطى مثلا على قصاص الناصية و طرف الإبهام على آخر الذقن ثم أثبت وسط انفراجهما و دار طرف الوسطى مثلا على الجانب الأيسر إلى أسفل و دار طرف الإبهام على الجانب الأيمن إلى فوق تمت الدائرة المستفادة من قوله مستديرا و تحقق ما نطق به قوله ما جرت عليه الإصبعان مستديرا فهو من الوجه انتهى كلامه رفع الله مقامه. و أنت خبير بأنه رحمه الله و إن دقق في إبداء هذا الوجه لكن الظاهر أن حمل الرواية عليه بعيد جدا و قد بسط رحمه الله القول في ذلك في كتبه بذكر مرجحات كثيرة لما اختاره و إيراد اعتراضات على ما فهمه القوم لا يرد أكثرها تركناها حذرا من الإطالة من غير طائل. و أما ما دل عليه الخبر من عدم دخول الصدغ في الوجه الذي يجب غسله فمما ذهب إليه أصحابنا إلا الراوندي على ما نقل عنه في الذكرى و لنحقق معنى الصدغ. قال الفيروزآبادي الصدغ بالضم ما بين العين و الأذن و الشعر المتدلي على هذا الموضع و نحوه قال الجوهري و قال بعض الفقهاء هو المنخفض الذي ما بين أعلى الأذن و طرف الحاجب و قال في المنتهى هو الشعر الذي بعد انتهاء العذار المحاذي لرأس الأذن و ينزل عن رأسها قليلا و قال في الذكرى هو ما حاذى العذار. فإذا عرفت هذا فاعلم أنه من فسر الصدغ بما بين العين و الأذن فلا ريب في أنه يدخل بعض بين الإصبعين بالإدارة بكل من الوجهين و إن أريد به الموضع الذي عليه الشعر و هو ما فوق العذار فلا يدخل بينهما شيء منه على شيء من الوجهين فما ذكره الشيخ البهائي قدس سره من أن هذا أحد الوجوه المرجحة لما حققه لا وجه له عند التحقيق فيمكن أن يحمل الصدغ الذي وقع في كلام زرارة و كلامه ع على المعنى الثاني الذي فسر به العلامة و الشهيد نور الله ضريحهما و قد عرفت أنه لا يشتمل شيئا منه الإصبعان و يمكن حمل الصدغ الذي في كلام الراوندي على البعض الذي لا شعر عليه و يشمله الإصبعان لئلا يكون مخالفا للرواية و إجماع الأصحاب و يمكن أن يكون الصدغ الذي في الرواية محمولا على المعنى الأول و يكون نفيه ع رفعا للإيجاب الكلي أي ليس الصدغ من الوجه بل بعضه خارج و بعضه داخل و الأول أظهر
31- العياشي، عن زرارة عن أبي جعفر ع قال قلت كيف يمسح الرأس قال إن الله يقول وَ امْسَحُوا بِرُؤُسِكُمْ فما مسحت من رأسك فهو كذا و لو قال امسحوا رؤسكم لكان عليك المسح بكله
بيان فهو كذا أي داخل في المأمور به
32- العياشي عن صفوان قال سألت أبا الحسن الرضا ع عن قول الله فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَ أَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرافِقِ وَ امْسَحُوا بِرُؤُسِكُمْ وَ أَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ فقال قد سأل رجل أبا الحسن ع عن ذلك فقال سيكفيك أو كفتك سورة المائدة يعني المسح على الرأس و الرجلين قلت فإنه قال فَاغْسِلُوا... أَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرافِقِ فكيف الغسل قال هكذا أن يأخذ الماء بيده اليمنى فيصبه في اليسرى ثم يفضه على المرفق ثم يمسح إلى الكف قلت له مرة واحدة فقال كان يفعل ذلك مرتين قلت يرد الشعر قال إذا كان عنده آخر فعل و إلا فلا
بيان قوله ع فيصبه في اليسرى يدل على رجحان الإدارة قوله ع إذا كان عنده آخر أي ممن يتقيه من المخالفين و رد الشعر الغسل منكوسا و الاحتمال الآخر هنا بعيد إلا أن يتحقق التقية به أيضا مع الابتداء بالأعلى في بعض الأحيان
33- العياشي، عن ميسر عن أبي جعفر ع قال الوضوء واحدة قال و وصف الكعب في ظهر القدم
بيان هذا الحديث كالصريح في أن الكعب هو الناتئ في ظهر القدم و قال الشيخ البهائي قدس سره الأخبار المتضمنة لكون الكعب في ظهر القدم لا يخالف كونه العظم الواقع في المفصل فإن الكعب بهذا المعنى واقع في ظهر القدم خارج عنه على أن قول ميسر أنه ع وصف الكعب في ظهر القدم يعطي أن الإمام ذكر للكعب أوصافا ليعرفه الراوي بها و لو كان الكعب بهذا الارتفاع المحسوس المشاهد لم يحتج إلى الوصف بل كان ينبغي أن يقول هو هذا. و قال أيضا ليس المراد بظهر القدم خلاف باطنه بل ما ارتفع منه كما يقال لما ارتفع و غلظ من الأرض ظهر و لا يخفى ما فيهما من التكلف
34- العياشي، عن عبد الله بن سليمان عن أبي جعفر ع قال قال أ لا أحكي لكم وضوء رسول الله ص قلنا بلى فأخذ كفا من ماء فصبه على وجهه ثم أخذ كفا آخر فصبه على ذراعه الأيمن ثم أخذ كفا آخر فصبه على ذراعه الأيسر ثم مسح رأسه و قدميه ثم وضع يده على ظهر القدم ثم قال إن هذا هو الكعب و أشار بيده إلى العرقوب و ليس بالكعب
و في رواية أخرى عنه ع قال إلى العرقوب ثم قال إن هذا هو الظنبوب و ليس بالكعب
بيان رواه في التهذيب عن ميسر عن أبي جعفر ع و فيه ثم وضع يده على ظهر القدم ثم قال هذا هو الكعب قال و أومأ بيده إلى أسفل العرقوب ثم قال إن هذا هو الظنبوب
و قال في القاموس العرقوب عصب غليظ فوق عقب الإنسان و من الدابة في رجلها بمنزلة الركبة في يدها و قال الظنبوب حرف الساق من القدم أو عظمه أو حرف عظمه و هذا أيضا كالصريح في الكعب بالمعنى المشهور و ما نفاه أخيرا هو الذي يقوله المخالفون
35- العياشي، عن علي بن أبي حمزة قال سألت أبا إبراهيم ع عن قول الله يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ إلى قوله إِلَى الْكَعْبَيْنِ فقال صدق الله قلت جعلت فداك كيف يتوضأ قال مرتين مرتين قلت يمسح قال مرة مرة قلت من الماء مرة قال نعم قلت جعلت فداك فالقدمين قال اغسلهما غسلا
بيان الأمر بالغسل تقية أو اتقاء و قوله من الماء أيضا الظاهر أنه تقية و إن أمكن حمله على أن المراد ماء الوضوء الذي بقي في الكف
36- العياشي، عن محمد بن أحمد الخراساني رفع الحديث قال أتى أمير المؤمنين ع رجل فسأله عن المسح على الخفين فأطرق في الأرض مليا ثم رفع رأسه فقال يا هذا إن الله تبارك و تعالى أمر عباده بالطهارة و قسمها على الجوارح فجعل للوجه منه نصيبا و جعل لليدين منه نصيبا و جعل للرأس منه نصيبا و جعل للرجلين منه نصيبا فإن كانتا خفاك من هذه الأجزاء فامسح عليهما
37- و منه، عن غالب بن الهذيل قال سألت أبا جعفر ع عن قول الله وَ امْسَحُوا بِرُؤُسِكُمْ وَ أَرْجُلَكُمْ على الخفض هي أم على الرفع فقال هي على الخفض
38- و منه، عن عبد الله خليفة أبي العريف الهمداني قال قام ابن الكواء إلى علي ع فسأله عن المسح على الخفين فقال بعد كتاب الله تسألني قال الله تعالى يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ إلى قوله تعالى إِلَى الْكَعْبَيْنِ ثم قام إليه ثانية فسأله قال له مثل ذلك ثلاث مرات كل ذلك يتلو عليه هذه الآية
39- و منه عن الحسن بن زيد عن جعفر بن محمد ع أن عليا خالف القوم في المسح على الخفين على عهد عمر بن الخطاب قالوا رأينا النبي ص يمسح على الخفين قال فقال علي ع قبل نزول المائدة أو بعدها فقالوا لا ندري قال و لكني أدري أن النبي ص ترك المسح على الخفين حين نزلت المائدة و لأن أمسح على ظهر حمار أحب إلي من أن أمسح على الخفين و تلا هذه الآية يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَ أَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرافِقِ وَ امْسَحُوا بِرُؤُسِكُمْ وَ أَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ
بيان يدل على أن المسح على الخفين كان قبل نزول المائدة فنسخ بها
40- معرفة الرجال، للكشي عن حمدويه و إبراهيم عن محمد بن إسماعيل الرازي عن أحمد بن سليمان عن داود الرقي قال دخلت على أبي عبد الله ع فقلت له جعلت فداك كم عدة الطهارة فقال ما أوجبه الله فواحدة و أضاف إليها رسول الله ص واحدة لضعف الناس و من توضأ ثلاثا ثلاثا فلا صلاة له أنا معه في ذا حتى جاء داود بن زربي و أخذ زاوية من البيت فسأله عما سألته في عدة الطهارة فقال له ثلاثا ثلاثا من نقص عنه فلا صلاة له قال فارتعدت فرائص و كاد أن يدخلني الشيطان فأبصر أبو عبد الله ع إلي و قد تغير لوني فقال اسكن يا داود هذا هو الكفر أو ضرب الأعناق قال فخرجنا من عنده و كان ابن زربي إلى جوار بستان أبي جعفر المنصور و كان قد ألقى إلى أبي جعفر أمر داود بن زربي و أنه رافضي يختلف إلى جعفر بن محمد ع فقال أبو جعفر إني مطلع على طهارته فإن هو توضأ وضوء جعفر بن محمد فإني لأعرف طهارته حققت عليه القول و قتلته فاطلع و داود يتهيأ للصلاة من حيث لا يراه فأسبغ داود بن زربي الوضوء ثلاثا ثلاثا كما أمره أبو عبد الله فما تم وضوؤه حتى بعث إليه أبو جعفر المنصور فدعاه قال فقال داود فلما أن دخلت عليه رحب بي و قال يا داود قيل فيك شيء باطل و ما أنت كذلك قد اطلعت على طهارتك و ليس طهارتك طهارة الرافضة فاجعلني في حل و أمر له بمائة ألف درهم قال فقال داود الرقي لقيت أنا داود بن زربي عند أبي عبد الله ع فقال له داود بن زربي جعلني الله فداك حقنت دماءنا في دار الدنيا و نرجو أن ندخل بيمنك و بركتك الجنة فقال أبو عبد الله ع فعل الله ذلك بك و بإخوانك من جميع المؤمنين فقال أبو عبد الله ع لداود بن زربي حدث داود الرقي بما مر عليكم حتى تسكن روعته فقال فحدثته بالأمر كله فقال أبو عبد الله ع لهذا أفتيته لأنه كان أشرف على القتل من يد هذا العدو ثم قال يا داود بن زربي توضأ مثنى مثنى و لا تزدن عليه فإنك إن زدت عليه فلا صلاة لك
بيان قوله ع هذا هو الكفر أي إنكارك لهذا إن كان للتكذيب و عدم الاعتقاد بإمامتي فهو الكفر و إن كنت تترك التقية و لا تعملها مع الاعتقاد بإمامتي فهو موجب لأن تقتل و تقتل جماعة بسببك
41- الكشي، عن محمد بن نصير عن محمد بن عيسى عن يونس قال قلت لحريز يوما يا أبا عبد الله كم يجزيك أن تمسح من شعر رأسك في وضوئك للصلاة قال بقدر ثلاث أصابع و أومأ بالسبابة و الوسطى و الثالث و كان يونس يذكر عنه فقها كثيرا
بيان يدل على أن حريزا كان يرى المسح بمقدار ثلاث أصابع واجبا و يحتمل أن يكون مراده الإجزاء في الفضل
42- فهرست النجاشي، عن أبي الحسين التميمي عن ابن عقدة عن علي بن قاسم البجلي عن علي بن إبراهيم المعلى عن عمر بن محمد بن عمر بن علي بن الحسين عن عبد الرحمن بن محمد بن عبيد الله بن علي بن أبي رافع عن أبيه و كان كاتب أمير المؤمنين ع أنه كان يقول إذا توضأ أحدكم للصلاة فليبدأ باليمين قبل الشمال من جسده
43- العلل، عن أبيه و محمد بن الحسن بن الوليد معا عن سعد بن عبد الله عن محمد بن عيسى بن عبيد عن ابن أبي عمير و محمد بن سنان معا عن الصباح المزني و سدير الصيرفي و محمد بن النعمان و عمر بن أذينة عن أبي عبد الله ع في حديث طويل في وصف المعراج عن النبي ص قال قال ربي عز و جل يا محمد مد يدك فيتلقاك ما يسيل من ساق عرشي الأيمن فنزل الماء فتلقيته باليمين فمن أجل ذلك أول الوضوء باليمنى ثم قال يا محمد خذ ذلك الماء فاغسل به وجهك و علمه غسل الوجه فإنك تريد أن تنظر إلى عظمتي و أنت طاهر ثم اغسل ذراعيك اليمين و اليسار و علمه ذلك فإنك تريد أن تتلقى بيديك كلامي و امسح بفضل ما في يديك من الماء رأسك و رجليك إلى كعبيك و علمه المسح برأسه و رجليه و قال إني أريد أن أمسح رأسك و أبارك عليك فأما المسح على رجليك فإني أريد أن أوطئك موطئا لم يطأه أحد قبلك و لا يطؤه أحد غيرك فهذا علة الوضوء
أقول سيأتي تمامه بأسانيد في كتاب الصلاة
44- العلل، عن أبيه عن سعد بن عبد الله عن يعقوب بن يزيد عن حماد عن حريز عن زرارة و محمد بن مسلم عن أبي جعفر ع قال إنما الوضوء حد من حدود الله ليعلم الله من يطيعه و من يعصيه و إن المؤمن لا ينجسه شيء و إنما يكفيه مثل الدهن
بيان أي أعضاؤه لا تنجس بشيء من الأحداث نجاسة خبيثة حتى يحتاج في إزالتها إلى صب ماء زائد على ما يشبه الدهن كما هو الواقع في أغلب النجاسات الخبيثة و حمل الدهن في المشهور على أقل مراتب الجريان. و قال الشهيد في الذكرى و إنما حملنا الدهن على الجريان توفيقا بينه و بين مفهوم الغسل و لأن أهل اللغة قالوا دهن المطر الأرض إذا بلها بلا يسيرا و قيد الشيخان رحمهما الله إجزاء الدهن بالضرورة من برد أو عوز الماء لرواية.
محمد الحلبي عن الصادق ع أسبغ الوضوء إن وجدت ماء و إلا فإنه يكفيك اليسير
و لعلهما أرادا به ما لا جريان فيه أو الأفضلية كمنطوق الرواية انتهى
45- العلل، بالإسناد المتقدم عن زرارة قال قلت لأبي جعفر ع أ لا تخبرني من أين علمت و قلت إن المسح ببعض الرأس و بعض الرجلين فضحك ثم قال يا زرارة قاله رسول الله ص و نزل به الكتاب من الله لأن الله عز و جل يقول فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ فعرفنا أن الوجه كله ينبغي له أن يغسل ثم قال وَ أَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرافِقِ ثم فصل بين الكلامين فقال وَ امْسَحُوا بِرُؤُسِكُمْ فعرفنا حين قال برؤسكم أن المسح ببعض الرأس لمكان الباء ثم وصل الرجلين بالرأس كما وصل اليدين بالوجه فقال وَ أَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ فعرفنا حين وصلها بالرأس أن المسح على بعضها ثم فسر ذلك رسول الله للناس فضيعوه ثم قال فَلَمْ تَجِدُوا ماءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَ أَيْدِيكُمْ فلما وضع الوضوء عمن لم يجد الماء أثبت مكان الغسل مسحا لأنه قال بِوُجُوهِكُمْ ثم وصل بها وَ أَيْدِيَكُمْ ثم قال مِنْهُ أي من ذلك التيمم لأنه علم أن ذلك أجمع لم يجر على الوجه لأنه يعلق من ذلك الصعيد ببعض الكف و لا يعلق ببعضها ثم قال ما يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ في الدين مِنْ حَرَجٍ و الحرج الضيق
العياشي، عن زرارة مثله تبيين قوله من أين علمت و قلت الظاهر أنهما بصيغة الخطاب فيظهر منه سوء أدب منه بالنسبة إلى الإمام ع و هو ينافي علو شأنه و لعله كان أمثال هذا في بدو استبصاره لأنه كان أولا من فضلاء العامة و يمكن أن يقال المعنى أخبرني عن مستند علمك و قولك من الكتاب و السنة الذي تستدل به على المخالفين المنكرين لإمامتك حتى أحتج أنا أيضا عليهم به عند المناظرة. و قرأ بعض مشايخنا قدس الله أرواحهم الفعلين بصيغة التكلم فمعناه أخبرني بمستند علمي و دليل قولي فإني جازم بالمدعى غير عالم بدليله من غير جهة قولك لأحتج به على العامة. و ضحكه ع إما من تقرير زرارة المطلب الذي لا خدشة فيه بما يوهم سوء الأدب لقلة علمه بآداب الكلام أو للتعجب منه أو من المخالفين بأنهم إلى الآن لم يفهموا كلام الله مع ظهوره في التبعيض أو من تعصبهم و إنكارهم عنادا مع علمهم بدلالة الآية أو من تبهيمه فيما بعد بقوله يا زرارة إلخ. قوله ع فعرفنا أن الوجه لأن الوجه حقيقة في الجميع و الأصل في الإطلاق الحقيقة و كذا القول في اليدين مع أن التحديد بالغاية يؤيد الاستيعاب. قوله ع ثم فصل بين الكلامين أي غاير بينهما بإدخال الباء في الثاني دون الأول أو بتغيير الحكم لأن الحكم في الأول الغسل و في الثاني المسح و الأول أظهر و يدل على أن الباء للتبعيض و ما قيل من أنه لعل منشأ الاستدلال محض تغيير الأسلوب لا كون الباء للتبعيض فلا يخفى بعده. قوله ع ثم وصل أي عطف الرجلين على الرأس من غير تغيير في الأسلوب كما عطف اليدين على الوجه فكما أن المعطوف في الأول في حكم المعطوف عليه في الغسل و الاستيعاب فكذا المعطوف في الثانية في حكم المعطوف عليه في المسح و التبعيض. قوله فلما وضع أي حكم الوضوء و الغسل و في بغض النسخ فلما وضع الوضوء كما في سائر كتب الحديث و فيها بعض الغسل موضع مكان الغسل فتخصيص الوضوء لأنه أهم و لأن المقصود بيان أنه جعل بعض الأعضاء المغسولة في الوضوء ممسوحا و يحتمل أن يكون المراد بالوضوء المعنى اللغوي فيشمل الوضوء و الغسل الشرعيين. و حمل ع كلمة من أيضا في الآية على التبعيض كما اختاره الزمخشري و أرجع الضمير إلى التيمم بمعنى المتيمم به قوله لأنه علم تعليل لقوله قال أي علم أن ذلك التراب الذي مسه الكفان حال الضرب عليه لا يلصق بأجمعه بالكفين فلا يجري جميعه على الوجه أي وجهه و منهم من جعله تعليلا لقوله أثبت أي جعل بعض المغسول ممسوحا حيث قال بِوُجُوهِكُمْ بالباء التبعيضية لأنه تعالى علم أن التراب الذي يعلق باليد لا يجري على كل
الوجه و اليدين لأنه يعلق ببعض اليد دون بعض و ربما يقال أنه تعليل لقوله قال بِوُجُوهِكُمْ و هو قريب من الثاني. و سيأتي تمام القول في ذلك في تفسير آية التيمم إن شاء الله
46- العلل، عن أبيه عن علي بن إبراهيم عن أبيه عن النوفلي عن السكوني عن أبي عبد الله ع أنه قال من تعدى في الوضوء كان كناقضه
بيان كناقضه في بعض النسخ بالضاد المعجمة و في بعضها بالمهملة قال السيد الداماد قدس سره الأصوب بإهمال الصاد من نقصه ينقصه نقصا فذلك منقوص و هو ناقص إياه و منه في التنزيل الكريم نصيب غير منقوص لا من نقض ينقض نقضا فهو ناقض
47- الخصال، عن أبيه عن سعد بن عبد الله عن محمد بن عيسى اليقطيني عن القاسم بن يحيى عن جده الحسن بن راشد عن أبي بصير و محمد بن مسلم عن أبي عبد الله ع قال قال أمير المؤمنين ع ليس في شرب المسكر و المسح على الخفين تقية
بيان هذا مخالف لما هو المشهور من عموم التقية و الآيات و الأخبار الدالة عليه
و ورد في كثير من الأخبار هكذا ثلاثة لا أتقي فيهن أحدا شرب المسكر و المسح على الخفين و متعة الحج
و قال الشيخ رحمه الله في الإستبصار بعد إيراده فلا ينافي الخبر الأول لوجوه أحدها أنه أخبر عن نفسه أنه لا يتقي فيه أحدا و يجوز أن يكون إنما أخبر بذلك لعلمه بأنه لا يحتاج إلى ما يتقي فيه في ذلك و لم يقل لا تتقوا أنتم فيه أحدا و هذا وجه ذكره زرارة بن أعين. و الثاني أن يكون أراد لا أتقي فيه أحدا في الدنيا بالمنع من جواز المسح عليهما دون الفعل لأن ذلك معلوم من مذهبه فلا وجه لاستعمال التقية فيه. و الثالث أن يكون المراد لا أتقي فيه أحدا إذ لم يبلغ الخوف على النفس و المال و إن لحقه أدنى مشقة احتمله و إنما تجوز التقية في ذلك عند الخوف الشديد على النفس و المال انتهى. و ربما يقال في شرب المسكر لأنه لا يستلزم عدم الشرب القول بالحرمة فيمكن أن يسند الترك إلى عذر آخر و في المسح لأن الغسل أولى منه و يتحقق التقية به و في الحج لأن العامة يستحبون الطواف و السعي للقدوم فلم يبق إلا التقصير و نية الإحرام بالحج و يمكن إخفاؤهما و يمكن أن يقال الوجه في الجميع وجود المشارك في العامة. و قال في الذكرى يمكن أن يقال هذه الثلاث لا يحتاج فيها إلى التقية غالبا لأنهم لا ينكرون متعة الحج و أكثرهم يحرم المسكر و من خلع خفيه و غسل رجليه فلا إنكار عليه و الغسل أولى منه عند انحصار الحال فيهما انتهى. و لا يخفى أن بعض الوجوه المتقدمة لا يجري في هذا الخبر فتدبر
48- كشف الغمة، قال ذكر علي بن إبراهيم بن هاشم و هو من أجل رواة أصحابنا في كتابه عن النبي و ذكر حديثا في ابتداء النبوة يقول فيه فنزل عليه جبرئيل و أنزل عليه ماء من السماء فقال له يا محمد قم توضأ للصلاة فعلمه جبرئيل الوضوء على الوجه و اليدين من المرفق و مسح الرأس و الرجلين إلى الكعبين
49- كتاب الطرف، للسيد بن طاوس بإسناد عن عيسى بن المستفاد عن أبي الحسن موسى بن جعفر عن أبيه أن رسول الله ص قال لعلي و خديجة ع لما أسلما إن جبرئيل عندي يدعوكما إلى بيعة الإسلام و يقول لكما إن للإسلام شروطا أن تقولا نشهد أن لا إله إلا الله إلى أن قال و إسباغ الوضوء على المكاره الوجه و اليدين و الذراعين و مسح الرأس و الرجلين إلى الكعبين و غسل الجنابة في الحر و البرد و إقام الصلاة و أخذ الزكاة من حلها و وضعها في وجهها و صوم شهر رمضان و الجهاد في سبيل الله و الوقوف عند الشبهة إلى الإمام فإنه لا شبهة عنده الحديث
50- و عنه عن موسى بن جعفر عن أبيه ع أن رسول الله ص قال للمقداد و سلمان و أبي ذر أ تعرفون شرائع الإسلام قالوا نعرف ما عرفنا الله و رسوله فقال هي أكثر من أن تحصى أشهدوني على أنفسكم بشهادة أن لا إله إلا الله إلى أن قال و أن القبلة قبلتي شطر المسجد الحرام لكم قبلة و أن علي بن أبي طالب ع وصي محمد و أمير المؤمنين و أن مودة أهل بيته مفروضة واجبة مع إقام الصلاة و إيتاء الزكاة و الخمس و حج البيت و الجهاد في سبيل الله و صوم شهر رمضان و غسل الجنابة و الوضوء الكامل على الوجه و اليدين و الذراعين إلى المرافق و المسح على الرأس و القدمين إلى الكعبين لا على خف و لا على خمار و لا على عمامة إلى أن قال فهذه شروط الإسلام و قد بقي أكثر
51- البصائر، لسعد بن عبد الله عن محمد بن الحسين بن أبي الخطاب و الحسن بن موسى الخشاب و محمد بن عيسى عن علي بن أسباط عن يونس بن عبد الرحمن عن عبد الصمد بن بشير عن عثمان بن زياد أنه دخل على أبي عبد الله ع فقال له رجل إني سألت أباك عن الوضوء فقال مرة مرة فما تقول فقال إنك لن تسألني عن هذه المسألة إلا و أنت ترى أني أخالف أبي توضأ ثلاثا و خلل أصابعك
بيان إني أخالف أبي أي للتقية
-52 إرشاد المفيد، عن مخول بن إبراهيم عن قيس بن الربيع قال سألت أبا إسحاق عن المسح على الخفين فقال أدركت الناس يمسحون حتى لقيت رجلا من بني هاشم لم أر مثله قط محمد بن علي بن الحسين فسألته عن المسح فنهاني عنه و قال لم يكن علي أمير المؤمنين يمسح و كان يقول سبق الكتاب المسح على الخفين قال فما مسحت منذ نهاني عنه
53- تفسير النعماني، قال قال أمير المؤمنين ع إن الله فرض الوضوء على عباده بالماء الطاهر و كذلك الغسل من الجنابة فقال تعالى يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ إلى قوله تعالى فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً فالفريضة من الله عز و جل الغسل بالماء عند وجوده لا يجوز غيره و الرخصة فيه إذا لم يجد الماء الطاهر التيمم بالتراب من الصعيد الطيب
54- دعائم الإسلام، روينا عن جعفر بن محمد صلوات الله عليه و على آبائه الطاهرين أن الوضوء لا يجب إلا من حدث و أن المرء إذا توضأ صلى بوضوئه ذلك ما شاء من الصلوات ما لم يحدث أو ينم أو يجامع أو يغم عليه أو يكون منه ما يجب منه إعادة الوضوء
55- نوادر الراوندي، عن عبد الواحد بن إسماعيل عن محمد بن الحسن التميمي عن سهل بن أحمد الديباجي عن محمد بن محمد بن الأشعث عن موسى بن إسماعيل بن موسى عن أبيه عن جده موسى بن جعفر عن آبائه ع قال قالت عائشة لأن شلت يدي أحب إلي من أن أمسح على الخفين
و بهذا الإسناد قال نشد عمر بن الخطاب من رأى رسول الله ص مسح على خفيه إلا قام فقام ناس من أصحاب رسول الله ص فشهدوا أنهم رأوا رسول الله ص مسح على الخفين فقال علي ع أ قبل نزول المائدة أم بعده قالوا لا ندري فقال علي ع و لكني أدري أنه لما نزل سورة المائدة رفع المسح فلأن أمسح على ظهر حمار أحب إلي من أن أمسح على خفي
56- مجالس الشيخ، عن الحسين بن عبيد الله عن التلعكبري عن محمد بن علي بن معمر عن محمد بن صدقة عن الكاظم عن آبائه ع قال قال رسول الله ص إنا أهل بيت لا نمسح على خفافنا
-57 أقول وجدت بخط الشيخ محمد بن علي الجبعي نقلا من خط الشهيد قدس الله روحهما روى أبو عمر الزاهد في كتاب فائت الجمهرة قال و الكعب اختلف الناس فيه فأخبرني أبو نصر عن الأصمعي قال قال هو الناتئ في أسفل الساق عن يمين و شمال قال و أخبرني سلمة عن الفراء قال هو في مشط الرجل قال هكذا برجله قال أبو العباس فهذا الذي يسميه الأصمعي الكعب هو عند العرب النجم قال و أخبرني سلمة عن الفراء عن الكسائي قال قعد محمد بن علي بن الحسين ع في مجلس كبير فقال لهم ما الكعبان قال فقالوا هكذا فقال ع ليس هو هكذا و لكنه هكذا و أشار إلى مشط رجله فقالوا له إن الناس يقولون هكذا فقال لا هذا قوله الخاصة و ذاك قول العامة
58- كنز الكراجكي، قال روى المخالفون أنه قام النبي ص بحيث يراه أصحابه ثم توضأ فغسل وجهه و ذراعيه و مسح برأسه و رجليه
59- و منه، روى المخالفون أن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ع قال للناس في الرحبة أ لا أدلكم على وضوء رسول الله ص قالوا بلى فدعا بقعب فيه ماء فغسل وجهه و ذراعيه و مسح على رأسه و رجليه و قال هذا وضوء من لم يحدث حدثا
ثم قال الكراجكي فإن قال الخصم ما مراده بقوله من لم يحدث حدثا و هل هذا إلا دليل على أنه كان على وضوء قبله قيل له مراده بذلك أن هذا الوضوء الصحيح الذي كان يتوضأه رسول الله ص و ليس هو وضوء من غير و أحدث في الشريعة ما ليس فيها و يدل عليه أنه قصد أن يريهم فرضا يعولون عليه و يقتدون به فيه و لو كان على وضوء قبل ذلك لكان يعلمهم الفرض الذي هم أحوج إليه
60- و منه، قال أمير المؤمنين ع ما نزل القرآن إلا بالمسح
و قال ابن عباس نزل القرآن بغسلين و مسحين
61- و منه، روى أبان بن عثمان عن ميسر عن أبي جعفر ع قال أ لا أحكي لك وضوء رسول الله ص ثم انتهى إلى أن قال فمسح رأسه و قدميه ثم وضع يده على ظهر القدم ثم قال هذا هو الكعب
62- دعائم الإسلام، قوله تعالى و أرجلكم إلى الكعبين بالكسر قراءة أهل البيت و لذلك قال أبو جعفر ع و قد سئل عن المسح على الرجلين فقال به نطق الكتاب و قال لما أوجب الله عز و جل التيمم على من لم يجد الماء جعل التيمم مسحا على عضوي الغسل و هما الوجه و اليدان و أسقط عضوي المسح و هما الرأس و الرجلان
و قال جعفر بن محمد التقية ديني و دين آبائي إلا في ثلاث في شرب المسكر و الخمر و المسح على الخفين و ترك الجهر ب بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
و قال ع لا تجوز الصلاة خلف من يرى المسح على الخفين لأنه يصلي على غير الطهارة