1- العلل، عن ابن الوليد عن الصفار عن العباس بن معروف عن سعدان بن مسلم عن علي بن أبي حمزة عن أبي عبد الله أو عن أبي بصير عن أبي عبد الله ع قال ينبغي لصاحب المصيبة أن لا يلبس الرداء و أن يكون في قميص حتى يعرف و ينبغي لجيرانه أن يطعموا عنه ثلاثة أيام
و روي عن الصادق ع أنه قال ملعون من وضع رداء في مصيبة غيره
تبيين ظاهره استحباب وضع الرداء لصاحب المصيبة و الظاهر الرجوع في ذلك إلى العرف و يحتمل أن يكون بناؤه على شدة التأثر و التألم أو الارتباط و الخلطة لا القرابة و الأول أظهر و يظهر منه أن المراد بالرداء الثوب المتعارف الذي يلبسه الناس فوق الثياب غالبا ليكون وضعه سببا للامتياز و من هذا التعليل فهموا غير ذلك من أنواع الامتياز خصوصا في الأزمنة التي لا يصلح وضع الرداء للامتياز و ظاهر الخبر المرسل تحريم وضع الرداء لغير صاحب المصيبة كما ذهب إليه ابن حمزة و إثبات التحريم بمثله مشكل و الأحوط الترك و قد مر الكلام فيه في باب التشييع. و أما استحباب بعث الطعام ثلاثة أيام إلى صاحب المصيبة فلا خلاف بين الأصحاب في ذلك و فيه إيماء إلى استحباب اتخاذ المأتم ثلاثة بل على استحباب تعاهدهم و تعزيتهم ثلاثة أيضا فإن الإطعام عنه يدل على اجتماع الناس للمصيبة. قال في الذكرى بعد ذكر بعض أحكام التعزية و لا حد لزمانها عملا بالعموم نعم لو أدت التعزية إلى تجديد حزن قد نسي كان تركها أولى و يمكن القول بثلاثة أيام لنقل
الصدوق عن أبي جعفر ع يصنع للميت مأتم ثلاثة أيام من يوم مات
و نقل الصدوق عن الصادق ع أن النبي ص أمر فاطمة ع أن تأتي أسماء بنت عميس و نساءها و أن تصنع لهم طعاما ثلاثة أيام فجرت بذلك السنة
و قال الصادق ع ليس لأحد أن يحد أكثر من ثلاثة أيام إلا المرأة على زوجها حتى تنقضي عدتها
قال و أوصى أبو جعفر ع بثمان مائة درهم لمأتمه و كان يرى ذلك من السنة لأن رسول الله ص أمر باتخاذ طعام لآل جعفر
و في كل هذه إيماء إلى ذلك و الشيخ أبو الصلاح قال من السنة تعزية أهله ثلاثة أيام و حمل الطعام إليهم. و الشيخ في المبسوط نقل الإجماع على كراهية الجلوس للتعزية يوما أو يومين أو ثلاثة و رده ابن إدريس بأنه اجتماع و تزاور و نصره المحقق بأنه لم ينقل عن أحد من الصحابة و الأئمة الجلوس لذلك فاتخاذه مخالف لسنة السلف و لا يبلغ التحريم. قلت الأخبار المذكورة مشعرة به و شهادة الإثبات مقدمة إلا أن يقال لا يلزم من عمل المأتم الجلوس للتعزية بل هو مقصور على الاهتمام بأمور أهل الميت لاشتغالهم بحزنهم لكن اللغة و العرف يشهدان بخلافه قال الجوهري المأتم النساء يجتمعن قال و عند العامة المصيبة و قال غيره المأتم المناحة و هما مشعران بالاجتماع انتهى
2- العلل، عن جعفر بن محمد بن مسرور عن الحسين بن محمد بن عامر عن عمه عبد الله بن عامر عن ابن أبي عمير عن هشام بن سالم قال قلت للصادق ع ما بالنا نجد بأولادنا ما لا يجدون بنا قال لأنهم لستم منهم
بيان يمكن أن يكون لخلقهم من أجزاء بدن الآباء مدخل في ذلك و أن يكون المراد أنكم ربيتموهم بمشقة شديدة و آنستم بهم في صغرهم فلذا تحزنون على موتهم أكثر منهم على موتكم أو لأنكم حصلتموهم للانتفاع بهم فلذا تحزنون على حرمانك و الأول أظهر
3- قرب الإسناد، عن هارون بن مسلم عن مسعدة بن زياد عن جعفر عن أبيه ع قال قال ص من أصيب بمصيبة فليذكر مصيبته بي فإنها أعظم المصائب
مسكن الفؤاد، عن ابن عباس مثله بيان لعل العلة في ذلك أن تذكر عظام المصائب يهون صغارها كما هو المجرب
4- قرب الإسناد، عن الحسن بن طريف عن الحسين بن علوان عن جعفر عن أبيه ع قال قال رسول الله ص إن الله تبارك و تعالى ينزل المعونة على قدر المئونة و ينزل الصبر على قدر شدة البلاء
5- مجالس الصدوق، عن علي بن أحمد الدقاق عن محمد بن أبي عبد الله الكوفي عن محمد بن إسماعيل البرمكي عن الحسين بن الهيثم عن عباد بن يعقوب الأسدي عن عنبسة العابد قال لما مات إسماعيل بن جعفر بن محمد و فرغنا من جنازته جلس الصادق جعفر بن محمد ع و جلسنا حوله و هو مطرق ثم رفع رأسه و قال أيها الناس إن هذه الدنيا دار فراق و دار التواء لا دار استواء على أن لفراق المألوف حرقة لا تدفع و لوعة لا ترد و إنما يتفاضل الناس بحسن العزاء و صحة الفكرة فمن لم يثكل أخاه ثكله أخوه و من لم يقدم ولدا كان هو المقدم دون الولد ثم تمثل ع بقول أبي خراش الهذلي يرثي أخاه
و لا تحسبي أني تناسيت عهده و لكن صبري يا أمام جميل
بيان قال الفيروزآبادي لواه فتله و ثناه فالتوى و تلوى و عن الأمر تثاقل كالتوى و فلانا على فلان آثره و تلوى انعطف كالتوى و البقل ذوى و به ذهب و بما في الإناء استأثر به و غلب على غيره و به العقاب طارت به و بهم الدهر أهلكهم و بكلامه خالف به عن جهته انتهى و الأكثر مناسب كما لا يخفى أي دار ذهاب و انعطاف إلى دار أخرى و دار استيثار و استبداد و بوار و هلاك و يتلوى فيها للمصائب لا دار استواء أي اعتدال و استقامة أو استيلاء على المطلوب و اللوعة حرقة في القلب و الثكل بالضم الموت و الهلاك و فقدان الحبيب أو الولد و قد ثكله كفرح و أمام بالضم مرخم أمامة اسم امرأة
6- مجالس الصدوق، و العيون، عن محمد بن القاسم الأسترآبادي عن أحمد بن الحسن الحسيني عن الحسن بن علي بن الناصر عن أبيه عن محمد بن علي عن أبيه الرضا عن موسى بن جعفر ع قال رأى الصادق ع رجلا قد اشتد جزعه على ولده فقال يا هذا جزعت للمصيبة الصغرى و غفلت عن المصيبة الكبرى لو كنت لما صار إليه ولدك مستعدا لما اشتد عليه جزعك فمصابك بتركك الاستعداد له أعظم من مصابك بولدك
7- الخصال، عن أبيه عن علي بن إبراهيم عن أبيه عن الحسن بن أبي الحسين الفارسي عن سليمان بن جعفر البصري عن عبد الله بن الحسين بن زيد عن أبيه عن جعفر بن محمد عن آبائه ع قال قال رسول الله ص أربعة لا تزال في أمتي إلى يوم القيامة الفخر بالأحساب و الطعن في الأنساب و الاستسقاء بالنجوم و النياحة و إن النائحة إذا لم تتب قبل موتها تقوم يوم القيامة و عليها سربال من قطران و درع من جرب
بيان في القاموس السربال بالكسر القميص أو الدرع أو كل ما ليس انتهى و القطران ما يتحلب من الأبهل فيطبخ فيهنأ به الإبل الجرباء فيحرق الجرب بحدته و هو أسود منتن يشتعل فيه النار بسرعة يطلى بها جلود أهل النار حتى يكون طلاء لهم كالقميص ليجمع عليهم لدغ القطران و وحشة لونه و نتن ريحه مع إسراع النار في جلودهم و قرأ يعقوب في الآية من قطر آن و القطر النحاس أو الصفر المذاب و الآني المتناهي حره و يمكن أن يقرأ هاهنا أيضا هكذا
8- الخصال، عن أبيه عن سعد بن عبد الله عن محمد بن عيسى اليقطيني عن القاسم بن يحيى عن جده الحسن عن أبي بصير و محمد بن مسلم عن أبي عبد الله عن آبائه ع قال قال أمير المؤمنين ع مروا أهاليكم بالقول الحسن عند موتاكم فإن فاطمة بنت محمد ص لما قبض أبوها ساعدتها بنات بني هاشم فقالت دعوا التعداد و عليكم بالدعاء
بيان لعلها صلوات الله عليها إنما نهت عن تعداد الفضائل للتعليم إذ ذكر فضائله ص كان صدقا و كان من أعظم الطاعات فكان غرضها ع أن لا يذكروا أمثال ذلك في موتاهم لكونها مشتملة على الكذب غالبا و انتفاع الميت بالاستغفار و الدعاء أكثر على تقدير كونها صدقا و المراد بالقول الحسن أن لا يقولوا فيما يذكرونه للميت من مدائحه كذبا أو الدعاء و الاستغفار و ترك ذكر المدائح مطلقا إلا فيما يتعلق به غرض شرعي
9- العيون، عن علي بن عبد الله الوراق عن محمد بن أبي عبد الله الكوفي عن سهل عن عبد العظيم الحسني عن أبي جعفر الثاني عن آبائه ع قال قال رسول الله ص لما أسري بي إلى السماء رأيت امرأة على صورة الكلب و النار تدخل في دبرها و تخرج من فيها و الملائكة يضربون رأسها و بدنها بمقامع من نار فسئل ص عنها فقال إنها كانت قينة نواحة حاسدة
بيان القينة الأمة المغنية أو أعم ذكره الفيروزآبادي
10- مجالس ابن طوسي، عن أبيه ره بإسناده عن عائشة قالت لما مات إبراهيم بكى النبي ص حتى جرت دموعه على لحيته فقيل له يا رسول الله تنهى عن البكاء و أنت تبكي فقال ليس هذا بكاء و إنما هي رحمة و من لا يرحم لا يرحم
11- معاني الأخبار، عن أبيه عن أحمد بن إدريس عن سلمة بن الخطاب عن القاسم بن يحيى عن الحسن بن راشد عن علي بن إسماعيل عن عمرو بن أبي المقدام قال سمعت أبا جعفر ع يقول في هذه الآية وَ لا يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ قال إن رسول الله ص قال لفاطمة ع إذا أنا مت فلا تخمشي علي وجها و لا ترخي علي شعرا و لا تنادي بالويل و لا تقيمي علي نائحة ثم قال هذا المعروف الذي قال الله عز و جل في كتابه وَ لا يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ
بيان قال الطبرسي قدس سره وَ لا يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ هو جميع ما أمرهن به لأنه ص لا يأمر إلا بالمعروف و المعروف نقيض المنكر و هو كل ما دل العقل و السمع على وجوبه أو ندبه و قيل عنى بالمعروف النهي عن النوح و تمزيق الثياب و جز الشعر و شق الجيب و خمش الوجه و الدعاء بالويل عن المقاتلين و الكلبي و الأصل أن المعروف كل بر و تقوى و أمر وافق طاعة الله تعالى انتهى. و قال علي بن إبراهيم في تفسيره إنها نزلت يوم فتح مكة و ذلك أن رسول الله ص قعد في المسجد يبايع الرجال إلى صلاة الظهر و العصر ثم قعد لبيعة النساء و أخذ قدحا من ماء فأدخل يده فيه ثم قال للنساء من أراد أن يبايع فليدخل يده في القدح فإني لا أصافح النساء ثم قرأ عليهن ما أنزل الله من شروط البيعة عليهن فقال عَلى أَنْ لا يُشْرِكْنَ بِاللَّهِ شَيْئاً وَ لا يَسْرِقْنَ وَ لا يَزْنِينَ وَ لا يَقْتُلْنَ أَوْلادَهُنَّ وَ لا يَأْتِينَ بِبُهْتانٍ يَفْتَرِينَهُ بَيْنَ أَيْدِيهِنَّ وَ أَرْجُلِهِنَّ وَ لا يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ فَبايِعْهُنَّ. فقامت أم حكيم بنت الحارث بن عبد المطلب فقالت يا رسول الله ما هذا المعروف الذي أمرنا الله به أن لا نعصيك فيه فقال أن لا تخمشن وجها و لا تلطمن خدا و لا تنتفن شعرا و لا تمزقن جيبا و لا تسودن ثوبا و لا تدعون بالويل و الثبور و لا تقمن عند قبر فبايعهن رسول الله ص على هذه الشروط انتهى. و لا يبعد أن يكون ذكر هذه الأمور على سبيل المثال أو لبيان ما هو أهم بحسب حالهن لما رواه علي بن إبراهيم أيضا عن أحمد بن إدريس عن أحمد بن محمد عن علي عن عبد الله بن سنان قال سألت أبا عبد الله ع عن قول الله عز و جل وَ لا يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ قال هو ما فرض الله عليهن من الصلاة و الزكاة و ما أمرهن به من خير. و في القاموس خمش وجهه يخمشه و يخمشه خدشه و لطمه و ضربه و قطع عضوا منه و في النهاية الويل الحزن و الهلاك و المشقة من العذاب و كل من وقع في هلكة دعا بالويل و معنى النداء منه يا ويلي و يا حزني و يا عذابي احضر فهذا وقتك و أوانك
12- تفسير علي بن إبراهيم، عن محمد بن إدريس عن محمد بن أحمد عن محمد بن سيار عن المفضل بن عمر عن أبي عبد الله ع قال لما نزلت هذه الآية لا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلى ما مَتَّعْنا بِهِ أَزْواجاً مِنْهُمْ وَ لا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَ اخْفِضْ جَناحَكَ لِلْمُؤْمِنِينَ قال رسول الله ص من لم يتعز بعزاء الله تقطعت نفسه على الدنيا حسرات و من رمى ببصره إلى ما في يدي غيره كثر همه و لم يشف غيظه و من لم يعلم أن لله عليه نعمه إلا في مطعم أو ملبس فقد قصر عمله و دنا عذابه و من أصبح على الدنيا حزينا أصبح على الله ساخطا و من شكا مصيبة نزلت به فإنما يشكو ربه و من دخل النار من هذه الأمة ممن قرأ القرآن فهو ممن يتخذ آياتِ اللَّهِ هُزُواً و من أتى ذا ميسرة فتخشع له طلب ما في يديه ذهب ثلثا دينه ثم قال و لا تعجل و ليس يكون الرجل ينال من الرجل المرفق فيجله و يوقره فقد يجب ذلك له عليه و لكن يريه أنه يريد بتخشعه ما عند الله و يريد أن يختله عما في يديه
بيان قال في النهاية في الحديث من لم يتعز بعزاء الله فليس منا قيل أراد بالتعزي التأسي و التصبر عند المصيبة و أن يقول إِنَّا لِلَّهِ وَ إِنَّا إِلَيْهِ راجِعُونَ كما أمر الله تعالى و معنى قوله بعزاء الله أي بتعزية الله إياه فأقام الاسم مقام المصدر قوله ع و لا تعجل أي لا تبادر في هذا الحكم الذي ذكرت لك بأن تحكم على كل من يتواضع لغني أنه كذلك فإنه إذا نال الرجل من غيره رفقا و لطفا ثم يجله و يوقره قضاء لحق النعمة فلا يجب ذلك أي ما ذكرت لك من ذهاب ثلثي دينه له أي لذلك الفعل عليه أي على ذلك الموقر و يحتمل أن يكون في الكلام تقدير أي داخلا فيه فقوله فقد يجب تعليل له و ضمير له راجع إلى الموقر على المجهول. قوله ص و لكن يريه أي و لكن يدخل في ذلك من يرى غيره أنه أراد بتخشعه أجر الآخرة و غرضه أن يخدعه و يأخذ ما في يديه فهذا الذي يذهب ثلثا دينه و قال الجوهري ختله و خاتله خادعه
13- الخصال، عن محمد بن أحمد السناني عن أحمد بن يحيى القطان عن بكر بن عبد الله بن حبيب عن تميم بن بهلول عن أبيه عن عبد الله بن الفضل الهاشمي عن أبي عبد الله ع قال ثلاثة لا أدري أيهم أعظم جرما الذي يمشي خلف جنازة في مصيبة غيره بغير رداء أو الذي يضرب يده على فخذه عند المصيبة أو الذي يقول ارفقوا به و ترحموا عليه يرحمكم الله
14- و منه، في وصية النبي ص لعلي ع يا علي ليس على النساء جمعة و لا جماعة و لا عيادة مريض و لا اتباع جنازة و لا تقيم عند قبر تمام الخبر
15- قرب الإسناد، عن السندي بن محمد عن أبي البختري عن جعفر بن محمد عن أبيه ع أن رسول الله ص قال من عزى مصابا كان له مثل أجره من غير أن ينقص من أجر المصاب شيء
ثواب الأعمال، عن محمد بن موسى بن المتوكل عن سعد بن عبد الله عن أحمد بن أبي عبد الله البرقي عن أبيه عن وهب بن وهب عن جعفر بن محمد الصادق عن أبيه عن آبائه ع مثله
16- فقه الرضا ع، إياك أن تقول ارفقوا به و ترحموا عليه أو تضرب يدك على فخذك فإنه يحبط أجرك عند المصيبة و قال ع بعد ذكر سنن الدفن و عز وليه فإنه روي عن أبي عبد الله ع أنه قال من عزى أخاه المؤمن كسي في الموقف حلة و السنة في أهل المصيبة أن يتخذ لهم ثلاثة أيام طعام لشغلهم في المصيبة و إن كان المعزى يتيما فامسح يدك على رأسه فقد روي عن النبي ص أنه قال من مسح يده على رأس يتيم ترحما له كتب الله له بكل شعرة مرت عليه يده حسنة و إن وجدته باكيا فسكته بلطف و رفق فإنه أروي عن العالم ع أنه إذا بكى اليتيم اهتز له العرش فيقول الله تبارك و تعالى و من هذا الذي أبكى عبدي الذي سلبته أبويه في صغره و عزتي و جلالي و ارتفاعي في مكاني لا أسكته عبد مؤمن إلا أوجبت له الجنة
17- ثواب الأعمال، عن محمد بن الحسن عن محمد بن الحسن الصفار عن أحمد بن محمد بن عيسى عن علي بن الحكم عن رفاعة بن موسى النخاس عن أبي عبد الله ع أنه عزى رجلا بابن له فقال له الله خير لابنك منك و ثواب الله خير لك منه فلما بلغه جزعه عليه عاد إليه فقال له قد مات رسول الله ص فما لك به أسوة فقال له إنه كان مراهقا فقال إن أمامه ثلاث خصال شهادة أن لا إله إلا الله و رحمة الله و شفاعة رسول الله ص فلن يفوته واحدة منهن إن شاء الله
توضيح بابن له أي بسبب فقد ابنه قوله ع الله خير لابنك منك أقول لما كان الغالب أن الحزن على الأولاد يكون لتوهم أمرين باطلين أحدهما أنه على تقدير وجود الولد يصل النفع من الوالد إليه أو أن هذه النشأة خير له من النشأة الأخرى و الحياة خير له من الموت فأزال ع وهمه بأن الله سبحانه و رحمته خير لابنك منك و مما تتوهم من نفع توصله إليه على تقدير الحياة و الموت مع رحمة الله خير من الحياة و ثانيهما توقع النفع منه مع حياته أو الاستيناس به فأبطل ع ذلك بأن ما عوضك الله تعالى من الثواب على فقده خير لك من كل نفع توهمته أو قدرته في حياته. قوله فعاد إليه يفهم منه استحباب تكرار التعزية مع بقاء الجزع. قوله ع فما لك به أسوة قال في القاموس الأسوة و تضم القدوة و ما يأتسي به الحزين و الجمع أسى و يضم و أساه تأسية فتأسى عزاه فتعزى و في النهاية الأسوة بكسر الهمزة و ضمها القدوة إذا عرفت ذلك فاعلم أن الكلام يحتمل وجهين الأول أن يكون المراد بالأسوة القدوة و المعنى أنك تتأسى به و لا بد لك من التأسي به في الموت فلأي شيء تجزع إذ بعد الموت تجتمع مع ابنك و الحاصل أنه لو كان لأحد بقاء في الدنيا كان ذلك لأشرف الخلق فإذا لم يخلد هو في الدنيا فكيف تطمع أنت في البقاء و مع تيقن الموت لا ينبغي الجزع لما ذكر أو أنه ينبغي لك مع علمك بالموت أن تصلح أحوال نفسك و لا تحزن على فقد غيرك. الثاني أن يكون المراد بالأسوة ما يأتسي به الحزين أي ينبغي أن يحصل لك به و بسبب مصيبته و تذكرها تأس و تعز عن كل مصيبة لأنه من أعظم المصائب و تذكر عظام المصائب يهون صغارها كما مر و قيل أراد أنك من أهل التأسي به ص و من أمته فينبغي أن تكون مصيبتك بفقده أعظم و ما ذكرنا أظهر. قوله إنه كان مراهقا في بعض النسخ مرهقا كما في الكافي فهو على بناء المجهول من باب التفعيل أو من الإفعال على البناءين قال في النهاية الرهق السفه و غشيان المحارم و فيه فلان مرهق أي متهم بسوء و سفه و يروى مرهق أي ذو رهق و في القاموس الرهق محركة السفه و النوك و الخفة و ركوب الشر و الظلم و غشيان المحارم و المرهق كمكرم من أدرك و كمعظم الموصف بالرهق أو من يظن به السوء انتهى. فالمراد أن حزني ليس بسبب فقده بل بسبب أنه كان يغشي المحارم و أخاف أن يكون معذبا فعزاه ع بذكر وسائل النجاة و أسباب الرجاء و أما على نسخة المراهق فهو من قولهم راهق الغلام أي قارب الحلم فإما أن يكون أطلق المراهق على المدرك مجازا أو توهم أن المراهق أيضا معذب و الحاصل أنه خرج من حد الصغر و أخاف أن يكون مأخوذا بأعماله و الأول أصوب
18- مجالس الشيخ، عن الحسين بن إبراهيم القزويني عن محمد بن وهبان عن أحمد بن إبراهيم عن الحسن بن علي الزعفراني عن أحمد بن محمد البرقي عن أبيه عن ابن أبي عمير عن هشام بن سالم عن أبي عبد الله قال لما مات جعفر بن أبي طالب ع أمر رسول الله ص فاطمة ع أن تتخذ طعاما لأسماء بنت عميس و تأتيها و نساءها فجرت بذلك السنة من أن يصنع لأهل الميت طعام ثلاثة أيام
19- المحاسن، عن أبيه عن حماد بن عيسى عن حريز عن زرارة عن أبي عبد الله ع قال يصنع للميت الطعام للمآتم ثلاثة أيام بيوم مات فيه
20- و منه، عن أبيه عن سعدان عن أبي بصير عن أبي عبد الله ع قال ينبغي لصاحب الجنازة أن يلقي رداءه حتى يعرف و ينبغي لجيرانه أن يطعموا عنه ثلاثة أيام
-21 و منه، عن أبيه عن محمد بن أبي عمير عن هشام بن سالم عن أبي عبد الله ع قال لما قتل جعفر بن أبي طالب ع أمر رسول الله ص فاطمة ع أن تتخذ طعاما لأسماء بنت عميس ثلاثة أيام و تأتيها و تسليها ثلاثة أيام فجرت بذلك السنة أن يصنع لأهل المصيبة ثلاثة أيام طعام
22- و منه، عن أبيه عن محمد بن أبي عمير عن حفص بن البختري عن أبي عبد الله ع قال لما قتل جعفر بن أبي طالب ع أمر رسول الله ص أن تأتي فاطمة أسماء بنت عميس هي و نساؤها و تقيم عندها ثلاثا و تصنع لها طعاما ثلاثة أيام
23- و منه، عن بعض أصحابنا عن العباس بن موسى بن جعفر قال سألت أبي ع عن المأتم فقال إن رسول الله ص لما انتهى إليه قتل جعفر بن أبي طالب ع دخل على أسماء بنت عميس امرأة جعفر فقال أين بني فدعت بهم و هم ثلاثة عبد الله و عون و محمد فمسح رسول الله ص رءوسهم فقالت إنك تمسح رءوسهم كأنهم أيتام فعجب رسول الله ص من عقلها فقال يا أسماء أ لم تعلمي أن جعفر رضوان الله عليه استشهد فبكت فقال لها رسول الله ص لا تبكي فإن رسول الله أخبرني أن له جناحين في الجنة من ياقوت أحمر فقالت يا رسول الله ص لو جمعت الناس و أخبرتهم بفضل جعفر لا ينسى فضله فعجب رسول الله ص من عقلها ثم قال ابعثوا إلى أهل جعفر طعاما فجرت السنة
و منه عن أبيه عن حماد بن عيسى عن مرازم قال سمعت أبا عبدا الله ع و ذكر مثله بتغيير ما و قد مر في أحواله رضي الله عنه
-24 و منه، عن الحسن بن ظريف بن ناصح عن أبيه عن الحسين بن زيد عن عمر بن علي بن الحسين قال لما قتل الحسين بن علي صلوات الله عليه لبس نساء بني هاشم السواد و المسوح و كن لا يشتكين من حر و لا برد و كان علي بن الحسين ع يعمل لهن الطعام للمآتم
بيان المسوح بالضم جمع المسح بالكسر و هو البلاس و كن لا يشتكين أي لا يشكون و لا يبالين لشدة المصيبة من إصابة الحر و البرد
25- إكمال الدين، عن أبيه عن سعد بن عبد الله عن أحمد بن محمد بن عيسى عن محمد بن إسماعيل عن ظريف بن ناصح عن الحسين بن زيد قال ماتت ابنة لأبي عبد الله ع فناح عليها سنة ثم مات له ولد آخر فناح عليه سنة ثم مات إسماعيل فجزع عليه جزعا شديدا فقطع النوح فقيل لأبي عبد الله ع أ يناح في دارك فقال ع إن رسول الله ص قال لما مات حمزة لكن حمزة لا بواكي له
26- مسكن الفؤاد، للشهيد الثاني أن فاطمة ع ناحت على أبيها و أنه ص أمر بالنوح على حمزة
و منه عن النبي ص أنه قال من عظمت عنده مصيبة فليذكر مصيبته بي فإنها ستهون عليه
و منه عن رسول الله ص أنه قال في مرض موته أيها الناس أيما عبد من أمتي أصيب بمصيبة من بعدي فليتعز بمصيبته بي عن المصيبة التي تصيبه بعدي فإن أحدا من أمتي لن يصاب بمصيبة بعدي أشد عليه من مصيبتي
27- نهج البلاغة، عن أمير المؤمنين ع أنه قال ينزل الصبر على قدر المصيبة و من ضرب يده على فخذه عند مصيبته حبط أجره
بيان روي في الكافي بسند فيه ضعف على المشهور بالسكوني عن أبي عبد الله ع قال قال رسول الله ص ضرب المسلم يده على فخذه عند المصيبة إحباط لأجره
و روي بسند آخر فيه أيضا ضعف عن أبي الحسن الأول ع مثله و ظاهرها الحرمة و يمكن حملها على الكراهة كما هو ظاهر أكثر الأصحاب و الأحوط الترك و يدل على الإحباط في الجملة
28- كشف الغمة، نقلا من كتاب الدلائل لعبد الله بن جعفر الحميري عن أبي هاشم الجعفري قال خرج أبو محمد في جنازة أبي الحسن ع و قميصه مشقوق فكتب إليه ابن عون من رأيت أو بلغك من الأئمة شق قميصه في مثل هذا فكتب إليه أبو محمد ع يا أحمق ما يدريك ما هذا قد شق موسى على هارون
29- إختيار الرجال، للكشي عن أحمد بن علي بن كلثوم السرخسي عن إسحاق بن محمد البصري عن محمد بن الحسن بن شمون و غيره مثله إلا أنه قال فكتب إليه أبو عون الأبرش قرابة نجاح بن سلمة
30- و منه، عن أحمد بن علي عن إسحاق بن إبراهيم بن الخضيب الأنباري قال كتب أبو عون الأبرش قرابة نجاح بن سلمة إلى أبي محمد ع أن الناس قد استوهنوا من شقك ثوبك على أبي الحسن ع قال يا أحمق ما أنت و ذاك قد شق موسى على هارون على نبينا و عليهما السلام إن من الناس من يولد مؤمنا و يحيا مؤمنا و يموت مؤمنا و منهم من يولد كافرا و يحيا كافرا و يموت كافرا و منهم من يولد مؤمنا و يحيا مؤمنا و يموت كافرا و إنك لا تموت حتى تكفر و يغير عقلك فما مات حتى حجبه ولده عن الناس و حبسوه في منزله من ذهاب العقل و الوسوسة و كثرة التخليط و يرد على أهل الإمامة و انتكث عما كان عليه
31- نهج البلاغة، عن أمير المؤمنين ع أنه لما ورد الكوفة قادما من صفين مر بالشباميين فسمع بكاء الناس على قتلى صفين فقال لشرحبيل الشبامي أ تغلبكم نساؤكم على ما أسمع أ لا تنهونهن عن هذا الرنين
بيان في القاموس الشبام كسحاب و كتاب موضع بالشام و جبل لهمدان باليمن و بلد لحمير تحت جبل كوكبان و بلد حبيب عند ذمرمر و بلد في حضرموت انتهى و لعل النهي عن الرنين في تلك الواقعة كان أشد لأنه كان يصير سببا لخذلانهم و تركهم الجهاد
32- إكمال الدين، عن محمد بن الحسن عن الحسن بن متيل عن يعقوب بن يزيد عن الحسن بن علي بن فضال عن محمد بن أبي عبد الله الكوفي قال لما حضرت إسماعيل بن أبي عبد الله ع الوفاة جزع جزعا شديدا فلما أن أغمضه دعا بقميص غسيل أو جديد فلبسه ثم تسرح و خرج يأمر و ينهى قال فقال له بعض أصحابه جعلت فداك لقد ظننا أن لا ننتفع بك زمانا لما رأينا من جزعك قال ع إنا أهل بيت نجزع ما لم تنزل المصيبة و إذا نزلت صبرنا
33- الخصال، عن محمد بن الحسن عن الصفار عن العباس بن معروف عن محمد بن سهل البحراني يرفعه إلى أبي عبد الله ع قال البكاءون خمسة آدم و يعقوب و يوسف و فاطمة بنت محمد ص و علي بن الحسين ع فأما آدم فبكى على الجنة حتى صار في خديه أمثال الأودية و أما يعقوب فبكى على يوسف حتى ذهب بصره و حتى قيل له تَاللَّهِ تَفْتَؤُا تَذْكُرُ يُوسُفَ حَتَّى تَكُونَ حَرَضاً أَوْ تَكُونَ مِنَ الْهالِكِينَ و أما يوسف فبكى على يعقوب حتى تأذى به أهل السجن فقالوا إما أن تبكي الليل و تسكت بالنهار و إما أن تبكي النهار و تسكت بالليل فصالحهم على واحد منهما و أما فاطمة فبكت على رسول الله ص حتى تأذى بها أهل المدينة فقالوا لها قد آذيتنا بكثرة بكائك و كانت تخرج إلى مقابر الشهداء فتبكي حتى تقضي حاجتها ثم تنصرف و أما علي بن الحسين ع فبكى على الحسين ع عشرين سنة أو أربعين سنة ما وضع بين يديه طعام إلا بكى حتى قال له مولى له إني أخاف عليك أن تكون من الهالكين قال إِنَّما أَشْكُوا بَثِّي وَ حُزْنِي إِلَى اللَّهِ وَ أَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ ما لا تَعْلَمُونَ إني لم أذكر مصرع بني فاطمة إلا خنقتني لذلك عبرة
مجالس الصدوق، عن الحسين بن أحمد بن إدريس عن أبيه عن أحمد بن محمد بن عيسى عن العباس بن معروف مثله و قد مضى أمثال ذلك في أبواب شهادته ع
34- إختيار الرجال، للكشي عن حمدويه و محمد ابني نصير عن محمد بن عبد الحميد العطار عن يونس بن يعقوب عن عبد الله بن بكر قال ذكرت أبا الخطاب و مقتله عند أبي عبد الله ع قال فرققت عند ذلك فبكيت فقال أ تأسى عليهم فقلت لا و لكن سمعتك تذكر أن عليا ع قتل أصحاب النهروان فأصبح أصحاب علي ع يبكون عليهم فقال علي ع أ تأسون عليهم فقالوا لا إنا ذكرنا الألفة التي كنا عليها و البلية التي أوقعتهم فلذلك رققنا عليهم قال لا بأس
35- فلاح السائل، روى غياث بن إبراهيم في كتابه بإسناده عن مولانا علي ع أنه قال التعزية مرة واحدة قبل أن يدفن و بعد ما يدفن
و روي عن الصادق ع أنه قال في التعزية ما معناه إن كان هذا الميت قد قربك موته من ربك أو باعدك عن ذنبك فهذه ليست مصيبة و لكنها لك رحمة و عليك نعمة و إن كان ما وعظك و لا باعدك عن ذنبك و لا قربك من ربك فمصيبتك بقساوة قلبك أعظم من مصيبتك بميتك إن كنت عارفا بربك
36- و منه، عن حريز بن عبد الله السجستاني بإسناده إلى أبي جعفر ع قال يصنع للميت مأتم ثلاثة أيام من يوم مات
37- أعلام الدين، للديلمي قال قال أمير المؤمنين ع يعزي قوما عليكم بالصبر فإن به يأخذ الحازم و إليه يرجع الجازع
و عن الرضا ع أنه قال للحسن بن سهل و قد عزاه بموت ولده التهنئة بأجل الثواب أولى من التعزية على عاجل المصيبة
38- الدرة الباهرة، من الأصداف الطاهرة عنه ع مثله
و قال قال أبو الحسن الثالث ع المصيبة للصابر واحدة و للجازع اثنتان
39- كتاب المسائل، بالإسناد عن علي بن جعفر عن أخيه موسى ع قال سألته عن النوح على الميت أ يصلح قال يكره
40- دعوات الراوندي، قال النبي ص إن التعزية تورث الجنة و جاء رجل من موالي أبي عبد الله ع إليه فنظر إليه فقال ع ما لي أراك حزينا فقال كان لي ابن قرة عين فمات فتمثل ع
عطيته إذا أعطى سرور و إن أخذ الذي أعطى أثابافأي النعمتين أعم شكرا و أجزل في عواقبها إياباأ نعمته التي أبدت سرورا أم الأخرى التي ادخرت ثوابا
و قال ع إذا أصابك من هذا شيء فأفض من دموعك فإنها تسكن
41- كتاب الصفين، لنصر بن مزاحم عن عمر بن سعد عن عبد الله بن عاصم الفائشي قال لما مر علي ع بالثوريين سمع البكاء فقال ما هذه الأصوات قيل هذا البكاء على من قتل بصفين قال أما إني شهيد لمن قتل منهم صابرا محتسبا للشهادة ثم مر بالفائشيين فسمع الأصوات فقال مثل ذلك ثم مر بالشباميين فسمع رنة شديدة و صوتا مرتفعا عاليا فخرج إليه حرب بن شرحبيل الشبامي فقال علي ع أ تغلبكم نساؤكم أ لا تنهونهن عن هذا الصياح و الرنين قال يا أمير المؤمنين لو كانت دارا أو دارين أو ثلاثا قدرنا على ذلك و لكن من هذا الحي ثمانون و مائة قتيل فليس من دار إلا و فيها بكاء أما نحن معاشر الرجال فإنا لا نبكي و لكن نفرح لهم بالشهادة فقال علي ع رحم الله قتلاكم و موتاكم
42- مسكن الفؤاد، للشهيد الثاني عن جابر عن الباقر ع قال أشد الجزع الصراخ بالويل و العويل و لطم الوجه و الصدر و جز الشعر و من أقام النواحة فقد ترك الصبر و أخذ في غير طريقه و من صبر و استرجع و حمد الله جل ذكره فقد رضي بما صنع الله و وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ عز و جل و من لم يفعل ذلك جرى عليه القضاء و هو ذميم و أحبط الله أجره
بيان في القاموس الصرخة الصيحة الشديدة و كغراب الصوت أو شديدة و قال أعول رفع صوته بالبكاء و الصياح كعول و الاسم العول و العولة و العويل و قال اللطم ضرب الخد و صفحة الجسد بالكف مفتوحة انتهى. ثم اعلم أن هذا الخبر و أمثاله تدل على أن هذه الأمور خلاف طريقة الصابرين فهي مكروهة و لا تدل على الحرمة و أما ذم إقامة النواحة فهو إما محمول على ما إذا اشتملت على تلك الأمور المرجوحة أو على أنها تنافي الصبر الكامل فلا ينافي ما يدل على الجواز. قوله ع و وقع قال البيضاوي الوقوع و الوجوب متقاربان و المعنى ثبت أجره عند الله ثبوت الأمر الواجب و في القاموس ذمه ذما و مذمة فهو مذموم و ذميم
43- مسكن الفؤاد، عن إسحاق بن عمار عن الصادق ع قال يا إسحاق لا تعدن مصيبة أعطيت عليها الصبر و استوجبت عليها من الله عز و جل الثواب إنما المصيبة التي تحرم صاحبها أجرها و ثوابها إذا لم يصبر عند نزولها و في مناجاة موسى ع أي رب أي خلقك أحب إليك قال من إذا أخذت حبيبه سالمني قال فأي خلقك أنت عليه ساخط قال من يستخيرني في الأمر فإذا قضيت له سخط قضائي
و عن جابر بن عبد الله قال أخذ رسول الله ص بيد عبد الرحمن بن عوف فأتى إبراهيم و هو يجود بنفسه فوضعه في حجره فقال يا بني إني لا أملك لك من الله شيئا و ذرفت عيناه فقال له عبد الرحمن يا رسول الله ص تبكي أ و لم تنه عن البكاء قال إنما نهيت عن النوح عن صوتين أحمقين فاجرين صوت عند نعم لعب و لهو و مزامير شيطان و صوت عند مصيبة خمش وجوه و شق جيوب و رنة شيطان إنما هذه رحمة من لا يرحم لا يرحم لو لا أنه أمر حق و وعد صدق و سبيل بالله و أن آخرنا سيلحق أولنا لحزنا عليك حزنا أشد من هذا و إنا بك لمحزونون تبكي العين و يدمع القلب و لا نقول ما يسخط الرب عز و جل و في رواية أخرى يحزن القلب و تدمع العين و لا نقول ما يسخط الرب و إنا على إبراهيم لمحزونون
و عن محمود بن لبيد قال انكسفت الشمس يوم مات إبراهيم بن رسول الله ص فقال الناس انكسفت لموت إبراهيم بن النبي ص فخرج رسول الله ص حين سمع ذلك فحمد الله و أثنى عليه ثم قال أما بعد أيها الناس إن الشمس و القمر آيتان من آيات الله لا تنكسفان لموت أحد و لا لحياته و إذا رأيتم ذلك فافزعوا إلى المساجد و دمعت عيناه فقالوا يا رسول الله ص تبكي و أنت رسول الله فقال إنما أنا بشر تدمع العين و يفجع القلب و لا نقول ما يسخط الرب و الله يا إبراهيم إنا بك لمحزونون
و قال النبي ص يوم مات إبراهيم ما كان من حزن في القلب أو في العين فإنما هو رحمة و ما كان من حزن باللسان و باليد فهو من الشيطان
و روى الزبير بن بكار أن النبي ص لما خرج بإبراهيم خرج يمشي ثم جلس على قبره ثم ولى و لما رآه رسول الله ص قد وضع في القبر دمعت عيناه فلما رأى الصحابة ذلك بكوا حتى ارتفعت أصواتهم فأقبل عليه أبو بكر فقال يا رسول الله تبكي و أنت تنهى عن البكاء فقال النبي ص تدمع العين و يوجع القلب و لا نقول ما يسخط الرب
و روي أنه ص لما مات عثمان بن مظعون كشف الثوب عن وجهه ثم قبل ما بين عينيه ثم بكى طويلا فلما رفع السرير قال طوباك يا عثمان لم تلبسك الدنيا و لم تلبسها
و عن أسامة بن زيد قال أتي النبي ص بأمامة بنت زينب و نفسها تتقعقع في صدرها فقال رسول الله ص لله ما أخذ و لله ما أعطى و كل إلى أجل مسمى و بكى فقال له سعد بن عبادة تبكي و قد نهيت عن البكاء فقال رسول الله ص إنما هي رحمة يجعلها الله في قلوب عباده و إنما يرحم الله من عباده الرحماء
بيان قال في النهاية في الحديث فجيء بالصبي و نفسه تتقعقع أي تضطرب و تتحرك أراد كلما صار إلى حال لم يلبث أن ينتقل إلى أخرى تقربه من الموت
44- مسكن الفؤاد، لما أصيب جعفر بن أبي طالب رضي الله عنه أتى رسول الله أسماء فقال لها أخرجي لي ولد جعفر فأخرجوا إليه فضمهم إليه و شمهم و دمعت عيناه فقالت يا رسول الله أصيب جعفر فقال ص نعم أصيب اليوم قال عبد الله بن جعفر أحفظ حين دخل رسول الله ص على أمي فنعى لها أبي و نظرت إليه و هو يمسح على رأسي و رأس أخي و عيناه تهرقان الدموع حتى تقطر لحيته ثم قال اللهم إن جعفرا قد قدم إلى أحسن الثواب فاخلفه في ذريته بأحسن ما خلفت أحدا من عبادك في ذريته ثم قال يا أسماء أ لا أبشرك قالت بلى بأبي أنت و أمي فقال إن الله عز و جل جعل لجعفر جناحين يطير بهما في الجنة و لما انصرف النبي ص من أحد راجعا إلى المدينة لقيته خميسة بنت جحش فنعى لها الناس أخاها عبد الله بن جحش فاسترجعت و استغفرت له ثم نعى لها خالها فاستغفرت له ثم نعى لها زوجها مصعب بن عمير فصاحت و ولولت فقال رسول الله ص إن زوج المرأة منها لبمكان لما رأى صبرها على أخيها و خالها و صياحها على زوجها ثم مر رسول الله ص على دور من دور الأنصار من بني عبد الأشهل فسمع البكاء و النوائح على قتلاهم فذرفت عيناه و بكى ثم قال لكن حمزة لا بواكي له فلما رجع سعد بن معاذ و أسيد بن حضير إلى دور بني عبد الأشهل أمرا نساءهم أن يذهبن فيبكين على عم رسول الله فلما سمع رسول الله ص بكاءهن على حمزة خرج إليهن و هن على باب مسجده يبكين فقال لهن رسول الله ص ارجعن يرحمكن الله فقد واسيتن بأنفسكن
و عن الصادق ع أن إبراهيم خليل الرحمن سأل ربه أن يرزقه ابنة تبكيه بعد موته
بيان يدل على رجحان البكاء في المصائب لا سيما على الأب و على استحباب إقامة المأتم و على رجحان طلب ما يوجب بقاء الذكر بعد الموت
45- مسكن الفؤاد، عن ابن مسعود قال قال رسول الله ص ليس منا من ضرب الخدود و شق الجيوب
و عن أبي أمامة أن رسول الله ص لعن الخامشة وجهها و الشاقة جيبها و الداعية بالويل و الثبور
و عن يحيى بن خالد أن رجلا أتى النبي ص فقال ما يحبط الأجر في المصيبة قال تصفيق الرجل بيمينه على شماله و الصبر عند الصدمة الأولى من رضي فله الرضا و من سخط فله السخط
و قال النبي ص أنا بريء ممن حلق و صلق أي حلق الشعر و رفع صوته
بيان قال في النهاية في باب السين فيه ليس منا من سلق أو حلق سلق أي رفع صوته عند المصيبة و قيل هو أن تصك المرأة وجهها و تمرشه و الأول أصح و منه الحديث لعن الله السالقة و الحالقة و يقال بالصاد ثم قال في باب الصاد فيه ليس منا من صلق أو حلق الصلق الصوت الشديد يريد رفعه عند المصائب و عند الفجيعة بالموت و يدخل فيه النوح و يقال بالسين و منه الحديث أنا بريء من السالقة و الحالقة
46- مسكن الفؤاد، عن أبي مالك الأشعري عن النبي ص النائحة إذا لم تتب تقام يوم القيامة و عليها سربال من قطران
و عن أبي سعيد الخدري لعن رسول الله ص النائحة و المستمعة ثم قال رحمه الله و هذا النهي محمول على الباطل كما يظهر منها و به يجمع بينها و بين الأخبار السابقة
و روى عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن رسول الله ص قال أ تدرون ما حق الجار قالوا لا قال إن استغاثك أغثه و إن استقرضك أقرضه و إن افتقر عدت إليه و إن أصابه خير هنأته و إن مرض عدته و إن أصابته مصيبة عزيته و إن مات تبعت جنازته و لا تستطيل عليه بالبناء فتحجب عنه الريح إلا بإذنه و إذا اشتريت فاكهة فأهدها له و إن لم تفعل فأدخلها سرا و لا يخرج بها ولدك يغيض بها ولده و لا تؤذه بريح قدرك إلا أن تغرف له منها
و عن ابن مسعود عن النبي ص قال من عزى مصابا فله مثل أجره
و عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال قال رسول الله ص من عزى مصابا كان له مثل أجره من غير أن ينقصه الله من أجره شيئا و من كفن مسلما كساه الله من سندس و إستبرق و حرير و من حفر قبرا لمسلم بنا الله عز و جل له بيتا في الجنة و من أنظر معسرا أظله الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله
و عن جابر أيضا رفعه من عزى حزينا ألبسه الله عز و جل من لباس التقوى و صلى الله على روحه في الأرواح و سئل النبي ص عن المصافح في التعزية فقال هو سكن للمؤمن و من عزى مصابا فله مثل أجره
و عن عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عميرة بن حزم عن أبيه عن جده أنه سمع رسول الله ص و هو يقول من عاد مريضا فلا يزال في الرحمة حتى إذا قعد عنده استنقع فيها ثم إذا قام من عنده فلا يزال يخوض فيها حتى يرجع من حيث خرج و من عزى أخاه المؤمن من مصيبته كساه الله عز و جل من حلل الكرامة يوم القيامة
و عن أبي هريرة قال قال رسول الله ص من عزى ثكلى كسي بردا في الجنة
و عن أنس قال قال رسول الله ص من عزى أخاه المؤمن من مصيبة كساه الله عز و جل حلة خضراء يحبر بها يوم القيامة قيل يا رسول الله ما يحبر بها قال يغبط بها
و روي أن داود ع قال إلهي ما جزاء من يعزي الحزين على المصائب ابتغاء مرضاتك قال جزاؤه أن أكسوه رداء من أردية الإيمان أستره به من النار و أدخله به الجنة قال يا إلهي فما جزاء من شيع الجنائز ابتغاء مرضاتك قال جزاؤه أن تشيعه الملائكة يوم يموت إلى قبره و أن أصلي على روحه في الأرواح
و روي أن إبراهيم ع سأل ربه فقال أي رب ما جزاء من بل الدمع وجهه من خشيتك قال صلواتي و رضواني قال فما جزاء من يصبر الحزين ابتغاء وجهك قال أكسوه ثيابا من الإيمان يتبوأ بها الجنة و يتقي بها النار قال فما جزاء من سدد الأرملة ابتغاء وجهك قال أقيمه في ظلي و أدخله جنتي قال فما جزاء من شيع الجنازة ابتغاء وجهك قال تصلي ملائكتي على جسده و تشيع روحه
و عن علي ع قال كان رسول الله ص إذا عزي قال آجركم الله و رحمكم و إذا هنأ قال بارك الله لكم و بارك عليكم
و روي أنه توفي لمعاذ ولد فاشتد وجده عليه فبلغ ذلك النبي ص فكتب إليه بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ من محمد رسول الله إلى معاذ سلام عليك فإني أحمد إليك الله الذي لا إله إلا هو أما بعد أعظم الله لك الأجر و ألهمك الصبر و رزقنا و إياك الشكر إن أنفسنا و أهالينا و أموالنا و أولادنا من مواهب الله الهنيئة و عواريه المستودعة يمتع بها إلى أجل معلوم و يقبض لوقت معدود ثم افترض علينا الشكر إذا أعطانا و الصبر إذا ابتلانا و قد كان ابنك من مواهب الله الهنيئة و عواريه المستودعة متعك الله به في غبطة و سرور و قبضة منك بأجر كثير مذخور الصلاة و الرحمة و الهدى إن صبرت و احتسبت فلا تجمعن عليك مصيبتين فيحبط لك أجرك و تندم على ما فاتك فلو قدمت على ثواب مصيبتك علمت أن المصيبة قد قصرت في جنب الله عن الثواب فتنجز من الله موعودة و ليذهب أسفك على ما هو نازل بك فكأن قد و السلام
بيان هذا من قبيل الاكتفاء ببعض الكلام أي فكان قدمت أو وصل إليك ثواب صبرك أقول رواه في أعلام الدين إلى قوله فلا تجمعن أن يحبط جزعك أجرك و أن تندم غدا على ثواب مصيبتك فإنك لو قدمت على ثوابها علمت أن المصيبة قد قصرت عنها و اعلم أن الجزع لا يرد فائتا و لا يدفع حزن قضاء فليذهب أسفك ما هو نازل بك مكان ابنك و السلام
47- مسكن الفؤاد، عن أبي عبد الله جعفر بن محمد الصادق ع عن أبيه عن جده قال لما توفي رسول الله ص جاء جبرئيل ع و النبي مسجى و في البيت علي و فاطمة و الحسن و الحسين ع فقال السلام عليكم يا أهل بيت الرحمة كُلُّ نَفْسٍ ذائِقَةُ الْمَوْتِ وَ إِنَّما تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ الآية إن في الله عز و جل عزاء من كل مصيبة و خلفا من كل هالك و دركا لما فات فبالله عز و جل فثقوا و إياه فارجوا فإن المصاب من حرم الثواب هذا آخر وطئي من الدنيا
و عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال لما توفي رسول الله ص عزتهم الملائكة يسمعون الحس و لا يرون الشخص فقالوا السلام عليكم أهل البيت و رحمة الله و بركاته إن في الله عزاء من كل مصيبة و خلفا من كل فائت فبالله فثقوا و إياه فارجوا فإنما المحروم من حرم الثواب و السلام عليكم و رحمة الله و بركاته
و روى البيهقي في الدلائل قال لما قبض رسول الله ص أحدق به أصحابه فبكوا حوله و اجتمعوا و دخل رجل أشهب اللحية و جسيم صبيح فتخطئ رقابهم فبكى ثم التفت إلى أصحاب رسول الله ص فقال إن في الله عزاء من كل مصيبة و عوضا من كل فائت و خلفا من كل هالك فإلى الله فأنيبوا و إليه فارغبوا و نظره إليكم في البلاء فانظروا فإن المصاب من لم يجبر و انصرف فقال بعضهم لبعض تعرفون الرجل فقال علي ع نعم هذا أخو رسول الله ص الخضر ع
بيان مسجى أي مغطى بالثوب بعد وفاته يا أهل بيت الرحمة أي أهل بيت تنزل فيه رحمات الله الخاصة الكاملة على أهله أو أهل بيت منسوبين إلى الرحمة فإنهم رحمة الله على العالمين و ببركتهم أفيضت الرحمة على الأولين و الآخرين كُلُّ نَفْسٍ ذائِقَةُ الْمَوْتِ أي ينزل بها الموت لا محالة كأنها ذاقنة أو ذائقة مقدمات الموت و سكراته و شدائده وَ إِنَّما تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ أي تعطون جزاء أعمالكم وافيا يَوْمَ الْقِيامَةِ إن خيرا فخيرا و ثوابا و إن شرا فشرا و عقابا. فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ أي بوعد من نار جهنم و نحي عنها وَ أُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فازَ أي نال المنية و ظفر بالبغية و نجا من الهلكة وَ مَا الْحَياةُ الدُّنْيا إِلَّا مَتاعُ الْغُرُورِ أي و ما لذات الدنيا و زينتها و شهواتها إلا متعة متعكموها للغرور و الخداع المضمحل الذي لا حقيقة له عند الاختبار و قيل متاع الغرور القوارير و هي في الأصل ما لا بقاء له و قيل شبهها بالمتاع الذي دلس به على المستام و يغير حتى يشتريه و هذا لمن آثرها على الآخرة فأما من طلب بها الآخرة فهي له متاع بلاغ و الغرور مصدر أو جمع غار. إن في الله عزاء قد مر أن العزاء بمعنى الصبر و المراد به هنا ما يوجب التعزية و التسلية أي في ذات الله فإن الله باق لكل أحد بعد فوت كل شيء أو في ثواب الله سبحانه و ما أعده للصابرين و وعدهم أو في التفكر فيها أو في التفكر في أن الله حكيم لا يفعل إلا الأصلح بعباده ما يوجب التصبر و التسلي و الرضا بالمصيبة. و يحتمل أن يكون الكلام مبنيا على التجريد كما قال في الكشاف في قوله تعالى رِيحٍ فِيها صِرٌّ بعد ذكر وجهين الثالث أن يكون من قوله تعالى لَقَدْ كانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ و من قولك إن ضيعني فلان ففي الله كاف و كافل قال و في الرحمن للضعفاء كاف. و قال في تلخيص المفتاح و في شرحه في عد أقسام التجريد و منها ما يكون بدخول في المنتزع منه نحو قوله تعالى لَهُمْ فِيها دارُ الْخُلْدِ أي في جهنم و هي دار الخلد انتزع منها دارا أخرى و جعلها معدة في جهنم لأجل الكفار تهويلا لأمرها و مبالغة في اتصافها بالشدة انتهى. و الدرك محركة اللحاق و الوصول أي يحصل به تعالى أو بثوابه الخلف و العوض من كل هالك و تدارك ما قد فات أو الوصول إلى ما يتوهم فوته عن الإنسان من المنافع بفوات من مات. فبالله فثقوا هذا مما قدر فيه أما و الفاء دليل عليه قال الرضي رضي الله عنه و قد يحذف أما لكثرة الاستعمال نحو قوله تعالى وَ رَبَّكَ فَكَبِّرْ وَ ثِيابَكَ فَطَهِّرْ وَ الرُّجْزَ فَاهْجُرْ و هذا فَلْيَذُوقُوهُ فَبِذلِكَ فَلْيَفْرَحُوا
و إنما يطرد ذلك إذا كان ما بعد الفاء أمرا أو نهيا و ما قبلها منصوبا به أو بمفسر به فلا يقال زيد فضربت و لا زيدا فضربته بتقدير أما و أما قولك زيد فوجد فالفاء فيه زائدة. و قال ابن هشام الفاء في نحو بَلِ اللَّهَ فَاعْبُدْ جواب لأما مقدرة عند بعضهم و فيه إجحاف و زائدة عند الفارسي و فيه بعد و عاطفة عند غيره و الأصل تنبه فاعبد الله ثم حذف تنبه و قدم المنصوب على الفاء إصلاحا للفظ كيلا تقع الفاء صدرا كما قال الجميع في الفاء في نحو أما زيدا فاضرب إذ الأصل مهما يكن من شيء فاضرب زيدا. و قال الزمخشري في قوله تعالى قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَ بِرَحْمَتِهِ فَبِذلِكَ فَلْيَفْرَحُوا فحذف أحد الفعلين لدلالة المذكور عليه و الفاء داخلة لمعنى الشرط كأنه قيل إنه فرحوا بشيء فليخصوهما بالفرح فإنه لا مفروح به أحق منهما و يجوز أن يراد بفضل الله و برحمته فليعتنوا فبذلك فليفرحوا. فإن المصاب أي لم تقع المصيبة على من أصيب في الدنيا بفوت مال أو حميم و أحرز ثواب الآخرة بل المصيبة مصيبة من حرم ثواب الآخرة و إن كان له الدنيا بحذافيرها هذا آخر وطئي من الدنيا أي آخر نزولي إلى الأرض و مشيي عليها و يعارضه أخبار كثيرة و يمكن حمله على أن المراد آخر نزولي لإنزال الوحي أو المراد به قلة النزول بعد ذلك فإن القليل في حكم المعدوم و قال الجوهري الحس و الحسيس الصوت الخفي و مقتضى الجمع بين الأخبار أن جبرئيل و الخضر ع كلاهما أتيا للتعزية
48- دعائم الإسلام، روينا عن جعفر بن محمد صلوات الله عليهما أنه قال لما قبض رسول الله ص أتاهم آت يسمعون صوته و لا يرون شخصه فقال السلام عليكم أهل البيت و رحمة الله و بركاته كُلُّ نَفْسٍ ذائِقَةُ الْمَوْتِ وَ إِنَّما تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَ أُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فازَ وَ مَا الْحَياةُ الدُّنْيا إِلَّا مَتاعُ الْغُرُورِ إن في الله عزاء من كل مصيبة و خلفا من كل هالك فالله فارجوا و إياه فاعبدوا و اعلموا أن المصاب من حرم الثواب و عليكم السلام و رحمة الله و بركاته فقيل لجعفر بن محمد ع من كنتم ترون المتكلم يا ابن رسول الله فقال كنا نراه جبرئيل ع
و عن جعفر بن محمد ع قال لما هلك أبو سلمة جزعت عليه أم سلمة فقال لها النبي ص قولي يا أم سلمة اللهم أعظم أجري في مصيبتي و عوضني خيرا منه قالت و أين لي مثل أبي سلمة يا رسول الله فأعاد عليها فقالت مثل قولها الأول فرد عليها رسول الله ص فقالت في نفسها أرد على رسول الله ص ثلاث مرات فقالتها فأخلف الله عليها خيرا من أبي سلمة رسول الله ص
و عن رسول الله ص أنه قال من أصيب منكم بمصيبة بعدي فليذكر مصابه بي فإن مصابه بي أعظم من كل مصاب
و عن أبي جعفر ع قال تعزية المسلم للمسلم الذي يعزيه استرجاع عنده و تذكرة للموت و ما بعده و نحو هذا من الكلام قال و كذلك الذمي إذا كان لك جارا فأصيب بمصيبة تقول له أيضا مثل ذلك و إن عزاك عن ميت فقل هداك الله
و عن علي ع قال مات إبراهيم بن رسول الله ص أمرني فغسلته و كفنه رسول الله ص و حنطه و قال لي احمله يا علي فحملته حتى جئت به إلى البقيع فصلى عليه ثم أتى القبر فقال لي انزل يا علي فنزلت و دلاه علي رسول الله ص فلما رآه منصبا بكى ع فبكى المسلمون لبكائه حتى ارتفعت أصوات الرجال على أصوات النساء فنهاهم رسول الله ص أشد النهي و قال تدمع العين و يحزن القلب و لا نقول ما يسخط الرب و إنا بك لمصابون و إنا عليك لمحزونون ثم سوى قبره و وضع يده عند رأسه و غمزها حتى بلغت الكوع و قال بسم الله ختمتك من الشيطان أن يدخلك الحديث
و عنه ع قال بكى رسول الله ص عند موت بعض ولده فقيل له يا رسول الله تبكي و أنت تنهانا عن البكاء فقال لم أنهكم عن البكاء و إنما نهيتكم عن النوح و العويل و إنما هي رقة و رحمة يجعلها الله في قلب من شاء من خلقه و يرحم الله من يشاء و إنما يرحم من عباده الرحماء
و عنه ع قال رخص رسول الله ص في البكاء عند المصيبة و قال النفس مصابة و العين دامعة و العهد قريب فقولوا ما أرضى الله و لا تقولوا الهجر
و عن جعفر بن محمد ع أنه أوصى عند ما احتضر فقال لا يلطمن على خد و لا يشقن على جيب فما من امرأة تشق جيبها إلا صدع لها في جهنم صدع كلما زادت زيدت
و عن علي ع قال أخذ رسول الله ص البيعة على النساء أن لا ينحن و لا يخمشن و لا يقعدن مع الرجال في الخلاء
و عنه ع قال ثلاث من أعمال الجاهلية لا يزال فيها الناس حتى تقوم الساعة الاستسقاء بالنجوم و الطعن في الأنساب و النياحة على الموتى
و عن علي ع أنه كتب إلى رفاعة بن شداد قاضيه على الأهواز و إياك و النوح على الميت ببلد يكون لك به سلطان
و عنه عن رسول الله ص قال صوتان ملعونان يبغضهما الله إعوال عند مصيبة و صوت عند نعمة يعني النوح و الغناء
و عن جعفر بن محمد ع أنه قال نيح على الحسين بن علي سنة في كل يوم و ليلة و ثلاث سنين من اليوم الذي أصيب فيه و كان المسور بن مخرمة و جماعة من أصحاب رسول الله ص يأتون مستترين متقنعين فيستمعون و يبكون
و قد عثرنا على بعض الأئمة نيح عليهم و بعضهم لم ينح عليهم فمن نيح عليه منهم فلعظيم رزئه و لأن الله عز و جل لم يسو بأحد منهم أحدا من خلقه و هم أهل البكاء و النياحة عليهم على خلاف سائر الناس الذين لا ينبغي ذلك لهم و من لم ينح عليه منهم فلأمرين إما بوصية منه كما ذكرنا عن جعفر بن محمد ع تواضعا لربه و استكانة إليه و إما أن يكون الإمام بعده قد آثر الصبر على عظيم الرزية و تجرع غصص الحزن رجاء عظيم ثواب الله عليه فلزم الصبر و ألزمه من سواه لما يكون من الغبطة و السعادة في عقباه لما وعد الله الصابرين على المصائب
و عن علي ع أنه قال لما جاء نعي جعفر قال رسول الله ص لأهله اصنعوا طعاما و احملوه إلى أهل جعفر ما كانوا في شغلهم ذلك و كلوا معهم فقد أتاهم ما يشغلهم عن أن يصنعوا لأنفسهم
49- مشكاة الأنوار، نقلا من كتاب المحاسن عن أبي عبد الله ع في قول الله عز و جل وَ لا يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ قال المعروف أن لا يشققن جيبا و لا يلطمن وجها و لا يدعون ويلا و لا يقمن عند قبر و لا يسودن ثوبا و لا ينشرن شعرا
و منه عن أبي عبد الله ع قال من أنعم الله عليه بنعمة فجاء عند تلك النعمة بمزمار فقد كفرها و من أصيب بمصيبة فجاء عند تلك المصيبة بنائحة فقد أحبطها
50- شهاب الأخبار، قال رسول الله ص النياحة عمل الجاهلية
و قال ص الصبر عند الصدمة الأولى
و قال ص من كنوز البر كتمان المصائب و الأمراض و الصدقة
بيان قوله عند الصدمة قال في النهاية أي عند فورة المصيبة و شدتها و الصدم ضرب الشيء الصلب بمثله و الصدمة المرة منه انتهى و قال الأزهري البر هو الجنة و منه قوله تعالى لَنْ تَنالُوا الْبِرَّ و قد جاء من وجه آخر من كنوز الجنة
51- مشكاة الأنوار، عن الرضا ع عن أبيه ع قال أمرني أبي يعني أبا عبد الله ع أن آتي المفضل بن عمر فأعزيه بإسماعيل و قال اقرأ المفضل السلام و قل له أصبنا بإسماعيل فصبرنا فاصبر كما صبرنا إذا أردنا أمرا و أراد الله أمرا سلمنا لأمر الله
و منه عن جابر عن الباقر ع قال لما توفي الطاهر بن رسول الله ص فبكت خديجة فقال ص أ ما ترضين أن تجديه قائما لك على باب الجنة فإذا رآك أخذ بيدك فأدخلك أطهرها مكانا و أطيبها قالت فإن ذلك كذلك قال ص الله أعز و أكرم من أن يسلب عبدا ثمرة فؤاده فيصبر و يتحسر و يحمد الله ثم يعذبه
52- قرب الإسناد، بإسناده عن علي بن جعفر عن أخيه موسى ع قال سألته عن النوح فكرهه
53- مجالس الصدوق، بإسناده عن الصادق ع قال قال رسول الله ص من يعرف البلاء يصبر عليه و من لا يعرفه ينكره
و قال ص من يصبر على الرزية يغثه الله
و منه عن حمزة بن محمد العلوي عن عبد العزيز بن محمد الأبهري عن محمد بن زكريا الجوهري عن شعيب بن واقد عن الحسين بن زيد عن الصادق عن آبائه ع قال نهى رسول الله ص عن الرنة عنه المصيبة و نهى عن النياحة و الاستماع إليها و نهى عن تصفيق الوجه
تبيين الرنة الصوت رن يرن رنينا صاح و المراد بتصفيق الوجه ضرب اليد عليه عند المصيبة أو ضرب الماء على الوجه عند الوضوء كما مر و الأول أظهر. قال العلامة قدس الله روحه في المنتهى البكاء على الميت جائز غير مكروه إجماعا قبل خروج الروح و بعده إلا الشافعي فإنه كره بعد الخروج.
و روى ابن بابويه عن الصادق ع قال إن النبي ص لما جاءته وفاة جعفر بن أبي طالب و زيد بن حارثة كان إذا دخل بيته كثر بكاؤه عليهما جدا و يقول كانا يحدثاني و يؤنساني فذهبا جميعا و لما انصرف رسول الله ص من وقعة أحد إلى المدينة سمع من كل دار قتل من أهلها قتيل نوحا و بكاء و لم يسمع من دار حمزة عمه فقال ص لكن حمزة لا بواكي له فآلى أهل المدينة أن لا ينوحوا على ميت و لا يبكوه حتى يبدءوا بحمزة فينوحوا عليه و يبكوه فهم إلى اليوم على ذلك
و قال الصادق ع من خاف على نفسه من وجد بمصيبة فليفض من دموعه فإنه يسكن عنه
ثم قال ره الندب لا بأس به و هو عبارة عن تعديد محاسن الميت و ما لقوه بفقده بلفظة النداء بوا مثل قولهم وا رجلاه وا كريماه وا انقطاع ظهراه وا مصيبتاه غير أنه مكروه لأنه لم ينقل عن النبي ص و لا أحد من أهل البيت ع. و النياحة بالباطل محرمة إجماعا أما بالحق فجائزة إجماعا و يحرم ضرب الخدود و نتف الشعر و شق الثوب إلا في موت الأب و الأخ فقد سوغ فيهما شق الثوب للرجل و كذا يكره الدعاء بالويل و الثبور.
و روى ابن بابويه عن رسول الله ص أنه قال لفاطمة حين قتل جعفر بن أبي طالب ع لا تدعين بذل و لا بثكل و لا حرب و ما قلت فيه فقد صدقت
و روى قال لما قبض علي بن محمد العسكري ع رئي الحسن بن علي ع و قد خرج من الدار و قد شق قميصه من خلف و قدام
و قال الشهيد نور الله ضريحه في الذكرى يحرم اللطم و الخدش و جز الشعر إجماعا قاله في المبسوط لما فيه من السخط لقضاء الله و لرواية
خالد بن سدير عن الصادق ع لا شيء في لطم الخدود سوى الاستغفار و التوبة
و في صحاح العامة أنا بريء ممن حلق و صلق
أي حلق الشعر و رفع صوته و استثنى الأصحاب إلا ابن إدريس شق الثوب على موت الأب و الأخ لفعل العسكري على الهادي ع و فعل الفاطميات على الحسين ع
و روى فعل الفاطميات أحمد بن محمد بن داود عن خالد بن سدير عن الصادق ع و سأله عن شق الرجل ثوبه على أبيه و أمه و أخيه أو على قريب له فقال لا بأس بشق الجيوب قد شق موسى بن عمران على أخيه هارون
و لا يشق الوالد على ولده و لا زوج على امرأته و تشق المرأة على زوجها و في نهاية الفاضل يجوز شق النساء الثوب مطلقا و في الخبر إيماء إليه
و روى الحسن الصفار عن الصادق ع لا ينبغي الصياح على الميت و لا شق الثياب و ظاهره الكراهة
و في المبسوط روي جواز تخريق الثوب على الأب و الأخ و لا يجوز على غيرهما و يجوز النوح بالكلام الحسن و تعداد فضائله باعتماد الصدق فإن فاطمة ع فعلته في قولها
يا أبتاه من ربه ما أدناه يا أبتاه إلى جبرئيل أنعاهيا أبتاه أجاب ربا دعاه
و روي أنها صلى الله عليها أخذت قبضة من تراب قبره ص فوضعتها على عينيها و أنشدت
ما ذا على المشتم تربة أحمد أن لا يشم مدى الزمان غوالياصبت علي مصائب لو أنها صبت على الأيام صرن لياليا
و لما مر من رواية حمزة
و روى ابن بابويه أن الباقر ع أوصى أن يندب له في المواسم عشر سنين
و سئل الصادق ع عن أجر النائحة فقال لا بأس قد نيح على رسول الله ص
و في خبر آخر عنه لا بأس بكسب النائحة إذا قالت صدقا
و في خبر أبي بصير عنه ع لا بأس بأجر النائحة
و روى حنان عنه ع لا تشارط و تقبل ما أعطيت
و روى أبو حمزة عن الباقر ع مات ابن المغيرة فسألت أم سلمة النبي ص أن يأذن لها في المضي إلى مناحته فأذن لها و كان ابن عمها فقالت
أنعى الوليد بن الوليد أبا الوليد فتى العشيرةحامي الحقيقة ماجدا يسمو إلى طلب الوتيرةقد كان غيثا للسنين و جعفرا غدقا و ميرة.
و في تمام الحديث فما عاب عليها النبي ص ذلك و لا قال شيئا.
ثم قال قدس سره يجوز الوقف على النوائح لأنه فعل مباح فجاز صرف المال إليه و لخبر
يونس بن يعقوب عن الصادق ع قال قال لي أبو جعفر ع قف من مالي كذا و كذا لنوادب تندبني عشر سنين بمنى أيام منى
و المراد بذلك تنبيه الناس على فضائله و إظهارها ليقتدي بها و يعلم ما كان عليها أهل هذا البيت ليقتفي آثارهم لزوال التقية بعد الموت. و الشيخ في المبسوط و ابن حمزة حرما النوح و ادعى الشيخ الإجماع و الظاهر أنهما أرادا النوح بالباطل أو المشتمل على المحرم كما قيده في النهاية و في التهذيب جعل كسبها مكروها بعد روايته أحاديث النوح. ثم أول الشهيد ره أحاديث المنع المروية من طرق المخالفين بالحمل على ما كان مشتملا على الباطل أو المحرم لأن نياحة الجاهلية كانت كذلك غالبا ثم قال المراثي المنظومة جائزة عندنا و قد سمع الأئمة ع المراثي و لم ينكروها. ثم قال روح الله روحه لا يعذب الميت بالبكاء عليه سواء كان بكاء مباحا أو محرما لقوله تعالى وَ لا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى
و ما في البخاري و مسلم في خبر عبد الله بن عمر أن النبي ص قال إن الميت ليعذب ببكاء أهله
و في رواية أخرى إن الله ليزيد الكافر عذابا ببكاء أهله
و يروى أن حفصة بكت على عمر فقال مهلا يا بنية أ لم تعلمي أن رسول الله ص قال إن الميت يعذب ببكاء أهله عليه
مؤول. قيل و أحسنه أن أهل الجاهلية كانوا ينوحون و يعدون جرائمه كالقتل و شن الغارات و هم يظنونها خصالا محمودة فهو يعذب بما يبكون عليه و يشكل أن الحديث ظاهر في المنع عن البكاء بسبب استلزامه عذاب الميت بحيث ينتفي التعذيب بسبب انتفاء البكاء قضية للعلية و التعذيب بجرائمه غير منتف بكى عليه أو لا. و قيل لأنهم كانوا يوصون بالندب و النياحة و ذلك حمل منهم على المعصية و هو ذنب فإذا عمل بوصيتهم زيدوا عذابا و رد بأن ذنب الميت الحمل على الحرام و الأمر به فلا يختلف عذابه بالامتثال و عدمه و لو كان للامتثال أثر لبقي الإشكال بحاله. و قيل لأنهم إذا ندبوه يقال له كنت كما يقولون و رد بأن هذا توبيخ و تخويف له و هو نوع من العذاب فليس في هذا سوى بيان نوع التعذيب فلم يعذب بما يفعلون. و عن عائشة رحم الله ابن عمر و الله ما كذب و لكنه أخطأ أو نسي إنما مر رسول الله ص بقبر يهودية و هم يبكون عليها فقال إنهم يبكون و إنها لتعذب بجرمه و في هذا نسبة الراوي إلى الخطاء و هو علة من العلل المخرجة للحديث عن شرط الصحة. و لك أن تقول إن الباء بمعنى مع أي يعذب مع بكاء أهله عليه يعني الميت يعذب بأعماله و هم يبكون عليه فما ينفعه بكاؤهم و يكون زجرا عن البكاء لعدم نفعه و يطابق الحديث الآخر. توضيح قوله لا تدعين بذل و في بعض النسخ بويل بأن تقول وا ذلاه أو وا ويلاه أو وا ثكلاه و الثكل بالضم الموت و الهلاك و فقدان الحبيب أو الولد و يحرك و لا حرب و في بعض النسخ و لا حزن بأن تقول وا حرباه أو وا حزناه يقال حربه أي سلبه ما معه أي هلم الذل و الويل و الثكل و الحرب فهذه أوان مجيئكن و وقت عروضكن. قوله و ما قلت فيه فقد صدقت أي ما قلت فيه من الكمالات فأنت صادقة لأنه كان متصفا بها أو اصدقي فيما تقولين فيه و لا تقولي كذبا و الأول أظهر قوله أنعى الوليد النعي خبر الموت و في القاموس المولدة بين العرب كالوليدة و ليس في بعض النسخ ابن الوليد و في نسخ التهذيب موجود و الفتى الشاب الكريم و يقال فلان حامي الحقيقة إذا حمي ما يحق عليه حمايته و الوتر و الوتيرة الجناية التي يجنيها الرجل على غيره من قتل أو نهب أو سبي و الموتور الذي قتل له قتيل فلم يدرك بدمه و يقال سما إلى المعالي إذا تطاول إليها و السنة القحط و الجعفر النهر الصغير و الكبير الواسع ضد و الماء الغدق بالتحريك الكثير و الميرة بالكسر الطعام يمتاره الإنسان
54- مجالس ابن الشيخ، عن أبيه عن المفيد عن محمد بن محمد بن طاهر عن ابن عقدة الحافظ عن أحمد بن يوسف عن الحسين بن محمد عن أبيه عن عاصم بن عمر عن محمد بن مسلم قال سمعت أبا عبد الله ع يقول كتب إلى الحسن بن علي ع قوم من أصحابه يعزونه عن ابنة له فكتب إليهم أما بعد فقد بلغني كتابكم تعزوني بفلانة فعند الله أحتسبها تسليما لقضائه و صبرا على بلائه أوجعتنا المصائب و فجعتنا النوائب بالأحبة المألوفة التي كانت بنا حفية و الإخوان المحبين الذين كان يسر بهم الناظرون و تقر بهم العيون أضحوا قد اخترمتهم الأيام و نزل بهم الحمام فخلفوا الخلوف و أودت بهم الحتوف فهم صرعى في عساكر الموتى متجاورون في غير محلة التجاور و لا صلات بينهم و لا تزاور لا يتلاقون عن قرب جوارهم أجسامهم نائية من أهلها خالية من أربابها قد أخشعها إخوانها فلم أر مثل دارها دارا و لا مثل قرارها قرارا في بيوت موحشة و حلول مضجعة قد صارت في تلك الديار الموحشة و خرجت من الديار المونسة ففارقتها من غير قلى فاستودعتها للبلى و كانت أمة مملوكة سلكت سبيلا مسلوكة صار إليها الأولون و سيصير إليها الآخرون و السلام
بيان فعند الله أحتسبها أي أحتسب الأجر بصبري على مصيبتها و فجعته المصيبة أي أوجعته و كذلك التفجيع و الحفاوة المبالغة في السؤال عن الرجل و العناية في أمره و اخترمهم الدهر أي اقتطعهم و استأصلهم و الحمام بالكسر قدر الموت و قال الفيروزآبادي الخلف بالتحريك و السكون كل من يجيء بعد من مضى إلا أنه بالتحريك في الخير و بالتسكين في الشر و في حديث ابن مسعود ثم إنه تخلف من بعده خلوف هي جمع خلف. و أودى به الموت ذهب و الحتوف بالضم جمع الحتف و هو الموت و عن في قوله عن قرب جوارهم لعلها للتعليل أي لا يقع منهم الملاقاة الناشئة عن قرب الجوار بل أرواحهم يتزاورون بحسب درجاتهم و كمالاتهم و قوله ع قد أخشعها كذا في أكثر النسخ و لا يناسب المقام و في بعضها بالجيم و الجشع الجزع لفراق الإلف و لا يبعد أن يكون تصحيف اجتنبها و الحلول بالضم جمع حال من قولهم حل بالمكان أي نزل فيه و مضجعة بضم الميم من أضجعه وضع جنبه إلى الأرض و في أكثر النسخ مخضعة و القلى بالكسر البغض
55- ثواب الأعمال، عن حمزة بن محمد العلوي عن علي بن إبراهيم عن أبيه عن عبد الله بن المغيرة عن السكوني عن جعفر بن محمد الصادق عن آبائه ع قال قال رسول الله ص التعزية تورث الجنة
و عنه ص قال من عزى حزينا كسي في الموقف حلة يحبر بها
المقنع، مرسلا مثله و فيه من عزى مؤمنا
الهداية، روى الخبرين معا مرسلا
تبيين روى في الكافي الخبر الأخير عن علي بن إبراهيم عن أبيه عن النوفلي عن السكوني عن الصادق عن آبائه ع عن النبي ص
و قال في الذكرى التعزية هي تفعلة من العزاء أي الصبر يقال عزيته أي صبرته و المراد بها طلب التسلي عن المصاب و التصبر عن الحزن و الانكسار بإسناد الأمر إلى الله و نسبته إلى عدله و حكمته و ذكر ما وعد الله على الصبر مع الدعاء للميت و المصاب لتسليته عن مصيبته و هي مستحبة إجماعا و لا كراهة فيها بعد الدفن عندنا انتهى. و في النهاية التعزية مستحبة قبل الدفن و بعده بلا خلاف بين العلماء في ذلك إلا للثوري فإنه قال لا تستحب التعزية بعد الدفن و قال في التذكرة قال الشيخ التعزية بعد الدفن أفضل و هو جيد و قال المحقق في المعتبر التعزية مستحبة و أقلها أن يراه صاحب التعزية و باستحبابها قال أهل العلم مطلقا خلافا للثوري فإنه كرهها بعد الدفن ثم قال فأما رواية إسحاق بن عمار فليس بمناف لما ذكرنا لاحتمال أنه يريد عند القبر بعد الدفن أو قبله و قال الشيخ بعد الدفن أفضل و هو حق انتهى. و أقول
رواية إسحاق هي ما رواه الكليني و غيره بسند موثق و بسند آخر فيه ضعف على المشهور عنه عن أبي عبد الله قال ليس التعزية إلا عند القبر ثم ينصرفون لا يحدث في الميت حدث فيسمعون الصوت
و روي بسند حسن عنه ع قال التعزية لأهل المصيبة بعد ما يدفن
و بسند مرسل عنه ع قال التعزية الواجبة بعد الدفن
و بسند حسن لا يقصر عن الصحيح عن هشام بن الحكم قال رأيت موسى ع يعزي قبل الدفن و بعده
فظهر من تلك الأخبار أن التعزية مستحبة قبل الدفن و بعده و أن بعده أفضل و يستفاد من بعضها عدم استحباب استمرار المأتم و التعزية و لعله محمول على عدم تأكد استحبابها و قد مر الكلام فيه. و قال في القاموس الحلة بالضم إزار و رداء برد أو غيره و لا يكون حلة إلا من ثوبين أو ثوب له بطانة و قال فيه الحبر بالكسر الأثر أو أثر النعمة و الحسن و بالفتح السرور كالحبور و الحبرة و الحبر محركة و أحبره سره النعمة كالحبرة و قال تحبير الخط و الشعر و غيرهما تحسينه و في النهاية الحبر بالكسر و قد يفتح الجمال و الهيئة الحسنة يقال حبرت الشيء تحبيرا إذا حسنته انتهى. أقول فيمكن أن يقرأ على المجهول مشددا أي يحسن و يزين بها و مخففا أي تسير بها. و روى في الذكرى يحبى بها من الحبوة و هي العطاء ثم قال و روي يحبر بها أي يسر
-56 ثواب الأعمال، عن محمد بن الحسن بن الوليد عن محمد بن الحسن الصفار عن أحمد بن محمد بن عيسى عن محمد بن سنان عن أبي الجارود عن أبي جعفر ع قال كان فيما ناجى به موسى ع ربه قال يا رب ما لمن عزى الثكلى قال أظله في ظلي يوم لا ظل إلا ظلي
بيان في القاموس ناجاه مناجاة ساره و قال الثكل بالضم الموت و الهلاك و فقدان الحبيب أو الولد و يحرك و قد ثكله كفرح فهو ثاكل و ثكلان و هي ثاكل و ثكلانة قليل و ثكول و ثكلى انتهى و المراد هنا المرأة التي مات ولدها أو حميمها أو الطائفة الثكلى أعم من الرجال و النساء و الأول أظهر و لعل التخصيص لكون المرأة أشد جزعا و حزنا في المصائب من الرجل و الإطلاق إما محمول على الحقيقة أو المجاز. قال في النهاية و في الحديث سبعة يظلهم الله بظلة و في حديث آخر سبعة في ظل العرش أي في ظل رحمته و قال الكرماني في شرح صحيح البخاري سبعة في ظله أضافه إليه للتشريف أي ظل عرشه أو ظل طوبى أو الجنة و قال النووي في شرح صحيح مسلم و قيل الظل عبارة عن الراحة و النعيم نحو هو في عيش ظليل و المراد ظل الكرامة لا ظل الشمس لأنها و سائر العالم تحت العرش و قيل أي كنه من المكاره و وهج الموقف و ظاهره أنه في ظله من الحر و الوهج و أنفاس الخلق و هو قول الأكثر. و يوم لا ظل إلا ظله أي حين دنت منهم الشمس و اشتد الحر و أخذهم العرق و قيل أي لا يكون من له ظل كما في الدنيا. أقول و يؤيد أن المراد به ظل العرش ما رواه
في الكافي عن أمير المؤمنين ع قال من عزى الثكلى أظله الله في ظل عرشه يوم لا ظل إلا ظله