يا أيها الإنسان انظر و تدبر و اعقل و تفكر هل لك رازق سواي يرزقك أو منعم غيري ينعم عليك أ لم أخرجك من ضيق مكانك في الرحم إلى أنواع من النعم أخرجتك من الضيق إلى السعة و من التعب إلى الدعة و من الظلمة إلى النور ثم عرفت ضعفك عما يقيمك و عجزك عما يفوتك فأدررت لك من صدر أمك عينين منهما طعامك و شرابك و فيهما غذاؤك و نماؤك ثم عطفت بقلبها عليك و صرفت بودها إليك كي لا تتبرم بك مع إيذائك لها و لا تطرحك مع إضجارك إياها و لا تقززك مع كثرة عاهاتك و لا تستقذرك مع توالي آفاتك و قاذوراتك تجوع لتشبعك و تظمأ لترويك و تسهر لترقدك و تنصب لتريحك و تتعب لترفدك و تتقذر لتنظفك لو لا ما ألقيت عليها من المحبة لك لألقتك في أول أذى يلحقها منك فضلا عن أن تؤثرك في كل حال و لا تخليك لها من بال و لو وكلتك إلى وكدك و جعلت قوتك و قوامك من جهدك لمت سريعا و فت ضائعا هذه عادتي في الإحسان إليك و الرحمة لك إلى أن تبلغ أشدك و بعد ذلك إلى منتهى أجلك أهيئ لك في كل وقت من عمرك ما فيه صلاح أمرك من زيادة في خلقك و تيسير لرزقك أقدر مدة حياتك قدر كفايتك ما لا تتجاوزه و إن أكثرت من التعب و لا يفوتك و إن قصرت في الطلب فإن ظننت أنك الجالب لرزقك فما لك تروم أن تزيد فيه و لا تقدر أم ما لك تتعب في طلب الشيء فلست تناله و يأتيك غيره عفوا مما لا تتفكر فيه و لا تتعنى له أم ما لك ترى من هو أشد منك عقلا و أكثر طلبا محروما مجذوذا و من هو أضعف منك عقلا و أقل طلبا محروزا مجدودا أ تراك أنت الذي هيأت لمشربك و مطعمك سقاءين في صدر أمك أم تراك سلطت على نفسك وقت السلامة الداء أو جلبت لها وقت السقم الشفاء أ لا تنظر إلى الطير التي تغدو خماصا و تروح بطانا أ لها زرع تزرعه أو مال تجمعه أو كسب تسعى فيه أو احتيال تتوسم بتعاطيه اعلم أيها الغافل أن ذلك كله بتقديري لا أناد و لا أضاد في تدبيري و لا ينقص و لا يزاد من تقديري ذلك أني أنا الله الرحيم الحكيم