الآيات البقرة رَبَّنا وَ اجْعَلْنا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَ مِنْ ذُرِّيَّتِنا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ إلى قوله تعالى إِذْ قالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ قالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعالَمِينَ وَ وَصَّى بِها إِبْراهِيمُ بَنِيهِ وَ يَعْقُوبُ يا بَنِيَّ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفى لَكُمُ الدِّينَ فَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ أَمْ كُنْتُمْ شُهَداءَ إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ إِذْ قالَ لِبَنِيهِ ما تَعْبُدُونَ مِنْ بَعْدِي قالُوا نَعْبُدُ إِلهَكَ وَ إِلهَ آبائِكَ إِبْراهِيمَ وَ إِسْماعِيلَ وَ إِسْحاقَ إِلهاً واحِداً وَ نَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ و قال عز و جل يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً وَ لا تَتَّبِعُوا خُطُواتِ الشَّيْطانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ آل عمران إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلامُ إلى قوله تعالى فَإِنْ حَاجُّوكَ فَقُلْ أَسْلَمْتُ وَجْهِيَ لِلَّهِ وَ مَنِ اتَّبَعَنِ وَ قُلْ لِلَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ وَ الْأُمِّيِّينَ أَ أَسْلَمْتُمْ فَإِنْ أَسْلَمُوا فَقَدِ اهْتَدَوْا و قال سبحانه قالَ الْحَوارِيُّونَ نَحْنُ أَنْصارُ اللَّهِ آمَنَّا بِاللَّهِ وَ اشْهَدْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ إلى قوله تعالى قُلْ يا أَهْلَ الْكِتابِ تَعالَوْا إِلى كَلِمَةٍ سَواءٍ بَيْنَنا وَ بَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَ لا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً وَ لا يَتَّخِذَ بَعْضُنا بَعْضاً أَرْباباً مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ و قال سبحانه وَ لكِنْ كانَ حَنِيفاً مُسْلِماً وَ ما كانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ و قال تعالى وَ لا يَأْمُرَكُمْ أَنْ تَتَّخِذُوا الْمَلائِكَةَ وَ النَّبِيِّينَ أَرْباباً أَ يَأْمُرُكُمْ بِالْكُفْرِ بَعْدَ إِذْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ إلى قوله تعالى أَ فَغَيْرَ دِينِ اللَّهِ يَبْغُونَ وَ لَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ طَوْعاً وَ كَرْهاً وَ إِلَيْهِ يُرْجَعُونَ قُلْ آمَنَّا بِاللَّهِ وَ ما أُنْزِلَ عَلَيْنا وَ ما أُنْزِلَ عَلى إِبْراهِيمَ وَ إِسْماعِيلَ وَ إِسْحاقَ إلى قوله وَ نَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ وَ مَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلامِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَ هُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخاسِرِينَ و قال تعالى يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقاتِهِ وَ لا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ وَ اعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَ لا تَفَرَّقُوا النساء فَلا وَ رَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيما شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَ يُسَلِّمُوا تَسْلِيماً و قال تعالى يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَتَبَيَّنُوا وَ لا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقى إِلَيْكُمُ السَّلامَ لَسْتَ مُؤْمِناً تَبْتَغُونَ عَرَضَ الْحَياةِ الدُّنْيا فَعِنْدَ اللَّهِ مَغانِمُ كَثِيرَةٌ كَذلِكَ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلُ فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْكُمْ فَتَبَيَّنُوا إِنَّ اللَّهَ كانَ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيراً المائدة الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَ أَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَ رَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلامَ دِيناً و قال تعالى يا أَيُّهَا الرَّسُولُ لا يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسارِعُونَ فِي الْكُفْرِ مِنَ الَّذِينَ قالُوا آمَنَّا بِأَفْواهِهِمْ وَ لَمْ تُؤْمِنْ قُلُوبُهُمْ و قال سبحانه وَ إِذْ أَوْحَيْتُ إِلَى الْحَوارِيِّينَ أَنْ آمِنُوا بِي وَ بِرَسُولِي قالُوا آمَنَّا وَ اشْهَدْ بِأَنَّنا مُسْلِمُونَ الأنعام 71- وَ أُمِرْنا لِنُسْلِمَ لِرَبِّ الْعالَمِينَ و قال تعالى فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلامِ هود فَإِلَّمْ يَسْتَجِيبُوا لَكُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّما أُنْزِلَ بِعِلْمِ اللَّهِ وَ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ فَهَلْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ يوسف تَوَفَّنِي مُسْلِماً وَ أَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ الحجر رُبَما يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ كانُوا مُسْلِمِينَ النحل كَذلِكَ يُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْلِمُونَ و قال تعالى وَ نَزَّلْنا عَلَيْكَ الْكِتابَ تِبْياناً لِكُلِّ شَيْءٍ وَ هُدىً وَ رَحْمَةً وَ بُشْرى لِلْمُسْلِمِينَ و قال سبحانه قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِّ لِيُثَبِّتَ الَّذِينَ آمَنُوا وَ هُدىً وَ بُشْرى لِلْمُسْلِمِينَ الأنبياء قُلْ إِنَّما يُوحى إِلَيَّ أَنَّما إِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ فَهَلْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ الحج فَإِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ فَلَهُ أَسْلِمُوا وَ بَشِّرِ الْمُخْبِتِينَ النمل وَ أُوتِينَا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِها وَ كُنَّا مُسْلِمِينَ و قال تعالى وَ أَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمانَ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ و قال سبحانه وَ ما أَنْتَ بِهادِي الْعُمْيِ عَنْ ضَلالَتِهِمْ إِنْ تُسْمِعُ إِلَّا مَنْ يُؤْمِنُ بِآياتِنا فَهُمْ مُسْلِمُونَ و قال تعالى إِنَّما أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ رَبَّ هذِهِ الْبَلْدَةِ الَّذِي حَرَّمَها وَ لَهُ كُلُّ شَيْءٍ وَ أُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ القصص الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ مِنْ قَبْلِهِ هُمْ بِهِ يُؤْمِنُونَ وَ إِذا يُتْلى عَلَيْهِمْ قالُوا آمَنَّا بِهِ إِنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّنا إِنَّا كُنَّا مِنْ قَبْلِهِ مُسْلِمِينَ
العنكبوت وَ قُولُوا آمَنَّا بِالَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْنا وَ أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ وَ إِلهُنا وَ إِلهُكُمْ واحِدٌ وَ نَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ الروم وَ ما أَنْتَ بِهادِ الْعُمْيِ عَنْ ضَلالَتِهِمْ إِنْ تُسْمِعُ إِلَّا مَنْ يُؤْمِنُ بِآياتِنا فَهُمْ مُسْلِمُونَ الزمر أَ فَمَنْ شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلامِ فَهُوَ عَلى نُورٍ مِنْ رَبِّهِ فَوَيْلٌ لِلْقاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ أُولئِكَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ الزخرف الَّذِينَ آمَنُوا بِآياتِنا وَ كانُوا مُسْلِمِينَ ادْخُلُوا الْجَنَّةَ أَنْتُمْ وَ أَزْواجُكُمْ تُحْبَرُونَ الحجرات قالَتِ الْأَعْرابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَ لكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنا وَ لَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمانُ فِي قُلُوبِكُمْ إلى قوله تعالى يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا قُلْ لا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلامَكُمْ بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَداكُمْ لِلْإِيمانِ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ الذاريات فَأَخْرَجْنا مَنْ كانَ فِيها مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فَما وَجَدْنا فِيها غَيْرَ بَيْتٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ التحريم عَسى رَبُّهُ إِنْ طَلَّقَكُنَّ أَنْ يُبْدِلَهُ أَزْواجاً خَيْراً مِنْكُنَّ مُسْلِماتٍ مُؤْمِناتٍ قانِتاتٍ تائِباتٍ عابِداتٍ سائِحاتٍ القلم أَ فَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ ما لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ الجن وَ أَنَّا مِنَّا الْمُسْلِمُونَ وَ مِنَّا الْقاسِطُونَ فَمَنْ أَسْلَمَ فَأُولئِكَ تَحَرَّوْا رَشَداً. تفسير وَ اجْعَلْنا مُسْلِمَيْنِ لَكَ قيل أي مخلصين لك من أسلم لك وجهه أو مستسلمين من أسلم إذا استسلم و انقاد و المراد طلب الزيادة في الإخلاص و الإذعان أو الثبات عليه وَ مِنْ ذُرِّيَّتِنا أي و اجعل بعض ذريتنا أُمَّةً أي جماعة يؤمون أي يقصدون و يقتدى بهم و قيل أراد بالأمة أمة محمد ص
و عن الصادق ع هم أهل البيت الذين أذهب الله عنهم الرجس و طهرهم تطهيرا
و في رواية العياشي عنه ع أنه أراد بالأمة بني هاشم خاصة
إِذْ قالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ تدل هذه الآيات على أن الإسلام قد يطلق على أعلى مدارج الإيمان وَ وَصَّى بِها أي بالملة أو راجع إلى أسلمت بتأويل الكلمة أو الجملة اصْطَفى لَكُمُ الدِّينَ أي دين الإسلام الذي هو صفوة الأديان فَلا تَمُوتُنَّ ظاهره النهي عن الموت على خلاف حال الإسلام و المقصود هو النهي عن أن يكونوا على خلاف تلك الحال إذا ماتوا و الأمر بالثبات على الإسلام كقولك لا تصل إلا و أنت خاشع و تغيير العبارة للدلالة على أن موتهم لا على الإسلام موت لا خير فيه و أن من حقه أن لا يحل بهم وَ نَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ حال من فاعل نعبد أو مفعوله أو منهما و يحتمل أن يكون اعتراضا. فِي السِّلْمِ كَافَّةً قال البيضاوي السلم بالكسر و الفتح الاستسلام و الطاعة و لذلك يطلق في الصلح و الإسلام و فتحه ابن كثير و نافع و الكسائي و كسره الباقون و كافة اسم للجملة لأنها تكف الأجزاء من التفرق حال من الضمير أو السلم لأنها تؤنث كالحرب و المعنى استسلموا لله و أطيعوه جملة ظاهرا و باطنا و الخطاب للمنافقين أو ادخلوا في الإسلام بكليتكم و لا تخلطوا به غيره و الخطاب لمؤمني أهل الكتاب فإنهم بعد إسلامهم عظموا السبت و حرموا الإبل و ألبانها أو في شرائع الله تعالى كلها بالإيمان بالأنبياء و الكتب جميعا و الخطاب لأهل الكتاب أو في شعب الإسلام و أحكامه كلها فلا تخلوا بشيء و الخطاب للمسلمين وَ لا تَتَّبِعُوا خُطُواتِ الشَّيْطانِ بالتفرق و التفريق إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ ظاهر العداوة انتهى
و في الكافي و العياشي عن الباقر ع فِي السِّلْمِ في ولايتنا
و العياشي عن الصادق في ولاية علي ع
و عنهما ع أمروا بمعرفتنا
و في العياشي عن الصادق ع خطوات الشيطان ولاية الأول و الثاني
و في تفسير الإمام ع في السلم في المسالمة إلى دين الإسلام
كَافَّةً جماعة ادخلوا فيه و ادخلوا في جميع الإسلام فتقبلوه و اعملوا به و لا تكونوا ممن يقبل بعضه و يعمل به و يأبى بعضه و يهجره قال و منه الدخول في قبول ولاية علي ع فإنه كالدخول في قبول نبوة رسول الله فإنه لا يكون مسلما من قال إن محمدا رسول الله ص فاعترف به و لم يعترف بأن عليا وصيه و خليفته و خير أمته و قال خطوات الشيطان ما يتخطى بكم إليه من طرق الغي و الضلالة و يأمركم به من ارتكاب الآثام الموبقات. إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلامُ أي لا دين مرضي عند الله سوى الإسلام و هو التوحيد و التدرع بالشرع الذي جاء به محمد ص أَسْلَمْتُ وَجْهِيَ لِلَّهِ أي أخلصت نفسي و جملتي له لا أشرك فيها غيره قيل عبر عن النفس بالوجه لأنه أشرف الأعضاء الظاهرة و مظهر القوى و الحواس وَ مَنِ اتَّبَعَنِ أي و أسلم من اتبعني وَ الْأُمِّيِّينَ أي الذين لا كتاب لهم كمشركي العرب أَ أَسْلَمْتُمْ كما أسلمت لما وضحت لكم الحجة أم أنتم بعد على كفركم فَإِنْ أَسْلَمُوا فَقَدِ اهْتَدَوْا أي فقد نفعوا أنفسهم بأن أخرجوها من الضلال نَحْنُ أَنْصارُ اللَّهِ أي أنصار دينه وَ اشْهَدْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ أي في القيامة حين يشهد الرسل إِلى كَلِمَةٍ سَواءٍ بَيْنَنا وَ بَيْنَكُمْ أي لا يختلف فيها الكتب و الرسول و تفسيرها ما بعدها أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ أي نوحده بالعبادة و نخلص فيها وَ لا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً أي لا نجعل غيره شريكا له في استحقاق العبادة و لا نراه أهلا لأن يعبد وَ لا يَتَّخِذَ بَعْضُنا بَعْضاً أَرْباباً كعزير و المسيح و الأحبار و إطاعتهم فيما أحدثوا من التحريم و التحليل فَإِنْ تَوَلَّوْا عن التوحيد فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ أي لزمتكم الحجة فاعترفوا بأنا مسلمون دونكم أو اعترفوا بأنكم كافرون بما نطقت به الكتب و تطابقت عليه الرسل وَ لكِنْ كانَ حَنِيفاً أي مائلا عن العقائد الزائغة مُسْلِماً أي منقادا لله. بَعْدَ إِذْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ وقع الإسلام هنا مقابلا للكفر أَ فَغَيْرَ دِينِ اللَّهِ يَبْغُونَ أي أ فبعد هذه الآيات و الحجج تطلبون دينا غير دين الإسلام وَ لَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ طَوْعاً وَ كَرْهاً قيل أي عند الميثاق كما روي عن ابن عباس و قيل أي أقر بالعبودية و إن كان فيهم من أشرك في العبادة كقوله تعالى وَ لَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ و قيل أسلم المؤمن طوعا و الكافر كرها عند الموت و قيل أي استسلم له بالانقياد و الذلة و قيل معناه أكره قوم على الإسلام و جاء قوم طائعين و هو المروي
عن أبي عبد الله ع قال كرها أي فرقا من السيف
و قال الحسن الطوع لأهل السماوات خاصة و أما أهل الأرض فمنهم من أسلم طوعا و منهم من أسلم كرها
و قد روى العياشي عن الصادق ع أنها نزلت في القائم ع و في رواية أخرى تلاها فقال إذا قام القائم لا تبقى أرض إلا نودي فيها شهادة أن لا إله إلا الله و أن محمدا رسول الله
وَ إِلَيْهِ يُرْجَعُونَ أي إلى جزائه يصيرون. قُلْ آمَنَّا بِاللَّهِ خطاب للنبي ص بأن يقول عن نفسه و عن أمته قال الطبرسي قدس سره فإن قيل ما معنى قوله وَ نَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ بعد ما سبق الإقرار بالإيمان على التفصيل قلنا معناه و نحن له مسلمون بالطاعة و الانقياد في جميع ما أمر به و نهى عنه و أيضا فإن أهل الملل المخالفة للإسلام كانوا يقرون كلهم بالإيمان و لكن لم يقروا بلفظة الإسلام فلهذا قال وَ نَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ وَ مَنْ يَبْتَغِ أي يطلب غَيْرَ الْإِسْلامِ دِيناً يدين به فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ بل يعاقب عليه وَ هُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخاسِرِينَ أي من الهالكين لأن الخسران ذهاب رأس المال و في هذا دلالة على أن من ابتغى غير الإسلام دينا لن يقبل منه فدل ذلك على أن الدين و الإسلام و الإيمان واحد و هي عبارات عن معبر واحد انتهى. حَقَّ تُقاتِهِ أي حق تقواه و ما يجب منها و هو استفراغ الوسع في القيام بالواجبات و الاجتناب عن المحرمات
و في المعاني و العياشي سئل الصادق ع عن هذه الآية قال يطاع و لا يعصى و يذكر فلا ينسى و يشكر فلا يكفر
و العياشي عنه ع أنه سئل عنها فقال منسوخة قيل و ما نسخها قال قول الله فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ
وَ لا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ أي لا تكونن على حال سوى حال الإسلام إذا أدرككم الموت
في المجمع عن الصادق ع و أنتم مسلمون بالتشديد
و معناه مستسلمون لما أتى به النبي ص منقادون له
و العياشي عن الكاظم ع أنه قال لبعض أصحابه كيف تقرأ هذه الآية يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقاتِهِ وَ لا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَ أَنْتُمْ ما ذا قال مُسْلِمُونَ فقال سبحان الله يوقع عليهم الإيمان فيسميهم مؤمنين ثم يسألهم الإسلام و الإيمان فوق الإسلام قال هكذا يقرأ في قراءة زيد قال إنما هي في قراءة علي ع و هو التنزيل الذي نزل به جبرئيل ع على محمد ص إِلَّا وَ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ لرسول الله ثم الإمام من بعده
وَ اعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ قيل بدينه الإسلام أو بكتابه
لقوله ص القرآن حبل الله المتين استعار له الحبل و للوثوق به الاعتصام من حيث إن التمسك به سبب النجاة عن الردي كما أن التمسك بالحبل الموثوق به سبب السلامة من التردي
و قال علي بن إبراهيم الحبل التوحيد و الولاية
و العياشي عن الباقر ع آل محمد هم حبل الله المتين الذي أمر بالاعتصام به فقال وَ اعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَ لا تَفَرَّقُوا
و عن الكاظم علي بن أبي طالب حبل الله المتين
و في مجالس الصدوق نحن الحبل
و أقول و قد مر الأخبار في ذلك و شرحها في كتاب الإمامة. جَمِيعاً أي مجتمعين عليه وَ لا تَفَرَّقُوا أي و لا تتفرقوا عن الحق بإيقاع الاختلاف بينكم
و روى علي بن إبراهيم عن الباقر ع أن الله تبارك و تعالى علم أنهم سيفترقون بعد نبيهم و يختلفون فنهاهم عن التفرق كما نهى من كان قبلهم فأمرهم أن يجتمعوا على ولاية آل محمد ع و لا يتفرقوا
فِيما شَجَرَ بَيْنَهُمْ أي فيما اختلف بينهم أو اختلط حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ أي ضيقا مما حكمت به وَ يُسَلِّمُوا تَسْلِيماً أي و ينقادوا لك انقيادا بظاهرهم و باطنهم
و في الكافي عن الباقر ع لقد خاطب الله أمير المؤمنين ع في كتابه في قوله وَ لَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جاؤُكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَ اسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّاباً رَحِيماً فَلا وَ رَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيما شَجَرَ بَيْنَهُمْ قال فيما تعاقدوا عليه لئن أمات الله محمدا لا يردوا هذا الأمر في بني هاشم ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ عليهم من القتل أو العفو وَ يُسَلِّمُوا تَسْلِيماً
و قال علي بن إبراهيم جاءوك يا علي قال هكذا نزلت. أقول و سيأتي عن أمير المؤمنين ع أنها نزلت في مثل ذلك و بالجملة تدل على أن الإيمان مشروط بالتسليم و الانقياد التام إِذا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أي سافرتم للغزو فَتَبَيَّنُوا أي فاطلبوا بيان الأمر و ميزوا بين الكافر و المؤمن و قرئ فتثبتوا في الموضعين أي توقفوا و تأنوا حتى تعلموا من يستحق القتل و المعنيان متقاربان يعني لا تعجلوا في القتل لمن أظهر إسلامه ظنا منكم بأنه لا حقيقة لذلك وَ لا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقى إِلَيْكُمُ السَّلامَ و قرئ السلم بغير ألف و هما بمعنى الاستسلام و الانقياد و فسر السلام بتحية الإسلام أيضا و العياشي نسب قراءة السَّلامَ إلى الصادق ع لَسْتَ مُؤْمِناً و إنما فعلت ذلك خوفا من القتل تَبْتَغُونَ عَرَضَ الْحَياةِ الدُّنْيا أي تطلبون ماله الذي هو حطام سريع الزوال و هو الذي يبعثكم على العجلة و ترك التثبت فَعِنْدَ اللَّهِ مَغانِمُ كَثِيرَةٌ تغنيكم عن قتل أمثاله لماله كَذلِكَ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلُ أي أول ما دخلتم في الإسلام و تفوهتم بكلمتي الشهادة فحصنت بها دماؤكم و أموالكم من غير أن تعلم مواطاة قلوبكم ألسنتكم فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْكُمْ بالاشتهار بالإيمان و الاستقامة في الدين فَتَبَيَّنُوا و افعلوا بالداخلين في الإسلام ما فعل الله بكم و لا تبادروا إلى قتلهم ظنا بأنهم دخلوا فيه اتقاء و خوفا و تكريرها تأكيد لتعظيم الأمر و ترتيب الحكم على ما ذكر من حالهم إِنَّ اللَّهَ كانَ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيراً عالما به و بالغرض منه فلا تتهافتوا في القتل و لا تحتالوا فيه. و قال علي بن إبراهيم و غيره أنها نزلت لما رجع رسول الله ص من غزوة خيبر و بعث أسامة بن زيد في خيل إلى بعض اليهود في ناحية فدك ليدعوهم إلى الإسلام و كان رجل من اليهود يقال له مرداس بن نهيك الفدكي في بعض القرى فلما أحسن بخيل رسول الله ص جمع أهله و ماله و صار في ناحية الجبل فأقبل يقول أشهد أن لا إله إلا الله و أشهد أن محمدا رسول الله فمر به أسامة بن زيد فطعنه فقتله فلما رجع إلى رسول الله ص أخبره بذلك فقال له رسول الله ص أ فلا شققت الغطاء عن قلبه لا ما قال بلسانه قبلت و لا ما كان في نفسه علمت فحلف أسامة بعد ذلك أن لا يقاتل أحدا شهد أن لا إله إلا الله و أن محمدا رسول الله فتخلف عن أمير المؤمنين ع في حروبه و أنزل الله في ذلك وَ لا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقى إِلَيْكُمُ السَّلامَ الآية. و في رواية العامة أن مرداسا أضاف إلى الكلمتين السلام عليكم و هي تؤيد قراءة السَّلامَ و تفسيره بتحية الإسلام. و أقول لا يخفى أن أسامة فعله الأخير كان أشنع من فعله الأول و كان عذره أشد و أفحش منهما و هذا منه دليل على أنه كان من المنافقين. الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ قد مر أنها نزلت بعد نصب أمير المؤمنين ع يوم الغدير فتدل على أن الإمامة داخلة في الدين و الإسلام و أن بها كماله. لا يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسارِعُونَ فِي الْكُفْرِ أي صنع الذين يقعون في إظهار الكفر سريعا إذا وجدوا منه فرصة مِنَ الَّذِينَ قالُوا آمَنَّا بِأَفْواهِهِمْ أي من المنافقين و الباء متعلقة بقالوا لا بآمنا و الواو يحتمل الحال و العطف و الآية تدل على أن الإيمان باللسان لا ينفع ما لم يوافقه القلب وَ إِذْ أَوْحَيْتُ إِلَى الْحَوارِيِّينَ
روى العياشي عن الباقر ع ألهموا بِأَنَّنا مُسْلِمُونَ أي مخلصون
فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهْدِيَهُ أي يعرفه الحق و يوفقه للإيمان يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلامِ فيتسع له و يفسح فيه مجاله و هو كناية عن جعل القلب قابلا للحق مهيئا لحلوله فيه مصفى عما يمنعه و ينافيه
في المجمع قد وردت الرواية الصحيحة أنه لما نزلت هذه الآية سئل رسول الله ص عن شرح الصدر ما هو فقال نور يقذفه الله في قلب المؤمن فيشرح صدره و ينفسح قالوا فهل لذلك أمارة يعرف بها فقال نعم و الإنابة إلى دار الخلود و التجافي عن دار الغرور و الاستعداد للموت قبل نزوله
فَإِلَّمْ يَسْتَجِيبُوا لَكُمْ أيها المؤمنون من دعوتموهم إلى المعارضة أو أيها الكافرون من دعوتموهم إلى المعاونة فَاعْلَمُوا أَنَّما أُنْزِلَ بِعِلْمِ اللَّهِ أي متلبسا بما لا يعلمه إلا الله و لا يقدر عليه سواه وَ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ لأنه العالم القادر بما لا يعلم و لا يقدر عليه غيره لظهور عجز المدعوين فَهَلْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ أي ثابتون على الإسلام راسخون فيه أو داخلون في الإسلام مخلصون فيه. تَوَفَّنِي مُسْلِماً يدل على إطلاق الإسلام على الإيمان الكامل وَ أَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ أي في الرتبة و الكرامة. رُبَما يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ كانُوا مُسْلِمِينَ أي إذا عاينوا في القيامة حالهم و حال المسلمين قالوا يا ليتنا كنا مسلمين
و في تفسيري العياشي و علي بن إبراهيم عن الباقر و الصادق ع إذا كان يوم القيامة نادى مناد من عند الله لا يدخل الجنة إلا مسلم فيومئذ يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ كانُوا مُسْلِمِينَ
و في المجمع مرفوعا عن النبي ص قال إذا اجتمع أهل النار في النار و معهم من شاء الله من أهل القبلة قال الكفار للمسلمين أ لم تكونوا مسلمين قالوا بلى قالوا فما أغنى عنكم إسلامكم و قد صرتم معنا في النار قالوا كانت لنا ذنوب فأخذنا بها فسمع الله عز اسمه ما قالوا فأمر من كان في النار من أهل الإسلام فأخرجوا منها فحينئذ يقول الكفار يا ليتنا كنا مسلمين
لَعَلَّكُمْ تُسْلِمُونَ أي تنظرون في نعمه الفاشية فتؤمنون به و تنقادون لحكمه. تِبْياناً أي بيانا بليغا
و روى العياشي عن الصادق ع قال نحن و الله نعلم ما في السماوات و ما في الأرض و ما في الجنة و ما في النار و ما بين ذلك ثم قال إن ذلك في كتاب الله ثم تلا هذه الآية
و عنه ع أن الله أنزل في القرآن تبيان كل شيء حتى و الله ما ترك شيئا يحتاج إليه العباد حتى لا يستطيع عبد يقول لو كان هذا أنزل في القرآن إلا أنزله الله فيه
و قد مضت الأخبار الكثيرة في ذلك في كتاب الإمامة. قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ يعني جبرئيل مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِّ أي متلبسا بالحكمة لِيُثَبِّتَ الَّذِينَ آمَنُوا أي على الإيمان بأنه كلام الله فإنهم إذا سمعوا الناسخ و تدبروا ما فيه من رعاية الصلاح و الحكمة رسخت عقائدهم و اطمأنت قلوبهم وَ هُدىً وَ بُشْرى لِلْمُسْلِمِينَ المنقادين لحكمه. قُلْ إِنَّما يُوحى إِلَيَّ قيل أي ما يوحى إلي إلا أنه لا إله لكم إلا إله واحد و ذلك لأن المقصود الأصلي من بعثته مقصور على التوحيد فَهَلْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ مخلصون العبادة لله على مقتضى الوحي
و في المناقب عن الصادق ع فهل أنتم مسلمون الوصية بعدي نزلت مشددة و مآلهما واحد لأن مخالفة الوصية عبادة للهوى و الشيطان و أيضا التوحيد لا يتم إلا بالولاية إذ بالإمام يعرف الله و يعرف طريق عبادته فهي كمال التوحيد و أصله و أساسه و غايته
فَلَهُ أَسْلِمُوا أي أخلصوا التقرب و الذكر و لا تشوبوه بالإشراك وَ بَشِّرِ الْمُخْبِتِينَ قيل أي المتواضعين أو المخلصين فإن الإخبات صفتهم و قال علي بن إبراهيم أي العابدين. وَ ما أَنْتَ بِهادِي الْعُمْيِ سماهم عميا لفقدهم المقصود الحقيقي من الأبصار أو لعمى قلوبهم أن تسمع فإن إيمانهم يدعوهم إلى تلقي اللفظ و تدبر المعنى أو المراد بالمؤمن المشارف للإيمان أو من هو في علم الله كذلك فَهُمْ مُسْلِمُونَ أي مخلصون مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَ لَهُ كُلُّ شَيْءٍ أي خلقا و ملكا وَ أُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ أي المنقادين أو الثابتين على ملة الإسلام. الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ قيل نزلت في مؤمني أهل الكتاب و قيل في أربعين من أهل الإنجيل من أهل الحبشة و الشام قالُوا آمَنَّا بِهِ أي بأنه كلام الله إِنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّنا استئناف لبيان ما أوجب إيمانهم به إِنَّا كُنَّا مِنْ قَبْلِهِ مُسْلِمِينَ استئناف آخر للدلالة على أن إيمانهم به ليس مما أحدثوه حينئذ و إنما هو أمر تقادم عهده لما رأوا ذكره في الكتب المتقدمة و كونهم على دين الإسلام قبل نزول القرآن أو تلاوته عليهم باعتقادهم صحته في الجملة. وَ قُولُوا آمَنَّا قيل هي المجادلة بالتي هي أحسن
و عن النبي ص لا تصدقوا أهل الكتاب و لا تكذبوهم و قولوا آمنا بالله و بكتبه و رسله فإن قالوا باطلا لم تصدقوهم و إن قالوا حقا لم تكذبوهم
وَ نَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ أي مطيعون له خاصة و فيه تعريض باتخاذهم أَحْبارَهُمْ وَ رُهْبانَهُمْ أَرْباباً مِنْ دُونِ اللَّهِ أَ فَمَنْ شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلامِ حتى تمكن فيه بيسر عبر به عمن خلق نفسه شديدة الاستعداد لقبوله غير متأبية عنه لأن الصدر محل القلب المنبع للروح المتعلق للنفس القابل للإسلام فَهُوَ عَلى نُورٍ مِنْ رَبِّهِ يعني المعرفة و الاهتداء إلى الحق و قد مر الخبر في ذلك و خبر من محذوف دل عليه قوله فَوَيْلٌ لِلْقاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ أي من أجل ذكره في رواية علي بن إبراهيم نزل صدر الآية في أمير المؤمنين ع و في رواية العامة نزل في حمزة و علي و ما بعده في أبي لهب و ولده
و روى علي بن إبراهيم عن الصادق ع أن القسوة و الرقة من القلب و هو قوله فَوَيْلٌ الآية
وَ كانُوا مُسْلِمِينَ ظاهره كون الإسلام فوق الإيمان. قالَتِ الْأَعْرابُ آمَنَّا قال الطبرسي قدس سره هم قوم من بني أسد أتوا النبي ص في سنة جدبة و أظهروا الإسلام و لم يكونوا مؤمنين في السر إنما كانوا يطلبون الصدقة و المعنى أنهم قالوا صدقنا بما جئت به فأمره الله سبحانه أن يخبرهم بذلك ليكون آية معجزة له فقال قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا أي لم تصدقوا على الحقيقة في الباطن وَ لكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنا أي انقدنا و استسلمنا مخافة السبي و القتل ثم بين سبحانه أن الإيمان محله القلب دون اللسان فقال وَ لَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمانُ فِي قُلُوبِكُمْ قال الزجاج الإسلام إظهار الخضوع و القبول لما أتى به الرسول ص و بذلك يحقن الدم فإن كان مع ذلك الإظهار اعتقاد و تصديق بالقلب فذلك الإيمان و صاحبه المسلم المؤمن حقا فأما من أظهر قبول الشريعة و استسلم لدفع المكروه فهو في الظاهر مسلم و باطنه غير مصدق و قد أخرج هؤلاء من الإيمان بقوله وَ لَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمانُ فِي قُلُوبِكُمْ إن لم تصدقوا بعد ما أسلمتم تعوذا من القتل فالمؤمن مبطن من التصديق مثل ما يظهر و المسلم التام الإسلام مظهر للطاعة و هو مع ذلك مؤمن بها و الذي أظهر الإسلام تعوذا من القتل غير مؤمن في الحقيقة إلا أن حكمه في الظاهر حكم المسلمين.
و روى أنس عن النبي ص الإسلام علانية و الإيمان في القلب و أشار إلى صدره
ثم قال سبحانه وَ إِنْ تُطِيعُوا اللَّهَ وَ رَسُولَهُ لا يَلِتْكُمْ مِنْ أَعْمالِكُمْ شَيْئاً أي لا ينقصكم من ثواب أعمالكم شيئا إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَ رَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتابُوا أي لم يشكوا في دينهم بعد الإيمان وَ جاهَدُوا بِأَمْوالِهِمْ وَ أَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ أي الذين صدقوا في ادعاء الإيمان فيدل على أن للأعمال مدخلا في الإيمان إما بالجزئية أو الاشتراط أو هي كاشفة منه كما سيأتي تحقيقه إن شاء الله قُلْ أَ تُعَلِّمُونَ اللَّهَ بِدِينِكُمْ أي أ تخبرونه به بقولكم آمنا وَ اللَّهُ يَعْلَمُ ما فِي السَّماواتِ وَ ما فِي الْأَرْضِ وَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ هو تجهيل لهم و توبيخ.
روي أنه لما نزلت الآية المتقدمة جاءوا و حلفوا أنهم مؤمنون معتقدون فنزلت هذه يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا
أي يعدون إسلامهم عليك منة و هي النعمة لا يستثيب مولاها ممن نزلها إليه قُلْ لا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلامَكُمْ أي بإسلامكم فنصب بنزع الخافض أو تضمين الفعل معنى الاعتداد بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَداكُمْ لِلْإِيمانِ على ما زعمتم مع أن الهداية لا يلزم اهتداء إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ في ادعاء الإيمان و جوابه محذوف يدل عليه ما قبله أي فلله المنة عليكم. و في سياق الآية لطف و هو أنهم لما سموا ما صدر عنهم إيمانا و منوا به نفي أنه إيمان و سماه إسلاما بأن قال يمنون عليك بما هو في الحقيقة إسلام و ليس بجدير أن يمن عليك بل لو صح ادعاؤهم للإيمان فلله المنة عليهم بالهداية له لا لهم. فَما وَجَدْنا فِيها غَيْرَ بَيْتٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ قال البيضاوي استدل به على اتحاد الإيمان و الإسلام و هو ضعيف لأن ذلك لا يقتضي إلا صدق المؤمن و المسلم على من اتبعه و ذلك لا يقتضي اتحاد مفهوميهما لجواز صدق المفهومات المختلفة على ذات واحدة. و قال في قوله تعالى مُسْلِماتٍ مُؤْمِناتٍ مقرات مخلصات أو منقادات مصدقات أَ فَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ قيل إنكار لقولهم إن صح أنا نبعث كما يزعم محمد و من معه لم يفضلونا بل نكون أحسن حالا منهم كما نحن عليه في الدنيا. وَ مِنَّا الْقاسِطُونَ أي الجائرون عن طريق الحق فَأُولئِكَ تَحَرَّوْا رَشَداً أي توخوا رشدا عظيما يبلغهم إلى دار الثواب
و روى علي بن إبراهيم عن الباقر ع أي الذين أقروا بولايتنا
أقول إذا تأملت في هذه الآيات و الآيات المتقدمة في الباب السابق عرفت أن للإيمان و الإسلام معاني شتى كما سنفصله إن شاء الله تعالى
الأخبار
1- ب، ]قرب الإسناد[ عن هارون عن ابن صدقة عن جعفر عن أبيه ع أنه قال له إن الإيمان قد يجوز بالقلب دون اللسان فقال له إن كان ذلك كما تقول فقد حرم علينا قتال المشركين و ذلك أنا لا ندري بزعمك لعل ضميره الإيمان فهذا القول نقض لامتحان النبي ص من كان يجيئه يريد الإسلام و أخذه إياه بالبيعة عليه و شروطه و شدة التأكيد
قال مسعدة و من قال بهذا فقد كفر البتة من حيث لا يعلم. توضيح أنه قال له ضمير قال راجع إلى الصادق ع و رجوعه إلى مسعدة بعيد و على الأول الكلام محمول على الاستفهام و قد للتقليل و على الثاني يحتمل التحقيق أيضا فلا يكون استفهاما و يكون النسبة إلى الأب بأن يكون نسب الجواب إلى أبيه ع و لذا صار بعيدا و حاصل الجواب أنه لو كان الإسلام محض الاعتقاد القلبي و لم يكن مشروطا بعدم الإنكار الظاهري أو بوجود الإذعان و الانقياد الظاهري لم يجز قتال المشركين إذ يحتمل إيمانهم باطنا و قوله ع فهذا القول يحتمل أن يكون وجها آخر و هو أن هذا القول مناقض لفعل النبي ص من تكليفه من يريد الإسلام بالبيعة و التأكيد فيها فإنها أفعال سوى الاعتقاد أو يكون مرجع الجميع إلى دليل واحد هو أنه لو كان أمرا قلبيا فإما أن يكتفى في إثبات ذلك أو نفيه بقوله أم لا فعلى الثاني لا يمكن قتل المشرك و قتاله أصلا و على الأول فلا بد من الاكتفاء بإقراره فلا حاجة إلى التبعية و غيرها مما كان رسول الله ص يعتبره و يهتم به
2- ن، ]عيون أخبار الرضا عليه السلام[ بإسناد التميمي عن الرضا عن آبائه عن علي ع قال قال النبي ص أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله فإذا قالوها فقد حرم علي دماؤهم و أموالهم
تبيين روت العامة هذا الخبر بطرق مختلفة و زيادة و نقصان في الألفاظ فمنها ما رووه
عن أبي هريرة قال قال رسول الله ص أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله فإذا قالوا لا إله إلا الله عصموا مني دماءهم و أموالهم إلا بحقها و حسابهم على الله
و قال الحسين بن مسعود في شرح السنة حتى يقولوا لا إله إلا الله أراد به عبدة الأوثان دون أهل الكتاب لأنهم يقولون لا إله إلا الله ثم لا يرفع عنهم السيف حتى يقروا بنبوة محمد ص أو يعطوا الجزية و قوله و حسابهم على الله معناه فيما يستسرون به دون ما يخلون به من الأحكام الواجبة عليهم في الظاهر فإنهم إذا أخلوا بشيء مما يلزمهم في الظاهر يطالبون بموجبه انتهى. و أقول كان الاكتفاء بإحدى الشهادتين لتلازمهما و المراد بها الشهادتان معا بل مع ما تستلزمانه من الإقرار بما جاء به النبي ص
فإنهم رووا أيضا أنه ص قال أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله و أن محمدا رسول الله و يقيموا الصلاة و يؤتوا الزكاة فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دماءهم و أموالهم إلا بحق الإسلام و حسابهم على الله
و في رواية أخرى حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله و أن محمدا عبده و رسوله و أن يستقبلوا قبلتنا و أن يأكلوا ذبيحتنا و أن يصلوا صلاتنا فإذا فعلوا ذلك حرمت علينا دماؤهم و أموالهم إلا بحقها لهم ما للمسلمين و عليهم ما على المسلمين
و في رواية أخرى حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله و يؤمنوا بي و بما جئت به فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دماءهم و أموالهم إلا بحقها
قال القاضي عياض من علماء العامة اختصاص عصم النفس و المال بمن قال لا إله إلا الله تعبير عن الإجابة إلى الإيمان أو أن المراد بهذا مشركو العرب و أهل الأوثان و من لا يوحد و هم كانوا أول من دعي إلى الإسلام و قوتل عليه فأما غيرهم ممن يقر بالتوحيد فلا يكتفى في عصمته بقوله لا إله إلا الله إذ كان يقولها في كفره و هي من اعتقاده و لذلك جاء في الحديث الآخر و إني رسول الله و يقيم الصلاة و يؤتي الزكاة
3- سن، ]المحاسن[ عن أبيه عن ابن أبي عمير عن الحكم بن أيمن عن القاسم الصيرفي شريك المفضل قال سمعت أبا عبد الله ع يقول الإسلام يحقن به الدم و تؤدى به الأمانة و يستحل به الفرج و الثواب على الإيمان
كا، ]الكافي[ عن علي بن إبراهيم عن أبيه عن ابن أبي عمير مثله بيان يدل الخبر على عدم ترادف الإيمان و الإسلام و أن غير المؤمن من فرق أهل الإسلام لا يستحق الثواب الأخروي أصلا كما هو الحق و المشهور بين الإمامية و ستعرف أن كلا من الإسلام و الإيمان يطلق على معان و الظاهر أن المراد بالإيمان في هذا الخبر الإذعان بوجوده سبحانه و صفاته الكمالية و بالتوحيد و العدل و المعاد و الإقرار بنبوة نبينا ص و إمامة الأئمة الاثني عشر صلوات الله عليهم و بجميع ما جاء به النبي ص ما علم منها تفصيلا و ما لم يعلم إجمالا و عدم الإتيان بما يخرجه عن الدين كعبادة الصنم و الاستخفاف بحرمات الله و الإسلام هو الإذعان الظاهري بالله و برسوله و عدم إنكار ما علم ضرورة من دين الإسلام فلا يشترط فيه ولاية الأئمة ع و لا الإقرار القلبي فيدخل فيه المنافقون و جميع فرق المسلمين ممن يظهر الشهادتين عدا النواصب و الغلاة و المجسمة و من أتى بما يخرجه عن الدين كعبادة الصنم و إلقاء المصحف في القاذورات عمدا و نحو ذلك و سيأتي تفصيل القول في جميع ذلك إن شاء الله. ثم إنه ع ذكر من الثمرات المترتبة على الإسلام ثلاثة الأول حقن الدم قال في القاموس حقنه يحقنه و يحقنه حبسه و دم فلان أنقذه من القتل انتهى و ترتب هذه الفائدة على الإسلام الظاهري ظاهر لأن في صدر الإسلام و في زمن الرسول كانوا يكتفون في كف اليد عن قتل الكفار بإظهارهم الشهادتين و بعده ص لما حصلت الشبه بين الأمة و اختلفوا في الإمامة خرجت عن كونه من ضروريات دين الإسلام فدم المخالفين و سائر فرق المسلمين محفوظة إلا الخوارج و النواصب فإن ولاية أهل البيت ع أي محبتهم من ضروريات دين جميع المسلمين و إنما الخلاف في إمامتهم و الباغي على الإمام يجب قتله بنص القرآن و هذا الحكم إنما هو إلى ظهور القائم ع إذ في ذلك الزمان ترتفع الشبه و يظهر الحق بحيث لا يبقى لأحد عذر فحكم منكر الإمامة في ذلك الزمان حكم سائر الكفار في وجوب قتلهم و غير ذلك. و أما المنافقون المظهرون للعقائد الحقة المبطنون خلافها فيحتمل عدم قبول ذلك عنهم لحكمه ع بعلمه في أكثر الأحكام و يحتمل أيضا قبوله منهم إلى أن يظهر منهم خلافه كما هو ظاهر أخبار دابة الأرض و الجزم بأحدهما مشكل. الثاني أداء الأمانة و ظاهره عدم وجوب رد وديعة من لم يظهر الإسلام و هو خلاف المشهور و أكثر الأخبار فإن المشهور بين الأصحاب وجوب رد الوديعة و لو كان المودع كافرا و قال أبو الصلاح إن كان حربيا وجب أن يحمل ما أودعه إلى سلطان الإسلام و يمكن حمل الخبر على أن الرد على المسلم آكد
أو أنه يحكم به أهل الإسلام أو على أن المراد بالأمانة غير الوديعة مما حصل من أمواله في يد غيره أو أن الإسلام يصير سببا لأن يؤدي الأمانات إلى أهلها و في الكل تكلف و الحمل على مذهب أبي الصلاح أيضا يحتاج إلى تكلف لأنه أيضا يوجب رد أمانة الذمي فيتكلف بأن رد أمانة الذمي أيضا بسبب الإسلام لتشبثه بذمة المسلمين. الثالث استحلال الفرج بالإسلام فيدل على عدم جواز نكاح الكافرة مطلقا بل بملك اليمين أيضا إلا ما خرج بالدليل و كذا إنكاح الكافر و على جواز نكاح المسلمة مطلقا و كذا إنكاح المسلم من أي الفرق كان. أما الأول فلا خلاف في عدم جواز نكاح المسلم غير الكتابية و في تحريم الكتابية أقوال التحريم مطلقا جواز متعة اليهودية و النصرانية اختيارا و الدوام اضطرارا عدم جواز العقد بحال و جواز ملك اليمين جواز المتعة و ملك اليمين لليهودية و النصرانية و تحريم الدوام كما هو مختار أكثر المتأخرين تحريم نكاحهن مطلقا اختيارا و تجويزه مطلقا اضطرارا و تجويز الوطء بملك اليمين الجواز مطلقا كما ذهب إليه الصدوق و في المجوسية اختلاف في الأقوال و الروايات و الأقرب جواز وطئها بملك اليمين و الأحوط الترك في غير ذلك نعم إذا أسلم زوج الكتابية فالنكاح باق و إن لم يدخل بها. و أما الثاني و هو تزويج غير المؤمن من فرق المسلمين فالمشهور اعتبار الإيمان في جانب الزوج دون الزوجة و ذهب جماعة إلى عدم اعتباره مطلقا و الاكتفاء بمجرد الإسلام و لا يخلو من قوة في زمان الهدنة و لا يصح نكاح الناصب المبغض لأهل البيت ع مطلقا. ثم ذكر ع ثمرة الإيمان و هو ترتب الثواب على أعماله في الآخرة فغير المؤمن الاثني عشري المصدق قلبا لا يترتب على شيء من أعماله ثواب في الآخرة و هو يستلزم خلوده في النار كما مر و سيأتي إن شاء الله
4- كا، ]الكافي[ عن علي عن أبيه عن ابن أبي عمير عن العلاء عن محمد عن أحدهما ع قال الإيمان إقرار و عمل و الإسلام إقرار بلا عمل
بيان هذا الخبر يدل على اصطلاح آخر للإيمان و الإسلام و هو أن الإسلام نفس العقائد و الإيمان العقائد مع العمل بمقتضاها من الإتيان بالفرائض و ترك الكبائر و ربما يأول بأن المراد بالإقرار الإقرار بالشهادتين و بالعمل عمل القلب و هو التصديق بجميع ما أتى به النبي ص أو بأن المراد بالإقرار ترك الإيذاء و الإنكار و بالعمل العمل الصحيح و الحمل فيهما على المجاز أي الإيمان سبب لأن يقر على دينه و لا يؤذي و يحكم عليه بأحكام المسلمين و سبب لصحة أعماله بخلاف الإسلام فإنه يصير سببا للأول دون الثاني و لا يخفى بعده. و يحتمل أن يراد بالإقرار إظهار الشهادتين و بالعمل ما يقتضيه من التصديق بجميع ما جاء به النبي ص و منها الولاية فيرجع إلى الخبر الأول
5- كا، ]الكافي[ عن علي بن إبراهيم عن محمد بن عيسى عن يونس عن جميل بن دراج قال سألت أبا عبد الله ع عن قول الله عز و جل قالَتِ الْأَعْرابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَ لكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنا وَ لَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمانُ فِي قُلُوبِكُمْ فقال أ لا ترى أن الإيمان غير الإسلام
بيان أقول قد مر تفسير الآية و هي مما استدل به على عدم ترادف الإسلام و الإيمان كما استدل ع بها عليه و ربما يجاب عنه بأن المراد بالإسلام هنا الاستسلام و الانقياد الظاهري و هو غير المعنى المصطلح و الجواب أن الأصل في الإطلاق الشرعي الحقيقة الشرعية و صرفه عنها يحتاج إلى دليل و استدل بها أيضا على أن الإيمان هو التصديق فقط لنسبته إلى القلب و الجواب أنها لا تنفي اشتراط الإيمان القلبي بعمل الجوارح و إنما تنفي الجزئية مع أن فيه أيضا كلاما
6- كا، ]الكافي[ عن محمد بن يحيى عن أحمد بن محمد عن علي بن الحكم عن سفيان بن السمط قال سأل رجل أبا عبد الله ع عن الإسلام و الإيمان ما الفرق بينهما فلم يجبه ثم سأله فلم يجبه ثم التقيا في الطريق و قد أزف من الرجل الرحيل فقال له أبو عبد الله ع كأنه قد أزف منك رحيل فقال نعم فقال فألقني في البيت فلقيه فسأله عن الإسلام و الإيمان ما الفرق بينهما فقال الإسلام هو الظاهر الذي عليه الناس شهادة أن لا إله إلا الله و أن محمدا رسول الله و إقام الصلاة و إيتاء الزكاة و حج البيت و صيام شهر رمضان فهذا الإسلام و قال الإيمان معرفة هذا الأمر مع هذا فإن أقربها و لم يعرف هذا الأمر كان مسلما و كان ضالا
توضيح كان تأخير الجواب للتقية و المصلحة و في القاموس أزف الترحل كفرح أزفا و أزوفا دنا. أقول و يظهر من الرواية أن بين الإيمان و الإسلام فرقين أحدهما أن الإسلام هو الانقياد الظاهري و لا يعتبر فيه التصديق و الإذعان القلبي بخلاف الإيمان فإنه يعتبر فيه الاعتقاد القلبي بل القطعي كما سيأتي و ثانيهما اعتبار اعتقاد الولاية فيه و ذكر الأعمال إما بناء على اشتراط الإيمان بالأعمال أو المراد الاعتقاد بها و يرشد إليه قوله فإن أقربها أو الغرض بيان العقائد و جل الأعمال المشتركة بين أهل الإسلام و الإيمان و الوصف بالضلال و عدم إطلاق الكفر عليهم إما للتقية في الجملة أو لعدم توهم كونهم في الأحكام الدنيوية في حكم الكفار
7- كا، ]الكافي[ الحسين بن محمد عن المعلى و العدة عن أحمد بن محمد جميعا عن الوشاء عن أبان عن أبي بصير عن أبي جعفر ع قال سمعته يقول قالَتِ الْأَعْرابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَ لكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنا فمن زعم أنهم آمنوا فقد كذب و من زعم أنهم لم يسلموا فقد كذب
بيان فمن زعم فيه تنبيه على مغايرة المفهومين و تحقق مادة الافتراق بينهما و أن الإسلام أعم
-8 كا، ]الكافي[ عن محمد بن يحيى عن أحمد بن محمد عن الحسن بن محبوب عن جميل بن صالح عن سماعة قال قلت لأبي عبد الله ع أخبرني عن الإسلام و الإيمان أ هما مختلفان فقال إن الإيمان يشارك الإسلام و الإسلام لا يشارك الإيمان فقلت فصفهما لي فقال الإسلام شهادة أن لا إله إلا الله و التصديق برسول الله ص به حقنت الدماء و عليه جرت المناكح و المواريث و على ظاهره جماعة الناس و الإيمان الهدى و ما يثبت في القلوب من صفة الإسلام و ما ظهر من العمل به و الإيمان أرفع من الإسلام بدرجة إن الإيمان يشارك الإسلام في الظاهر و الإسلام لا يشارك الإيمان في الباطن و إن اجتمعا في القول و الصفة
تبيين أ هما مختلفان أي مفهوما و حقيقة أم مترادفان يشارك الإسلام المشاركة و عدمها إما باعتبار المفهوم فإن مفهوم الإسلام داخل في مفهوم الإيمان دون العكس أو باعتبار الصدق فإن كل مؤمن مسلم دون العكس أو باعتبار الدخول فإن الداخل في الإيمان داخل في الإسلام دون العكس و إن كان يرجع إلى ما سبق أو باعتبار الأحكام فإن أحكام الإسلام ثابتة للإيمان دون العكس فصفهما لي أي بين لي حقيقتهما شهادة أن لا إله إلا الله بيان لإجزاء الإسلام به حقنت بيان لأحكام الإسلام و يدل على التوارث بين جميع فرق المسلمين كما هو المشهور. و الظاهر أن المراد بالشهادة و التصديق الإقرار الظاهري و يحتمل التصديق القلبي فيكون إشارة إلى معنى آخر للإسلام و لا يبعد أن يكون أصل معناه الإقرار القلبي و أن ترتبت الأحكام على الإقرار الظاهري بناء على الحكم بالظاهر ما لم يظهر خلافه لعدم إمكان الاطلاع على القلب كما قال النبي ص لأسامة فهلا شققت قلبه و لذا قال ع و على ظاهره جماعة الناس بل مدار الأحكام على الظاهري في سائر الأمور القلبية كالعقود و الإيقاعات و الأيمان و أشباهها و على هذا فلا فرق بين الإيمان و الإسلام إلا بالولاية و الإقرار بالأئمة ع و لوازمها إذ في الإيمان أيضا يحكم بالظاهر و لعل الأول أظهر و المراد بالهدى الولاية و الاهتداء بالأئمة ع و ما يثبت في القلوب إشارة إلى العقائد القلبية بالشهادات الظاهرة الإسلامية فكلمة من في قوله من صفة الإسلام بيانية و تحتمل الابتدائية أي ما يسري من أثر الأعمال الظاهرة إلى الباطن و قوله و ما ظهر من العمل يدل على أن الأعمال أجزاء الإيمان و إن أمكن حمله على التكلم بالشهادتين كما يومئ إليه آخر الخبر أرفع من الإسلام لأنه يصير سببا لإحراز المثوبات الأخروية أو لاعتبار الولاية فيه فيكون أكمل و أجمع. قوله ع الإيمان يشارك الإسلام ظاهره أنه لا فرق بين العقائد الإسلامية و الإيمانية و إنما الفرق في اشتراط الإذعان القلبي في الإيمان دون الإسلام و قد يأول بأنه أراد أن الإيمان يشارك الإسلام في جميع الأعمال الظاهرة المعتبرة في الإسلام مثل الصلاة و الزكاة و غيرهما و الإسلام لا يشارك الإيمان في جميع الأمور الباطنة المعتبرة في الإيمان لأنه لا يشاركه في التصديق بالولاية و إن اجتمعا في الشهادتين و التصديق بالتوحيد و الرسالة
9- كا، ]الكافي[ عن علي بن إبراهيم عن محمد بن عيسى عن يونس عن موسى بن بكر عن فضيل بن يسار عن أبي عبد الله ع قال الإيمان يشارك الإسلام و الإسلام لا يشارك الإيمان
10- كا، ]الكافي[ عن علي عن أبيه عن ابن أبي عمير عن جميل بن دراج عن الفضيل قال سمعت أبا عبد الله ع يقول إن الإيمان يشارك الإسلام و لا يشاركه الإسلام إن الإيمان ما وقر في القلوب و الإسلام ما عليه المناكح و المواريث و حقن الدماء و الإيمان يشرك الإسلام و الإسلام لا يشرك الإيمان
بيان وقر في القلب كوعد أي سكن فيه و ثبت من الوقار و الحلم و الرزانة كذا في النهاية
-11 كا، ]الكافي[ عن العدة عن البرقي عن ابن محبوب عن جميل بن صالح عن الكناني قال قلت لأبي عبد الله ع أيهما أفضل الإيمان أم الإسلام فإن من قبلنا يقولون إن الإسلام أفضل من الإيمان فقال الإيمان أرفع من الإسلام قلت فأوجدني ذلك قال ما تقول فيمن أحدث في المسجد الحرام متعمدا قال قلت يضرب ضربا شديدا قال أصبت فما تقول فيمن أحدث في الكعبة متعمدا قلت يقتل قال أصبت أ لا ترى أن الكعبة أفضل من المسجد و أن الكعبة تشرك المسجد و المسجد لا تشرك الكعبة و كذلك الإيمان يشرك الإسلام و الإسلام لا يشرك الإيمان
سن، ]المحاسن[ عن ابن محبوب مثله توضيح أيهما أفضل مبتدأ و خبر و الإيمان و الإسلام تفسيران لمرجع الضمير أو هما مبتدأ و أيهما أفضل خبره أوجدني ذلك أي اجعلني أجده و أفهمه في القاموس وجد المطلوب كوعد و ورم يجده و يجده بضم الجيم وجدا وجده أدركه و أوجده أغناه و فلانا مطلوبة أظفره به قوله متعمدا أي لا ساهيا و لا مضطرا و يدل على كفر من استخف بالكعبة فإنها من حرمات الله و وجوب تعظيمها من ضروريات دين الإسلام أ لا ترى أن الكعبة شبه ع المعقول بالمحسوس تفهيما للسائل و بيانا للعموم و الخصوص و لشرف الإيمان على الإسلام و أن الكعبة تشرك المسجد أي في حكم التعظيم في الجملة أو في أنها يصدق عليها أنها مسجد و كعبة أو في أن من دخل الكعبة يحكم بدخوله في المسجد بخلاف العكس و المسجد أي جميع أجزائه لا يشرك الكعبة في قدر التعظيم و عقوبة من استخف بها أو لا يصدق على كل جزء من المسجد أنه كعبة أو في أن من دخلها دخل الكعبة كما سيأتي و وجه الشبه على جميع الوجوه ظاهر
12- كا، ]الكافي[ عن العدة عن سهل و محمد بن يحيى عن أحمد بن محمد جميعا عن ابن محبوب عن ابن رئاب عن حمران عن أبي جعفر ع قال سمعته يقول الإيمان ما استقر في القلب و أفضى به إلى الله عز و جل و صدقه العمل بالطاعة لله و التسليم لأمره و الإسلام ما ظهر من قول أو فعل و هو الذي عليه جماعة الناس من الفرق كلها و به حقنت الدماء و عليه جرت المواريث و جاز النكاح و اجتمعوا على الصلاة و الزكاة و الصوم و الحج فخرجوا بذلك من الكفر و أضيفوا إلى الإيمان و الإسلام لا يشرك الإيمان و الإيمان يشرك الإسلام و هما في القول و الفعل يجتمعان كما صارت الكعبة في المسجد و المسجد ليس في الكعبة و كذلك الإيمان يشرك الإسلام و الإسلام لا يشرك الإيمان و قد قال الله عز و جل قالَتِ الْأَعْرابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَ لكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنا وَ لَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمانُ فِي قُلُوبِكُمْ فقول الله عز و جل أصدق القول قلت فهل للمؤمن فضل على المسلم في شيء من الفضائل و الأحكام و الحدود و غير ذلك فقال لا هما يجريان في ذلك مجرى واحدا و لكن للمؤمن فضل على المسلم في أعمالهما و ما يتقربان به إلى الله عز و جل قلت أ ليس الله عز و جل يقول مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثالِها و زعمت أنهم مجتمعون على الصلاة و الزكاة و الصوم و الحج مع المؤمن قال أ ليس قد قال الله عز و جل فَيُضاعِفَهُ لَهُ أَضْعافاً كَثِيرَةً فالمؤمنون هم الذين يضاعف الله عز و جل لهم حسناتهم لكل حسنة سبعين ضعفا فهذا فضل المؤمن و يزيد الله في حسناته على قدر صحة إيمانه أضعافا كثيرة و يفعل الله بالمؤمنين ما يشاء من الخير قلت أ رأيت من دخل في الإسلام أ ليس هو داخلا في الإيمان فقال لا و لكنه قد أضيف إلى الإيمان و خرج به من الكفر و سأضرب لك مثلا تعقل به فضل الإيمان على الإسلام أ رأيت لو أبصرت رجلا في المسجد أ كنت تشهد أنك رأيته في الكعبة قلت لا يجوز لي ذلك قال فلو أبصرت رجلا في الكعبة أ كنت شاهدا أنه قد دخل المسجد الحرام قلت نعم قال و كيف ذلك قلت لا يصل إلى دخول الكعبة حتى يدخل المسجد قال أصبت و أحسنت ثم قال كذلك الإيمان و الإسلام
بيان قوله ع و أفضى به إلى الله الضمير إما راجع إلى القلب أو إلى صاحبه أي أوصله إلى معرفة الله و قربه و ثوابه فالضمير في أفضى راجع إلى ما و يحتمل أن يكون راجعا إلى المؤمن و ضمير به راجعا إلى الموصول أي وصل بسبب ذلك الاعتقاد أو أوصله ذلك الاعتقاد إلى الله كناية عن علمه سبحانه بحصوله في قلبه و قيل أي جعل وجه القلب إلى الله من الفضائل و الأحكام أي الفضائل الدنيوية و الأحكام الشرعية قال في المصباح أفضى الرجل بيده إلى الأرض بالألف مسها بباطن راحته قاله ابن فارس و غيره و أفضيت إلى الشيء وصلت إليه و السر أعلمته به انتهى و قيل أشار به إلى أن المراد بما استقر في القلب مجموع التصديق بالتوحيد و الرسالة و الولاية لأن هذا المجموع هو المفضي إلى الله و قوله و صدقه العمل مشعر بأن العمل خارج عن الإيمان و دليل عليه لأن الإيمان و هو التصديق أمر قلبي يعلم بدليل خارجي مع ما فيه من الإيماء إلى أن الإيمان بلا عمل ليس بإيمان و التسليم لأمره أي الإمامة عبر هكذا تقية أو الأعم فيشملها أيضا و يحتمل أن يكون عدم ذكر الولاية لأن التصديق القلبي الواقعي بالشهادتين مستلزم للإقرار بالولاية فكان المخالفين ليس إذعانهم بالشهادتين إلا إذعانا ظاهريا لإخلالهم بما يستلزمانه من الإقرار بالولاية فلذا أطلق عليهم في الأخبار اسم النفاق أو الشرك فتفطن. و الإسلام ما ظهر من قول أو فعل أي قول بالشهادتين أو الأعم و فعل بالطاعات كالصلاة و الزكاة و الصوم و الحج و غيرها فيدل على أن الإسلام يطلق على مجرد الطاعات و الشهادات من غير اشتراط تصديق فخرجوا بذلك من الكفر أي من أن يجري عليهم في الدنيا أحكام الكفار و أضيفوا إلى الإيمان أي نسبوا إلى الإيمان ظاهرا و إن لم يكونوا متصفين به حقيقة و هما في القول و الفعل يجتمعان أي في الشهادتين و العبادات الظاهرة و إن خص الإيمان بالولاية و ظاهر سياق الحديث لا يخلو من شوب تقية و كأن المراد بالفضائل ما يفضل به في الدنيا من العطاء و الإجراء و أمثاله لا الفضائل الواقعية الأخروية أو ما يفضل به على الكافر من الإنفاق و الإعطاء و الإكرام و الرعاية الظاهرية و قيل أي في التكليف بالفضائل بأن يكون المؤمن مكلفا و لا يكون المسلم مكلفا بها. أقول سيظهر مما سننقل من تفسير العياشي أن الفضائل تصحيف القضايا في أعمالهما أي صحتها و قبولها و ما يتقربان به إلى الله أي من العقائد و الأعمال فيكون تأكيدا أو تعميما بعد التخصيص لشموله للعقائد أيضا أو المراد بالأول صحة الأعمال و بالثاني كيفياتها فإن المؤمن يعمل بما أخذه من إمامه و المسلم يعمل ببدع أهل الخلاف و قيل المراد به الإمام الذي يتقرب بولايته و متابعته إلى الله تعالى فإن إمام المؤمن مستجمع لشرائط الإمامة و إمام المسلم لشرائط الفسق و الجهالة. قوله أ ليس الله يقول أقول هذا السؤال و الجواب يحتمل وجوها الأول و هو الظاهر أن السائل أراد أنه إذا كانا مجتمعين في الحسنات و الحسنة بالعشر فكيف يكون له فضل عليه في الأعمال و القربات مع أن الموصول من أدوات العموم فيشمل كل من فعلها فأجاب ع بأنهما شريكان في العشر و المؤمن يفضل بما زاد عليها و يرد عليه أنه على هذا يكون لأعمال غير المؤمنين أيضا ثواب و هو مخالف للإجماع و الأخبار المستفيضة إلا أن يحمل الكلام على نوع من التقية أو المصلحة لقصور فهم السائل أو يكون المراد بالإيمان الإيمان الخالص و بالإسلام أعم من الإيمان الناقص و غيره و يكون الثواب للأول و هو غير بعيد عن سياق الخبر بل لا يبعد أن يكون المراد بالمسلم المستضعف من المؤمنين الذين يظهرون الإيمان و لم يستقر في قلوبهم كما يرشد إليه قوله و هما في القول و الفعل يجتمعان و قد عرفت اختلاف الاصطلاح في الإيمان فيكون هذا الخبر موافقا لبعض مصطلحاته.
و قيل في الجواب لعل عمل غير المؤمن ينفعه في تخفيف العقوبة و رفع شدتها لا في دخول الجنة إذ دخولها مشروط بالإيمان. الثاني أنه تعالى قال مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً فَيُضاعِفَهُ لَهُ أَضْعافاً كَثِيرَةً و القرض الحسن هو العبادة الواقعة على كمالها و شرائط قبولها و من جملة شرائطها هو الإيمان فالمؤمنون هم الذين يضاعف الله عز و جل لهم حسناتهم لا غيرهم فيعطيهم لكل حسنة عشرة و ربما يعطيهم لكل حسنة سبعين ضعفا فهذا فضل المؤمن على المسلم و يزيد الله في حسناته على قدر صحة إيمانه و حسب كماله أضعافا كثيرة حتى أنه يعطي بواحدة سبعمائة أو أزيد و يفعل الله بالمؤمنين ما يشاء من الخير الذي لا يعلمه إلا هو كما قال وَ لَدَيْنا مَزِيدٌ. و قيل أراد بما يشاء من الخير إيتاء العلم و الحكمة و زيادة اليقين و المعرفة. الثالث ما ذكره بعض الأفاضل و يرجع إلى الثاني و هو أن المراد بالقرض الحسن صلة الإمام ع كما ورد في الأخبار فالغرض من الجواب أنه كما أن القرض يكون حسنا و غير حسن و الحسن الذي هو صلة الإمام يصير سببا لتضاعف أكثر من عشرة فكذلك الصلاة و الزكاة و الحج تكون حسنة و غير حسنة و الحسنة ما كان مع تصديق الإمام و هو يستحق المضاعفة لا غيره فالفاء في قوله فالمؤمنون للبيان و قوله يضاعف الله بتقدير قد يضاعف الله و إلا لكان الظاهر عشرة أضعاف و يزيد الله أي على السبعين أيضا. قوله أ رأيت من دخل في الإسلام كان السائل لم يفهم الفرق بين الإيمان و الإسلام بما ذكره ع فأعاد السؤال أو أنه لما كان تمكن في نفسه ما اشتهر بين المخالفين من عدم الفرق بينهما أراد أن يتضح الأمر عنده أو قاس الدخول في المركب من الأجزاء المعقولة بالدخول في المركب من الأجزاء المقدارية فإن من دخل جزءا من الدار صدق عليه أنه دخل الدار فلذا أجابه ع بمثل
ذلك لتفهيمه فقال المتصف ببعض أجزاء الإيمان لا يلزم أن يتصف بجميع أجزائه حتى يتصف بالإيمان كما أن من دخل المسجد لا يحكم عليه بأنه دخل الكعبة و من دخل الكعبة يحكم عليه بأنه دخل المسجد فكذا يحكم على المؤمن أنه مسلم و لا يحكم على كل مسلم أنه مؤمن. ثم اعلم أنه استدل بهذه الأخبار على كون الكعبة جزءا من المسجد الحرام و يرد عليه أنه لا دلالة في أكثرها على ذلك بل بعضها يومي إلى خلافه كهذا الخبر حيث قال أ كنت شاهدا أنه قد دخل المسجد و لم يقل أ كنت شاهدا أنه في المسجد و كذا قوله لا يصل إلى دخول الكعبة حتى يدخل المسجد نعم بعض الأخبار تشعر بالجزئية
13- سن، ]المحاسن[ عن أبيه عن ابن سنان عن الحسين بن المختار عن أبي بصير عن أبي عبد الله ع قال إن القلب ليترجج فيما بين الصدر و الحنجرة حتى يعقد على الإيمان فإذا عقد على الإيمان قر و ذلك قول الله وَ مَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ قال يسكن
14- كا، ]الكافي[ محمد بن يحيى عن أحمد بن محمد عن ابن سنان مثله إلا أنه ليس فيه قال يسكن
بيان الرج التحريك و التحرك و الاهتزاز و الرجرجة الاضطراب كالارتجاج و الترجرج و الحنجرة الحلقوم و كأنه كان في قراءتهم ع يهدأ قلبه بالهمز و فتح الدال و رفع قلبه كما قرئ في الشواذ قال البيضاوي يهد قلبه للثبات و الاسترجاع عند المصيبة و قرئ يهد قلبه بالرفع على إقامته مقام الفاعل و بالنصب على طريق سفه نفسه و يهدأ بالهمز أي يسكن و قال الطبرسي ره قرأ عكرمة و عمرو بن دينار يهدأ قلبه أي يطمئن قلبه كما قال سبحانه وَ قَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمانِ انتهى و يحتمل أن يكون على القراءة المشهورة بيانا لحاصل المعنى كما أشرنا إليه في تفسير الآيات
15- كا، ]الكافي[ علي بن إبراهيم عن العباس بن معروف عن ابن أبي نجران عن حماد بن عثمان عن عبد الرحيم القصير قال كتبت مع عبد الملك إلى أبي عبد الله ع أسأله عن الإيمان ما هو فكتب إلي مع عبد الملك بن أعين سألت رحمك الله عن الإيمان و الإيمان هو الإقرار باللسان و عقد في القلب و عمل بالأركان و الإيمان بعضه من بعض و هو دار و كذلك الإسلام دار و الكفر دار فقد يكون العبد مسلما قبل أن يكون مؤمنا و لا يكون مؤمنا حتى يكون مسلما فالإسلام قبل الإيمان و هو يشارك الإيمان فإذا أتى العبد كبيرة من كبائر المعاصي أو صغيرة من صغائر المعاصي التي نهى الله عز و جل عنها كان خارجا من الإيمان ساقطا عنه اسم الإيمان و ثابتا عليه اسم الإسلام فإن تاب و استغفر عاد إلى دار الإيمان و لا يخرجه إلى الكفر إلا الجحود و الاستحلال بأن يقول للحلال هذا حرام و للحرام هذا حلال و دان بذلك فعندها يكون خارجا من الإسلام و الإيمان داخلا في الكفر و كان بمنزلة من دخل الحرم ثم دخل الكعبة و أحدث في الكعبة حدثا فأخرج عن الكعبة و عن الحرم فضربت عنقه و صار إلى النار
بيان قوله ع و الإيمان هو الإقرار هذا تفسير للإيمان الكامل و الأخبار في ذلك كثيرة سيأتي بعضها و عليه انعقد اصطلاح المحدثين منا كما صرح به الصدوق رحمه الله في الهداية و قال المفيد قدس سره في كتاب المسائل أقول إن مرتكبي الكبائر من أهل المعرفة و الإقرار مؤمنون بإيمانهم بالله و رسله و بما جاء من عنده و فاسقون بما معهم من كبائر الآثام و لا أطلق لهم اسم الفسوق و لا اسم الإيمان بل أقيدهما جميعا في تسميتهم بكل واحد منهما و امتنع من الوصف لهم بهما على الإطلاق و أطلق لهم اسم الإسلام بغير تقييد و على كل حال و هذا مذهب الإمامية إلا بني نوبخت رحمهم الله فإنهم خالفوا فيه و أطلقوا على الفساق اسم الإيمان انتهى. قوله و الإيمان بعضه من بعض أي يترتب أجزاء الإيمان بعضها على بعض فإن الإقرار بالعقائد يصير سببا للعقائد القلبية و العقائد تصير سببا للأعمال البدنية. أو المعنى أن أفراد الإيمان و درجاته يترتب بعضها على بعض فإن الأدنى منها يصير سببا لحصول الأعلى و هكذا إلى حصول أعلى درجاته فإن حصول قدر من التصديق يصير سببا للإتيان بقدر من الأعمال الحسنة فإذا أتى بتلك الأعمال زاد الإيمان القلبي فيزيد أيضا العمل و هكذا فيترتب كمال كل جزء من الإيمان على كمال الجزء الآخر و يحتمل أن يكون إشارة إلى اشتراط بعض أجزاء الإيمان ببعض فإن العمل لا ينفع بدون الاعتقاد و الاعتقاد أيضا مشروط في كماله و ترتب الآثار عليه بالعمل. و هو دار أي الإيمان كدار يدخل فيها الإنسان كأنه حصن له و هو يشارك الإيمان أي كلما يتحقق الإيمان فهو يشاركه في التحقق و أما ما مضى في الأخبار أنه لا يشارك الإيمان فمعناه أنه ليس كلما تحقق تحقق الإيمان فلا تنافي بينهما و يحتمل أن يكون سقط من الكلام شيء و كان هكذا و هو يشارك الإسلام و الإسلام لا يشارك الإيمان على وتيرة ما سبق و يحتمل أن يكون المراد هنا المشاركة في الأحكام الظاهرة و فيما سبق نفي المشاركة في جميع الأحكام. قيل و سر ذلك أن الإقرار بالتوحيد و الرسالة مقدم على الإقرار بالولاية و العمل و المؤمن و المسلم بسبب الأول يخرجان من دار الكفر و يدخلان في دار الإسلام ثم المسلم بسبب الاكتفاء يستقر في هذه الدار و المؤمن بسبب الثاني يترقى و ينزل في دار الإيمان و منه لاح أن الإسلام قبل الإيمان و أنه يشارك
الإيمان فيما هو سبب للخروج من دار الكفر لا فيما هو سبب للدخول في دار الإيمان و بهذا التقرير تندفع المنافاة بين القولين قوله ع أو صغيرة يدل على أن الصغيرة أيضا مخرجة من الإيمان مع أنها مكفرة مع اجتناب الكبائر و يمكن حمله على الإصرار كما يومئ إليه ما بعده أو على أن المراد بها الكبيرة أيضا لكن بعضها صغيرة بالإضافة إلى بعضها التي هي أكبر الكبائر فالمراد بقوله نهى الله عنها نهيه عنها في القرآن و إيعاده عليها النار فيه و الخبر يدل على أن جحود المعاصي و استحلالها موجبان للارتداد و كأنه محمول على ما إذا كان من ضروريات الدين فيؤيد التأويل الثاني فإن أكثر ما نهي عنه في القرآن كذلك أو على ما إذا جحد و استحل بعد العلم بالتحريم و يدل على أن المرتد مستحق للقتل و إن كان يفعل ما يؤذن بالاستخفاف في الدين و يومئ إليه عدم قبول توبته للمقابلة فيحمل على الفطري و على أنه مستحق للنار و إن تاب. و جملة القول فيه أن المرتد على ما ذكره الشهيد رفع الله درجته في الدروس و غيره هو من قطع الإسلام بالإقرار على نفسه بالخروج منه أو ببعض أنواع الكفر سواء كان مما يقر أهله عليه أو لا أو بإنكار ما علم ثبوته من الدين ضرورة أو بإثبات ما علم نفيه كذلك أو بفعل دال عليه صريحا كالسجود للصنم و الشمس و إلقاء المصحف في القذر قصدا أو إلقاء النجاسة على الكعبة أو هدمها أو إظهار الاستخفاف بها. و أما حكمه فالمشهور بين الأصحاب أن الارتداد على قسمين فطري و ملي فالأول ارتداد من ولد على الإسلام بأن انعقد نطفته حال إسلام أحد أبويه و هذا لا يقبل إسلامه لو رجع عليه و يتحتم قتله و تبين منه امرأته و تعتد منه عدة الوفاة و تقسم أمواله بين ورثته و هذا الحكم بحسب الظاهر لا إشكال فيه بمعنى تعين قتله و أما فيما بينه و بين الله فاختلفوا في قبول توبته فأكثر المحققين ذهبوا إلى القبول حذرا من تكليف ما لا يطاق لو كان مكلفا بالإسلام أو خروجه عن التكليف ما دام حيا كامل العقل و هو باطل بالإجماع فلو لم يطلع عليه أحد أو لم يقدر على قتله
فتاب قبلت توبته فيما بينه و بين الله تعالى و صحت عباداته و معاملاته و لكن لا تعود ماله و زوجته إليه بذلك و يجوز له تجديد العقد عليها بعد العدة أو فيها على احتمال كما يجوز للزوج العقد على المعتدة بائنا حيث لا تكون محرمة أبدا و لا تقتل المرأة بالردة بل تحبس دائما و إن كانت مولودة على الفطرة و تضرب أوقات الصلوات. و الثاني أن يكون مولودا على الكفر فأسلم ثم ارتد فهذا يستتاب على المشهور فإن امتنع قتل و اختلف في مدة الاستتابة فقيل ثلاثة أيام لرواية مسمع و قيل القدر الذي يمكن معه الرجوع و يظهر من ابن الجنيد أن الارتداد قسم واحد و أنه يستتاب فإن تاب و إلا قتل و هو مذهب العامة لكن لا يخلو من قوة من جهة الأخبار و سيأتي تمام الكلام في ذلك في محله إن شاء الله تعالى
16- كا، ]الكافي[ عن العدة عن البرقي عن عثمان بن عيسى عن عبد الله بن مسكان عن بعض أصحابه عن أبي عبد الله ع قال قلت له ما الإسلام فقال دين الله اسمه الإسلام و هو دين الله قبل أن تكونوا حيث كنتم و بعد أن تكونوا فمن أقر بدين الله فهو مسلم و من عمل بما أمر الله عز و جل به فهو مؤمن
بيان دين الله اسمه الإسلام لقوله تعالى إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلامُ و قوله وَ مَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلامِ دِيناً و هو دين الله قبل أن تكونوا حيث كنتم أي قبل أن تكونوا في عالم من العوالم أي حين لم تكونوا في عالم الأجساد و لا في عالم الأرواح و بعد أن تكونوا في أحد العوالم أو قبل أن تكونوا و توجدوا على هذا الهيكل المخصوص حيث كنتم في الأظلة أو في العلم الأزلي و بعد أن تكونوا في عالم الأبدان و الأول أظهر و على التقديرين المراد عدم التغير في الأديان و الأزمان فمن أقر بدين الله أي العقائد التي أمر الله بالإقرار بها في كل دين قلبا و ظاهرا فهو مسلم و من عمل أي مع ذلك الإقرار بما أمر الله عز و جل به من الفرائض و ترك الكبائر أو الأعم فهو مؤمن و هذا أحد المعاني التي ذكرنا من الإسلام و الإيمان
17- كا، ]الكافي[ عن محمد بن يحيى عن أحمد بن محمد عن ابن محبوب عن ابن رئاب عن حمران قال سمعت أبا جعفر ع يقول إن الله فضل الإيمان على الإسلام بدرجة كما فضل الكعبة على المسجد الحرام
18- كا، ]الكافي[ عن علي بن إبراهيم عن هارون بن مسلم عن مسعدة بن صدقة قال سمعت أبا جعفر ع يقول الكبائر القنوط من رحمة الله و الإياس من روح الله و الأمن من مكر الله و قتل النفس التي حرم الله و عقوق الوالدين و أكل مال اليتيم ظلما و أكل الربا بعد البينة و التعرب بعد الهجرة و قذف المحصنة و الفرار من الزحف فقيل له أ رأيت المرتكب للكبيرة يموت عليها أ تخرجه من الإيمان و إن عذب بها فيكون عذابه كعذاب المشركين أو له انقطاع قال يخرج من الإسلام إذا زعم أنها حلال و لذلك يعذب أشد العذاب و إن كان معترفا بأنها كبيرة و هي عليه حرام و أنه يعذب عليها و أنها غير حلال فإنه معذب عليها و هو أهون عذابا من الأول و يخرجه من الإيمان و لا يخرجه من الإسلام
19- شي، ]تفسير العياشي[ عن سليمان بن خالد عن أبي عبد الله ع يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا فسماهم مؤمنين و ليسوا هم بمؤمنين و لا كرامة قال يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا خُذُوا حِذْرَكُمْ فَانْفِرُوا ثُباتٍ أَوِ انْفِرُوا جَمِيعاً إلى قوله فَأَفُوزَ فَوْزاً عَظِيماً و لو أن أهل السماء و الأرض قالوا قد أنعم الله علي إذ لم أكن مع رسول الله ص لكانوا بذلك مشركين و إذا أصابهم فضل من الله قال يا ليتني كنت معهم فأقاتل في سبيل الله
20- ن، ]عيون أخبار الرضا عليه السلام[ عن ابن عبدوس عن ابن قتيبة عن الفضل بن شاذان قال سأل المأمون الرضا ع أن يكتب له محض الإسلام على إيجاز و اختصار فكتب ع إن محض الإسلام شهادة أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له إلها واحدا أحدا صمدا قيوما سميعا بصيرا قديرا قديما باقيا عالما لا يجهل قادرا لا يعجز غنيا لا يحتاج عدلا لا يجور و أنه خالق كل شيء و ليس كمثله شيء لا شبه له و لا ضد له و لا كفو له و أنه المقصود بالعبادة و الدعاء و الرغبة و الرهبة و أن محمدا ص عبده و رسوله و أمينه و صفيه و صفوته من خلقه و سيد المرسلين و خاتم النبيين و أفضل العالمين لا نبي بعده و لا تبديل لملته و لا تغيير لشريعته و أن جميع ما جاء به محمد بن عبد الله ص هو الحق المبين و التصديق به و بجميع من مضى قبله من رسل الله و أنبيائه و حججه و التصديق بكتابه الصادق العزيز الذي لا يَأْتِيهِ الْباطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَ لا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ و أنه المهيمن على الكتب كلها و أنه حق من فاتحته إلى خاتمته نؤمن بمحكمه و بمتشابهه و خاصه و عامه و وعده و وعيده و ناسخه و منسوخه و قصصه و أخباره لا يقدر أحد من المخلوقين أن يأتي بمثله و أن الدليل بعده و الحجة على المؤمنين و القائم بأمر المسلمين و الناطق عن القرآن و العالم بأحكامه أخوه و خليفته و وصيه و وليه الذي كان منه بمنزلة هارون من موسى علي بن أبي طالب ع أمير المؤمنين و إمام المتقين و قائد الغر المحجلين و أفضل الوصيين و وارث علم النبيين و المرسلين و بعده الحسن و الحسين سيدا شباب أهل الجنة أجمعين ثم علي بن الحسين زين العابدين ثم محمد بن علي باقر علم النبيين ثم جعفر بن محمد الصادق وارث علم الوصيين ثم موسى بن جعفر الكاظم ثم علي بن موسى الرضا ثم محمد بن علي ثم علي بن محمد ثم الحسن بن علي ثم الحجة القائم المنتظر ولده صلوات الله عليهم أجمعين و أشهد لهم بالوصية و الإمامة و أن الأرض لا تخلو من حجة الله تعالى على خلقه في كل عصر و أوان و أنهم العروة الوثقى و أئمة الهدى و الحجة على أهل الدنيا إلى أن يرث الله الْأَرْضَ وَ مَنْ عَلَيْها و أن كل من خالفهم ضال مضل تارك للحق و الهدى و أنهم المعبرون عن القرآن و الناطقون عن الرسول ص بالبيان من مات و لم يعرفهم مات ميتة جاهلية و أن من دينهم الورع و العفة و الصدق و ساق إلى قوله و حب أولياء الله عز و جل واجب و كذلك بغض أعداء الله و البراءة منهم و من أئمتهم إلى قوله ع و أن أفعال العباد مخلوقة لله تعالى خلق تقدير لا خلق تكوين و اللَّهُ خالِقُ كُلِّ شَيْءٍ و لا يقول بالجبر و التفويض و لا يأخذ الله عز و جل البريء بالسقيم و لا يعذب الله تعالى الأطفال بذنوب الآباء وَ لا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى وَ أَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسانِ إِلَّا ما سَعى و لله عز و جل أن يعفو و يتفضل و لا يجور و لا يظلم لأنه تعالى منزه عن ذلك و لا يفرض الله طاعة من يعلم أنه يضلهم و يغويهم و لا يختار لرسالته و لا يصطفي من عباده من يعلم أنه يكفر به و بعبادته و يعبد الشيطان دونه و أن الإسلام غير الإيمان و كل مؤمن مسلم و ليس كل مسلم بمؤمن و لا يسرق السارق حين يسرق و هو مؤمن و لا يزني الزاني حين يزني و هو مؤمن و أصحاب الحدود مسلمون لا مؤمنون و لا كافرون و الله عز و جل لا يدخل النار مؤمنا و قد وعده الجنة و لا يخرج من النار كافرا و قد أوعده النار و الخلود فيها و لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَ يَغْفِرُ ما دُونَ ذلِكَ لِمَنْ يَشاءُ و مذنبو أهل التوحيد يدخلون في النار و يخرجون منها و الشفاعة جائزة لهم و إن الدار اليوم دار تقية و هي دار الإسلام لا دار كفر و لا دار إيمان و الإيمان هو أداء الأمانة و اجتناب جميع الكبائر و هو معرفة بالقلب
و إقرار باللسان و عمل بالأركان إلى أن قال ع و تؤمن بعذاب القبر و منكر و نكير و البعث بعد الموت و الميزان و الصراط و البراءة من الذين ظلموا آل محمد و هموا بإخراجهم و سنوا ظلمهم و غيروا سنة نبيهم و البراءة من الناكثين و القاسطين و المارقين الذين هتكوا حجاب رسول الله ص و نكثوا بيعة إمامهم و أخرجوا المرأة و حاربوا أمير المؤمنين ع و قتلوا الشيعة رحمة الله عليهم واجبة و البراءة ممن نفى الأخيار و شردهم و آوى الطرداء اللعناء و جعل الأموال دونه بين الأغنياء و استعمل السفهاء مثل معاوية و عمرو بن العاص لعيني رسول الله ص و البراءة من أشياعهم الذين حاربوا أمير المؤمنين ع و قتلوا الأنصار و المهاجرين و أهل الفضل و الصلاح من السابقين و البراءة من أهل الاستيثار و من أبي موسى الأشعري و أهل ولايته الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَ هُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً أُولئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآياتِ رَبِّهِمْ بولاية أمير المؤمنين ع وَ لِقائِهِ كفروا بأن لقوا الله بغير إمامته فَحَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ فَلا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَزْناً فهم كلاب أهل النار و البراءة من الأنصاب و الأزلام أئمة الضلال و قادة الجور كلهم أولهم و آخرهم و البراءة من أشباه عاقري الناقة أشقياء الأولين و الآخرين و ممن يتولاهم و الولاية لأمير المؤمنين ع و الذين مضوا على منهاج نبيهم ص و لم يغيروا و لم يبدلوا مثل سلمان الفارسي و أبي ذر الغفاري و المقداد بن الأسود و عمار بن ياسر و حذيفة بن اليمان و أبي الهيثم التيهان و سهل بن حنيف و عبادة بن الصامت و أبي أيوب الأنصاري و خزيمة بن ثابت ذي الشهادتين و أبي سعيد الخدري و أمثالهم رضي الله عنهم و الولاية لأتباعهم و أشياعهم و المهتدين بهداهم و للسالكين منهاجهم رضوان الله عليهم و رحمته إلى آخر الخبر الطويل
و روي أيضا عن حمزة بن محمد العلوي عن قنبر بن علي بن شاذان عن أبيه عن الفضل بن شاذان و عن جعفر بن نعيم بن شاذان عن عمه محمد بن شاذان عن الرضا ع مثله أقول قد مر الخبر بتمامه مشروحا في أبواب الاحتجاجات
21- ج، ]الإحتجاج[ في خبر الشامي الذي سأل أبا عبد الله ع مسائل فأجابه فقال الشامي أسلمت لله فقال ع له بل آمنت بالله الساعة إن الإسلام قبل الإيمان و عليه يتوارثون و يتناكحون و الإيمان عليه يثابون
بيان بل آمنت أي كنت قبل ذلك مسلما لأنه كان من المخالفين فلما أقر بالأئمة ع صار من المؤمنين. و يدل على أن الإسلام هو الاعتقاد بالتوحيد و الرسالة و المعاد و ما يلزمها سوى الإمامة و الإيمان هو الاعتقاد بجميع العقائد الحقة التي عمدتها الإقرار بإمامة جميع الأئمة ع و يدل على أن الأحكام الدنيوية تترتب على الإسلام و الثواب الأخروي لا يكون إلا بالإيمان فالمخالفون لا يدخلون الجنة و على أنه يجوز نكاح المخالفين و إنكاحهم و يكون التوارث بينهم و بين المؤمنين و على عدم دخول الأعمال في الإيمان و إن أمكنت المناقشة فيه و قبلية الإسلام إما ذاتي كتقدم الكلي على الجزئي أو الجزء على الكل أو زماني بمعنى إمكان حصوله قبل الإيمان بيانا للعموم و الخصوص فتأمل
22- فس، ]تفسير القمي[ عن أبيه عن ابن محبوب عن ابن رئاب عن حمران عن أبي جعفر ع قال إن الله فضل الإيمان على الإسلام بدرجة كما فضل الكعبة على المسجد الحرام
23- ج، ]الإحتجاج[ في خبر الزنديق الذي سأل أمير المؤمنين صلوات الله عليه عما زعم من التناقض في القرآن حيث قال أجد الله يقول فَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحاتِ وَ هُوَ مُؤْمِنٌ فَلا كُفْرانَ لِسَعْيِهِ و يقول وَ إِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تابَ فقال ع و أما قوله فَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحاتِ وَ هُوَ مُؤْمِنٌ فَلا كُفْرانَ لِسَعْيِهِ و قوله وَ إِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تابَ وَ آمَنَ وَ عَمِلَ صالِحاً ثُمَّ اهْتَدى فإن ذلك كله لا يغني إلا مع الاهتداء و ليس كل من وقع عليه اسم الإيمان كان حقيقا بالنجاة مما هلك به الغواة و لو كان ذلك كذلك لنجت اليهود مع اعترافها بالتوحيد و إقرارها بالله و نجا سائر المقرين بالوحدانية من إبليس فمن دونه في الكفر و قد بين الله ذلك بقوله الَّذِينَ آمَنُوا وَ لَمْ يَلْبِسُوا إِيمانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَ هُمْ مُهْتَدُونَ و بقوله الَّذِينَ قالُوا آمَنَّا بِأَفْواهِهِمْ وَ لَمْ تُؤْمِنْ قُلُوبُهُمْ و للإيمان حالات و منازل يطول شرحها و من ذلك أن الإيمان قد يكون على وجهين إيمان بالقلب و إيمان باللسان كما كان إيمان المنافقين على عهد رسول الله ص لما قهرهم السيف و شملهم الخوف فإنهم آمنوا بألسنتهم و لم تؤمن قلوبهم فالإيمان بالقلب هو التسليم للرب و من سلم الأمور لمالكها لم يستكبر عن أمره كما استكبر إبليس عن السجود لآدم و استكبر أكثر الأمم عن طاعة أنبيائهم فلم ينفعهم التوحيد كما لم ينفع إبليس ذلك السجود الطويل فإنه سجد سجدة واحدة أربعة آلاف عام لم يرد بها غير زخرف الدنيا و التمكين من النظرة فلذلك لا تنفع الصلاة و الصدقة إلا مع الاهتداء إلى سبيل النجاة و طريق الحق و قد قطع الله عذر عباده بتبيين آياته و إرسال رسله لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل و لم يخل أرضه من عالم بما يحتاج الخليقة إليه و متعلم على سبيل نجاة أولئك هم الأقلون عددا و قد بين الله ذلك في أمم الأنبياء و جعلهم مثلا لمن تأخر مثل قوله في قوم نوح وَ ما آمَنَ مَعَهُ إِلَّا قَلِيلٌ و قوله فيمن آمن من قوم موسى وَ مِنْ قَوْمِ مُوسى أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَ بِهِ يَعْدِلُونَ و قوله في حواري عيسى حيث قال لسائر بني إسرائيل مَنْ أَنْصارِي إِلَى اللَّهِ قالَ الْحَوارِيُّونَ نَحْنُ أَنْصارُ اللَّهِ آمَنَّا بِاللَّهِ وَ اشْهَدْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ يعني أنهم يسلمون لأهل الفضل فضلهم و لا يستكبرون عن أمر ربهم فما أجابه منهم إلا الحواريون و قد جعل الله للعلم أهلا و فرض على العباد طاعتهم بقوله أَطِيعُوا اللَّهَ وَ أَطِيعُوا الرَّسُولَ وَ أُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ و بقوله وَ لَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَ إِلى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ و بقوله اتَّقُوا اللَّهَ وَ كُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ و بقوله وَ ما يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَ الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ و بقوله وَ أْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوابِها و البيوت هي بيوت العلم الذي استودعه الأنبياء و أبوابها أوصياؤهم فكل عمل من أعمال الخير يجري على غير أيدي أهل الاصطفاء و عهودهم و حدودهم و شرائعهم و سنتهم و معالم دينهم مردود غير مقبول و أهله بمحل كفر و إن شملتهم صفة الإيمان أ لم تسمع إلى قول الله تعالى وَ ما مَنَعَهُمْ أَنْ تُقْبَلَ مِنْهُمْ نَفَقاتُهُمْ إِلَّا أَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَ بِرَسُولِهِ وَ ماتُوا وَ هُمْ كافِرُونَ فمن لم يهتد من أهل الإيمان إلى سبيل النجاة لم يغن عنه إيمانه بالله مع دفعه حق أوليائه و حَبِطَ عَمَلُهُ وَ هُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخاسِرِينَ و كذلك قال الله سبحانه فَلَمْ يَكُ يَنْفَعُهُمْ إِيمانُهُمْ لَمَّا رَأَوْا بَأْسَنا و هذا كثير في كتاب الله عز و جل و الهداية في الولاية كما قال الله عز و جل وَ مَنْ يَتَوَلَّ اللَّهَ وَ رَسُولَهُ وَ الَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغالِبُونَ
و الذين آمنوا في هذا الموضع هم المؤتمنون على الخلائق من الحجج و الأوصياء في عصر بعد عصر و ليس كل من أقر أيضا من أهل القبلة بالشهادتين كان مؤمنا إن المنافقين كانوا يشهدون أن لا إله إلا الله و أن محمدا رسول الله ص و يدفعون عهد رسول الله ص بما عهد به من دين الله و عزائمه و براهين نبوته إلى وصيه و يضمرون من الكراهة لذلك و النقض لما أبرمه منه عند إمكان الأمر لهم فيما قد بينه الله لنبيه بقوله فَلا وَ رَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيما شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَ يُسَلِّمُوا تَسْلِيماً و بقوله وَ ما مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَ فَإِنْ ماتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلى أَعْقابِكُمْ و مثل قوله لَتَرْكَبُنَّ طَبَقاً عَنْ طَبَقٍ أي لتسلكن سبيل من كان قبلكم من الأمم في الغدر بالأوصياء بعد الأنبياء و هذا كثير في كتاب الله عز و جل و قد شق على النبي ص ما يئول إليه عاقبة أمرهم و اطلاع الله إياه على بوارهم فأوحى الله عز و جل إليه فَلا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَراتٍ و فَلا تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْكافِرِينَ
بيان و إن شملتهم صفة الإيمان أي ببعض معانيه و هو الإسلام الظاهري و إن احتمل أن يكون المراد به الأعمال التي تقع من جهال الشيعة على خلاف جهة الحق لكن الأول أظهر قوله وَ ماتُوا وَ هُمْ كافِرُونَ كأنه سقط هنا شيء إذ في سورة التوبة تتمة هذه الآية هكذا بِاللَّهِ وَ بِرَسُولِهِ وَ لا يَأْتُونَ الصَّلاةَ إِلَّا وَ هُمْ كُسالى وَ لا يُنْفِقُونَ إِلَّا وَ هُمْ كارِهُونَ و في ما بعده وَ لا تُصَلِّ عَلى أَحَدٍ مِنْهُمْ ماتَ أَبَداً وَ لا تَقُمْ عَلى قَبْرِهِ إِنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَ رَسُولِهِ وَ ماتُوا وَ هُمْ فاسِقُونَ و في موضع آخر وَ أَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزادَتْهُمْ رِجْساً إِلَى رِجْسِهِمْ وَ ماتُوا وَ هُمْ كافِرُونَ و يمكن أن يكون جمع ع بين مضامين الآيات مشيرا إليها جميعا فإنها كلها في وصف المنافقين أو يكون قوله و ماتوا من كلامه ع اقتباسا من الآية أو يكون في قراءتهم ع هكذا و قوله ع و حبط عمله إشارة إلى قوله تعالى وَ مَنْ يَكْفُرْ بِالْإِيمانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ وَ هُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخاسِرِينَ فكأنه ع استشهد بهذه الآية على عدم قبول أعمال المنافقين لإثبات الكفر لهم في الآية السابقة. ثم لما ذكر ع أولا أنه ليس كل من وقع عليه اسم الإيمان كان حقيقا بالنجاة و قال للإيمان حالات و منازل أشار ع هنا إلى بعض شرائط الإيمان و بعض الحالات التي لا يقبل الإيمان فيها و هي حال رؤية البأس فقال و كذلك قال الله سبحانه. و هذا كثير أي شروط الإيمان أو خصوص هذا الشرط و هو عدم كونه عند رؤية البأس و إنما ذكر ذلك لرفع استبعاد السائل اشتراط قبول الأعمال بالاهتداء ثم عاد إلى بيان الاهتداء و أن المراد به الولاية و حاصل الجواب أنه لا تنافي بين الآيتين إذ في الآية الأولى شرط الإيمان الأعمال الصالحة و الإيمان مشروط بالولاية و صلاح العمل لا يكون إلا بالأخذ عن الأئمة فالاهتداء داخل في الأولى إجمالا و في الثانية تفصيلا أيضا و للإيمان درجات و معان فيمكن أن يراد بالإيمان في إحدى الآيتين غير ما هو المراد في الأخرى. و يدفعون عهد رسول الله أي خلافة أمير المؤمنين و وصايته انْقَلَبْتُمْ عَلى أَعْقابِكُمْ كما ارتدوا بعد موته بترك وصيه و بيعة العجل و السامري فَلا تَذْهَبْ نَفْسُكَ أي لا تهلك نفسك عليهم للحسرات على غيهم و إصرارهم على التكذيب و بعده إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِما يَصْنَعُونَ أي فيجازيهم عليه. و قوله و لا تأس من آية أخرى في المائدة و هي يا أَهْلَ الْكِتابِ لَسْتُمْ عَلى شَيْءٍ حَتَّى تُقِيمُوا التَّوْراةَ وَ الْإِنْجِيلَ وَ ما أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ وَ لَيَزِيدَنَّ كَثِيراً مِنْهُمْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ طُغْياناً وَ كُفْراً فَلا تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْكافِرِينَ فإبدال الفاء بالواو إما من النساخ أو منه ع بإسقاط الفاء لإسقاط صدر الآية و الواو للعطف على الآية السابقة.
و روى العياشي في قوله وَ ما أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ عن الباقر ع أنه قال هو ولاية أمير المؤمنين ع
فَلا تَأْسَ أي و لا تحزن و لا تتأسف عليهم لزيادة طغيانهم و كفرهم فإن ضرر ذلك يرجع إليهم لا يتخطاهم و في المؤمنين مندوحة لك عنهم
24- ل، ]الخصال[ عن محمد بن جعفر البندار عن محمد بن محمد بن جمهور عن صالح بن محمد البغدادي عن العباس بن الوليد عن عبد الرحمن بن مهدي عن منصور بن سعد عن ميمون بن سياه عن أنس بن مالك قال قال رسول الله ص من استقبل قبلتنا و صلى صلواتنا و أكل ذبيحتنا فله ما لنا و عليه ما علينا
بيان سياه بكسر السين المهملة و تخفيف الياء المثناة التحتانية ثم الألف و الهاء مذكور في رجال العامة في رواة أنس و الخبر عامي ضعيف و يدل على اشتراك جميع فرق المسلمين في الأحكام الظاهرة و حمل على ما إذا لم ينكر شيئا من ضروريات دين الإسلام و بعد عندنا خلاف في بعض الأحكام
25- ل، ]الخصال[ عن الخليل بن أحمد السجزي عن محمد بن إسحاق بن خزيمة عن علي بن حجر عن شريك عن منصور بن المعتمر عن ربعي بن خراش عن علي ع قال قال رسول الله ص لا يؤمن عبد حتى يؤمن بأربعة حتى يشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له و أني رسول الله بعثني بالحق و حتى يؤمن بالبعث بعد الموت و حتى يؤمن بالقدر
بيان بالقدر أي بقضاء الله و قدره ردا على التفويض البحت أو بقدرة العبد و اختياره نفيا للجبر و الأول أظهر و قد مر تحقيقه في كتاب العدل
26- مع، ]معاني الأخبار[ ل، ]الخصال[ عن أبيه عن سعد عن ابن هاشم عن ابن أبي عمير عن جعفر بن عثمان عن أبي بصير قال كنت عند أبي جعفر ع فقال له رجل أصلحك الله إن بالكوفة قوما يقولون مقالة ينسبونها إليك فقال و ما هي قال يقولون إن الإيمان غير الإسلام فقال أبو جعفر ع نعم فقال له الرجل صفه لي قال من شهد أن لا إله إلا الله و أن محمدا رسول الله و أقر بما جاء به من عند الله و أقام الصلاة و آتى الزكاة و صام شهر رمضان و حج البيت فهو مسلم قلت فالإيمان قال من شهد أن لا إله إلا الله و أن محمدا رسول الله ص و أقر بما جاء من عند الله و أقام الصلاة و آتى الزكاة و صام شهر رمضان و حج البيت و لم يلق الله بذنب أوعد عليه النار فهو مؤمن قال أبو بصير جعلت فداك و أينا لم يلق الله بذنب أوعد عليه النار فقال ليس هو حيث تذهب إنما هو لم يلق الله بذنب أوعد عليه النار و لم يتب منه
27- ل، ]الخصال[ في خبر الأعمش عن الصادق ع قال الإسلام غير الإيمان و كل مؤمن مسلم و ليس كل مسلم مؤمن و لا يسرق السارق حين يسرق و هو مؤمن و لا يزني الزاني حين يزني و هو مؤمن و أصحاب الحدود مسلمون لا مؤمنون و لا كافرون فإن الله تبارك و تعالى لا يدخل النار مؤمنا و قد وعده الجنة و لا يخرج من النار كافرا و قد أوعده النار و الخلود فيها وَ يَغْفِرُ ما دُونَ ذلِكَ لِمَنْ يَشاءُ فأصحاب الحدود فساق لا مؤمنون و لا كافرون و لا يخلدون في النار و يخرجون منها يوما ما و الشفاعة جائزة لهم و للمستضعفين إذا ارتضى الله عز و جل دينهم
27- ن، ]عيون أخبار الرضا عليه السلام[ فيما بين الرضا ع من شرائع الدين مثله إلى قوله وَ يَغْفِرُ ما دُونَ ذلِكَ لِمَنْ يَشاءُ ثم قال و مذنبو أهل التوحيد يدخلون في النار و يخرجون منها و الشفاعة جائزة لهم
بيان كأن المراد بالمستضعفين في رواية الأعمش المستضعفون من الشيعة و يحتمل أن يكون إذا ارتضى راجعا إلى الأول
28- ما، ]الأمالي للشيخ الطوسي[ المفيد عن ابن قولويه عن أبيه عن سعد عن ابن عيسى عن ابن محبوب عن سعدان بن مسلم عن أبي بصير قال سألت أبا عبد الله ع ما الإيمان فجمع لي الجواب في كلمتين فقال الإيمان بالله و أن لا تعصي الله قلت فما الإسلام فجمعه في كلمتين فقال من شهد شهادتنا و نسك نسكنا و ذبح ذبيحتنا
بيان الإيمان بالله مستلزم للإيمان بجميع ما جاء من عنده سبحانه من النبوة و الإمامة و المعاد و غيرها و أن لا يعصي الله شامل للطاعات و المعاصي جميعهما بل يمكن إدخال بعض العقائد فيه أيضا و نسك نسكنا أي عبد كعبادتنا من الصلاة و الصوم و الزكاة و الحج و غيرها و النسك يطلق على الذبح أيضا لكن التأسيس أولى قال الراغب النسك العبادة و الناسك العابد و اختص بأعمال الحج و النسيكة مختصة بالذبيحة
29- مع، ]معاني الأخبار[ ابن الوليد عن الصفار عن ابن معروف عن عثمان بن عيسى عن سماعة بن مهران قال سألته ع عن الإيمان و الإسلام فقلت له أ فرق بين الإيمان و الإسلام فقال أ و أضرب لك مثلا قال قلت أو ذاك قال مثل الإيمان من الإسلام مثل الكعبة الحرام من الحرم قد يكون الرجل في الحرم و لا يكون في الكعبة و لا يكون في الكعبة حتى يكون في الحرم فقد يكون مسلما و لا يكون مؤمنا و لا يكون مؤمنا حتى يكون مسلما قال فقلت فيخرجه من الإيمان شيء قال نعم قلت فيصيره إلى ما ذا قال إلى الإسلام أو الكفر و قال لو أن رجلا دخل الكعبة فأفلت منه بوله أخرج من الكعبة و لم يخرج من الحرم و لو خرج من الحرم فغسل ثوبه و تطهر ثم لم يمنع أن يدخل الكعبة و لو أن رجلا دخل الكعبة فبال فيها معاندا أخرج من الكعبة و من الحرم فضربت عنقه
بيان أو ذاك كأن المعنى لا تقول أو تقول رعاية للأدب لئلا يتحتم عليه أو بمعنى بل إضرابا عن التردد الذي يظهر منه ع أو من عدم إرادة السائل ذلك كما يتوهم من سؤاله ع ذلك أو يكون الهمزة للاستفهام و الواو للعطف أو زائدة أي أ و يكون لذلك مثل أو يكون بتشديد الواو أمرا من الإيواء و هو أبعد من الجميع و في الكافي أورد ذلك فلا تكلف و في بعض نسخ المعاني أد ذلك من الأداء و لا يخلو من وجه. فيخرجه من الإيمان شيء ما يخرجه من الإيمان فقط أما المعاصي و ترك الطاعات بناء على دخول الأعمال في الإيمان أو إنكار الإمامة و لوازمها و ما يخرجه عن الإيمان و الإسلام معا الارتداد و ما ينافي دين الإسلام قولا أو فعلا فالترديد في قوله ع إلى الإسلام أو الكفر لذلك و في القاموس كان الأمر فلتة أي فجأة من غير تردد و تدبر و أفلتني الشيء و تفلت مني و انفلت و أفلته غيره و افتلت على بناء المفعول الشيء و تفلت مني و انفلت و أفلته غيره و افتلت على بناء المفعول مات فجأة و بأمر كذا فوجئ به قبل أن يستعد له و في المصباح أفلت الطائر و غيره إفلاتا تخلص و أفلته إذا أطلقته و خلصته و يستعمل لازما و متعديا انتهى و قوله و لو خرج من الحرم ليس في الكافي و لعله زيد من النساخ إلا أن يكون المراد بالحرم المسجد الحرام
-30 فس، ]تفسير القمي[ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ قال يصدقون بالبعث و النشور و الوعد و الوعيد و الإيمان في كتاب الله على أربعة أوجه فمنه إقرار باللسان قد سماه الله إيمانا و منه تصديق بالقلب و منه الأداء و منه التأييد فأما الإيمان الذي هو إقرار باللسان و قد سماه الله تبارك و تعالى إيمانا و نادى أهله به فقوله يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا خُذُوا حِذْرَكُمْ فَانْفِرُوا ثُباتٍ أَوِ انْفِرُوا جَمِيعاً وَ إِنَّ مِنْكُمْ لَمَنْ لَيُبَطِّئَنَّ فَإِنْ أَصابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قالَ قَدْ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيَّ إِذْ لَمْ أَكُنْ مَعَهُمْ شَهِيداً وَ لَئِنْ أَصابَكُمْ فَضْلٌ مِنَ اللَّهِ لَيَقُولَنَّ كَأَنْ لَمْ تَكُنْ بَيْنَكُمْ وَ بَيْنَهُ مَوَدَّةٌ يا لَيْتَنِي كُنْتُ مَعَهُمْ فَأَفُوزَ فَوْزاً عَظِيماً فقال الصادق ع لو أن هذه الكلمة قالها أهل الشرق و أهل المغرب لكانوا بها خارجين من الإيمان و لكن قد سماهم الله مؤمنين بإقرارهم و قوله يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا بِاللَّهِ وَ رَسُولِهِ فقد سماهم مؤمنين بإقرار اللسان ثم قال لهم صدقوا و أما الإيمان الذي هو التصديق فقوله الَّذِينَ آمَنُوا وَ كانُوا يَتَّقُونَ لَهُمُ الْبُشْرى فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَ فِي الْآخِرَةِ يعني صدقوا و قوله لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللَّهَ أي لا نصدقك و قوله يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا أي يا أيها الذين أقروا صدقوا فالإيمان الخفي هو التصديق و للتصديق شروط لا يتم التصديق إلا بها و قوله لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَ الْمَغْرِبِ وَ لكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَ الْيَوْمِ الْآخِرِ وَ الْمَلائِكَةِ وَ الْكِتابِ وَ النَّبِيِّينَ وَ آتَى الْمالَ عَلى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبى وَ الْيَتامى وَ الْمَساكِينَ وَ ابْنَ السَّبِيلِ وَ السَّائِلِينَ وَ فِي الرِّقابِ وَ أَقامَ الصَّلاةَ وَ آتَى الزَّكاةَ وَ الْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذا عاهَدُوا وَ الصَّابِرِينَ فِي الْبَأْساءِ وَ الضَّرَّاءِ وَ حِينَ الْبَأْسِ أُولئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَ أُولئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ فمن أقام هذه الشروط فهو مؤمن مصدق و أما الإيمان الذي هو الأداء فهو قوله لما حول الله قبلة رسوله إلى الكعبة قال أصحاب رسول الله ص يا رسول الله فصلاتنا إلى بيت المقدس بطلت فأنزل الله تبارك و تعالى وَ ما كانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمانَكُمْ فسمي الصلاة إيمانا و الوجه الرابع من الإيمان هو التأييد الذي جعله الله في قلوب المؤمنين من روح الإيمان فقال لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَ الْيَوْمِ الْآخِرِ يُوادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَ رَسُولَهُ وَ لَوْ كانُوا آباءَهُمْ أَوْ أَبْناءَهُمْ أَوْ إِخْوانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُولئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمانَ وَ أَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ و الدليل على ذلك قوله ص لا يزني الزاني و هو مؤمن و لا يسرق السارق و هو مؤمن يفارقه روح الإيمان ما دام على بطنها فإذا قام عاد إليه قيل و ما الذي يفارقه قال الذي يدعه في قلبه ثم قال ع ما من قلب إلا و له أذنان على أحدهما ملك مرشد و على الآخر شيطان مفتن هذا يأمره و هذا يزجره و من الإيمان ما قد ذكره الله في القرآن خبيث و طيب فقال ما كانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلى ما أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ و منهم من يكون مؤمنا مصدقا و لكنه يلبس إيمانه بظلم و هو قوله الَّذِينَ آمَنُوا وَ لَمْ يَلْبِسُوا إِيمانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَ هُمْ مُهْتَدُونَ فمن كان مؤمنا ثم دخل في المعاصي التي نهى الله عنها فقد لبس إيمانه بظلم فلا ينفعه الإيمان حتى يتوب إلى الله من الظلم الذي لبس إيمانه حتى يخلص الله إيمانه فهذه وجوه الإيمان في كتاب الله
بيان قوله ع لو أن هذه الكلمة استدل ع بإطلاق الإيمان على الإقرار باللسان بهذه الآية لأنه تعالى خاطبهم ب يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ثم قال وَ إِنَّ مِنْكُمْ إلخ فالظاهر أن هؤلاء كانوا بين المخاطبين و ما نسب إليهم يدل على أشد النفاق فظهر أن المؤمن قد يطلق على المنافق بأحد معانيه قال الطبرسي رحمه الله في قوله وَ إِنَّ مِنْكُمْ لَمَنْ لَيُبَطِّئَنَّ قيل إنها نزلت في المؤمنين لأنه سبحانه خاطبهم بقوله وَ إِنَّ مِنْكُمْ و قد فرق بين المؤمنين و المنافقين بقوله ما هُمْ مِنْكُمْ و قال أكثر المفسرين نزلت في المنافقين و إنما جمع بينهم بالخطاب من جهة الجنس و النسب لا من جهة الإيمان و هو اختيار الجبائي انتهى و ما في الخبر أظهر و قد مر أن الأظهر أن الخطاب في قوله يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا للمنافقين و هو مختار أكثر المفسرين. قوله فمن أقام هذه الشروط إلخ لأنه تعالى قال أُولئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا أي في دعوى الإيمان و اتباع الحق فقد حصر الصدق في الإيمان لهم و المراد بالأداء أداء ما افترض الله على عباده في الإيمان قوله ع من روح الإيمان من للبيان أو للتعليل قوله خبيث و طيب أي وصفهم أولا بالإيمان ثم أطلق على بعضهم الخبيث و على بعضهم الطيب مفتن أي مضل
31- ف، ]تحف العقول[ دخل على الصادق ع رجل فقال له ممن الرجل فقال من محبيكم و مواليكم فقال له جعفر لا يحب الله عبدا حتى يتولاه و لا يتولاه حتى يوجب له الجنة ثم قال له من أي محبينا أنت فسكت الرجل فقال له سدير و كم محبوكم يا ابن رسول الله فقال على ثلاث طبقات طبقة أحبونا في العلانية و لم يحبونا في السر و طبقة يحبوننا في السر و لم يحبونا في العلانية و طبقة يحبوننا في السر و العلانية هم النمط الأعلى شربوا من العذب الفرات و علموا تأويل الكتاب و فصل الخطاب و سبب الأسباب فهم النمط الأعلى الفقر و الفاقة و أنواع البلاء أسرع إليهم من ركض الخيل مستهم البأساء و الضراء و زلزلوا و فتنوا فمن بين مجروح و مذبوح متفرقين في كل بلاد قاصية بهم يشفي الله السقيم و يغني العديم و بهم تنصرون و بهم تمطرون و بهم ترزقون و هم الأقلون عددا الأعظمون عند الله قدرا و خطرا و الطبقة الثانية النمط الأسفل أحبونا في العلانية و ساروا بسيرة الملوك فألسنتهم معنا و سيوفهم علينا و الطبقة الثالثة النمط الأوسط أحبونا في السر و لم يحبونا في العلانية و لعمري لئن كانوا أحبونا في السر دون العلانية فهم الصوامون بالنهار القوامون بالليل ترى أثر الرهبانية في وجوههم أهل سلم و انقياد قال الرجل فأنا من محبيكم في السر و العلانية قال جعفر ع إن لمحبينا في السر و العلانية علامات يعرفون بها قال الرجل و ما تلك العلامات قال تلك خلال أولها أنهم عرفوا التوحيد حق معرفته و أحكموا علم توحيده و الإيمان بعد ذلك بما هو و ما صفته ثم علموا حدود الإيمان و حقائقه و شروطه و تأويله قال سدير يا ابن رسول الله ما سمعتك تصف الإيمان بهذه الصفة قال نعم يا سدير ليس للسائل أن يسأل عن الإيمان ما هو حتى يعلم الإيمان بمن قال سدير يا ابن رسول الله إن رأيت أن تفسر ما قلت قال الصادق ع من زعم أنه يعرف الله بتوهم القلوب فهو مشرك و من زعم أنه يعرف الله بالاسم دون المعنى فقد أقر بالطعن لأن الاسم محدث و من زعم أنه يعرف الله بالاسم دون المعنى فقد أقر بالطعن لأن الاسم محدث و من زعم أنه يعبد الاسم و المعنى فقد جعل مع الله شريكا و من زعم أنه يعبد المعنى بالصفة لا بالإدراك فقد أحال على غائب و من زعم أنه يعبد الصفة و الموصوف فقد أبطل التوحيد لأن الصفة غير الموصوف و من زعم أنه يضيف الموصوف إلى الصفة فقد صغر الكبير و ما قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ قيل له فكيف سبيل التوحيد قال باب البحث ممكن و طلب المخرج موجود إن معرفة عين الشاهد قبل صفته و معرفة صفة الغائب قبل عينه قيل و كيف تعرف عين الشاهد قبل صفته قال تعرفه و تعلم علمه و تعرف نفسك به و لا تعرف نفسك بنفسك من نفسك و تعلم أن ما فيه له و به كما قالوا ليوسف إِنَّكَ لَأَنْتَ يُوسُفُ قالَ أَنَا يُوسُفُ وَ هذا أَخِي فعرفوه به و لم يعرفوه بغيره و لا أثبتوه من أنفسهم بتوهم القلوب أ ما ترى الله يقول ما كانَ لَكُمْ أَنْ تُنْبِتُوا شَجَرَها يقول ليس لكم أن تنصبوا إماما من قبل أنفسكم تسمونه محقا بهوى أنفسكم و إرادتكم ثم قال الصادق ع ثلاثة لا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ وَ لا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَ لا يُزَكِّيهِمْ وَ لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ من أنبت شجرة لم ينبته الله يعني من نصب إماما لم ينصبه الله أو جحد من نصبه الله و من زعم أن لهذين سهما في الإسلام و قد قال الله وَ رَبُّكَ يَخْلُقُ ما يَشاءُ وَ يَخْتارُ ما كانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ
صفة الإيمان قال ع معنى الإيمان الإقرار و الخضوع لله بذلك الإقرار و التقرب إليه به و الأداء له بعلم كل مفروض من صغير أو كبير من حد التوحيد فما دونه إلى آخر باب من أبواب الطاعة أولا فأولا مقرون ذلك كله بعضه إلى بعض موصول بعضه ببعض فإذا أدى العبد ما فرض عليه مما وصل إليه على صفة ما وصفناه فهو مؤمن مستحق لصفة الإيمان مستوجب للثواب و ذلك أن معنى جملة الإيمان الإقرار و معنى الإقرار التصديق بالطاعة فلذلك ثبت أن الطاعة كلها صغيرها و كبيرها مقرونة بعضها إلى بعض فلا يخرج المؤمن من صفة الإيمان إلا بترك ما استحق أن يكون به مؤمنا و إنما استوجب و استحق اسم الإيمان و معناه بأداء كبار الفرائض موصولة و ترك كبار المعاصي و اجتنابها و إن ترك صغار الطاعة و ارتكب صغار المعاصي فليس بخارج من الإيمان و لا تارك له ما لم يترك شيئا من كبار الطاعة و لم يرتكب شيئا من كبار المعاصي فما لم يفعل ذلك فهو مؤمن لقول الله إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبائِرَ ما تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئاتِكُمْ وَ نُدْخِلْكُمْ مُدْخَلًا كَرِيماً يعني المغفرة ما دون الكبائر فإن هو ارتكب كبيرة من كبائر المعاصي كان مأخوذا بجميع المعاصي صغارها و كبارها معاقبا عليها معذبا بها فهذه صفة الإيمان و صفة المؤمن المستوجب للثواب. صفة الإسلام و أما معنى الإسلام فهو الإقرار بجميع الطاعة الظاهر الحكم و الأداء له فإذا أقر المقر بجميع الطاعة في الظاهر من غير العقد عليه بالقلوب فقد استحق اسم الإسلام و معناه و استوجب الولاية الظاهرة و إجازة شهادته و المواريث و صار له ما للمسلمين و عليه ما على المسلمين فهذه صفة الإسلام و فرق ما بين المسلم و المؤمن أن المسلم إنما يكون مؤمنا بأن يكون مطيعا في الباطن مع ما هو عليه في الظاهر فإذا فعل ذلك بالظاهر كان مسلما و إذا فعل ذلك بالظاهر و الباطن بخضوع و تقرب بعلم كان مؤمنا فقد يكون العبد مسلما و لا يكون مؤمنا و لا يكون مؤمنا إلا و هو مسلم. صفة الخروج من الإيمان و قد يخرج من الإيمان بخمس جهات من الفعل كلها متشابهات معروفات الكفر و الشرك و الضلال و الفسق و ركوب الكبائر فمعنى الكفر كل معصية عصي الله بها بجهة الجحد و الإنكار و الاستخفاف و التهاون في كل ما دق و جل و فاعله كافر و معناه معنى كفر من أي ملة كان و من أي فرقة كان بعد أن تكون منه معصية بهذه الصفات فهو كافر. و معنى الشرك كل معصية عصي الله بها بالتدين فهو مشرك صغيرة كانت المعصية أو كبيرة ففاعلها مشرك. و معنى الضلال الجهل بالمفروض و هو أن يترك كبيرة من كبائر الطاعة التي لا يستحق العبد الإيمان إلا بها بعد ورود البيان فيها و الاحتجاج بها فيكون التارك لها تاركا بغير جهة الإنكار و التدين بإنكارها و جحودها و لكن يكون تاركا على جهة التواني و الإغفال و الاشتغال بغيرها فهو ضال متنكب طريق الإيمان جاهل به خارج منه مستوجب لاسم الضلالة و معناها ما دام بصفته التي وصفناه بها. فإن كان هو الذي مال بهواه إلى وجه من وجوه المعصية بجهة الجحود و الاستخفاف و التهاون كفر و إن هو مال بهواه إلى التدين بجهة التأويل و التقليد و التسليم و الرضا بقول الآباء و الأسلاف فقد أشرك و قل ما يلبث الإنسان على ضلالة حتى يميل بهواه إلى بعض ما وصفناه من صفته. و معنى الفسق فكل معصية من المعاصي الكبار فعلها فاعل أو دخل فيها داخل
بجهة اللذة و الشهوة و الشوق الغالب فهو فسق و فاعله فاسق خارج من الإيمان بجهة الفسق فإن دام في ذلك حتى يدخل في حد التهاون و الاستخفاف فقد وجب أن يكون بتهاونه و استخفافه كافرا. و معنى راكب الكبائر التي بها يكون فساد إيمانه فهو أن يكون منهمكا على كبائر المعاصي بغير الجحود و لا التدين و لا لذة و لا شهوة و لكن من جهة الحمية و الغضب يكثر القرف و السب و القتل و أخذ الأموال و حبس الحقوق و غير ذلك من المعاصي الكبائر التي يأتيها صاحبها بغير جهة اللذة و من ذلك الأيمان الكاذبة و أخذ الربا و غير ذلك التي يأتيها من أتاها بغير استلذاذ الخمر و الزنا و اللهو ففاعل هذه الأفعال كلها مفسد للإيمان خارج منه من جهة ركوبه الكبيرة على هذه الجهة غير مشرك و لا كافر و لا ضال جاهل على ما وصفناه من جهة الجهالة فإن هو مال بهواه إلى أنواع ما وصفناه من حد الفاعلين كان من صفاته. بيان حتى يتولاه أي يتولى الله و يطيعه أو يتولاه الله و في القاموس النمط محركة ضرب من البسط و الطريقة و النوع من الشيء و جماعة أمرهم واحد قوله ع من العذب الفرات أي من العلم الصافي من الشك و الشبهة و المراد بالعديم عادم المال أي الفقير بما هو و ما صفته أي التوحيد بتوهم القلوب أي بعقله فقط بدون معلم ينتهي علمه إلى الوحي و الإلهام أو بما تتوهمه الأوهام من الجسم و الصورة و المكان و أشباه ذلك فقد أقر بالطعن أي في الله و في ربوبيته لأنه جعله حادثا قوله ع بالصفة لا بالإدراك كأنه إشارة إلى نفي ما يقوله القائلون بالاشتراك اللفظي أي بأن يصفه بشيء لا يدرك معناه فقد أحال على غائب أي على شيء غاب عن ذهنه و لم يدركه بوجه أنه يعبد الصفة و الموصوف أي ذاتا موصوفة بصفات زائدة موجودة بأن يعبدهما معا و من زعم أنه يضيف الموصوف هو أن يقول بالصفات الزائدة لكن لم يعبد الصفات مع الذات بل الذات الموصوفة بها فهو و إن لم يشرك بالعبادة لكن صغر الكبير حيث جعل ذاته سبحانه محتاجة في كمالها أي غيرها و هي الصفات و كل محتاج ممكن. باب البحث ممكن أي طريق التفحص عن التوحيد ممكن و طلب المخرج عن الشبهات حاصل و الحاصل أن الله تعالى نصب لكم حجة يمكنكم أن تعرفوه و تتعلموا منه التوحيد ثم قال ع معرفة عين الحاضر قبل معرفة صفاته كما أن زيدا تراه أولا ثم تعرف أنه عالم أو جاهل و نسبه و سائر أحواله و معرفة صفة الغائب قبل عينه لأنه إنما يعرف بالصفات و يحتمل أن يكون المراد أن الإمام الذي يؤخذ منه التوحيد إن كان حاضرا يعرف عينه أولا ثم يعرف استحقاقه للإمامة بالدلائل و المعجزات و العلامات و الغائب بالعكس و يحتمل أن يراد بالشاهد الممكنات و المخلوقات و بالغائب الخالق. ثم سئل ع كيف تعرف عين الشاهد قبل صفته أي كيف يعرف عينه و صفاته قال تعرفه بالصفات التي تكون في الإمام و تعلم علمه أي تأخذ عنه العلم حتى إنك تعرف نفسك و صفاتها به و الحال أنك لا تعرف نفسك التي هي أقرب الأشياء منك بنفسك من قبل نفسك و هو يعرفك إياها أو المعنى تعلم كونه عالما بالسؤال عن غوامض العلوم و أنواعها و يعرف ما في نفسك أي يخبرك بما في قلبك و بما أنت غافل عنه من صفات نفسك و على الأول فيه إيماء إلى أنه إذا لم تعرف نفسك إلا ببيان الإمام و هي أقرب الأشياء منك تتوقع أن تعرف ربك بعقلك و تعلم أن ما فيه أي ما يدعيه من الإمامة له و به أي حاصلة له و مختصة به. ثم استشهد ع لكون معرفة عين الشاهد قبل صفته بقصة يوسف و إخوته حيث عرفوا ذاته أولا بالمشاهدة ثم عرفوا صفته و أنه أخوهم بما شاهدوا منه و سمعوا فعرفوا صفته أيضا بذاته كذلك الإمام تعرف صفته من ذاته و بما يسمع و يرى منه من علومه و معجزاته قوله ع و لا أثبتوه من أنفسهم بتوهم القلوب أي كما يعرف الأمور الغائبة بالدلائل العقلية أو النقلية. ثم أكد ع ما أومأ إليه سابقا من أن الإمام لا بد من أن يكون معروفا
بصفات خاصة لا توجد في غيره و إن الإمامة لا تكون باختيار الأمة صرح بذلك بتأويل قوله تعالى ما كانَ لَكُمْ أَنْ تُنْبِتُوا شَجَرَها بأن المراد بالشجر الإمام كما ورد في قوله تعالى كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ إن المراد بها شجرة النبوة و الإمامة و بإنباتها نصبه إماما بهوى أنفسهم و كأنه إشارة إلى أنه إذا لم يكن لهم القدرة و الاختيار في إنبات شجرة خلقها الله لمصلحة دينه من الأمور الدنيوية كيف يفوض إليهم و يمكنهم من نصب الإمام الذي هو مناط نظام العالم و علة خلقه و بقائه و به تناط مصالح الدين و الدنيا قوله و من زعم يدل على أن القول بعدم كفر المخالف كفر أو قريب منه و في الخبر فوائد جليلة ستعرف تفصيلها فيما سيأتي و تنتفع بها بعد التأمل فيها سيأتي و تنتفع بها بعد التأمل فيها في حل الأخبار الآتية
32- سن، ]المحاسن[ عن أبيه عن ابن سنان عن ابن بكير عن زرارة عن أبي عبد الله ع قال لو أن العباد وصفوا الحق و عملوا به و لم يعقد قلوبهم على أنه الحق ما انتفعوا
33- سن، ]المحاسن[ عن هارون بن الجهم عن الحسين بن ثوير عن أبي خديجة عن أبي عبد الله ع قال أتى رجل رسول الله ص فقال يا رسول الله إني جئتك أبايعك على الإسلام فقال له رسول الله ص أبايعك على أن تقتل أباك قال نعم فقال له رسول الله ص إنا و الله لا نأمركم بقتل آبائكم و لكن الآن علمت منك حقيقة الإيمان و أنك لن تتخذ من دون الله وليجة أطيعوا آباءكم فيما أمروكم و لا تطيعوهم في معاصي الله
بيان في النهاية وليجة الرجل بطانته و دخلاؤه و خاصته
34- سن، ]المحاسن[ عن أبيه عن عبد الله بن القاسم عن مدرك بن عبد الرحمن عن أبي عبد الله ع قال قال رسول الله ص الإسلام عريان فلباسه الحياء و زينته الوفاء و مروءته العمل الصالح و عماده الورع و لكل شيء أساس و أساس الإسلام حبنا أهل البيت
35- سن، ]المحاسن[ عنه عن أبيه عن ابن أبي عمير عن حماد بن عثمان عن عبيد بن زرارة عن أبي عبد الله ع قال قال رسول الله ص أيها الناس إني أمرت أن أقاتلكم حتى تشهدوا أن لا إله إلا الله و أني محمد رسول الله فإذا فعلتم ذلك حقنتم بها أموالكم و دماءكم إلا بحقها و كان حسابكم على الله
36- سن، ]المحاسن[ عن أبيه عن النضر عن يحيى الحلبي عن أيوب بن الحر عن أبي بصير قال كنت عند أبي جعفر ع فقال له سلام إن خيثمة بن أبي خيثمة حدثنا أنه سألك عن الإسلام فقلت له إن الإسلام من استقبل قبلتنا و شهد شهادتنا و نسك نسكنا و والى ولينا و عادى عدونا فهو مسلم قال صدق و سألك عن الإيمان فقلت الإيمان بالله و التصديق بكتابه و أن أحب في الله و أبغض في الله فقال صدق خيثمة
37- سن، ]المحاسن[ عن أبيه عن صفوان عن العلا عن محمد قال سألت أبا جعفر ع عن الإيمان فقال الإيمان ما كان في القلب و الإسلام ما كان عليه المناكح و المواريث و تحقن به الدماء و الإيمان يشرك الإسلام و الإسلام لا يشرك الإيمان
38- يج، ]الخرائج و الجرائح[ روي عن أبي عبد الله ع قال إن رسول الله ص كان يسير في بعض مسيره فقال لأصحابه يطلع عليكم من بعض هذه الفجاج شخص ليس له عهد بإبليس منذ ثلاثة أيام فما لبثوا أن أقبل أعرابي قد يبس جلده على عظمه و غارت عيناه في رأسه و اخضرت شفتاه من أكل البقل فسأل عن النبي ص في أول الرفاق حتى لقيه فقال له اعرض علي الإسلام فقال قل أشهد أن لا إله إلا الله و أني محمد رسول الله قال أقررت قال تصلي الخمس و تصوم شهر رمضان قال أقررت قال تحج البيت الحرام و تؤدي الزكاة و تغتسل من الجنابة قال أقررت فتخلف بعير الأعرابي و وقف النبي فسأل عنه فرجع الناس في طلبه فوجدوه في آخر العسكر قد سقط خف بعيره في حفرة من حفر الجرذان فسقط فاندقت عنق الأعرابي و عنق البعير و هما ميتان فأمر النبي فضربت خيمة فغسل فيه ثم دخل النبي فكفنه فسمعوا للنبي حركة فخرج و جبينه يترشح عرقا و قال إن هذا الأعرابي مات و هو جائع و هو ممن آمن و لم يلبس إيمانه بظلم فابتدره الحور العين بثمار الجنة يحشون بها شدقه هذه تقول يا رسول الله اجعلني في أزواجه و هذه تقول يا رسول الله اجعلني في أزواجه
39- شي، ]تفسير العياشي[ عن حمران عن أبي جعفر ع قال قلت له أ رأيت المؤمن له فضل على المسلم في شيء من المواريث و القضايا و الأحكام حتى يكون للمؤمن أكثر مما يكون للمسلم في المواريث أو غير ذلك قال لا هما يجريان في ذلك مجرى واحدا إذا حكم الإمام عليهما و لكن للمؤمن فضلا على المسلم في أعمالهما و ما يتقربان به إلى الله قال فقلت أ ليس الله يقول مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثالِها و زعمت أنهم مجتمعون على الصلاة و الزكاة و الصوم و الحج مع المؤمن قال فقال أ ليس الله قد قال وَ اللَّهُ يُضاعِفُ لِمَنْ يَشاءُ أضعافا كثيرة فالمؤمنون هم الذين يضاعف الله لهم الحسنات لكل حسنة سبعين ضعفا فهذا من فضلهم و يزيد الله المؤمن في حسناته على قدر صحة إيمانه أضعافا مضاعفة كثيرة و يفعل الله بالمؤمنين ما يشاء
بيان وَ اللَّهُ يُضاعِفُ أقول الآية في البقرة في موضعين أحدهما مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً فَيُضاعِفَهُ لَهُ أَضْعافاً كَثِيرَةً و ثانيهما مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ وَ اللَّهُ يُضاعِفُ لِمَنْ يَشاءُ وَ اللَّهُ واسِعٌ عَلِيمٌ و كأنه جمع بين الآيتين إشارة إليهما لو لم يكن من تحريف الرواة كما يدل عليه ما مر من رواية الكافي
40- شي، ]تفسير العياشي[ عن محمد بن مسلم قال سألت أبا جعفر ع عن قوله إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلامُ فقال يعني الدين فيه الإيمان
41- شي، ]تفسير العياشي[ عن أبي عمرو الزبيري عن أبي عبد الله ع في قوله وَ لْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَ يَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ قال في هذه الآية تكفير أهل القبلة بالمعاصي لأنه من لم يكن يدعو إلى الخيرات و يأمر بالمعروف و ينهى عن المنكر من المسلمين فليس من الأمة التي وصفها الله لأنكم تزعمون أن جميع المسلمين من أمة محمد قد بدت هذه الآية و قد وصفت أمة محمد بالدعاء إلى الخير و الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر و من لم يوجد فيه الصفة التي وصفت بها فكيف يكون من الأمة و هو على خلاف ما شرطه الله على الأمة و وصفها به
بيان كان المعنى أن الأمة أمتان أمة دعوة و أمة إجابة و أمة الدعوة تشمل الكفار أيضا و أمة الإجابة هم الذين أجابوا الرسول فيما دعاهم إليه فالأمة المذكورة في هذه الآية أمة الإجابة و قد وصفهم بأوصاف فمن لم تكن فيه تلك الأوصاف لم تكن منها لكن روي في الكافي في كتاب الجهاد خبرا آخر عن هذا الراوي بعينه و فيه دلالة على أن المراد بالأمة الأئمة ع فيمكن أن يكون لأمة الإجابة أيضا مراتب كما أن للمؤمنين منازل
42- م، ]تفسير الإمام عليه السلام[ قوله عز و جل الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ قال الإمام ع ثم وصف هؤلاء المتقين الذين هذا الكتاب هدى لهم فقال الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ يعني بما غاب عن حواسهم من الأمور التي يلزمهم الإيمان بها كالبعث و الحساب و الجنة و النار و توحيد الله و سائر ما لا يعرف بالمشاهدة و إنما يعرف بدلائل قد نصبها الله عز و جل عليها كآدم و حواء و إدريس و نوح و إبراهيم و الأنبياء الذين يلزمهم الإيمان بهم و بحجج الله و إن لم يشاهدوهم و يؤمنون بِالْغَيْبِ وَ هُمْ مِنَ السَّاعَةِ مُشْفِقُونَ
43- م، ]تفسير الإمام عليه السلام[ قوله عز و جل وَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَ ما أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَ بِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ قال الإمام ع ثم وصف بعد هؤلاء الذين يقيمون الصلاة فقال وَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ يا محمد وَ ما أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ على الأنبياء الماضين كالتوراة و الإنجيل و الزبور و صحف إبراهيم و سائر كتب الله المنزلة على أنبيائه بأنه حق و صدق من عند رب عزيز صادق حكيم وَ بِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ بالدار الآخرة بعد هذه الدنيا لا يشكون فيها بأنها الدار التي فيها جزاء الأعمال الصالحة بأفضل مما عملوه و عقاب الأعمال بمثل ما كسبوه قال الإمام ع من دفع فضل أمير المؤمنين صلوات الله عليه على جميع من بعد النبي ص فقد كذب بالتوراة و الإنجيل و الزبور و صحف إبراهيم و سائر كتب الله المنزلة فإنه ما نزل شيء منها إلا و أهم ما فيه بعد الأمر بتوحيد الله تعالى و الإقرار بالنبوة الاعتراف بولايته و الطيبين من آله ع و لقد قال رجل لعلي بن الحسين ع ما تقول في رجل يؤمن بما أنزل على محمد ص و ما أنزل من قبله و يؤمن بالآخرة و يصلي و يزكي و يصل الرحم و يعمل الصالحات لكنه يقول مع ذلك لا أدري الحق لعلي أو فلان فقال علي بن الحسين ع ما تقول أنت في رجل يفعل هذه الخيرات كلها إلا أنه يقول لا أدري النبي محمد أو مسيلمة هل ينتفع بشيء من هذه الأفعال فقال لا قال فكذلك صاحبك هذا كيف يكون مؤمنا بهذه الكتب من لا يدري أ محمد نبي أم مسيلمة و كذلك كيف يكون مؤمنا بهذه الكتب و الآخرة أو منتفعا بشيء من أعماله من لا يدري أ علي محق أم فلان قوله عز و جل أُولئِكَ عَلى هُدىً مِنْ رَبِّهِمْ وَ أُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ قال الإمام ع ثم أخبر الله جل جلاله عن هؤلاء الموصوفين بهذه الصفات الشريفة فقال أُولئِكَ أهل هذه الصفات عَلى هُدىً بيان و صواب مِنْ رَبِّهِمْ و علم بما أمرهم به وَ أُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ الناجون مما منه يوجلون الفائزون بما به يؤمنون قوله عز و جل إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَواءٌ عَلَيْهِمْ أَ أَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لا يُؤْمِنُونَ قال الإمام فلما ذكر هؤلاء المؤمنين و مدحهم ذكر الكافرين المخالفين لهم في كفرهم فقال إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بالله و بما آمن به هؤلاء المؤمنون بتوحيد الله و بنبوة محمد رسول الله و بوصية علي ولي الله و وصي رسول الله و الأئمة الطيبين الطاهرين خيار عباد الله الميامين القوامين بمصالح خلق الله تعالى سَواءٌ عَلَيْهِمْ أَ أَنْذَرْتَهُمْ خوفتهم أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لم تخوفهم لا يُؤْمِنُونَ أخبر عن علمه فيهم و هم الذين قد علم الله عز و جل أنهم لا يؤمنون
44- م، ]تفسير الإمام عليه السلام[ قوله عز و جل يا أَيُّهَا النَّاسُ قال الإمام العسكري ع قال علي بن الحسين يعني سائر المكلفين من ولد آدم ع اعْبُدُوا رَبَّكُمُ أجيبوا ربكم من حيث أمركم أن تعتقدوا أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له و لا شبيه و لا مثل عدل لا يجور جواد لا يبخل حليم لا يعجل حكيم لا يخطل و أن محمدا عبده و رسوله ص و آله الطيبين و بأن آل محمد أفضل آل النبيين و أن عليا أفضل آل محمد و أن أصحاب محمد المؤمنين منهم أفضل صحابة المرسلين و و بأن أمة محمد أفضل أمم المرسلين الَّذِي خَلَقَكُمْ نسما و سواكم من بعد ذلك و صوركم فأحسن صوركم وَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ قال و خلق الذين من قبلكم من سائر أصناف الناس لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ قال لها وجهان أحدهما خلقكم و خلق الذين من قبلكم لعلكم تتقون أي لتتقوا كما قال الله وَ ما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَ الْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ و الوجه الآخر اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ أي اعبدوه لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ النار و لعل من الله واجب لأنه أكرم من أن يعني عبده بلا منفعة و يطعمه في فضله ثم يخيبه أ لا ترى أنه كيف قبح من عبد من عباده إذا قال لرجل اخدمني لعلك تنتفع مني و تخدمني و لعلي أنفعك بها فيخدمه ثم يخيبه و لا ينفعه فالله عز و جل أكرم في أفعاله و أبعد من القبيح في أعماله من عباده
بيان في القاموس الخطل محركة خفة و سرعة و الكلام الفاسد الكثير خطل كفرح فهو أخطل و خطل فيهما و الاضطراب في الإنسان لها وجهان أقول الفرق بينهما أنه على الأول علة الخلق و على الثاني علة العبادة و القاضي ذكر الأول و ضعفه بأنه لم يرد في اللغة و اختار أنه حال عن الضمير في اعبدوا أو عن مفعول خلقكم قوله ع من أن يعني بالنون على بناء التفعيل أو الإفعال أي يوقعه في التعب و النصب و في بعض النسخ بالياء و هو قريب منه من قولهم أعيا السير البعير أي أكله و الأول أظهر
45- شي، ]تفسير العياشي[ عن أبي العباس عن أبي عبد الله ع في قول الله سُنَّةَ مَنْ قَدْ أَرْسَلْنا قَبْلَكَ مِنْ رُسُلِنا قال هي سنة محمد و من كان قبله من الرسل و هو الإسلام
46- كتاب سليم بن قيس الهلالي، قال قلت لأمير المؤمنين ع ما الإيمان و ما الإسلام قال أما الإيمان فالإقرار بعد المعرفة و الإسلام فما أقررت به و التسليم للأوصياء و الطاعة لهم و في رواية أخرى و الإسلام إذا ما أقررت به قلت الإيمان الإقرار بعد المعرفة قال من عرفه الله نفسه و نبيه و إمامه ثم أقر بطاعته فهو مؤمن
و عن أبان عن سليم قال سمعت علي بن أبي طالب ع و سأله رجل عن الإيمان فقال يا أمير المؤمنين أخبرني عن الإيمان لا أسأل عنه أحدا بعدك قال جاء رجل إلى النبي ص فسأله عن مثل ما سألتني عنه فقال له مثل مقالتك فأخذ يحدثه ثم قال له افعل آمنت ثم أقبل علي ع على الرجل فقال أ ما علمت أن جبرئيل أتى رسول الله ص في صورة آدمي فقال له ما الإسلام فقال شهادة أن لا إله إلا الله و أن محمدا رسول الله و إقام الصلاة و إيتاء الزكاة و حج البيت و صيام شهر رمضان و الغسل من الجنابة قال فما الإيمان قال نؤمن بالله و ملائكته و كتبه و رسله و بالحياة بعد الموت و بالقدر كله خيره و شره و حلوه و مره فلما قام الرجل قال رسول الله ص هذا جبرئيل جاءكم يعلمكم دينكم فكان رسول الله كلما قال له شيئا قال له صدقت قال فمتى الساعة قال ما المسئول عنها بأعلم من السائل قال صدقت ثم قال علي ع بعد ما فرغ من قول جبرئيل صدقت أ لا إن الإيمان بني على أربع دعائم على اليقين و الصبر و العدل و الجهاد
أقول ساق الحديث إلى آخر ما سيأتي في باب دعائم الإسلام
47- نوادر الراوندي، بإسناده عن موسى بن جعفر عن آبائه ع قال قال رسول الله ص إن الله تعالى جعل الإسلام دينه و جعل كلمة الإخلاص حسنا له فمن استقبل قبلتنا و شهد شهادتنا و أحل ذبيحتنا فهو مسلم له ما لنا و عليه ما علينا
و بهذا الإسناد قال قال رسول الله ص أربعة يستأنفون العمل المريض إذا برأ و المشرك إذا أسلم و الحاج إذا فرغ و المنصرف من الجمعة إيمانا و احتسابا
48- نهج، ]نهج البلاغة[ قال أمير المؤمنين ع في بعض ما احتج به على الخوارج و قد علمتم أن رسول الله ص رجم الزاني ثم صلى عليه ثم ورثه أهله و قتل القاتل و ورث ميراثه أهله و قطع السارق و جلد الزاني غير المحصن ثم قسم عليهما من الفيء و نكحا المسلمات فأخذهم رسول الله ص بذنوبهم و أقام حق الله فيهم و لم يمنعهم سهمهم من الإسلام و لم يخرج أسماءهم من بين أهله و ساقه إلى قوله ع و الزموا السواد الأعظم فإن يد الله على الجماعة و إياكم و الفرقة فإن الشاذ من الناس للشيطان كما أن الشاذة من الغنم للذئب ألا من دعا إلى هذا الشعار فاقتلوه و لو كان تحت عمامتي هذه
توضيح غرضه ع رفع شبهتهم لعنهم الله في الحكم بكفر أصحاب الكبائر مطلقا و لذا كفروه صلوات الله عليه للرضا بالتحكيم فاحتج عليهم بأن النبي ص لم يخرج أصحاب الكبائر من الإسلام و أجرى فيهم أحكام المسلمين فأبطل بذلك ما زعموا أن الدار دار كفر لا يجوز الكف عن أحد من أهلها و قتلوا الناس حتى الأطفال و قتلوا البهائم أيضا لذلك و السواد العدد الكثير و الجماعة من الناس و يد الله كناية عن الحفظ و الدفاع أي إن الجماعة المجتمعين على إمام الحق في كنف الله و حفظه و ما استدل به على العمل بالمشهورات و الإجماعات الغير الثابت دخول المعصوم فيها فلا يخفى وهنه لورود الأخبار المتكاثرة و دلالة الآيات المتظافرة على أن أكثر الخلق على الضلال و الحق مع القليل و كان هذا الشعار إشارة إلى قولهم لا حكم إلا لله و لا حكم إلا الله و قيل كان شعارهم أنهم كانوا يحلقون وسط رءوسهم و يبقون الشعر مستديرا حوله كالإكليل و قيل هو مفارقة الجماعة و الاستبداد بالرأي و لو كان تحت عمامتي أي و لو اعتصم بأعظم الأشياء حرمة و قيل كنى بها عن أقصى القرب من عنايته و قيل أراد و لو كان الداعي أنا و أقول قد مضى تمام الكلام مشروحا في كتاب الفتن
49- نهج، ]نهج البلاغة[ إن الله تعالى أنزل كتابا هاديا بين فيه الخير و الشر فخذوا نهج الخير تهتدوا و اصدفوا عن سمت الشر تقصدوا الفرائض الفرائض أدوها إلى الله تؤدكم إلى الجنة إن الله حرم حراما غير مجهول و فضل حرمة المسلم على الحرم كلها و شد بالإخلاص و التوحيد حقوق المسلمين في معاقدها فالمسلم من سلم المسلمون من لسانه و يده إلا بالحق و لا يحل أذى المسلم إلا بما يجب بادروا أمر العامة و خاصة أحدكم و هو الموت إلى قوله و اتقوا الله في عباده و بلاده فإنكم مسئولون حتى عن البقاع و البهائم الخطبة
بيان النهج بالفتح الطريق الواضح و صدف عنه كمنع أي أعرض و السمت الطريق و القصد استقامة الطريق يقال قصد فلان كضرب إذا رشد و الفرائض مكررا نصب على الإغراء و الحرم جمع حرمة و هو اسم من الاحترام و شد الحقوق بالإخلاص و التوحيد و ربطه بهما هو الله تعالى أوجب على المخلصين الموحدين المحافظة عليها و جعلها مكملا لهما و معاقدها مواضعها و ما يجب أي ما يلزم و يثبت و هو كالتأكيد لقوله إلا بالحق و المراد بالمبادرة إلى الموت الرضا به و التهيؤ له و الاستعداد لما بعده و الموت و إن كان يعم كل حيوان إلا أن له مع كل أحد خصوصية و كيفية مخالفة لحاله مع غيره و التقوى في العباد اتباع أمر الله في المعاملات و الأمور الدائرة بين الناس و في البلاد القيام بحق المقام و العمل في كل مكان بما أمر به و السؤال عن البقاع لم أخربتم هذه و لم عمرتم هذه و لم لم تعبدوا الله فيها و عن البهائم لم أجعتموها أو أوجعتموها و لم لم تقوموا بشأنها و رعاية حقها
-50 الهداية، الإسلام هو الإقرار بالشهادتين و هو الذي يحقن به الدماء و الأموال و من قال لا إله إلا الله محمد رسول الله فقد حقن ماله و دمه إلا بحقيهما و على الله حسابه و الإيمان هو إقرار باللسان و عقد بالقلب و عمل بالجوارح و أنه يزيد بالأعمال و ينقص بتركها و كل مؤمن مسلم و ليس كل مسلم مؤمن و مثل ذلك مثل الكعبة و المسجد فمن دخل الكعبة فقد دخل المسجد و ليس كل من دخل المسجد دخل الكعبة و قد فرق الله عز و جل اسمه في كتابه بين الإسلام و الإيمان فقال قالَتِ الْأَعْرابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَ لكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنا و قد بين الله عز و جل أن الإيمان قول و عمل لقوله إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَ إِذا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آياتُهُ زادَتْهُمْ إِيماناً وَ عَلى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَ مِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ أُولئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا و أما قوله عز و جل فَأَخْرَجْنا مَنْ كانَ فِيها مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فَما وَجَدْنا فِيها غَيْرَ بَيْتٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ فليس ذلك بخلاف ما ذكرنا لأن المؤمن يسمى مسلما و المسلم لا يسمى مؤمنا حتى يأتي مع إقراره بعمل و أما قوله عز و جل وَ مَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلامِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَ هُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخاسِرِينَ فقد سئل الصادق ع عن ذلك فقال هو الإسلام الذي فيه الإيمان
51- مشكاة الأنوار، نقلا من كتاب المحاسن عن أبي عبد الله ع قال أتى رجل إلى رسول الله ص فقال يا رسول الله إني جئت لأبايعك على الإسلام فقال له رسول الله ص على أن تقتل أباك فقبض الرجل يده و انصرف ثم عاد و قال يا رسول الله إني جئت لأبايعك على الإسلام فقال له أن تقتل أباك قال نعم فقال له رسول الله إن المؤمن يرى يقينه في عمله و الكافر يرى إنكاره في عمله فو الذي نفسي بيده ما عرفوا أمرهم فاعتبروا إنكار الكافرين و المنافقين بأعمالهم الخبيثة
بيان كان قوله فو الذي من كلام أبي عبد الله ع و فاعل عرفوا المخالفون أمرهم أي أمر دينهم
52- المشكاة، من المحاسن عن أمير المؤمنين ع قال من استقبل قبلتنا و أكل ذبيحتنا و آمن بنبينا و شهد شهادتنا دخل في ديننا أجرينا عليه حكم القرآن و حدود الإسلام ليس لأحد على أحد فضل إلا بالتقوى ألا و إن للمتقين عند الله أفضل الثواب و أحسن الجزاء و المآب
53- كا، ]الكافي[ عن علي بن إبراهيم عن محمد بن عيسى عن يونس عن سلام الجعفي قال سألت أبا عبد الله ع فقال الإيمان أن يطاع الله فلا يعصى
بيان أقول هذا أحد معاني الإيمان و حمله القوم على الإيمان الكامل قال بعض المحققين قدس سره هذا مجمل القول في الإيمان و يفصله سائر الأخبار بعض التفصيل و أما الضابط الكلي الذي يحيط بحدوده و مراتبه و يعرفه حق التعريف أن الإيمان الكامل الخالص المنتهى تمامه هو التسليم لله تعالى و التصديق بما جاء به النبي ص لسانا و قلبا على بصيرة مع امتثال جميع الأوامر و النواهي كما هي و ذلك إنما يمكن تحققه بعد بلوغ الدعوة النبوية إليه في جميع الأمور أما من لم تصل إليه الدعوة في جميع الأمور أو في بعضها لعدم سماعه أو عدم فهمه فهو ضال أو مستضعف ليس بكافر و لا مؤمن و هو أهون الناس عذابا بل أكثر هؤلاء لا يرون عذابا و إليهم الإشارة بقوله سبحانه إِلَّا الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجالِ وَ النِّساءِ وَ الْوِلْدانِ لا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَ لا يَهْتَدُونَ سَبِيلًا. و من وصلت إليه الدعوة فلم يسلم و لم يصدق و لو ببعضها إما لاستكبار و علو أو لتقليد للأسلاف و تعصب لهم أو غير ذلك فهو كافر بحسبه أي بقدر عدم تسليمه و ترك تصديقه كفر جحود و عذابه عظيم على حسب جحوده و إليهم الإشارة بقوله سبحانه إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَواءٌ عَلَيْهِمْ أَ أَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لا يُؤْمِنُونَ خَتَمَ اللَّهُ عَلى قُلُوبِهِمْ وَ عَلى سَمْعِهِمْ وَ عَلى أَبْصارِهِمْ غِشاوَةٌ وَ لَهُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ. و من وصلت إليه الدعوة فصدقها بلسانه و ظاهره لعصمة ماله أو دمه أو غير ذلك من الأغراض و أنكرها بقلبه و باطنه لعدم اعتقاده بها فهو كافر كفر نفاق و هو أشدهم عذابا و عذابه أليم بقدر نفاقه و إليهم الإشارة بقوله سبحانه وَ مِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ وَ بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَ ما هُمْ بِمُؤْمِنِينَ يُخادِعُونَ اللَّهَ وَ الَّذِينَ آمَنُوا وَ ما يَخْدَعُونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَ ما يَشْعُرُونَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزادَهُمُ اللَّهُ مَرَضاً وَ لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ بِما كانُوا يَكْذِبُونَ إلى قوله إِنَّ اللَّهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ. و من وصلت إليه الدعوة فاعتقدها بقلبه و باطنه لظهور حقيتها لديه و جحدها أو بعضها بلسانه و لم يعترف بها حسدا و بغيا و عتوا و علوا أو تقليدا و تعصبا أو غير ذلك فهو كافر كفر تهود و عذابه قريب من عذاب المنافق و إليهم الإشارة بقوله عز و جل الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ يَعْرِفُونَهُ كَما يَعْرِفُونَ أَبْناءَهُمْ وَ إِنَّ فَرِيقاً مِنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَ هُمْ يَعْلَمُونَ و قوله فَلَمَّا جاءَهُمْ ما عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ فَلَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الْكافِرِينَ و قوله إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ ما أَنْزَلْنا مِنَ الْبَيِّناتِ وَ الْهُدى مِنْ بَعْدِ ما بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتابِ أُولئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَ يَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ و قوله وَ يَقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَ نَكْفُرُ بِبَعْضٍ وَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَّخِذُوا بَيْنَ ذلِكَ سَبِيلًا أُولئِكَ هُمُ الْكافِرُونَ حَقًّا و قوله أَ فَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتابِ وَ تَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ إلى قوله أَشَدِّ الْعَذابِ. و من وصلت إليه الدعوة فصدقها بلسانه و قلبه و لكن لا يكون على بصيرة من دينه إما لسوء فهمه مع استبداده بالرأي و عدم تابعيته للإمام أو نائبه المقتفي أثره حقا و إما لتقليد و تعصب للآباء و الأسلاف المستبدين بآرائهم مع سوء أفهامهم أو غير ذلك فهو كافر كفر ضلالة و عذابه على قدر ضلالته و قدر ما يضل فيه من أمر الدين و إليهم الإشارة بقوله عز و جل يا أَهْلَ الْكِتابِ لا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ وَ لا تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ حيث قالوا عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ أو الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ و بقوله تعالى يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُحَرِّمُوا طَيِّباتِ ما أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ وَ لا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ
و بقول نبينا ص اتخذ الناس رؤساء جهالا فسئلوا فأفتوا بغير علم فضلوا و أضلوا
و من وصلت إليه الدعوة فصدقها بلسانه و قلبه على بصيرة و اتباع للإمام أو نائبه الحق إلا أنه لم يمتثل جميع الأوامر و النواهي بل أتى ببعض دون بعض بعد أن اعترف بقبح ما يفعله و لكن لغلبة نفسه و هواه عليه فهو فاسق عاص و الفسق لا ينافي أصل الإيمان و لكن ينافي كماله و قد يطلق عليه الكفر و عدم الإيمان أيضا إذا ترك كبار الفرائض أو أتى بكبار المعاصي كما في قوله عز و جل وَ لِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَ مَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعالَمِينَ
و قول النبي ص لا يزني الزاني حين يزني و هو مؤمن
و ذلك لأن إيمان مثل هذا لا يدفع عنه أصل العذاب و دخول النار و إن دفع عنه الخلود فيها فحيث لا يفيده في جميع الأحوال فكأنه مفقود. و التحقيق فيه أن المتروك إن كان أحد الأصول الخمسة التي بني الإسلام عليها أو المأتي به إحدى الكبائر من المنهيات فصاحبه خارج عن أصل الإيمان أيضا ما لم يتب أو لم يحدث نفسه بتوبة لعدم اجتماع ذلك مع التصديق القلبي فهو كافر كفر استخفاف و عليه يحمل ما روي من دخول العمل في أصل الإيمان
روى ابن أبي شعبة عن الصادق ع في حديث طويل أنه قال لا يخرج المؤمن من صفة الإيمان إلا بترك ما استحق أن يكون به مؤمنا و إنما استوجب و استحق اسم الإيمان و معناه بأداء كبار الفرائض موصولة و ترك كبار المعاصي و اجتنابها و إن ترك صغار الطاعة و ارتكب صغار المعاصي فليس بخارج من الإيمان و لا تارك له ما لم يترك شيئا من كبار الطاعة و ارتكاب شيء من المعاصي فما لم يفعل ذلك فهو مؤمن لقول الله إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبائِرَ ما تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئاتِكُمْ وَ نُدْخِلْكُمْ مُدْخَلًا كَرِيماً يعني مغفرة ما دون الكبائر فإن هو ارتكب كبيرة من كبائر المعاصي كان مأخوذا بجميع المعاصي صغارها و كبارها معاقبا عليها معذبا بها
إلى هنا كلام الصادق ع. إذا عرفت هذا فاعلم أن كل من جهل أمرا من أمور دينه بالجهل البسيط فقد نقص إيمانه بقدر ذلك الجهل و كل من أنكر حقا واجب التصديق لاستكبار أو هوى أو تقليد أو تعصب فله عرق من كفر الجحود و كل من أظهر بلسانه ما لم يعتقد بباطنه و قلبه لغير غرض ديني كالتقية في محلها و نحو ذلك أو عمل عملا أخرويا لغرض دنيوي فله عرق من النفاق و كل من كتم حقا بعد عرفانه أو أنكر ما لم يوافق هواه و قبل ما يوافقه فله عرق من التهود و كل من استبد برأيه و لم يتبع إمام زمانه أو نائبه الحق أو من هو أعلم منه في أمر من الأمور الدينية فله عرق من الضلالة و كل من أتى حراما أو شبهه أو توانى في طاعة مصرا على ذلك فله عرق من الفسوق فإن كان ذلك ترك كبير فريضة أو إتيان كبير معصية فله عرق من كفر الاستخفاف و مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ في جميع الأمور من غير غرض و هوى و اتبع إمام زمانه أو نائبه الحق آتيا بجميع أوامر الله و نواهيه من غير توان و لا مداهنة فإذا أذنب ذنبا استغفر من قريب و تاب أو زلت قدمه استقام و أناب فهو المؤمن الكامل الممتحن و دينه هو الدين الخالص و هو الشيعي حقا و الخالص صدقا أولئك أصحاب أمير المؤمنين بل هو من أهل البيت ع إذا كان عالما بأمرهم لسرهم كما قالوا سلمان منا أهل البيت
54- كا، ]الكافي[ عن العدة عن البرقي عن أبيه عن النضر عن يحيى بن عمران الحلبي عن أيوب بن الحر عن أبي بصير قال كنت عند أبي جعفر ع فقال له سلام إن خيثمة بن أبي خيثمة يحدثنا عنك أنه سألك عن الإسلام فقلت إن الإسلام من استقبل قبلتنا و شهد شهادتنا و نسك نسكنا و والى ولينا و عادى عدونا فهو مسلم فقال صدق خيثمة قلت و سألك عن الإيمان فقلت الإيمان بالله و التصديق بكتاب الله تعالى و أن لا يعصي الله فقال صدق خيثمة
بيان سلام يحتمل ابن المستنير الجعفي و ابن أبي عمرة الخراساني و كلاهما مجهولان من أصحاب الباقر ع و خيثمة بفتح الخاء ثم الياء المثناة الساكنة ثم المثلثة المفتوحة غير مذكور في الرجال قوله من استقبل قبلتنا أي دين من استقبل فقوله فهو مسلم تفريع و تأكيد أو قوله فهو مسلم قائم مقام العائد لأنه بمنزلة فهو صاحبه أو فهو المتصف به و في بعض النسخ ما استقبل و لا يستقيم إلا بتكلف بأن استعمل ما مكان من أو يكون تقديره ما استقبل به المرء قبلتنا و شهد شهادتنا أي شهادة جميع المسلمين و نسك نسكنا أي عبد كعبادة المسلمين فيأتي بالصلاة و الزكاة و الصوم و الحج أو المراد بالنسك أفعال الحج أو الذبح قال الراغب النسك العبادة و الناسك العابد و اختص بأعمال الحج و المناسك مواقف النسك و أعمالها و النسيكة مختصة بالذبيحة قال فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ و قال تعالى فَإِذا قَضَيْتُمْ مَناسِكَكُمْ و قال مَنْسَكاً هُمْ ناسِكُوهُ. و والى ولينا أي والى جميع المسلمين و عادى عدونا أي عدو جميع المسلمين و هم المشركون و سائر الكفار فهذا يشمل جميع فرق المسلمين فالتصديق بكتاب الله يدخل فيه الإقرار بالرسالة و الإمامة و العدل و المعاد و أن لا يعصي الله بالعمل بالفرائض و ترك الكبائر أو العمل بجميع الواجبات و ترك جميع المحرمات. و الحاصل أنه يحتمل أن يكون المراد بالإسلام الإسلام الظاهري و إن لم يكن مر التصديق القلبي و بالإيمان العقائد القلبية مع الإقرار بالولاية و الإتيان بالأعمال و يحتمل أن يكون المراد بقوله والى ولينا و عادى عدونا موالاة أولياء الأئمة ع و معاداة أعدائهم فالإسلام عبارة عن الإذعان بجميع العقائد الحقة ظاهرا أو ظاهرا و باطنا و الإيمان عبارة عن انضمام العقائد القلبية و الأعمال معه أو الأعمال فقط و على كل تقدير يرجع إلى أحد المعاني المتقدمة لهما
55- كا، ]الكافي[ عن محمد بن الحسن عن بعض أصحابنا عن الأشعث بن محمد عن محمد بن حفص بن خارجة قال سمعت أبا عبد الله ع يقول و سأله رجل عن قول المرجئة في الكفر و الإيمان و قال أنهم يحتجون علينا و يقولون كما أن الكافر عندنا هو الكافر عند الله فكذلك نجد المؤمن إذا أقر بإيمانه أنه عند الله مؤمن فقال سبحان الله كيف يستوي هذان و الكفر إقرار من العبد فلا يكلف بعد إقراره ببينة و الإيمان دعوى لا تجوز إلا ببينة و بينته عمله و نيته فإذا اتفقا فالعبد عند الله مؤمن و الكفر موجود بكل جهة من هذه الجهات الثلاث من نية أو قول أو عمل و الأحكام تجري على القول و العمل فما أكثر من يشهد له المؤمنون بالإيمان و يجري عليه أحكام المؤمنين و هو عند الله كافر و قد أصاب من أجرى عليه أحكام المؤمنين بظاهر قوله و عمله
بيان مفعول يقول قوله سبحان الله إلى آخر الكلام و إعادة فقال للتأكيد لطول الفصل و قد مر أن المرجئة قوم يقولون إنه لا يضر مع الإيمان معصية كما أنه لا ينفع مع الكفر طاعة و يظهر من هذا الخبر أنهم كانوا يقولون بأن الإيمان هو الإقرار الظاهري و لا يشترط فيه الاعتقاد القلبي و كذا الكفر لكنه غير مشهور عنهم. قال في المواقف و شرحه من كبار الفرق الإسلامية المرجئة لقبوا به لأنهم يرجئون العمل عن النية أي يؤخرونه أو لأنهم يقولون لا يضر مع الإيمان معصية كما لا ينفع مع الكفر طاعة فهم يعطون الرجاء و على هذا ينبغي أن لا يهمز لفظ المرجئة و فرقهم خمس اليونسية أصحاب يونس النميري قالوا الإيمان هو المعرفة بالله و الخضوع له و المحبة بالقلب فمن اجتمعت فيه هذه الصفات فهو مؤمن و لا يضر معها ترك الطاعات و ارتكاب المعاصي و لا يعاقب عليها و العبيدية أصحاب العبيد المكذب زادوا على اليونسية أن علم الله لا يزال شيئا مع غيره و أنه تعالى على صورة الإنسان و الغسانية أصحاب غسان الكوفي قالوا الإيمان هو المعرفة بالله و رسوله و بما جاء من عندهما إجمالا لا تفصيلا و هو لا يزيد و لا ينقص و غسان كان يحكيه عن أبي حنيفة و هو افتراء عليه فإنه لما قال الإيمان هو التصديق و لا يزيد و لا ينقص ظن به الإرجاء بتأخير العمل عن الإيمان و الثوبانية أصحاب ثوبان المرجي قالوا الإيمان هو المعرفة و الإقرار بالله و رسوله و بكل ما لا يجوز في العقل أن يعقله و أما ما جاز في العقل أن يعقله فليس الاعتقاد به من الإيمان و أخروا العمل كله من الإيمان و الثومنية أصحاب أبي معاذ الثومني قالوا الإيمان هو المعرفة و التصديق و المحبة و الإخلاص و الإقرار بما جاء به الرسول و ترك كله أو بعضه كفر و ليس بعضه إيمانا و لا بعض إيمان و كل معصية لم يجمع على أنه كفر فصاحبه يقال أنه فسق و عصى و إنه فاسق و من ترك الصلاة مستحلا كفر لتكذيبه بما جاء به النبي ص و من تركها بنية القضاء لم يكفر و قالوا السجود للصنم ليس كفرا بل هو علامة الكفر فهذه هي المرجئة الخالصة و منهم من جمع إلى الإرجاء القدر انتهى. قوله كما أن الكافر كأنه قاس الإيمان بالكفر فإن من أنكر ضروريا من ضروريات الدين ظاهرا من غير تقية فهو كافر و إن لم يعتقد ذلك فإذا أقر بما جاء به النبي ص يجب أن يكون مؤمنا غير معذب و إن لم يعتقد بقلبه شيئا من ذلك و لم يضم إليه أفعال الجوارح من الطاعات و ترك المعاصي فأجاب ع بأنه مع بطلان القياس لا سيما في المسائل الأصولية فهو قياس مع الفارق ثم شبه ع الأمرين بالإقرار و الإنكار ليظهر الفرق فإن إنكار الضروري مستلزم لترك جزء
من أجزاء الإيمان و هو الإقرار الظاهري فهو بمنزلة إقرار الإنسان على نفسه فإنه لا يكلف بينة على إقراره بل يحكم بمحض الإقرار عليه و إن شهدت البينة على خلافه بخلاف إظهار الإيمان و التكلم به فإنه و إن أتى بجزء من الإيمان و هو الإقرار الظاهري لكن عمدة أجزائه التصديق القلبي و هو في ذلك مدع لا بد له من شاهد من عمل الجوارح عند الناس و من النية و التصديق عند الله فإذا اتفق الشاهدان و هما التصديق و العمل ثبت إيمانه عند الله و لما كان التصديق القلبي أمرا لا يطلع عليه غير الله لم يكلف الناس في الحكم بإيمانه إلا بالإقرار الظاهري و العمل فإنهما شاهدان عدلان يحكم بهما ظاهرا و إن كانا كاذبين عند الله. و الحاصل أنه ع شبه الإقرار الظاهري بالدعوى في سائر الدعاوي و كما أن الدعوى في سائر الدعاوي لا تقبل إلا ببينة فكذا جعل الله تعالى هذه الدعوى غير مقبولة إلا بشاهدين من قلبه و جوارحه فلا يثبت عنده إلا بهما و أما عند الناس فيكفيهم في الحكم الإقرار و العمل الظاهري كما يكتفي عند الضرورة بالشاهد و اليمين فالإيمان مركب من ثلاثة أجزاء و لا يثبت الإيمان الواقعي إلا بتحقق الجميع فهو من هذه الجهة يشبه سائر الدعاوي للزوم ثلاثة أشياء في تحققها الدعوى و الشاهدين و يمكن أن يكون الأصل في الإيمان الأمر القلبي و لما لم يكن ظهوره للناس إلا بالإقرار و العمل فجعلهما الله من أجزاء الإيمان أو من شرائطه و لوازمه و قد أصاب أي حكم بالحكم و الصواب
56- كا، ]الكافي[ عن علي بن إبراهيم عن محمد بن عيسى عن يونس عن عبد الله بن سنان قال سألت أبا عبد الله ع عن الرجل يرتكب الكبيرة من الكبائر فيموت هل يخرجه ذلك من الإسلام و إن عذب كان عذابه كعذاب المشركين أم له مدة و انقطاع فقال ع من ارتكب كبيرة من الكبائر فزعم أنها حلال أخرجه ذلك من الإسلام و عذب أشد العذاب و إن كان معترفا أنه أذنب و مات عليه أخرجه من الإيمان و لم يخرجه من الإسلام و كان عذابه أهون من عذاب الأول
تذييل و تفصيل
قال الشهيد الثاني رفع الله درجته في كتاب حقائق الإيمان قيل الإسلام و الإيمان واحد و قيل بتغايرهما و الظاهر أنهم أرادوا الوحدة بحسب الصدق لا في المفهوم و يظهر من كلام جماعة من الأصوليين أنهما متحدان بحسب المفهوم أيضا حيث قالوا إن الإسلام هو الانقياد و الخضوع لألوهية البارئ تعالى و الإذعان بأوامره و نواهيه و ذلك حقيقة التصديق الذي هو الإيمان على ما تقدم. و أما القائلون بالتغاير صدقا و مفهوما فإنهم أرادوا أن الإسلام أعم من الإيمان مطلقا و قد أشرنا فيما تقدم في أوائل المقدمة الأولى أن المحقق نصير الدين الطوسي قدس سره نقل في قواعد العقائد أن الإسلام أعم في الحكم من الإيمان لكنه في الحقيقة هو الإيمان. و هذه عبارته رحمه الله تعالى قالوا الإسلام أعم في الحكم من الإيمان لأن من أقر بالشهادتين كان حكمه حكم المسلمين لقوله تعالى قالَتِ الْأَعْرابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَ لكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنا و أما كون الإسلام في الحقيقة هو الإيمان فلقوله تعالى إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلامُ ثم قال و اختلفوا في معناه يعني الإيمان فقال بعض السلف كذا و قالت المعتزلة أصول الإيمان خمسة و عدها و قالت الشيعة أصول الإيمان ثلاثة و عدها أيضا و قال أهل السنة هو التصديق بالله تعالى أما على ما تقدم تفصيله فليراجع أقول ظاهره قوله رحمه الله قالوا أي هؤلاء المختلفون في معنى الإيمان كما يدل عليه قوله و اختلفوا و ظاهر هذا النقل يعطي أنه لا نزاع في أن حقيقتهما واحدة و المغايرة إنما هي في الحكم فقط بمعنى أنا قد نحكم على شخص في ظاهر الشرع بكونه مسلما لإقراره بالشهادتين و لا نحكم عليه بالإيمان حتى نعلم من حاله التصديق و ما نقلناه من المذهبين الأولين يقتضي وقوع النزاع في الحقيقة و الحكم. أما أهل المذهب الأول و هم القائلون باتحادهما مطلقا صدقا و مفهوما أو صدقا فقط فإنهم صرحوا باتحادهما في الحكم أيضا حيث قالوا لا يصح في الشرع أن يحكم على أحد بأنه مؤمن و ليس بمسلم أو مسلم و ليس بمؤمن و لا نعني بوحدتهما سوى هذا و أما أهل المذهب الثاني و هم القائلون بالتغاير فإنهم صرحوا بتغايرهما صدقا و مفهوما و حكما حيث قالوا إن حقيقة الإسلام هي الانقياد و الإذعان بإظهار الشهادتين سواء اعترف مع ذلك بباقي المعارف أم لا فيكون أعم مفهوما من الإيمان فتبين مما حررناه أن المذاهب في بيان حقيقة الإسلام ثلاثة. احتج أهل المذهب الأول بقوله تعالى فَأَخْرَجْنا مَنْ كانَ فِيها مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فَما وَجَدْنا فِيها غَيْرَ بَيْتٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ وجه الاستدلال أن غير هذا للاستثناء بمعنى
إلا و هذا استثناء مفرغ متصل فيكون من الجنس إذ المعنى و الله أعلم فما وجدنا فيها بيتا من بيوت المؤمنين إلا بيتا من المسلمين و بيت المسلم إنما يكون بيت المؤمن إذا صدق المؤمن على المسلم كما هو مقتضى الاتحاد في الجنس إذ من المعلوم أن المراد من البيت هنا أهله لا الجدران على حد قوله تعالى وَ سْئَلِ الْقَرْيَةَ و صدق المؤمن على المسلم يقتضي كون الإيمان أعم من الإسلام أو مساويا له لكن لا قائل بالأول فتعين الثاني و اعترض بأن المصحح للاستثناء هو تصادق المستثنى و المستثنى منه في الفرد المخرج لا في كل فرد و هو يتحقق بكون الإسلام أعم كما يتحقق بكونه مساويا و الأمر هنا كذلك فإنه على تقدير كون الإيمان أخص يتصادق المؤمن و المسلم في البيت المخرج الموجود فإنه بيت لوط عليه و على نبينا السلام على أن دلالة هذه الآية معارضة بقوله تعالى قالَتِ الْأَعْرابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَ لكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنا فوصفهم تعالى بالإسلام حيث جوز لهم الإخبار عن أنفسهم به و نفى عنهم الإيمان فدل على تغايرهما. و احتج أهل المذهب الثاني على المغايرة بهذه الآية و التقريب ما تقدم في بيان المعارضة و بما تواتر عن النبي ص و الصحابة رضي الله عن المؤمنين منهم أنهم كانوا يكتفون في الإسلام بإظهار الشهادتين ثم بعد ذلك ينبهون المسلم على بعض المعارف الدينية التي يتحقق بها الإيمان. أقول إن الآية الكريمة إنما تدل على المغايرة في الجملة و كما يجوز أن يكون بحسب الحقيقة يجوز أن يكون في الحكم دون الحقيقة كما اختاره أهل المذهب الثالث و يؤيد ذلك أن الله سبحانه لم يثبت لهم الإسلام صريحا و لا وصفهم به حيث لم يقل و لكن أسلمتم كما قال لم تؤمنوا بل أحال الإخبار به على مقالتهم فقال تعالى وَ لكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنا و حينئذ فيجوز أن يكون المراد و الله أعلم أنكم لم تؤمنوا حتى تدخل المعارف قلوبكم و لما تدخل لكن ما زعمتموه من الإيمان فإنما هو إسلام ظاهري يمكن الحكم عليكم به في ظاهر الشرع حيث أقررتم بألسنتكم دون قلوبكم فلكم أن تخبروا عن أنفسكم و أما الإسلام الحقيقي فلم يثبت لكم عند الله تعالى كالإيمان فلذا لم يخبر عنكم به و قد يظهر من ذلك الجواب عن الثاني أيضا. إن قلت إن الإسلام من الحقائق الاعتبارية للشارع كالإيمان فلا يعلم إلا منه و حيث أذن لهم في أن يخبروا عن أنفسهم بأنهم أسلموا مع أن الإيمان لم يكن دخل قلوبهم كما دل عليه آخر الآية تدل على أنه لم يكن له حقيقة وراء ذلك عند الشارع و إلا لما جوز لهم ذلك الأخبار و احتمال المجاز يدفعه أن الأصل في الإطلاق الحقيقة و لزوم الاشتراك على تقدير الحقيقة يدفعه أنه متواطئ أو مشكك حيث بينا أن مفهومه هو الانقياد و الإذعان بالشهادتين سواء اقترن بالمعارف أم لا فيكون إسلام الأعراب فردا منه. قلت لا ريب أنه لو علم عدم تصديق من أقر بالشهادتين لم يعتبر ذلك الإقرار شرعا و لم نحكم بإسلام فاعله لأنه حينئذ يكون مستهزئا أو مشككا و إنما حكم الشارع بإسلامه ظاهرا في صورة عدم علمنا بموافقة قلبه للسانه بالنسبة إلينا تسهيلا و دفعا للحرج عنا حيث لا يعلم السرائر إلا هو و أما عنده تعالى فالمسلم من طابق قلبه لسانه كما قال تعالى إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلامُ مع أن الدين لا يكون إلا مع الإخلاص لقوله تعالى وَ ما أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ إلى قوله تعالى وَ ذلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ. فالإسلام لا يكون إلا مع الإخلاص أيضا بقرينة أنه ذكر الإسلام معرفا و ذلك يفيد حصر الإسلام في الدين المخلص فكان المعنى و الله أعلم لا إسلام إلا ما هو دين عند الله تعالى كما يقال زيد العالم أي لا غيره و الفرق ظاهر بين أن يقال الدين المخلص إسلام أو هو الإسلام كما قررناه فعلم أن الإسلام اللساني ليس داخلا في حقيقة الإسلام عند الله و الكلام إنما هو فيما يعد إسلاما و إيمانا عند الشارع لا عندنا بحيث لا يجتمع مع ضده الذي هو الكفر في موضع واحد
في زمان واحد و الإقرار باللسان دون القلب يجامع الكفر فلا يكون إسلاما حقيقة و لعل هذا هو السر في إحالة الأخبار بالإسلام على قول الأعراب دون قوله تعالى كما أشرنا إليه سابقا. إن قلت إذا لم يكن إسلام الأعراب إسلاما عند الله تعالى كان مغريا لهم بالكذب حيث أمرهم أن يخبروا عن أنفسهم بالإسلام فقال قُولُوا أَسْلَمْنا و هو محال عليه تعالى. قلت إنما أمرهم أمرا إرشاديا بأن يخبروا بالإسلام الظاهري و هو حق في الظاهر فلم يكن مغريا لهم بالكذب حيث لم يأمرهم بأن يخبروا بأنهم مسلمون عند الله تعالى بالإسلام مطلقا و قد تقدم ما يصلح دليلا لما ادعيناه من التخصيص على أنه يمكن أن يقال إن الله سبحانه و تعالى لم يأمرهم بالإخبار أصلا لا ظاهرا و لا غيره بل أمر نبيه ص أن يأمرهم حيث قال تعالى له قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَ لكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنا أي و لكن قل لهم قولوا أسلمنا فالأمر لهم بقول أسلمنا إنما هو من النبي ص لا من الله تعالى لما تقرر في الأصول من أن الأمر بالأمر بالشيء ليس أمرا بذلك الشيء. و احتج أهل المذهب الثالث على كل من جزأي مدعاهم أما على أن الإسلام أعم في الحكم فبآية الأعراب المتقدمة و التقريب ما تقدم لكن لا يرد عليهم شيء مما أوردناه على استدلال أهل المذهب الثاني بها لأنهم يدعون دلالتها على مغايرة الإسلام للإيمان حقيقة و هم يدعون المغايرة في الحكم ظاهرا دون الحقيقة بل ما ذكرناه من الإيرادات محقق لاستدلالهم بها إذ لا يتم لهم بدونه كما لا يخفى على من أحاط بما ذكرناه في بيان معنى هذه الآية مما من به الواهب الكريم. إن قلت إن الشارع حكم بإيمان من أقر بالمعارف الأصولية ظاهرا و إن كان في نفس الأمر غير معتقد لذلك إذا لم يطلع عليه على حد ما ذكرتم في الإسلام فكما أن الإيمان و الإسلام الاعتقاديين متحدان فكذا الظاهريان فما وجه عموم الإسلام في الحكم و ما معناه. قلت الإسلام يكفي في الحكم به ظاهرا الإقرار بالشهادتين مع عدم علم الاستهزاء و الشك من المعتبر بخلاف الإيمان فإنه لا بد في الحكم به ظاهرا مع ذلك من الاعتراف بأنه يعتقد الأصول الخمسة مع إقراره بها أو يقتصر على الإقرار بها مع عدم علمنا منه بما ينافي ذلك من استهزاء أو شك فهو أخص حكما من الإسلام و هذا الذي ذكرناه يشهد به كثير من الأحاديث و حكم علماء الإمامية أيضا بإسلام أهل الخلاف و عدم إيمانهم يؤيد ما قلناه. و أما على أن الإسلام في الحقيقة هو الإيمان فبقوله تعالى فَأَخْرَجْنا مَنْ كانَ فِيها مِنَ الْمُؤْمِنِينَ الآية و التقريب ما تقدم في بيان استدلال أهل المذهب الأول بها و الاعتراض الاعتراض لكن ما ذكر هناك من المعارضة بآية الأعراب لا يرد هنا لأنا بينا أنها إنما تدل على المغايرة في الحكم و هو لا ينافي الاتحاد في الحقيقة و أما هناك فلما كان المدعى الاتحاد مطلقا حكما و حقيقة أمكن المعارضة بها في الجملة. و قد تقدم في كلام المحقق الطوسي قدس سره أنهم استدلوا على كون حقيقتهما واحدة بقوله تعالى إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلامُ و يمكن تقريره بوجهين أحدهما أن الإيمان هو الدين و الدين هو الإسلام فالإيمان هو الإسلام أما الكبرى فللآية و أما الصغرى فلقوله تعالى وَ مَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلامِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ و لا ريب أن الإيمان مقبول من يبتغيه دينا للإجماع فيكون الإيمان دينا فيكون هو الإسلام و فيه أنه لا يلزم من صحة حمل الإسلام عليه كونهما واحدا في الحقيقة لجواز كون المحمول أعم و يمكن الجواب بما ذكرناه سابقا من إفادة مثل ذلك حصر الإسلام في الدين لكن يرد على دليل الصغرى أن اللازم منه كون الإيمان دينا أما كونه نفس الدين ليكون هو الإسلام فلا لجواز أن يكون جزءا منه أو جزئيا له أو شرعا كذلك و لا ريب أن جزء الشيء أو جزئيه أو شرطه
يقبل معه و إن كان مغايرا له فعلم أن المراد من الغير في الآية الكريمة غير ذلك. و أيضا يرد عليه أن هذا الدليل إنما يستقيم على مذهب من يقول إن الطاعات جزء من الإيمان و ذلك لأن الظاهر أن الدين المحمول عليه الإسلام هو دين القيمة في قوله تعالى وَ ذلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ و المشار إليه بذلك ما تقدم من الإخلاص في الدين مع إقامة الصلاة و إيتاء الزكاة. و ثانيهما أن العبادات المعتبرة شرعا هي الدين و الدين هو الإسلام و الإسلام هو الإيمان أما الأولى فلقوله تعالى وَ ما أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ و أما الثانية فلقوله تعالى إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلامُ و أما الثالثة فلقوله تعالى وَ مَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلامِ دِيناً الآية و قد تقدم بيان ذلك و يرد عليه جميع ما يرد على الوجه الأول و يزيد عليه أن النتيجة كون العبادات هي الإيمان و المدعى كون الإسلام هو الإيمان أو عكسه و لا ينطبق على المدعى و لو سلم استلزامه للمدعى لاقتضاء المقدمة الثالثة ذلك قلنا فبقية المقدمات مستدركة إذ يكفي أن يقال الإسلام هو الإيمان لقوله تعالى وَ مَنْ يَبْتَغِ الآية. أقول قد عرفت أن هذا الاستدلال بوجهيه إنما يستقيم على مذهب من يجعل الطاعات الإيمان أو جزءا منه فإن كان المستدل به هؤلاء فذلك قد علم مع ما يرد عليه و إن كان غيرهم فهو ساقط الدلالة أصلا و رأسا ثم نقول على تقدير تسليم دلالة هذه الآيات على اتحادهما أن الحكم بعموم الإسلام في الحكم على مذهب من يجعل الطاعات الإيمان ظاهرا أن الآيات دلت على اتحادهما في الحقيقة عند الله تعالى و على هذا من لم يأت بالطاعات أو بعضها فلا دين له فلا إسلام فلا إيمان له عند الله و لا في الظاهر إذا لم يعرف منه ذلك. و أما من اكتفى بالتصديق في تحقق حقيقة الإيمان و جعل الإتيان بالطاعات من المكملات فيلزم عليه بمقتضى هذه الآيات أن يسلمه بأن يكون بين الإسلام و الإيمان عموم من وجه لتحققهما فيمن صدق بالمسائل الأصولية و أتى بالطاعات مخلصا و انفراد الإسلام فيمن أقر بالشهادتين ظاهرا مع كونه غير مصدق بقلبه و انفراد الإيمان فيمن صدق بقلبه بالمعارف و ترك الطاعات غير مستحل فإنه لا دين له حيث لم يقم الصلاة و لا آتى الزكاة كما هو المفروض فلا إسلام له لأن الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلامُ و هو في غاية البعد و الاستهجان و لم يذهب أحد إلى أنه قد يكون المكلف مؤمنا و لا يكون مسلما. هذا إن اعتبرنا النسبة بين مطلق الإسلام و الإيمان حقيقيا أو ظاهريا و إن اعتبرنا النسبة بين الحقيقيين فقط أي ما هو إسلام و إيمان عند الله تعالى كانا متحدين عند من جعلهما الطاعات و عند من اكتفى بالتصديق يكون الإيمان أعم مطلقا و هو أيضا غريب إذ لم يذهب إليه أحد و لا مخلص له عن هذا الإلزام إلا بالتزامه إذ يدعي أن تارك الطاعات غير مستحل مسلم أيضا و يتأول الدين في قوله تعالى وَ ذلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ بالدين الكامل و يكون المراد بالدين في قوله تعالى إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلامُ الدين الأصلي الذي لا يتحقق أصل الإيمان إلا به و حينئذ فيكون الإسلام و الإيمان الحقيقيان متحدين أيضا عنده. و يؤيد ذلك ما ذكره بعضهم من أن الاستدلال بآية الإخلاص إنما يتم بإضمار لفظ المذكر و نحوه فإن الإشارة في قوله تعالى وَ ذلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ يرجع إلى متعدد و هو العبادة مع الإخلاص في الدين و إقام الصلاة و إيتاء الزكاة بل مع جميع الطاعات بناء على أنه اكتفى عن ذكرها بذكر الأعظم منها و أنها قد ذكرت إجمالا في قوله تعالى لِيَعْبُدُوا و ذكر إقام الصلاة و إيتاء الزكاة لشدة الاعتناء بهما فكان حق الإشارة أن يكون أولئك و نحوه تطابقا بين الإشارة و المشار إليه و لما كانت الإشارة مفردة ارتكب المذكور و حيث لا بد من الإضمار فللخصم أن يضمر الإخلاص أو التدين المدلول عليهما بقوله مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ و الترجيح لهذه لقربه من المعنى اللغوي للإيمان و بعد ذاك فلم يكن في الآية دلالة على أن الطاعات هي الإيمان فلم يتكرر الأوسط في قولنا عبادة الله تعالى مع الإخلاص و إقام الصلاة و إيتاء الزكاة كالدين
و الدين هو الإسلام و الإسلام هو الإيمان لقوله تعالى وَ مَنْ يَبْتَغِ الآية فالطاعات هي الإسلام و الإيمان لأنه يقال لا نسلم أن المراد من الدين في المقدمة الأولى ما يراد في المقدمة الثانية. و قد ظهر من هذا تزييف الاستدلال بهذه الآيات على كون الطاعات معتبرة في حقيقة الإيمان لأنه لم يناف ما نحن فيه من اتحاد الإسلام و الإيمان لكن لا يخفى أنه مناف لما قد بيناه من أن البحث كله على تقدير تسليم دلالة هذه الآيات و ما ذكر من التأويل مناف للتسليم المذكور و يمكن الجواب عنه فتأمل. و هاهنا بحث يصلح لتزييف الاستدلال بهذه الآيات على المطلبين مطلب كون الطاعات معتبرة في حقيقة الإيمان و مطلب اتحادهما في الحقيقة فنقول لو سلمنا أن المراد من الدين في الآيات الثلاث واحد و أن الطاعات معتبرة في أصل حقيقة الإسلام فلا يلزم أن تكون معتبرة في أصل حقيقة الإيمان و لا أن يكون الإسلام و الإيمان متحدين حقيقة و ذلك لأن الآية الكريمة إنما دلت على أن من ابتغى أي طلب غير دين الإسلام دينا له فلن يقبل منه ذلك المطلوب و لم تدل على أن من صدق بما أوجبه الشارع عليه لكنه ترك بعض الطاعات غير مستحل أنه طالب لغير دين الإسلام إذ ترك الفعل يجتمع مع طلبه لعدم المنافاة بينهما فإن الشخص قد يكون طالبا للطاعة مريدا لها لكنه تركها إهمالا و تقصيرا و لا يخرج بذلك عن ابتغائها و قد تقدم هذا الاعتراض في المقالة الأولى على دليل القائلين بالاتحاد. إن قلت على تقدير تسليم اتحاد معنى الدين في الآيات فما يصنع من اكتفى في الإيمان بالتصديق فيما إذا صدق شخص بجميع ما أمره الله تعالى به و لو إجمالا لكنه لم يفعل بعد شيئا من الطاعات لعدم وجوبها عليه كما لو توقفت على سبب أو شرط و لم يحصل أو وجد مانع من ذلك فإنه يسمى مؤمنا و لا يسمى مسلما لعدم الإتيان بالطاعات التي هي معتبرة في حقيقة الإسلام و كذا الحكم على من وجبت عليه و تركها تقصيرا غير مستحل مع كونه مصدقا بجميع ما أمر به و مريدا للطاعات
فإنه يسمى حينئذ مؤمنا لا مسلما و يلزم الاستهجان المذكور سابقا. قلت الأمر على ما ذكرت و لا مخلص من هذا إلا بالتزام ارتكاب عدم تسليم اتحاد معنى الدين في الآيات أو التزامه و نمنع من استهجانه فإنه لما كان حصول التصديق مع ترك الطاعات فردا نادر الوقوع لم تلتفت النفس إليه فلذا لم يتوجهوا إلى بيان النسبة بين الإسلام و الإيمان على تقديره و بالجملة فظواهر الآيات تعطي قوة القول بأن الإسلام و الإيمان الحقيقيان تعتبر فيهما الطاعات و تحقق حصول الإيمان في صورة حصول التصديق قبل وجوب الطاعات يفيد قوة القول بأن الإيمان هو التصديق فقط و الطاعات مكملات. انتهى كلامه ضوعف في الجنة إكرامه و لم نتعرض لتبيين ما حققه و ما يخطر بالبال في كل منها لخروجه عن موضع كتابنا و في بالي إن فرغني الله تعالى عن بعض ما يصدني عن الوصول إلى آمالي أن أكتب في ذلك كتابا مفردا إن شاء الله تعالى و هو الموفق للخير و الصواب و إليه المرجع و المآب