1- ذكر السيد بن طاوس رحمه الله في كتاب أمان الأخطار ناقلا عن كتاب دلائل الإمامة تصنيف محمد بن جرير الطبري الإمامي من أخبار معجزات مولانا محمد بن علي الباقر ع ذكره بإسناده عن الصادق ع قال حج هشام بن عبد الملك بن مروان سنة من السنين و كان قد حج في تلك السنة محمد بن علي الباقر و ابنه جعفر بن محمد ع فقال جعفر بن محمد ع الحمد لله الذي بعث محمدا بالحق نبيا و أكرمنا به فنحن صفوة الله على خلقه و خيرته من عباده و خلفاؤه فالسعيد من اتبعنا و الشقي من عادانا و خالفنا ثم قال فأخبر مسلمة أخاه بما سمع فلم يعرض لنا حتى انصرف إلى دمشق و انصرفنا إلى المدينة فأنفذ بريدا إلى عامل المدينة بأشخاص أبي و إشخاصي معه فأشخصنا فلما وردنا مدينة دمشق حجبنا ثلاثا ثم أذن لنا في اليوم الرابع فدخلنا و إذا قد قعد على سرير الملك و جنده و خاصته وقوف على أرجلهم سماطان متسلحان و قد نصب البرجاس حذاه و أشياخ قومه يرمون فلما دخلنا و أبي أمامي و أنا خلفه فنادى أبي و قال يا محمد ارم مع أشياخ قومك الغرض فقال له إني قد كبرت عن الرمي فهل رأيت أن تعفيني فقال و حق من أعزنا بدينه و نبيه محمد ص لا أعفيك ثم أومأ إلى شيخ من بني أمية أن أعطه قوسك فتناول أبي عند ذلك قوس الشيخ ثم تناول منه سهما فوضعه في كبد القوس ثم انتزع و رمى وسط الغرض فنصبه فيه ثم رمى فيه الثانية فشق فواق سهمه إلى نصله ثم تابع الرمي حتى شق تسعة أسهم بعضها في جوف بعض و هشام يضطرب في مجلسه فلم يتمالك إلا أن قال أجدت يا أبا جعفر و أنت أرمى العرب و العجم هلا زعمت أنك كبرت عن الرمي ثم أدركته ندامة على ما قال و كان هشام لم يكن كنى أحدا قبل أبي و لا بعده في خلافته فهم به و أطرق إلى الأرض إطراقة يتروى فيها و أنا و أبي واقف حذاه مواجهين له فلما طال وقوفنا غضب أبي فهم به و كان أبي ع إذا غضب نظر إلى السماء نظر غضبان يرى الناظر الغضب في وجهه فلما نظر هشام إلى ذلك من أبي قال له إلي يا محمد فصعد أبي إلى السرير و أنا أتبعه فلما دنا من هشام قام إليه و اعتنقه و أقعده عن يمينه ثم اعتنقني و أقعدني عن يمين أبي ثم أقبل على أبي بوجهه فقال له يا محمد لا تزال العرب و العجم تسودها قريش ما دام فيهم مثلك لله درك من علمك هذا الرمي و في كم تعلمته فقال أبي قد علمت أن أهل المدينة يتعاطونه فتعاطيته أيام حداثتي ثم تركته فلما أراد أمير المؤمنين مني ذلك عدت فيه فقال له ما رأيت مثل هذا الرمي قط مذ عقلت و ما ظننت أن في الأرض أحدا يرمي مثل هذا الرمي أ يرمي جعفر مثل رميك فقال إنا نحن نتوارث الكمال و التمام اللذين أنزلهما الله على نبيه ص في قوله الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَ أَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَ رَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلامَ دِيناً و الأرض لا تخلو ممن يكمل هذه الأمور التي يقصر غيرنا عنها قال فلما سمع ذلك من أبي انقلبت عينه اليمنى فاحولت و احمر وجهه و كان ذلك علامة غضبه إذا غضب ثم أطرق هنيئة ثم رفع رأسه فقال لأبي أ لسنا بنو عبد مناف نسبنا و نسبكم واحد فقال أبي نحن كذلك و لكن الله جل ثناؤه اختصنا من مكنون سره و خالص علمه بما لم يخص أحدا به غيرنا فقال أ ليس الله جل ثناؤه بعث محمدا ص من شجرة عبد مناف إلى الناس كافة
أبيضها و أسودها و أحمرها من أين ورثتم ما ليس لغيركم و رسول الله ص مبعوث إلى الناس كافة و ذلك قول الله تبارك و تعالى وَ لِلَّهِ مِيراثُ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ إلى آخر الآية فمن أين ورثتم هذا العلم و ليس بعد محمد نبي و لا أنتم أنبياء فقال من قوله تبارك و تعالى لنبيه ص لا تُحَرِّكْ بِهِ لِسانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ الذي لم يحرك به لسانه لغيرنا أمره الله أن يخصنا به من دون غيرنا فلذلك كان ناجى أخاه عليا من دون أصحابه فأنزل الله بذلك قرآنا في قوله وَ تَعِيَها أُذُنٌ واعِيَةٌ فقال رسول الله ص لأصحابه سألت الله أن يجعلها أذنك يا علي فلذلك قال علي بن أبي طالب صلوات الله عليه بالكوفة علمني رسول الله ص ألف باب من العلم ففتح كل باب ألف باب خصه رسول الله ص من مكنون سره بما يخص أمير المؤمنين أكرم الخلق عليه فكما خص الله نبيه ص خص نبيه ص أخاه عليا من مكنون سره بما لم يخص به أحدا من قومه حتى صار إلينا فتوارثنا من دون أهلنا فقال هشام بن عبد الملك إن عليا كان يدعي علم الغيب و الله لم يطلع على غيبه أحدا فمن أين ادعى ذلك فقال أبي إن الله جل ذكره أنزل على نبيه ص كتابا بين فيه ما كان و ما يكون إلى يوم القيامة في قوله تعالى وَ نَزَّلْنا عَلَيْكَ الْكِتابَ تِبْياناً لِكُلِّ شَيْءٍ وَ هُدىً وَ رَحْمَةً وَ بُشْرى لِلْمُسْلِمِينَ و في قوله وَ كُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْناهُ فِي إِمامٍ مُبِينٍ و في قوله ما فَرَّطْنا فِي الْكِتابِ مِنْ شَيْءٍ و أوحى الله إلى نبيه ص أن لا يبقى في غيبه و سره و مكنون علمه شيئا إلا يناجي به عليا فأمره أن يؤلف القرآن من بعده و يتولى غسله و تكفينه و تحنيطه من دون قومه و قال لأصحابه حرام على أصحابي و أهلي أن ينظروا إلى عورتي غير أخي علي فإنه مني و أنا منه له ما لي و عليه ما علي و هو قاضي ديني و منجز وعدي ثم قال لأصحابه علي بن أبي طالب يقاتل على تأويل القرآن كما قاتلت على تنزيله و لم يكن عند أحد تأويل القرآن بكماله و تمامه إلا عند علي ع و لذلك قال رسول الله ص لأصحابه أقضاكم علي أي هو قاضيكم و قال عمر بن الخطاب لو لا علي لهلك عمر يشهد له عمر و يجحده غيره فأطرق هشام طويلا ثم رفع رأسه فقال سل حاجتك فقال خلفت عيالي و أهلي مستوحشين لخروجي فقال قد آنس الله وحشتهم برجوعك إليهم و لا تقم سر من يومك فاعتنقه أبي و دعا له و فعلت أنا كفعل أبي ثم نهض و نهضت معه و خرجنا إلى بابه إذا ميدان ببابه و في آخر الميدان أناس قعود عدد كثير قال أبي من هؤلاء فقال الحجاب هؤلاء القسيسون و الرهبان و هذا عالم لهم يقعد إليهم في كل سنة يوما واحدا يستفتونه فيفتيهم فلف أبي عند ذلك رأسه بفاضل ردائه و فعلت أنا مثل فعل أبي فأقبل نحوهم حتى قعد نحوهم و قعدت وراء أبي و رفع ذلك الخبر إلى هشام فأمر بعض غلمانه أن يحضر الموضع فينظر ما يصنع أبي فأقبل و أقبل عداد من المسلمين فأحاطوا بنا و أقبل عالم النصارى و قد شد حاجبيه بحريرة صفراء حتى توسطنا فقام إليه جميع القسيسين و الرهبان مسلمين عليه فجاءوا به إلى صدر المجلس فقعد فيه و أحاط به أصحابه و أبي و أنا بينهم فأدار نظره ثم قال لأبي أ منا أم من هذه الأمة المرحومة فقال أبي بل من هذه الأمة المرحومة فقال من أيهم أنت من علمائها أم من جهالها فقال له أبي لست من جهالها فاضطرب اضطرابا شديدا ثم قال له أسألك فقال له أبي سل فقال من أين ادعيتم أن أهل الجنة يطعمون و يشربون و لا يحدثون و لا يبولون و ما الدليل فيما تدعونه من شاهد لا يجهل فقال له أبي دليل ما ندعي من شاهد لا يجهل الجنين في بطن أمه يطعم و لا يحدث قال فاضطرب النصراني
اضطرابا شديدا ثم قال هلا زعمت أنك لست من علمائها فقال له أبي و لا من جهالها و أصحاب هشام يسمعون ذلك فقال لأبي أسألك عن مسألة أخرى فقال له أبي سل فقال من أين ادعيتم أن فاكهة الجنة أبدا غضة طرية موجودة غير معدومة عند جميع أهل الجنة و ما الدليل عليه من شاهد لا يجهل فقال له أبي دليل ما ندعي أن ترابنا أبدا يكون غضا طريا موجودا غير معدوم عند جميع أهل الدنيا لا ينقطع فاضطرب اضطرابا شديدا ثم قال هلا زعمت أنك لست من علمائها فقال له أبي و لا من جهالها فقال له أسألك عن مسألة فقال سل فقال أخبرني عن ساعة لا من ساعات الليل و لا من ساعات النهار فقال له أبي هي الساعة التي بين طلوع الفجر إلى طلوع الشمس يهدأ فيها المبتلى و يرقد فيه الساهر و يفيق المغمى عليه جعلها الله في الدنيا رغبة للراغبين و في الآخرة للعاملين لها دليلا واضحا و حجة بالغة على الجاحدين المتكبرين التاركين لها قال فصاح النصراني صيحة ثم قال بقيت مسألة واحدة و الله لأسألك عن مسألة لا تهدي إلى الجواب عنها أبدا قال له أبي سل فإنك حانث في يمينك فقال أخبرني عن مولودين ولدا في يوم واحد و ماتا في يوم واحد عمر أحدهما خمسون سنة و عمر الآخر مائة و خمسون سنة في دار الدنيا فقال له أبي ذلك عزير و عزيرة ولدا في يوم واحد فلما بلغا مبلغ الرجال خمسة و عشرين عاما مر عزير على حماره راكبا على قرية بأنطاكية وَ هِيَ خاوِيَةٌ عَلى عُرُوشِها قالَ أَنَّى يُحْيِي هذِهِ اللَّهُ بَعْدَ مَوْتِها و قد كان اصطفاه و هداه فلما قال ذلك القول غضب الله عليه فأماته الله مائة عام سخطا عليه بما قال ثم بعثه على حماره بعينه و طعامه و شرابه و عاد إلى داره و عزيرة أخوه لا يعرفه فاستضافه فأضافه و بعث إليه ولد عزيرة و ولد ولده و قد شاخوا و عزير شاب في سن خمس و عشرين سنة فلم يزل عزير يذكر أخاه و ولده و قد شاخوا و هم يذكرون ما يذكرهم و يقولون ما أعلمك بأمر قد مضت عليه السنون و الشهور و يقول له عزيرة و هو شيخ كبير ابن مائة و خمس و عشرين سنة ما رأيت شابا في سن خمس و عشرين سنة أعلم بما كان بيني و بين أخي عزير أيام شبابي منك فمن أهل السماء أنت أم من أهل الأرض فقال يا عزيرة أنا عزير سخط الله علي بقول قلته بعد أن اصطفاني و هداني فأماتني مائة سنة ثم بعثني لتزدادوا بذلك يقينا إن الله على كل شيء قدير و ها هو هذا حماري و طعامي و شرابي الذي خرجت به من عندكم أعاده الله تعالى كما كان فعندها أيقنوا فأعاشه الله بينهم خمسا و عشرين سنة ثم قبضه الله و أخاه في يوم واحد فنهض عالم النصارى عند ذلك قائما و قاموا النصارى على أرجلهم فقال لهم عالمهم جئتموني بأعلم مني و أقعدتموه معكم حتى هتكني و فضحني و أعلم المسلمين بأن لهم من أحاط بعلومنا و عنده ما ليس عندنا لا و الله لا كلمتكم من رأسي كلمة واحدة و لا قعدت لكم إن عشت سنة فتفرقوا و أبي قاعد مكانه و أنا معه و رفع ذلك الخبر إلى هشام فلما تفرق الناس نهض أبي و انصرف إلى المنزل الذي كنا فيه فوافانا رسول هشام بالجائزة و أمرنا أن ننصرف إلى المدينة من ساعتنا و لا نجلس لأن الناس ماجوا و خاضوا فيما دار بين أبي و بين عالم النصارى فركبنا دوابنا منصرفين و قد سبقنا بريد من عند هشام إلى عام مدين على طريقنا إلى المدينة أن ابني أبي تراب الساحرين محمد بن علي و جعفر بن محمد الكذابين بل هو الكذاب لعنه الله فيما يظهران من الإسلام و ردا علي و لما صرفتهما إلى المدينة مالا إلى القسيسين و الرهبان من كفار النصارى و أظهرا لهما دينهما و مرقا من الإسلام إلى الكفر دين النصارى و تقربا إليهم بالنصرانية فكرهت أن أنكل بهما لقرابتهما فإذا قرأت كتابي
هذا فناد في الناس برئت الذمة ممن يشاريهما أو يبايعهما أو يصافحهما أو يسلم عليهما فإنهما قد ارتدا عن الإسلام قال و رأى أمير المؤمنين أن يقتلهما و دوابهما و غلمانهما و من معهما شر قتلة قال فورد البريد إلى مدينة مدين فلما شارفنا مدينة مدين قدم أبي غلمانه ليرتادوا لنا منزلا و يشروا لدوابنا علفا و لنا طعاما فلما قرب غلماننا من باب المدينة أغلقوا الباب في وجوهنا و شتمونا و ذكروا علي بن أبي طالب صلوات الله عليه فقالوا لا نزول لكم عندنا و لا شراء و لا بيع يا كفار يا مشركين يا مرتدين يا كذابين يا شر الخلائق أجمعين فوقف غلماننا على الباب حتى انتهينا إليهم فكلمهم أبي و أين لهم القول و قال لهم اتقوا الله و لا تغلظوا فلسنا كما بلغكم و لا نحن كما تقولون فاسمعونا فقال لهم فهبنا كما تقولون افتحوا لنا الباب و شارونا و بايعونا كما تشارون و تبايعون اليهود و النصارى و المجوس فقالوا أنتم شر من اليهود و النصارى و المجوس لأن هؤلاء يؤدون الجزية و أنتم ما تؤدون فقال لهم أبي فافتحوا لنا الباب و أنزلونا و خذوا منا الجزية كما تأخذون منهم فقالوا لا نفتح و لا كرامة لكم حتى تموتوا على ظهور دوابكم جياعا أو تموت دوابكم تحتكم فوعظهم أبي فازدادوا عتوا و نشوزا قال فثنى أبي رجله عن سرجه ثم قال لي مكانك يا جعفر لا تبرح ثم صعد الجبل المطل على مدينة مدين و أهل مدين ينظرون إليه ما يصنع فلما صار في أعلاه استقبل بوجهه المدينة و جسده ثم وضع إصبعيه في أذنيه ثم نادى بأعلا صوته وَ إِلى مَدْيَنَ أَخاهُمْ شُعَيْباً إلى قوله بَقِيَّتُ اللَّهِ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ نحن و الله بقية الله في أرضه فأمر الله ريحا سوداء مظلمة فهبت و احتملت صوت أبي فطرحته في أسماع الرجال و الصبيان و النساء فما بقي أحد من الرجال و النساء و الصبيان إلا صعد السطوح و أبي مشرف عليهم و صعد فيمن صعد شيخ من أهل مدين كبير السن فنظر إلى أبي على الجبل فنادى بأعلا صوته اتقوا الله يا أهل مدين فإنه قد وقف الموقف الذي وقف فيه شعيب ع حين دعا على قومه فإن أنتم لم تفتحوا له الباب و لم تنزلوه جاءكم من الله العذاب فإني أخاف عليكم و قد أعذر من أنذر ففزعوا و فتحوا الباب و أنزلونا و كتب بجميع ذلك إلى هشام فارتحلنا في اليوم الثاني فكتب هشام إلى عامل مدين يأمره بأن يأخذ الشيخ فيقتله رحمة الله عليه و صلواته و كتب إلى عامل مدينة الرسول أن يحتال في سم أبي في طعام أو شراب فمضى هشام و لم يتهيأ له في أبي من ذلك شيء
إيضاح وجدت الخبر في أصل كتاب الدلائل كما ذكر. و قال الجوهري السماطان من النخل و الناس الجانبان. و قال في القاموس البرجاس بالضم غرض في الهواء على رأس رمح و نحوه مولد. و في الصحاح النوع بالضم إتباع للجوع و النائع إتباع للجائع يقال رجل جائع نائع و إذا دعوا عليه قالوا جوعا نوعا و قوم جياع نياع و زعم بعضهم أن النوع العطش و النائع العطشان
2- فس، ]تفسير القمي[ أبي عن إسماعيل بن أبان عن عمر بن عبد الله الثقفي قال أخرج هشام بن عبد الملك أبا جعفر محمد بن علي زين العابدين ع من المدينة إلى الشام و كان ينزله معه فكان يقعد مع الناس في مجالسهم فبينا هو قاعد و عنده جماعة من الناس يسألونه إذ نظر إلى النصارى يدخلون في جبل هناك فقال ما لهؤلاء القوم أ لهم عيد اليوم قالوا لا يا ابن رسول الله و لكنهم يأتون عالما لهم في هذا الجبل في كل سنة في هذا اليوم فيخرجونه و يسألونه عما يريدون و عما يكون في عامهم قال أبو جعفر و له علم فقالوا من أعلم الناس قد أدرك أصحاب الحواريين من أصحاب عيسى ع قال فهلم أن نذهب إليه فقالوا ذاك إليك يا ابن رسول الله قال فقنع أبو جعفر ع رأسه بثوبه و مضى هو و أصحابه فاختلطوا بالناس حتى أتوا الجبل قال فقعد أبو جعفر وسط النصارى هو و أصحابه فأخرج النصارى بساطا ثم وضع الوسائد ثم دخلوا فأخرجوه و ربطوا عينه فقلب عينيه كأنهما عينا أفعى ثم قصد أبا جعفر فقال له أ منا أنت أم من الأمة المرحومة فقال أبو جعفر من الأمة المرحومة قال أ فمن علمائهم أنت أم من جهالهم قال لست من جهالهم قال النصراني أسألك أو تسألني قال أبو جعفر تسألني فقال يا معشر النصارى رجل من أمة محمد يقول سلني إن هذا لعالم بالمسائل ثم قال يا عبد الله أخبرني عن ساعة ما هي من الليل و لا هي من النهار أي ساعة هي قال أبو جعفر ما بين طلوع الفجر إلى طلوع الشمس قال النصراني إذا لم تكن من ساعات الليل و لا من ساعات النهار فمن أي الساعات هي فقال أبو جعفر ع من ساعات الجنة و فيها تفيق مرضانا فقال النصراني أصبت فأسألك أو تسألني قال أبو جعفر ع سلني قال يا معشر النصارى إن هذا لمليء بالمسائل أخبرني عن أهل الجنة كيف صاروا يأكلون و لا يتغوطون أعطني مثله في الدنيا فقال أبو جعفر هذا الجنين في بطن أمه يأكل مما تأكل أمه و لا يتغوط قال النصراني أصبت أ لم تقل ما أنا من علمائهم قال أبو جعفر إنما قلت لك ما أنا من جهالهم قال النصراني فأسألك أو تسألني قال أبو جعفر ع تسألني قال يا معشر النصارى و الله لأسألنه مسألة يرتطم فيها كما يرتطم الحمار في الوحل فقال سل قال أخبرني عن رجل دنا من امرأة فحملت بابنين جميعا حملتهما في ساعة واحدة و ماتا في ساعة واحدة و دفنا في ساعة واحدة في قبر واحد فعاش أحدهما خمسين و مائة سنة و عاش الآخر خمسين سنة من هما فقال أبو جعفر ع هما عزير و عزرة كان حمل أمهما على ما وصفت و وضعتهما على ما وصفت و عاش عزرة و عزير فعاش عزرة مع عزير ثلاثين سنة ثم أمات الله عزيرا مائة سنة و بقي عزرة يحيا ثم بعث الله عزيرا فعاش مع عزرة عشرين سنة قال النصراني يا معشر النصارى ما رأيت أحدا قط أعلم من هذا الرجل لا تسألوني عن حرف و هذا بالشام ردوني فردوه إلى كهفه و رجع النصارى مع أبي جعفر صلوات الله عليه
بيان قوله فربطوا عينيه لعلهم ربطوا حاجبيه فوق عينيه كما في الخرائج فرأينا شيخا سقط حاجباه على عينيه من الكبر و قد مر فيما رواه السيد شد حاجبيه و يحتمل أن يكون المراد ربط أشفار عينيه فوقهما لتنفتحا أو ربط ثوب شفيف على عينيه بحيث لا يمنع رؤيته من تحته لئلا يضره نور الشمس لاعتياده بالظلمة في الكهف. قوله لمليء أي جدير بأن يسأل عنه ثم اعلم أن قوله ع ما بين طلوع الفجر إلى طلوع الشمس ليس من ساعات الليل و النهار لا ينافي ما نقله العلامة و غيره من إجماع الشيعة على كونها من ساعات النهار إذ يمكن حمله على أن المراد أنها ساعة لا تشبه سائر ساعات الليل و النهار بل هي شبيهة بساعات الجنة و إنما جعلها الله في الدنيا ليعرفوا بها طيب هواء الجنة و لطافتها و اعتدالها على أنه يحتمل أن يكون ع أجاب السائل على ما يوافق عرفه و اعتقاده و مصطلحه. أقول قد مر في باب احتجاجه ع من الخرائج أن الديراني أسلم مع أصحابه على يديه ع
3- ص، ]قصص الأنبياء عليهم السلام[ بالإسناد عن الصدوق عن أحمد بن علي عن أبيه عن جده إبراهيم بن هاشم عن علي بن معبد عن علي بن عبد العزيز عن يحيى بن بشير عن أبي بصير عن أبي عبد الله صلوات الله عليه قال بعث هشام بن عبد الملك إلى أبي ع فأشخصه إلى الشام فلما دخل عليه قال له يا أبا جعفر إنما بعثت إليك لأسألك عن مسألة لم يصلح أن يسألك عنها غيري و لا ينبغي أن يعرف هذه المسألة إلا رجل واحد فقال له أبي يسألني أمير المؤمنين عما أحب فإن علمت أجبته و إن لم أعلم قلت لا أدري و كان الصدق أولى بي فقال هشام أخبرني عن الليلة التي قتل فيها علي بن أبي طالب بما استدل الغائب عن المصر الذي قتل فيه علي و ما كانت العلامة فيه للناس و أخبرني هل كانت لغيره في قتله عبرة فقال له أبي إنه لما كانت الليلة التي قتل فيها علي صلوات الله عليه لم يرفع عن وجه الأرض حجر إلا وجد تحته دم عبيط حتى طلع الفجر و كذلك كانت الليلة التي فقد فيها هارون أخو موسى صلوات الله عليهما و كذلك كانت الليلة التي قتل فيها يوشع بن نون و كذلك كانت الليلة التي رفع فيها عيسى ابن مريم ع و كذلك الليلة التي قتل فيها الحسين صلوات الله عليه فتربد وجه هشام و امتقع لونه و هم أن يبطش بأبي فقال له أبي يا أمير المؤمنين الواجب على الناس الطاعة لإمامهم و الصدق له بالنصيحة و إن الذي دعاني إلى ما أجبت به أمير المؤمنين فيما سألني عنه معرفتي بما يجب له من الطاعة فليحسن ظن أمير المؤمنين فقال له هشام أعطني عهد الله و ميثاقه ألا ترفع هذا الحديث إلى أحد ما حييت فأعطاه أبي من ذلك ما أرضاه ثم قال هشام انصرف إلى أهلك إذا شئت فخرج أبي متوجها من الشام نحو الحجاز و أبرد هشام بريدا و كتب معه إلى جميع عماله ما بين دمشق إلى يثرب يأمرهم أن لا يأذنوا لأبي في شيء من مدينتهم و لا يبايعوه في أسواقهم و لا يأذنوا له في مخالطة أهل الشام حتى ينفذ إلى الحجاز فلما انتهى إلى مدينة مدين و معه حشمه و أتاه بعضهم فأخبره أن زادهم قد نفد و أنهم قد منعوا من السوق و أن باب المدينة أغلق فقال أبي فعلوها ائتوني بوضوء فأتي بماء فتوضأ ثم توكأ على غلام له ثم صعد الجبل حتى إذا صار في ثنية استقبل القبلة فصلى ركعتين ثم قام و أشرف على المدينة ثم نادى بأعلا صوته و قال وَ إِلى مَدْيَنَ أَخاهُمْ شُعَيْباً قالَ يا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ وَ لا تَنْقُصُوا الْمِكْيالَ وَ الْمِيزانَ إِنِّي أَراكُمْ بِخَيْرٍ وَ إِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ عَذابَ يَوْمٍ مُحِيطٍ وَ يا قَوْمِ أَوْفُوا الْمِكْيالَ وَ الْمِيزانَ بِالْقِسْطِ وَ لا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْياءَهُمْ وَ لا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ بَقِيَّتُ اللَّهِ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ ثم وضع يده على صدره ثم نادى بأعلى صوته أنا و الله بقية الله أنا و الله بقية الله قال و كان في أهل مدين شيخ كبير قد بلغ السن و أدبته التجارب و قد قرأ الكتب و عرفه أهل مدين بالصلاح فلما سمع النداء قال لأهله أخرجوني فحمل و وضع وسط المدينة فاجتمع الناس إليه فقال لهم ما هذا الذي سمعته من فوق الجبل قالوا هذا رجل يطلب السوق فمنعه السلطان من ذلك و حال بينه و بين منافعه فقال لهم الشيخ تطيعونني قالوا اللهم نعم قال قوم صالح إنما ولي عقر الناقة منهم رجل واحد و عذبوا جميعا على الرضا بفعله و هذا رجل قد قام مقام شعيب و نادى مثل نداء شعيب ع فارفضوا السلطان و أطيعوني و أخرجوا إليه بالسوق فاقضوا حاجته و إلا لم آمن و الله عليكم الهلكة قال ففتحوا الباب و أخرجوا السوق إلى أبي فاشتروا حاجتهم و دخلوا مدينتهم و كتب عامل هشام إليه بما فعلوه و بخبر الشيخ فكتب هشام إلى عامله بمدين بحمل الشيخ إليه فمات في الطريق رضي الله عنه
إيضاح قال الجوهري تربد وجه فلان أي تغير من الغضب و قال يقال امتقع لونه إذا تغير من حزن أو فزع. أقول قد مر الخبر بوجه آخر في باب معجزاته ع
4- قب، ]المناقب لابن شهرآشوب[ أبو بكر بن دريد الأزدي بإسناد له و عن الحسن بن علي الناصر بن الحسن بن علي بن عمر بن علي و عن الحسين بن علي بن جعفر بن موسى بن جعفر عن آبائهم كلهم عن الصادق ع قال لما أشخص أبي محمد بن علي إلى دمشق سمع الناس يقولون هذا ابن أبي تراب قال فأسند ظهره إلى جدار القبلة ثم حمد الله و أثنى عليه و صلى على النبي ص ثم قال اجتنبوا أهل الشقاق و ذرية النفاق و حشو النار و حصب جهنم عن البدر الزاهر و البحر الزاخر و الشهاب الثاقب و شهاب المؤمنين و الصراط المستقيم من قبل أن تطمس وجوه فترد على أدبارها أو يلعنوا كما لعن أصحاب السبت و كان أمر الله مفعولا ثم قال بعد كلام أ بصنو رسول الله تستهزءون أم بيعسوب الدين تلمزون و أي سبيل بعده تسلكون و أي حزن بعده تدفعون هيهات هيهات برز و الله بالسبق و فاز بالخصل و استوى على الغاية و أحرز الخطار فانحسرت عنه الأبصار و خضعت دونه الرقاب و فرع الذروة العليا فكذب من رام من نفسه السعي و أعياه الطلب ف أَنَّى لَهُمُ التَّناوُشُ مِنْ مَكانٍ بَعِيدٍ و قال
أقلوا عليهم لا أبا لأبيكم من اللوم أو سدوا مكان الذي سدواأولئك قوم إن بنوا أحسنوا البناء و إن عاهدوا أوفوا و إن عقدوا شدوا
فأنى يسد ثلمة أخي رسول الله إذ شفعوا و شقيقه إذ نسبوا و نديده إذ فشلوا و ذي قرني كنزها إذ فتحوا و مصلي القبلتين إذ تحرفوا و المشهود له بالإيمان إذ كفروا و المدعى لنبذ عهد المشركين إذ نكلوا و الخليفة على المهاد ليلة الحصار إذ جزعوا و المستودع لأسرار ساعة الوداع إلى آخر كلامه
توضيح أهل الشقاق أي يا أهل الشقاق عن البدر الزاهر أي عن سوء القول فيه و ذخر البحر أي مد و كثر ماؤه و ارتفعت أمواجه و الثاقب المضيء و الصنو بالكسر المثل و أصله أن تطلع نخلتان من عرق واحد و اللمز العيب و الوقوع في الناس برز و الله بالسبق أي ظهر و خرج من بينهم بأن سبقهم في جميع الفضائل. قوله ع بالخصل أي بالغلبة على من راهنه في إحراز سبق الكمال قال الفيروزآبادي الخصل أصابه القرطاس و تخاصلوا تراهنوا على النضال و أحرز خصلة و أصاب خصلة غلب و خصلهم خصلا و خصالا بالكسر فضلهم انتهى. و الغاية العلامة التي تنصب في آخر الميدان فمن انتهى إليه قبل غيره فقد سبقه و الخطار بالكسر جمع خطر بالتحريك و هو السبق الذي يتراهن عليه فانحسرت أي كلت عن إدراكه الأبصار لبعده في السبق عنهم و فرع أي صعد و ارتفع أعلى الدرجة العليا من الكمال. فكذب بالتشديد أي صار ظهور كماله سببا لظهور كذب من طلب السعي لتحصيل الفضل و أعياه الطلب و مع ذلك ادعى مرتبته و يحتمل التخفيف أيضا و يمكن عطف قوله و أعياه على قوله كذب و على قوله رام و التناوش التناول أي كيف يتيسر تناول درجته و فضله و هم في مكان بعيد منها أقلوا عليهم أي على أهل البيت ع. قوله ع و سدوا مكان الذي سدوا لعل المراد سدوا الفرج و الثلم التي سدها أهل البيت ع من البدع و الأهواء في الدين أو كونوا مثل الذين سدوا ثلم الباطل كما يقال سد مسده مؤيده قوله فأنى يسد و يحتمل أن يكون من قولهم سد يسد أي صار سديدا قوله ع فأنى يسد أي كيف يمكن سد ثلمة حصلت بفقده ع بغيره و الحال أنه كان أخا رسول الله ص إذ صار كل منهم شفعا بنظيره كسلمان مع أبي ذر و أبي بكر مع عمر و الشقيق الأخ كأنه شق نسبه من نسبه و كل ما انشق نصفين كل منهما شقيق أي عده الرسول ص شقيق نفسه عند ما لحق كل ذي نسب بنسبه و نديده أي مثله في الثبات و القوة إذ قتلوا و صرفوا وجوههم عن الحرب أو فشلوا من الفشل الضعف و الجبن. قوله و ذي قرني كنزها إشارة إلى قول النبي ص له ع لك كنز في الجنة و أنت ذو قرنيها و يحتمل إرجاع الضمير إلى الجنة و إلى الأمة و قد مر تفسيرها في كتاب تاريخه ع. و قوله إذ فتحوا أي قال ذلك حين أصابهم فتح أو أنه ع ملكه و فوض إليه عند كل الفتوح اختيار طرفي كنزها و غنائهما لكونها على يده و على
تقدير إرجاع الضمير إلى الجنة يحتمل أن يكون المراد فتح بابها و يحتمل أن يكون إذ قبحوا على المجهول من التقبيح أي مدحه حين ذمهم و الادعاء لنبذ عهد المشركين يمكن حمله على زمان النبي ص و بعده فعلى الأول المراد أنه لما أراد النبي ص طرح عهد المشركين و المحاربة معهم كان هو المدعى و المقدم عليه و قد نكل غيره عن ذلك فيكون إشارة إلى تبليغ سورة براءة و قراءتها في الموسم و نقض عهود المشركين و إيذانهم بالحرب و غير ذلك مما شاكله و على الثاني إشارة إلى العهود التي كان عهدها النبي ص على المشركين فنبذ خلفاء الجور تلك العهود وراءهم فادعى ع إثباتها و إبقاءها و الأول أظهر قوله ع ليلة الحصار أي محاصرة المشركين النبي ص في بيته